المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليقات على مادة "الأنصار - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌تعليقات على مادة "الأنصار

بأنهم وحدهم الذين آووا المؤمنين في محنهم وبأن النبي [صلى الله عليه وسلم] اعترف لهم بهذا الفضل.

وكان الأنصار، كما كان أهل قريش، يرجعون كرم محتدهم إلى ما كان عليه أجدادهم الأشراف، وردوا على اعتزاز القرشيين بنسبهم بقصة ممتعة يحتمل أن تكون وضعت لهذا الغرض في ذلك العهد، تتحدث عن تاريخهم القديم ومجدهم الغابر في موطنهم الأصلي من جنوبي جزيرة العرب.

ويحتمل أن تكون التفرقة بين عرب الشمال وعرب الجنوب التي وضعها النسابون ترجع في أغلبها إلى خيال الأنصار التي دفعتهم إليه المغيرة.

(Muhammedanische Sudien: Goldziher ، جـ 1، ص 93 وما بعدها).

ومع هذا كله كان لقب الأنصار هو أهم ما فاخروا به حتى إنهم آثروه على أسماء قبائلهم المدنية المشهورة.

المصادر:

(1)

Das Leben and die: A. Sprenger Der: Muller (2) Lehre des Mohammad Islam im Morgen and Abendland Anna-: Caetani (4) Muhammed: Grimme Mu-: D.S.Margoliouth (5) li dell'Islam hammed and the rise of Islam (6). H Mohammed and die Seinen: Reckendorf .

[ركندورف Reckendorf]

‌تعليقات على مادة "الأنصار

":

(1)

ليس في الكلمة معنى شرعي ومعنى غير شرعي، بل هي كلمة استعملت في معناها اللغوي على الحقيقة، كسائر أنواع الاستعمال اللغوي، فكل أناس نصروا شخصا معينا أو عقيدة خاصة -كانوا أنصارا لمن قاموا بنصره. فالكلمة استعملت هنا في معناها اللغوي الحقيقي، وأطلقت على بعض أفراد مدلولها، ولذلك قال في لسان العرب:"النصير الناصر، قال الله تعالى: نعم المولى ونعم النصير. والجمع أنصار، مثل: شريف وأشراف. والأنصار أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، غلبت عليهم الصفة، فجرى مجرى الأسماء، وصار كأنه اسم الحي، ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع، فقيل أنصاري".

(2)

هذه دعوى غريبة لا توافق أي دليل، ولا نجد لكاتبها وجهًا يستند إليه

ص: 1382

ولا على سبيل الشبهة، فإنه يرمى بذلك الأمة العربية، في أوج فصاحتها وبلاغتها، بأنها لا تفرق بين كلمتين تشابهتا في بعض الحروف وهما كلمتان مختلفتا المعنى: إحداهما عربية خالصة، مرجعها إلى مادة "نصر" التي اشتقت منها مشتقاتها، والأخرى نسبة شاذة على غير قياس إلى كلمة) عجمية الأصل، هي علم جامد لا يشتق منه شيء، وهي كلمة "ناصرة" اسم قرية قيل إن المسيح عيسى عليه السلام ولد فيها أو نشأ بها، ولن يشتبه الأمر بين الكلمتين على أجهل عربي بلغة قومه، فضلا عن القرآن الكريم، وهو معجزة العرب، وقد جاء به سيدهم وأفصحهم وأعلمهم بالعربية، وصدع به قوما كان جل فخرهم بالفصاحة والبلاغة. ثم ماذا يرى الكاتب من البأس في وصف الحواريين رضي الله عنهم بأنهم "أنصار الله"؟ ! هل يرى في هذا الوصف مذمة تعيبهم أو منقصة تلحقهم أراد أن يبرئهم منها؟ !

أما نحن فنصدق ما حكاه الله عن نبيه عيسى عليه السلام وعن الحواريين من أنهم كانوا أنصار الله، نصروا نبيهم عيسى في مواقف الشدة ضد أعدائه وأعداء دينه، وآمنوا به وصدقوه، ونصروا ما جاء به من توحيد الله وتنزيهه، ومن الدعوة إلى الحق، فكانوا بذلك أنصار الله.

(3)

ادعى الكاتب في هذا الموضع دعاوى لا توافق شيئًا من الحقائق التاريخية الثابتة، فإنه لم يزعم أحد قط إن لقب "الأنصار" إذا أطلق كان المقصود به الخزرج فقط، بل الأوس والخزرج كلاهما أطلق عليهما اسم الأنصار، وإنما رأى الكاتب كلمة فنقلها على غير وجهها، ولعله لم يصل إلى حقيقة معناها في اللغة العربية، ونصها في مسند الإِمام أحمد بن حنبل (جـ 3، ص 460 - 462) في قصة بيعة العقبة الثانية من رواية ابن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أخيه عبيد الله عن أبيهما كعب بن مالك وكان ممن شهد العقبة: إن العباس بن عبد المطلب حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم لقاءه الخزرج والأوس في موعدهم بالشعب. قال كعب: "فلما جلسنا كان العباس بن

ص: 1383

عبد المطلب أول متكلم، فقال: يا معشر الخزرج، قال: وكانت العرب مما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج: اوسها وخزرجها". وهذا حديث إسناده صحيح، رواه ابن هشام في السيرة من رواية ابن إسحاق أيضا (ص 294 - 297 طبعة أوروبا) ونقله الحافظ بن كثير في تاريخه عن ابن إسحاق (جـ 3، ص 160) ونقله الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد عن مسند الإِمام أحمد وعن الطبراني (جـ 6، ص 42 - 45)، فلم يفهم كاتب المادة وجه الكلام، وظن أن إطلاق اسم "الخزرج" على الأوس والخزرج معناه أن "الأنصار" لقب الخزرج وحدهم، وفاته أن الخزرج كانوا في ذاتهم أكثرية في المدينة، وأن الأوس كانوا أقل منهم عددا، ولذلك كان العرب يسمون الفريقين "الخزرج" كعادتهم في التغليب بالكثرة أو بالشهرة أو ما إلى ذلك، كقولهم "العمران" و"القمران" ونحوهما.

وكذلك نقل الكاتب "أن الأوس وقفت من النبي [صلى الله عليه وسلم] موقفا محايدا إلى آخر ما ألقاه هنا كأنه حقيقة تاريخية مقررة: فإنه شيء لم نجد له مثيلا ولا شبيها مما في أيدينا من كتب التاريخ والسير والأحاديث، ولا نرى شبهة له في نقله هذا، وإن الأوس كانوا والخزرج سواء في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الإقامة بين أظهرهم، وكان الحاضرون من الأنصار في بيعة العقبة الأولى 12 رجلًا منهم رجلان من الأوس، ثم شهد بيعة العقبة الثانية 73 رجلًا وامرأتان، منهم 11 رجلًا من الأوس انظر المصادر المتقدمة وغيرها من كتب السيرة) وشهد غزوة بدر 314، رجلًا، منهم 83 من المهاجرين و 61 من الأوس 170 من الخزرج انظر سيرة ابن هشام، ص 485 - 506، وتاريخ ابن كثير، جـ 3، ص 314).

(4)

قال الله تعالى في الآية 103 سورة آل عمران في شأن الأنصار: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . وقال في الآيتين 62، 63 سورة الأنفال: {وَإِنْ

ص: 1384

يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فكان مما قال: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ " فكلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمّن. ونقل ابن إسحاق وغيره: أن آية آل عمران نزلت في شأن الأوس والخزرج، وأنهم كاد يثور بينهم القتال بدسيسة من بعض اليهود، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يسكنهم ويقول:"أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ "، وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم، انظر تفسير ابن كثير (جـ 2، ص 200 - 208) فهذا الذي يشير إليه كاتب المادة، وهو حادث بسيط لا أثر له في إثارة الإحن السابقة، والأحقاد الماضية، بعد الإخاء والصفاء، ولكنه ابتلاء واختبار، ثبت الله فيه قلوبهم على الإيمان والألفة والمحبة، وكان سببا في نزع ما لعله بقى في نفوس بعض الأفراد من الشحناء والبغضاء، رضي الله عنهم.

(5)

هذا كلام ليس فيه شيء من التحقيق العلمي، ولا هو مما يوافق أدب التحدث عن الأنبياء. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، وأرجاهم له، وأشدهم خشية لله، واعتمادا عليه، ولا يعتمد إلا على الله، ولا يرجو النصر إلا من عنده سبحانه وتعالى، وليس في شيء من الصدق أن الأنصار لم يجاهدوا، فإن كل الروايات متضافرة على خلاف هذه الدعوى الباطلة:

فروى ابن إسحاق في شأن غزوة بدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس فأشار عليه كثير من المهاجرين بلقاء قريش وقتالهم، وقال ابن إسحاق: "ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: اشيروا علي أيها الناس، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا بُرءَاءُ من ذمامك حتى تصل إلى

ص: 1385

ديارنا، فإذا وصلت إلينا فإنك في ذمتنا نمنعك ما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله" انظر سيرة ابن هشام (ص 434 (435 وتاريخ ابن كثير (ص 362) وطبقات ابن سعد (ج 2، ق 1، ص 8) ومغازى الواقدي (ص 44).

وروى الإِمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن حميد عن أنس بن مالك قال: (لما سار رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى بدر خرج فاستشار الناس فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضي الله عنه فسكت، فقال رجل من الأنصار: إنما يريدكم، فقالوا: يا رسول الله، والله لا نكون كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" ولكن والله لو ضربت أكباد الإبل حتى تبلغ برك الغماد لكنا معك)(المسند، رقم 12047، ج 3 ص 105) ورواه أيضًا بإسناد آخر صحيح عن حميد عن أنس (رقم 12986، ج 3، ص 188) ورواه أيضًا بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس (رقم 13330 و 13729، ج 3، ص 220، 257 - 258).

وكان أنس بن النضر بن ضمضم، عم أنس بن مالك، لم يشهد مع النبي [صلى الله عليه وسلم] يوم بدر، قال أنس بن مالك: "فشق عليه وقال: في أول مشهد شهده رسول الله [صلى الله عليه وسلم] غبتُ عنه؟ ! لئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ليرين الله ما أصنع، قال: فهاب

ص: 1386

أن يقول غيرها، قال: فشهد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم أحُد، فاستقبل سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو، أين؟ واهًا لريح الجنة، أجده دون أحُد. قال: فقاتلهم حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمتي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية 23 سورة الأحزاب {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه" رواه الإِمام أحمد (في المسند رقم 13047 و 13117 و 13693 ج 3 ص 194 و 201 و 253) ورواه (ج 6، ص 16 - 17، فتح الباري).

فهذه الأحاديث الصحيحة -وهي من رواية أنس بن مالك، وهو أنصاري- صريحة في أن قومه لم ينكصوا عن الجهاد، ولم يترددوا في بذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الدعوة إلى الله، وإلى الدين الحق الذي آمنوا به، وعاهدوا نبيهم على السمع والطاعة والنصر والتأييد، وحسبنا هذا لندل على بطلان ما ادعاه كاتب هذه المادة.

(6)

روى مسلم في صحيحه (جـ 2، ص 63) عن أبي هريرة في شأن غزوة الفتح قال في حديث: "فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حتى ينقضي الوحي. فلما انقضى الوحي قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضَّنَّ بالله وبرسوله، فقال الله [صلى الله عليه وسلم]: إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم". وانظر سيرة ابن هشام (ص 824) والسيرة الحلبية (ج 3، ص 128 طبعة بولاق)، والمواهب اللدنية جـ 1، ص 157، طبعة الشرفية)، وشرح المواهب للزرقاني (ج 2، ص 397، طبعة بولاق).

(7)

هذا غير صحيح، فإن النبي [صلى الله عليه وسلم] عفا عن مناوئيه من قريش كرما منه وفضلًا، وقال لهم: "اذهبوا

ص: 1387

فأنتم الطلقاء" وهم قومه وعشيرته، ومع ذلك فإنه عاد إلى دار هجرته مع أنصاره وفاء بوعده لهم، واتباعا لأمر ربه في إمضاء هجرته، ولعل الكاتب يشير إلى قسمة غنائم حنين، إذ أعطى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من الغنائم لقريش ولم يعط الأنصار شيئًا، فقال ناس من الأنصار: "يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ " فبلغ ذلك رسول الله فأرسل إلى الأنصار ولم يدع معهم غيرهم، وسألهم فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال فقهاء الأنصار: "أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ " فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:"فإني لأعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به" قالوا: "يا رسول الله، قد رضينا". رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: "إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟ " قالوا: "بلى"، قال:"لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار". وانظر تاريخ ابن كثير (ب 4، ص 356 - 357). فهذا التألف لقلوب المؤلفة قلوبهم لا يعطي المعنى الذي أراد أن يرمى إليه الكاتب، بل هو سياسة عليا، وخلق كريم.

أحمد محمَّد شاكر.

+ الأنصار: التسمية المألوفة التي أطلقت على أولئك القوم من أهل المدينة الذين نصروا النبي [صلى الله عليه وسلم] للتفرقة بينهم وبين المهاجرين، وهم أتباعه من أهل مكة. ولما دخل العرب عامة في الإِسلام بطل استعمال الاسم القديم. الأوس والخزرج (وكان يطلق عليهم مجتمعين بنو قَيلَة)، وحل محله الاسم "الأنصار"، والمفرد الأنصاري (انظر القرآن، سورة التوبة، الآية 100 و 101 و 117.)، وبذلك أشيد بذكر الخدمات الأولى التي أداها أولئك القوم من أهل المدينة لقضية الإِسلام. ومن المحتمل أن يكون لقب "الأنصار" جمع "نصير" ولكن المفرد نصير لم يستعمل في الاصطلاح قط،

ص: 1388

وللفعل نصر معنى بذل العون لشخص على عدوه الذي أساء إليه. وهذا كاف لتعليل السبب في إطلاق اسم الأنصار على مسلمي المدينة (قيل لهم أحيانا: "أنصار النبي"). ولكن اختيار هذا الاسم ربما يكون قد تم بتأثير التشابه بينه وبين النصارى، أي المسيحيين (انظر القرآن الكريم، سورة الصف، الآية 14: "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله .. "؛ وانظر سورة آل عمران، آية 52)(*).

وكانت أولى صِلات محمد [صلى الله عليه وسلم] الفعالة بمكة عندما حج سنة 620 م هو وستة من الخزرج. على أن الإصلاح بين الأوس والخزرج كان من بين أهدافه، ومن ثم فإنه أصر فيما يظهر على أن تكون الأوس ممثلة في المفاوضات. وجاء في الأخبار المأثورة عن بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية أن ستة أو نحو ذلك ممن عاهدوا النبي [صلى الله عليه وسلم] كانوا من الأوس. وقد قاست المدينة الكثير من جراء التقاتل بين هاتين القبيلتين مما يحملنا على القول بأن المبادرة إلى تقبل دعاوي النبي [صلى الله عليه وسلم] كانت -من بعض الوجوه- راجعة بلا شك إلى رجاء خامر القوم بأن يستطيع أن يعيد السلام بينهما إلى نصابه ويحافظ عليه. ونحن نجد كثيرا من الغموض في التفصيلات، ولكن من الواضح أن معظم أهل المدينة، فيما خلا اليهود، قد دخلوا في البيعة معه، وأهم من خالفوا عشائر أربع هي: خطمة، ووائل، وواقف، وأمية بن زيد، وبعض من عشيرة خامسة هم عمرو بن عوف. وكان هؤلاء جميعًا على صلة وثيقة باليهود. ويجب أن نفرق بين هؤلاء المشركين وبين المنافقين؛ لأن المنافقين كانوا من أطراف البيعة مع النبي محمَّد [صلى الله عليه وسلم] ثم نقضوا عهودهم من بعد. وبالرغم من هذه النقائض فإن الأوس كان لهم شأنهم بين الأنصار، والحق إن إمام الأنصار حتى وفاته في السنة الخامسة للهجرة (627 م) كان هو سعد بن معاذ سيد عشيرة عبد الأشهل الأوسية.

ويبين الجدول الآتي عدد الرجال من

(*) سبق أن رد الأستاذ الشيخ أحمد محمَّد شاكر على هذه المسألة في صدر هذه المادة.

ص: 1389

العشيرة

ع 1

ع 2

ب

ن

عبد الشهل

1

3

15

35

ظفر

-

-

5

23

حارثة

-

3

3

23

عمر بن عوف

1

5

40

28

أوس مناة (خطمة)

-

-

-

12

الأوس المجدوع

2

11

63

121

النجار

3

11

56

83

الحارث

-

7

19

30

بنو الحلبي، القواقة

3

6

25

21

ساعدة

-

2

9

12

سلمة

2

29

43

54

زريق

2

4

16

16

بياضة

- 3

7

12

الخزرج المجموع

10

62

175

228

مختلف العشائر الذين شهدوا بيعة العقبة الأولى (ع 1) وبيعة العقبة الثانية (ع 2) ووقعة بدر (ب). والعمود الأخير (ن) يذكر عدد نساء العشيرة اللآتي أشار إليهن ابن سعد جـ 8). ويمكن أن نستخلص من ذلك دليلًا عاما على قوة العشيرة في مجموعها.

وتوحي هذه الأرقام بأن عشائر مثل بني النجار وبني سلمة، كان لها دور رئيسي في التقرب من النبي [صلى الله عليه وسلم] ، وكانت هذه القبائل كثيرة العدد، ولكنها لم تخرج قوادا عظاما في الحرب. ولم يشهد قطبا المدينة لذلك العهد -وهما سعد بن معاذ وعبد الله بن أبي- بيعة العقبة، كما أن عشيرتيهما (عبد الأشهل وبني الحُبْلى) لم تمثلا التمثيل الكافي فيها.

وتختلف المصادر الأولى فيما بينها حول مسألة: هل اشترك الأنصار في آية حملة من حماوت المسلمين الصغيرة الأولى. على أن الأنصار كانوا ثلاثة أرباع من شهدوا بدرا على وجه التقريب. أما عن قوادهم، فقد كان سعد بن معاذ أشدهم غيرة في نصرة الإِسلام. وكان أسيد بن حضير (وليس عبد الله بن أبي بالذات) وسعد بن عبادة هما اللذين لم يشهدا بدرا (وكان أسيد بن حضير منافسا لسعد بن معاذ

ص: 1390

في زعامة عبد الأشهل. وقد ظل عبد الله بن أبي حتى حصار المدينة على الأقل (5 هـ = 627 م) يحاول أن يحول دون نمو سلطان النبي [صلى الله عليه وسلم] ولكن الآخرين ربطوا مصيرهم بالنبي بعد يوم بدر. وفي اجتماع لمناقشة "حديث الإفك" الذي دار حول (السيدة) عائشة، كان من الواضح أن سيد الخزرج قد أصبح هو سعد بن عبادة، ولا شك في أنه قد اعترف به بعد ذلك، أي بعد وفاة سعد بن معاذ، زعيما للأنصار كلهم، وظل هؤلاء من أركان سلطان النبي محمَّد [صلى الله عليه وسلم]، وإن كان قد حدث حوالي غزوة تبوك سنة 9 هـ (م 630) أن تردد فريق صغير منهم نحوه.

وأخذت المشاحنات القديمة بين الأنصار تنمحي من الأذهان رويدا رويدا أثناء إقامة النبي [صلى الله عليه وسلم] في المدينة، وأخذ الأنصار يحسون بأنهم وحدة واحدة وخاصة حيال المهاجرين الذين قلما كانوا يصهرون إليهم. وكانت الفرقة بين الأوس الخزرج عاملا له شأن عابر في تاريخ متأخر يرجع إلى الاجتماع الذي عقد بعد وفاة النبي [صلى الله عليه وسلم] وبويع فيه أبو بكر بالخلافة، ولكن لم يسمع شيء عن هذه الفرقة من بعد. واضمحل نفوذ الأنصار عقب الفتوح بالرغم من مقامهم الجليل بين طبقة الأشراف الإِسلامية الجديدة. وقد عارض معظمهم عثمان وأيد عليا. ثم كان من أمرهم بعد ذلك أن أصبحوا "معارضة من أهل التقى" للأمويين وانتصروا للعباسيين. على أن الأنصار كانوا قبل تولى العباسيين مقاليد السلطة قد اندمجوا إلى حد كبير في آل قريش وغيرهم من القبائل التي استقرت في المدينة.

المصادر:

(1)

ابن هشام. (2) ابن سعد، جـ 3، قسم 2. (3) Annuli: Caetani: جـ 1، 1/ 2.

(4)

Mhannned at Medina: W. Montgomery Watt، أوكسفورد، سنة 1956.

خورشيد (وات- W. Montgomery Watt) .

ص: 1391