المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الربا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: رواية الشعر هل هي مكروهة أم لا

- ‌ص: باب: العاطس يشمت كيف ينبغي أن يرد على من يشمته

- ‌ص: باب: الرجل يكون به الداء هل يُجْتَنَب أم لا

- ‌ص: باب: التخيير بين الأنبياء عليهم السلام

- ‌ص: باب: إخصاء البهائم

- ‌ص: باب: كتابة العلم هل تصلح أم لا

- ‌ص: باب: الكي هل هو مكروه أم لا

- ‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر

- ‌ص: باب: التكني بأبي القاسم هل يصلح أم لا

- ‌ص: باب: السلام على أهل الكفر

- ‌ص: كتاب الصرف

- ‌ص: باب: الربا

- ‌ص: باب: القلادة تباع بذهب وفيها خرز وذهب

- ‌ص: كتاب الهبة والصدقة

- ‌ص: باب: الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض

- ‌ص: باب: العمرى

- ‌ص: باب: الصدقات الموقوفات

- ‌ص: كتاب القضاء والشهادات

- ‌ص: باب: القضاء بين أهل الذمة

- ‌ص: باب: القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ص: باب: رد اليمين

- ‌ص: باب: الرجل تكون عنده الشهادة للرجل هل يجب أن يخبره بها؟ وهل يقبله الحاكم على ذلك أم لا

- ‌ص: باب: الحكم بالشيء فيكون في الحقيقة بخلافه في الظاهر

- ‌ص: باب: الحر يجب عليه دين ولا يكون له مال، كيف حكمه

- ‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده

- ‌ص: باب: الوليد يدعيه رجلان كيف حكمه

- ‌ص: باب: الرجل يبتاع السلعة فيقبضها ثم يموت أو يفلس وثمنها عليه دين

- ‌ص: باب: شهادة البدوي هل تقبل على القروي

الفصل: ‌ص: باب: الربا

‌ص: باب: الربا

ش: أي هذا باب في بيان أحكام الربا، وهو مصدر من رَبَى الشيء يربو إذا زاد، قال ابن الأثير: والأصل فيه الزيادة، رَبا المالُ يربوُ رَبْوًا إذا زاد وارتفع. والاسم: الرِّبَا مقصور. وفي الشرع: الزيادة على أصْل المال من غير عَقْد تَبَايُع، وله أحكام كثيرة في الفقه، يقال: أربَى الرجل يُربي فهو مُرْبٍ، ومنه الحديث:"من أجْبَي فقد أَرْبى"(1).

ص: حدثنا فهد بن سليمان بن يحيى، قال: ثنا محمَّد بن سعيد الأصبهاني، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله عليه السلام قال:"إنما الربا في النسيئة".

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن أسامة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا خالد -هو ابن عبد الله الواسطي- عن خالد -هو الحذاء- عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، عن رسول الله عليه السلام قال:"لا ربا إلا في النسيئة".

حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن عطاء:"أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس رضي الله عنهم فقال: أرأيت قولك في الصرف يعني الذهب بالذهب بينهما فضل، أشيءٌ سمعته من رسول الله عليه السلام أو شيء وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال ابن عباس: أما كتاب الله فلا أعلمه، وأما رسول الله عليه السلام فأنتم أعلم به، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله عليه السلام قال: إنما الربا في النسيئة".

(1) أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(5/ 173 رقم 2708) في ترجمة الضحاك بن النعمان بن يوسف ضمن حديث طويل.

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 335 رقم 795)، و (22/ 46 رقم 116)، وفي "المعجم الصغير"(2/ 285 رقم 1176).

ص: 264

حدثنا يونس، قال: أخبرني عبد الله بن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد قال:"قلت لابن عباس: أرأيت الذي تقول: الدينارين بالدينار والدرهمين بالدرهم؟ أشهد سمعت رسول الله عليه السلام يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، فقال ابن عباس: أنت سمعت هذا من رسول الله عليه السلام؟ فقلت: نعم، قال: فإني لم أسمع هذا، إنما أخبرنيه أسامة بن زيد، قال أبو سعيد: ونزع عنها ابن عباس".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أنا قيس -هو ابن الربيع- عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح السمان قال:"قلت لأبي سعيد: أنت تنهى عن الصرف، وابن عباس يأمر به؟! فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت: ما هذا الذي نفتي به في الصرف أشيء وجدته في كتاب الله أو سمعته من رسول الله عليه السلام؟! قال: أنتم أقدم صحبة لرسول الله عليه السلام مني، وما أقرأ من القرآن إلا ما تقرءون، ولكن أسامة بن زيد حدثني أن رسول الله عليه السلام قال: لا ربا إلا في النسيئة".

ش: هذه ستة طرق:

الأول: رجاله رجال الصحيح ما خلا فهدًا.

وأخرجه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعمرو الناقد، وابن أبي عمر - واللفظ لعمرو- قال إسحاق: أنا، وقال الآخرون: ثنا -سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: أخبرني أسامة بن زيد، عن النبي عليه السلام قال:"إنما الربا في النسيئة".

وأخرجه النسائي (1): عن عمرو بن علي، عن سفيان بن عيينة، نحوه.

الثاني: إسناده صحيح أيضًا، عن نصر بن مرزوق. . . . إلى آخره.

وأخرجه أبو يعلى والبزار (2) في "مسنديهما".

(1)"المجتبى"(7/ 281 رقم 4580).

(2)

"مسند البزار"(7/ 10 رقم 2548).

ص: 265

الثالث: أيضًا صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن عون الواسطي البزاز، شيخ البخاري في كتاب الصلاة، عن خالد الطحان، عن خالد الحذاء. . . . إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا إسماعيل، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنما الربا في النسأ".

الرابع: أيضًا صحيح، عن محمَّد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني شيخ أبي داود والنسائي، عن الوليد بن مسلم القرشي الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح المكي، عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك.

وأخرجه مسلم (2): ثنا الحكم بن موسى، قال: ثنا هقل، عن الأوزاعي، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح: "أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس، فقال له: أرأيت قولك في الصرف، أشيئًا سمعته من رسول الله عليه السلام أم شيئًا وجدته في كتاب الله عز وجل؟ قال ابن عباس: كلا، لا أقول، أما رسول الله عليه السلام فأنتم أعلم به، وأما كتاب الله فلا أعلمه، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله عليه السلام قال: ألا إنما الربا في النسيئة".

الخامس: أيضًا صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى. . . . إلى آخره.

قوله: "ونزع عنها ابن عباس" أي هذه الفتيا التي كان يفتي بها، وقد عقد الطبراني في "معجمه الكبير" (3) لذلك بابًا فقال: باب البيان في نسخ ذلك ورجوع ابن عباس عن الصرف ونهيه عنه، ثم أخرج فيه أحاديث منها ما رواه عن علي بن عبد العزيز قال: ثنا أبو نعيم، ثنا عبد السلام بن حرب، عن مغيرة -يعني ابن

(1)"مسند أحمد"(5/ 208 رقم 21864).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 128 رقم 1596).

(3)

"المعجم الكبير"(1/ 176 رقم 454).

ص: 266

مقسم- عن عبد الرحمن بن أبي نعم: "أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس، فشهد على رسول الله عليه السلام أنه قال: الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلًا بمثل، فمن زاد فقد أربى. فقال ابن عباس: أتوب إلى الله تعالى مما كنت آمر به، ثم رجع".

وقال البزار في "مسنده"(1): وحديث أسامة الذي روي في ذلك لا نعلم أحدًا قال به إلا الناقل له، وقد أنكر أبو سعيد الخدري كل ذلك على ابن عباس وحدثه في ذلك بما توقف عنه ابن عباس في ذلك الوقت برواية أبي سعيد عن النبي عليه السلام، ولا نعلم أحدًا بعد من فقهاء الأمصار في جميع الأقطار قال بحديث أسامة.

السادس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن عون الواسطي، عن قيس بن الربيع الكوفي، فيه مقال، عن حبيب بن أبي ثابت دينار، عن أبي صالح ذكوان الزيات. . . . إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (2): ثنا الحسين بن علي اليعمري، قال: ثنا القاسم بن عيسى الطائي، ثنا هشيم، عن سهل بن سالم، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح ذكوان:"أنه سأل ابن عباس عن بيع الذهب والفضة فقال: هو حلال بزيادة أو نقصان إذا كان يدًا بيد. قال أبو صالح: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال: هو حرام إلا مثلا بمثل، فأخبرت أبا سعيد بما قال ابن عباس وأخبرت ابن عباس بما قال أبو سعيد، فالتقيا وأنا معهما، فابتدأه أبو سعيد فقال: يا ابن عباس ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب والفضة تأمرهم أن يشتروه بنقصان أو زيادة ويدًا بيد؟! فقال ابن عباس: ما أنا أقدمكم صحبةً لرسول الله عليه السلام وهذا أسامة بن زيد والبراء بن عازب يقولان: سمعنا النبي عليه السلام".

قوله: "في النسيئة" أي إنما الربا حاصل في النسيئة، وهي البيع إلى أجل معلوم، يريد أن بيع الربويات بالتأخير من غير تقابض هو الربا، وإن كان بغير زيادة، وأصلها من نسأت الشيء: أخرته، وكذلك أنسأته، فعلت وأفعلت بمعنى.

(1)"مسند البزار"(7/ 15).

(2)

"المعجم الكبير"(1/ 173 رقم 438).

ص: 267

والنُّساءة -بضم النون: التأخير، وكذلك النسيئة على وزن فعيلة، تقول: نسأته البيع وأنسأته وبعته بنساءة وبعته بِكُلأَة أي بأخرة، وكذلك بعته بنسيئة أي بأخرة، وقد ذكره الجوهري في نسأ مهموز، ثم هذه العبارة تقتضي أن تقتصر حرمة الربا في النسيئة؛ لأنه ذكرها بأداة القصر، فتقتضي جواز بيع الربويات متفاضلة مع التقابض كما ذهب إليه ابن عباس وطائفة من أهل العلم، كما نذكره إن شاء الله تعالى، ولكن المراد منه ربا القرآن الذي كان في النسيئة كما سيجيء مستقصًى إن شاء الله.

وقال عياض: جاء في رواية مسلم (1): "الربا في النسيئة" وفي بعض طرقه: "إنما الربا في النسيئة"، وفي بعض طرقه:"لا ربا فيما كان يدًا بيد".

وروى البخاري (2): "لا ربا إلا في النسيئة".

فإن قيل: كيف الوجه في بناء هذه الأحاديث مع قوله: "الذهب بالذهب. . . . الحديث". وفي آخره: "مِثْلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد" فقد أثبت الربا مع كونه يدًا بيد وهذا يمنع من حمله على أن المراد به النسيئة، حتى يكون مطابقًا لما تعلق به ابن عباس.

قيل: عنه ثلاثة أجوبة:

الأول: معناه لا ربا؛ لأنه العروض وما في معناها مما هو خارج عن الستة المنصوص عليها وعن ما يقاس عليه، ولا شك أن العروض يدخلها الربا نسيئة.

والثاني: أن يكون المراد الأجناس المختلفة من هذه الستة وأما ما في معناها فإنه لا ربا فيها إلا مع النسيئة، فيحمل ما تعلق به ابن عباس على هذا؛ حتى لا يكون بين الأحاديث تعارض.

(1) تقدم.

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 762 رقم 2069).

ص: 268

والثالث: أراد به إثبات حقيقة الربا، وحقيقته أن يكون في الشيء نفسه، وهو الربا المذكور في القرآن في قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (1)؛ لأنهم كانوا يقولون: إما أن تقضي أو تربي.

قوله: "أرأيت" معناه: أخبرني.

قوله: "أشيء سمعته" وقد جاء في رواية مسلم (2) الوجهان الرفع والنصب.

قوله: "أما كتاب الله فلا أعلمه" معناه لا أعلمه فيه مذكورًا.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلين بمثل جائز إذا كان يدًا بيد، واحتجوا في ذلك بما رويناه عن أسامة بن زيد، عن النبي عليه السلام.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: أبا مجلز لاحق بن حميد والحكم بن عتيبة وطاوسًا؛ فإنهم قالوا: بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب متفاضلا يجوز إذا كان يدًا بيد، وروي ذلك عن ابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم.

ص: وخالفهم في ذلك أكثر العلماء، فقالوا: لا يجوز بيع الفضة بالفضة ولا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل سواءً بسواءٍ يدًا بيدٍ.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم، وقالوا: لا يجوز بيع الجنس بالجنس من أحد النقدين إلا متماثلين يدًا بيدٍ.

ص: وكان من الحجة لهم في تأويل حديث ابن عباس عن أسامة رضي الله عنهم الذي ذكرناه في الفصل الأول أن ذلك الربا إنما عنى به ربا القرآن الذي كان أصله في النسيئة؛ وذلك أن الرجل كان يكون له على صاحبه الدين، فيقول له: أجلني به إلى كذا وكذا، بكذا وكذا درهمًا أزيدكها في دينك؛ فيكون مشتريًا للأجل بمال،

(1) سورة البقرة، آية:[279].

(2)

تقدم.

ص: 269

فنهاهم الله عز وجل عن ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1)، ثم جاءت السنة بعد ذلك بتحريم الربا في الفضل في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وسائر الأشياء من المكيلات والموزونات على ما ذكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله عليه السلام فيما روينا عنه فيما تقدم من كتابنا هذا في باب بيع الحنطة بالشعير، فكان ذلك ربا حُرِّم بالسُّنة وتواترت به الآثار عن رسول الله عليه السلام حتى قامت به الحجة، والدليل على أن ذلك الربا المحرم في هذه الآثار هو عين الربا الذي رواه ابن عباس عن أسامة عن رسول الله عليه السلام: رجوع ابن عباس إلى ما حدثه به أبو سعيد عن رسول الله عليه السلام مما قد ذكرنا في هذا باب، فلو كان ما حدثه به أبو سعيد من ذلك في المعنى الذي كان أسامة حدثه به إذًا لما كان حديث أبي سعيد عنده بأولى من حديث أسامة، ولكنه لم يكن له علم بتحريم رسول الله عليه السلام هذا الربا حتى حدثه به أبو سعيد، فعلم أن ما كان حدثه به أسامة عن رسول الله عليه السلام كان في ربا غير ذلك الربا.

ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لأهل هذه المقالة، وأراد به الجواب عن حديث أسامة بن زيد الذي رواه عن ابن عباس، وهو ظاهر.

قوله: "على ما ذكره عبادة بن الصامت" أخرج الطحاوي حديثه في باب بيع الحنطة بالشعير مرفوعًا من ستة طرق، وموقوفًا عليه، وقد ذُكِرَت هناك مفصلة، وقد ذكرنا أن مسلمًا وإسحاق بن راهوية والترمذي والنسائي أخرجوه، وقال الترمذي: على حديث أبي سعيد العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي عليه السلام وغيرهم، وقال ابن قدامة: حديث الربا في النسيئة محمول على الجنسين، ولأنه مجمل وغير مفصل.

قوله: "والدليل" مبتدأ، وخبره قوله:"رجوع ابن عباس"، وقد ذكرنا عن قريب عن الطبراني روايته في رجوع ابن عباس، فروى إسحاق بن راهويه أيضًا عن روح،

(1) سورة البقرة، آية:[278].

ص: 270

ثنا حيان بن عبيد الله -وكان رجل صدق- قال: "سألت أبا مجلز عن الصرف، فقال: يدًا بيد، كان ابن عباس لا يرى به بأسًا ما كان منه يدًا بيد، فأتاه أبو سعيد فقال له: ألا تتقي الله، حتى متى يأكل الناس الربا، أَوَ ما بلغك أن رسول الله عليه السلام قال: التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة؛ يدًا بيد عينًا بعين مثلًا بمثل، فما زاد فهو ربا؟! ثم قال: وكذلك ما يكال أو يوزن أيضًا، فقال ابن عباس لأبي سعيد: جزاك الله الجنة؛ ذكرتني أمرًا قد كنت أنسيته، فأنا أستغفر الله وأتوب إليه. فكان ينهى عنه بعد ذلك".

ص: فمما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو ما ذكره أبو سعيد: ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، قال: ثنا مالك بن أنس، عن مولى لهم، عن مالك بن أبي عامر، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين".

ش: "ما حدثنا" في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"فمما [روي] (1) عن رسول الله عليه السلام".

ورجاله ثقات غير أن يعقوب بن حميد فيه مقال، ومالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس، روى له الجماعة.

والحديث أخرجه مالك في "موطإه"(2) عن جده بلفظٍ بلغه عن جده مالك بن أبي عامر .. إلى آخره.

قال أبو عمر: هكذا هذا الحديث في "الموطإ" عند جماعة رواته فيما علمت.

ورواه ابن أبي حازم عن مالك، عن مولى لهم، عن مالك بن أبي عامر. وابن أبي حازم من كبار أصحاب مالك، ويقال: إن اسم هذا المولى سنان. ولا يصح.

(1) ليست في "الأصل، ك"، وهي في متن الكتاب.

(2)

"موطأ مالك"(2/ 633 رقم 1301).

ص: 271

ويروي هذا الحديث بُكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن مالك بن أبي عامر، عن عثمان، مسندًا.

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا عمرو بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: ثنا مخرمة -يعني ابن بكير- عن أبيه، قال: أخبرني سليمان بن يسار، أن مالك بن أبي عامر حدثه، عن عثمان بن عفان، عن النبي عليه السلام قال:"لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين".

وهذا الحديث قد رواه أبو سهيل بن مالك، عن أبيه، عن عثمان، رواه عاصم بن عبد العزيز، وعاصم فليس بالقوي، ولا نعلم يروى عن عثمان إلا من حديث مالك بن أبي عامر عنه.

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، أن حميد بن قيس حدثه، عن مجاهد المكي:"أن صائغًا سأل عبد الله بن عمر: إني أصوغ ثم أبيع الشيء بأكثر من وزنه ذلك، واستفضل من ذلك قدر علمي، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يرد عليه المسألة، ويأباه عليه عبد الله بن عمر، حتى انتهى إلى دابته أو إلى باب المسجد، فقال له عبد الله: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا عليه السلام إلينا، وعهدنا إليكم".

ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وأخرجه مالك في "موطإه"(2). وفيه:

النهي عن التفاضل بالدنانير والدراهم إذا بيع شيء منها بجنسه.

قال أبو عمر (3): قوله: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم" إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره، بدليل إرسال ابن عمر الجواب على

(1)"مسند البزار"(2/ 37 رقم 382).

(2)

"موطأ مالك"(2/ 633 رقم 300).

(3)

"التمهيد"(2/ 242).

ص: 272

سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، بدليل قوله عليه السلام: "الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلًا بمثل وزنًا بوزن ولا أعلم أحدًا من العلماء حرم التفاضل في المضروب العين من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا شيء جاء عن معاوية بن أبي سفيان روي عنه من وجوه، وقد أجمعوا على خلافه، فأغني إجماعهم على ذلك عن الاستشهاد فيه بغيره.

ص: حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أبي الخليل، عن مسلم المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني: أنه شهد خطبة عباة، أنه حدث عن النبي عليه السلام، أنه قال:"الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، والبر بالبر كيلًا بكيل، والشعير بالشعير، ولا بأس ببيع الشعير بالتمر والتمر أكثرهما يدًا بيد، والتمر بالتمر، والملح بالملح من زاد أو استزاد فقد أربى".

ش: أخرجه الطحاوي في باب بيع الشعير بالحنطة، عن سليمان بن شعيب، عن الخصيب بن ناصح، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي الخليل صالح بن أبي مريم البصري، عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث شراحيل بن آدة الصنعاني، عن عبادة.

وهؤلاء كلهم ثقات، وقد ذكرنا هناك أن النسائي (1) أخرجه، واستوفينا الكلام في معناه وحكمه.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: أنا حسين بن حفص الأصبهاني، قال: ثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، والبر بالبر مثلًا بمثل، والتمر بالتمر مثلًا بمثل، والملح بالملح مثلًا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى".

(1)"المجتبى"(7/ 276 رقم 4563) وقد تقدم.

ص: 273

ش: هذا أيضًا أخرجه في الباب المذكور، عن سليمان بن شعيب، عن وهيب، عن همام، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة.

وأخرجه الترمذي (1): ثنا سويد بن نصر، قال: أنا عبد الله بن المبارك، قال: أنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت، عن النبي عليه السلام. . . . إلى آخره نحوه. وقال: حديث حسن صحيح.

وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، أحد الأئمة الأعلام.

وأبو الأشعث شراحيل بن آدة الصنعاني.

ص: حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا الفضل بن حبيب السراج، قال: ثنا حيان أبو زهير، عن ابن بريدة، عن أبيه:"إن النبي عليه السلام اشتهى تمرًا فأرسل بعض أزواجه -ولا أراها إلا أم سلمة- بصاعين من تمر، فأتوا بصاع من عجوة، فلما رآه النبي عليه السلام أنكره، فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا: بعثنا بصاعين فأتينا بصاع، فقال: ردوه، فلا حاجة لي فيه".

ش: الفضل بن حبيب السراج مولى الأزد، ذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وسكت عنه.

وحيَّان -بالحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف- بن عبيد الله أبو زهير مولى بن عدي -ذكره ابن حبان في "الثقات".

وابن بريدة هو عبد الله بن بريدة، روى له الجماعة.

وأبوه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

وأخرجه (ابن عدي)(2) في ترجمة حيان.

(1)"جامع الترمذي"(3/ 541 رقم 1240).

(2)

في "الأصل، ك": "ابن أبي عدي"، وأظنه سبق قلم من المؤلف، والحديث عند ابن عدي في "الكامل"(2/ 425) في ترجمة حيان بن عبيد الله المذكور.

ص: 274

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عاصم بن محمَّد، قال: حدثني زيد بن محمَّد، قال: حدثني نافع، قال:"مشى عبد الله بن عمر إلى رافع بن خديج في حديث بلغه عنه في شأن الصرف، فأتاه فدخل عليه فسأله عنه، فقال رافع: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: لا تشفوا الدينار على الدينار، ولا الدرهم على الدرهم، ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز، وإن استنظرك حتى يدخل عتبة بابه".

ش: أبو بكرة بكار القاضي، وعمر بن يونس بن القاسم الحنفي قاضي اليمامة، روى له الجماعة عن عاصم بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، روى له الجماعة، وزيد بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أخو عاصم بن محمَّد المذكور، روى له مسلم والنسائي.

قوله: "لا تَشِفُّوا" أي لا تزيدوا، يقال: شَفَّ الشيء يَشِفُّ، مثال حَمَلَ يَحْمِلُ حملًا إن زاد، والشَّف والشِّف: الثوب الرقيق، وقال الكسائي: شف الثوب يشفِ -بكسر- شفوفًا وشفيفًا إذا رقَّ حتى حكى ما تحته، وقال ابن السكيت: الشف أيضًا النقصان، وهو من الأضداد، يقال: هذا درهم يَشفُّ قليلًا أي ينقص، وقال ابن عباد: شف الشيء يشف إن تحرك وشف جسمه، يشف شفوفًا أي نحل، وشفه الهم يشُفَّه -بالضم- أي هزله، والشُّفافة -بالضم- بقية الماء في الإناء، والشفشاف الريح الباردة، وثوب شفشاف إذا لم يحكم عمله.

قوله: "بناجز" أي: حالٍ وحاضرٍ.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم، قال: أنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع قال:"انطلقت مع عبد الله بن عمر إلى أبي سعيد. . . . فذكر مثله غير قوله: "وإن استنظرك. . . ." إلى آخر الحديث، فإنه لم يذكره.

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله. . . . فذكر مثله بإسناده.

ص: 275

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عارم -هو محمَّد بن الفضل السدوسي شيخ البخاري، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: نا ليث، ونا محمَّد بن رمح قال: أنا الليث، عن نافع:"أن ابن عمر قال له رجل من بني الليث: إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله عليه السلام-في رواية قتيبة- فذهب عبد الله ونافع معه -وفي حديث ابن رمح: قال نافع: فذهب عبد الله وأنا معه- والليثي حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال: إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله عليه السلام نهى عن بيع الورق بالورق إلا مثلا بمثل، وعن بيع الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، فأشار أبو سعيد بأصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله عليه السلام يقول: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تَشِفُّوا بعضه على بعض، ولا تبيعوا شيئًا غائبًا منه بناجز، إلا يدًا بيد".

الثاني: عن محمَّد بن نصر، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن عبيد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع. . . . إلى آخره.

وأخرجه البزار في "مسنده": نا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه لقي أبا سعيد الخدري، فحدثه أن رسول الله عليه السلام قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم يدًا بيد مثلًا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى".

وأخرج الطحاوي نحوه من حديث سالم بن عبد الله.

ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الذهب بالذهب مثلًا بمثل الكفة بالكفة، والفضة بالفضة

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1208 رقم 1584).

ص: 276

مثلًا بمثل الكفة بالكفة، والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد، والشعير بالشعير مثلا بمثل يدًا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدًا بيد، حتى ذكر الملح".

ش: إسناده صحيح.

وحكيم بن جابر بن طارق الأحمسي، وثقه يحيى بن حبان.

وهذا الطريق أخرجه الطحاوي عن عبادة بن الصامت، في باب:"بيع الشعير بالحنطة متفاضلًا" من سبع طرق خلاف هذا الطريق.

وبهذا الطريق أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(1).

وأخرجه النسائي (2) وساقه من وجه آخر، عن حكيم، قال: أخبرت عن عبادة. وقد شرحنا هذا الحديث هناك مستقصًى.

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن، أن سهيل بن أبي صالح أخبره، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورِق بالورِق إلا وزنًا بوزن مثلًا بمثل سواءً بسواءٍ".

حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدرهم بالدرهم لا زيادة، والدينار بالدينار، ولا تَشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز".

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي سعيد الخدري.

و"الوَرِق" بفتح الواو وكسر الراء: الفضة.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 278 رقم 10264).

(2)

"المجتبى"(7/ 277 رقم 4566).

ص: 277

قوله: "سواءً بسواءٍ" أي متساوية.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد العزيز بن أبي رواد ميمون المكي، عن نافع .. إلى آخره.

وأخرجه البزار في "مسنده": نا محمَّد بن معمر، نا أبو عاصم، نا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام أنه قال:"الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلًا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى".

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني رجال من أهل العلم منهم مالك بن أنس، أن نافعًا مولى ابن عمر حدثهم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله عليه السلام مثله.

ش: هذا طريق آخر وهو أيضًا صحيح.

وأخرجه مالك في "موطإه"(1).

وأخرجه مسلم (2): عن يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تَشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلًا بمثل ولا تَشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز".

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن عبد المجيد بن سهيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة:"أن رسول الله عليه السلام استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال له رسول الله عليه السلام: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، والله يا رسول الله؛ إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاث، فقال رسول الله عليه السلام: فلا تفعل، بع الجميع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبًا".

(1)"موطأ مالك"(2/ 632 رقم 1299).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1208 رقم 1584).

ص: 278

ش: إسناد صحيح. ورجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه مالك في "موطإه"(1)، والبخاري (2) ومسلم (3) من حديث مالك نحوه.

وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني.

قال أبو عمر: اختلف على مالك في اسم هذا الرجل، فقال يحيى بن يحيى عنه فيه: عبد الحميد، وتابعه ابن نافع وعبد الله بن يوسف التنيسي، وروى بعض أصحاب ابن عيينة عن ابن عيينة عنه حديثه هذا فقال فيه: عبد الحميد، كما قال يحيى وابن نافع والتنيسي.

وقال جمهور رواة "الموطإ" عن مالك فيه: عبد المجيد، وهو المعروف عند الناس، كذلك قال فيه الدراوردي وسليمان بن بلال وابن عيينة في غير هذا الحديث.

وقال أيضًا: ذكر أبي هريرة في هذا الحديث لا يوجد من غير رواية عبد الحميد ابن سهيل، وإنما يحفظ هذا الحديث لأبي سعيد الخدري، كذلك رواه قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري. انتهى.

وأخرج البيهقي (4) هذا الحديث من حديث سليمان بن بلال، عن عبد المجيد بن سهيل، أنه سمع ابن المسيب، أن أبا هريرة وأبا سعيد حدثاه:"أن رسول الله عليه السلام بعث أخا بني عدي الأنصاري، فاستعمله على خيبر فقدم معه جنيب، فقال: له رسول الله عليه السلام: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله؛ إنا نشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال: لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان".

وقال أبو عمر (5): كل من روى حديث عبد الحميد بن سهل هذا عنه بإسناده

(1)"موطأ مالك"(2/ 623 رقم 1292).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 767 رقم 2089).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1215 رقم 1593).

(4)

"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 285 رقم 10298).

(5)

"التمهيد"(20/ 56 - 59) بتصرف.

ص: 279

عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة وأبي سعيد، عن النبي عليه السلام، ذكر في آخره:"وكذلك الميزان"، إلا أن مالكًا لم يذكره في حديثه وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه، كل يقول على أصله أن ماذا حكمه في الجنس الواحد من جهة التفاضل والزيادة لم يجز فيه الزيادة والتفاضل لا في كيل ولا في وزن، والوزن والكيل عندهم في ذلك سواء إلا ما كان أصله الكيل لا يباع إلا كيلًا وما كان أصله الوزن لا يباع إلا وزنًا، وما كان أصله الكيل فبيع وزنًا فهو عندهم مماثلة وإن كرهوا ذلك، وما كان موزونًا فلا يجوز (أن يباع)(1) كيلًا عندهم أجمعين؛ لأن المماثلة لا تدرك بالكيل إلا فيما كان كيلًا لا وزنًا اتباعًا للسنة، قال صلى الله عليه وسلم:"البر بالبر مُدَّيْن بِمْدَّين".

وأجمعوا أن الذهب والورق والنحاس وما أشبه ذلك لا يجوز شيء من هذا كله كيلًا بكيل بوجه من الوجوه، وكذلك كل موزون لا يباع كيلًا بكيل على كل حال من الأحوال.

وأجمعوا أيضًا أن التمر بالتمر لا يجوز بعضه ببعض إلا مثلًا بمثل، وسواءٌ فيه الطيب والدون، وأما الجنيب من التمر فقيل: هو الجنس الواحد غير المختلط، والجمع المختلط، وقيل: الجنيب التمر الذي قد أخرج منه حشفه ورديئه، وبيع التمر الجمع بالدراهم وشراء الجنيب من رجل واحد يدخله ما يدخل الصرف في بيع الذهب بدراهم، والشراء بتلك الدراهم دنانير من رجل واحد في وقت واحد، والمراعاة في ذلك كله واحدة.

قلت: "الجنيب" -بفتح الجيم، وكسر النون، بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، وفي آخره باء موحدة- قال ابن الأثير: هو نوع جيد معروف من أنواع التمر.

و"الجمع": بفتح الجيم وسكون الميم. قال ابن الأثير: كل لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع، وقيل: الجمع تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبًا فيه وما يخلط إلا لردائته.

(1) تكررت في "الأصل".

ص: 280

ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا المعلى بن المنصور الرازي، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو النضر، عن عبد الله بن حنين:"أن رجلًا من أهل العراق قال لعبد الله ابن عمر: "إن ابن عباس رضي الله عنهم قال -وهو علينا أمير: من أُعطي بالدرهم مائة درهم فليأخذها، فقال عبد الله بن عمر: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله عليه السلام: الذهب بالذهب وزنًا بوزن مثلًا بمثل فمن زاد فهو ربا. وقال ابن عمر: إن كنت في شك فاسأل أبا سعيد الخدري عن ذلك، فسأله، فأخبره أنه سمع ذلك من رسول الله عليه السلام، فقيل لابن عباس ما قال ابن عمر، فاستغفر ربه وقال: إنما هو رأى مني".

ش: أبو أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، شيخ النسائي وأبي عوانة الإسفراييني، وثقه أبو داود.

والمعلى بن منصور الرازي شيخ البخاري في غير الصحيح، وهو أحد أصحاب أبي حنيفة الأعلام، له ذكر في "الهداية"، قال العجلي: ثقة صاحب سنة، روى له الجماعة.

وابن لهيعة عبد الله بن لهيعة المصري، فيه مقال.

وأبو النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي المدني، روى له الجماعة.

وعبد الله بن حنين القرشي الهاشمي، مولى العباس بن عبد المطلب، روى له الجماعة.

ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى، عن التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد:"أن رجلًا أتى النبي عليه السلام بتمر أنكره فقال: أنَّي لك هذا؟! قال: اشتريته بصاعين من تمر، قال: أضعفت أربيت -أو أربيت أضعفت".

حدثنا عبد الله بن محمَّد بن خُشَيْش، قال ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هشام قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، قال: "أتي النبي عليه السلام بصاع تمر ريَّان، وكان تمر النبي عليه السلام بقلًا، فقال: أنَّى لكم هذا؟ فقالوا:

ص: 281

يا رسول الله، بِعْنَا صاعين من تمر بصاع من هذا، فقال: لا تفعلوا ذلك ولكن بيعوا تمركم واشتروا من هذا".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله عليه السلام: "دينار بدينار، ودرهم بدرهم، وصاع تمر بصاع تمر، وصاع بُرٍّ بصاع بُرٍّ، وصاع شعير بصاع شعير لا فضل بين شيء من ذلك".

حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي عن يحيى قال: حدثني عقبة بن عبد الغافر، قال: حدثني أبو سعيد الخدري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صاع تمر بصاعين، ولا حنطة بصاعين، ولا درهم بدرهمين".

ش: هذه أربعة طرق صحاح:

[. .](1) عن يحيى بن سعيد القطان الأحول، عن [. .](1).

وأخرجه أحمد في "مسنده" نا معتمر، عن [. .](1) أتى رسول الله عليه السلام بتمر فأنكره، فقال: أنى لك هذا؟ قال: اشتريته بصاعين تمر [. .](1) صلى الله عليه وسلم: أربيتم".

الثاني: رجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن خشيش [. .](1).

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: نا خالد بن الحارث، نا سعيد -يعني: ابن أبي عروبة- عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري:"أن النبي عليه السلام أتي بتمر ريان -وكان تمر نبي الله عليه السلام بعلًا فيه يبس- فقال: أنى لكم هذا التمر؟ فقالوا: ابتعنا صاعًا بصاعين من تمرنا. قال: لا، ولكن بع تمرك ثم ابتع حاجتك".

[. .](1) من روى يروي من باب عمل يعلم وأراد به التمر الذي [. .](1) بفتح الباء الموحدة وسكون العين المعجمة، أو هو التمر الذي [. .](1) ولا غيرها، وفي تمرها يابسًا له صوت.

(1) طمس بالأصل.

(2)

"مسند أحمد"(3/ 45 رقم 11430).

ص: 282

الثالث: رجاله كلهم رجال الصحيح، [. .](1) عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب المدني، عن الحارث بن عبد الرحمن القرشي العامري خال ابن أبي ذئب وثقه ابن حبان، وروى له الأربعة، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي سعيد سعد بن مالك.

الرابع: عن محمَّد بن عبد الله، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن ابن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير الطائي، عن عقبة بن عبد الغافر الأزدي العوذي البصري، روى له البخاري ومسلم.

وأخرجه مسلم (2): ثنا إسحاق بن منصور قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال: ثنا معاوية.

وحدثني محمَّد بن سهل التميمي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي واللفظ لهما جميعًا، عن يحيى بن حسان قال: نا معاوية -وهو ابن سلام- قال: أخبرني يحيى -وهو: ابن أبي كثير- قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر يقول: سمعت أبا سعيد يقول: "جاء بلال بتمر برني، فقال له رسول الله عليه السلام: من أين هذا؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم التيي، فقال رسول الله عليه السلام عند ذلك: أوه عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر، ثم اشتريه" لم يذكر ابن سهل في حديثه: "عند ذلك".

ص: حدثنا ابن مرزوق قال: نا عثمان بن عمر قال: أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن بلال قال:"كان عندي مدّ تمر للنبي عليه السلام، فوجدت أطيب منه صاعًا بصاعين فاشتريت، فأتيت به النبي عليه السلام، فقال: من أين لك هذا يا بلال؟ فقال: اشتريته صاعًا بصاعين. فقال: رده، وردّ علينا تمرنا".

ش: إسناده صحيح. وإسرائيل هو ابن يونس بن [. .](1) أبي إسحاق هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، ومسروق هو ابن الأجدع.

(1) لعل هنا سقطًا في المخطوط.

(2)

"صحيح مسلم"(5/ 1215 رقم 1594).

ص: 283

وأخرجه الطبراني (1): نا محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا يحيى بن معين، ثنا عثمان بن عمر، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن بلال رضي الله عنه قال: "كان عندي تمر لرسول الله عليه السلام، فوجدت ما هو خير منه صاعًا بصاعين، فاشتريته، فأتيت به رسول الله عليه السلام، فقال: ما هذا؟ فقلت: اشتريت صاعًا بصاعين. فقال: رد علينا تمرنا (2).

ص: رسول الله عليه السلام يوم خيبر يبايع اليهود وفيه: "الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله عليه السلام: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن".

ش: عبد الله بن لهيعة فيه مقال.

وعامر بن يحيى بن جَشِيب الشرعبي المصري، وثقه أبو داود والنسائي، وروى له مسلم والترمذي وابن ماجه.

وخالد بن أبي عمران التجيبي التونسي قاضي إفريقية، قال ابن سعد: كان ثقة، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

و"حَنَش" -بفتح الحاء المهملة والنون وفي آخره شين معجمة- بن عبد الله أبو رشدين الصنعاني، قال العجلي وأبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري.

و"السَّبَائي" -بفتح السين المهملة والباء الموحدة- نسبة إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وفضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاري الأوسي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه أبو داود (3): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن ابن أبي جعفر، عن الجلاح أبي كثير، قال: حدثني حنش الصنعاني، عن فضالة بن عبيد قال: "كنا مع رسول الله عليه السلام يوم خيبر نبايع اليهود، الأوقية من الذهب بالدينار -قال غير

(1)"المعجم الكبير"(1/ 359 رقم 1097).

(2)

يوجد هنا سقط في "الأصل، ك".

(3)

"سنن أبي داود"(3/ 249 رقم 3353).

ص: 284

قتيبة: بالدينارين والثلاثة- وقال رسول الله عليه السلام: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن".

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا المعلى بن منصور، قال: أنا عباد وعبد العزيز ابن المختار، عن يحيى بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، وأمرنا أن نبيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب كيف شئنا".

ش: المعلى قد مَرَّ عن قريب.

وعباد هو ابن العوام أبو سهل الواسطي، روى له الجماعة.

وعبد العزيز بن المختار الأنصاري الدباغ البصري، روى له الجماعة.

ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي البصري، روى له الجماعة.

وعبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي، روى له الجماعة.

وأبوه أبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه النسائي (1): عن أحمد بن منيع، عن عباد بن العوام، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه نحوه.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا نافع بن يزيد، قال: أنا ربيعة بن سليم مولى عبد الرحمن بن حيان التجيبي، أنه سمع حنش الصنعاني يحدث عن رويفع بن ثابت في غزوة إياس قِبَلَ المغرب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: "بلغني أنكم تتبايعون المثقال بالنصف والثلثين، وإنه لا يصلح إلا المثقال بالمثقال والوزن بالوزن".

ش: ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم المصري -شيخ البخاري.

ونافع بن يزيد الكلاعي المصري، روى له البخاري مستشهدًا، والباقون سوى الترمذي.

(1)"المجتبى"(7/ 280 رقم 4578).

ص: 285

وربيعة بن سُليم -ويقال: ابن أبي سليم، ويقال: ابن سُليمان، ويقال: ابن أبي سليمان- التجبي المصري، وثقه ابن حبان.

وحنش مَرَّ ذكره عن قريب.

ورويفع بن ثابت بن سكن الأنصاري، نزيل مصر، توفي ببرقة وهو أمير عليها.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا يحيى بن أيوب الملائي، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا نافع بن يزيد. . . . إلى آخره نحوه سواء.

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: سمعت مالكًا يقول: حدثني موسى بن أبي تميم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال:"الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا زهير بن محمَّد، عن موسى بن أبي تميم. . . . فذكر بإسناده مثله.

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك. . . . إلى آخره.

وأخرجه مالك في "موطإه"(2).

ومسلم (3): عن أبي الطاهر عن ابن وهب، عن مالك. . . . إلى آخره نحوه.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن زهير بن محمَّد التميمي العنبري الخرقي، عن موسى بن أبي تميم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة.

(1)"المعجم الكبير"(5/ 25 رقم 4479).

(2)

"موطأ مالك"(2/ 632 رقم 1298).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1212 رقم 1588).

ص: 286

وأخرجه مسلم (1): عن عبد الله بن مسلمة، قال: ثنا سليمان -يعني ابن بلال- عن موسى بن أبي تميم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما".

وهذا كما رأيت قد أخرج الطحاوي أحاديث هذا الباب عن اثني عشر نفرًا من الصحابة رضي الله عنهم وهم: عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وبريدة ابن الخصيب، ورافع بن خديج وأبو سعيد الخدري وعمر بن الخطاب وبلال المؤذن وفضالة بن عبيد وأبو بكرة نفيع بن الحارث ورويفع بن ثابت وأبو هريرة رضي الله عنهم.

قلت: وفي الباب عن أبي بكر حديثه عند البزار، وهشام بن عامر حديثه عند الطبراني، والبراء بن عازب حديثه عند الشيخين، وزيد بن عاصم حديثه عند الشيخين أيضًا، وأبي الدرداء حديثه عند النسائي. وقد ذكرنا الجميع بأسانيده في باب بيع الشعير بالحنطة متفاضلًا.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فثبتت بهذه الآثار المتواترة عن رسول الله عليه السلام النهي عن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب متفاضلة. وكذلك سائر الأشياء التي قد ذكرت في هذه الآثار التي رويناها، فالعمل بها أولى من العمل بحديث أسامة الذي قد يجوز أن يكون تأويله على ما قد ذكرنا في هذا الباب.

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها عن الصحابة المذكورين، وأراد بالتواتر التكاثر والظهور، والتأويل الذي ذكره في حديث أسامة هو قوله: وكان من الحجة لهم في تأويل حديث ابن عباس عن أسامة رضي الله عنهم وقد مَرَّ مستوفًى.

ص: ثم هذا أصحاب رسول الله عليه السلام من بعده قد ذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الروايات عن رسول الله عليه السلام أيضًا:

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن جبلة بن سحيم، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "خطب عمر رضي الله عنه فقال: لا يشتري أحدكم دينارًا

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1212 رقم 1588).

ص: 287

بدينارين ولا درهمًا بدرهمين ولا نقيرًا بنقيرين، إني أخشى عليكم الرماء، وإني لا أوتى بأحد فعله إلا قد أوجعته عقوبةً في نفسه وماله".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، عن شعبة، عن الأشعث، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: "لا يأخذ أحدكم درهما بدرهمين؛ فإني أخشى عليكم الرماء".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا أبي، قال: سمعت نافعًا، قال: حدثني ابن عمر، قال: خطب عمر رضي الله عنه فقال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورِق بالورِق إلا مثلًا بمثل، ولا تَشِفُّوا بعضها على بعض؛ فإني أخاف عليكم الرماء".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه مثله.

قال أبو جعفر: فهذا عمر بن الخطاب يخطب بهذا على منبر رسول الله عليه السلام بحضرة أصحابه، فلا ينكره عليه مُنْكِر، فدل ذلك على موافقتهم له عليه.

ش: أراد أن الصحابة رضي الله عنهم قد ذهبوا في ذلك أي في بيع أحد النقدين بالآخر إلى ما تواترت -أي تكاثرت- به الروايات عن النبي عليه السلام أيضًا.

وأخرج في ذلك عن عمر بن الخطاب من أربع طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن شعبة، عن جبلة بن سحيم التيمي الكوفي، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا علي بن مسهر، عن الشيباني، عن جبلة بن سحيم، عن عبد الله بن عمر، عن عمر قال:"أيها الناس لا تشتروا دينارًا بدينارين ولا درهمًا بدرهمين، فإني أخاف عليكم الرماء، قيل: وما الرماء؟ قال: هو الذي تدعونه الربا".

(1)"مصنفه ابن أبي شيبة"(4/ 498 رقم 22495).

ص: 288

الثاني: عن ابن مرزوق أيضًا، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن الأشعث بن أبي الشعثاء الكوفي، عن أبيه أبي الشعثاء سُليم بن أسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، عن عبد الله بن عمر.

الثالث: عن ابن مرزوق أيضًا، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث جرير بن حازم، سمعت نافعًا يقول:"كان ابن عمر يحدث عن عمر في الصرف ولم يسمع فيه من النبي عليه السلام شيئًا، قال: قال عمر رضي الله عنه: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلًا بمثل سواءً، ولا تَشِفُّوا بعضه على بعض؛ إني أخاف عليكم الرماء. قلت لنافع: وما الرماء؟ قال: الربا".

الرابع: عن ابن مرزوق أيضًا، عن عارم -وهو محمَّد بن الفضل السدوسي- شيخ البخاري، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر.

قوله: "الرماء" بفتح الراء والميم ممدودا، وهي الزيادة على ما لا يحل، ويروى: الأرماء، يقال: أرمى على الشيء إرماءً إذا زاد عليه، كما يقال: أربى إرباء.

قوله: "ولا تَشِفُّوا" أي لا تفضلوا، من الشف وهو الربح والزيادة، وقد حققناه مرة.

ص: ثم قد روي في ذلك أيضًا عن أبي بكر وعلي وغيرهما من أصحاب رسول الله عليه السلام ما يوافق ذلك أيضًا:

حدثنا بحر بن نصر، عن شعيب بن الليث، عن موسى بن عُلَيّ، حدثه عن أبيه، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص قال: "كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد حين قدموا الشام: أما بعد، فإنكم قد هبطتم أرض الربا فلا تتبايعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن، ولا الورق بالورق إلا وزنًا بوزن، ولا الطعام

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 279 رقم 10270).

ص: 289

بالطعام إلا كيلًا بكيل. قال أبو قيس: قرأت كتابه".

ش: أي: ثم قد روي في النهي عن بيع أحد النقدين بالآخر متفاضلا، عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب ما يوافق ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

وإسناد ما رواه عن أبي بكر صحيح.

وموسى بن عُلَيّ -بضم العين وفتح اللام- أبو عبد الرحمن المصري أمير مصر لأبي جعفر المنصور، وثقه يحيى وأحمد والنسائي.

وأبوه: عُلي بن رباح اللخمي أبو موسى المصري، قال العجلي: مصري تابعي ثقة. روى له الجماعة؛ البخاري في غير "الصحيح".

وأبو قيس مولى عمرو بن العاص اسمه عبد الرحمن بن ثابت، روى له الجماعة.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا الحسن بن الربيع، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن المغيرة بن مقسم، عن أبيه، عن أبي صالح السمان قال:"كنت جالسًا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال: تكون عندي الدراهم فلا تنفق في حاجتي، أفأشتري بها دراهم تجوز عني وأُهْضَمُ فيها؟ قال: فقال علي رضي الله عنه: لا، اشتر بدراهمك ذهبًا ثم اشتر بذهبك وَرِقًا ثم أنفقها فيما شئت".

ش: الحسن بن ربيع البجلي، شيخ الجماعة غير الترمذي.

وأبو إسحاق الفزاري اسمه إبراهيم بن محمَّد بن الحارث الكوفي روى له الجماعة.

والمغيرة بن مقسم الضبي الكوفي الفقيه الأعمى، روى له الجماعة.

وأبوه: مقسم الضبي، مسكوت عنه (1).

وأبو صالح السمان اسمه ذكوان، روى له الجماعة.

قوله: "فلا تُنْفَق" على صيغة المجهول، أراد أنها لا تروج ولا تؤخذ في البيع والشراء.

(1) ذكره ابن حبان في "ثقاته" من رواية ابنه عنه (5/ 454).

ص: 290

قوله: "أفأشتري بها" الهمزة فيه للاستفهام، أي: هل أشتري بتلك الدراهم التي لا تنفق دراهم نافقة وهو معنى قوله: "تجوز عني".

وقوله: "واهضم فيها" أي أترك منها شيئًا، من قولهم: هضمت لك من حقي طائفة أي: تركت، وأصل الهضم: الكسر. قال الجوهري: هضمت الشيء: كسرته، يقال:

(1)

أسامة مما لم يثبته منه حديث أسامة مِن كثرة مَن نقله له من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قامت عليه به الحجة ولم يكن ذلك من حديث أسامة؛ لأنه خبر واحدٍ، فرجع إلى ما جاءت به الجماعة الذين تقوم بنقلهم الحجة، وترك ما جاء به الواحد الذي قد يجوز عليه السهو والغلط والغفلة، والذي ثبتنا في الصرف هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: لما أَوَّلَ ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من ذهابه إلى ما رواه عن أسامة بن زيد: "إنما الربا في النسيئة" بالتأويل المذكور؛ أَيَّدَ صحته بما روي عنه أنه رجع عن ذلك، وذلك لا يخلو عن أمرين:

أحدهما: أنه كان قد علم أن الذي حدثه أسامة إنما هو ربا القرآن، وعلم أن الربا الذي بالسنة خلاف ذلك.

والآخر: أنه كان قد ثبت عنده ما يخالف حديث أسامة، والدليل عليه ما أخرجه عن نصر بن مرزوق، عن الخَصَيب -بفتح الخاء المعجمة- بن ناصح الحارثي البصري، عن حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة المنذر بن مالك العوقي، عن أبي الصهباء صهيب مولى ابن عباس، وثقه ابن حبان، وروى له مسلم وأبو داود والنسائي.

وأخرج مسلم (2): نا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا عبد الأعلى، قال: أنا داود،

(1) هنا طمس بالأصل مقدار لوحة.

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1217 رقم 1594).

ص: 291

عن أبي نضرة قال: "سألت ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم عن الصرف [فلم يريا به بأسًا، فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري، فسألته عن الصرف] (1)، فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك؛ لقولهما،، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله عليه السلام، جاءه صاحب نخله بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبي عليه السلام هذا اللون، فقال له النبي عليه السلام: أَنَّى لك هذا؟ قال: انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا الصاع، فإن سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا، فقال رسول الله عليه السلام: ويلك؛ أربيت، إذا أردت ذلك فبع تمرك سلعة ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت. قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا أم الفضة بالفضة؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آت ابن عباس، قال: فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه".

وقال ابن حزم (2): وروى عنه أبو الصهباء أنه كرهه. وروى عنه طاوس ما يدل على التوقف، وروى الثقة المختص به خلاف ذلك كما حدثنا [هُمَام](3)، ثنا عباس بن أصبغ، ثنا محمَّد بن عبد الملك بن أيمن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، نا هشيم، أنا أبو بشر -هو جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"ما كان الربا قط في هاء وهات. وحلف سعيد بن جبير بالله ما رجع عنه حتى مات".

قوله: "قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد" وهو قول الشافعي ومالك وأحمد أيضًا، وهو قول جماهير الفقهاء من التابعين.

(1) ليست في "الأصل" ولعله انتقال نظر من المؤلف رحمه الله، والمثبت من "صحيح مسلم".

(2)

"المحلى"(8/ 483).

(3)

كذا في "الأصل"، وفي "المحلى":"البغوي".

ص: 292