المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌البجلي الحسن بن علي بن وَرْسَنْد: مؤسس فرقة البجلية الموجودة بين - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌البجلي الحسن بن علي بن وَرْسَنْد: مؤسس فرقة البجلية الموجودة بين

‌البجلي

الحسن بن علي بن وَرْسَنْد: مؤسس فرقة البجلية الموجودة بين البربر في مراكش، وذكر البكرى أن البجلى ابتدأ حياته تلك قبل وصول أبي عبد الله الشيعى (انظر هذه المادة) إلى إفريقية (قبل عام 280 هـ = 893 م). وكان البجلى من أهل نَفْطة، والتف حوله أتباع كثيرون من بنى لماس، أما مذهبه فهو شبيه بمذهب الروافض، إلَّا أنه يقول إن الإمامة لا تكون إلَّا في نسل الحسن، وهذا ما يذكره البكرى وابن حزم وهو يناقض ما ذكره ابن حوقل (طبعة ده غويه ص 65) الذي يؤكد أن البجلى كان موسوى المذهب أعنى أنه كان يقول بإمامة موسى بن جعفر من نسل الحسين.

وقد حارب عبد الله بن ياسين فيما بعد البجلية وقضى عليهم.

المصادر:

(1)

ابن حزم: الملل والنحل، جـ 4، ص 183.

(2)

البكرى: كتاب المسالك والممالك طبعة ده سلان، ص 161.

(3)

Friedlander Journal of the Amer

‌البحتري

أبو عُبادة الوليد بن عبيد: شاعر عربي ومن أصحاب الدواوين واعلام القرن الثالث الهجرى (204 - 284 هـ تقريبًا) ونسبته "البُحْتُرى" تدل على انه من بطن بُحْتُر من قبيلةَ طيئ التي كثيرًا ما فاخر بمحامدها. وكانت ولادته. وكانت ولادته في مَنْبِج، وفي رواية أخرى في قرية بالقرب منها اسمها زرْدَفْنَة. وهو يصف منبج حين يتحدث عنها بأنها وطنه، وكانت له فيها ضياع ورثها فيما يظهر ابنَه ثابتا الذي عاصر الاصطخرى. اما المرأة التي أكثر من ذكرها في غزله فاسمها علْوَة ابنة زُرَيقة، وهي من بُطْيَاس قرب حلب، وقد ذكرها في قصيدة مدح بها الفتح بن خاقان في غير المقدمة الغزلية لتلك القصيدة (الديوان، جـ 1، ص 44)، وقال فيها إنها سخلته وهوى فؤاده" وإنه خلفها وراءه في الشام. وفي قصيدة أخرى هجاها وأفحش في هجائها (جـ 2، ص 109)، وليس من شك إذن في وجودها التاريخي على عكس الأخريات فيما يرجح اللاتى ذكرهن في غزله. وتصل الروايات الوثيقة فيما يظهر بينه وبين شاعر طائى آخر من الفحول هو أبو

ص: 1545

تمام، ولو أن الأخبار التي ترويها عن لقائهما متباينة ويقال إن أبا تمام بعثه بوصية منه إلى أهل معرة النعمان منوها بأنه مداح فاستخدموه نظير أربعين ألف درهم، وهذا إذا صح دل على أن شعر هذه الفترة لم يرد في الديوان الذي ورد فيه ذكر قرية النعمان في الحديث عن ابن ثوابة (جـ 1، ص 117) الذي لا شك أن الشاعر قد لقيه من بعد.

ويظهر من أشعاره الأولى الواردة في الديوان أنه مدح كثيرًا من الأسر الطائية الوجيهة مثل بنى حُميد الثلاثة: أبي نهشل (الأغانى، جـ 9، ص 102) وأبي مسلم، وأبي جعفر - ومن الصعب أن نقول إن أبا جعفر هو عين الرجل الذي قتله بابك سنة 214 هـ - ومثل أسرة أبي سيد محمد بن يوسف المتوفى سنة 236 والذي يقال إن البحترى لقى أبا تمام في بيته، وربما كانت القصيدة التي عزى فيها أبا سعيد في وفاة المعتصم أولى قصائد الديوان (جـ 1، ص 169. الراجح أن ذلك كان عام 227 هـ). وأول من استظل به البحترى هو الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات، وقد مدحه في عهد الخليفة الواثق (جـ 2، ص 194) كما مدح بيت عبد الله بن طاهر الذي نُصب ابنه محمد أميرًا على بغداد عام 237 هـ، وربما كانت القصيدة التي قالها فيه قد أنشئت بعد ذلك بأمد وجيز تهنئة له بهذا المنصب (جـ 2، ص 125)، ومدح البحترى أيضًا ولدين آخرين من أولاد ابن طاهر هما سليمان وعبيد الله، كما مدح بعض أقارب لهم أبعد من ذلك.

ويظهر أن البحترى أصبح شاعر البلاط الأول مرة في عهد المتوكل عندما نال الحظوة لدى الفتح ابن خاقان الذي أهدى إليه ديوان الحماسة. وقد قال في المتوكل والفتح كثيرًا من قصائده ولو أن صلته بالفتح كانت تنصرم في بعض الأحيان. وعندما عهد الخليفة المتوكل بولاية العهد لأبنائه الثلاثة على التعاقب عام 235 هـ أخذت مدائح البحترى تتحدث عن الأحداث التي

ص: 1546

وقعت في حكمه: مثل فتنة أرمينية عام 237 هـ. وانتقال الخليفة مؤقتا إلى دمشق سنة 243 هـ، وعودته للاحتفال بعيد النوروز، وبنائه للمتوكلية من عام 245 - 246 هـ. وقد أورد المسعود. رواية للبحترى ذكر فيها شهوده لمقتل سيديه، والحق إنه اعترف في مرثيته للمتوكل (جـ 1، ص 28) بأنه حضر مصرعهما. ويعتذر عن عدم دفاعه عن سيديه بأنه كان أعزل لا سيف معه، وأنه دافع عنهما باليدين قدر استطاعته، وظل يعتبر القتيلين أهم أوليائه (جـ 2، ص، ا 63 جـ 1، ص 112). ورجع الشاعر بعد هذا الحادث إلى منبج ولكنه سرعان ماعاد بقصيدة يمدح بها المنتصر. وظل شاعر البلاط في عهد المستعين والمعتز والمهتدى والمعتمد على التوالى، ويبدو أنه كان أثيرا عند المعتز الذي خصه بعدة قصائد بل توسط له عند ابنه عبد الله بن المعتز. والظاهر أن البحترى كانت قواه قد وهنت قبل خاتمة حكم المعتمد.

واتصال البحترى بالبلاط العباسى جعله يتصل بجميع أعلام الرجال في الدولة، وغالب الأسماء التي أوردها في ديوانه غير معروفة لنا. ومن الأعلام الذين ذكرهم الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان، والحسن بن مخلد، وسليمان بن وهب، وإسماعيل ابن بلبل وغيرهم من القواد والعمال مثل إبراهيم وأحمد ولدى المدبِّر، وأحمد بن طولون، ومالك ابن طوق، وأخيه محمد، ومن الوزراء أمثال ابن ثوابة، وأبي نوح، وعيسى بن إبراهيم وغيرهم. ومن رجال البلاط علي بن المنجم، وابن حمدون، والمبِّرد النحوي، وابن خرداذبه الجغرافي، وأبو العيناء الأديب، ولذلك فإن ديوانه تكملة قيمة لإخباريى هذا العصر، وهو يضيف إلى ذلك الكثير من التفصيلات، فأحيانًا يذكر الأسماء الكاملة للشخصيات، وأحيانا يسجل حوادث أغفلها المؤرخون فيما يظهر.

وتشمل القصائد التي قيلت في الخلفاء إشارات عدة إلى المنافسات التي كانت قائمة بين العباسيين والعلويين من جانب وبينهم وبين الأمويين من جانب آخر. ولم يترحم

ص: 1547

على أيام بنى أمية إلَّا في مناسبة واحدة سُلم فيها عامل من المسلمين إلى النصارى فعذبوه. أما في موضوع حق العم في ولاية الأمر فقد كان البحترى يفضل العباس ويذكر قيامه بالسقاية التي يفسرها الشاعر تفسيرا مصيبا كل الصواب فيقول إنها حق الاستسقاء (جـ 1، ص 21 - 23) كما يذكر خدمات الموالى من الفرس للإسلام ومساواتهم للعرب، ووصف خدمات العباسيين للعلويين وصفا نهج فيه نهج المنصور (جـ 1، ص 63). ويكلف البحترى بوصف القصور، مثل قصر الزوَ والقصور التي شيدها المتوكل، وجوسق المعتز وقصر المعتمد المعروفين بالمعشوق والمشوق، وأطلال إيوان كسرى التي زارها صحبة ابنه أبي الغوث، وله فيها قصيدة رائعة (جـ 1، ص 108) كما وصف الأسطول (جـ 1، ص 257) والعيون التي شيدتها أم المعتز لسقاية الحجيج (جـ 2، ص 146) وحروب الموفق وقواده في ثورة الزنج.

وكان البحترى، شأن الغالبية من أهل طبقته، يلتمس بالشعر العون على خراجه (جـ 1، ص 106، 127، 189) أو مساعدته فيما يتصل بضياعه (جـ 1، ص 150، جـ 2، ص 152) أو يشكو العمال الذين يحاولون اغتصاب أملاكه (جـ 2، ص 153) أو يشكو قلة أعطياته (جـ 2، ص 257) أو إخلاف ما وعبد به (جـ 1، ص 222). ونحن نراه في الأغانى يتوسل للحصول على المال بطريقة فريدة: هي إغراء إخوانه بشراء عبد له اسمه نسيم ثم يشكو فراقه بحرارة حتى يعاد إليه، ويدل على هذا مجموعة من القصائد مدح بها إبراهيم بن المدبر (جـ 1، ص 179، 181).

ويقال إن البحترى عندما أدركته الوفاة أوصى بأن تحرق أهاجيه. ويرى صاحب الأغانى أن ذلك ذهب بخير شعره، ومع هذا فقد بقى منها عدد ليس بالقليل يتضح منه أنه اتبع الطريقة الشائعة في الحصول على الصلات، وهي تهديد الذين يرفضون مدائحه بالهجاء حتى أننا نجد في ديوانه

ص: 1548

أشخاصا مدحهم وهجاهم، ولكنه كان يصدر في أحوال أخرى عن بواعث غير انتظار الهبة، مثال ذلك مدحه لابن طولون فإنه لم يكن لاعتبارات شخصية فحسب، وإنما كان لبواعث سياسية أيضًا، وقد هجا من لداته الشعراء على بن الجهم (جـ 2، ص 88، 99، 107) والحسن بن رجاء (جـ 2، ص 107) بينما كان حسن الصلة بالشاعر دعْبِل (جـ 2، ص 177). وهاجم النحاة في إحدى قصائده (جـ 2، ص 132) وهجا النصارى في أكثر من موضع (جب 2، ص 96، 112).

والنقاد يضعون البحترى مع أبي تمام والمتنبي كثالث الفحول الثلاثة في العهد العباسى، وقد خاض هؤلاء النقاد في موضوع الموازنة بين البحترى وأبي تمام. ويقول شاعرنا إن جيده أقل من جيد أبي تمام ورديئه أحسن من رديئه. ويخصص المسعودى عدة صفحات من كتابه للبحث في هذا الموضوع، كما فصل الكلام فيه الحسن بن بشر الآمدى في كتاب عنوانه "الموازنة بين أبي تمام والبحترى" وهو يهم بتحيزه الظاهر للبحترى. أما النقاد الغربيون فهم على الأرجح يرون أن البحترى أقل تالقًا من المتنبي وأكثر شاعرية من أبي تمام بكثير.

وينسب صاحب الفهرست للبحترى غير ديوانه كتاب معاني الشعراء وكتاب الحماسة ومنه مخطوط في ليدن نسخ ونشر عام 1909 م وطبع الديوان في الاستانة عام 1300 هـ اعتمادا فيما يظهر على مخطوط يرجع تاريخه إلى عام 424 هـ، وهذه النسخة مرتبة بأسماء الأشخاص والأسر الذين قيل الشعر فيهم، ولو أن هذا الترتيب لم يكن مرعيا على الدوام، وفي مكتبة فينا نسخة مشابهة لهذه (فهرس، جـ 1، ص 436). ورتب الصولى القصائد على حروف المعجم، ويوجد جزء من هذه النسخة في مكتبة ميونخ (رقم 508) ويقال إن علي بن حمزة الأصفهانى رتب القصائد على الموضوعات ترتيبًا بارعًا (ياقوت معجم الادباء، جـ 5، ص 200، الفهرست، ص 165). ويسمى الديوان أحيانا باسم "سلاسل الذهب" وقد طبعت فقرات من شرح أبي العلاء

ص: 1549

لهذا الديوان، وهو الشرح المعروف "عبث الوليد" في المقتبس. ويذكر أبو العلاء في رسائله التي نشرت بأوكسفورد (ص 90) وصفًا عجيبًا هو أن البحترى كانت له قدما ديك.

المصادر:

(1)

الأغاني: جـ 18، ص 167 - 175.

(2)

ابن خلكان: ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 657 - 666.

[مركوليوث A.S. Margoliouth]

أبو عُبادة الوليد بن عبيد الله: شاعر عربي من أصحاب الدواوين ومن أعيان القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي: 206 - 284 هـ = 821 - 897)، ولد في منبج، ويروى أنه ولد في القرية المجاورة "حرْدفْنَة، لأسرة تنتص إلى بُحْتر وهي بطن من طيى، ولم يقطع البحترى صلته قط تماما ببلده حيث شاء الحظ، الذي اجتمع في حياته العملية الطويلة كلها شاعرًا للبلاط، على أن يتيح له الحصول على ملك خاص به، بل هو قد استغل أيضًا أصله القبلى في إنشاء صلات تعود عليه بالفائدة.

وقد خص البحترى باكورة شعره الذي نظمه بين عامي 223 - 226 هـ (837 - 840 م) بمدح قبيلته، والتمس مولى يستظل به فوجده في شخص القائد الطائى أبي سعيد يوسف بن محمد المعروف بالثَغْرى، وقد لقى في دار الثغرى لأول مرة الشاعر أبا تمام الذي كان يزعم هو أيضًا أنه من طيئ. وقد اجتذبت موهبة الشاب هذا الشاعر فأوصى به أول الأمر فيما يظهر أعيان معرة النعمان وزكَّاه لهم شاعرًا مداحًا فجعلوا له راتبًا قدره أربعة آلاف درهم، ولكن لم ينته إلينا أي شعر له من هذه الفترة.

ومهما يكن من شيء فإن البحترى لم يتوان عن اللحاق بأبى تمام في حاشية مولاه مالك بن طوق والى الجزيرة، ثم تبعه إلى بغداد حيث استطاع بفضل حضوره دروس أشهر العلماء، وخاصة ابن الأعرابى، ومجاهدته في التخلق بأخلاق عاصمة البلاد، أنى يهيئ نفسه لمدح أكابر

ص: 1550

الشخصيات آملا أن يتقرب بذلك إلى الخليفة.

على أنه لم ينل في هذا السبيل إلَّا أقل النجاح مع ابن الزيات، فاستعاض عن خيبته معه باللحاق بأسرة من قبيله هي أسرة بنى حُمَيد، وكان بعض أفرادها قد استقر في بغداد، وأهدى بعض قصائده إلى زعيمهم أبي نَهْشَل، ثم غادر العراق في الوقت الذي غادره فيه أبو تمام سنة 230 هـ (844) ليعود إلى الثغري الذي كان وقتذاك في الموصل.

ولم يحزن البحترى على وفاة أبي تمام سنة 231 هـ (845 م) على خلاف كل التوقعات، مع أن أبا تمام كان هو أول من شجعه وأول من دربه على قول الشعر، وكان هذا هو أول مثل على جحود. ووصوليته اللذين أكدهما بالدليل الوافر من بعد.

وما إن تولى المتوكل الخلافة حتى عاد البحترى إلى بغداد، واستطاع بفضل وساطة ابن المنجّم الحميدة أن ينال الحظوة لدى الفتح بن خاقان، وقد قدمه الفتح إلى المتوكل، والراجح أن ذلك كان سنة 234 هـ (848 م). ومن ثم بدأت تنتظر البحترى حياة مشرقة شاعرًا للبلاط.

وقد شاب صلة البحترى بالفتح فتور عابر بفعل التحاسد الذي لم يكن منه بد، ومع ذلدُ كان البحترى ينعم دائما برعاية الفتح الذي أهدى إليه البحترى ديوانه "الحماسة" وعددًا من مدائحه، ومدح البحترى أيضًا عدة شخصيات كبيرة في الدولة، ولكنه خص الخليفة بمعظم شعره. وكان في حياته على علاقة وثيقة به، ينعم بعطفه، ويؤيد سياسة الحكومة حتى إن تعارضت مع آرائه الشخصية التي كان يشوبها هوى مع الشيعة، ويجاهر بفضائل العباسيين وحقوقهم. وكان شعره في هذه الفترة يتضمن كثيرا من الإشارات إلى الحوادث السياسية مثل التمرد الذي وقع في دمشق سنة 236 هـ (850 م) والفتنة التي نشبت في أرمينية سنة 237 م (851 م) وفتنة حمص سنة 240 هـ (854 م)، وزيارة الخليفة دمشق سنة 244 هـ (858 م)، وبناء المتوكلية ما بين سنتى 245 - 246 هـ (859 - 860 م) وغير ذلك من الحوادث.

ص: 1551

وكانت مقدمات قصائده في النسيب موجهة حتى ذلك الحين إلى امرأة تقليدية موهومة هي هند، وهنالك ظهرت في أشعاره امرأة حقيقة هي عَلْوَة بنت زرَيقة التي كانت تعيش في حلب وكانت لها دار ريفية بهذه الكورة في بطياس، ولا شك أنه جرى على لقائها في أسفاره إلى الشام، ذلك أن إقامته في العراق لم تكن دائمة بحال، ومن الجائز أنه كان يكن لها هوى عظيمًا، ولو أنه سخر منها في قصيدة فيهاشئ من الفحش.

وعلى الرغم من اهتمامه لاغتيال المتوكل والفتح سنة 247 هـ (861 م). كما أخبر المسعودى عنه، فإنه رأى من الأحرص أن يعتكف في منبج، ولكنه سرعان ما ظهر بعد ذلك بقصيدة في مدح المنتصر، ثم وجه مدائحه بعد إلى الوزير أحمد بن الخصيب، وقد وقع بالصدفة في زمن متأخر عن هذا أن البحترى لم يتردد في تحريض المستعين على هذا الوزير. وذاق البحترى حلاوة الشهرة مرة أخرى في ظل المعتز، وقد مدحه بجملة من قصائده بدت فيها أصداء الاضطراب الذي كان يروى ثرى ولايات الدولة بالدم، على أن ذلك لم يمنعه بحال من الترحيب بالمهتدى كأن شيئًا من ذلك لم يحدث، ولم يعقه من أن يصبح إلى حين شاعر التقى بغية التسرية عن الخليفة الجديد.

وأفلت شهرة البحترى في عهد المعتمد، فقد أثارت سياسة هذا الخليفة المالية في نفسه بعض القلق على ثروته، وكانت آخر قصيدة قالها في مدح خليفة هي تلك التي مدح بها المعتضد سنة 279 هـ (892 م).

وهنالك ترك البحترى العراق، وأصبح شاعر البلاط مرة أخرى في ظل خمارويه بن طولون، ثم عاد إلى مسقط رأسه حيث أدركته المنية بعد مرض طويل سنة 284 هـ (897 م).

وقد اقتصر البحترى -أو كاد - في بدء حياته الشعرية على نظم القصائد في التفاخر أو في وصف تجواله في الصحراء، وثمة مثل مشهور على ذلك هو القصيدة المشهورة التي قالها في الذئب (جـ 2، ص 110)، على

ص: 1552

أنه ما إن أصبح شاعر البلاط حتى غدا المديح هو القالب الغالب على شعره. وبهذا احترم البحترى القالب الثلاثى للقصيدة، وربما لم يشذ عن ذلك إلَّا في نهاية حياته، وراح يرسم صورة تقليدية لرعاته المختلفين. على أن مديحه تسمو به في توفيق أوصاف رائعة (وخاصة في وصفه الإيوان) وهنا يقف البحترى نسيج وحده لا يبارى بفضل تذوقه المرهف للخيال الشعرى والتفصيلات الطلية التي يسوقها. ولم يخص البحترى قصيدة كاملة بوصف قصر هو إيوان كسرى إلَّا متأخرًا (انظر عبد القادر المغربي في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، سنة 1956، ص 77 - 88، 241 - 252، 427 - 436، 577 - 585). والأفكار التي يبسطها البحترى في مجموعها خالية من الابتكار، إلَّا أن مزيته الفريدة هي أسلوبه الذي يتميز بمفرداته البسيطة وشعره الموسيقى الفخم، وقد وضعه هذا الأسلوب فوق شعراء البلاط الآخرين الذين كتب عليه أن ينافسهم أول الأمر.

وتفوق البحترى أيضًا في الرثاء، ولكنه قلما كان يوفق في الهجاء، ذلك أن الهجاء عنده كان لا يعدو أن يكون حصيلة للمدح، وهو في الأغلب الأعم موجه إلى راع سابق مرجولم يحقق آماله. وثمة واقعة جاءت في قصة من القصص هي أنه أوصى ابنه وهو على فراش الموت بأن يعدم جميع أهاجيه. وقصائد المناسبات قليلة في ديوانه. وكذلك فإن موضوعات الحب لانجدها إلَّا في مقدمات قصائده، وكانت هذه المقدمات لا تعدو أن تكون نزولا منه على سنة فاشية هي أن يتغنى بمحامد بعض المراهقين.

والنقاد الغربيون الذين كانوا إلى ذلك لايهتمون بالبحترى إلَّا اهتمامًا قليلا، يسلكونه في عداد الشعراء المحدثين من القدماء، وهذا الوضع يناسبه كل المناسبة. أما النقاد المشارقة فإنهم يجعلونه هو وأبا تمام والمتنبي من أهم شعراء العصر العباسى. والمقارنة بينه وبين أستاذه أبي تمام موضوع من موضوعات المناقشة المحببة بعد أن كان مثارًا للخلاف حتى

ص: 1553

في حياة البحترى نفسه. ويرى البحترى ذاته أن جيده أقل من جيد أبي تمام ورديئه أحسن من رديئه. وقد تناول هذا الموضوع بالتفصيل في كتابين يجنح كل منهما إلى تفضيل واحد منهما على الآخر، وهما:"أخبار أبي تمام" للصولى (القاهرة سنة 1356 هـ = 1937 م) و"الموازنة بين أبي تمام والبحترى" للآمدى (القاهرة سنة 1363 هـ = 1944 م).

ويشارك البحترى معظم زملائه في أنه لا يكف عن السؤال ولا يتورع عن آية وسيلة يحصل بها على المال. وهذا الجشع إلى جنى المال أفسد معدنه الخلقى وأدى به إلى المصانعة ليساير بحقارة تذبذب السياسة الدينية للخليفة الذي كان راعيه.

وقد أكسبه نجاحه شاعرًا للبلاط عداوات مرة بين منافسيه، مع أنه كان فيما يظهر على صلات طيبة بالشاعر الشيعى دعبل. وطبيعى أن يؤدى به هذا النجاح إلى الاتصال بالشخصيات البارزة في الدولة من وزراء إلى قواد، إلى ولاة، إلى رجال بلاط وكتاب سر، وعلماء. وأتاحت له صلاته أيضًا أن يتابع كثيرًا من الوقائع السياسية التي نسمع صداها في الديوان، وهذا الأثر له قيمة وثيقية لا تنكر علاوة على قيمته الأدبية (انظر Les allusions: M. Canard ae la guerre byzantine chez les poetes Abu Taromam et Buhtun في Byzanceet les Arabes: Vassiliev جـ 1، بروكسل سنة 1935، ص 397 - 403)، والحق إنه ذيل قصير لأخبار ذلك العهد، فهو يزيد عليها تفصيلات في كثير من الأحيان، أو يصف آثارا، أو يذكر وقائع أغفلها المؤرخون فيما يبدو.

وقد طبع الديوان في الآستانة سنة 1882. ثم طبع في بيروت وفي القاهرة سنة 1911، ولكن هذه الطبعات أميل إلى الخطأ والنقصان، ومن ثم فإننا نرحب كل الترحيب بظهور طبعة جديدة تعتمد على المخطوطات المختلفة وخاصة المخطوط المحفوظ في المكتبة الأهلية بباريس، وقد نشر شرح للديوان كتبه أبو العلاء المعرى بعنوان "عبث الوليد" في دمشق سنة 1355 هـ (1936 م).

ص: 1554

أما كتابه "الحماسة" فلم نعثر إلَّا على مخطوط واحد منه، وهو محفوظ في جامعة ليدن، ويشهد هذا بعدم نجاح هذا الديوان الشعرى الذي جمعت فيه الأشعار بحسب موضوعاتها لا بحسب أنواعها مثل حماسة أبي تمام. وثمة ثلاث طبعات منه إحداها في ليدن سنة 1909، والثانية في بيروت سنة 1910، والثالثة في القاهرة سنة 1929.

وينسب للبحترى أثر ثالث هو "معاني الشعر" أو "معاني الشعراء" وهو مفقود.

المصادر:

(1)

الأغانى، جـ 18، ص 167 - 175.

(2)

ابن المعتز. طبقات الشعراء، لندن سنة 1939، ص 186 - 187.

(3)

المسعودى: مروج الذهب، الفهرس.

(4)

ابن خلكان، ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 657 - 666.

(5)

ياقوت: معجم الأدباء، جـ 19، ص 248 - 258.

(6)

أبو العلا المعرى: رسالة الغفران، في مواضع مختلفة.

(7)

the letters of: margoliouth Abu'l-Ala . أوكسفورد سنة 1891، في مواضع مختلفة.

(8)

الحصرى: زهر الآداب، الفهرس.

(9)

الفهرست، طبعة القاهرة. ص 235.

(10)

ابن رشيق: العمدة، في مواضع مختلفة.

(11)

- Deutsch Morgenl Ge Zeitschr der .sells، سنة 1893، ص 418 - 439، 715 - 717.

(12)

ج. كنعان: البحترى، حياة من غير تاريخ.

(13)

طه حسين: من حديث الشعر والنثر، القاهرة من غير تاريخ (1932؟ )، ص 113 - 133.

(14)

محمد صبرى: أبو عبادة البحترى، القاهرة سنة 1946.

(15)

ع. رستم: طيف الوليد، أو حياة البحترى، القاهرة سنة 1947.

ص: 1555