الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباطنية
اسم يطلق على: (أ) الإسماعيلية في العصور الوسطى بسبب تركيزهم على الباطن، والباطن يعني ما وراء ظاهر التنزيل:(ب) ثم يطلق بدرجة أقل خصوصية على أي فرد يرمى باطراحه للمعنى الظاهر لمثل هذه النصوص مؤثرا الباطن.
(أ) وبين الإسماعيلية وبعض فرق من الشيعة تتصل بهم ظهر طابع متميز من التأويل وهو تفسير للتنزيل قد يسمى باطنيا، وكان رمزيا أو مجازيا في منهجه فرَقيا في أغراضه يصدر عن أصحاب الحدود في الفرقة أنفسهم وهو مستور. وكل فروع الإسماعيلية وكذلك شعبها الدرزية احتفظت بالتأويل الباطنى في صورة أو في أخرى، ويظهر أن الطريقة المشابهة للإسماعيلية -ونعنى بها النُصيرية- هي بقية من حلقات الباطنية المرتبطة بالأئمة الاثنى عشرية الذين أتوا بعد ذلك.
وثمة مظاهر يمكن أن نجد لها نظائر في هذا النوع من التأويل بين الغنوصيين. على أن أصول هذا التأويل المباشرة إسلامية، ويمكن أن نرد بدايات هذا التأويل إلى غلاة الشيعة أيام القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) مثله في ذلك مثل التأويل الرمزى المنسوب إلى الإمامية من الشيعة الاثنى عشرية المتأخرين. (إذ فيه ما فيه من سمة رمزية وفرقية، كما أن فيه شيئًا من السرية).
ويقال إن أبا منصور العجلي ذهب إلى القول بأن السماوات ترمز إلى الأئمة وإلى أن الأرض هي أتباعهم، وتنسب إليه الفكرة التي تحل القضية، وهي أنه على حين كان الرسول هو الذي جاء بنص القرآن كان الإمام وحده هو المنوط بتأويله؛ ناطقا يعلن العقيدة الحقة جهارًا، وصامتا يؤولها للصفوة.
ويمكن وصف منهج الباطنية في عبارات من أفكار أربعة جوهرية: باطن، تأويل، خاص وعام، وتقية، وكل منها
مما يلتزم به سلفا أيا كان المذهب الذي يدعى إليه.
وكان من المسلم به عندهم أن كل نص منزل له معناه الباطن الذي يقابل الظاهر، ولم يكن هذا قاصرًا على فقرات هي مجازية على آية حال، ولكن على فقرات تاريخية، وفقرات الوعظ، وأحكام الشرع والمعاملات، وعلى كل إنسان، أو فعل أو غاية تذكر، فكان يجب أن يأخذ هذا كله مأخذا رمزيا، والأشياء الرمزية كانت في كثير من الأحيان تشرح واحدة واحدة من حيث هي موضوعات مطروحة للموافقة والطاعة والكراهية وما أشبه ذلك حسب موقعها من الكلام، غير أنه في بعض الأحيان كانت تقرأ قصص وحكايات بأكملها باعتبارها رمزيات توسع فيها. وقد استخدم بلا حرج العدد الرمزى والحرف الرمزى، وكان الإجراء نفسه مطبقا أيضًا على الكتب المنزلة غير الإسلامية، بل وعلى الطبيعة بأسرها، إذ أن الباطن كان يمثل عالما باطنيا ينطوى على حقيقة روحانية خفية مقابلة لحقيقة الظاهر، وهو العالم العادى المرئى، الذي يحجبه ويخفيه، والمهمة الحقة لكتاب منزل هي أن تشير إلى ذلك العالم الخفى حتى حين يحتفظ به مستورًا وراء رموز.
والتأويل الذي هو تخليص باطنى من نص ظاهر كان على هذا أساسيا كالتنزيل، وكان كذلك قائمًا على الوساطة الإلهية، ويجب أن يكون لكل نبي جاء بتنزيل "وصيّ"(وفي حال محمَّد كان الوصى "على") هو الذي أعطى التأويل يبسطه إلى القلة الجديرة بذلك بينه وبينها، أي إلى أفراد الفرقة الذين ارتضوا حُجِّيته.
ومن ثمة كان الناس جميعًا منقسمين إلى خاصة، وهم الصفوة الذين يعرفون الباطن، وإلى عامة وهم الكثرة الجاهلة. وكان الخاصة هم هؤلاء الذين يُحتفل بدخولهم في الفرقة أي يلقنون المعرفة والطاعة للإمام الذي هو الممثل لعلى والمصدر الثقة الوحيد للتأويل في أي جيل. وبين الإسماعيلية
كان يتوسط بين الإمام وبين المبتدئ الداخل في الفرقة طبقات (حدود من المشايخ) وكان البادئ يلقن (الباطن) على مراحل (يختلف عددها) وعلى نحو يُملى إملاء.
ولم يكن الباطن باطنا لخفائه فحسب بل لسريته، ومعرفته يجب ألا يلقنها الإمام للعامة الذين يأخذون بالظاهر خشية أن يساء فهمها على نحو يخرج بها الخروج كله عن المحجّة.
وقول الشيعة بالتقية قد أعيد تفسيره تبعًا لذلك بحيث يتضمن وجوب ألا يُكشف عن الباطن لأى شخص من غير شيوخ الفرقة بصرف النظر عن التعرض لأى خطر من الإضطهاد. ومن ثمة رأى البعض أن اصطناع الظاهر في الشريعة- حتى في صورته الشيعية الصريحة- أصبح يعد تقية من حيث احتفاظه بالباطن مستورًا.
والتأويل (كما نعرفه في صورته الإسماعيلية) لم يبلغ أي وحدة دقيقة في الرأى بالرغم من وجود طبقات من المشايخ ذوي الحجة، ذلك أن الكتاب المختلفين كانوا يختلفون اختلافًا كثيرًا في تفسيرهم الباطنى لأى فعل من أفعال العبادات بل إن الكاتب نفسه كان يدلى في بعض الأحيان بتفسيرات كثيرة في الكتاب الواحد نفسه، ولذلك فإن المعنى الباطن لفريضة الزكاة قد رؤى أنه الخمس من دَخْل المرء يجب أداؤه للإمام أو أن المرء يجب عليه أن يعطى كل ما يفيض من دخله للفقير أو أن الثروة الحقة هي المعرفة فحسب، والذي حققه التأويل هو أنه أحل مذهبًا يبدو أنه يغوص إلى ما وراء الخلافات الشكلية بين الجماعات الدينية المتنازعة بدعاواها العقائدية ليبلغ بذلك حقيقة عامة أعمق، وقد أضفى الإسماعيلية على التأويل مشربا واحدا وذلك باستخدامه في أغراض ثلاثة كبيرة مترابطة، فهو يمثل تصورا للكون وهو يفسر علم الآخرة تفسيرا تاريخيا يقوم على الدين والدورات (وأحيانا بالتناسخ) وأخيرًا فهو يبرز طبقات المشايخ للفرقة الذين تقابل درجاتهم على تفاوت الدرجات العديدة للتصور الإفلاطونى المحدث للكون.
والرغبة في التحلل السفسطائى من العقائد المسلم بها عامة أن إلى قيام نزعة ملحة تهدف إلى السمو بالباطن سموًا جوهريًا، وفي مذهب الإسماعيلية الفاطمى الرسمى اعتبر أن كلا من الظاهر والباطن له ميادينه الخاصة المناسبة، على الأقل في مسائل العبادات والشرعيات الملزمة للداخل في الطريقة. ولكن كانت ثمة بين الباطنية معاودة متكررة لنبذ معنى الظاهر كلية على الأقل في أحكام العبادات على إعتبار أنها نافلة لكل من يعرف الإمام ومن ثم الباطن، وهذا حدث مثلًا بين الإسماعيلية النزارية بعد سنة 559 هـ (1164 م). وهؤلاء الذين نبذوا الظاهر كلية قد جروا أيضًا في الأكثر على السمو بالوصى (على) لأن التأويل عندهم كان أحق من التنزيل، وكان هذا موقف النصيرية.
ويظهر أن الحركة الباطنية تركت آثارا بين جماعات متأخرة مثل الحروفية والرَوْشَنَيِة والبابية الذين أخذوا بالتفسير الرمزى وإن كان ذلك في بعض النصوص المختلفة بعض الاختلاف.
وكذلك أثرت اصطلاحات التأويل وتصوراته بعد أن تجردت من طائفيتها في رمزية الفكر الصوفى، ومع ذلك فلعل المواقف الجوهرية التي اتخذتها الباطنية كان لها فوق ذلك كله أثر في جعل أهل السنة من المسلمين أكثر تشككا في أي لون من ألوان التأويل الرمزى، وعلى هذا النحو جعل الغزالي الباطنية الإسماعيلية في كتابه "القسطاس المستقيم" مبدأ الخلاف في تحليله للحدود الشرعية للتأويل عامة.
(ب) واستخدم الكتاب السنيون فيما بعد المصطلح "باطنية" في جدلهم ليجرَحوا أي كتَاب يرون أنهم قد جاوزوا التسليم بالمعنى الباطنى للتنزيل إلى أنكار المعنى الظاهر مقتصرين في ذلك على المعنى الباطن، وعلى هذا النحو فإن ابن تيمية لم يرم بالباطنية الشيعة الباطنية فحسب، بل رمى أيضًا بعض الصوفية وكذلك بعض الفلاسفة مثل