المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأيوبيون اسم أسرة من أقوى أسر الشرق في القرون الوسطى، حكمت - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌الأيوبيون اسم أسرة من أقوى أسر الشرق في القرون الوسطى، حكمت

‌الأيوبيون

اسم أسرة من أقوى أسر الشرق في القرون الوسطى، حكمت مصر والشام واليمن، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أيوب بن شادى والد صلاح الدين، كان صلاح الدين هو المنشئ الحقيقي لهذه الدولة، وبعد وفاته تفرقت مملكته إلى عدة إمارات منفصل بعضها عن بعض، ثم أعيد جمع شملها إلى حين مرة أخرى في ظل ملك واسع الأرجاء.

وكان لهذه الأسرة عدة فروع متميزة: فرع ظل يحكم مصر حتى سنة 650 هـ (1252 م)؛ وآخر حكم دمشق وحلب إلى سنة 658 هـ (1260 م)؛ وثالث حكم بلاد الجزيرة إلى سنة 643 هـ (1245 م)؛ أما فرعها الرابع فحكم حماة إلى سنة 742 هـ (1341 م) وبلاد اليمن إلى سنة 625 - 626 هـ (1228 م). ويعد من فروع هذه الأسرة عادة أبناء شيركوه أخي أيوب رأس الأسرة وكانوا يحكمون حمص من سنة 574 هـ (1178 م) إلى سنة 661 هـ (1262 م).

كان شادى -أو شاذى- أبو صلاح الدين كرديا من مدينة دُويِن وهي بلد في أرمينية ولسنا نعرف شيئًا عن أسلافه وإن كان النسابة في بلاط الأيوبيين المتأخرين قالوا إنه ينتمى إلى أرومة عربية مجيدة.

وكان شادى قد هاجر إلى بغداد ومعه ولداه نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه، وجعل مستحفظا لقلعة تكريت على نهر دجلة بفضل شفاعة واحد من أصدقائه كان له في بلاط السلاجقة نفوذ، وتوفى شادى في تكريت فخلفه أيوب، وتقول بعض الروايات إن هذا المنصب كان من أول الأمر من نصيب أيوب لا من نصيب أبيه.

وفي سنة 526 هـ (1132 م) هزمت سلاجقة بغداد جيوش أتابك زنكى أمير الموصل بالقرب من تكريت، فساعده على النجاة أيوب وهو من أتباع خصم زنكى، ولم ترض بغداد بالطبع عن هذا العمل. وبعد أعوام قليلة من هذا الحادث قتل شيركوه أخو أيوب، واحدا من كبار الضباط لملاحاة بينهما فأصبح من العسير عليهما أن يقيما في بغداد. وولد صلاح الدين في تكريت سنة 532 هـ (1137 -

ص: 1445

1138 م) ليلة رحيلهما عن بغداد أو قبل ذلك بأيام قلائل.

وذهب شيركوه وأيوب إلى زنكى الذي لم ينس يدهما في انقاذه، فرحب بهما كل الترحيب، وأقاما عنده في الموصل زمنا ما واشتركا معه في حروبه فأعاناه مثلًا على فتح بعلبك، وعهد زنكى بحكمها إلى أيوب في أوائل سنة 534 هـ (حوالي نهاية سنة 1139 م).

وبعد وفاة زنكى حاولت جيوش بني بورى أن تستعيد بعلبك. ولما وجد أيوب نفسه غير قادر على الاحتفاظ بالمدينة انضم إليه باختياره سنة 541 هـ (1146 - 1147 م) وأصبح عنده قائدا ممتازا بل أصبح كبير القواد. وبقى شيركوه في الوقت نفسه في خدمة نور الدين محمود بن زنكى الذي ورث عن أبيه حكم حلب. وتاق نور الدين إلى الاستيلاء على دمشق فعهد إلى شيركوه أن ينتزعها من يد أخيه أيوب. واتفق الأخوان فيما بينهما ودخل شيركوه المدينة من غير قتال سنة 549 هـ (1154 م)، وبالغ نور الدين في إكرام أيوب وعينه حاكما لدمشق، وتولى شيركوه حكم حمص وأصبحت ملكا يتوارثه أحفاده.

ولما اعتزم نور الدين بعد ذلك أن يتدخل في شئون مصر السياسية أوفد إليها شيركوه نائبا له وأمر صلاح الدين بالتوجه معه. وبعد أن كافح شيركوه كفاحا سياسيا وأبلى في قتال جيوش مصر وملك بيت المقدس البلاء الحسن رجحت كفته وأصبح سيد الموقف فأسند إليه العاضد آخر خلفاء الفاطميين منصب الوزارة.

وتوفى شيركوه فجأة فأسندت الوزارة من بعده إلى صلاح الدين. ولم يكد صلاح الدين يستقر في منصبه حتى توفي الخليفة الفاطمى، فنادى صلاح الدين بخلع الخليفة المحتضر بناء على أمر نور الدين، وأمر بأن يدعى في الخطبة للخليفة العباسى، وكان قبل ذلك قد استقدم أباه وأسرته إلى مصر. وظل أيوب صديقا ناصحا لصلاح الدين إلى أن توفي سنة 568 هـ (1173 م) على أثر سقوطه عن ظهر جواده.

ص: 1446

وفي هذا الوقت فسدت العلاقات بين نور الدين وصلاح الدين لأن صلاح الدين أظهر الميل إلى الاستقلال عن سيده. وفي اللحظة التي بدا فيها النزاع بينهما أمر لا مفر منه نزل قضاء الله بنور الدين، وكان صلاح الدين قد هيأ لنفسه ملجأ يلجأ إليه، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، في بلاد النوبة وفي بلاد اليمن أيضًا، وكان قد استولى عليها باسمه أخوه "تورانشاه"، وبعد أن توفي نور الدين أصبح صلاح الدين لا يخيفه شيء، فاحتلت جيوشه الشام وبسط سلطانه على بلاد الجزيرة إلى أن وصل إلى نهر الفرات. ثم آن الأوان الذي وجه فيه قواه كلها لمحاربة الصليبيين، وفي وقعة حطين التي حدثت سنة 583 هـ (1187 م) دُمرت جيوش مسيحيى بيت المقدس وسلمت المدينة نفسها بعد ذلك بأشهر قلائل، وكان سقوطها سببا في الحرب الصليبية الثالثة التي لم تغير كثيرا من وضع الأمور بين القوتين المتنازعتين. وتوفى صلاح الدين سنة 589 هـ (1193 م)، وكان قبل وفاته قد قسم مملكته بين أبنائه وبين أخيه "العادل" فتولى العادل حكم بلاد الجزيرة، والأفضل دمشق، والعزيز مصر، والظاهر حلب، أما اليمن فقد بقيت في حوزة طغتكين أخي صلاح الدين الذي خلف أخاه تورانشاه في حكمها أثناء حياة صلاح الدين.

ولم يكد صلاح الدين يغمض عينيه حتى بدأ النزاع يدب بين أبنائه .. وانتهز العادل تلك الفرصة فخلع ابناء صلاح الدين واحدا بعد الآخر حتى استطاع أن يجعل الجانب الأكبر من مملكة أخيه تحت سلطانه. وهذا العادل حذو أخيه صلاح الدين فقسم مملكته أثناء حياته بين أبنائه، فتولى الكامل حكم مصر نائبا عن أبيه، والمعظم حكم دمشق، والفائز بلاد الجزيرة، ثم خلفه عليها الأوحد إلى سنة 607 هـ (1210 م)، وتولى حكمها بعده الأشرف. وظلت حلب وحدها في يد أبناء صلاح الدين. ولما توفي الظاهر خلفه في حكم حلب ابنه العزيز سنة 613 هـ (1216 م). وكانت بعض الفروع البعيدة من الأسرة الأيوبية تحكم بلادا صغيرة ولكنها كانت جميعًا خاضعة لسلطان العادل.

ص: 1447

وتوفى العادل سنة 615 هـ (1218 م) في الوقت الذي بدأ فيه هجوم الصليبيين على دمياط بين الحملة الصليبية الرابعة والحملة الخامسة، واضطر ابنه الكامل الذي خلفه في حكم مصر إلى التقهقر أمام الصليبيين لفتنة نشبت بين جنوده. واستولى الصليبيون على دمياط، ولكن جيوش الأيوبيين المتحدة صمدت للصليبيين وأوقفت تقدمهم واستعادت من قبضتهم المدينة الوحيدة التي فتحوها.

وخاف الكامل دسائس أخيه المعظم الذي كان يحكم دمشق فأخذ في مفاوضة الإمبراطور فردريك الثاني. وقبل أن يبدأ فردريك الحملة الصليبية الخامسة توفي المعظم، وقرر الكامل أن يخلع الناصر بن المعظم وأن يولى مكانه على حكم دمشق الأشرف أخا الكامل الذي كان يحكم بلاد الجزيرة وكان الكامل يثق فيه ويعتمد عليه.

على أن فردريك نجح بفضل حسن سياسته في إقناع الكامل بأن يسلم إليه بيت المقدس وممرا صغيرًا من الأرض يصلها بالبحر. ووعد الكامل لقاء هذا أن يعينه على أعدائه جميعًا، وأن يحول دون تقوية الدويلات التي كانت في شمال الشام، وفي سنة 626 هـ (1229 م) تمت بينهما هذه المعاهدة المشهورة التي سخط عليها المسلمون والمسيحيون جميعًا.

وأظهر الكامل براعة فائقة في إيقاف المنافسات التي اشتدت بين صغار الأيوبيين بأن وجه قواهم جميعًا إلى قتال عدو مشترك في الخارج، على أن تغلبه على سلاجقة قونية أثار حفيظتهم من جديد فتحالفوا ضده وانضم إليهم الأشرف صاحب دمشق. وتوفى الأشرف قبل أن تظهر جيوش الكامل أمام دمشق واضطر أخوه الصالح إسماعيل إلى تسليم المدينة. ولكن الكامل نزل به قضاء الله على أثر ذلك، وبدأت بوفاته نهاية الأيوبيين لأن القتال نشب بينهم جميعًا: ففي مصر كان العادل ابن الكامل قد نودى به خلفا لأبيه ولكن أخاه الأكبر الصالح أيوب خلعه عن عرشها، وفي الشام استعاد الصالح إسماعيل دمشق وعقد حلفا بينه وبين دويلات أخرى صغيرة ضد

ص: 1448

المصريين، واستطاعت جيوش المماليك التابعة لملك مصر بفضل ما أبدته في الحرب أن تستعيد ملك الأيوبيين مرة أخرى، ولكن هذا النجاح كان نجاحا في الظاهر لا غير، ذلك أن أسرة الأيوبيين كانت قد فقدت قوتها الكامنة.

وظهرت جيوش القديس لويس "سانت لويس" وفرسان الحملة الصليبية السادسة امام دمياط عندما كان الصالح أيوب يعالج سكرات الموت، وسلمت المدينة، وأراد الجيش الفرنسى أن يتقدم أكثر من ذلك ولكنه هزم هزيمة منكرة، وتوفى الصالح أيوب حينذاك، واحتفظت زوجته شجرة الدر، وكانت امرأة باسلة عالية الهمة، بسر وفاته إلى أن عاد إلى مصر تورانشاه خليفة الصالح في الحكم وكان غائبا عنها. على أن تورانشاه أساء إلى المماليك فقتلوه سنة 648 هـ (1250 م) ونودى بعده بشجرة الدر ثم بالمملوك أيبك، وكان أيبك هو الحاكم الفعلى لمصر ولو أن الأشرف موسى حفيد الكامل كان يدعى له في الخطبة حتى سنة 652 هـ (1254 م). وأيبك هذا هو أول سلاطين المماليك البحرية.

وفي حلب خلف الناصر يوسف أباه العزيز سنة 634 هـ (1236 م) وبعد وفاة الصالح سلطان مصر أغارت جيوش الناصر على دمشق واستولت عليها وطالب بملك الشام فاتصل النزاع بينه وبين مماليك مصر إلى أن قضت عليه غزوة المغول. وخضعت بلاد الجزيرة -التي كان آخر حكامها المظفر غازى- للمغول سنة 643 هـ (1245 م) واستولى المغول على حلب ودمشق سنة 658 هـ (1260 م) وخضع للمغول بعد ذلك الأيوبيون في حماة، وهم من نسل شاهنشاه أخي صلاح الدين، وكان المظفر بن شاهنشاه هو الذي أنشأ ملكهم، وكان المماليك قد قضوا على استقلالهم كما قضوا على استقلال أبناء شيركوه في حمص، ولم يبق للأيوبيين في حماة إلا شبه سلطان باعتبارهم حكاما تابعين لمماليك مصر حتى سنة 742 هـ (1341 م) ما عدا فترة انقطاع طويلة. وكان الأيوبيون في حمص قد انقرضوا من سنة 661 هـ (1262 م)، وقبل ذلك بمائة عام ونيف- أي في سنة 625 هـ أو 626 هـ (1228 م) - كان حكم الأيوبيين في اليمن قد زال على يد أتباع الرسولية.

ص: 1449

والنزاع الكثير بين الأيوبيين أنفسهم وانقسامهم إلى أسر متميزة ينبغي ألا يضللنا عن تلك الحقيقة الواقعة، وهي أن الأيوبيين كانوا في جملتهم ظاهرة مهمة، فقد جمعوا شتات مملكة الفاطميين المبعثرة وضموا إليها دويلات أتابكة الشام، ثم جعلوا من ذلك كله قوة واحدة مركزة استطاعوا أن يقفوا بها أمام الصليبيين، وأنجبت تلك الأسرة عددا من الشخصيات القوية، فصلاح الدين أمره معروف، وكان العادل والكامل أيضًا حاكمين عظيمين، وكان الأيوبيون لا يقلون عن الصليبيين في الفضائل الحربية إن لم يفوقوهم فيها، حتى لقب كثير من أمرائهم بالفرسان، وقد تركت لنا المؤلفات التي تحدثت عن مناصب ذلك العهد معلومات قيمة عن نشاطهم الإدارى: كانوا يعنون بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الري، واهتموا كذلك اهتماما كبيرا بالتجارة، وتم في عهدهم عقد كثير من المعاهدات بينهم وبين ممالك أوروبية، وما زال بعضها محفوظا إلى الآن.

وكانت القوة الحربية في المملكة تقوم على الحرس المماليك والنظام الإقطاعى الذي كان -على عكس نظام أوروبا- قائما على إقطاع أرض مع خراجها. وازدادت شوكة الذين كانوا يُشترون لأغراض حربية، وهم المماليك، حتى أصبحوا يتحكمون في ضعاف الأمراء.

وامتاز عهد الأيوبيين أيضًا بأنه كان مرحلة جديدة للثقافة، فقد كانوا في مصر يمثلون رد الفعل الدينى الذي أحدثه السلاجقة وانبعاث آثار الشرق الغابر التي بدت في ظهور فن جديد للعمارة، وفي تغيير عادات القصر والألقاب وفيما دخل على نظام الإقطاع على وضعه التركى من تطور. ولهذه الثقافة أهمية عظمى، فقد تأثر بها غربي أوروبا بوساطة الصليبيين، ونستطيع أن نتلمس كثيرا من العادات والقواعد الخاصة بنظام الفروسية في أوروبا والتي يمكن أن ترد إلى النظام الأيوبى.

وواصل المماليك السير على تقاليد الأيوبيين واحتفظوا حتى بألقابهم ولم يغيروا في أول الأمر شيئًا من ثقافة أسلافهم.

ص: 1450

المصادر:

(1)

أبو الفداء: المختصر.

(2)

المقريزى: الخطط ..

(3)

المقريزى: السلوك، ترجمة بلوشيه في Revue de I'Orient Latin، جـ 8 وما بعده.

(4)

ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 11 وما بعده.

(5)

ابن خلكان، طبعة فستنفلد، رقم 856، 106 (ترجمة de slane، جـ 1، ص 243؛ جـ 4، ص 479).

(6)

أبو شامة: كتاب الروضتين.

(7)

ابن خلدون: العبر، جـ 4، جـ هـ.

(8)

كمال الدين: تاريخ حلب، ترجمة بلوشيه.

(9)

ابن شداد: النوادر السلطانية.

(10)

عماد الدين: الفتح القسى.

(11)

أسامة بن منقذ، طبعة درنبورغ.

(12)

Recueil des Historiens des Croi- sades

(13)

OumSra du Yemen: H. Derenbourg .

(14)

History of Egypt: St. Lane Poole

(15)

الكاتب نفسه: Saladin ..

(16)

الكاتب نفسه: The Mohammedan Dynasties

(17)

Der Islam im Morgenl A. Muller

wend Abendland

(18)

Diplomi Arabi: Amari

(19)

Histore de]'Egypt: Marcel .

+ الأيوبيون

اسم الدولة التي أسسها صلاح الدين بن أيوب، وحكمت مصر وبلاد الشام (سورية- فلسطين) الإسلامية والجانب الأكبر من شمالي بلاد الجزيرة واليمن، في نهاية القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) والنصف الأول من القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي).

والجد الذي تنتسب هذه الأسرة إليه هو أيوب بن شاذى بن مروان، وقد ولد في قرية اجْدَنَقان قرب دبيل في أرمينية، وهو أحد أفراد العشيرة الروادية من قبيلة الهذبانية الكردية. وفي مستهل القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) كان في خدمة

ص: 1451

آل شداد، وهم أيضًا من الأكراد الذين قلدهم السلطان السلجوقى ألب أرسلان مناصب في حكومة هذا الإقليم، في منتصف القرن السابق. ومهما يكن من أمر فإن الأتراك تخلصوا شيئًا فشيئا من جميع الأمراء والسادة الأكراد، فالتحق كثير منهم بخدمة هذا السلطان حتى لا يفقدوا كل شيء، ومما قربهم إليه أنهم كانوا مثله من أنصار أهل السنة. وفقد آل شداد بلدة دبيل عام 524 هـ (1130 م)، فالتحق شاذى بخدمة بهروز السلجوقى الحاكم العسكري للعراق، وكان بهروز يحتفظ بتكريت إقطاعا له، فعين شاذى عاملا على تلك المدينة، وخلفه بعد وقت قصير في هذا المنصب ابنه أيوب (Prehistory of Saladin: V. Minorsky في Studies in Caucasian History. كمبردج سنة 1953، ص 107 - 129).

واستحق أيوب بهذه المثابة شكر زنكى صاحب الموصل وحلب، إذ أن أيوب قدم لزنكى العون الذي مكنه -بعد هزيمته من الخليفة- من عبور نهر الفرات والانسحاب بقواته دون أن تلحق به كارثة. واختط زنكى لنفسه، أولًا وقبل كل شيء، سياسة مقررة في البلاد الواقعة وراء الموصل، تقوم على إخضاع الأكراد ثم تجنيدهم في جيشه. والتحق أيوب بخدمته عام 532 هـ (1138 م) فأفاد منه على الفور في الشام، وعينه عاملا على بعلبك المواجهة لدمشق. وعند وفاة زنكى وضع أيوب نفسه تحت تصرف أمير دمشق البورى، فعينه هذا الأمير عاملا على تلك المدينة، وفي الوقت نفسه التحق أخوه شيركوه بخدمة نور الدين بن زنكى صاحب شمالي الشام، فأقطعه حمص. ومهما يكن من شيء فإن اتجاه الرأى العام في دمشق أدى آخر الأمر إلى توحيد الشام الإِسلامية بغية مواصلة القتال على نحو أفضل ضد الفرنجة، تحت لواء الأمير نور الدين، وكان من أقوى الأمراء على الجهاد وأشدهم حماسة له، وأسهم الشقيقان شيركوه وأيوب بنصيب كبير في خضوع دمشق وتسليمها. وآثر أيوب أن ينضم إلى جانب نور الدين الوالى على قصبة الشام.

ويستحيل علينا في هذا المقام أن نصف بالتفصيل ما قام به شيركوه من

ص: 1452

جهود في خدمة نور الدين. ويمكن القول إن نجم الأسرة أخذ في الصعود عندما اختاره نور الدين -رغم إرادته- لقيادة الجيش الموجه إلى مصر استجابة لما طلبه الوزير شاور من التدخل في أمورها ضد خصومة. وانتهى القتال المرير الذي دام عدة سنوات، باغتيال شاور والمناداة بشيركوه خلفا له في الوزارة. صحيح أن شيركوه مات بعد أسابيع سنة 564 هـ (1169 م)، بيد أن ابن أخيه صلاح الدين كان إلى جانبه وسرعان ما وفق إلى حمل جيوش الاحتلال على الاعتراف به خلفا لشيركوه.

ويعد صلاح الدين (المعروف في أوروبا باسم Saladin) المؤسس الحقيقي للدولة، ويمكن تقسيم تاريخها إلى ثلاثة عهود: عهد صلاح الدين نفسه وفيه اتخذت الدولة صورتها النهائية، وهذا العهد يحمل طابع شخصيته، وهي تعد أقوى شخصية في الأسرة، وان كانت السياسة التي انتهجها خلفاؤه قد تعارضت مع سياسته من عدة وجوه وعهد خلفائه الأوائل، وهو عهد اتسم بالتنظيم، واستمر حتى وفاة الملك الكامل سنة 635 هـ (1238 م)؛ وأخيرا عهد الانحلال الذي استمر أمدا طويلًا. ومن المفيد أن نعرض لدراسة عدة مشكلات اقترن بها التنظيم الداخلى في العهد الثاني، وهي مشكلات شائعة في تاريخ النظام بأسره.

1 -

ليس من اليسير أن نعرض هنا تاريخًا مفصلًا لحكم صلاح الدين، وسوف نتناول هذا الموضوع في المادة الخاصة به، وحسبنا أن نحاول هنا الكشف عن المعالم التي لا بد منها لمعرفة العهد التالي، وهي معالم لا بد أن نضعها نصب أعيننا عند الحديث عن الأيوبيين.

وعلى الرغم من تقلد شيركوه وصلاح الدين السلطة في مصر مع اتباع جل المراسم التي كانت مرعية عند تقليد أسلافهم من وزراء النظام الفاطمى، وذلك بمقتضى براءة تصدر من الخليفة العاضد، فإنهما كانا يمثلان تقاليد الجهاد المأثورة عن السلاجقة وهي تقاليد كانت شائعة على تفاوت في ذلك بين جميع الأمراء والأتراك في آسية الإسلامية إبان ذلك العهد، وكانت تتمثل بصفة خاصة في نور الدين، ورأى صلاح الدين 566 هـ

ص: 1453

(1171 م) أن في مقدوره القضاء على الخلافة الفاطمية وإعلان عودة مصر إلى حظيرة الولايات التي تدين بالولاء للخليفة العباسى في بغداد. وأصبحت مصر لأول مرة منذ قرنين تدين رسميا بمذهب أهل السنة مرة أخرى، والحق إن غالبية السكان لم يكونوا قط من أنصار مذهب الإسماعيلية الذي فرضه الفاطميون، وعلى الرغم من أن العناصر الوثيقة الارتباط بالنظام الفاطمى قد حاولت استعادة مكانتها بالفتن، فإن قيام النظام الجديد قد قوبل من الجماهير بلا اكتراث، مثل ما فعلوا مع النظام السابق.

ورأى صلاح الدين أنه تقلد منصبه

من الخليفة الفاطمى ثم من الخليفة العباسى، وأنه كان في الوقت نفسه تابعا لنور الدين، وهنالك وجد نفسه في موقف محير حيال هذا الأمير، ولم يكن بد من أن يدب الخلاف بينهما لو لم تعاجل المنية نور الدين عام 569 هـ (1174 م). ولم يلبث أن أدى ضعف خلفاء نور الدين وتنازعهم إلى التعجيل بانتقال السلطة العسكرية الغالبة في المناطق التي تجاور "الشرق اللاتينى" إلى مصر آنذاك بعد أن ظلت خمسين عاما ماثلة في شمالي الشام. وإذا كان خلفاء نور الدين قد تخلوا عن سياسة الجهاد التي أضفت على سلفهم ما كان يتمتع به من هيبة وقوة فإن صلاح الدين رأى أن يسير على هذه السياسة نفسها، وإن تعذر علينا أن نتبين إلى أي مدى اقترن الطموح عنده بالاقتناع الصادق الذي لا يعتريه الشك (H.A.R. Gibb The Achievement of Saladin في Bull of the John Rylands Li- brary، مجلد 35 - 1، سنة 1952، ص 46 - 60).

وأيا كان هذا الأمر فإن فكرة الجهاد أدت به إلى المطالبة بأن تكون له القيادة الموحدة لجيوش المسلمين، لكي يكسب إلى صفه الجانب الأكبر من الرأى العام، ولكى ينشئ في آخر الأمر دولة باسمه تضم البلاد المتوارثة عن نور الدين ومنها مصر والشام الإسلامية وجزء من أرض الجزيرة وتتسع رقعتها وتكون أكثر تماسكا من مملكة سلفه في الوقت القصير الذي وصلت فيه إلى ذروتها. وقد تحقق له ذلك عام 1183 م، وفي الوقت نفسه دانت اليمن

ص: 1454

لأقاربه، ومكن أحد قواده -وهو قراقوش- لنفسه على تخوم بلاد تونس.

واستطاع صلاح الدين، بفضل القوة التي نشأت بهذه الوسيلة، أن يفيد من الأزمة الداخلية التي تعرضت لها مملكة بيت المقدس، والصعوبات التي واجهتها الإمبراطورية البوزنطية، والتوتر الذي دب بينه وبين اللاتين منذ عام 1138 م، وأخذ على عاتقه طرد هؤلاء من فلسطين والشام. ونجاحه في هذه المهمة كان له الفضل الأكبر في المجد الذي بلغه بين أهل زمانه وبين الخلف على السواء. فقد هزم الفرنجة هزيمة ساحقة في وقعة حطين عام 583 هـ (1187 م) وعادت بيت المقدس بعد ثمانين عاما إلى أيدى المسلمين وسقطت أراضى الصليبيين بأسرها تقريبا ومنها قسم كبير من الساحل في الشهور التالية، ولم تصمد أمامه إلا صور وطرابلس وأنطاكية.

كان سلطان صلاح الدين يستند إلى قوة الجيش، وكانت سياسته كلها في حاجة إلى جيش قوى. ولم يعد هناك وجود لجيش الفاطميين اللهم إلا فرقا من الجند غير النظاميين، ولم يكن بد من أن يعتمد على الجيش التركى وهو دخيل على شعب مصر تماما، ورثه صلاح الدين عن نور الدين وطوره على حساب موارد مصر. وكان الجيش المصري يتألف عام 577 هـ (1181 م) من 111 أميرا و 6.976 طواشيا (فرسانا مجهزين بكامل العتاد) و 1.153 قرة غلام (فرسان من الطبقة الثانية)، وهذا عدا سكان الحدود من العرب الذين لا يصلحون للقتال في الغزوات الخارجية (H.A.R. Gibb Cahuers d'Historie Egyptienne، The Armies of Saladin، مجلد 3، جـ 4، سنة 1951، ص 304 - 320).

ولابد أن يضاف إلى هذا الجيش فرق الجند من الشام وبلاد الجزيرة، وتشمل فرق الموصل، وهي القوات التي نصت عليها المعاهدة التي عقدت بعد انتهاء الحروب بين عامي 1174 و 1183 م ورخصت لصلاح الدين باستدعائها عند الحاجة، وهي تربو في مجموعها على 6000 رجل. وجدير بالذكر أن صلاح الدين انتصر في وقعة حطين وهو يحارب بكل قواته تقريبا

ص: 1455

التي كانت تناهز 12.000 من الفرسان وقد حقق بها انتصاراته التالية. بيد أن حشد مثل هذه الجيوش في حالة تأهب للحرب فترة طويلة لم يكن ميسورا في العادة، مثلها في ذلك مثل الجيوش الأوروبية، نظرا لاحتياجات الجنود المتجددة من الأغذية والمؤن وكان لا بد من بذل جهود كبيرة والاقتناع بالغاية من القتال للحفاظ على القوة الفعالة التي لا غنى عنها لخوض غمار الحرب الصليبية الثالثة. وكانت المعدات اللازمة للحرب والحصار -والتي ازدادت كما وكيفا فيما يرجح- قد حظيت بالاهتمام أيضًا، ويتضح ذلك من الرسالة الخاصة بصناعة المدافع التي كتبها مُرْضَى (أو مَرضى) بن علي ووصلت إلينا (تحقيق CL. Cahen في B.Et. Or.، جـ 12، سنة 1948، ص 108 - 163).

وكان صلاح الدين في السنوات الأولى من حكمه مهددا من الأساطيل البوزنطية والنورمندية والإيطالية التي تستخدم القواعد المنتشرة في الشرق اللاتينى، فبذل جهدا كبيرا لإعادة إنشاء الأسطول البحرى للفاطميين في البحر المتوسط بعد أن أصيب بالعطب في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) نتيجة للاضطرابات الداخلية وتقدم الصليبيين والإيطاليين. وتمكن بفضل هذه الجهود من شن هجمات على أقرب موانى الفرنجة، ولا نستبعد الرأى القائل بأن توسع قراقوش في الزحف على طول الساحل الإفريقى، كان يستهدف- علاوة على إيجاد مخرج للتخلص من التركمان المشاغبين - السيطرة على الشواطئ لإتاحة التنقل بحرية لسفن المسلمين، وتيسير الحصول على مصدر يمده بالأخشاب والبحارة.

وجاءت الحرب الصليبية فوضعت حدا لهذا الجهد الذي لم يؤت ثماره بسبب نقص كفاءة مصر في هذين المجالين الأخيرين، ويبدو أن خلفاءه لم يكرروا هذه المحاولة (A. S. Ehrenkreutz: The Place of Saladin in the naval history . etc في Jaos مجلد 75، جـ 2، سنة 1955، ص 100 - 116).

ولم يكن الاهتمام بالمصالح التجارية هو الدافع الوحيد لصلاح الدين بعد توليه السلطة إلى تجديد وزيادة

ص: 1456

الصلات التي كانت قائمة في عهد الفاطميين مع المدن التجارية الإيطالية- ومنها بيزة التي ذهبت إلى أقصى حد في تشجيع الفرنجة على مهاجمة مصر - بل كان هناك دافع آخر هو ولا شك الحاجة إلى الحصول على المواد الخام اللازمة لتسليح قواته برا بحرا. وأقبل أهالى بيزة وجنوة والبندقية زرافات إلى الإسكندرية، ووجد فيها البنادقة عوضا عن تعذر التجارة مع القسطنطينية يفوق ما وجدوه في عكا، وهذا موقف وضعتهم فيه الحكومة البوزنطية من عام 1171 إلى عام 1184 (Orient Latin et com-: CL. Cahen imerce du Levant في Bull. de la fac. des Lettres de Strasbourg، جـ 29 - 8، سنة 1951، ص 322)، وكان في وسع صلاح الدين أن يباهى في الرسائل التي بعث بها للخليفة بأن الفرنجة أنفسهم كانوا يسلمونه أسلحة أعدت من قبل لكي تستخدم ضد فرنجة آخرين (أبو شامة، جـ 1، ص 243).

وأفاد صلاح الدين أيضًا من التطورات السياسية في بوزنظة وقبرص، وشرع في التفاوض مع أميريهما للوقوف معه ضد الفرنجة دون أن يعرف ذلك أي بلد منهما. وشعر صلاح الدين بأن التهديد الأوروبى أصبح وشيكا - وكان قد أصبح من قبل حليفا بوساطة قراقوش لبنى غانية المرابطين أصحاب جزائر البليار على النورمنديين والموحدين- وهنالك حاول أن يتقرب من الموحدين ليكون حلفا، بحريا في جوهره، على الصليبيين: على أن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح (انظر - Gaudefroy- De mombynes، في Melanges. Rene Rasset II؛ سعد زغلول عبد الحميد في مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية جـ 6 - 7، سنة 1952 - 1953، ص 24 - 100)، ولهذه الأسباب نفسها تفاوض مع السلاجقة في آسية الصغرى.

ومن الطبيعي أن تكون سياسة الحرب باهظة التكاليف وهذا أثر على الإمكانات المالية في عهده حتى أنه كان على شفا الإفلاس دائما، ومع ذلك فقد حرم في كل مكان الضرائب التي تخالف الشرع في نظر الفقه تمشيا مع مثله الدينى الأعلى الذي قامت عليه دعوته، وكانت رغبته في إزالة كل أثر للنظام الفاطمى تدفعه إلى أن يستبدل

ص: 1457

بنقدهم سكة جديدة تتفاوت فيها الدنانير الذهبية والدراهم في الوزن ويتعذر الحصول عليها بقيمة محددة، بيد أن عبء النفقات وتدهور الدخل الذي كان أولًا وقبل كل شيء نتيجة للاضطرابات، ونفاد الذهب المصري وخطورة الطرق المؤدية إلى مناطق الذهب السودانى بسبب سيطرة الموحدين عليها أدت إلى عدم استقرار معيار الدينار وإلى سك دراهم تحتوى على كميات متفاوتة من خليط المعادن إلى جانب الدرهم المصري الشرعي (وكان يحتوي على 30 % من وزنه فضة ويعادل 1/ 40 من الدينار). ونشأ ذلك بطبيعة الحال اختفاء العملة السليمة. وعاش صلاح الدين ثم العزيز على القروض التي حصلا عليها من التجار والأمراء، صحيح أنه يمكن الدفاع عن هذه السياسة بأن في الإمكان على المدى الطويل إعادة الاستقرار المالى بفضل المكاسب التي تجنى من الحرب، بيد أن هذا الحساب، إذا كان قد وضع في الاعتبار، قد ثبت خطؤه نتيجة للحرب الصليبية الثالثة (انظر Contribution to the: A.S. Ehrenkreutz Knowledge of the fiscal administration of .. .Egypr في BSOAS، مجلد 15؛ جـ 3، سنة 1953، مجلد 16، جظ 3، سنة 1954؛ The Standard of fineness of gold .. coins in Egypt في JAOS مجلد 114، جـ 3، سنة 1954، - The Crisis of the di ، nar in the Egypt of Saladin في المصدر المذكور، مجلد 74، جـ 3، سنة 1956).

ومن النتائج التي أدت إليها سياسة صلاح الدين قيام حلف من القوات الغربية لإنقاذ الشرق اللاتينى انضمت إليه المدن الإيطالية نفسها التي أثار مشاعرها العدائية قفل الموانى الشامية في وجهها. وأخيرا نستطيع القول بأن الفرنجة إذا كانوا لم يستطيعوا استعادة بيت المقدس فإنهم استعادوا على الأقل الجانب الأكبر من الساحل الشامى الفلسطينى، كما أنهم وضعوا أيديهم على قبرص التي أمدتهم من يومها بقاعدة بحرية آمنة وملاذ يستطيعون الانسحاب إليه. وإذا كان صلاح الدين لم يهزم قط فإنه إزاء الجهد الضخم الذي بذله خلال سنتين بطولهما؛ رأى أنه

ص: 1458

لا بد من أن يهدأ فترة يستريح فيها ويلتقط أنفاسه، ويتعذر علينا التكهن بما كان صلاح الدين يعتزم أن يفعله لأنه مات بعد بضعة شهور من إبرام اتفاقية السلام سنة 589 هـ (1193 م).

2 -

عهد الملك العادل والملك الكامل المتوفى 635 هـ (1238 م): والظاهر أنه كان جوهره عهد ركود وتنظيم بعد الاضطرابات التي حدثت إثر وفاة صلاح الدين.

ولقد كانت السنوات الثمانى التي أعقبت اختفاء مؤسس الدولة من المسرح محكا لاختبار مفهوم وحدة الأسرة كما تصورها بالنسبة لملكه وخلافته. وكان صلاح الدين قد منح أواسط الشام وجنوبيها لابنه الأفضل، ومصر لابنه الثاني العزيز، وحلب لابنه الثالث الظاهر غازى، أما حماة فقد انتقلت لابن أخيه تقى الدين عمر، وأما حمص فكانت من نصيب ابن عمه المجاهد وهو حفيد شيركوه، وأخيرا فإن الجزيرة انتقلت إلى حوزة شقيقه العادل أبي بكر- وتم توزيع هذه الأراضي إما إقطاعا في حياته أو نصيبا معلوما من ميراثه، يضاف إلى دلك اليمن وقد حكمها اثنان من إخوته على التوالى. وكان للعادل أبي بكر شأن كبير إبان حكم صلاح الدين ديبلوماسيا ورجل إدارة، وكان وقتذاك أكبر أفراد الأسرة سنا وأبرز الأحياء منهم على الإطلاق، وكان أبناء صلاح الدين يلجأون إليه في عدة مناسبات ويلتمسون رضاه والانتصار لهم أو الفصل بينهم إذ كانوا ضعافا لا يعرفون إلا اللهو والشجار، وسواء أكان العادل رجلًا طموحا أم لم يكن فقد أخذ يتضح أن الحرص على بقاء الملك في البيت الأيوبى قد فرض عليه أن يهمين على مصائره فنصب نفسه عام 567 هـ (1200 م) سلطانا في القاهرة ووزع إمارتى دمشق والجزيرة بين أبنائه ولم يسمح بقيام إمارات إلا في حلب وحمص وحماة التي اضطرت إلى إعلان ولائها له حتى تضمن لنفسها البقاء وذلك أثر المعارك الأخيرة التي دارت بينه وبين الأمراء السابقين عام 1201 م. ومن الطبيعي أن تعقب وفاة العادل مشكلات مماثلة، وأدى وجود حملة صليبية على دمياط وقتذاك (615 هـ = 1217 م) إلى التفاف

ص: 1459

الأسرة فترة ما حول ابنه الأكبر الكامل، وقد تولى الكامل مثل أبيه حكم مصر وكان بدوره شخصية مهيبة. وما أن زال خطر الفرنجة حتى تفككت عرى الاتفاق بينه وبين أخيه المعظم أمير دمشق المتوفى عام 625 هـ (1228 م) ثم مع الناصر داود ابن المعظم وخلفه. وشد من أزر الكامل ولاء شقيقه الآخر الأشرف فمنحه دمشق عوضا عن ديار مضر وأبعد داود إلى الكرك. ثم أصبح الكامل رأس الأسرة بلا منازع بضع سنوات؛ ومهما يكن من أمر فإن الود بينه وبين الأشرف أخذ يفتر إلى أن مات الأشرف 635 هـ (1237 م) فانتزع الكامل دمشق من شقيقه الآخر الصالح إسماعيل وكان الأشرف قد عهد إليه، بيد أن الكامل نفسه ما لبث أن توفي في مستهل العام التالي، وكان بحق آخر رجل من بني أيوب يستطيع توحيد كلمة البيت الأيوبى تحت إمرته. وجدير بنا ألا ننزلق في الخطأ بسبب هذه الخلافات، فقد كانت أغلبية الأسرة حتى ذلك الحين على استعداد للتضامن في مواجهة الأعداء وإيثار هذا على مصالحهم الشخصية. وعادوا إلى التضامن بوسيلة أو بأخرى؛ وظل هذا التضامن قائما زهاء نصف قرن وتغير الموقف بعد وفاة الكامل.

ومهما يكن من أمر فإن المنافسة بين الأيوبيين وجيرانهم من الأمراء كان لها دخل فيما حدث بينهم من انشقاق، فقد حدثت عام 604 هـ (1207 م) فتن في أخلاط أتاحت للأوحد بن العادل، وكان وقتذاك عاملا على ديار بكر، فرصة مكنته من ضم ميراث شاه أرمن إلى المملكة الأيوبية (وهناك خلف الأشرف الأوحد بعد وفاته). وضمت بلاد أخرى في ديار بكر وديار ربيعة، وأخيرا ضمت عام 631 هـ (1233 م) آمد وحصن كيفا ولم يبق من بيت أرتق القديم إلا فرع واحد هو فرع ماردين، وهكذا قدر للأيوبيين أن يخرجوا من هذه الحروب أعظم جاها وسلطانا. وعلى آية حال فإن سياسة أرض الجزيرة وإيران منذ حوالي سنة 1225 م كان يهيمن عليها اقتراب جلال الدين منكوبرتى على رأس قومه من أهالى خوارزم فارين من الغزو المغولى، وأعمل جلال الدين السيف والنار في إيران ومشارفها، وانضم إليه المعظم

ص: 1460

وخصوم الأشرف والكامل من أهل الجزيرة واستطاع آخر الأمر أن يستولى على أخلاط بعد أن تعرضت للسلب والنهب بصورة فظيعة (1229 م). ثم غزا خوارزمشاه آسية الصغرى، وكان الأشرف يزود السلطان السلجوقى بالمدد. وفي هذه المرة لقى الغازى هزيمة ساحقة قرب أرزنجان سنة 628 هـ (1230 م). وكان ثمة أسباب أبقى للاحتكاك بين السلاجقة والأيوبيين، ذلك لأن مصالح البيتين تعارضت من قبل في ديار بكر في عهد صلاح الدين. ولم يعد هناك مفر من الصدام في القرن الثالث عشر بعد نمو قوة السلاجقة وسعيهم إلى الانتقال من جبالهم والانتشار في سهول بلاد العرب من شمالي الشام إلى ديار بكر واستطاعوا تحقيق ذلك كلما سمحت الظروف، إما بمهاجمة الأيوبيين في عقر دارهم أو بالوقوف إلى جانب الحكام من فرع البيت في حلب لحمايتهم من أبناء عمومتهم في مصر، وأرسل الأشرف حملة لمساعدة كيقباذ، وتصور الكامل على إثرها أن فتح الجزء الشرقي من بلاد السلاجقة أمر ميسور، فحشد جيشا ضم كل قوات الأيوبيين وغزا هذا الجزء عام 1223 م. وكان للجهل بطبيعة البلاد وافتقار بعض من أسهموا في هذه الحملة إلى الحماسة أكبر الأثر في فشل المشروع. وانتزع جيش السلاجقة من بعد آمد من خلفاء الكامل (سنة 1241 م) بعد أن انتزع من أعوان الأشرف أطلال أخلاط.

وأخيرا نجد أن الأعداء من المسيحيين كانوا يتربصون، فقد كان لا مناص من محاربة الكرج في البلاد المجاورة لأخلاط بالذات والفرنجة أنفسهم بطبيعة الحال. واستخلص الأيوبيون في الحالة الأخيرة من الحرب الصليبية الثالثة درسا أملى عليهم سياسة تتعارض مع سياسة صلاح الدين. وكان الهدف من هذه السياسة المحافظة على السلام والكف عن القيام بأى عمل عدائى نظرا للمزايا الاقتصادية التي تعود عليهم إذا حل الصفاء والوئام محل الخصام من جهة، ولسد الطريق أمام أي ذريعة ينتحلها الأعداء لشن حملات صليبية جديدة في المستقبل من جهة أخرى. صحيح أن الحملات الصليبية لم تتوقف، ولكنها لم

ص: 1461

توجه من الفرنجة في الشرق، بل أعدت وخطط لها سلفا في أوروبا. ومن الطبيعي أن يتخذ الأيوبيون كل ما في وسعهم من أسباب الحيطة لإحباطها، ولم يكن هناك ما يدعو للتهاون العسكري. وأدى سقوط بوزنطة وتدهور قوة الموحدين إلى حرمان الأيوبيين من الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم، وكان صلاح الدين قد حاول أن يضمهم لصفه، وبعد أن كف الأيوبيون عن الاحتفاظ بأسطول كبير يصلح للهجوم اعتمدوا في حماية مصر على الجيش البرى والتحصينات، كما لجأوا أحيانا إلى نسف المنشآت الساحلية (تنيس) وبث العيون والأرصاد. ومهما يكن من أمر فإن الخلفاء من الأيوبيين، حتى العادل والكامل، حاولوا بقدر- الإمكان أن يعدلوا عن احتمالات الحرب الباهظة التكاليف، إلى الدبلوماسية.

وانتهج العادل هذه السياسة فأعاد إلى الفرنجة عام 1204 ما كان يحتله من المواقع الساحلية التي تعد امتدادا لبلاد الفرنجة ما عدا الشقة المحصورة في اللاذقية والتابعة لإمارة حلب. وفي الحرب الصليبية الخامسة عرض خلفه الكامل على الفرنجة إعادة بيت المقدس مقابل الجلاء عن دمياط- بينما كان يدعو أشقاءه في آسية أن يخفوا لنجدته - فرفض الفرنجة، وحرص الكامل على ألا يخوض غمار أي معركة حقيقية. ولقد تكشف هذا الموقف على نحو دبر تدبيرا للتأثير في الرأى العام، وكان ذلك بخاصة في الحرب الصليبية التي شنها فردريك الثاني. واشتدت رغبة الكامل في مسالمة الفرنجة عندما شعر بأنه مهدد من المعظم حليف الخوارزميين. ولما كان مدركا للظرف التي تجعل الإمبراطور ينزع بفطرته إلى المفاوضات، فقد تنازل له آخر الأمر عن بيت المقدس على شريطة ألا تقام فيها تحصينات وأن يحافظ فيها على حرية العبادة. وتوطدت بين العاهلين صداقة حقيقية ظلت قائمة حتى بين خلفائهما.

وواجهت إمارة حلب مشكلات محلية تختلف عن ذلك اختلافا طفيفا، فقد راع هؤلاء الأمراء أنهم- من دون أحفاد صلاح الدين المباشرين- يواجهون أسرة العادل، فسعوا إلى التحالف مع

ص: 1462

أبناء تلك الأسرة بالتصاهر والعمل على حماية أنفسهم من سلاطين مصر بطلب العون حينا من الأيوبيين في الجزيرة وحمص وحماة، وحينا من سلاجقة الروم، وكانوا بطبيعة الحال يتحالفون في بعض الأوقات مع طرف من هؤلاء على الطرف الذي يتجاوز الحدود في جوره. أضف إلى هذا أن مطامع مملكة قيليقية الأرمنية قد أزعجتهم أيضًا فتدخلوا ضدها مرارا مع السلاجقة ومدوا يد العون إلى أمراء الفرنجة الأنطاكيين الأضعف شأنا. وأدت سياسة المسالمة مع الفرنجة إلى نتيجة طبيعية قصدوا إليها وهي استئناف العلاقات التجارية مع الإيطاليين ودعمها (ومع الفرنسيين في الجنوب والقطالونيين وقتذاك بدرجة أقل). وكانت سفن جنوة وبيزة والبندقية، حتى قبل أن تبرم معها معاهدات رسمية من جديد، تسافر إلى الإسكندرية بعد الحرب الصليبية الثالثة كما كانت تفعل من قبل، وإلى دمياط وإن كانت رحلاتها إليها أقل، ويتضح ذلك من الوثائق الخاصة في محفوظات البندقية وجنوة. وفي عهد العادل أيدت سلسلة من الاتفاقات حقوق هذه الدول في تخفيض المكوس والتمتع بتسهيلات إدارية وقضائية. يضاف إلى هذا أن سهولة الوصول إلى إمارة حلب بحرا أن إلى أن التجار الأيطاليين لم يعودوا يقصرون نشاطهم، حتى في الشام، على موانى الفرنجة، بل أخذوا ينزلون في اللاذقية ويغشون بانتظام أسواق حلب ودمشق، ويبدو أن وليام سيينولا Spinola. وهو من الشخصيات الهامة في جنوة، كانت له حظوة خاصة لدى العادل، وكان يصحبه وهو يفتش على ضياعه (ويمكن ملاحظة هذا لدى عقد مقارنة بين حوليات جنوة - Annals of Ge noa التي استشهد بها شاوبه Schaube في كتابه - Handelsgeschichte der Mittelm eer-Romanen ص 121، وابن نظيف المذكور في Amari: المكتبة الصقلية العربية، جـ 2، الملحق، ص 35 وكان غير معروف لدى شاوبه Schaube).

وكانت مصر تبيع لأوربا بعض منتجاتها، وأهمها وقتذاك حجر الشب فيما يظهر، فضلا عن منتجات المحيط الهندى التي تمر بأراضيها سلعا عابرة. ومن الطبيعي أن تكون الحروب

ص: 1463

الصليبية أو الخوف من التعرض لهجمات مفاجئة من الأسباب التي أدت إلى إثارة أزمات، كما حدث عندما قبض عام 1215 م على ثلاثة آلاف تاجر اجتمعوا في الإسكندية ثم أخلى سبيلهم، ومع هذا فقد استؤنفت العلاقات حتى بعد الحملة الصليبية على دمياط (كما يتضح دلك ضمن أمور أخرى من وثيقة خاصة بالإعفاء محررة باللغة العربية من الكامل إلى البنادقة، وقد أعدها للنشر صبحى لبيب) واستمرت قائمة في الغالب، دون أن يتخللها انقطاع، حتى منتصف القرن.

وكانت السيادة في البحر المتوسط للإيطاليين، وكان دور مصر في التجارة معهم سلبيا خالصا، ولم تكن تجنى من الربح إلا ما يعود عليها من الضريبة والعمولة، ومع ذلك فقد حرم على الإيطاليين النفاذ إلى البحر الأحمر، وظلت تجارة المحيط الهندى مقصورة على رعايا الولايات الإسلامية (أو الهندية).

ولسنا في موقف يتيح لنا أن نحدد بالضبط الدور الذي قام به المصريون أو اليمنيون أو غيرهم من الشعوب الشرقية. يضاف إلى هذا أن طبيعة التجار المعروفين باسم الكارمية، وهم الإخصائيون بمصر وعدن في تجارة المنتجات المستوردة من المحيط الهندى وبخاصة الأفاويه، لا تزال يكتنفها الغموض. ويبدو أنهم ظهروا لأول مرة أيام الفاطميين، بيد أنهم برزوا بالفعل في عصر الأيوبيين ليقوموا بالدور الذي اقتصر عليهم بنوع خاص في القرن التالي (انظر التوضيحات الصحفية التي أمد بها كوتين Goitein وفيشل Fischel - صحيفة Journal of the - Economic and Social History of the Ori ent سنة 1958؛ Les archands: G.Wiet 'Epices، في Cahiers d، historie Egyptienne سنة 1955). ولعل الدافع الأول لاحتلال اليمن كان كف أنصار عودة الحكم الفاطمى أو الحصول على ملجأ أمين للأيوبيين هناك آخر الأمر، وإن كان الهدف منه أيضًا هو ولا ريب تحسين العلاقات التجارية بين اليمن ومصر، وهذا ما حدث بالفعل. وهذه العلاقات أساسية بالنسبة للطرفين خصوصا بعد أن اتفقا على التعامل

ص: 1464

بالسكة اليمنية، وتوحيد بعض الإجراءات (ابن المجاور، طبعة لوفكرن Lofgren ص 12 وما بعدها).

وليس من شك في أن ما نعمت به مصر من أمن داخلى كامل أو يكاد- إلى جانب فترات السلم التي طال أمدها نسبيا وأفادت منها الشام - كان له أثر حسن على الرغم من تعذر تقديم بيانات دقيقة عن اقتصادهما الذي حفزته أيضًا إمكانيات التجارة، التي جهد الأيوبيون عامدين إلى النهوض بأسبابها، وإن كانوا قد فعلوا ذلك من أجل مصالحهم المالية فحسب، وفي وسعنا تكوين فكرة عن موارد الشام والجزيرة من كتاب الأعلاق لابن شداد الذي يصف الموقف قبيل هجوم المغول. أما فيما يختص بالحرف في دمشق، فإننا نجد الكثير عنها في رسالة عن الحسبة وضعها عبد الرحمن ابن نصر الشيزرى حوالي عام 600 هـ (1200 م؛ طبعة العرينى، القاهرة سنة 1946، وترجمها برنهاور Bernhauer، بعنوان Les institutions de po- . lice etc. في. Jour. As سنة 1860، وجاء فيها أن اسم المؤلف هو النبرواى). ويبدو أنها الأصل في جميع الرسائل التالية من هذا النوع في الشام ومصر، وفيما يختص بمصر توجد إلى جانب ما أورده المقريزى، بيانات كثيرة في رسائل ابن المماتى والنابلسى (انظر ما يلي). ويؤكد النابلسي بصفة خاصة اهتمام الكامل بالمحافظة على الغابات وأعمال الري وحرص الدولة على زراعة قصب السكر .. إلخ. وظلت مصر دائما وبصفة عامة، على نقيض الدول الأيوبية الأخرى، خير البلاد التي تعتمد في بعض شئونها على الاقتصاد المؤمم، وبخاصة في مجال التعدين وإنتاج الأخشاب وتجارة المعادن والخشب وبعض وسائل النقل وصناعة الآلات والأسلحة .. إلخ. ويؤكد كتاب "اللمع" للنابلسى، وهو كتيب صنف بعد الفتن التي نشبت إثر وفاة الكامل، الضرر الذي وقع بسبب تدخل القائمين على الاقتصاد الخاص في أعمال الدولة إلى جانب ما اقترفه عمال الحكومة عندما بدت لهم أول بادرة للتراخى في الإشراف عليهم.

وانتهجت الدولة في عهدى العادل والكامل سياسة مالية صارمة إلى جانب العناية بالمسائل الاقتصادية.

ص: 1465

واشتهر ابن شكر، وزير العادل العظيم بكفاءته العالية وسلوكه الذي لم يكن يحيد فيه عن الحق قيد أنملة مع الجميع على السواء حدى مع السلطان نفسه. واحتفظ بعده الكامل برقابة صارمة مماثلة على النفقات والموارد (وتشمل إقطاع الأمراء) وترك عند وفاته ثروة طائلة تكاد تعادل ميزانية عام بأسره. وفيما يختص بمصر يتضح من البحث الذي قام به النابلسي في الفيوم، بالرغم من أنه يرجع إلى عام 642 هـ، مدى دقة المساحة التقييمية والحسابات (انظر Le rbgie des impots: CI. Cahen Arabica Lso dans le Fayyum Ayyubide جـ 1/ 3، سنة 1956). أما عن الإمارات الشمالية فقد ترك لنا ابن شداد بيانات عن الضرائب في حلب ومنبج وسروج وبالس. وقد أدت العناية بالمسائل المالية والاقتصاد إلى تيسير سك الدنانير من جديد على نطاق واسع بالمعيار العدى المعهود قبل صلاح الدين، ومع ذلك يبدو أنه كان من الصعب منع تسرب السكة الفضية أمام السكة النحاسية (- De Boiiard L'ev olution mon&taire de I'Egypte medievale في L'Egypte Contemporaine سنة 1939).

ولم تتعرض للتاريخ الداخلى للإمارات الأيوبية إلا دراسات قليلة، ومع ذلك فمن الضروري أن يعرف الناس ما حدث في مصر بخاصه إذ وضعت في هذا العصر أسس النظام الذي أبقى عليه المماليك قرنين من الزمان، وإن كانوا في الواقع لم يفعلوا أكثر من إطالة عمره وسد ما فيه من ثغرات، ولتحقيق هذا قطعوا الصلة جزئيا بماضى الفاطميين وعملوا بتقاليد السلاجقة وآل زنكى الشائعة في أقصى ربوع آسية، واحتفظوا في الوقت نفسه بالتراث المصري كشئ لا بد منه وابتدعوا نظما جديدة تناسب البلاد، وطبيعى أن من العسير التعرض هنا لهذا الموضوع، وحسب الباحث أن يسجل بضع إشارات عابرة.

وكان نظام الدولة الأيوبية حتى السنوات الأخيرة من عهد الكامل تقريبا، يقوم على اتحاد أسرى شبه إقطاعى ولا يختلف عن نظام دولة بنى بويه مثلًا، ويشبه بدرجة أقل، نظام دولة السلاجقة وآل زنكى. فقد وزع

ص: 1466

عدد معين من الأقاليم -تحت إمرة سلطان يدين له الجميع بالولاء- على"أمراء تجمعهم رابطة الدم" تابعين له، ويتمتعون باستقلال ذاتى كامل في إدارة هذه البلاد، بصرف النظر عن القيود التي يفرضها الولاء العسكري للحاكم (انظر على سبيل المثال البراءة التي أصدرها الكامل لتولية أحد أمراء حماة والمحفوظة في أخبار ابن أبي الدم (مكتبة جامعة أكسفورد، مارش 60). وانتظمت تلك الإمارات المقطعة إقطاعات أصغر وزعت بدورها على أمراء من أقارب الدرجة الثانية، أو على بعض كبار الضباط ممن يدينون بالولاء للأمير التابع للسلطان، وطبيعى أن تزداد القيود على استقلالهم الفعلى. غير أن الإقطاع العسكري بمعنى الكلمة، وهو ما سوف نتحدث عنه فيما بعد، لم يوجد إلا في طبقة أدنى من ذلك مرتبة. ومهما يكن من أمر فإن هذا النظام بدأ يتعرض لبعض التعديل حوالي نهاية عهد الكامل، وحدث هذا عندما اشتد الصراع بين أفراد الأسرة فاضطر السلطان، وكان يمثله أثناء غيابه في مص نائب يختار من أفراد أسرته حينا ومن غيرهم حينا آخر، أن يستبدل بالأمراء في الولايات الأسيوية عمالا، يختارون من بين أتباعهم، كما حدث مثلًا عند تعيين شمس الدين صواب في ديار بكر، ويظاهرون أميرا صغيرًا أو لايفعلون، ويطلق على كل منهم لقب نائب، وهو يؤكد تبعيتهم أكثر من أي لقب آخر. وليس من شك في أن الظروف التي أعاد فيها الصالح أيوب وحدة الأسرة الأيوبية بعد وفاة الكامل قد أدت إلى انتصار مبدأ المركزية، يضاف إلى هذا أنه لم تكن هناك على الإطلاق إقطاعات مستقلة ذاتيا في مصر اللهم إلا ما منح منها بصفة استثنائية وبإجراء مؤقت صرف (كما في الفيوم مثلًا). ومن جهة أخرى فإن كل الأمراء الذين كانوا يتمتعون بالاستقلال الذاتى في آسية كانوا يحملون لقب سلطان، مثل صاحب الأمر في مصر، وإن كان صلاح الدين لم يطلق على نفسه رسميا هذا اللقب قط، ولعل هذا يرجع إلى ارتباطه بلقب وزير المتوارث عن الفاطميين، بل إن التابعين من الأيوبيين آثروا أن يحملوا لقب ملك.

ولم يتوحد قط تنظيم الولايات الأيوبية من حيث هو ثمرة طبيعية

ص: 1467

للاعتبارات السابقة، وإذا تركنا اليمن جانبا، فإنه يمكن بوجه عام التمييز بين الأقاليم التي أبقت على الأنظمة التي وضعها آل زنكى ولم تدخل عليها تعديلا كبيرا من جهة، وبين مصر التي أخذت بأنظمة جديدة أو كانت جديدة على الأقل بالنسبة إليها من جهة أخرى، وكما يحدث عادة تحولت أجهزة الحكم المركزية هناك وارتبطت بماضى مصر أكثر من ارتباطها بأسس الإدارة المحلية وقواعدها، وبذلت محالة لإصلاح الأمور بمجرد انتهاء المتاعب التي تعرض لها الحكم في البداية إبان حياة صلاح الدين نفسه، ويتبين هذا من وصف الأنظمة الفاطمية الذي كتبه ابن الطوير وتناول فيه النظام الجديد (مقتطفات منه وردت في كتابى المقريزى وابن الفرات) والرسالة التي كتبها القاضي أبو الحسن عن الخراج (مقتطفات في كتاب المقريزى) وكتاب قوانين الدواوين الشهير لابن المماتى وهي المؤلفات التي وصلت إلينا، ويمكن إضافة مراجع أخرى مثل كتاب ابن شيت الكرشى عن الدواوين، وهو يكاد يكون مصنفا أدبيا. وظهرت في نهاية عهد الأيوبيين نظائر لهذه الأوصاف المنهجية وهي رسائل عثمان بن إبراهيم النابلسي المتعددة التي تيسر لنا الإطلاع عليها أو التي لم نعرفها إلا عن طريق ما نقل منها من شواهد، وهي مثال حي على ما يمتاز به النابلسي من خبرة محسوسة.

وكان الأمير نفسه هو الذي يدير دفة الحكومة المركزية بطبيعة الحال وكان لمعظم أمراء الإقطاع وزراء أي موظفون يعملون، باسم الأمير، على توحيد الأوامر الصادرة منه إلى الحكومة بأسرها، ولكن هذا النظام لم يكن مألوفا في مصر. ومهما قيل عما كان يتمتع به القاضي الفاضل من احترام وتقدير في نظر صلاح الدين فإنه لم يحمل قط، على الرغم من كل ما تردد، لقب وزير، ولم يقم بوظائفه، أولًا: لأن هذا السلطان نفسه كان يدير دفة الحكم بنفسه. وثانيا: لأن السلطان كان أصلًا يشغل منصب وزير قبل أن يستولى على زمام السلطة في مصر طبقا لما جرى عليه العمل أخيرا في عهد الفاطميين بمنح الوزير سلطات كاملة.

واحتفظ شقيقه العادل زمنا طويلا بابن شكر المخوف وزيرا له، وكان قد

ص: 1468

عرف قدره عندما اشترك معه في قيادة أسطول صلاح الدين واستعان به الكامل فترة، بيد أنه تولى بعد ذلك إدارة شئون الحكم بنفسه مستعينا ببعض كبار الموظفين الذين كان يطلق عليهم أحيانا لقب نائب الوزارة، غير أن هذا اللقب لم يطلق عليهم بصفة دائمة. واختار الصالح أيوب من بعده أحد "أولاد الشيخ" وزيرا له، وسوف نتحدث عنهم بعد. وكان للأمراء القصّر واليتامى أتابك. وكان الأستاذ دار، وهو المشرف على بيت السلطان، يقوم بدور سياسى كبير.

وكانت الإدارة المركزية فيما دون الأمير والوزير، موزعة على الدواوين التي كانت تختلف بعض الاختلاف عن الدواوين في العهد الفاطمى من ناحية الأسماء والاختصاصات على السواء. وظل نظام الحكم يعمل على تدعيم الجيش، ومن هنا كانت أهمية "ديوان الجيوش" وكان قسم منه خاصا بالإقطاع وله بهذه المثابة اختصاص يماثل إلى حد ما اختصاص ديوان المالية الذي كان يتبعه كل ما يتعلق بالضرائب والدخل والمصروفات وبيت المال، وخصص فيه قسم لتدبير أموال "الباب" نفسه، وفي رسالة ابن المماتى وصف تفصيلى اقتصر عليه وحده دون باقي الدواوين. والديوان الثالث الكبير البارز بين الدواوين المذكورة من بعض الوجوه هو"ديوان الإنشاء" وكان يختص بتدبيج الرسائل وتحرير البراءات، وتولى رئاسة هذا الديوان- الذي حظى بأكبر قدر من الشهرة- القاضي الفاضل، وقد وقع عليه الاختيار من بين أعوان النظام الفاطمى (كان عماد الدين الأصفهانى الذي يضارعه في الأدب كاتب سر صلاح الدين). وأخيرا كان هناك على هامش هذا الإطار ديوان لا يقل أهمية عن أمثاله وهو"ديوان الحبوس" الذي ورد في رسالة النابلسي. ومن الطبيعي أن يتمتع هذا الديوان باستقلال ذاتى كامل أمام الدواوين التي ذكرناها آنفا. واختار الأيوبيون الطغراء السلجوقية وحرفوها (: CI.Gahen في BSOAS، جـ 1/ 14، ص 42). واقتضى العمل في هذه الدواوين الاستعانة بأعداد كبيرة من الوثائق والموظفين، وكان هؤلاء يراقب بعضهم بعضا. ويبدو أن أعجب

ص: 1469

نظام ابتدعه العهد الأيوبى هو نظام "الشد"، وكان يقوم بهذه المهمة المُشدّ، وكانت الإدارة تعتمد بطبيعة الحال على موظفين من أهل البلاد، ولم يكن كل ديوان يحظى بالثقة الكافية أو بتعبير آخر لم تكن له سلطة كافية تجعل قراراته نافذة على الموظفين من ذوي النفوذ وبخاصة العسكريين منهم، ولذلك ألحق بكل ديوان، وربما ألحق بالدواوين مجتمعة باعتبارها كلا لا يتجزأ، مشد أي أمير يعهد إليه بالإشراف على الإدارة المدنية العادية ويدعمها بمجندين عسكريين من عندياته.

ويبدو أن الجيش كان يتألف من فرق للجند تعادل على الأقل مثيلاتها في عهد صلاح الدين، ومن الطبيعي أن يكون من اليسير زيادة عدد جنده عند الحاجة بتوزيع إقطاعات جديدة بصفة مؤقتة، وعلى الرغم من أن دفع الأعطيات أو توزيع الأموال مباشرة لم يختفيا تماما فإن إقطاع الأرض كان مع ذلك المصدر الرئيسى لتمويل الجيش أو لدخل الأمراء على الأقل. صحيح أن إقطاع الأرض في عهد الأيوبيين كان مرتبطا بالتقاليد الفاطمية والسلجوقية معا ولكنه لم يكن مطابقا تماما، وبخاصة في مصر، لأى واحد من هذين النموذجين، فقد كان أكثر حرية من الناحية الاقتصادية من الإقطاع الفاطمى، بمعنى أنه لم يعد يخضع لضرائب العشور، ومع ذلك فإنه إذا قورن بالإقطاع عند آل زنكى- وكان يخول أمير الإقطاع التمتع بنوع من الاستقلال الذاتى والسيادة على أرضه - يعد أوثق ارتباطا بالإدارة الحكومية. وعلى الرغم من أن أمير الإقطاع كانت له الحرية في بعض مفردات الصرف فإنه في الواقع لم تكن له حقوق إدارية فهو مجرد صاحب حق في دخل محدد لا يتوقف مقداره عليه، ويمكن سحبه منه أو تحويله لأى مكان آخر في أي وقت. وكان هذا الدخل يحسب طبقا لتقدير معين يسمى "العبرة"، وبوحدة حسابية هي "الدينار الجيشى"، وكان قوامه جمعا خاصا بين أداءين: أداء نقدى وأداء عينى على المحصولات. ومهما يكن من أمر فإنه يمكن القول بوجه عام أن من يهمه الأمر كان يضطر وقت المحصول إلى أن يذهب

ص: 1470

ليراقب بنفسه جباية الضريبة المفروضة (ومن هنا كانت صعوبة الاحتفاظ بجيش في الميدان لفترة طويلة). ونستطيع أن نقول بعامة إن إقطاع كبار الأمراء كان يتألف من قطع متباعدة من الأرض، وكان ينص على عدد الرجال الذين يستطيع أمير الإقطاع الاحتفاظ بهم (وكذلك الحال فيما يختص بإمارات الأيوبيين في الشام): وأصبح من المألوف - وهو أمر لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت- أن يتحدث الناس عن أمراء العشرة والمائة من الرجال .. إلخ (انظر L'evolution de I'ikta: CI. Gahen ، في حوليات ESC، سنة 1953).

ومن العوامل التي أضعفت هذا الجيش أن فرقه المختلفة التي يتألف منها كانت تفتقر إلى الموحدة وتغار من بعضها البعض. ومن اليسير أن نجد آثارا قليلة للعداوة القائمة على العصبية بين الاكراد والأتراك. وكان أهم عامل في إشعال نيران العداوة هو نزوع كل حاكم إلى تكوين فرقة من الجند، يجندها لنفسه، ومن ثم تقف جهودها على نصرة قضيته. ومهما يكن من أمر فإن إختفاء حاكم من مسرح الأحداث لم يكن يؤدى بالضرورة إلى حل الفرقة أو الفرق التي ألفها، إذ كانت تهيمن على أفرادها روح تضامن مشتركة في مواجهة الخطر يحفزها الخوف من فرق الجند الجديدة. وكان للتنافس بين فرق الأسدية (نسبة إلى أسد الدين شيركوه) والصلاحية والعادلية والكاملية والأشرفية إلخ .. شأن كبير في النزاع بين المطالبين بالعرش من الأيوبيين.

واختتم الأيوبيون سياستهم العسكرية بتشييد حصون منيعة في الحضر (حلب، القاهرة .. لخ) والريف على السواء، وهي حصون أقاموها لتقف بصفة خاصة على قدم المساواة مع حصون الصليبيين.

وكانت هناك مسألة تخطر بالذهن أحيانا، وهي: إلى أي حد يمكن رد بعض ما يمتاز به الأيوبيون من صفات إلى "كرديتهم"؟ وليس من شك في أن الاعتبارات التي من هذا النوع ترجع في الكثير من الأحيان إلى الأهواء المبذولة والمعلومات الزائفة، وفي رأينا أن وجود الأتراك إلى جانب الأكراد في النظام

ص: 1471

الأيوبى لا يختلف كثيرا عن وجود الأكراد إلى جانب الأتراك في نظام آل زنكى، ويخيل إلينا أن النظامين مرتبطان ارتباطا نهجيا وفكريا إذا ما وضعنا في الاعتبار النتائج المترتبة على ظروف البيئة. ومع دلك فالراجح انه ليس من قبيل المصادفة أن يسعى الأيوبيون إلى توسيع رقعة مملكتهم حتى ديار بكر وأخلاط، أي إلى بلادهم التي نشأوا فيها أو على الأقل إلى بلد كردى لضمان استمرار تجنيد الأكراد. ومهما يكن من أمر، فقد امتزج الدم التركى والكردى في الأجيال المتعاقبة من الأسرة القائمة. وسوف نرى أن النظام تجرد في أخريات أيامه من صورته الكردية.

وقد كان الأيوبيون، على أية حال، من المسلمين الغيورين على مذهب أهل السنة مثل آل زنكى وغيرهم من المعاصرين، وكانوا يعملون تحت لواء السلطان لنصرة دين الإسلام الحنيف. وهذا الموقف أماط اللثام عنه، أولًا وقبل كل شيء، إعادة مصر إلى طاعة البيت العباسى. وظهر بجلاء في وقت أعاد فيه الخليفة الناصر للخلافة قدرا من هيبتهما المفقودة، وذلك بإعرابه عن احترام آراء البيت الأيوبى لها والاتفاق معهما في وجهات النظر التي لم تكن مجرد أقوال لا تستند إلى واقع، ولم تقلل بطبيعة الحال من الاستقلال الذاتى للأيوبيين، وقد أدى هذا الموقف -مثلًا- إلى توسط سفراء للخليفة -أمثال ابن الجوزي- مرارا في حسم ما ينشأ من منازعات. يضاف إلى هذا أن الأيوبيين، شأنهم في هذا شأن غيرهم من حكام ذلك العصر، انضموا إلى هذا الضرب من نظام الفتوة الذي حاول به الناصر أن يمسك بزمام الطبقات الدنيا بين يديه، وأن يدعم في الوقت نفسه حكمه، ويؤكد سلطانه الأدبى على طبقة الأشراف، وكان يأمل أن يشرك معه الأمراء في الاضطلاع بهذه المهمة، وذلك لوصلهم به وتمكينهم من انتهاج مسلك مماثل مع رعاياهم (انظر آخر تقييم لهذا الموضوع بقلم Die Futuwwa etc. Tr- Taeschner في Schweizerisches Archic for Volkskunder جـ 53، سنة 1956).

كما يتضح الموقف السنى الذي درج عليه الأيوبيون من تشجيعهم العظيم

ص: 1472

هم وكبار عمالهم لزيادة عدد المدارس في الشام والجزيرة وإدخالها في مصر. ويبدو أن الصالح أيوب كان أول من ابتكر مدرسة من نوع جديد، هي مدرسة للمذاهب الأربعة وتضم بين مبانيها ضريحا لمؤسسها. ومن جهة أخرى رحب الأيوبيون بالطرق الصوفية التي نشأت في الشرق في كثير من الأحيان، وشيدوا لها عدة خانقاوات يديرها شيخ الشيوخ. ومن الشواهد الأعم من ذلك أنه كان يلتف حولهم عدد قليل جدًّا من المهاجرين من أصل إيرانى قريب أو بعيد يحيطون بهم، كما كانوا يفعلون في عهد السلاجقة وآل زنكى، وبخاصة في مجالات الحياة الفكرية المؤثرة، ويبدو أنه كان هناك اتجاه إلى إشراك القضاة والدوائر الدينية على نطاق أوسع في الحكومة. وقد اشتهرت بصفة خاصة في عهدهم الأسرة المعروفة باسم "أولاد الشيخ" وهي من أصل خراسانى والتي نجحت في أن تكون ممثلة إلى حد كبير في الطوائف العسكرية والدينية الشرعية والإدارية، وهذا يخالف ما جرى عليه العمل من تحديد الاختصاصات بينها تحديدا يكاد يكون شاملا، وذلك بصفة خاصة في حالة الوزير معين الدين وشقيقه الأمير فخر الدين الذي قام بمهام نائب الملك فترة قصيرة قبل مصرعه في واقعة المنصورة.

ومع ذلك فإننا نلاحظ ولا شك أن الأيوبيين كانوا أكثر مرونة في سلوكهم إذا قارناه بسلوك السلاجقة، وليس من شك في أن هذه المرونة ترتبط بالهدف العام من تخفيف حدة التوتر التي أشرنا إليها من قبل في السياسة التي انتهجوها نحو الفرنجة. ولكن لا بد من الاعتراف بأن آل زنكى قد أضعفوا شوكة الزنادقة في الشام بحيث لم تعد هناك ضرورة لمحاربتهم، وأن مذهب الإسماعيلية في مصر لم يكد يترك فيما يبدو من يأسف عليه. ومها يكن من أمر فإن حكومة الظاهر غازى في حلب قد لطخت أيديها بدماء الصوفى الإيراني سهروردى مقتول الذي أعدم إبان حياة صلاح الدين، ولكن هذه والحق يقال كانت حالة فردية لم تتكرر أبدا، وأن هذا الإجراء طالبت باتخاذه الدوائر الدينية في حلب. وكان معظم الأيوبيين من الشافعية، وهم يخالفون في هذا

ص: 1473

الأتراك الذين كانوا من الحنفية، وعلى الرغم من أن هذا لا يمكن أن يكون السبب في أن الأتراك كانوا أقل تسامحا، فإن النتيجة مع ذلك كان يمكن أن تؤدى إلى قلة احتكاك الأيوبيين بأهل الورع الذين نذروا حياتهم لرسالة السلاجقة. ومهما يكن من أمر فإن المعظم وابنه داود كانا من الحنفية، ولعل هذا يفسر إلى حد ما صراعهما مع الكامل، فمثلا يبدو أنهما ولا شك يمثلان من الناحية المذهبية الطرف العنيد في التعامل مع فردريك الثاني.

ويمكن القول بصفة عامة أن النصارى واليهود لم يكن لديهم أيضًا فيما يبدو ما يدعو للشكوى من البيت الأيوبى. والدافع سياسى لا عقائدى كما هو الحال دائما أو يكاد عندما يقع استثناء. وليس من شك في أن الاحتلال الأيوبى أضر بالظروف الاستثنائية المرضية التي كان يعيش فيها الأرمن في عهد آخر الخلفاء الفاطميين، ومع ذلك فإن الأقباط أفادوا من هذه المصادرات. وشبيه بهذا ما حدث عندما استعاد صلاح الدين بيت المقدس، فقد آثر بعطفه تلك الوظائف نصارى المدينة (انظر بين مصادر أخرى- In digenes et Croises،: CI. Cahen un me decin d'Amaury et de Saladin في Syria سنة 1934؛ Etiopi in: E.Cerull Palestina جـ ا، رومة سنة 1943).

وكان عهد الأيوبيين في مصر عصرا انتعشت فيه الكنيسة القبطية، وإذا وقع توتر فإن هذا كان يحدث بوجه عام نتيجة حتمية للحروب الصليبية إذا خشى وجود تواطؤ، مثلًا، بين الملكانيين واللاتين، وفي رأينا أن الإذن الصادر من الأيوبيين لبعثات المبشرين من الدومينكان والفرنشسمكان بدخول مملكتهم على شريطة ألا يقوموا بأى محاولة لتنصير المسلمين، يدل بجلاء على أنه لم يكن من الضرورى في الظروف العادية، على آية حال، تحريم الاتصال بين النصارى من الأهالى واللاتين، والحق إن إجراءات التفرقة التقليدية التي تتخذ مع غير المسلمين كانت تبعث للحياة من وقت لآخر. (انظر Saladin and the: E. Ashtor Strauss Hcbrew Union College Annual -s Jews سنة 1956، ص 305 - 326).

ولا شك أن المناخ يقدم لنا تفسيرا جزئيا لانتعاش الحياة الثقافية في بلاد

ص: 1474

الأيوبيين. وكانت الشام بحق قلب الثقافة الإسلامية باللغة العربية في القرن الثالث عشر. وسرعان ما أصبحت مصر ندا لها، بيد أنها لم تكن قد توصلت بعد إلى صياغة مزاج واحد من تراثها الأصيل والعناصر الدخيلة التي كان يرضى عنها الأيوبيون، والحق إنه لا يمكن للأيوبيين أن ينسبوا لأنفسهم الفضل كله في هذا الازدهار، ولكن ليس من العدل أن ننكر فضل الأمراء الذين كانوا في كثير من الأحوال من الأدباء والعلماء والذين عملوا جاهدين بوجه عام على حماية واجتذاب ممثلى كل فروع المعرفة التي لا تتعارض مع الدين الحنيف. وليس من شك في أن المتقدم الاقتصادى وسير المسلمين قدما في إسترداد المنطقة التي طوقتها مباشرة الحروب الصليبية تكفلا بإنجاز بقية الصورة. ونعتقد أن تقديم بيان بأسماء الأدباء والعلماء لا يحقق الغاية المنشودة. أما أسماء المؤرخين والجغرافيين فتوجد في ثبت المصادر؛ ومما يذكر أن ابن القفطى (وزير حلب) وابن أبي أصيبعة كاتبى سيرة العلماء والأطباء يلفتان نظرنا إلى أهمية التأييد الذي حظى به هؤلاء الأطباء في البيمارستانات. ولعل المؤرخ يسجل بين الشعراء (قدم الركابي دراسة لبعضهم في La Poesie profane sous les Ayyubides، سنة 1949) اسم الأمجد بهرام شاه، وهو نفسه من الأيوبيين، أو اسم رجل كان يغشى الأسواق مثل ابن الجزار (الوارد في كتاب المغرب لابن سعيد). وفضلًا عن هذا يجب الإشادة بذكر كثير من اللاجئين الأندلسيين الذين وطدوا أقدامهم في بلاد الأيوبيين، وهم رجال برزوا في مجالات مختلفة مثل ابن سعيد المؤرخ الجغرافي، وابن مالك العالم النحوي، وابن البيطار عالم النبات، وابن العربي الصوفى.

وأخيرا لا يمكن أن نتحدث هنا بالتفصيل عن الإمارة الأيوبية في اليمن، وليس من شك في أن تدخل الأيوبيين هناك لا يقل أهمية بالنسبة لهذه البلاد عن تدخلهم في مصر، فقد حد حكم الأيوبيين هونا ما من المنازعات بين الطوائف وصغار الأمراء الذين قسموا البلد بين أنفسهم وحققوا وحدة سياسية قدر لها أن تبقى بعدهم؛

ص: 1475

وعلى الرغم من أن الرسوليين حلوا محل الأيوبيين ابتداء من عام 629 هـ (1232 م) إلا أن الرسوليين كانوا أصلًا من عمالهم، واستمروا في الحفاظ على تقاليدهم. وأعاد الأيوبيون العمل بمذهب السنة في اليمن وجعلوا بينها وبين مصر روابط وثيقة من النواحى السياسية والاقتصادية والنظامية. وقد يكون الإصرار على بقاء الانقسامات الدينية بين طوائف الشعب أصل المحاولة الغريبة التي قام بها ثالث خلفاء الأيوبيين في أن يدعى أنه خليفة أموى مستقل بذاته، وبعد التغلب عليه أكد العادل والكامل عزمهما على عدم السماح بخروج اليمن من أيديهما، وذلك بإرسال أحد أبناء الأخير لتولى منصب الخلافة، ومهما يكن من أمر فإن الكامل لم يستطع منع الرسوليين من الجلوس على أريكة الحكم، بيد أن هؤلاء كانوا يجدون الكثير من العناء في إظهار أنفسهم، في البداية على الأقل، بوصفهم حلفاء للأيوبيين، ونشب بينهم فيما بعد نزاع على النفوذ في مكة، على أن العلاقات التجارية لم تتوقف أبدًا فيما يظهر.

3 -

وتسجل وفاة الكامل نهاية النظام الأيوبى الحقيقي، مع التحفظ بأن ما لحقه من ضعف كان إلى حد كبير يكمن في تكوينه هو نفسه. وكان الكامل قد خص ابنه الأكبر الصالح أيوب بحكومة حصن كيفا، وعين ابنه الأصغر العادل خلفا له، فأذكى العادل نيران الكراهية ضده فاستغاث خصومه بالصالح. وخاض الصالح غمار معارك عنيفة لقى فيها هزائم عديدة، ثم ظفر بالعرش ووحد زعامة الإمارات الأيوبية (وهي وحدة قدر لها أن تزول بوفاته) لا على حساب شقيقه الأصغر فحسب، بل على حساب معظم الأيوبيين في الشام أيضًا، وبخاصة الصالح إسماعيل الذي أصبح صاحب دمشق. ومن المسلم به أنه كانت هناك منازعات بين الأيوبيين، ولكن هذه المنازعات لم تمنع أحدًا من الزعماء من قبول البلاد، التي كانوا يحكمونها، من السلطان، رأس الأسرة، أو تحول بين تضامن الأسرة وبين حصر الآثار الضارة لهذه المنازعات في حدود معينة. وكان كل من الخصوم يرى هذه المرة أن خصمه مغتصب للعرش، ولم يتحقق الانتصار

ص: 1476

للصالح إلا بفضل القوة الغاشمة وحدها. ومع ذلك فإن هذه القوة لم تعد مستمدة من قوة الجيش الكردى، وقد لحق بالصالح عار لا يمحى إبان حياة الكامل عندما كان نائبا عن أبيه في مصر، إذ قام، مدفوعا بعدم ثقته بالأكراد، بتجنيد جيش قصره على المماليك الأتراك على نطاق واسع، وكان الجيش الذي نظمه عندما أصبح السيد المتصرف في شئون مصر مقصورا على هؤلاء الأتراك. في الوقت نفسه كان ما أحرزه من نجاح يرجع إلى عنصر يثير القلق والإنزعاج أكثر من أي عنصر آخر، ذلك هو عنصر الخوارزميين الذين كانوا قد طردوا بعد هزيمة جلال الدين ووفاته إلى آسية الصغرى حيث عملوا فترة من الوقت في خدمة السلاجقة وأخذوا يبحثون عن سيد يعملون تحت إمرته وبلد يعيشون فيه. وقد نصبهم في ديار بكر واستدعاهم لمحاربة أعدائه في الجزيرة والشام. والحق إنهم مسئولون إلى حد ما عن فظاعة هذه الحروب وما صحبها من تدمير وما اتسمت به من قسوة، وأخيرا لم تعد هناك حاجة إلى الاحتفاظ بهم فعمل الصالح على إبادتهم على يد أبناء عمومته في الشام، يضاف إلى هذا أنه على الرغم من أن الأيوبيين السابقين قد حافظوا على السلام مع الفرنجة وأن الكامل رأى في وقت من الأوقات أن يعقد حلفا مع فردريك الثاني فإن هذه الخطط لم تتحقق قط. وفي هذه المرة ظهر الفرنجة بصفة حلفاء للصالح إسماعيل والناصر داود حاكم الكرك نفسه ضد الصالح أيوب والخوارزميين وأدى هذا الحلف إلى كارثة محققة لحقت بهذين معا، مما يدل على أن الملك الصالح كان يطوى بين جوانحه روحا حربية ضد الفرنجة لم تكن معروفة في أسلافه من الخلفاء، وأدت المحن التي تعرض لها الفرنجة إلى شن حرب صليبية جديدة هي حرب القديس لويس التي مات العاهل الأيوبى في مستهلها.

والواقع أنه كان آخر خليفة من الأيوبيين، ذلك لأن ابنه تورانشاه لقى مصرعه في مذبحة قام بها جنوده بعد بضعة شهور، وعلى الرغم من أن عددا من الأطفال أشبه بالدمى ظل يحمل اسم البيت الأيوبى فترة ما فقد بدأ في

ص: 1477

الواقع تاريخ عهد جديد هو عهد المماليك اعتبارا من عام 647 هـ (1249 م). ويعد الصالح المنشئ الحقيقي لهذا النظام، إذ ما من شك في أن جيش المماليك الأتراك المتماسك القوى النظام والمسمى بجيش المماليك البحرية- نسبة إلى الثكنات المقامة على جزيرة في النهر (البحر) - كان الفيصل الحقيقي في حسم الموقف. ولم يكن الصالح ولا تورانشاه من القواد العسكريين. وكان يمكن للأسرة أن تستمر في الحكم فترة أطول لو لم يفتقر تورانشاه إلى الرأى السديد. ولم يكن هناك مفر من أن يعزله المماليك البحرية عاجلا أو آجلا ويعينوا بدله قائدا يرقى من بينهم، وهذا هو ما فعلوه في الواقع عند ما رفعوا عز الدين أيبك إلى مرتبة السلطة إثر وفاة تورانشاه، إذ أقيم أولًا في وظيفة أتابك ثم نودى به سلطانا. وهكذا خلف البيت "الكردى" نظام "تركى" كما يقول المعاصرون.

أما الأيوبيون في الشمال فقد استمروا في الحكم فترة أطول، ولكن دون أن يحققوا أي نجاح وقضوا حياتهم يتهددهم شبح الفزع من اقتراب المغول. وترددوا بين الخضوع الذي كانوا يخشون أن يكون فيه القضاء عليهم، وبين المقاومة المسلحة وكانوا يائسين منها مقدما، ويعلمون ألا جدوى من ورائها. ومهما يكن من أمر فإن الناصر صاحب حلب أصبح حامل لواء الخلافة الأيوبية، واقتضى الأمر في مواجهة الخطر المغولى توسط الخليفة لعقد اتفاق أصبحت بموجبه الشام كلها متابعة له، واكتفى السلطان المملوكى بمصر، غير أن بغداد سقطت عام 1258، وفي سنة 1260 تم الاستيلاء على حلب ودمشق وميافارقين - إما عنوة أو صلحا- للغازى الذي خيل للناس أنه قوى لا يقهر، وأسر المغول في آخر الأمر الناصر السيئ الحظ الذي لم يجرؤ على طلب اللجوء إلى مصر مثل الآخرين، وعومل معاملة حسنة في مبدأ الأمر، ولكنه دفع حياته عندما وصلت أنباء ما لقيه الجيش المغولى من هزيمة على يد المماليك في موقعة عين جالوت في نهاية العام نفسه. وبعد فتح السلطان المملوكى بيبرس للشام، أخضعت إمارة الكرك (التي كانت علاوة

ص: 1478

على هذا قد ضاعت وانتقلت إلى أسرة داود عام 1284) وكانت على درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية، واختفت من الوجود إمارتا حلب وحمص بإرادتهما، أما إمارة حماة التي ذاع صيتها بفضل أميرها الكاتب أبي الفداء، فقد استردت سلطانها وظلت قائمة (ما عدا فترة واحدة) حتى عام 1342 بسبب فطنتها العجيبة.

ومهما يكن من أمر، فقد بقى فرع آخر من الأسرة أكثر من قرنين يتولى الإمارة تحت حكم المغول وخلفائهم في البلاد المجاورة لحصن كيفا. وبعد أن انتقص قدرها نزلت إلى مستوى إمارة محلية متابعة عادت إلى أصولها بطريقة غريبة، إذ استمدت جانبا كبيرا من قوتها من القبائل الكردية التي أصبحت قوية في الإقليم والتي حاولت أن تقوم بينها بدور كان يتكرر أبدا وهو دور الحكم، ونجحت في أن تبقى بعد الكارثة التي لحقت بآل تيمور، ظلت مركزا للثقافة بيد أنها استسلمت في النهاية للأق قويونلى، ومع ذلك فإن عددا من أفرادها نال شهرة محلية أقل من أسلافهم في عهد الفتح العثمانى (انظر Contribution A: Claude Cahen 'I، Histoire de Diyar Bakr au XIVe Siecle في J A، سنة 1955).

المصادر:

أ- مراجع: عدد من وثائق المحفوظات عن عصر الأيوبيين.

(1)

وثائق رسمية وردت في كتاب سيناء (ا. س. عطية، المخطوطات العربية عن جبل سيناء، بلتيمور سنة 1955)، أو عثر عليها في المحفوظات الإيطالية، ونشرت (Diplomi arabi del Archivo: M. Amari Fiorention) .

(2)

Uriunden zur: Tafel and Thomas aelteren Handelsgeschicte Venedig 3 مجلدات، سنة 1856 - 1857.

(3)

وانظر أيضًا كتاب صبحى لبيب المذكور آنفا.

وثائق خاصة في مجموعات المستندات الرسمية بالقاهرة وفينا إلخ (انظر مثلًا Eine Eheurkunde A. Dietrich aus der Aiyubidenzeif في Berlin Akad. ، Wiss. `Doc. islam. fined سنة 1952).

وفضلًا عن هذا فإن هناك مجموعات جزئية بقيت من نسخ رسائل القاضي

ص: 1479

الفاضل (انظر عنه: Der Kadi al Fadil A.N. helbig، سنة 1909، نسخة ناقصة) للخليفة الأيوبى الناصر داود (Brockelmann، جـ 1، ص 318؛ ، REL: CL. Cahen سنة 1936، ص 341) ولضياء الدين ابن الأثير وزير الأفضل (تحليل للمخطوطات قام به ماركوليوث - Mar goliouth، المؤتمر العاشر للمستشرقين؛ حبيب الزيات، في المشرق مجلد 37/ 4، سنة 1939).

(4)

: CI Cahen في BSOAS، مجلد 14/ 1.

(5)

وتوجد مقتطفات عديدة من الأولى في أبو شامة أيضًا المذكور فيما بعد.

(6)

وثائق يهودية مختلفة في مجموعات خزانة كتب كنيس اليهود بالقاهرة. ويمكن القول بوجه عام أن أهم المصادر بالنسبة لنا هي المصادر المروية، وتوجد عنها دراسات شاملة في المقدمة التي كتبها Cl- Cahen لكتاب La Syrie du Nord a Pepoque de Croisades سنة 1940 والمقدمة التي كتبها. H Gottschalk: الملك الكامل (تحت الطبع)(6 م) وبالنسبة لعهد صلاح الدين انظر The Arabic Sources of Salah: Gibb al-Din H.A.R ، في Speculum، جـ 1/ 25. سنة 1950، وأهم مصدر بالنسبة لهذه الفترة الأولى هو كتاب البرق الشامى لعماد الدين الأصفهانى، ولا يوجد منه إلا جزءان غير كاملين في أكسفورد (انظر H.A.R. Gibb في WZKM، جـ 52، سنة 1953)، إلا أن هناك ملخصات له كاملة تقريبا وردت في جميع الكتب التالية وبخاصة في كتاب الروضتين لأبي شامة، طبعة القاهرة سنة 1287 هـ (1872 م)، في مجلدين (ظهر القسم الأول من طبعة جديدة منقحة تحقيق حلمى م. أحمد في القاهرة عام 1956، ويرجع إلى عام 558 هـ (1163 م).

(7)

مقتطفات في ، Hist.Qr.Crois جـ

4.

جـ 5.، ولابد لإكماله من الاطلاع على كتاب الفتح القسى، للكاتب نفسه، وقد نشره C. Landberg، وهو مقصور على أحداث عام 1187. انظر koe J. Der Sturz desnigreichs Je-: Kraemer ، rusalems in der Darstelling des، فيسبادن سنة 1952)، وأهم المصادر

ص: 1480

العربية الأخرى هي حياة صلاح الدين لابن شداد في ، Hist. Or. Crois جـ 3، وكتاب ابن أبي طي الذي استشهد به أبو شامة في المصدر المذكور.

(8)

البستان الجامع، نشره CI. Cahen في BEO، دمشق سنة 1937، والكتاب الخاص بالكنائس الذي ألفه أبو صالح الأرمنى المسيحي، إلخ، ونشره Evetts، وبالنسبة لمستهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) يعد كتاب الكامل لابن الأثير أهم مصدر عربي، ولابد أن يضاف إليه الصفحات الأخيرة من كتاب ابن أبي الدم (مخطوطة بمكتبة أكسفورد، مارش 360) وكتاب ابن نطيف (مخطوطة بمكتبة لننجراد IM 159، طبعة يعدها H. Gottschalk: بضع مقتطفات من Amari: المكتبة العربية الصقلية جـ 2، تذييلات؛ ودأب ابن الفرات على الافادة منها، انظر ما ورد بعد)، ومقتطفات من مذكرات عبد اللطيف المحفوظة في تاريخ الإسلام للذهبي والكتاب المذكورين في الفترة التالية. وبالنسبة للقرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) من عصر الأيوبيين بأكمله وبخاصة اعتبارا من حوالي عام 1220 فإن المصدر الأساسي هو كتاب مفرج الكرب لابن واصل (طبعة تكفل بها الشيال الذي نشر المجلدين الأولين وتوقف عند وفاة صلاح الدين؛ مقتطفات استشهد بها في Bibliothbque des Croisades لميشو Mi- chaud، جـ 4 (بقلم رينو (Reinaud وفي تعليقات بلوشيه Blochet على ترجمة المقريزى في ROL، جـ 9 - 10)؛ وهذا المصنف وكتاب مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (نسخة مطابقة للأصل نشرها Jeweutt، هي أساس نسخة حيدر آباد، جـ 2، سنة 1952، وهي نسخة غير كاملة، وانظر Arab. review سنة 1957. 2 بقلم Cl. Cahen) والمهمان بصفة خاصة فيما يتصل بدمشق هما المصدران اللذان اقتصرنا عليهما تقريبا في تدوين التاريخ التالي بأسره؛ وأبو الفداء المبالغ في تقديره إنما ينقل في جوهره عن مصنف معاصر أقل منه خطرا فيما يختص بهذه الفترة. وقد كتب ابن واصل من قبل كتابًا أكثر إيجازا هو تأريخ صالحى ويعتمد على مصادر للمعلومات مختلفة (لم ينشر). ولابد أن يضاف لهؤلاء المؤلفين بصفة

ص: 1481

خاصة أبو شامة صاحب كتاب "ذيل على الروضتين"، طبعة القاهرة سنة 1366 هـ (1947 م)، والمسيحى المكين بن العميد (نشره Cl. Cahen في. Bet .Or، سنة 1958) في تأريخه لبطارقة الإسكندرية The History of the Partiarchs of Alexandria) وهذا الجزء لم ينشر، وفيه شواهد مع غيرها في المقريزى تحقيق Blochet: المصدر المذكور)؛ مقتطفات من سعد الدين (Cl- Cahen: ، Une source Pour I'Histoire des Croisades .. .les Memoire de، في Bull. Fac.Lettres Strasbourg جـ 28 - 7، سنة 1950)؛ وبالنسبة لشمالى الشام انظر الزبدة لكمال الدين بن العديم (تحقيق سامى الدهان؛ وفي الوقت نفسه ترجمة بلوشيه Blochet ، في كتاب ROL، جـ 4 - 6) والبغية للكاتب نفسه (لم ينشر) وعز الدين شداد، انظر ما يلي: وتجد وجهة النظر العراقية في كتاب الحوادث. لابن الفوطى، إلخ: تحقيق مصطفى جواد، ووجهة النظر الخوارزمية في نسوى: حياة جلال الدين، ترجمة Houdas. وجهة نظر سلاجقة (الروم) في ابن بيبى، طبعة Houtsma (وهو مختصر إلى حد ما: بالفارسية). وانظر أيضًا ما كتبه مؤرخو المغول والمماليك الأوائل؛ ومن بين المؤرخين العرب الذين احتفظوا ببعض المواد الأصلية الجزرى (CL. Cahen في Oriens، جـ 1/ 4، سنة 1951، ص 151 - 153) الذهبي (طبعة تعد الآن)، والنويرى (طبعة القاهرة)، وابن الفرات (وهذا الجزء لم ينشر)، والمقريزى (السلوك، تحقيق مصطفى زيادة) وخطط المقريزى، طبعة بولاق، وأما بالنسبة للبداية فإن طبعة فيت Wiet هي الطبعة الوحيدة الصالحة). وبالنسبة لليمن تحت حكم الأيوبيين يعد كتاب المؤرخ المعاصر ابن مجاور (طبعة لوفكرن Loefgren) وكتاب الهمذانى (بروكلمان - Brock glemann، جـ 1، ص 323، ولم ينشر) خيرا من كتاب الخزرجى المتأخر (طبعة مترجمة تخليدا لذكرى كب Gibb)، وبالنسبة لإمارة حصن كيفا انظر مخطوطة بمكتبة فينا لا يعرف مؤلفها، وقد قدمت عنها دراسة في كتاب - Con .tributions etc المذكور آنفا بقلم CI. Ca- hen، وكتب مؤلف شآمى مجهول

ص: 1482

تاريخًا عاما عن البيت الأيوبى بأسره في مستهل القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي؛ المتحف البريطانى، الملحق رقم 7311) ولم ينشر. ولا يزال هناك بصفة عامة كثير جدًّا من المصادر المخطوطة ونشرها (مصورة على الأقل) من الأمانى الملحة. وتوجد مقتطفات مترجمة من كتب المؤرخين العرب في كتاب Storici arabi delle Crociate: F.Gabrireli، رومة سنة 1957 J. Ostrup Periode: Arabiske Kroniker til Korstogenes كوينهاغن سنة 1906.

ويجب أن يضاف إلى المؤرخين كتاب السير، ولا نقصد ابن خلكان فحسب، بل نقصد أيضًا ابن القفطى (طبعة Lippert) وابن أبي أصيبعة (طبعة Aug. Muller)، والجغرافيين ياقوت وابن سعيد (لم ينشر) وبخاصة عز الدين بن شداد (شمالي الشام، نشره Ledit في المشرق، سنة 1935)؛ وحلب، طبعة Sourdel دمشق سنة 1958؛ ودمشق طبعة الدهان سنة 1957؛ والجزيرة، تحليل بقلم hen في REI، سنة 1934، وهناك مقتطفات أخرى أعدها Sobernheim في Centenario di Amari، جـ 2 (بعلبك)، وفي. Corpus Inscriptionum Arab في مواضع متفرقة.

ولكى تكتمل المعلومات التاريخية والإدارية انظر كتاب Les Tresors لسبط ابن العجمى، تحليل وترجمة بقلم - Sau vaget " سنة 1950، كتاب العليمى في وصف دمشق، نشره Sauvaire في JA، سنة 1894.

وفي مجال الرسائل الإدارية يجب ذكر (إلى جانب المقتطفات التي احتفظ بها المقريزى) كتاب قوانين الدواوين لابن المماتى (تحقيق عطية سنة 1943) ومعالم الكتابة لابن شيت الكرشى، تحقيق خورى قسطنطين ياشا، سنة 1913 ومقالات النابلسي في كتاب أخبار الفيوم، تحقيق ب. موريتز. B ' Mortiz وانظر Les Impots: CI. Cahen .eyc، المذكور آنفا، ولمع القوانين، ويعده CI. Cahen ليظهر قريبا؛ ومقتطفات بقلم C. Owen في JNES سنة 1935، وأخيرا كتاب الرتبة للشيزرى، والعجالات التقنية مثل رسالة عن صناعة المدافع، ورسالة عن سك العملة لابن بعرة قام

ص: 1483

بتحليلها، Eherenkreutz في Contributions etc المذكور آنفا، ولا أعرف كتاب تذكرة في الحيل الحربية المهدي من على الهراوى إلى الظاهر غازى (Resher في MFOB، جـ 5، سنة 1912، ص 495، طبعة يعدها J. Sourdel-Thomine). ويجدر بنا ألا نغفل ذكر دواوين الشعراء.

ومن الطبيعي أن نرجع أيضًا إلى كتب الأدب لغير العرب ولغير المسلمين، والمقام لا يسمح بذكرها هنا بالتفصيل: مؤرخو الحروب الصليبية من اللاتين والفرنسيين بخاصة، ومؤرخو المشرق اللاتينى والأدب السريانى (ميخائيل السريانى، تحقيق وترجمة شابو - Cha bot، ابن العبرى، تحقيق وترجمة بدج Chronique anonyme Syriaque: Budge، نشره Chabot، في Corpus Script or.، Chabot، جـ 3، ص 14 - 15).

وجمعت المادة الخاصة بالنقوش في RCEA، جـ 7 - 9، وقد درس فيت Wiet نقوش صلاح الدين في Syria، جـ 3. ولابد أن نضيف إلى الدراسات الحديثة التي قام بها بالوج Balog ومنوست Mi- nost ويو نكفليش Jungfleisch في MIE منذ عام 1950 المادة الخاصة بالسكة الواردة في الفهارس العادية.

(ب) مصنفات حديثة: لا توجد دراسة عامة كاملة عن الأيوبيين، وخير دراستين في هذا المجال- على الرغم من إيجازهما - هما دراسة G.Wiet في كتاب Histore de la Nation Egyptienne الذي نشره Hanotaux ، جـ 4، ودراسة H.A.R. Gibb في كتاب History of the Crusades (فلادلفيا) جـ 1، (صلاح الدين) سنة 1955، جـ 2 (الأيوبيون بعد صلاح الدين The Ayyubids after Saladin)، وهو تحت الطبع. بل إنه لا توجد سيرة رصينة لصلاح الدين، وآخر سيرة له هي التي كتبها. A Champdor، طبعة باريس، سنة 1956، ولا تزال أقل السير سوءا للك التي كتبها Lane-Poole. طبعة نيويورك سنة 1898. وبالنسبة لباقى الأيوبيين فإن الكامل دون سواه هو الذي كان موضوع دراسة هامة بقلم - H. Gotts chalk (تحت الطبع؛ وقد نوه المؤلف نفسه بمادة عن الأيوبيين في اليمن). واستشهدنا في هذه المادة بالدراسات التي تناولت مختلف المشكلات الخاصة.

ص: 1484

وبالنسبة للتجارة نرى أن أحدا لم يضف شيئًا جديدا إلى ما جاء بالكتابين القديمين وهما كتاب Histoire du Com-: W. Heyd merce du Levant، جـ 1، سنة 1882، وكتاب Handelsgeschichte der: Schaube Mittelmeerromanen، سنة 1906، وهما يتناولان الأمور من وجهة النظر الغربية، وتوجد بعض المعلومات عن الأنظمة في كتاب Beitraege Zur Ges-: W. Bjoerkman chichte der Staatskanzlei im islamischen Aegypten، طبعة همبورغ سنة 1929. وانظر أيضًا التواريخ العامة عن الحروب الصليبية والمشرق - اللاتينى؛ The History F. of the: Butcher church of Egypt، سنة 1897.

د. يونس (كاهن Cl. Cahen)

ص: 1485