المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليقات على مادة "الأندلس - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌تعليقات على مادة "الأندلس

منذ عام 1891 Romanischer Vollmoller Jahresbericht: الكاتب نفسه Die arab. Sprache in den roman. Landem roman Philologie Grundriss. der في Grober: ، جـ 1، 1904 م،، ص 515 - 523؛ نفس المؤلف Hispano -Arabica: في - Zeitschr. der Deutsch. Morgenl. Ge . sellsch، جـ 63 ص 350 - 364. وانظر أَيضًا مقال بلاد العرب والعجمية).

[تسيبولد C.F. Seybold]

‌تعليقات على مادة "الأندلس

"

(1)

الأندلس: كلمة أعجمية جرى على الألسن أن تلزمها الألف واللام؛ غير أن البعض يحذفونهما وبخاصة في الشعر ومن ذلك:

سألت القوم عن أنس فقالوا

بأندلس وأندلس بعيد

وقد أصاب مؤلف المادة إذ لم يأخذ بما ذهب إليه بعض المؤلفين العرب القدماء من أن الأندلس سميت كذلك نسبة إلى أندلس بن طوبال بن يافث، فقد اعتادوا التسليم بالروايات البعيدة عن الصواب لما فيها من طرافة تستهويهم، ومنها قولهم: إن أندلس بن طوبال هذا كان يصاحبه أخ له يدعى سبت بن يافث فنزل العدوة المقابلة للأندلس بالمكان المعروف الآن باسمه وهو سبتة. وسيجد القارئ مثل هذه الرواية في الحاشية رقم 3 التي ستأتي بعد فيما يتعلق بأصل تسمية أسبانية، وهو بعيد عن موطن الصواب الذي هو عين ما أشار إليه كاتب المادة من أن كلمة أندلس مشتقة من الفندال الذين استولوا على هذه البلاد حقبة من الزمن.

وفي نفح الطيب للمقرى -وهو قريب مما عليه إجماع المحققين الآن-: "أول من سكن الأندلس قوم يعرفون بالأندلس -أي الفندال- بهم سمى المكان فعرب فيما بعد بالسين، كانوا هم الذين عمروها وتناسلوا فيها وتداولوا ملكها دهرًا على دين التمجس، ثم أخذهم الله بذنوبهم ففر أكثرهم فأقفرت الأندلس منهم وبقيت خالية فيما يزعمون مائة سنة وبضع عشرة سنة".

ص: 1301

(2)

إيبيريا Iberie والإيبيريون Les Iberes من اليونانية Iberi: شعب مجهول الأصل والمصدر عاصر في أسبانيا القديمة دول القلت Celtes والفينيقيين واليونان والرومان وقد انتشر في أسبانيا كلها وجنوبي فرنسا، فالإيبيريون على هذا الحساب هم أقدم أمم غربي أوربا. وفي تحقيقات العلماء ما يثبت أنَّهم من أسبانيا انتشروا في فرنسا كلها فإيطاليا وبريطانية العظمى. ومع هذا فإن اسم إيبريا لم يشمل في فرنسا سوى الأراضي غريب نهر الرون. وقد ظهرت أمة القلت في فرنسا فاكتسحت أمامها الإيبريين إلى أسبانيا حيث اختلطت أنساب الفريقين بعضها ببعض فنشأت أمة جديدة أسميت القلتيبيريين Celtiberes، وذكر ديودورس الصقلي المؤرخ هذا الاختلاط فقال: إن القلت والإيبيريين قضوا في المحاربات ردحًا طويلا من الزمن ثم تصالحوا وخلطوا أنسابهم فتولد منهم شعب جديد. وقد اختلف المحققون في أصل الإيبيريين وسبب دخولهم أسبانيا، فقال بعضهم: إنهم أغاروا عليها من الشمال والبعض الآخر إن الإغارة جاءت من الجنوب. وذهب غيرهم إلى أنَّهم انحدروا من أهل أسبانيا النازلين على ضفاف نهر إبْرُ: (بسكون الباء والهاء وضم الراء) L'ebre أو Ibe'rus . وفي آسيا على مقربة من بلاد فارس قوم يدعون بالإيبيريين كإيبيريى أسبانيا سواء ويقول فريق من العلماء إنهم لا شأن لهم بهؤلاء، ولكن المغفور له أَحْمد زكى باشا ذكر في تحقيق له أن نقود قديمة ضربت بشارة إيبيريى آسيا وهي الذئب الأغبر - وجدت في حفائر أسبانيا وأنها الدليل على أن من هؤلاء انحدر الإيبيريون الأسبانيون على أثر هجرتهم إلى أسبانيا بطريق البحر.

(3)

أشبانية: Espagne أسماها الرومان Hispania وكانت تسمى من قبلهم Hese'rie أي بلاد المغرب أو المغرب. وقال المقري في سبب تسمية أشبانيا بهذا الاسم: "إنه لما صار ملك الأندلس إلى عجم رومة وملكهم أشبان بن طيطش سميت الأندلس أشبانية، وقد ذكر بعضهم أن اسمه أَصبهان فأحيل بلسان العجم. وقيل بل كان

ص: 1302

مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه. وهو الذي بنى إشبيلية. وكانت أشبانية اسما خالصًا لإشبيلية التي كان ينزلها أشبان ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم الآن يسمونه أشبانية لآثار أشبان هذا فيه". انتهى كلام المقرى، ونقول إنه من قبيل كلام الذين زعموا أن الأندلس وسبتة إنما سميتا باسمى أندلس وسبت ابنى طوبال بن يافث وهو كثير امتلأت به كتب التاريخ العربية القديمة مثل قولهم إن إفريقية سميت كذلك باسم فاتحها أفريقش من أمراء اليمن، وهو قول ظاهر الفساد البطلان لأقل تأمل وأيسر تمحيص، وإنما سميت إفريقية بهذا الاسم من أفراغن Afraghen اسم قبيلة بربرية نزلت حول مدينة قرطاجة بتونس فأسميت باسمها في العصور الماضية.

(4)

بتيقا باللاتينية Baetica وبالفرنسية Betique: شطر أشبانيا القديمة الذي كان يخترقة النهر الكبير Guadalquivir ويحده من الشمال إقليم أناس Anas ومن الشرق طركونة Tar- ragone ومن الجنوب البحر المتوسط وبحر الظلمة (الأطلنطى) بحيث يضم في نطاقه القطر الذي كان معروفًا بأندلس وإقليم غرناطة وجزءًا من قشتالة الجديدة والبرتقال. ووصف بليناس Pline ذلك القطر بخصب الأرض وبأنه كان على عهد الرومان ينقسم أربع دوائر قضائية في قادس وقرطبة وإستجة وإشبيلية. وكان به في ذلك العهد 135 مدينة عامرة من أشهرها إشبيلية Hispalis وطرطوشة Tar- tessus وقرطبة Corduba وأصطبه As- tapa وقادس Gades ومالقة Malaca وأنتقيرة Antaquera (والأسماء الإفرنجية هنا مرسومة برسمها القديم). وكان يسكن تلك المدن أقوام اتصلوا بالفينيقيين والقرطاجيين قبل أن يحتكوا بالرومان فبتيقا هذه بحدودها الآنفة هي التي هبطها قوم الفندال المنحدرين من ألمانيا ومن ثم عزيت إليهم فأسميت فنداليشيا -كما ذكره مدون المادة- ثم حرف هذا الاسم على توالى الزمن إلى Andalousia أي الأندلس.

(5)

الأربونية: نسبة إلى أربون،

ص: 1303

وهي إحدى مدن جنوبي فرنسا الآن فيما يلي جبال البرانس Pyrenees على مسافة 55 كيلو مترًا من قرقشونة - Car cassonne وأصل رسمها بالفرنسية Nar- bonne أي نربون فحرفها العرب وكانت من منضماتهم بعد اختراقهم تلك الجبال إلى أربونة. وقد وردت بهذا الرسم في معجم ياقوت الذي قال: "أربونة بلد في طرف الثغر من أرض الأندلس بينها وبين قرطبة- على ما ذكره ابن الفقيه- أَلْف ميل". وهي في عهدنا الشاهد بندر مقاطعة أود Aude وشهرتها بجودة عسلها وخمرها وبأنها مسقط رأس طائفة من قياصرة رومة.

(6)

أشتورش: أوردها ياقوت الحموي في معجمه بالسين بدل الشين في موضعيها، وقال إنها بضم الهمزة وأنها حصن من أعمال وادي الحجارة بالأندلس أحدثه محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هشام الأُموي صاحب الأندلس، عمره في نحو العدو.

(7)

ورد تعريب كلمة Le' in في المصنفات العربية على ضربين أحدهما (لاون) وقد ذهب إليه الإدريسي وغيره، والآخر (ليون) بمقتضى منطوقه الإفرنجي، وإلى هذا الرسم ذهب المقرى في مواضع شتى من كتابه نفح الطيب إذ قال في أحدها:"ومعادن الفضة بناحية إفرنجة وليون". وكانت مملكة ليون القديمة متصلة بمملكة أشتورش ثم انفصلت منها في سنة 915 م وانضمت إلى قشتالة مرتين إحداهما في القرن الحادي عشر والأخرى في الثالث عشر.

وكانت مملكة ليون القديمة تضم ضمن حدودها من ولايات أسبانيا بحسب التقسيم الحاضر: ليون وبلد الوليد وشلمنقة وسمورة (ويقال أَيضًا: زمورة). وكلمة Le'on تسمى بها أَيضًا الجزيرة التي تقوم عليها مدينة قادس بجنوب أسبانيا.

(8)

كلمة Argon عربّها العرب على وجهين: الأول أرجون بالجيم ورد في نزهة المشتاق للإدريسي وغيره، والثاني بالغين وقد ذكره المقرى في جملة مواطن من نفح الطيب إذ قال في أحدها: "والإقليم الخامس يمر على طليطلة وسرقسطة وما في سمتها إلى

ص: 1304

بلاد أرغون" غير أنَّه في مواطن ذكرها بالجيم وهذا يفيد أن عرب الأندلس كانوا يجمعون بين الوجهين في رسمها، فاختر لنفسك ما يحلو.

ولا تخلط أرجون مدينة إقليما بمدينة أرجونة لمجرد التشابه اللفظي، فإن أرجونة بلد ناحية جيان Jaen بالأندلس الأصيل أي بالنصف الجنوبي من أشبانيا، أما أرجون ففي أقصى النصف الشمالي منها إذ تتصل حدودها الشمالية بجبال البرانس من غير فاصل وأرجون هو في الأصل اسم نهر ينحدر من تلك الجبال ويصب في نهر إبره Ibre فأسمى واديه الأعلى باسمه الذي سرى فيما بعد على الأراضى الفسيحة والولايات الكبيرة التي انضمت إلى هذا الوادي وتألفت منها مملكة أرجون وامتدت من جبال البرانس شمالا إلى جبال كونكة Cuenca (قونكة أَيضًا) جنوبا ثم إلى بلنسية شرقًا غير أنها لم تلبث على مر الأجيال أن تجزأت إلى ولايات ومقاطعات نذكر منها مقاطعة وشقة Huesca ومقاطعة سرقسطة Sar- agosse وغيرهما.

(9)

طرف القديس فنسان Cap de st Vincent: هكذا يسمونه في الجغرافيا الحديثة، وكان الأشبانيون يسمونه من قبل "طرف الغرب" Promontoire L'Algarve بالإضافة إلى ولاية أو بلاد "الغرب" Algarve L' التي يتألف منها القسم الجنوبي من البرتغال فكلمة- Al garve إذن كلمة عربية أصلها الغرب بالإبدال من حرف الباء حرف V. وقد كان ملوك البرتغال- الذين أخضعوا المغرب الأقصى (مراكش) لحكمهم عهدًا ما يتلقبون بملوك الغربين Les rois de deux Algarves يريدون بلاد الغرب البرتغالية الآنفة الذكر وبلاد المغرب الأقصى.

وسبب تسمية طرف الغرب برأس أو طرف القديس فنسان أن هذا القديس قتل في بلنسية في عهد قيصر الرومان دقلطيانوس المشهور بجوره واضطهاد المسيحية وألقيت جثته في العراء كي تنهشها الضوارى وتفترسها الجوارح ولكن قيل: إن غرابًا هبط فحرسها ومنع عنها عادية هذه الحيوانات. وفي عهد

ص: 1305

الخليفة عبد الرَّحْمَن الأول الأُموى نقل أهل بلنسية الجثة إلى طرف الغرب وبنوا عليها كنيسة اشتهرت فيما بعد بكنيسة الغراب وسمى طرف الغرب من هذا الحين برأس القديس سان فنسان.

(10)

Cabo de Roca بالبرتغالية و Cap de la Roche بالفرنسية: رأس على ساحل مقاطعة إشبونة داخل في البحر إلى غربها في ارتفاع 142 مترًا. كان في عهد الرومان يسمى - Tarium Mag num ومعناه باللغتين البرتغالية والفرنسية رأس الصخرة أو طرفها وقد كان في استطاعة العرب أن يسموه في العربية بما يطابق هذا الاسم ولكنهم آثروا تعريبه بلفظه فقالوا "طرف رُقة" بضم الراء وفتح القاف المشددة.

(11)

اجتمعت للأقيانوس الأطلنطي -المنسوب إلى أطلنطيد، وهو قارة قالوا إنها كانت ظاهرة على سطحه ثم غاصت- أسماء كثيرة هي التي ذكرها محرر المادة. ونحن نضيف إليها وصف الإكليلي -نسبة إلى الإكليل- ذكر أَحْمد بن ماجد الربان العربي الملقب بأسد البحر في إحدى رسائله في علم البحر سبب وصفه بالإكليلي فقال لأنه يكلل العالم.

(12)

فونتارابى بالفرنسية Fon- tarahie وبالإسبانية Fuenterrabia وباللاتينية الجديدة Fons repalus اسم مدينة عند سفح جبل جيزكى Jaizqui وعلى مقربة من مصب أحد الأنهر في خليج الانقليشيين (خليج بسكاى أو غسقونيا) تجاه بلدة هنداى Hindaye الفرنسية ويشتق ذلك الاسم باختلاف أوضاعه من كلمة ondarralia التي تفيد في لغة البشكنس Le Basque معنى "مخاضة الرمل" ذلك لأن الرمال في منطقتها تختفي وتظهر بفعل المد والجزر، وتحمل قصورها الجليلة شارات أصحابها من الأشراف والنبلاء السابقين وبها عقد الملك لويس الرابع عشر زواجه من الأميرة مارى لويز. وفي مقالعها حجر الطباعة وحجر الطواحين.

(3)

جبال Pyrenees الفاصلة بين فرنسة وأشبانية بين البحر المتوسط وخليج الإنقليشيين (بسكايه): أسماها العرب جبال البرانس، ووجد لها أحد محققينا اسما آخر وهو "البرنات" بنون

ص: 1306

بعد الراء وهو خطأ صوابه البرتات بالتاء لا بالنون أي أبواب الجبال ومنافذها التي مر العرب منها لاقتحام أرض فرنسة.

وكتب مؤلف هذه المادة لتفسير معنى البرتات الجملة الآتية: Monts des ports (puertos) أي "جبال الموانئ" وفسر كلمة ports الفرنسية منها بكلمة (Puertos) الأسبانية واضعًا إياها بين قوسين وهذه الكلمة الأسبانية تفيد بلا نزاع معنى حلوق الجبال gorges de Montagnes وأبوابها ومنافذها التي توصل من جنبها إلى الجانب الآخر وهذا المعنى هو المراد لا الموانئ إذ لا موانئ في الجبال.

وفي التقسيم الإدارى للقطر الأشباني أيام العرب أطلق اسم "البرتات" على إقليم من أقاليمه الشمالية يتصل بجبال البرانس في جزئها الذي يحتوي تلك الحلوق أو المنافذ أو الأبواب.

ولجبال البرانس اسم آخر أشار إليه مؤلف المادة وهو "الحاجز" وقد ذكره الحجارى في كتابه المسهب حيث قال: "إن طول الأندلس من الحاجز إلى إشبونة ألف ميل" وقال: "ومسافة الحاجز أربعون ميلا -والصواب 312 ميلا- وهذا عرض الأندلس عند رأسها ولقلته سميت جزيرة وإلا فإنها ليست بجزيرة على الحقيقة لاتصال هذا القدر بالأرض الكبيرة" أي قارة أوروبا. وقال ابن سعيد: "وهنالك الحاجز الذي يفصل بين الأندلس والأرض الكبيرة وفي هذا المكان جبل البرت -مفرد برتات- الفاصل في الحاجز المذكور وفيه الأبواب" أي الحلوق التي مر منها عرب الأندلس لشن الغارة على فرنسة.

(14)

معنى كلمة Sierra في اللغة الأشبانية "المنشار" ومعناها أَيضًا الجبل أو سلسلة الجبال لأنها تشبه في تعاقبها أسنان المنشار. وقد نقل عرب أشبانية إلى لغتهم كلمة Sierra مفرغة في قالب "شارة" للمفرد و"شارات" للجمع. وفيما صنفوا من كتب الجغرافيا أن جبل الشارات المسمى الآن باللغة الفرنسية Monts des sierra هو الجبل العظيم الذي يأخذ من ظهر مدينة سالم Medinaceli إلى أن يأتي قرب مدينة قلمرية Coimhre في آخر الغرب أي في

ص: 1307

آخر بلاد البرتغال وفي التقسيم الإدارى لأشبانية على عهد العرب أطلق اسم إقليم الشارات على إقليم يتصل بجبل الشارات وهذا الإقليم يلي إقليم بلاطه Plata وفيه من المدن: طلبيرة Ta- lavera ومجريط Majerit أو Ma- drid والفهمين ووادي الحجارة Guadalajarra وأقليش Ucles ووبذة Huete . وقال الإدريسي في نزهته: "جزيرة الأندلس مقسومة من وسطها في الطول بجبل طويل يسمى الشارات فما خلفه في جهة الجنوب يسمى أشبانية وما خلفه في جهة الشمال يسمى قشتالة" هذا وقمة الجبل تسمى في اللغة الأسبانية Cerro فلا تخلطها باسم الجبل في اللغة بعينها وهو sierra فلا تخلطها باسم الجبل في اللغة بعينها وهو sierra كما قدمناه.

(115)

أسمى العرب سلسلة جبال Sierra Nevada بجبل الثلج أو جبل شلير (بضم ففتح فسكون) الذي قال ياقوت في التعريف به: "إنه جبل بالأندلس من أعمال إلبيرة Elvira لا يفارقه الثلج شتاء ولا صيفا" وفي وصفه قال أحد المغاربة وقد مر به:

يحل لنا ترك الصلاة بأرضكم

وشرب الحميا وهو شيء محرم

فرارًا إلى نار الجحيم فإنَّها

أخف علينا من شلير وأرحم

وجبل الثلج هذا أو جبل شلير أعلى جبال أشبانية إذ هو يسمو على أرفع قمة في جبال البرانس بقدر 152 مترًا ولذا يراه الرائي من مدينة وهران بقطر الجزائر كما تُرى سواحل إفريقية من أعلاه على بعد 200 كيلو متر أي أكثر من المسافة بين القاهرة والإسكندرية على خط مستقيم وتمتد سلسلته من إقليم غرناطة إلى إقليم المرية Almeria في طول 150 كيلو متزا وعرض 15 إلى 30 كيلو مترًا. ومن "ثلوجه الهطالة"- وهذا هو المعنى الدقيق لكلمة Nevada في اللغة الأشبانية- تتولد المياه التي تغذى نهر شنيل (Genil الفرنسية و - Xe nil بالأشبانية) وهو النهر الذي يجرى قبلى مدينة غرناطة ويسوى في نظر أهلها أَلْف نيل كنيل مصر، لأن اسمه مركب مزجى من حرف (ش) الذي كان ولا يزال يعدل 1000 بحساب الجمل عند المغاربة ثم من (نيل) وهو نيل مصر.

وأعلى قمم جبل شلير القمة

ص: 1308

المشهورة باسم Cerro Mula Hacen أي قمة مولاى حسن الذي دالت دولة العرب نهائيًا في الأندلس ودك ركنها ثُلَّ عرشها في عهد ابنه أبي عبد الله الذي يسميه الإفرنج Boabdil آخر ملوك بنى الأحمر وأخر ملوك العرب في الفردوس المفقود.

(16)

الغزيري: هو ميخائيل الغزيري من غزير إحدى قرى لبنان على مقربة من بيروت، مستشرق ولد في طرابلس الشَّام سنة 1710 م من أبوين مارونيين وتوفى في مجريط (مدريد) يوم 12 مارس سنة 1791 م. وقد تلقى العلم في رومية وتخصص في درس اللغات السامية وبرع فيها فعين مديرًا لمكتبة الإسكوريال فتوفر فيها على درس المخطوطات العربية التي تحتويها هذه المكتبة وأودع ثمرات بحوثه كتابًا عنوانه Bibliotheca arabico hispana escurialensis طبع بمجريط سنة 1760 - 1770 م في مجلدين. وقد استدرك درنبورغ Derenberg على كثير من مواد هذا المصنف في كتاب ألفه تحت عنوان Les Manuscrits arabes de L'Escurial وطبعه بباريس سنة 1884 م. محمَّد مسعود.

+ الأندلس، أو جزيرة الأندلس: مصطلح جغرافي كان يدل في العالم الإِسلامي- حتَّى نهاية العصور الوسطى- على شبه جزيرة إيبيريا، أي أسبانيا والبرتغال الحديثتين.

(أولًا) معنى التسمية الاصطلاحية للفظ الأندلس.

(ثانيًا) إلمامة بجغرافيتها.

(ثالثًا) معالم جغرافيتها التاريخية.

(رابعًا) سكان الأندلس.

(خامسًا) تطورها.

(سادسًا) إلمامة بتاريخ الأندلس؛ ملحق: الأندلس في شمال إفريقية.

(سابعًا) الإِسلام في الأندلس.

(ثامنا) الأدب الأَنْدلسي والثقافة الأندلسية.

(تاسعًا) الفن الأَنْدلسي.

(عاشرًا) العربية الأسبانية.

ص: 1309

أولًا - معنى التسمية الاصطلاحية للفظ الأَنْدلسي.

يرتبط اسم الأندلس فرضًا باسم الوندال (الأندليش) الذين أطلقوا على بايتيكا اسم "ونداليشيا" عندما عبروا شبه جزيرة إيبيريا قبل غزوهم لشمالى إفريقية. وورد ذكر الأندلس في عهد متقدم يرجع إلى مستهل عام 98 هـ (716 م) على دينار مكتوب بلغتين، والنقش اللاتيني فيه يورد لفظ "أسبانيا" مرادفًا للأندلس؛ وهذا اللفظ أو صنوه "هسيانيا" كانا هما اللفظين الوحيدين اللذين استعملهما الإخباريون اللاتين الأسبان الأوائل للدلالة على شبه جزيرة إيبيريا باعتبارها كلا واحدا أي على الأسبانيتين المسيحية والإِسلامية. ومن جهة أخرى يبدو أن استخدام الكتاب العرب لمصطلح الأندلس كان دائمًا مقصورًا على أسبانيا الإِسلامية مهما كانت رقعتها التي تتناقص باضطراد بسبب عودة المسيحيين إلى غزوها (Reconquista). وقد استخدم مصطلح الأندلس حتَّى عندما انحصرت سلطة المسلمين في شبه الجزيرة في إمارة غرناطة النصرية الضئيلة للدلالة على رقعة هذه المملكة الصغيرة وحدها ومن جهة أخرى نجد أن الإخباريين المسلمين استخدموا مدة من الزمن أسماء (بالصيغة العربية) إشبانيا (هسيانيا - إسبانيا) وأسماء الإمارات المسيحية التي تكونت نتيجة عودة المسيحيين إلى غزو الأندلس، وهي: ليون (Leon) وقشتالة أو قَشَتيلةَ (Castile، Castilla) وبرتقال (Portugal) وأراغون (Aragon) ونبارة (Navarre).

ومن اسم الأندلس (ترد أحيانًا صيغة الأندلس وبخاصة في أزجال ابن قزمان) يشتق المصطلح السلالي "أندلسي" والمصطلح الجماعى "أهل الأندلس" واستبقى هذا المصطلح في الاستعمال الحديث للدلالة على المنطقة الجغرافية التي تكونت من إقليم البحر المتوسط الأدنى (المناطق الساحلية والأراضي الجبلية) المناظرة، من الشرق إلى الغرب، للصقع الممتد من ولاية المرية Almeria الحديثة إلى ولاية ولبة Huelva وإلى إقليم أندلوسيا Andalusia الطبيعي (أندالوثيا بالأسبانية) ويسمى

ص: 1310

سكانه أندولوثيين Anduluces (ومفرده أندالوز).

المصادر:

(1)

Hist Esp mus: Levi -Provenca، جـ 1، ص 71 - 73.

(2)

الكاتب نفسه Esp mus. Xe siecle، ص 5 - 6.

(3)

Ch. Les Vandales et Courtois L'afrique، باريس سنة 1955 م، ص 56، 57، تعليق رقم 1.

ثانيًا - معالم الجغرافية التاريخية للأندلس

1 -

أوصاف الأندلس: إن كتب الجغرافيين العرب (مشارقة ومغاربة) التي وصلت إلينا، هي عماد معلوماتنا عن الأندلس في العصور الوسطى وتطورها واستغلال مواردها الطبيعية. وهناك أولًا: كتب المسالك التي نشرها دى غويه في المكتبة الجغرافية العربية (BGA) وهي لا تفرد إلا حيزا محدودا لأسبانيا، وأقدمها كتب ابن خرداذبه واليعقوبي وابن الفقيه وابن رسته، وتشمل أوصافًا موجزة إيجازًا يحمل المرء على أن يفترض أن الأندلس كانت حتَّى القرن الرابع الهجري (القرن العاشر الميلادي) ولاية إسلامية غير معروفة إلَّا قليلا للمشرق الإسلامي. ومنذ عودة الخلافة المروانية في قرطبة يصبح التوثيق الجغرافي للأندلس منهجيًّا، وإن ظل يفتقر إلى البسط في شيء كثير من التفصيل. وتعنى البيانات التي أوردها الإصطخري المتوفى 322 هـ (934 م) عن الأندلس بالزراعة والتجارة، وتصف أربعة عشر دليلا للسفر في داخل شبه الجزيرة. وكان معاصره ابن حوقل أفضل منه حظًّا، فقد زار أسبانيا شخصيًّا وحصل على معلومات وثيقة مسايرة للعصر بالاستفهام ممن عندهم الخبر اليقين وهو في الطريق، والحق إن صورة الأندلس التي كشف عنها قلم هذا الكاتب المناصر للفاطميين تتسم بالتحيز في كثير جدًّا من الأحوال، ومع ذلك فهي أول وصف معقول وكامل مترابط في آن واحد وصل إلينا عن مملكة قرطبة. وجدير بالاهتمام كذلك البيان الذي ساقه المقدسي الفلسطيني (نهاية القرن العاشر)، فهو يسوق

ص: 1311

أقوالا هامة من الواضح أنها تقوم على ما استقاه من مصدر وثيق -على الرغم من أنَّه هو نفسه لم يقم بزيارة الجزيرة- تتناول بصفة خاصة الحياة الفكرية واللغة وفن القياس والكيل والتجارة في البلاد.

ومنذ عهد الخلافة وفي القرون التالية نجد أن جميع الأوصاف التي كتبت أولًا في الغرب من الأندلس تدين بالفضل للوصف الذي وضعه الإخباري القرطبي المشهور أَحْمد الرَّازي المتوفى عام 344 هـ (955 م) والمشرقي الأصل؛ على رأس تاريخه الكبير عن الأندلس، وهو الآن مفقود، وقد رجع بعض الكتاب إلى هذا المصدر يستشهدون به دون أن يقروا بذلك، نخص بالذكر منهم ياقوت في كتابه معجم البلدان. ولا نعرف وصف الرَّازي إلَّا من نسخة قشتالية نشرها عام 1852 م كايانكوس P.de Gayangos واستقاها من نسخة برتغالية أنجزت حوالي مستهل القرن الرابع عشر بأمر دنيس ملك البرتغال (1279 - 1325 م) وقد ترجمها كاتب هذه المادة إلى الفرنسية وحاول أن يستعيد أصلها العربي (في And، سنة 1953 م، ص 51 - 108).

وهكذا يتضح أن خطة "وصف" أَحْمد الرَّازي، قد اتخذت هيكلا لمعظم الأوصاف التي تلتها على الرغم من أنها أجملت معالمها فحسب.

ومن مفاخر أهل الأندلس الوصف الذي قام به الأَنْدلسي أبو عبيد البكري المتوفى عام 487 هـ (1094 م) والذي فقد لسوء الحظ وإن كان يمكن استعادته إلى حد كبير من الملاحظات عن الأندلس التي وردت في كتاب الروض المعطار للمصنف المغربي ابن عبد المنعم الحميري وهو من أعيان القرن السابع الهجري (القرن الرابع عشر الميلادي) وقد أفاد الحميري أَيضًا من مادة كتاب الشريف الأدريسي. ويجب أن يضاف إلى هذه القائمة -علاوة على مجموعات عجائب المخلوقات الخاصة بالأندلس التي تضمنها كتابًا القزويني والدمشقي- التعليقات التي جمعها المقرى المغربي (القرن السابع عشر) في المجلد الأول من كتابه "نفح الطيب"،

ص: 1312

وهذه التعليقات تستفيض في بعض الأحيان استفاضة كبيرة.

المصادر:

(1)

إلمامه عامة في levi- Provencal: Hist. Esp. Mus، حـ 3، ص 233 - 239.

(2)

أوصاف الأندلس التي ظهرت في كتب المكتبة الجغرافية العربية، وهي: ابن خرداذبه وابن رسته (الترجمة الفرنسية التي قام بها. G Wiet القاهرة سنة 1937، ص 217 - 221).

(3)

الإصطخرى: المكتبة الجغرافية

العبية، حـ 5، ص 46 - 46.

(4)

ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 74 - 79 ويجب أن يدرس في طبعته الجديدة التي نشرها جـ. هـ. كرامرز H. Kramers J.، ليدن سنة 1938 م، جـ 1، ص 108 - 17.

(5)

المقدسيّ: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 215 - 48.

(الترجمة الفرنسية التي قام بها ش. بلا Ch. Pellat، الجزائر سنة 1950 م).

(6)

وأكمل كتاب ظهر في ميدان التأليف الجغرافي للأندلس على الرغم مما به من نقص، هو كتاب J.Alemany La Geografia de la Peninsula: Bolufer iberica en escritores arabes، غرناطة سنة 1921 م (مستخرج من Rev. del -Centro de Est. hist. de Granada y su re ino)

(7)

وانظر أَيضًا الإدريسى: نزهة المشتاق (دوزى وده غويه، Description de L'Afrique et I'Espagne، ليدن سنة 1866 م، المتن ص 165 - 214؛ والترجمة الفرنسية ص 197 - 266.

(8)

La Peninsule: E.Levi - Provencal iberique au moyen age d'apres le Kitab al Rawd al - Mitar - ليدن سنة 1938.

2 -

جغرافية الأندلس الطبيعية طبقًا للرواية الجغرافية الإِسلامية:

يذهب الرازي إلى أن الأندلس هي طرف الإقليم الرابع تجاه الغرب، وإنها صقع ترويه غالبًا عديدة وينابيع عذبة. وبعد هذا التصريح يشرع الجغرافيون عادة في كيل عبارات التقريظ ويفردون حيزًا كبيرًا للفضائل الأسبانية على طريقة إيزيدور الإشبيلي.

ص: 1313

والأندلس مثلثة الشكل، وكل زاوية من هذا الملك تطابق مكانًا مشهورًا في روايات الأسطورة الأسبانية. ويقوم معبد قادس "صنم قادس" في رأس الزاوية عند الجنوب الغربي، أما الزاوية الثَّانية فتقع على خط عرض جزر البليار بين نربونة وبوردو (كذا)، والزاوية الثالثة في الشمال الغربي تطابق برج هرقل Torre de Hercules قرب قورنية. وهذه الآراء توضحها بعض التوضيح أَيضًا خرائط كتابي المسالك لابن حوقل والإدريسي. وقد فطن الرَّازي بوضوح إلى إحدى الخصائص التي تتميز بها البنية الطبيعية لشبه الجزيرة: وهو يرى وجوب التمييز بين أسبانيا الغربية وأسبانيا الشَّرقية واضعًا في الاعتبار الفروق في اتجاه الرياح وسقوط المطر ومجرى الأنهار. ففي أسبانيا الغربية تنساب الأنهار نحو المحيط الأطلسي وتحمل الرياح الغربية المطر إليها.

ويصدق العكس على أسبانيا الشَّرقية حيث تسود الرياح الشَّرقية وتتدفق الأنهار نحو الشرق.

وكثيرًا ما ترد معالم أخرى للدلالة على بعض مواقع "المثلث" الذي تكونه الأندلس، وهي رأس سانت فنسنت في الطرف الجنوبي الغربي للبرتغال، ويسمى بالعربية "كنيسة الغراب" وهيكل الزهرة في المقابل - Port - Ven) (dres.

وعند الاقتراب من الأندلس من جهة قارة أوروبا أو غاليش أو الأرض الكبيرة، يجب أن يعبر المرء جبال البرانس باجتياز باب أو أبواب أخرى أو "بَرتات" للوصول إلى أرض الغسقونين (البشكونش) أو إلى أرض الإفرنج. ويمكن من هناك بلوغ شواطن الأطلس الذي يسمى بحر الظلمات أو البحر الأخضر أو البحر المحيط. وقد اقتحم هذا المحيط الخطر عدد من الملاحين المجازفين واشتغلوا بالتجارة الساحلية من أرض السود وجزر الكنار أو "الجزر الخالدات" حيث حدود بريطانية. ويعرف البحر المتوسط باسم "البحر الكبير" و"البحر المتوسط". أو "بحر تيران Tyrrhenian Sea .

ص: 1314

وفي رأى الرَّازي أنَّه لا توجد إلا ثلاث سلاسل جبلية في أسبانيا تخترق شبه الجزيرة من بحر إلى آخر ولا تقطع واحدة منها نهرا. وأولى هذه السلاسل هي سييرا مورينا، وتسمى جبال قرطبة، وهي ترتفع من ساحل البحر المتوسط في الشرق وتنتهي في الغرب على المحيط الأطلسي. والثانية هي سلسلة جبال البرانس بين نربونة وجليقية. والثالثة تقطع أسبانيا بانحراف من طرطوشة إلى لشبونة، وهي تطابق سلسلة الجبال المستعرضة المسماة الشارات، كما جاء في كتاب الإدريسي. ومهما يكن من أمر فإن الجغرافي يجد لزامًا عليه أن يذكر علاوة على هذا سييرا نيفادا (جبل شيلر Mons Solarius) وسرانيا المالقية (جبل ريه) الذي يمتد إلى الجزيرة الخضراء Algeciras.

وأهم نهر في الأندلس هو نهر الوادي الكبير المعروف أَيضًا باسم النهر الأعظم، ونهر قرطبة، ويشار إليه أحيانًا باسمه القديم نهر بيطى (Beatis) ويبلغ طوله 310 ميلًا، وهو نهر بايتيكا أخصب جزء في شبه الجزيرة، ويروى قرطبة وإشبيلية، وأهم روافده هو وادي سنجيل أو شنيل الذي ينساب مخترقًا غرناطة ولوشة وإستجة؛ ووادي شوش، والوادي الأحمر. وقد أطلق عليه هذا الاسم بسبب لون مياهه الضارب إلى الحمرة؛ ووداي بلون.

ويبلغ طول نهر وادي آنا في جملته 320 ميلا، وهو ينبع من نقطة لا تبعد عن منبع نهر الوادي الكبير، ويسير جانب من مجراه تحت الأرض ثم يظهر من جديد في منطقة قلعة رباح، ويصب في المحيط الأطلسي عند أخشونبة.

وينبع وادي تاجه من جبال طليطلة، ويقطع من مجراه 580 ميلا ثم يصب في المحيط الأطلسي عند لشبونة. وإلى الشمال منه أَيضًا يجرى وادي دويره وطوله 780 ميلا، وتغذيه بضعة روافد، ثم يصب في المحيط الأطلسي عند أوبورتو (برتقال). وهناك نهر مهم آخر يصب في المحيط الأطلسي وهو نهر منيو (منهو بالبرتغالية) الذي يخترقه جليقية من الشرق إلى الغرب ويبلغ طوله 300 ميل.

ص: 1315

ولا يذكر الرَّازي من الأنهار التي تصب في البحر المتوسط إلَّا نهر وادي شقوره الذي ينبع قرب منابع الوادي الكبير ونهر إبره (Rio Ebro)، وينبع الأخير عند فنتنبرة Fontibre، في قشتالة العليا، ثم يبلغ أخيرًا البحر غير بعيد من طرطوشة قاطعًا مسافة قدرها 204 أميال. ولنهر إبره روافد عديدة منها نهر جلق الذي ينحدر من جبال السيرطانيين.

3 -

الأسماء الاصطلاحية للأقسام الحضرية والإقليمية في الأندلس: الأندلس مشهورة، في جميع عهود تاريخها الإسلامي، بعدد مراكزها الحضرية، وهي بهذا تتباين مع الفقر النسبى في شمالي إفريقية فيما يختص بالمناطق السكانية المعادلة لها في الأهمية. وقد بقيت كل المدن الرومانية تقريبًا بعد الفتح العربي واستمرت في الازدهار. ومن جهة أخرى فإن المدن الجديدة التي أسسها الفاتحون لم تكن كتيرة، وكانت تشيد دائمًا -أو تكاد- لأسباب استراتيجية أو لتكون قواعد ساحلية يقصد بها الحد من المطامع العدوانية للفاطميين في غربي البحر المتوسط؛ فنجد، مثلًا، أن مرسية قد حلت محل مدينة إللو Ello القديمة، وأن المريَّة كانت في مبدأ الأمر مجرد مركز ساحلى لرصد حركات العدو قبل أن تتطور في القرن العاشر وتصبح محطة بحرية ودار صناعة. وفي معظم الحالات بقيت الأسماء اللاتينية القديمة للأماكن في الواقع دون أن تمس، مثال ذلك أن كردوبا أصبحت قرطبة، وهسبالى أصبحت إشبيلية، وقيصر أوغسطا أصبحت سرَقسْطة، وفالنسيا أصبحت بلنسية؛ أو اتخذت في غير ذلك صيغة التصغير، مثال ذلك أن توليتوم Toletum، أصبحت طليطلة. وقد كانت أسماء الأماكن التي لها أهمية تاريخية توريات في الأصل، مثال ذلك أن أوسيلى Ocili أصبحت مدينة سالم Me- dinacelli التي تسببت في الوجود الأسطورى لمؤسس موهوم يدعى سالمًا، أما المدن التي أطلقت عليها أسماء عربية وصفية فكانت هي الاستثناء من القاعدة، مثل الجزيرة الخضراء Al- geciras . وحملت بعض الأماكن اسم القبيلة العربية أو البربرية التي سكنتها

ص: 1316

بعد الفتح: مثل بلى (Poley) وغافق شمال قرطبة، ومكناسة (Mequinenza) في أراغون.

وثمة عدة أماكن في شرق الأندلس اتخذت أسماء كانت تطلق على "محطات" واقترنت باسم عربي خاص، وهذا يدل على عمق ما لحقها من تأثير عربي، مثل: منزل عَطّاء (Mislata) ومنزل نصر (Masanasa) في ضواحي بلنسبة .. وصيغت أسماء كثير من الأماكن في إقليم بلنسية على غرار أسماء قبائل بإضافة كلمة بنى إلى اسم الجد الأكبر (انظر Levi - Provencal، .Hist. Esp. Mus ، جـ 3، ص 326 - 328).

وفي العصر الذي كتب فيه أَحْمد الرَّازي وصفه للأندلس كانت الأندلس- أي أسبانيا الإسلامية- يفصلها عن أسبانيا المسيحية خط من الحدود يعد منطقة حرام، تحدها من الجوانب على طول حدودها ثلاثة ثغور: الأعلى والأوسط والأدنى. وكان كثير من المناطق في شبه الجزيرة قد فصل بالفعل في نهاية الأمر عن الأندلس منذ أخليت تحت ضغط البوادر الأولى لإعادة الغزو المسيحى، مثل الثغر الأسباني في الشرق، وإقليم الباسك في الوسط، والساحل الكانتبرى في الغرب.

ولم تكن الحملة الشهيرة التي شنها المنصور العامري على شنت ياقب - San) (tiago de Compostela إلَّا غارة قصد بها مجرد الاستعراض دون أن يكون لها أثر حاسم. ومن ثم فقد العالم الإِسلامي نهائيًا إبان عهد الخلافة جزءًا من أسبانيا، ولم يسع إلى استعادته.

ومهما يكن من أمر فإن التنظيم الإقليمى للأندلس ظل كما هو ولم يتغير.

ويرجع تاريخ هذا التنظيم إلى القرن الثامن الميلادي، ولذلك كان سابقًا على استعادة المروانيين للخلافة. وكان يقوم على كور لكل منها قصبة وحاكم وحامية. وتختلف قوائم الكور في عهد الخلافة اختلافًا كبيرًا، ويورد المقدسيّ بيانًا غير كامل يضم 18 اسمًا فقط، أما ياقوت فيحصى منها 41، وهو رقم يقارب الرقم الذي ذكره الرَّازيّ الذي يصف 37 كورة على التوالى. وأورد

ص: 1317

الإدريسي فيما بعد تقسيما لا يقوم على كور، ولكن على"الأقاليم" التي ليس لها مدلول إدارى، وقدم أسماء كثيرة لا بد أن ننكرها في حزم باعتبارها منحولة. وبالاستفادة من المعلومات التي أوردها الرَّازي الذي انتهج نظامًا يتمركز حول العاصمة، والمعلومات التي ذكرها البكري، يمكن بسهولة تحديد المعالم الرئيسية لكل كورة هامة في التنظيم الإقليمى على عهد الخلافة. وكان يطلق على الكورة عادة الاسم نفسه الذي يطلق على قصبتها فيما عدا بعض استثناءات لوحظت فيما يلي: كانت أهم كورة هي كورة قرطبة وتحدها من الشمال كورة فحص البلوط (Llano de los Pedroches أي "هضبة البلوط") وكان أهم موضع فيها غافق (ولا شك في أنها بلالكازار الحديثة Belalcazar: انظر F.Hernandez، . في. And، سنة 1944، ص 71 - 109). وعلى الجانب الآخر من سهل قرطبة الغريني (القنبانية، لاكامبينيا الحديثة - La Cam piua) إلى الجنوب من الوادي الكبير تقع الكور الصغيرة: قبرة، وإستجه. وبعدها غربًا كانت تقوم أقاليم قرمونه وإشبيلية ولبله الغنية. أما كورة أخشونبة وقصبتها شلب فكانت تطابق الغرب (غريب الأندلس -أي الحد الجنوبي للبرتغال الحديثة- على المحيط الأطلسي). وتقع شمالي هذا الإقليم كورة باجة. وكان الجزء الواقع في أقصى الجنوب من الأندلس منقسما إلى أربع كور: مَورْور، وشَذوُنةَ، والقصبة قلَشأنةَ، والجزيرة الخضراء وتاكرَنُا، والقصبة رنُدْةَ وبعدها شرقًا كورة مالقةَ التي كانت تسمى رَيهُ، وكانت قصبتيا أرْجُذوُنةَ، وكانت متاخمة لكورة إلبيرة وهي (Iliberris سابقًا)، وتقع إلى الغرب قليلا من غرناطة الحديثة: وكانت كورة إلبيرة تتاخم كورتى جَيّان وبَجّانةَ، وقد نقلت قصبتها إلى المرية في عهد الحكم الثاني.

وكان شرقي الأندلس على البحر المتوسط مقسما من الجنوب إلى الشمال إلى ثلاث كور كبرى: تُدمير، وهي المملكة القديمة للأمير تيودميرَ القوطى وقصبتها؛ وشاطبة وبَلنَسْيةَ اللتين كانتا تمتدان حتَّى قال وادي إبره. أما في

ص: 1318

داخل البلاد فيما وراء سلسلة جبال قرطبة (سييرا مورينا) فكانت منطقة طليطلة تكون كورة امتدت شرقًا بضم كورة شَنتْبَرْية وقصبتها أقليج. والراجح أن جزائر البليار (الجزائر الشَّرقية) كانت في عهد الخلافة كورة منفصلة. وفي النصف الغربي من الأندلس ينطبق هذا الذي ذكرناه على الأقاليم التي كانت قد استتب فيها الأمن حديثًا ماردَة، وبطليوس، وشنترين ولشبونة (الأشبونة) وربما قُلُمِرْية. وكانت تسع كور منها تعرف "بالمجنَدَّة" لا تزال تتمتع بمركز ممتاز في عهد الخلافة لأن أراضيها أقطعها الأمير أبو الخطار الكلبي عام 125 هـ (742 م) للجند الشامية الذين استقدمهم القائد بلج بن بشر إلى الأندلس، وكانت هذه الكورة هي كورة إلبيرة، وقد أقطعت للجند الدمشقيين، وَريّه التي أقطعت لجند الأردن، وشذونة التي أقطعت لجند فلسطين، وَلبْلةَ وإشبيلية وقد أقطعتا لجند حمص، وجيان التي أقطعت لجند قنَسرْين، وباجة وأخشونبة، ومرسية أيَضًا، لجند مصر.

وأورد الرَّازي عددًا من الكور المتطرفة في إقليم الثغور العليا: طرَّكوُنة المتاخمة للإردة وبربطانية ومعقلها بربشترو، ووشقة وتطيلة، ومدنها المحصنة في طرسونة وأرنوط وقلهرة وناجرة.

المصادر:

(1)

Description: Levi - Provencal La de l'Espagne d'Ahmed al - Razi، في. And، مجلد 18، سنة 1953، في مواضع متفرقة، من. Hist. Esp .mus جـ 3، فصل 7 (4) و 13. وانظر أَيضًا المواد الخاصة بهذه المدن المختلفة.

رابعا - سكان الأندلس

إن عدم وجود إحصاءات يعتمد عليها وصمت الجغرافيين يعوقان القيام بأي تقدير، ولو كان نسبيًا، لعدد سكان الأندلس في العهد الذي امتدت فيه رقعتها الجغرافية إلى أقصى حد، أي في نهاية القرن العاشر الميلادي. وإذا أخذ المرء بالتقدير القائم على الحدس والتخمين بأن تعداد السكان كان حوالى عشرة ملايين في عهد القوط

ص: 1319

الغربيين قبيل الفتح العربي، فإنَّه ظل بلا ريب كما هو على وجه التقريب بسبب قلة عدد المسلمين المهاجرين من أجناس أخرى مع ترجيح زيادة نسبة سكان الحضر والقرى عن العناصر الريفية. ومن جهة أخرى يمكن إضفاء أهمية أكبر على الفرض الذي يذهب إلى أن توزيع السكان على مختلف مناطق شبه الجزيرة كانت تمليه دائمًا البيئة الطبيعية، وأن كثافة السكان في آية منطقة معينة كانت تتوقف على ارتفاع الإقليم وطبيعته وعلى المناخ وخصوبة التربة وإمكان ريها. ولا يعد من قبيل المبالغة أن نقول على سبيل التخمين أن أقاليم الأندلس التي يقيم فيها اليوم أقل عدد من السكان كانت على نفس هذا الوضع في عهد خلافة قرطبة.

ومن بين العناصر المكونة لسكان الأندلس المسلمين يجب التمييز بين جماعة المسلمين الجدد -أي الأسبانيين الذين اعتنقوا الإِسلام بعد الفتح نتيجة لتحولهم عن دينهم القديم على تفاوتهم في المبادرة إلى ذلك- وبين العناصر التي تنتمى إلى أجناس أخرى. ومن بين هذه العناصر الأخيرة التي توطنت في البلاد نتيجة لموجات المهاجرين المتتابعة وإن كانت قليلة العدد، يبدو أن عنصر البربر كان أهمها جميعًا، والظاهر أن البربر لم يأتوا من جميع بلاد البربر، ولكنهم جاءوا من أقاليم المغرب الدانية من الأندلس، وهي جبل مراكش والريف. وأما البربر الذين جاءوا من الجانب الآخر لمضيق جبل طارق عندما كانت الظروف السياسية والاقتصادية مواتية لا تضطرهم إلى العودة إلى بلادهم الأصلية على جناح السرعة، فقد دفعهم إلى الأراضى الجبلية المهاجرون العرب الذين تألفت منهم الطَّبقة الأرستقراطية لكي ينعموا وحدهم دون سواهم بحق التحكم في أخصب البقاع بالأرض الأندلسية. وقد يُظن -إستنادًا إلى بعض المعلومات التي أوردها كتاب مثل ابن حزم، وخاصة في كتابة الجمهرة- أن مستعمرات البربر لم تشغل إلَّا بعض أراض متفرقة من المنطقة الساحلية، وأنهم اضطروا إلى الاستقرار في الميزيتا. وما إن توطدت أقدامهم حتَّى استعرب هؤلاء البربر الأندلسيون إلى حد أنَّهم انصرفوا عن

ص: 1320

استخدام لهجاتهم الأصلية. وظل الأمر كذلك حتى نهاية القرن العاشر الميلادي، وهناك حدث تدفق جموع أخرى من الجند من جراء تجنيد المرتزقة من البربر على نطاق واسع في المغرب الأوسط والشرقى، ومن ثم دخل إلى الأندلس جماعة من أهالى شمالي إفريقية عجلوا بتقويض بناء الخلافة وتجمعوا جماعات سلالية كونت في القرن التالي طائفة البربر التي تقابل طائفة الأندلسيين. والعنصر العربي في الأندلس لم يكن قط إلَّا أقلية. أما الأغلبية فقد دخلت البلاد إما في عهد الفتح أو في خلال السنوات التالية، وازدادت قوة فيما بعد بعناصر طارئة من الجند الشاميين وبالمهاجرين الذين أقبلوا زرافات من آسية في عهد استعادة المروانيين للخلافة في الأندلس. ولعل العرب كانوا أصلا لا يتجاوزون بضعة آلاف قبل زواجهم من النساء الوطنيات، وقد أنتج نظام "الولاء" عددًا لا يستهان به من النَّاس الذين ادعوا، خطأ أو صوابًا، أنَّهم من أصل عربي. ومن المسلم به على آية حال أن العرب كانوا يمثلون عنصرًا عدوانيًا مشاغبًا في القرون الأولى من تاريخ الأندلس، وأنهم قد احتفظوا لأنفسهم بأجود الأراضى على الرغم من احتقارهم للعمل في فلاحة الأرض، وتركوا للمستعمرين المشاركين لهم في المحصول مهمة فلاحة الأرض، وكانوا يؤدون لهم أجورهم نصيبًا من المحاصيل يتفق وما عملوا.

وهناك عنصر ثالث دخيل على المجتمع الأَنْدلسيّ لا مفر من الإشارة إليه هنا على الرغم من أنَّه لم يكن إلَّا نسبة ضئيلة إلى حد ما من السكان، وهذا العنصر يضم العبيد والصقالبة.

فالعبيد الذين جلبهم النخاسون من السودان إلى أسبانيا لم يكونوا في النهاية حرسا من المرتزقة يتزايد عددهم باطراد فحسب، بل هم قد امتزجوا أَيضًا بباقى سكان المدن نتيجة الزواج من نساء العبيد اللائى حظين بتقدير خاص وكن مطلوبات من الرجال بسبب ما يمتزن به من فضائل ومهارة في الشؤؤن المنزلية. ومن جهة أخرى فإن الصقالبة- الذين كانوا من الأسرى

ص: 1321

في القارة الأوروبية، من ألمانيا إلى بلاد الصقالبة، أو كانوا من الأسرى الذين اعتقلوا أثناء حملات "الصائفة" على حدود الأندلس إبان العهد الثاني من الخلافة- قد أصبحوا، بصفة خاصة في قرطبة، طائفة كبيرة العدد نشيطة كان لها وزنها الكبير في اقتصاد الدولة القرطبية، كما أسهموا إلى حد كبير في انهيارها السريع.

وعلى الرغم من أن البربر والعرب والعناصر الإِسلامية الأجنبية الأخرى كان لهم شأن كبير، فإنهم كانوا أقل عددًا بكثير من جماعة المسلمين الجدد الأسبان الذين كانوا أعظم منهم شأنًا والذين عرفوا في الأندلس باسمى جنس هما "المُسالمة" أو "المولدّون" بنوع خاص. وهؤلاء هم الأسبانيون الذين اعتنقوا الإِسلام بعد الفتح لكي يتمتعوا بمركز شخصي أفضل من مركز الذمي. وهذا الاستعراب الكامل السريع لكل من دخلوا في الإِسلام، الذين أظهروا في أغلب الأحوال إخلاصًا عظيمًا صادقًا له، يعد ظاهرة ملفتة للنظر. وفي خلال فترة قصيرة اندمج المولدون في المجتمع الإِسلامي، وأتاحوا لحكام البلاد بحسن استغلالهم لخدماتهم أن يرأبوا الصدع الناتج من نقص المهاجرين من قدامى المسلمين. وسرعان ما انصهر كثير من المولدين في بوتقة المجتمع الأَنْدلسيّ، بل هم قد نسوا أصلهم الأسباني (الإيبيرى أو القوطي) على الرغم من أنَّهم كانوا يحملون في كثير من الأحوال أسماء أعجمية. وأدى التعايش في ظل الإِسلام بين العناصر المختلفة الأصول من السكان إلى اندماجهم بالتدريج، وهي عملية ساعد عليها انتهاج سبيل واحد، وإيقاع واحد في الحياة، وازدواج اللغة الذي وضع -على الأقل- اللغة العربية الأندلسية والعجمية في الحياة اليومية على قدم المساواة.

وانقسم سكان الأندلس المسلمون -الذين كانوا يتألفون من عناصر متعددة الأصول وإن كانوا قد أصبحوا بالتدريج متجانسين نسبيًا- إلى عدد معين من الطبقات الاجتماعية على غرار ما حدث في بقية العالم الإِسلامي: طبقة خاصة، وطبقة عامة. وتضم الأولى

ص: 1322

الأسر النبيلة الكبرى التي كثيرًا ما كانت ألقابها تمنح لها بالوراثة، بينما كانت الطَّبقة الوسطى تتألف من التجار وملاك الأراضي الصغار، وسرعان ما أصبحت نوعا من البورجوازية المدنية، وإن كانت بدون مواثيق أو حصانات. وعلى النقيض كانت العامة في المدن وبخاصة في الريف جمهورًا يتعرض للمضايقات الشديدة من السلطة. ولما كانت تعوزنا في الواقع معلومات عن القانون الزراعي الذي كان ساريًا في الأندلس، فإننا مضطرون إلى أن نفترض وجودًا لم يكن منه بد لطبقة من الدهماء في الريف، تتألف من عَمَلة المياومة الذين ارتبطوا بالأرض وعاشوا حياة تعسة، ولا يستطيعون في الغالب التخلص من حالة الاستعباد التي كانوا عليها.

وكان المعاهدون في المجتمع الأَنْدلسي يؤلفون جزءًا مهما من السكان يضم المسيحيين واليهود على السواء، وكان الأولون يتجمعون عادة في طائفة تعرف باسم المستعربين Mozarabes، وكلهم ينتمون إلى ذلك الجزء من السكان الأسبان الذين رفضوا أن يتخلوا عن عقيدتهم وقت الفتح ليعتنقوا دين الفاتحين. وكانت طوائف المستعربين في المدن الكبيرة على الأقل، وبخاصة قرطبة وإشبيلية وطليطلة، تخضع لنظام في حماية السلطة الإسلامية المركزية وتحت إشرافها، وكان لها زعيم مسؤول أمام تلك السلطة هو القومس، وكان يطلق عليه أحيانًا اسم المدافع أو الحامي، يمارس سلطات مأمور الشرطة على طائفته، وكان منوطًا بجباية الضرائب مسؤولا عنها يعاونه قاض خاص هو "قاضي العجم" أو الرقيب عليهم، يفض المنازعات بين المستعربين. وظلت أرض الأندلس حتَّى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي مقسمة إلى نفس المناطق الكنسية، كما كان الأمر في عهد القوط الغربيين، أي إلى ثلاث مطرانيات:(طليطلة، ولوزيتانيا، وبايتيكا) على رأس كل منها كبير أساقفة، ولكل منها أسقفية وعدة أبرشيات، وقد حفظ لنا البكري التفصيلات فيما يسميه "قسمة قسطنطين" وبقيت لنا أسماء بضعة أعيان من أندر أقطاب الكنيسة في

ص: 1323

الأندلس على عهد الخلافة وطائفة المستعربين بقرطبة هي التي يتوافر لنا عنها أكبر قدر من المعلومات، وإن كانت هذه الطائفة ليست أهم الطوائف من الناحية العددية.

ومعلوماتنا أقل عن عدد جماعات اليهود ونشاطهم في مدن الأندلس التي كان بكل منها حي لليهود (حارة أو مدينة اليهود، وبالأسبانية Juderia)، وفي الوقت نفسه نجد في القرن الحادي عشر، وبخاصة في المملكة الزيرية بغرناطة، أن الدور الذي لعبه مأمور الضرائب والصرافون اليهود، وأهمهم عائلة بني النَّغْرلَّا، وقتل الآمنين من المواطنين بلا حساب في غرناطة على أثر اغتيال ولي العهد الأمير بلكين ابن باديس بن حبوس بن زيرى، وما نسب للطائفة اليهودية الكبيرة التي كانت هي الجزء الأكبر من السكان في مدينة أليُسّانة من فضل في اقتصاد دولة غرناطة الصغيرة، كل أولئك قد أدى إلى الاعتقاد بأن يهود الأندلس في كل مراحل إعادة الغزو، سواء في خدمة المسلمين أو المسيحيين، قد قاموا بدور نشيط في البلاد بصفتهم مستشارين وسفراء، وأنهم كانوا يتحكمون في أسباب التجارة بين الأندلس والقارة الأوربية من جهة، وبين المشرق الإِسلامي من جهة أخرى. وقد ينتظر الكثير في هذا الصدد من دراسة الوثائق التي تيسر الحصول عليها من خزانة كنيسة اليهود في القاهرة.

المصادر:

(1)

توجد المادة التي ذكرناها فيما سبق باختصار في شيء كثر من التفصيل مصحوبة بمصادر في Hist. Esp.mus: Levi-Provencal، جـ 3، ص 163 - 232.

(2)

انظر أَيضًا للكاتب نفسه: Esp mus، القرن العاشر، ص 18 - 39، وفي مواضع متفرقة.

(3)

Historia: F. J. Simonet de los Moz- arabes de Espana مدريد سنة 1897 - 1903.

(4)

- Les Mozarabes: F. de las Ca gigas، مدريد سنة 1947 - 1949.

ص: 1324

(5)

H.Graetz Geschichte der Juden: مجلدات 5 - 7، ليبسك سنة 1871 - 1873.

(6)

الكاتب نفسه: Les Juifs d'Espagne، الترجمة الفرنسية التي قام بها Stenne، باريس سنة 1872 (7) de- Los Rios Politica y religiosa J.Amador los Judios de Espana Historia Sociay: de Portugal، مدريد سنة 1875.

خامسًا - تطور الأندلس

كان الجغرافيون هم الذين زودونا في الأصل بمعلومات تتفاوت في تفصيلها عن الطريقة التي كانت تزرع بها أرض الأندلس وتستغل بها مواردها النباتية والمعدنية. كما أن بين أيدينا مراجع اصطلاحية مستفيضة إلى حد لا بأس به تتمثل في مصنفات في علم الزراعة من عصور مخللفة وبخاصة كتب التغنرى وابن وافد وابن بصال وابن ليون وابن العوام. ويجب علينا أن نذكر "التقويم القرطبي لعام 1961 م" الذي نشره دوزى Dozy عام 1837 على اعتبار أنها في الوقت نفسه نسخة متأخرة بلا شك نسبت إلى المورخ القرطبي عريب بن سعد ومن سوء الطالع أن هذه المصادر الاصطلاحية لا تزودنا في الواقع بمعلومات عن طرق الزراعة وعن عقود الإيجار، وإن كانت بعض كتب الفقه تزودنا عن هذه المسائل بمعلومات غامضة كل الغموض لا يمكن الاعتماد عليها تمامًا.

1 -

الزراعة: وقد كان ثمة تفرقة، كما هي الحال في أسبانيا اليوم، بين الأرض الجافة (Secano بالأسبانية = بعل بالعربية) والأرض المروية (regadio بالأسبانية = سقى بالعربية) فالأولى تخصص لزراعة الحبوب ونظرًا لقلة خصوبة الأرض والظروف المناخية غير المواتية فإن زراعة الحبوب كانت عاجزة كل العجز عن أن تمد السكان بحاجتهم من القمح والحبوب الأخرى التي تستخدم في صنع الخبز، ونتيجة لذلك كانت الأندلس، في بعض فترات القحط، تعتمد على واردات القمح من شمالي إفريقية. وكانت بعض أنواع القمح الأَنْدلسيّ (طليطلة) تحظى بشهرة خاصة. وقد استخدم الطحانون طواحين تدار بالخيول أو طواحين مائية (رحى).

ص: 1325

وكانت هناك مساحات شاسعة من البلاد وبخاصة في أندلوسيا وإقليم الشرف تغطيها أشجار الزيتون، وكانت صناعة زيت الزيتون دائمًا رائجة هناك. وكانت طرق استخلاصه بدائية، بيد أن كميات الزيت المنتجة كانت تزيد أحيانًا عن حاجات النَّاس هناك، فيصدر الفائض منه إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي.

ويبدو أن زراعة الكروم، مثل سائر أشكال الزراعة البعلية، كانت تمارس على نطاق واسع. وكانت الأعناب تستخدم في الطهي، وكانت السلطات فوق ذلك تسمح في الواقع بشرب النبيذ، وكان بيعه منظمًا.

ومهما يكن من أمر فإن الأندلسيين سرعان ما حققوا لأنفسهم تفوقًا لا نظير له في مجال المحاصيل التي تحتاج إلى ري مناسب، على الرغم من أنَّه لا يمكن أن ينسب إليهم فضل اختراع نظام الري الذي استخدموه، وخاصة في شرقي الأندلس، والذي لا يزال قائمًا دون أن يلحقه تعديل جوهري. وأبسط شكل للري هو ذلك الذي يتم بمساعدة شبكة من قنوات الري (ساقية، وبالأسبانية acequia) التي تتشابك في السهول الساحلية في إقليمي مرسية وبلنسية والتي يعتمد تدفق المياه فيها تمامًا على الاختلافات في مستوى الارتفاع. وكانت حقوق الماء يحددها العرف طبقًا لشريعة لها طبيعة أبوية، ولا تزال سارية حتَّى اليوم. ولم يكن من الميسور القيام بالري في الأراضي الأكثر ارتفاعًا، وفي وديان الأنهار مثل وادي آنا ووادي تاجه ووادي إبره، إلَّا بمساعدة آلات رفع الماء التي كانت تسمى بحسب طرازها ووظيفتها باسم "ناعورة"(noria بالأسبانية والفرنسية) أو سانية (acena بالأسبانية). وكان هذا الري يستخدم في زراعة الخضر وغرس الأشجار، ويتبارى الجغرافيون في الإشادة بفواكه الأندلس: الكرز والتفاح والكمثرى واللوز والرمان، وخصوصًا التين الذي اشتهرت منه أنواع عديدة في أسبانيا وفي بعض المناطق الساحلية الضيقة المستورة سترا يفوق العادة، كان من الممكن تنمية محاصيل من النوع الذي يزرع في المناطق الحارة

ص: 1326

مثل: قصب السكر والموز، وكانت أحراج النخيل في ألش من المناظر المألوفة في البلاد.

وأخيرًا فإن زراعة الأعشاب العطرية والنباتات التي تدخل في صناعة الأقمشة كانت تتم أَيضًا على نطاق كبير، مثل الزعفران والعصفر والكمون والكزبرة والفوَّة والحناء من جهة، والكتان والقطن من جهة أخرى. وازدهرت تربية دودة القز، وبخاصة في المنطقة الواقعة بين غرناطة والبحر المتوسط.

وقد أفرد الجغرافيون في أوصافهم حيزا قليلا لتربية الحيوانات التي تستخدم في الركوب والجر أو الحيوانات التي يؤكل لحمها. وكانت الخيول تربى في الأراضي المكسوة بالحشائش في الحوض الأدنى لنهر الوادي الكبير، كما كانت البغال الأندلسية تحظى فعلا بشهرة كبيرة في عهد ابن حوقل، وكانت الماشية والأغنام والماعز تربى في كل مكان للإفادة من المراعي القليلة المتاحة. وكان النَّاس يقومون بتربية النحل لإنتاج العسل. وكانت منطقة الغابات في الأندلس تستغل لسد احتياجات المدن وبخاصة من الفحم النباتي وكانت أشجار الصنوبر الكثيرة على حافة الميزيتا تقطع لاستخدامها دعامات لصواري السفن. أما الأراضي الفسيحة الشبيهة بالسهوب في الجنوب الشرقي فكانت تزود البلاد بأشجار النخيل القصيرة ونبات الحلفاء التي كانت تستخدم في صناعة السلال، وفي أغراض منزلية مختلفة.

2 -

استغلال المعادن: ليس من شك في أن غنى أرض الأندلس بالمعادن كان يبرر استغلال المعادن منذ أقدم العصور، وقد استمر هذا العمل في عهد الإِسلام، وكان إلى جانب الذهب المستخرج من الرمال التي تحمل الذهب في بعض الأنهار، عروق من الفضة والحديد تستخرج من مناجم في شمالي قرطبة، وكانت هناك رواسب من الزنجفر تستغل في المعدن وأوفيخو، وكان النحاس يستخرج من مناجم حجر النَّار في إقليم ولبة. وكانت معادن السبب وكبريتات الحديد

ص: 1327

والرصاص وكبريتور الرصاص تستخرج أَيضًا. كما كانت أسبانيا الإِسلامية مشهورة برخامها وأحجارها الكريمة. وأفاد الأندلسيون -مثل الرومان قبلهم- من كثير من الينابيع الحارة التي لا تزال كلها تقريبًا تحتفظ باسمها القديم: االحامَّة.

وكان استغلال مناجم الملح الصخري ورواسب الملح على الساحل في قادس والمرية ولقنت صناعة مزدهرة. وكان النَّاس يشتغلون بالصيد متوسلين خاصة بشباك الخيوط والمضربة، وكانت أسماك السردين والتونة تصاد بكميات كبيرة.

المصادر:

(1)

المعلومات السابقة ترد في توسع وإفاضة في كتاب Hist Esp.mus.: Levi-Provencal القرن العاشر، ص 157 - 94.

(2)

وانظر أَيضًا للكاتب نفسه: Esp. mus. Xe، Siecle، ص 157 - 194.

(3)

انظر عن الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر كتاب C.E.Dubler uber das Wirtschaftsleben auf der iberischen Halbinsel uom Xl zum XIlI. Jahrhundert جنيف- زيورخ سنة 1943

(3)

A.Carbonel La mineria y la meta- Musulmanos en Es lurgia entre los: T.F. pana، قرطبة سنة 1929.

سادسًا - إلمامة عامة لتاريخ الأندلس

ليس في ميسورنا هنا إلَّا أن تقدم موجزًا لتطور تاريخ الأندلس أثناء القرون السبعة لاحتلال المسلمين لشبه جزيرة إيبيريا. ولزيادة الإيضاح سوف نقسم هذا الموجز إلى عدد من الأقسام التاريخية التي تتيح تقديم رواية مرتبطة تاريخيًّا دون الحاجة إلى ذكر الحوادث بتفصيل أكبر في معظم الحالات.

(1)

فتح الأندلس.

(2)

تاريخ الأندلس حتَّى استعادة المروانيين للخلافة.

(3)

المملكة المروانية في قرطبة.

(4)

الخلافة والحكم العامري المطلق.

(5)

انهيار الخلافة المروانية وتقسيم مملكة الأندلس.

ص: 1328

(6)

ممالك ملوك الطوائف حتَّى معركة الزلاقة.

(7)

أسبانيا في عهد المرابطين.

(8)

أسبانيا في عهد الموحدين وتقدم المسيحيين في إعادة غزوها.

(9)

المملكة النصرية في غرناطة وختام إعادة الغزو.

1 -

فتح الأندلس: يعد فتح الأندلس من أعظم الفتوح التي قام بها العرب في القرن الأول للإسلام، نظرًا للسرعة التي تم بها. والأخبار التي وصلتنا عن المراحل المتعاقبة للفتح التي أن إلى بسط سلطان المسلمين على شبه جزيرة إيبيريا بأسرها قصيرة بصفة خاصة، ولا يمكن الاعتماد عليها، ذلك أن الأساطير لم تلبث أن غشت الحقيقة التاريخية بقناع يكاد من الصعب النفوذ إليها دائمًا ومن الواضح أن العرب أفادوا في الوقت الملائم من ضعف مملكة القوط الغربيين في أسبانيا فوجهوا إليها اهتمامهم، وأنهم وجدوا تعاونًا صادقًا من كثير من الأسبان أنفسهم الذين كانوا راغبين في أن يطرحوا عن كاهلهم نير العبودية الذي أصبح بالنسبة لهم عبئًا لا يطاق، والاستعانة بالعرب في التخلص منه. وكانت الفرصة مغرية عندما كان سلطان العرب في شمالىي مراكش قد توطد وشيكا، وكان منصب والى إفريقية والمغرب في يدي موسى بن نصير. ويرجع الفضل في فتح الأندلس إلى هذا الوالى ونائبه مولاه طارق بن زياد.

ويبدو من المؤكد أن موسى بن نصير نفسه استقر عزمه على محاولة احتلال أراض جديدة على الجانب الآخر من مضيق جبل طارق قبل أن يبعث بالأمر إلى الخليفة الأُموى في دمشق؛ واتخذ موسى هذه الخطوة نتيجة للوعود التي تلقاها من نائب الإمبراطور في مدينة سبتة التي ظلت في حوزة البوزنطيين على الرغم من سقوط قرطاجنة حديثًا في أيدى المسلمين. وسّهل هذا النائب، وهو الكونت يوليان، للمسلمين النزول لأول مرة على أرض أسبانيا، ولم يكن هذا النزول إلَّا غارة فحسب قام بها طريف قائد البربر على

ص: 1329

جزيرة طريف في رمضان سنة 91 هـ (يولية سنة 710 م). وشجع نجاح الغارة التي قام بها طريف، طارقًا نائب موسى بن نصير، على الاستعداد للحرب بقوة هجومية مكونة من 7.000 رجل وطدت أقدامها على أرض الأندلس قرب جبل طارق بمساعدة أسطول الكونت بوليان الصغير في شهر رجب أو شعبان من سنة 92 هـ (أبريل- مايو سنة 711 م).

ووقعت المعركة الحاسمة بين قوة المسلمين المهاجمة والجيوش النظامية [. . .](*) القوط الغربيين بعد بضعة أسابيع، [. . . .](*) 28 رمضان سنة 92 هـ (19 يولية سنة 711 م) في وادي لكه (وادي بربط) وانتهت بكارثة القوط الغربيين الذين اضطربوا وولوا فرارًا، بينما قرر طارق أن يزحف إلى الإمام. وسقطت مدن المملكة القوطية واحدة إثر أخرى: فقرطبة استولى عليها عتيق يدعى مغيثا في مستهل عام 93 هـ (أكتوبر سنة 711 م) وسقطت طليطلة دون مقاومة. ولما كان موسى بن نصير تواقًا ألا يدع طارقا ينفرد وحده لكل المجد الذي يضفيه الفتح. فإنَّه دخل أسيانيا بعد ذلك بوقت قصير في رمضان عام 93 هـ (يولية سنة 712 م) على رأس قوة من 18.000 رجل أغلبهم من العرب، واستولى على أشبيليه ثم ماردة في شوال سنة 94 هـ (يونية- يوليه 713) والتقى موسى بطارق عند طليطلة، ومن هناك زحف ليحتل سرقسطة. وفي ذلك الوقت تلقى أمر الخليفة الوليد بالعودة مع طارق إلى الشَّام، فغادرا أسبانيا التي كانت قد فتحت كلها تقريبًا ولم يعودا إليها قط.

2 -

تاريخ الأندلس حتى استعادة المروانين للخلافة: ليس من شك في أن شخوص موسى بن نصير إلى الشرق يفتح فترة تبوأ فيها عدد من الولاة الواحد بعد الآخر مناصب حكام البلد الذي فتح حديثًا وخولوا من قبل حكومة دمشق سلطات يباشرونها أو تولوا مناصب نواب للوالي بالاسم في القيروان، وهي فترة يكتنفها الظلام إلى أقصى حد، بعثت فيها المنافسة بين العشائر العربية في أسبانيا، وأدت إلى أعظم بلبلة سياسية وتميزت فحسب

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

ص: 1330