المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابا طاهر " بابا طاهر": صوفى وشاعر، كتب بإحدى اللهجات الفارسية. - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌بابا طاهر " بابا طاهر": صوفى وشاعر، كتب بإحدى اللهجات الفارسية.

‌بابا طاهر

" بابا طاهر": صوفى وشاعر، كتب بإحدى اللهجات الفارسية. ويقول رضا قلى خان (القرن التاسع عشر)، دون أن يعين المصدر الذي استقى منه، إن بابا طاهر كان يعيش في عهد الديلم وإنه توفي سنة 401 هـ (1010 م).

ومن رباعيات بابا طاهر واحدة غامضة المعنى تقول: "أنا ذلك البحر الذي دخل في إناء، أنا تلك النقطة التي دخلت في الحرف، في كل ألف لألف ستة مثلًا) يقوم رجل مستقيم كالألف (ألف قد) أنا هو ذلك القائم الذي جَاء في هذه الألف" وقد فسر مهدى خان هذه الرباعية تفسيرا غاية في العجب ونشره في مجلة الجمعية الأسيوية في البنغال J.A.S. Bengal وقال في تفسيرها: إن حروف كلمة "ألف قد" تساوى في العدد 215، وهو ما تساويه كلمة "دريا" (وهي كلمة فارسية معناها "بحر") وما تساويه أيضًا كلمة "طاهر" وهي اسم الشاعر فإذا أضفنا "ألف قد = 215 إلى "ألف" وهي تساوى 111 كان المجموع 326 [وهذا العدد يساوى كلمة هزار الفارسية ومعناه "ألف" إذا تهجيناها: ها - زا - ألف راء]. وبهذه الطريقة يذهب مهدى خان إلى القول بأن عبارة "ألف قد في الألف" تعطى تاريخ ميلاد بابا طاهر الذي يمكن أن يكون قد عاش إلى سنة 401 هـ.

وبالرغم من أصالة هذا التفسير فإن الشاهد التاريخي الوحيد الذي بين أيدينا عن بابا طاهر هو ما رواه صاحب راحة الصدور (ص 601 حوالي سنة 1204 هـ، سلسلة كب التذكارية، ص 98 - 99) إذ يقول إنه سمع أنه عندما دخل طغرل سلطان السلاجقة مدينة همذان سنة 447 هـ (1055 م) وجه إليه بابا طاهر نصيحة قال فيها: "أيها التركى، ماذا أنت صانع بالمسلمين؟ " وقد تأثر الفاتح التركى كثيرا بهذه النصيحة. وهذه القصة توحى بأن وفاة بابا طاهر حدثت بعد سنة 447 هـ ولكنها لا تناقض بأى وجه ما قيل من أنه كان موجودا في عهد الديلم: أي في عهد بني بويه وأقاربهم بني كاكويه الذين ظلوا

ص: 1500

يحكمون همذان إلى حملة إبراهيم ينال سنة 435 هـ. وربما كان بابا طاهر معاصرا لابن سينا الذي توفي في همدان سنة 428 هـ (1037 م) ولكن الأساطير التي تذهب إلى أنه حضر إعدام الصوفى "عين القضاة الهمذانى" سنة 533 هـ وأنه كان معاصرا لنصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672 هـ، وهي من وحى الخيال لا غير.

وتلقب المصادر بابا طاهر أحيانا بالهمذانى (انظر المخطوط العربي رقم 1903 بالمكتبة الأهلية بباريس، سرانجام

وإلخ) وأحيانا تلقبه باللورى. وهذا اللقب الأخير يبعث فينا شيئًا من الدهشة، فهو يجعلنا نتساءل: هل له معنى آخر غير إبراز نسبة الشاعر إلى بلاد اللور (لورستان)؟ ولا شك في أنه يحسن بنا أن نتذكر أن الصلات كانت في القرن الحادي عشر وثيقة جدا بين همذان ولورستان، وربما عاش الشاعر مقسما حياته بينهما. وفي خُرمَّ آباد حي سمى باسم بابا طاهر (انظر Geogr. Journ: Edmonds يونية سنة 1922، ص 443). ومما له دلالة خاصة ما ورد في معتقدات "أهل الحق" مما يجعل لبابا طاهر صلة بلورستان. وفي رباعيات بابا طاهر يرد كثيرا اسم جبل ألوند الذي يشرف على مدينة همذان الديوان رقم 200، 102، 274) ، وقبر بابا طاهر قائم على تل صغير في الشمال الغربي من المدينة في حي "بن بازار"، وإلى جانبه قبر فاطمة المخلصة وقبر ميرزا على نقى كوثرى (القرن الحادي عشر)، والضريح حقير البناء ولا قيمة له، وورد ذكره في نزهة القلوب (740 هـ = 1340 م؛ سلسلة كب التذكارية، ص 75، ورسمة في Ma-: Minorsky teriaux - طبعة موسكو، سنة 1911 م، ص 11؛ انظر أيضا Williams Jakson في: - Avisit to the Tomb of baba Tahir at Ham .adan: A Volume presented to E.G Browne طبعة كمبردج، سنة 1922 م، ص 257 - 260).

والحكايات التي يسمعها المرء في مازندران عن صلة بابا طاهر بهذا الإقليم لا أساس لها من الصحة وربما كانت قد جلبها أولئك الذين هاجروا من

ص: 1501

لورستان. وإلى جانب هذا نرى جميع البدو في بلاد الفرس يميلون إلى اعتبار بابا طاهر مواطنا لهم.

لغة بابا طاهر:

لما كانت الوقائع والروايات جميعًا تجعل صلة للشاعر بهمذان ولورستان فإنه من المعقول أن نتوقع وجود آثار من لهجة هذا الإقليم في لغته. على أن لهجة هذا الإقليم قريبة جدًّا من اللهجة الفارسية، وأشعار بابا طاهر وصلت إلينا بالنقل من فم إلى آخر، وحاول رواتها النطق بها مفهومة واضحة، من أجل هذا أصبح من العسير أن نضع أشعاره في اللهجة التي استعملها هو. وربما رجح قول من قال إن بابا طاهر أراد أن يقلد في شعره لهجات أولئك القوم النابهين. وفي أيامنا هذه زعم كردى من النصارى أنه أنشأ أشعارا باللهجة الكورانية وهي متميزة عن لغتة تماها "ليؤدى بها الرسالة" إلى أهل الحق (انظر مقال الدكتور سعيد خان في مجلة العالم الإِسلامي، The Moslem Warld، يناير سنة 1927، ص 40).

البلاد الواقعة بين همذان وخُرمَّ آباد ما زال فيها عدة لهجات، ولكن اللهجة التي استعملها بابا طاهر ليست ذات صلة بلهجة واحدة معينة، وإنما هي تستمد فيما يظهر من هذه اللهجات جميعا ولسنا ننكر وثاقة الصلة بين النص الحالى لأشعار بابا طاهر وبين اللغة الفارسية الفصيحة على أننا نلاحظ أنه استعمل كلمة "نوم" بدلا من "نام" ومعناه اسم و"دستُم" بدلا من "دستَم" ومعناها يدي و "رفتُم" بدلا من "رفتَم" ومعناها ذهبت و "دير" بدلا من "دور"(انظر CI. Huart ص 14 الديوان، رقم 82) وهذا الاستعمال خاص بلهجة اللور. والجدهان "واج" بمعنى يتحدث و"كَرْ" بمعنى يفعل شائعان في الكردية واللهجات الوسطى. واستعمل بابا طاهر أيضًا عبارة "ميكرو" بمعنى يفعل وعبارة "آيو" بمعنى يأتي وهذا يذكرنا على وجه خاص بلغة الحديث الكورانية المستعملة أقصى من ذلك ناحية الغرب. واستعماله لكلمة "ديرم" بدلا من "دارَم" لانجد شبيها له إلا في بلدة كازرون بالقرب من شيراز.

ص: 1502

وقد بيَّن "هندك" Handak وأثبت في تحليله المفصل، ما في رباعيات بابا طاهر من مزج بين اللهجات المختلفة، ولو باعتبار ما عرفناه من هذه اللهجات في الوقت الحاضر على الأقل. أما تسمية "إيوار" Hurat (سنة 1885 م) للغة التي استعملها بابا طاهر باللغة الفهلوية الإسلامية فهي تسمية لم يرض عنها العلماء.

ووزن الشعر في رباعيات طاهر وفي قصائده الغزلية يكاد يكون كله من الهزج المسدس المحذوف، ولهذا فإن ناشر ديوانه حديثًا سمى رباعياته بالدوبيت بدلا من الرباعيات لأن المصطلح الأخير أقرب صلة بوزن الهزج المكفوف المقصور. ويظهر أن بعض الرباعيات المنسوبة إلى بابا طاهر مشكوك في صحتها ونجد الوزن الذي استعمله في شعره مستعملا أيضًا في بعض الأغانى الشعبية (انظر ميرزا جعفر (Gramm. pers. Rayikz (korsch، طبعة موسكو، سنة 1901، ص 308).

بابا طاهر الشاعر:

كان كل ما نعرفه عن شعر بابا طاهر حتى سنة 1927 عبارة عن عدد قليل من قصائده ورد معظمها في الدواوين التي جمعت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وأدت أبحاث إيوار Huart إلى نشر 59 رباعية من رباعيات طاهر سنة 1885 و 59 رباعية أخرى وقصيدة من قصائده الغزلية سنة 1908. ووجد هرون ألن E.Heron Allen ثلاث رباعيات جديدة، ولكن صحة نسبتها إلى طاهر مشكوك فيها. وترجم لسكرينسكى Leszcznyski 80 من رباعيات طاهر وقصيدة له في الغزل غير التي نشرها إيوار معتمدا في ذلك على مخطوط برلين. وفي سنة 1306 (1927 م) نشر حسين وحيد دستكردى الإصفهانى محرر مجلة أرمغان الفارسية ديوانا لبابا طاهر يشتمل على 296 دوبيتا و 4 قصائد في الغزل، وألحق الناشر بهذا الديوان 62 دوبيتا وجدها في مجموعات مختلفة والرباعيات الثلاث التي أضافها هرون ألن. والرباعيات مرتبة في الديوان حسب الترتيب الأبجدى لقوافيها. ومما يؤسف له أن الناشر لم يزودنا

ص: 1503

بتفصيلات عن مخطوط الديوان الذي نشره. والرباعيات الجديدة تردد في عدد منها ذكر اسم بابا طاهر وجبال ألوند وميمند (؟ ) إلخ، مما يؤيد الخصائص المعروفة عن بابا طاهر، ولكن هذا التكرار الذي لا مناص منه يجعل أشعاره مبتذلة بعض الشيء، والذوق اللغوي يؤيد صحة نسبة هذه الرباعيات إلى بابا طاهر وإن كان تقليد مميزاته اللغوية ليس بالأمر العسير كل العسر.

ولا شك في أن هناك مجالا للتساؤل عن صحة نسبة رباعيات بابا طاهر إليه، شأنها في ذلك شأن رباعيات عمر الخيام. ويقول زوكوفسكى Zhuknwski إن رباعيات بابا طاهر موجودة في ديوان ملا محمَّد الصوفى المازندرانى المتوفى في القرن الحادي عشر الهجرى، ويدعى شاطر بك محمَّد -وهو شاعر من المحدثين في همذان- أنه صاحب بعض الرباعيات الكردية (الفهلوية) المنسوبة إلى بابا طاهر في ديوانه (ص 21).

واختيار المواضيع التي تناولها بابا طاهر في شعره كان اختيارا محدودا جدًّا، ولكن شعره ينم عن طابع شخصيته المتميزة. وسنحلل فيما يلي 59 رباعية له نشرها إيوار لنمكن القارئ من الحكم عليه. ومن الصعب -كما هي العادة- أن نضع حدودا فاصلة تميز بها عبارات الحب الصوفى من عبارات الحب الدنيوى؛ وهناك 34 رباعية تكاد تنقسم بالتساوى إلى نوعين من أنواع الشعر الغنائى، ورباعيتان ليس فيهما إلا الضراعة إلى الله، والباقي من هذه الرباعيات له طابع شخصى.

ويصف بابا طاهر حياته كثيرا في هذه الرباعيات فيقول إنه "درويش قلندر" يتنقل من مكان إلى آخر، ولا يغطى رأسه سقف" يتوسد في نومه وسادة من الحجر ويزعجه القلق الروحانى باستمرار (رقم 6، 7، 14، 28). يمزق قلبه الكآبة والهم، ولا يزهر في قلبه إلا زهرة الأسى وحدها؛ حتى الربيع بما فيه من حسن وسحر يخلفه شقيا بائسا (رقم 54، 47، 35، 34).

ص: 1504

ويعبر بابا طاهر عن الفلسفة الصوفية الصحيحة فيعترف بآثامه ويطلب الصفح والغفران، ويقر بذَلّه وينشد الفناء لأنه الدواء الوحيد الشافى لآلامه (رقم 1، 13، 45، 50، 58). ويتميز بابا طاهر بشعور من الضعف الإنسانى، فعيناه وقلبه لا ينصرفان في سهولة عن التعلق بأسباب هذه الحياة الدنيا، وقلبه الثائر يشتعل بين ضلوعه ولا يريحه لحظة واحدة، فيهتف الشاعر في ألم:"أأنت أسد أيها القلب أم نمر من النمور؟ أنت الذي لا تكف عن حربى وكفاحى. سأسفك دمك أيها القلب إذا وقعت في يدي لأرى من أي لون أنت"(3، 8، 9، 26، 36، 42).

ودراسة بابا طاهر من ناحية علم النفس تظهر أنه يباين عمر الخيام مباينة قوية، فلسنا نجد في شعره أثرا من قول الخيام بأن اللذة هي الغاية المثلى من الوجود، ولانجد في شعره أيضًا ما نجده في شعر الخيام من الاطمئنان إلى ما يتمخض عنه الموت، على أن الخيام تنقصه تلك الشعلة الصوفية التي نجدها في شعر بابا طاهر (انظر Critical Studies: Christensen in the Ruba'iyat of Unutr-i khayyam؛ طبعة كوبنهاغن، سنة 1917 م، ص 44).

ومميزات شعر بابا طاهر التي تبعث في النفس المتعة والسرور هي ما نلمسه في شعره من مشاعر جديدة لم تتجمد في قالب ما اصطلح عليه الصوفية وألفوه، وماله من خيال مبتكر، وإذا تحدث عن الفزع فإنه يعبر عنه في أسلوب سهل بسيط، وإذا أتيح لشعر بابا طاهر مترجم من طراز فتزجرالد Fitzgerald (مترجم رباعيات الخيام) لكان منافسا خطيرا لعمر الخيام.

بابا طاهر الصوفى: إن الدراويش من الفرس الذين تحدث إليهم زوكلوفسكى ذكروا له أن بابا طاهر صنف 22 رسالة في علم ما بعد الطبيعة "الميتافيزيقا"، على أننا لم نعرف في أوروبا وجود تفاسير وشروح لأقواله في أكسفورد وباريس إلا بفضل إتيه وبلوشيه - Ethe and Blo chet. وقد نشرت الآن رسالته الكاملة

ص: 1505

المسماة "الكلمات القصار" في طبعة أرمغان. وهي تتألف من 368 مثلًا بالعربية، صنفت في 23 بابا وتتحدث عن العلم والمعرفة والإلهام والفراسة والعقل والنفس والدنيا والعقبى والسماع والذكر والإخلاص والاعتكاف.

وهاك أمثلة من حكمة: "الحقيقة المشاهدة بعد علم اليقين" رقم 96؛ "الوجد فقدان الموجودات ووجود المفقودات" رقم 96؛ "من حلَّ به قضاء الله يبق من غير حركة ومن غير إرادة" رقم 368؛ "من قتله الجهل لم يعش أبدا، ومن قتله الذكر لن يموت أبدا" رقم 300.

ويظهر أن الأمثال القصار كانت شائعة منتشرة بين الصوفية ويذكر الناشر الفارسي أن هذه الأمثال كتبت عليها الشروح الآتية: شرح بالعربية منسوب إلى عين القضاة الهمذانى المتوفى سنة 533 هـ والذي تربط الأساطير دائما بينه وبين بابا طاهر؛ وشرح بالعربية آخر لمصنف غير معروف؛ وشرح بالعربية وآخر بالفارسية لملا سلطان على الكنابادى، وقد طبع الشرح الفارسي في سنة 1326 هـ (1906 م) ولكنه لم يتمكن ما من نشر الأمثال القصار مع أحد شروحها.

والمخطوط العربي رقم 1903 الموجود في المكتبة الأهلية بباريس يحتوي على الفصول الثمانية الأولى من أمثال بابا طاهر في صيغة مختصرة (ورقة 100 ب- ورقة 105 ب) وكذلك على شرح له (ورقة 174 - ورقة 100 أ) اسمه "الفتوحات الربانية في إشارات الهمدانية".

ويظهر أن المخطوط كان في حوزة جانى بك العزيزى صاحب الشرح الذي بدأه في شوال سنة 899 وانتهى منه في 20 شعبان سنة 890 هـ (1485 م). وقد كتب الشرح تلبية لرغبة شيخ اسمه أبو البقاء كان في حوزته "إشارات بابا طاهر" منذ سنة 853 هـ. وقد ترك المخطوط يسقط منه في بئر زمزم بمكة ولكنه انتشل منها بأعجوبة. وسعى العلماء في إقناع أبي البقاء بالعدول عن كتابة شرح

ص: 1506