المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأندلس في شمالي إفريقية - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ الأندلس في شمالي إفريقية

ملك قشتالة، ثم لخلفه ألفونسو العاشر، ومنذ ذلك الوقت كانت سياسة ملوك غرناطة تقوم على تحقيق توازن حرج في تحالفهم مع النصارى، أو مع بني مرين في مراكش الذين تدخلوا عسكريًّا في أرض الأندلس واحتلوا مراكز معينة مثل طريف، وأثبتت الحوادث شيئًا فشيئا أن التعاون المراكشي كان وهمًا من الأوهام. فقد لقى السلطان أبو الحسن هزيمة منكرة على وادي سليط سنة 741 هـ (1340 م). وظلت غرناطة تحتفظ بشيء من هيبتها بوصفها عاصمة، وبفضل آثارها وندواتها الأدبية التي برز فيها رجال من أمثال لسان الدين بن الخطيب. وفي القرن التالي، ومع ظهور الملكين الكاثوليكيين فرديناند الأراغوني، وإيزابلا ملكة قشتالة، أصبح هجوم النصارى يتم في تناسق تام ويوجه على نطاق واسع. فسقطت لوشة عام 1486 م، وبالش- مالقة والمرية في العام التالي، وبسطة عام 1489 م. وأخيرًا استسلمت غرناطة للملكين الكاثوليكيين في 2 ربيع الأول عام 897 هـ (3 يناير سنة 1492 م).

[ليفي بروفنسال Levi - Provencal]

+‌

‌ الأندلس في شمالي إفريقية

كلمة "الأندلس" -من حيث هي اسم جنس- مشهورة بخاصة في مصطلح شمالي إفريقية، حيث تدل على ذلك العنصر من السكان المسلمين الذي ترجع أصوله إلى أسبانيا. والعنصر الأندلسيّ بصفة عامة لا يظهر ظهورًا بارزًا إلا ابتداء من نهاية القرن الخامس عشر الميلادي تقريبا، ولكن الأمر هنا لا يقتضينا أكثر من التعرض لذروة اتجاه تاريخي طويل.

وفي خلال التاريخ الإسلامي في أسبانيا، كانت الهجرة إلى المغرب في كثير من الأحوال وسيلة من وسائل سكان الأندلس للخلاص من أزمة داخلية. ثم إن المصالح التجارية والخارجية الأندلسية لعبت أيضًا دورًا كبيرًا في وفود العناصر الأسبانية الإِسلامية إلى المناطق الساحلية في غربي بلاد المغرب ووسطها.

ومنذ منتصف القرن الثاني عشر تقريبًا، وحين كانت الكوارث التي نزلت بالمسلمين في غربي الأندلس سببًا في تدفق سيل من المهاجرين على قصر

ص: 1341

الكتامة (القصر الكبير) ، ثبت أن تقدم إعادة الغزو له أهمية متزايدة، ولو أنه لم يكن بأي حال من الأحوال السبب الوحيد للهجرة إلى شمالي إفريقية. وازدادت حركة الهجرة انتشارًا، بازدياد تفكك أسبانيا الإِسلامية، حتى القرن الخامس عشر، وهنالك وقعت الأحداث الخطيرة التي أنذرت بسقوط غرناطة، وقد ثبت أن هذه الأحداث كانت بداية حركة تشتت حقيقية أحدثت في شمالي إفريقية آثارًا لها قيمتها.

وما إن انتهى القرن السادس عشر حتى كان عدد الأندلسيين المبعدين عن وطنهم إلى أرض المغرب كبيرا إلى الحد الذي يمكن اعتبارهم معه أقلية لها شأنها بين سكان المغرب.

وحل القرن السابع عشر، وجاء معه بتطورات جديدة، ولن يقضي بنا وقت طويل حتى نرى نتيجة طرد العرب الأسبانيين جملة. ويقال إن أعددا كبيرة انطلقت من المواني التي أقلعوا منها إلى فاس وتلمسان، ولكن نسبة كبيرة من هؤلاء تعرضت للموت أو للسلب والنهب بأيدى القبائل العربية. ونجح كثير من الآخرين في الانضمام إلى مواطنيهم في الجزائر وفي تونس حيث كان عثمان داي يشجع على انتهاج سياسة الهجرة، فكان المهاجرون يتدفقون عليها زرافات.

ويمكن رسم صورة تفصيلية لا بأس بها للأندلسيين الذين استقروا على هذا النحو في تونس في القرن السابع عشر. لقد كانت حالتهم تختلف إلى حد ما. عن حالة أسلافهم في القرن الثالث عشر الذين اشتهروا بالدور السياسي العظيم الذي قاموا به في الدولة الحفصية، وظهروا في صورة جماعة متفردة منظمة تنظيما عالئا تخضع لرئيس يسمى "شيخ الأندلس"، ويبدو أنهم قد تمتعوا في مجتمعاتهم القروية ببعض الحقوق الشرعية وحظ كبير من الاستقلال في الحكم المحلي. وليس من شك في أن احتكار صناعة "الشاشية" الناجحة والمنظمة تنظيمًا جيدًا قد أتاحت لهم تعديل النظام الاقتصادي حتى أصبح "أمين الشوَّاشة" قانونًا هو أمين التجارة، يرأس محكمة تجارية تخضع لها كل الطوائف الحرفية، وكان أعضاؤها -فيما عدا اثنين فقط- يختارون من

ص: 1342

الشواشة الأندلسيين. وفي مجال الزراعة انصرفت مهارة الأندلسيين، التي احتضنها عثمان داي المثقف، إلى استغلال الأراضي الخصبة في الشمال، حيث طبق العرب الأسبانيون باقتدار معرفتهم بالري وأساليب الزراعة الفنية على زراعة الأشجار وفلاحة البساتين. وكان إنتاج الحرير الخام ونقله وصناعة الأقمشة والمنسوجات والسلع الموشاة في القرنين السادس عشر والسابع عشر من الخصائص الكبرى التي يتميز بها المنفيون، مثال ذلك أن صناعة الحرير في الجزائر كان معظمها في أيديهم، وقد أسهمت إسهاها كبير، في ثراء المدينة ومن جهة أخرى فإن الكثير مما يمكن إن يكونوا قد أسهموا به في المغرب قد ضاع. وفي مراكش، مثلًا، كان السعديون ينشدون غالبا الاستفادة منهم قوة عسكرية. وبالنسبة للباقين يعد اشتغالهم بالقرصنة وتجارة الرقيق مسئولا لا محالة عن اختفاء المهارات المأثورة. ومهما يكن من أمر فإن آثارهم لا تزال باقية في كثير من المجالات، وكثير من أهالي شمالي إفريقية يعلنون في فخر أنهم من أصل أندلسيٍّ، وهو أمر واضح في كثير من الحالات من أسماء أسعرم.

سابعًا- الإِسلام في الأندلس

كانت الأندلس دائمًا معقل المالكية وقاعدة للسنية منذ مستهل القرن التاسع عندما اعتنق مذهب المدينة وحل محل مذهب الأوزاعي ولم يكن هناك احتمال بتوطيد دعائم شعائر أخرى في العهد المرواني؛ لأن المذهب الجديد كان يلقى تأييدًا رسميًّا من حكام البلاد، وقمعت كل منزعات الخوارج والشيعة في مراحلها الأولى، ولم يستطع الأندلسيون أن يوجهوا نشاطهم في مجال الكلام والفقه إلا نحو التوسع في رسائل الفروع والتمسك الدائم بالتقليد. ومهما يكن من أمر فإنه من الواضح أن مدرستي الشافعية والظاهرية تسللتا في القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين)، وإن كان من المسلم به أن هذا قد حدث بصورة طفيفة.

وكان ممثل المدرسمة الظاهرية في الأندلس القاضي المنذر بن سعيد البلوطي المتوفى 355 هـ (966 م) حتى وجدت "حامل لوائها" في شخص ابن حزم المشهور وكذلك كان واضحًا أن مذهب المعتزلة قد صادف بعض

ص: 1343

الانتشار في بعض العهود، وهو يطابق ما حدث من إحياء لنزعات الزهد التي كان ممثلها الأساسي هو الفيلسوف القرطبي بن مسرة المتوفى سنة 319 هـ (931 م).

أما الممثلون للمالكية الأندلسية الذين وصلت إلينا أسماؤهم وبلغتنا مصنفاتهم أحيانا، فإنهم جمع كبير. وكلهم تقريبا كتبت نبذ عن سيرهم في المجموعات التي نشرت في المكتبة الأندلسية: - Bibliotheca Arabico - His) (pana؛ فلما سقطت الخلافة تمسك الناس بالشريعة وقدروها أكثر من ذي قبل، وكثيرًا ما أصبحت طبقة الفقهاء قسما من السكان يتمتع بأكبر قدر من النفوذ والنشاط وبخاصة في عهد المرابطين. ويمكن القول بأن الأندلس، من وجهة نظر العقائد، لم تتأثر بدعاية الموحدين إلا نادرًا، وظلت للمالكية فيها اليد العليا حتى النهاية.

المصادر:

إلمامة عامة في Levi Provencal: : Hist Esp Mus جـ 3، ص 453 - 488.

د. يونس [ليفى يروفنسال E. Lkvi - Prov- encal]

ثامنًا: الفن الأندلسيّ:

لقد كانت شبه جزيرة إيبيريا منذ العصور القديمة منطقة صالحة لنمو المؤثرات الشرقية فيها، بفضل موقعها الجغرافي الذي يحيط بالطرف الغربيّ للبحر المتوسط، وبفضل غلبة خصائص منطقة هذا البحر عليها. وشاهد ذلك قول سارتون بأن توافر دين مشترك ولغة مشتركة -وهما العاملان اللذان يحدثان أقوى الروابط بين الشعوب- قد دعم العلاقات بين المنطقتين، وهي علاقات أفادت أيضًا من الفرض الديني الذي قضى بالحج إلى مكة.

ووصلت الاتجاهات والأشكال الفنية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية من الشرق عبر فترة امتدت ثمانية قرون، وبعض هذه الاتجاهات نمت فأصبحت أسمى درجة وأفسح مدى مما كانت عليه في بلدها الأصيل. وفي الفن الأندلسيّ أصداء من الفن البوزنطي ومناطقه الثقافية في الشام وبلاد ما بين النهرين وفارس ومصر وإفريقية. وصيغ فن العصور الوسطى في الشام وفي أرض شبه جزيرة إيبيريا على غرار فن رومة

ص: 1344

الإمبراطورية. وإن رجوع بعض أشكال الآثار الفنية في هذين القطرين إلى زمن واحد يشير أحيانا إلى أصلهما المشترك ولا يدل على وجود علاقة مباشرة بين الاثنين. ومع ذلك فإن الحضارة في شرق البحر المتوسط قد تطورت دون أن يوقفها شيء منذ القرون الأولى للعصر المسيحي وأثناء القرون الأولى من الإِسلام، على حين أن شبه جزيرة إيبيريا والغرب -بصفة عامة- قد كابدا أزمات شديدة وتعرضا لانحلال كبير في معيار حضارتهما.

ولا نعرف كثير، من التفاصيل عن مرحلة انتقال أسبانيا من حكم القوطيين -حين تجلى افتقارها إلى التجانس واضمحلالها من ضعف مقاومتها للغزاة -إلى حكم المسلمين. ففي المجال الفني تعوزنا التحف الفنية والآثار الباقية من هذا العهد الغامض والعصور الإِسلامية التالية له، ونشأ عن هذا أن الثغرات في كثير من الحالات يجب أن تسد عن طريق الحدس والتخمين.

وقد تطور الفن الأندلسيّ واتخذ له طابعا أصيلا مميزًا. وحدث أثناء فترة الاتصال بالشق بين القرنين الثاني والتاسع الهجريين (الثامن والخامس عشر الميلاديين) أن شيدت هناك بعض الآثار التي تنفرد بجمال لا يضارع، وكمال وأصالة لا نجدها بقيت في أي بلد إسلامي آخر. فمسجد قرطبة المتفرد ببنائه البارع وبثراء زخرفته؛ وقصور مدينة الزهراء التي لا تسامى في فنها وفخامتها؛ وقصر الجعفرية في سرقسطة، الذي يمتاز بإبداع عجيب وبذخ في زخرفته، والذي يجري العمل في الوقت الحاضر لاستعادة بنائه، وبرج الخير الدة، وهو منارة أثرية تعد من أجمل الآثار في العالم الإسلامي؛ وأخيرا هناك قصر ضخم هو قصر الحمراء في غرناطة، لا يزال محتفظًا بحالته على نحو عجيب على الرغم من رهافته الشديدة، وقد تجمع فيه فن العمارة وبدع الطبيعة من ماء جار وخضرة يانعة لتجعل منه مشهدا من أعظم مشاهد العالم إلهامًا.

ص: 1345

العمارة:

الأمويون: ومع افتقارنا إلى العمائر القديمة، فإننا يجب أن نبدأ دراسة العمارة الإِسلامية في الأندلس من أقدم جزء في مسجد قرطبة الذي شيده عبد الرحمن الأول بين عامي 168 و 170 هـ (784 - 786 م) أي في فترة تبلغ ثلاثة أرباع القرن بعد غزو شبه الجزيرة وفتحها. وقبيل وفاة هذا الأمير لم يكن باقيًا على اكتمال بناء المسجد إلا اللمسات الأخيرة، وقد قام بإتمامها ابنه هشام (172 - 180 هـ = 788 - 796 م).

ويحتل هذا المصلى القديم الجانب الشمالي الغربيّ من البناء الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. والمسجد مستطيل الشكل، وجدرانه من الحجر، وهو مقسم إلى إحدى عشرة مقصورة تتجه من الشمال إلى الجنوب بحيث تكون عمودية على جدار القبلة، والمقصورة الوسطى أكبر من المقصورات الأخرى، ويفصل المقصورات بعضها عن بعض أعمدة من الرخام أخذت من المبانى الرومانية أو القوطية الغربية. وعلى التيجان ترتكز حدائر مربعة الشكل، وهي بدورها تحمل كتل حجرية مستطيلة. والنتوء محمول استعراضا بوساطة مساند بارزة وينتهي من أعلى بحديرة. ودعائم العقود متصلة طوليا بصفين من العقود. والعقود السفلي على شكل حدوة الفرس، وهي معلقة ولا تدعم شيئًا، وفوقها صف ثان من عقود شبه دائرية تبرز من الحدائر وتحمل الجدران.

وباستخدام هذه الطريقة في البناء أمكن إقامة بناء ضخم على أعمدة رشيقة مع الاستفادة إلى أقصى حد من المساحة الداخلية وتحقيق رؤية المؤمنين للإمام بوضوح، وهو يؤمهم في الصلاة. ولما كان عرض الدعائم قد زاد بالنسبة لارتفاعها، فقد أصبح من الميسور أن تحمل الأسقف وأن توضع في سمك الجدران ميازيب لتصريف مياه المطر.

وطريقة البناء بعقود مزدوجة متراكبة مما يضفى على مسجد قرطبة جمالا أصيلا وطابعا فريدًا في عمارة القرون الوسطى لا نجدهما في أي مسجد آخر، ففي المساجد الأخرى ذات الأعمدة

ص: 1346

تحمل العقود التي تفصل المقصورات عروق خشبية تضفى عليها مظهر المباني الموقوته. ومن عجيب أننا نجد في قرطبة في النصف الثاني من القرن الثامن مثل هذا البناء الكامل، نظرًا للعجز الظاهر في المهارة المعمارية الذي يوحى به استخدام أعمدة كانت أصلًا في عمائر أقدم عهدًا.

وقد بذلت محاولات متكررة لإثبات أصل هذه الأشكال، ويمكن أن تكون طريقة استخدم العقود المزدوجة قد استلهمت من المنشآت الرومانية المعمارية، كالقناطر المعلقة مثلًا. وقد استخدم الحجر مادة للبناء في العمارة الشامية، وكذلك في العمارة القوطية الغربية بأسبانيا. وكثيرًا ما نجد ترتيب الحجارة المنحوتة على التعاقب واتخاذها رباطا ماثلا في العمائر الرومانية في الشرق والغرب، وقد ورثت ذلك من العمائر اليونانية. وعممت العمارة القوطية الغربية استخدام عقد حدوة الفرس، وتوجد نماذج منه في العمارة الرومانية والإِسلامية الشرقية، وإن كانت أقل منها في شبه الجزيرة. وكان الاستخدام المتبادل للحجر والآجر في سنجات العقود شائعا في العمارة الرومانية، وعنها نقلته العمارة البوزنطية، وتكمن أصالة مسجد عبد الرحمن الأول في خطبة بنائه وتنسيقه العام بما يضمه من مقصورات متوازية عديدة وزيادة المقصورة الوسطى في الحجم عن الأخريات كما هو الحال في المساجد الشرقية، وربما يكمن ذلك أيضًا في عضائد الجدار، بل لعله يكمن في الحزوز المدرجة التي تتوجها.

وقد أقتضى ازدياد السكان في قرطبة في عهد عبد الرحمن الثاني (206 - 238 هـ = 822 - 852 م) توسيع المسجد، وامتدت رقعة المقصورات جنوبا بهدم المحراب، ونقب جدار القبلة. والجزء الذي أضيف يتبع خطوط البناء القديم، ولكننا نجد من بين العدد الكبير من التيجان التي أخذت من العمائر الأقدم منه أحد عشر تاجا نحتت بإتقان لهذا الغرض واستلهم في نحتها النماذج القديمة المأثورة. وهناك أربعة تيجان من المحراب نقلت بعد إلى مسجد الحكم

ص: 1347

الثاني، وهذه التيجان الأخيرة لا تقل إتقانا عن التيجان الرومانية، وهي تدل على وجود مصنع يعمل به نخبة من الصناع المهرة. وبدأت هذه الأعمال عام 218 هـ (833 م). وأول صلاة أقيمت في المسجد قبل بناء المحراب الجديد كانت سنة 234 هـ (848 م)، ولكن البناء لم يكن تم عند وفاة عبد الرحمن الثاني، وقد أكمله ابنه وخلفه محمَّد الأول عام 241 هـ (855 م) وهو تاريخ يظهر في نقش على باب القديس اسطفان الذي استلهم الفنان في زخارفه المستدقة ولا شك موضوعات الفسيفساء الرومانية، وهذه الزخارف من الطراز البوزنطي.

وترك عبد الرحمن الثالث (300 - 350 هـ = 912 - 961 م) في المسجد الجامع تذكار، لحكمه الطويل المجيد بتشييد مئذنة أثرية جديدة سنة 340 هـ (951 م) مربعة القطاع مثل المآذن الشامية.

وبويع عبد الرحمن الثالث بالخلافة عام 326 هـ (936 م) وبدأ في بناء المدينة الملكية المعروفة باسم مدينة الزهراء عند سفح الشارات على مسيرة أقل من خمسة أميال من قرطبة، وسار العمل في تشييدها قدما حتى عام 365 هـ (976 م)، وهي مدة قدرها أربعون عامًا بلغت فيها عظمة الخلافة الأندلسية وسلطانها ذروتهما، كما تشهد بذلك الأطلال المشوهة لقصور هذء المدينة مقر البلاط وعمال الحكومة، وتوسيع مسجد قرطبة بناء على ما أشار به الحكم الثاني.

وأجزاء مدينة الزهراء التي كشف عنها حتى الآن هي أطلال المساكن المبنية بالحجر والدواوين وقاعات الاستقبال، وتقع هذه القاعات في نهاية أفنية وتتألف من عدة مقصورات متوازية تفصلهما عقود على هيئة حدوة فرس قائمة على أعمدة على نسق البازيليكا الكبيرة الشائع في الشرق، وفي سبيل زخرفتها تأججت نفسا الخليفتين بنار الطموح ينشدان إقامة عمائر لا نظير لها بذخًا وفخامة، فجلبا لتحقيق ذلك مواد وصناعا مهرة من الطرف الآخر للبحر المتوسط. ولقد زالت الأسطح والسقوف، ذلك أن مدينة الزهراء نهبت

ص: 1348

وأحرقت عدة مرات في السنوات الأولى من القرن الحادي عشر، واستخدمت فيما بعد محجرًا حتى عهد قريب، ولكن لا يزال فيها جانب من الأوجه الحجرية والرخامية لجدران كثير من الحجرات، والعديد من الأعمدة والتيجان من المواد نفسها، ورصف من الحجر والرخام والآجر. ووجه هذه المباني الرائع الزخرف عهد به إلى صناع مهرة بعضهم جاء من شرقي البحر المتوسط، صحيح أنهم كانوا على درجة مختلفة وأساليب فنية متباينة في أشغال الحجر والرخام، بيد أنهم كانوا بصفة خاصة عارفين بالخصائص العامة للنقوش البارزة ذات البعدين التي تعتمد على وحدات زخرفية نباتية (هناك بعض الوحدات الزخرفية الهندسية البسيطة القليلة التي ترجع إلى أصل بوزنطي) ومعظمها لم يبعد كل البعد عن موضوعات الكروم. وشوك اليهود التي اشتقت منها. وهناك قاعة فخمة اكتشفت عام 1944، والعمل يجري حاليا في إعادة بنائها؛ لأنه وجد بين أطلالها كثير من النقوش البارزة من الأوجه المزخرفة للجدران الداخلية، وقد زخرفت منذ 342 هـ إلى 345 هـ (953 - 957 م).

واشتغل الصناع المهرة أنفسهم الخارجون من قصور الزهراء في توسيع المسجد الجامع في قرطبة، وهذا العمل الذي شرع فيه الحكم الثاني قد بدئ في تنفيذه عام 350 (961 م)، وأكمل الجانب الرئيسي منه عام 355 هـ (966 م) وكان لصناع الفسيفساء الذين طلبوا من إمبراطور بوزنطة فضل في زخرفته؛ وهناك أثر شرقي ملحوظ في القبوات الأربع للعقود المتقاطعة في الامتداد على الرغم من أنه لم يكتشف بعد في الشرق نموذج يضارعها تم في تاريخ أقدم منها.

والراجح أن الزيادة في ارتفاع جدران بعض النوافذ لإفساح المجال لإقامة مشكاوات قد أخذ عن مساجد إفريقية في القرن التاسع على الرغم من أن عقود هذه المساجد من أصل بوزنطي. والعقود المتقاطعة بالتساوي في المسقط الأفقي وليس في الفراغ هي مخرمات مكشوفة تحمل القباب بأسلوب فني في الإنشاء عبقري بارع. وبعض العقود

ص: 1349

المتوجة من أصل عباسي، وهناك أيضًا عدد من العقود المنقوصة. وأصبحت العقود المتوجة منذ ذلك الوقت تتصل بعقود متقاطعة، وهذا هو أحد الموضوعات المحببة في الفن الأندلسيّ، وكانت تستخدم للزخرفة فحسب جريًا على عمل شائع في الفن الإسلامي بأسره غير أنه بلغ أوجه في الأندلس.

وفي هذا التوسع الذي يرجع إلى عهد الحكم الثاني والذي يعد في الواقع مسجدًا جديدًا ملاصقا للمسجد الأولى، أشكال زخرفية خارقة في روعتها ممتزجة ببريق وهاج من الألوان تغطي الجدران والقبوات المصنوعة من الفسيفساء الجياشة بالحياة، مع "توريقات" عربية نحت معظمها في الصخر وطلى مهدها باللون الأحمر وعليه نقوش بضروب أخرى من اللون الأزرق، ورخام معرق في الأعمدة وقواعدها. ومسجد الحكم الثاني -مثل قاعة عبد الرحمن الثالث في الزهراء- شاهد على فن يستخدم موارده إلى أقصى حد، فن بلغ الذروة، فن يعبر عن عظمة الخلافة في قرطبة تعبيرا لا نجد له نظيرًا في الغرب المعاصر له.

والتوسيع الثالث والأخير الذي طرأ على هذا المسجد الجامع هو الذي شرع فيه المنصور الواسع النفوذ وزير هشام الثاني، وقد نفذ بين عامي 377 و 380 هـ (987 - 990 م). وحافظ على وحدة الكل بتكرار دعامات العقود والعقود المتشابكة وبنائها على غرار المنشآت الأصلية دون إضافة آية سمة جديدة، ولكن هذا التوسع جاء دون الأصل فخامة وطرازا. وتكشف الأبواب عن عمل بذل لتوحيد الأساليب الفنية المختلفة للزخرفة التي تظهر بوضوح في مدينة الزهراء، وإن كانت النتيجة تثير في النفس الكآبة والملل.

ولا تزال هناك آثار قليلة للعمل الذي تم خلال عهد ملوك الطوائف في السنوات الأخيرة من القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي). وتدل النصوص والآثار التي بقيت على أن التقسيم، في المساجد إلى مقصورات عمودية على جدار القبلة مع التوسل بعقود على هيئة حدوة فرس مقامة على أعمدة، يتكرر. وقد جنح أمراء الطوائف إلى تشييد القصور أكثر من جنوحهم

ص: 1350

إلى إقامة دور للعبادة، ذلك أنهم عجزوا عن مجاراة أسلافهم حكام الأندلس الموحدة في السلطان أو في الثراء، بيد إنهم حاولوا محاكاتهم، على الأقل من ناحية المظهر، في قصورهم الفاخرة. وشيدوا، بدل الجدران المبنية بالحجر الصلد، جدرانًا بنيت بالطين والآجر، وحلت محل أوجه الحجر والرخام المزخرف بطريقة التوريق الزخرفة في الجص، واستبدل بالأعمدة الرخامية أعمدة خشبية كما يرى في قصر القصبة بمالقة. وهكذا يخفى تعدد الألوان فقر الداخل تحت نقاب زائل من البذخ والأبهة. وكان النقص في الفخامة والمتانة والافتقار إلى العظمة المعمارية لا يعوضهما المظهر الجميل اللطيف الذي اتسمت به مباني القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) فحسب، بل يعوضهما أيضًا إدخال الماء الجاري في القاعات والأفنية، وغرس النباتات في الأفنية، ولا شك أن ذلك كان بتأثير الشرق، عن طريق إفريقية فيما يحتمل.

والفن الزخرفي الذي كان ينشد إخفاء الفقر في بناء هذه القصور كان هو الخلف المباشر لفن عصر الخلافة. وإن كان قد صحبه تطور نحو الفن الباروكي، وهو فن إسباني في جوهره، وذلك بتحويل العناصر المعمارية لقرطبة ومدينة الزهراء إلى عناصر أخرى زخرفية بحتة تقوم على أشكال متشابكة ومعقدة وزخارف غزيرة.

والقصر الذي بناه المقتدر بن هود (441 - 474 هـ = 1049 - 1081 م) بجوار سرقسطة مباشرة يمثل خير تمثيل الفن الذي عرف عن عصر ملوك الطوائف.

وكان القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) -أي في الفترة التي بسلط فيها المرابطون والموحدون سيادتهم على الأندلس -من أخصب العصور في الفن الإسلامي المغربي، وهو في الوقت نفسه من العصور التي حدث فيها أعظم تمثل للأشكال التي خرجت من شرق البحر المتوسط.

وظل المرابطون -وهم أولئك البدو البربر من إفريقية الذين خلا وفاضهم

ص: 1351

من التقاليد الثقافية- على هامش النزعة الفنية، بيد أن الاتحاد السياسي بين الأندلس وبلاد البربر فترة تربو على قرن (القرن السادس = الثاني عشر الميلادي، والسنوات الأولى من القرن السابع الهجري = الثالث عشر الميلادي)، وهو الاتحاد الذي تم أولًا في عهد المرابطين ثم في عهد الموحدين، انتهى إلى انتشار الفن الأندلسيّ عبر مضيق جبل طارق إلى أقاليم تغلب عليها الحضارة الريفية وليست فيها مراكز حضرية كبيرة.

ويكشف بناء مساجد المرابطين ما طرأ عليها من تغيرات بالقياس إلى المساجد الأندلسية الأولى، ولعل هذا كان نتيجة لتأثير بلاد ما بين النهرين. فبدلا من الأعمدة -التي كانت حتى ذلك الوقت تفصل المقصورات- بنوا عمدًا من الآجر، وأدى هذا إلى ازدياد رسوخ البناء وأتاح لهم فرصة الاستغناء عن العروق الخشبية، وإن كان هذا قد أدى أيضًا إلى فقدان في مساحة الفراغ وضعف في وضوح الرؤية، ويبدو المصلى المشيد على دعامات من الآجر دائمًا كئيبًا ومملا إذا قورن بالمصلى الذي يقوم على أعمدة.

ولم يبق في الأندلس مسجد واحد من المساجد التي بناها المرابطون. ولعل المساجد الجامعة في تلمسان والجزائر، الخالية أصلا من الزخارف، قد شيدت في السنوات الأخيرة من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) قبل أن يصل التأثير الأندلسيّ إلى الشاطئ الإفريقى. وقد حدث هذا في عهد علي بن يوسف (500 - 537 هـ = 1106 - 1143 م)، فقد ازدان خلاله المسجد في تلمسان بزخارف أندلسية رائعة وغزيرة تكسو وجه المحراب والجدران وقبة المقصورة السابقة له. وقد أكملت هذه الزخرفة في قول نقش بخط النسخ هو جزء من هذه الزخرفة، سنة 350 هـ (1136 م).

وقام علي بن يوسف حوالي عام 529 هـ (1135 م) بتوسيع مسجد القرويين في فاس، وهو لا يزال محرمًا على غير المسلمين، وفي هذا المسجد عقود متقاطعة من الواضح أنها من أصل قرطبي وقبوات من المقرنصات

ص: 1352

(في الأسبانية Mocarabes) يرجع أصلها إلى بلاد الفرس أو العراق، وهي تعبر بعض المقصورات. والحق إن ما تتسم به هذه الزخرفة من كمال عجيب يكشف عن أن هذا العمل لم يكن التجربة الأولى في ممارسة هذه العناصر المجلوبة من الخارج.

وخير ما يمثل أسلوب المرابطين في الزخرفة هو قبة البروديين بمراكش، ولعلها شيدت بين عامي 514 و 526 هـ (1120 - 1130 م). والجزء الأوسط من هذا البناء الصغير المستطيل الشكل تغطيه قبة صغيرة من الآجر المقوس. وفي داخل القبة ثمانية عقود متقاطعة على هيئة تشبه عقود القبة التي تغطى المقصورة التي قبل المحراب في مسجد قرطبة. والعقود مختلطة المخطوط في هذا النموذج المراكشي، وتتألف من تيجان وقسي وزوايا قائمة، والأوجه التي تضمها بين مستويات عقودها يكسوها -مثل كل الأوجه الأخرى تقريبا- توريق دقيق من الجنة يحيط بمراوح كبيرة. وهذا صنع أندلسيّ يتميز بفخامة فوق التصور وخيال خصيب، وهو يعبر بأسلوب بليغ عن النزعة المناهضة للكلاسية إلى التجزئة والإسراف في الزخرف، وهي النزعة التي تنبثق في مواسم في مجرى تاريخ الفن الأندلسيّ.

أما الموحدون الذين كانوا مثل أسلافهم يفتقرون إلى التقاليد الثقافية، تحكمهم نزعة الزهد التي تملكتهم وأنكرت كل ترف وكل إسراف بما يتفق مع حركة تهدف إلى إحياء ما كان عليه الإِسلام في أول عهد من طهر ونقاء، فقد أثرت نزعتهم هذه في التطور الفني بوضع قيود صارمة على الزخرفة ردتها إلى ضروراتها الجوهرية، وجعلت لها نطاقا محددًا تحديدًا دقيقا يقوم على أسس عامة بسيطة. ولم يبق مصلى واحد مما بناه الموحدون في الأندلس، ولذلك فإننا لا نعرف هل امتدت هذه الخصائص إليها أيضًا؛ وبقايا المسجد الجامع في إشبيلية الذي أكمل بناؤه في عهد يعقوب المنصور (572 - 594 هـ = 1176 - 1198 م) تحملنا على أن نفترض أنها تكشف عن زخارف أفخم

ص: 1353

من الزخارف التي أبقى عليها الزمن في المغرب.

وأثر الموحدون في التطور الفني في نواح أخرى أيضًا، فقد ألهمتهم ذكرى ما كانت عليه الخلافة القرطبية من عظمة ماثلة في عمائرهم فشيدوا مساجد ضخمة روعي فيها تناسق النسب وحسن التخطيط، ومآذن متينة عالية، وأبواب مدن تتسم بالكبر، وأقواس نصر حقيقية تكريمًا لأسرتهم المالكة.

ويظهر في بقية قصور المرابطين والموحدين طرازان من الأفنية بلغا فيما بعد درجة معجبة من التطور في فن غرناطة: الطراز الأول هو الفناء ذو السبيلين المستعرضين يحدثان أربعة أحواض مربعة للنبتات وتبرز على الجوانب القصيرة جواسق (القصر الصغير في مرسية القديمة)، والطراز الثاني هو الذي يضم رواقًا واحدًا على جانب واحد أو جانبين منه (الجبس في قصر إشبيلية).

وتستخدم العمارة العسكرية للموحدين في الأندلس خططا مأخوذة من العمارة البوزنطية لم تكن قد عرفت بعد في المغرب، كالأبواب المقوسة (أسوار بطليوس وإشبيلية ولبلة)، وأبواب المدينة الضخمة، والأبراج المضلعة (قاصرش وبطليوس وإشبيلية)، والأبراج الخارجة عن الأسوار (قاصرش وبطليوس وإستجة). ووصل من الشرق مع المقرنصات الخط النسخ (زخارف جصية في مورور بغرناطة، وفي القصر الصغير بمرسية) خزف مزجج أو مبرنق استخدم للزخرفة المعمارية من الخارج. وأول نموذج عرف من ذلك في الأندلس يوجد في برج الذهب بإشبيلية (617 هـ - 1220 - 1221 م).

وبعد سقوط إمبراطورية الموحدين كانت آخر قاعدة للمسلمين في أسبانيا هي مملكة غرناطة الصغيرة التي أسست قبل منتصف القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي) بقليل وقصر الحمراء الذي يحظى بشهرة عالمية هو وجميع العمائر

ص: 1354

الأخرى الباقية تقريبا من هذا العهد الأخير، وهي لا ترجع إلى تاريخ أقدم من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).

والفن المأثور عن بيت بني نصر -أو فن غرناطة- هو مرحلة أخيرة مشرقة للإسلام في شبه الجزيرة احتفظ بمركزه إلى حد ما على هامش الفن الرسمي لأسرة الموحدين، وقد أثراه فن الموحدين وبعض الفنون المجلوبة من الشرق دون إغفال التغيرات التي طرأت عليه مع المتقدم الجامد للزمن. وهذا الفن يمثل أيضًا في مظهره الزخرفي إحياء التقليد الوطني في استخدام الزخرفة الكثيفة المسطحة الرقيقة بعد انحراف الموحدين القصير الأمد عن ذلك؛ ونحن لا نعرف مدى انتشار هذا التقليد في الأندلس.

وقد زين صناع غرناطة المهرة الأيام الأخيرة لحضارة مشرفة على الزوال بأبدع نماذج لما تستطيع كان تأتي به عبقرية الإنسان وفنه في مجال الزخرفة، ذلك أنهم صنعوا بمواد فقيرة هشة كتلا ضخمة قوية بسيطة وأجرامًا معمارية بحتة مثل برج قمارش وباب العدل في الحمراء، وإنشاءات لطيفة منسقة تتسم بالأصالة مثل فناء قصر البركة، وأروقة داخلية خططت بمهارة مثل تلك التي رتبت على التدريج من بهو الأسود إلى قاعدة درجة في القصر الملكي بغرناطة، وقد شيدوا في الوقت نفسه تحصينات أهم من تحصينات الموحدين الأندلسية التي أبقى عليها الزمن. وازدادت غرناطة ثراء بالعمائر العامة، من دور وقصور منمقة بفن شائق بديع. وكان لكل مبنى -من المساكن المتواضعة إلى القصور الملكية التي تكتنف المدينة- أفنيته ونافوراته وأحواضه وأرصفته المكسوة بالقرميد الزاهي اللون وزخرفته الجصية وسطوحه الخشبية التي ضمت بمهارة.

وفي قصر الحمراء الملكي -الذي احتفظ به على نحو عجيب على الرغم من رهافة بنائه الشديدة- يتجلى فن غرناطة ويكتسب خصائصه المتسمة

ص: 1355

بالفخامة والعظمة. فبهو البركة وبهو الأسود اللذان شيدا في منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) هما تطور على الولاء للأنماط ذات الأروقة المعمدة التي أقيمت على جوانب قصيرة ولها سبيلان مستعرضان مما أثر عن عهد المرابطين. وتحدث المقرنصات في قصر الحمراء قبوات مركبة تغطى المنحنيات الخارجية للعقود وتقوم بدور الحدائر وتغطى وجه بعض التيجان، وفوق الوزرات المصنوعة من اللكاط البراق (فسيفساء من القرميد الملون)، نجد جدران الحجرات قد كسيت بحشوات جصية تبدو كالسجاجيد، وقد اشتملت هذه الحشوات على وحدات زخرفية نباتية (أوراق منقسمة إلى وريقات أصغر حسب تقاليد المرابطين، وأخرى ناعمة مأخوذة من زخرفة الموحدين) مختلطة برسوم هندسية مركبة ونقوش بالخطين الكوفي والنسخ. وثمة ثروة هائلة من الزخرفة في قصر الحمراء، بيد أن قلة عدد النقوش البارزة والترتيب المنسق على الجدران داخل الحشوات يتحاشى أي إحساس بزحمة زخرفها زحمة تخل بنسقها، فالكل متناسق خفيف الظل يسر الناظرين.

وكانت غرناطة في الوقت الذي كانت تقام فيه هذه القصور تثرى ببناء سلسلة من العمائر ذات الشأن: الفندق (Alhondiga Nueva) والمدرسة التي أكملت سنة 750 هـ (1349 م) والمارستان، أي مصحة المجانين (767 - 768 هـ = 1365 - 1367 م). وهذه المباني الثلاثة -ولم يبق منها إلا الأول- تطابق خطط البناء الأجنبية ولكن شكلها يمثل الطراز المحلي.

وفي النصف الأول من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) الذي يقترن بالاضمحلال السياسي الأخير لغرناطة نجد فن غرناطة قد عجز عن التزود بمدد جديد من شرقي البحر المتوسط وأنهك قواه النزوع إلى الرفاهات واللطائف المعجبة وإن كانت عقيمة، ذلك أنه أخذ يكرر نفسه ويعيش في نطاق الماضي فحسب، فأصبح بذلك

ص: 1356

يدور في قالب فارغ. وظل هذا الفن قائما في صورته المتحجرة هذه بالمغرب عدة قرون، ونكاد نقول إنه لا يزال يعيش على هذا النحو إلى اليوم.

ولقد عمدت التجارة -التي كان معظمها في يد اليهود والشاميين- إلى أن توزع في جميع أرجاء الأندلس الكثير من المنتجات والفنون الزخرفية والصناعية المعروفة في الشرق، وكان نقل عدد منها يسيرًا. وفي عهدي عبد الرحمن الثاني وابنه هشام الأول، غلبت نزعة إلى الترف الرفيع والبهرج في قرطبة بتأثير بغداد وبوزنطة. وسرعان ما نمت في الأندلس صناعة المنسوجات والمجوهرات ومنتجات العاج والخزف والأثاث

إلخ، منتجات تقلد المنتجات المستوردة لإرضاء مطالب الجمهور الغفير من العملاء في بلاد المسلمين والممالك النصرانية في شبه الجزيرة وشمالي جبال البرانس. وكانت النسخة أحيانا مطابقة للأصل مطابقة يصعب معها القول: هل خرجت بعض الأصناف من بلاد واقعة في الطرف الآخر من البحر المتوسط أم صنعت في الأندلس؟ ومن المستحيل، في حالة المشغولات البرونزية المختلفة على النمط الفاطمي، أن نقطع: هل صنعت في مصر أم في الأندلس. ولا نستطيع أن نقول على وجه اليقين: هل خرجت بعض المصنوعات من مصانع العباسيين أو من مصانع الأندلس إلا بعد فحص دقيق كل الدقة.

ولم يهن نشاط المصانع الأندلسية في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، ولكن ذلك حدث في القرن التالي فحسب عندما وضع تزمت الخلفاء الموحدين الأوائل قيدًا على ذلك وخاصة فيما يتصل بالمصانع السلطانية. وعلى النقيض من هذا وصلت الحرف الصناعية إلى ذروة من التطور والروعة في مملكة غرناطة على الرغم من صغر رقعتها. ولم يتقصر أمر هذه الصناعات على سد حاجات بلاط عرف بالتبذير والإسراف، بل إن تصدير منتجات أرباب هذه الحرف ساعد على إعانة عدد من السكان كبير كانوا مضطرين إلى أداء جزية باهظة إلى ملك قشتالة.

وكان الأثاث الديني في الأندلس -ابتداء من القرن الرابع الهجري (العاشر

ص: 1357

الميلادي) على الأقل على درجة من الفخامة والإتقان تفوق التصور. وقد كتب مؤرخ في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي): "إن أمهر أرباب الحرف متفقون في الرأى على أن منابر مسجد قرطبة ومسجد الكتبية في مراكش هي أبدع المنابر على الإطلاق. والمشارقة -كما يتبين من منشآتهم- ليسوا خبراء في الحفر على الخشب" وفي رواية للإدريسي أن منبر المسجد الجامع في قرطبة لا نظير له في العالم، وقد صنع في عهد الحكم الثاني. ويوصف بأنه نموذج لا يبارى لفن صنع الأثاث الرفيع المطعم بالعاج والخشب الرقيق.

أما منبر الكتبية، فقد صنع في قرطبة بين عامي 534 هـ (1139 م) و (538 هـ (1143 م). وهو مكسو بزخرفة رقيقة تتألف من أشكال هندسية متشابكة في ألواح مطعمة مكونة من قطع خشبية صغيرة ثمينة ذات ألوان مختلفة تحف بها قشرة رقيقة من العاج، بينما تملأ المحفورات الخشبية النفيسة الفراغات بين المخطوط الزخرفية المتشابكة.

ومن أعظم الأمجاد الفنية للخلافة علب المجوهرات والقوارير المصنوعة من العاج التي يجب البحث عن سوابقها في مجال الثقافة البوزنطية. وكانت هذه الأدوات تصنع في مصانع البلاط في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) والنصف الأول من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)؛ والتوريقات هي السمة الغالبة في زخرفتها، على الرغم من أنه لم يكن هناك نقص في رسوم الحيوانات والكائنات البشرية التي ترجع أصولها في بلاد ما بين النهرين إلى عهود سابقة على الإِسلام.

وكذلك حققت صناعة الخزف تطورًا فريدًا في الأندلس، وكان يصنع في عهد الخلافة ما يعرف باسم "خزف مدينة الزهراء" أو "خزف مدينة إلبيرة" ذلك أن عدة نماذج منه وجدت بين أطلال هاتين المدينتين. وكانت الزخرفة على خلفية بيضاء تتكون من أشكال مرسومة باللون الأخضر (أكسيد النحاس) في إطار أسمر داكن (من

ص: 1358

المنجنيز). وهذا الخزف من أصل بوزنطي، ولكنه تطور مستقل بنفسه في الأندلس.

وورد من العراق وإيران القاشاني الذهبي الثمين، وهناك شاهد من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) على صناعته في الأندلس، ومع ذلك قد تكون صناعته هناك أقدم من هذا التاريخ. وبلغت الأصول الفنية لهذا الترف أقصى درجات تطورها وكمالها في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) بإخراج منتجات فريدة في شكلها ونفاستها مثل زهريات ملقا الرائعة التي تفخر بها تلك المتاحف والمقتنيات التي تشمل نماذج نادرة أبقى عليها الزمن. وبعضها لا نجد عليه إلا زخرفا من الذهب، وفي البعض الآخر تمتزج الزخرفة الذهبية باللون الأزرق. ولدينا كسر من الخزف من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) تفصل بين ألوانها أطر من صفائح رقيقة (cuerda Seca) يبدو أنها صناعة أسبانية، ومن جهة أخرى هناك فخار منقوش غير مزجج يبدو أنه لم يظهر إلا في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي).

وهناك عدة نماذج من "الديباج" المشهور استوردت من بغداد وهي تدل على أوج ازدهار صناعة الحرير في القرون الوسطى، وهذه النمادج محفوظة في أسبانيا. ويرد ذكر أقمشة شآمية - sir) ico) وبوزنطية (Grecisco) في وثائق عديدة عن أسبانيا النصرانية في القرنين الرابع الهجري (العاشر الميلادي) والخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) وهي تدل على أن الأقمشة الفاخرة الصادرة من الشرق قد وصلت إلى أسبانيا.

وكان في إشبيلية وقرطبة في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مصانع تنتج "الطراز"، أي الأقمشة الحريرية والأقمشة المقصبة المصممة خصيصًا لصنع أردية تلبس في

ص: 1359

الاحتفالات. وكانت الأقمشة والأردية تعد من أثمن الهدايا. وحظيت أنوال المرية بشهرة كبيرة في عهد المرابطين. وفي خلال ذلك العهد كان التقليد الساساني المتبع في الزخرفة لا يزال ساريا، وكان يتألف من دوائر متماسة وتصاوير لحيوانات منسقة داخلها في تناسب على الأصول الفنية والأسلوب المتبعين في القصبة العباسية. وحرم ملوك الموحدين "الطراز" واختفت الدائرة آنذاك من الأقمشة الحريرية، وحلت محلها زخارف هندسية وزخارف مكونة من خطوط مستقيمة ومنحنية، ومتوازيات أضلاع وأشكال كثيرة الأضلاع على هيئة نجمة .. إلخ. وأخيرًا حدث منذ القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أن غلبت زخرفة تقوم على شرائط متوازية تحمل عناصر منقوشة وهندسية، وتعد الأقمشة الحريرية في غرناطة من هذا الطراز.

وقد أشرنا من قبل إلى المشغولات البرونزية في عصر الخلافة، من مصابيح إلى ثريات وقناديل وميازيب على هيئة حيوانات، وهاونات ومواقد للبخور .. إلخ. كما أشرنا إلى صعوبة إثبات منشئها الأصلي بسبب مشابهتها للمشغولات البرونزية الفاطمية. ويتضح كمال الأصول الفنية للأشغال المعدنية في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي من رقائق البرونز المحفورة والمنقوشة التي تغطي الأوراق الخشبية في باب رواق المسجد الكبير بإشبيلية، ومقارع أبوابه الفخمة المصنوعة من البرونز المصبوب أو المنقوش التي لا تزال موجودة في نفس البقعة التي صنعت فيها.

وقد احتفظت المتاحف والمقتنيات بنماذج من أساور فضية مطروقة يرجع تاريخ صنعها إلى عهد الخلافة. والأسلوب الفني للطرق أقل شيوعًا في صياغة الذهب التي تغلب فيها المصوغات المزركشة المخرمة وخيوط سلكية تكون تركيبات مرصعة بالأحجار الكريمة أو قطع الزجاج، وهذا الأسلوب الفني بقى

ص: 1360

حتى الأيام الأخيرة في مملكة غرناطة وهناك عدة سيوف من هذا الطراز مثل سيف أبي عبد الله المحفوظ في المتحف الحربي بمدريد، وهو رائعة من روائع الصياغة يتميز برشاقة متناهية، مقبضه مصنوع من العاج ومطلى بالفضة المذهبة وفيه زخرفة تقوم على الصياغة المزركشة، والتطعيم بالمينا الكثيرة الألوان المثبتة في إطارات.

المصادر:

(1)

Early Muslim X. A. C. Creswell Architecture جـ 2، أكسفورد سنة 1940.

(2)

Manuel d'art musul-: G. Marcais man، L'architecture جـ 2/ 1، باريس سنة 1926 - 1927.

(3)

arte arabe: M. Gomez Moreno El espanol hasta los Almohades، Arte i mozarabe في ، Ars Hispaniae جـ 3، مدريد سنة 1951.

(4)

art hispano mau-: H. Terrasse L' resque، des origins au XIIe siecle، تور سنة 1932.

(5)

Arte al-: L. Torres - Balbas mohade، Arte nazari Arte Mudjar في Ars Hispaniae جـ 4، مدريد سنة 1949 والمجلد 4 عن Historia de Es- pana . طبعة Menendez pidal مدريد سنة 1957.

د. يونس [ل. تورس بالباس - L . Torre-، Ral bas]

عاشرًا - العربية الأندلسية

1 -

تعد العربية التي يتحدث بها الناس في شبه جزيرة إيبيريا أفضل اللهجات العربية التي جاءت بعد اللغة الفصحى بالنسبة لفترة القرون الوسطى. وفي تاريخ متقدم يرجع إلى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كتب العالم اللغوي

ص: 1361

الزبيدي الأشبيلي رسالة عن أخطاء الكلام التي يقع فيها العامة بالأندلس.

وفي منتصف القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) نظم ابن قزمان بعض أزجال حافلة بالفوائد اللغوية والاجتماعية، وقد بقى الجانب الأكبر منها؛ كما نظم المتصوف الشسترى أيضًا في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أزجالا يعرف الناس منها دواوين عديدة. ومما يؤسف له أن طبيعة الموضوعات التي تناولتها هذه الأزجال المنظومة باللهجة الدارجة تدل على أنها أقل أهمية من الموضوعات التي تناولها الزجال السابق. وفي منتصف القرن الثالث عشر أيضًا أن إعادة غزو النصارى لمملكة بلنسية ومتطلبات الدعوة الدينية بين السكان المسلمين إلى وضع مفردات لغوية كثيرة لا يعرف من ابتدعها، وذلك باللغتين العربية واللاتينية، واللغتين اللاتينية والعربية، وقد نشرت هذه المفردات. وفي نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) أن إعادة غزو مملكة غرناطة إلى أن يجمع الراهب بدرو دى ألكالا بدوره شعرًا ومفردات لغوية، وقدم المفردات العربية في نسخة مكتوبة بالحروف الرومانية، وهذا المصنف الأخير قيم بصفة خاصة، ولكن النصوص المنثورة من هذا الشعر مخطئة في كثير من الأحيان.

وهذه هي المصادر الأساسية الوحيدة، ومع ذلك توجد مصادر ثانوية كثيرة وهي. ناظمو أزجال أقل من هؤلاء شأنا، وعدة "خرجات" من الموشحات. أما بالنسبة للنثر فهناك وثائق في المحفوظات ورسائل خاصة وقوائم حسابية

إلخ. وأخيرًا يشير مصنفو الكتب الفنية المحررة باللغة العربية الفصحى فيما يتعلق بالمفردات اللغوية إلى أسماء عديدة باللهجة الدارجة: وهم مؤرخون وجغرافيون وأطباء وعلماء نبات وعلماء زراعة، ومصنفون في الحسبة .. إلخ.

ص: 1362

وثمة مبرر للافتراض بأن العربية الأندلسية لا بد أن تكون قد خرجت من عداد اللغات الحية حوالي نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ولعل تاريخ زوالها يختلف باختلاف الولايات. وعلى أية حال فإن العرب الأندلسيين الذين أخرجوا من أسبانيا ووصلوا إلى تونس ومراكش حوالي عام 1610 كفوا، فيما يبدو، عن الحديث باللغة العربية وأخذوا يتحدثون باللغة الأسبانية. ومن ثم تكون الفترة التي كان الناس فيها يتحدثون بالعربية في شبه جزيرة إيبيريا قد استمرت ثمانية قرون. وهذه المدة الطويلة، مع تقسيم البلاد إلى وحدات طبيعية وسياسية منفصلة، إلى جانب اختلاف طبائع السكان العرب، كل هذا كان حريًا فيما يبدو أن يساعد على تكوين لهجات عربية قائمة بذاتها كما حدث داخل إطار اللغة الرومانية، ولكن الظاهر أن هذا لم يحدث. حقًّا إن الوثائق التي في حوزتنا متباينة من حيث الزمن والمكان، وهي لهذا تقف حجر عشرة في طريق عقد أي مقارنة تستحق الجهد. وليس في الإمكان القيام بأكثر من محاولة التمييز بين لهجات الجنوب (إشبيلية وقرطبة وغرناطة) ولهجات الشرق (بلنسية ومرسية) ولهجات الثغور (أراغون). وليس في حوزتنا فيما يختص بطليطلة إلا وثائق تسجيلية مدبجة في صيغة متخلفة أشد التخلف من اللغة الفصحى.

وصفوة القول أن العربية الأندلسية، بقدر ما نستطيع أن نقول، قد احتفظت فيما يظهر بدرجة عالية من التجانس. ولكن يجب ألا ننسى أن وثائقنا الوحيدة ترتبط بلهجات أهالي المدن، ومن المحتمل أن اللهجات الريفية -التي يتحدثها الناس الذين كانوا أقل نزوعا إلى التنقل من سكان المدن- قد تكون أكثر تفاوتا.

وعلى الرغم من أن العربية الأندلسية قد اندثرت حوالي نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) من حيث هي لغة حديث، فإنها بقيت في القصائد التي لا تزال

ص: 1363

تستخدم "كلمات" للألحان الأندلسية التي يعزفها ويغنيها سكان المدن من تونس إلى مراكش.

(2)

الخصائص العامة:

1 -

الصوتيات:

الحروف الساكنة:

كما هو الحال في جميع اللهجات التي جاءت بعد اللغة الفصحى، يمثل الحرف الجانبي (ض) صوتيا بحرف (ظ) أو استثناء بحرف (د). وبقيت الحروف التي تنطق من بين الثنايا: ت، د، ذ -حتى أواخر القرن الخامس عشر على الأقل -غرناطية. ويظهر أن حرف ج كان أصلًا حرفا احتكاكيًا: ج = ز، وفي ابن قزمان ومفردات بلنسية لا تدغم أداة التعريف، أما في مفردات غرناطة فتدغم، وهي في هذه الحالة يمكن أن تطابق النطق بحرف "ز" أو مع ترقيق العنصر الإطباقي الأول. وفيما يختص بحرف القاف هناك شاهد على وجود "قاف مرققة" في النطق الأسباني، ولكننا لا نعرف بالضبط ماهية هذا "الترقيق". وإلى جانب الحروف الساكنة في العربية الفصحى توجد في العربية الأندلسية الحروف التالية، وهي عادة في الكلمات المستعارة من اللغة الرومانية (أو تطورات من الطبقة الدنيا): حرفا ب، ج اللذان يكتبان بالعربية على التعاقب ب وجّ، وحرف G (روماني قديم أو إيبيري قوطي غربي) يرسم: غ، وهذا يخلق مشكلة لعلماء اللغة الرومانية. وهناك نزعة تستحق الذكر، تلاحظ بصفة خاصة في حرف ج، إذ يحذف حرف ن الأخير بعد حرفي "أي" مثل: أي "أين؟ " وبي " بين"، وشهرى، أي "شهرين".

الحروف المتحركة:

الحركات: يجب أن ننتظر رسم حرف ج في الحروف الرومانية لكي نكون فكرة عن التغيرات الطفيفة في نظام الحركات: الفتحة تتحول إلى إمالة a / e والكسرة تخفف: i / e والضمة تخفف: u / o، وتحكمها طبيعة الحروف

ص: 1364

الساكنة السابقة أو التالية. وهذا هو الموقف اليوم إلى حد كبير في اللهجة المغربية.

وكانت الحركات في المقاطع المفتوحة ثابتة نسبيا حتى نهاية القرن الخامس عشر. والحركة الوحيدة التي تعرضت للحذف هي الحركة التي تحدث في المقطع الثاني من مقطعين مفتوحين داخليين: يتكلم ويتخاصموا ودَخَلْت. وحركة الفتحة هي الغالبة بين الحركات. والحركة الغالبة في الأسماء هي حركة الفتحة المسألة مهما كانت طبيعة الحرف المتحرك المشدد السابق. وهي أيضًا الحركة في المقطع الأول من أسماء الآلة من الوزن القديم مِفْعَل وحركة المقطع الأخير في صيغ التصغير. وفي الأفعال تظهر الفتحة في بداية فعل الأمر لضمير المتكلم: أكتب! وفي بداية الأفعال المعتلة في صيغ الخماسي والسداسي والسباعي والثماني والمكون من عشرة حروف. وبالقياس إلى التلفظ في الأفعال الصحيحة تظهر هذه الخصيصة أيضًا في الأفعال المعتلة من كل الصيغ المشتقة (ما عدا الثلاثي أحيانا) وفي صيغتي الرباعي على السواء. ويبدو أن كثيرًا من الحركات (غير ممدودة ودائما غير مشددة) تفصل مجموعات الحروف الساكنة التي يصعب نطقها، وهذه المجموعة قد تكون ابتدائية (وهي عملية معروفة في اللغة العربية الفصحى) مثل أفرنطال بمعنى "أمامي" أو نهائية مثل:"كتبت - لك" يضاف إلى هذا في الشعر أن حركة فاصلة تظهر بكثرة بعد كلمة تنتهي بالحروف cvc وتتلوها كلمة تبدأ بحرف ساكن. ويمكن أن تكون داخلية كما يحدث في حالة أسماء من نوع راف ر 2 ر 2 التي يكون فيها حرف ر 2 إما ر أول أو ن أو م أو ب أو همزة مثل "شغَل" للشغل، و "عِجَل" للعِجْل، و"شغَل "للشغْل، و"رَطَب" للرَطْب، و"حمَر" للأحْمَر، وابِنْ زهَرْ لابْن زهر.

ص: 1365

الحروف الممدودة: يميل تتالي حرفي المد الألف والواو في الأسماء إلى أن يصبحا أي وأو. وحرف الألف الممدودة إذا لم يدعمه حرف ساكن يميل إلى أن يصبح من الحروف الحلقية. والمرحلة التي وصل إليها عن تقبل شديد هي الفتحة الممالة الممدودة، ويستخدم حرف الألف العربي بانتظام في "الخَمْيادو"(*) ليرسم حركة الحرف الروماني المتحرك e. وفي مفردات غرناطة يحتفظ بهذا النطق الأخير لحركة الألف الممدودة في المفردات اللغوية المدونة. وفي الكلمات (من غير الأفعال) التي تعد من المفردات اللغوية الدارجة يصل النطق اللهوي الأقصى إلى الياء الممدودة في "بيب" بمعنى باب إذ تكتب هذه الكلمة بالياء وليس بالألف.

حروف العلة المدغمة: لا تزال حروف العلة المدغمة أي ai وأو au باقية في صيغها الصحيحة فيما عدا بعض كلمات الوصل: كفْ، كَفْ = كَيفَ؛ لسْ، لَسْ = لَيْسَ.

الشكلة: لا نعرف هذه إلا فيما يتعلق بالقرن الخامس عشر، نتيجة للتعليقات التي قام قام بها ب. دى ألكالا p.de Alcala وجمعها ودرسها أ. شتيكر A.stiger وتبين عدة مخطوطات غرناطية مكتوبة بالحروف العربية أن الحركات في المقاطع المفتوحة تصبح حروفًا ممدودة بفعل تشديد الشكلة.

ب- الصرف:

الفعل: لا يوجد ضمير المخاطبة للمؤنث. وفي الزمن التام نجد أن الكاسعة التي تدل على ضمير المخاطبين هي: تُم. وفي الفعل الناقص تكون ضمائر على وزن نكتِّبٌ. وفي ضميري المتكلم والمخاطب للفعل التام نجد أن الأفعال "المضعفة" في صيغة ضمير المتكلم تتبع التصريف القديم: "حَلَلْتٌ أي فَتَحْتٌ". وفي حالة الفعل المتضمن

(*) Jamiados Al هم أولئك المسلمون الذين ظلوا في أسبانيا بعد سقوط غرناطة وتكلموا السبانية ولكنهم استمروا في كتابتها بحروف عربية.

ص: 1366

حرف"ر 3" المرقق يكون الجمع الناقص على وزن "يمسوا" أي يخرجوا و"يلتقو" أي يتقابلوا. وفي الصيغ المشتقة التي تشمل ضمير المخاطب تكون صيغة الفعل الناقص بالألف مثل صيغة التام. وقد ثبت استخدام المبنى للمجهول مع تغيير الحركة، ولكن هذا لا يحدث إلا في صيغة المتكلم، وأحيانا يحاكى بالسباعي. وبينما نجد أن معظم اللهجات التي استقرت فعلا قد ابتدعت صيغة للمضارع الدال على الحاضر، فإن العربية الأندلسية قد أبدعت مضارعًا عارضا يقوم أيضًا بوظيفة صيغة شرط لم يتحقق (بعد جملة اعتراضية بلو) وصيغة تمن، ويتكون من الفعل الناقص مسبوقا بكلمة كن (وفي مفردات غرناطة: كِنْ) التي يسكن آخرها والتي فيها يدغم حرف النون الأخير عادة بفعل الحرفين المزيدين ت، ى.

والتفعيلات الخاصة بالفعل الصحيح لصيغ الخماسي والسداسي هي أتفَعل وأتْفاعَل، وهي مشتقة على نحو فرعي من الفعلين المعتلين يتفَعَّل ويتفاعل. ولدينا على الأساس نفسه أتْفَعْلَل بالنسبة لصيغة المخاطب في الرباعي. ويلاحظ في هذه الصيغ أن حرف الزيادة ت لا يدغم في المخارج المطبقة من بين الثنايا فحسب، بل يدغم أيضًا في حروف الصغير: س، ز، ش. وفي الحرفين الاحتكاكيين: س، ج. وتستخدم في الجملة الاسمية حروف وصل مختلفة للنفي مشتقة من الحروف القديمة لَيس، لَسْ، لِسْ، بأس، وإس المستعملة في مفردات غرناطة. وأخير، يبدو أن استعمال الكاسعة "شي" لتأكيد الاستفهام أو النفي غير معروف.

الأسماء: توجد في الواقع أداة للتنكير مثل "وحد الفرس" أي "فرس ما" وواضح أن المثنى مهجور، وهو لا يستعمل إلا في أجزاء الجسم التي توجد أزواجا وفي الكلمات التي تعبر عن القياس. وصيغ المجموع أفعل

ص: 1367

وأفْعِلَة هي التي تستعمل عادة. أما صيغة مفاعيل فلا تستعمل إلا مع كل مفرد يكون الحرف المتحرك الثاني فيه ممدودًا. وتصغير الكلمات الثلاثية التي لا يكون فيها الحرف الأوسط أو الأخير ممدود، يكون على وزن فعَيل مثل "كلَيب" أي الكلب الصغير (مذكر) ولكن يقال "كليبة" للكلبة الصغيرة (مؤنث). وفي حالة التركيب تؤول نهاية الكلمة وهي الفتحة إلى أت.

الأعداد: بالنسبة لرقم "2" نجد كلمة "زوج" يتبعها الجمع. وتحتفظ الأعداد من رقم 11 إلى 19 في حالتها المطلقة بالنهاية - أر.

الصفات: يلاحظ في اللهجة الغرناطية أن تصغير اسم على وزن فُعَيْعَل يصاغ للنعوت التي على وزني كبير وأحمر.

الضمائر: ضمير المخاطب المفرد يكون بصيغ: أنت، أتَّ، أتْ، وضمير الغائب له صيغ مختصرة هي: هو، هي، هم؛ وهي تؤدي في الغالب وظيفة حروف الوصل في الجملة الاسمية. ومن جهة أخرى توجد الصيغ الممدودة: هوَتْ، هِيَتْ، هُمَتْ (صيغ للتوكى). وبالنسبة لضمير المتكلمين هناك كثير من الصيغ المختلفة: نحَنْ، نِحِنْ، نِحِنْتْ في مفردات غرناطة. والضمائر المنعكسة على صيغة أنا أنسى "أنا نفسي" وربما تؤدي كلمة نفسي. ونجد آثار اللكاسعة- آه في ضمير الغائبة (بعد حرف ساكن).

الأسماء الموصولة: أكثرها استعمالا هو "الذي" وهو مبنى. ونجده أحيانا يظهر في صورة "أدى" ابتداء من أزجال ابن قزمان، وهو يرد في مفردات غرناطة، وبصيغة غامضة هي أللى، ويحدث أن نجد بين اسم نكرة وبين صفة أو جملة (اسمية وفعلية) تصف هذا الاسم أداة وصل مبنية:"أن" وقد يكون لهذا ارتباط بالتنوين القديم في استعمال متطور جدًّا: "لحية- أن بيظه" أي لحية بيضاء؛ و"عينان- أن سود" أي: عينان سودوان؛ و"حواجب- أن رقاق" أي حواجب رقيقة؛ و"كلمت- أن

ص: 1368

فيها قاف" أي كلمة فيها حرف قاف؛ "قط -أن مذا- ل) قطة ضاعت منى؛ و"وقت- أن تذكر" أي في اللحظة التي يذكر فيها اسمك.

جـ - ف الجر: تستخدم كلمة متاع / متاع حرف جر يدخل، في الإعراب، على المفعول المعرف (اسما أو ضميرا) عندما تبدو الإضافة قبيحة. وتوجد الصيغة المختصرة. مَتَى / مِتِى) أي متى بين اسمين. ويستعمل حرف الجر "مع" للتعبير عن معنى يطابق معنى الفعل "يملك". ويصبح هذا الحرف قبل الكاسعات الشخصية التي تبدأ بحرف متحرك؛ ماع-:"ماع قطاع" أي عنده مال. أما حرف الجر "ذ" الذي يصادفه المرء غير قليل في النصوص الطليطلية فهو مجرد حرف منقول عن حرف الجر de في اللغة الرومانية.

كلمات وصل نحوية: يجب ملاحظة ما يأتي: "أشحال؟ " أي كم؟ ؛ و "بحال" أي مثل، و"ذاب" أي الآن؛ و"حرمة ف أش" أي ما السبب؟ و"مكاى" أي على آية حال، أو على الأقل؛ و"يدا" بمعنى أيضًا أو كذلك؛ و"نعمه" و"سرف" و"أكداس"؛ أي جدًّا أو كثيرا؛ و"شوى" أي قليلا؛ و"فوات" أي متأخرًا؛ و"إكنان" أي إذا "للدلالة على إن كان" وياعلا .. أي إن شاء الله .. (أتنم).

د. مفردات:

نوجه النظر إلى ما يأتي فحسب: "دُقام" أي فم؛ و"أج" أي وجه؛ والجمع "قطاع" أي نقود فضية؛ و"ولد" أي والد؛ و"مقارب" أي فقير أو سيئ؛ و"أكحل" أي أسود.

المصادر:

(1)

النصوص:

(1)

Le Divan d'Ibn Quz-: De Gunzburg man. كراسة رقم 1، (وهي الكراسة الوحيدة التي ظهرت): نسخة مصورة من الكراسة الوحيدة، برلين سنة 1896.

(2)

El Cancionero de aben Quz-: Nyki man ` مدريد سنة 1933 (والنص

ص: 1369

السابق مكتوب بالحروف الرومانية مع ترجمة لمختارات من الأزجال).

(3)

انظر العرض الوارد في Hesp، سنة 1933، ص 165.

(4)

Yocabulista in Arabico: Schiaparelli فلورنسة سنة 1871.

Arte para li-: Pedro de Alcala (5) - geramente saber la lengua arauigo - Vocxbulista araugio en Tetra cas tallana غرناطة سنة 1505 (نسخة مصورة أصدرتها - Hispan is Society of America، نيويورك سنة 1928).

(6)

طبعة ثانية نقح فيها جزء من الطبعة الأولى Pe-: Paul de Lagarde tri Hispani de lingua Arahica libn duo ، كوتنكن سنة 1883.

(7)

Martin de Ayala: - Doctrina، en len gua araniga y castellan، بلنسية سنة 1556 (نسخة مصورة نشرها Roque Chabas، بلنسية سنة 1911).

(8)

المخطوط العربي رقم 3. سنة 1389) من Fagnan cataligue of the Bibliothegue - Musee d'Alger تبين أنه يتكون من ترجمة إلى العربية الأندلسية قام بها أحد رجال الدين ويدعى - Bartolme Dor ador، في وادي آش، مأخوذة عن النص القشتالي الذي كتبه في عام 1555 م. دى أيالا M.de Ayala، وكان آنئذ أسقف وادي آش.

(9)

يافل: مجموع الأغاني والألحان من كلام الأندلس، الجزائر، طبعة غير مؤرخة.

(ب) دراسات خاصة:

(10)

Carta de Ahenaboo en: M.Alarcon arabe granadino ، . في Miscelanea de estudios y textos arabe.s، مدريد سنة 1915.

(11)

Glosario de: M. Asin Palacios Vnces romances، مدريد- غرناطة سنة 1943.

(12)

Sur une charte hispano: G.S. Colin

ص: 1370

1312 lslarabe de، سنة 1927 جـ 3.

(13)

الكاتب نفسه: Les voyaelles de dis unction dans l'arahe de Grenade ز au Xve siecle، في Memorial Basset PT . H- E M.، باريس سنة 1928، ص 211.

(14)

الكاتب نفسه: Notes sur l' arabe d'Aragon، في Islanica، مجلد 4، ص 159، سنة 1928.

(15)

الكاتب نفسه: Les trois inter- edentales de 1'arabe hispanique في. Hesp سنة 1930، ص 91.

(16)

الكاتب نفسه Un doument noveau sur l'arabe dialectal d'Occident au ، Xlle siecle في Hesp سنة 1931، جـ 1.

(17)

Glosario: De Eguilaz، غرناطة سنة 1886 (يحتوي على الكلمات العربية التي انتقلت إلى الأسبانية الرومانية).

(18)

Los mozarabes: Gonzalez Palencia de Toledo en los siglos XII y Xll 4 مجلدات، مدريد سنة 1926 - 1930.

(19)

Glosario: Simonet، مدريد سنة 1888 (يحتوي على الكلمات الإيبيرية واللاتينية المستخدمة في العربية الأندلسية).

(20)

A.Steiger: - Contribucion a la fonet

ica del hispano - arabe، مدريد سنة 1932 (انظر C. R. Colin في. Hesp سنة 1933، ص).

(21)

La negacion Katt en el: Neuvonen cancionero de Ibn Quzman، في Studia Orienta[in، جـ 17، 9، هلسنكى سنة 1952.

(22)

Un ncuevo texto: L.Seco de Lucena en arabe dialectal grenadine ، في al، Anadus-، جـ 20، سنة 1955، ص 153.

د. يونس [ج. س كولان Gs. Colin]

ص: 1371