الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: إخصاء البهائم
ش: أي هذا باب في بيان إخصاء البهائم، يقال: خصيت الفحل خِصَاءً -ممدود إذا سللت خصييه أي قلعتها ، ولم يذكر الجوهري أخصيته، وكلاهما يستعمل: خصيت وأخصيت، والأول أصح.
ص: حدثنا أبو خالد يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام نهى أن نُخْصِي الإبل والبقر والغنم والخيل، وكان عبد الله بن عمر يقول: منها نشأت الخلق فلا تصلح الإناث إلا بالذكور".
حدثنا يزيد، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن عبد الله بن نافع. . . . فذكر بإسناده مثله.
ش: أي روي بإسنادين:
الأول: عن يزيد بن سنان، عن أبي بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد البصري، أحد الأئمة الحنفية، روى له الجماعة، عن عبد الله بن نافع القرشي العدوي المدني، فيه مقال؛ فعن يحيى: ضعيف. وعن النسائي: متروك الحديث. روى له ابن ماجه.
عن أبيه نافع مولى ابن عمر.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: نا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال:"نهي رسول الله عليه السلام عن خصاء الخيل والبهائم. وقال ابن عمر: فيه نماء الخلق".
الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز، عن عبد الله بن يوسف التنيسي، شيخ البخاري، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 423 رقم 32577).
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1) من حديث جبارة بن المغلس، عن عيسى بن يونس، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:"نهى رسول الله عليه السلام عن إخصاء الإبل والبقر والغنم والخيل. وقال: إنما النماء في الحبَل".
تابعه يحيى بن اليمان، عن عبيد الله مرفوعًا، ورواه غير جبارة عن عيسي، فقال: عن عبيد الله بن عمر، ورواه جبارة أيضًا عن عيسى فقال: عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر:"نهى النبي عليه السلام".
وعبد الله بن نافع ضعيف يليق به رفع الموقوف.
قلت: رفع هذا الحديث غير صحيح، والصحيح أنه موقوف. والله أعلم.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا يحل إخصاء شيء من الفحول، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وبقول الله عز وجل:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (2)، قالوا: وهو الإخصاء.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عكرمة وعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان ومجاهدًا والحسن البصري، فإنهم قالوا: لا يحل إخصاء شيء من الفحول، واستدلوا علي ذلك بالحديث المذكور، وبقوله تعالى:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، قالوا: المراد به الإخصاء.
قال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال: سمعنا أنسًا يقول: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} قال: الخصاء".
وروي كراهة الخصاء أيضًا عن ابن عمر وأبيه عمر بن الخطاب وابن عباس وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 24 رقم 19580).
(2)
سورة النساء، آية:[119].
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 423 رقم 32581).
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما خيف عضاضه من البهائم، أو ما أريد شحمه منها فلا بأس بإخصائه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: محمَّد بن سيرين وأيوب السختياني، وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح -في الأصح عنه- والثوري والنخعي وأبا حنيفة، ومالكًا والشافعي وأحمد وأصحابهم إلا ما روي عن مالك من كراهة الخصاء في الخيل فقط.
قوله: "عضاضه". العضاض -بكسر العين- مصدر كالمعاضضة يقال: عضه وعَضَّ به وعضَّ عليه، وهما يتَعَاضَّان إذا عض كل واحد منهما صاحبه، وكذلك المعاضة والعضاض.
ص: وقالوا: هذا الحديث الذي احتج به علينا مخالفنا إنما هو عن ابن عمر موقوف وليس عن النبي عليه السلام.
فذكروا ما حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: أنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر مثله. ولم يذكر عن النبي عليه السلام.
فأما ما ذكروا من قول الله عز وجل: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (1) فقد قيل: تأويله ما ذهبوا إليه، وقيل: إنه دين الله عز وجل، وقد رأينا رسول الله عليه السلام ضحى بكبشين موجوءَين وهما المرضوض خصاهما، والمفعول به ذلك فقد انقطع أن يكون له نسل، فلو كان إخصاؤهما مكروهًا لما ضحى بهما رسول الله عليه السلام لينتهي الناس عن ذلك فلا يفعلوه؛ لأنهم متى علموا أن ما أخصي يجتنب ويتجافى؛ أحجموا عن ذلك فلم يفعلوه، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فيما روينا عنه في باب: ركوب البغال: "أنه أتي بعبد خصي ليشتريه فقال: ما كنت لأعين على الإخصاء" فجعل ابتياعه إياه عونًا علي إخصائه؛ لأنه لولا من يبتاعه لأنه خصي لم يَخْصِهِ من أخصاه، فكذلك إخصاء الغنم لو كان مكروهًا لما ضحى رسول الله عليه السلام بما قد أخصي منها،
(1) سورة النساء، آية:[119].
ولا يشبه إخصاء البهائم إخصاء بني آدم؛ لأن إخصاء البهائم إنما يراد به ما ذكرنا من سمانتها وقطع عَضِّها؛ فذلك مباح، وبنو آدم فإنما يراد بإخصائهم المعاصي فذلك غير مباح، ولو كان ما روينا في أول هذا الباب صحيحًا لاحتمل أن يكون أريد به الإخصاء الذي لا يبقى معه شيء من ذكور البهائم حتى يخصي، فذلك مكروه؛ لأن فيه انقطاع النسل، ألا تراه يقول في ذلك الحديث:"منها نشأت الخلق" أي فإذا فعل لم ينشأ شيء من ذلك الخلق، فذلك مكروه، فأما ما كان من الإخصاء الذي لا ينقطع معه نشؤ الخلق؛ فهو بخلاف ذلك.
ش: أي قال الآخرون، وهذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى ، بيانه: أن الحديث الذي احتجوا به أصله موقوف على ابن عمر ولا يصح رفعه عن النبي عليه السلام، أخرج ذلك الطحاوي عن محمَّد بن خزيمة، عن يحيى بن عبد الله بن بكير، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر.
ولم يذكر عن النبي عليه السلام، فإذا كان كذلك فلا تقوم به الحجة، ولئن سلَّمنا صحة رفعه فهو ضعيف الإسناد؛ فلا يصح الاحتجاج به.
قوله: "فأما ما ذكروا من قول الله عز وجل. . . ." إلى آخره. جواب عن احتجاجهم بقوله تعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (1)، بيان ذلك أنهم اختلفوا في تأويله؛ فقد قال بعضهم: تأويله ما ذكره أهل المقالة الأولي، وقال الآخرون: المراد به دين الله تعالي، روي ذلك البيهقي في "سننه"(2) من حديث ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:"يعني الفطرة الدين".
وروى أيضًا (3) من حديث المغيرة عن إبراهيم قال: يعني دين الله. وروي أيضًا نحو ذلك عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة.
(1) سورة النساء، آية:[119].
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 25 رقم 19582).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 25 رقم 19583).
قوله: "وقد رأينا رسول الله عليه السلام. . . ." إلي آخره. ذكره شاهدًا لما ذهب إليه أهل المقالة الثانية؛ وتصديقًا لما ادعوه، وهو ظاهر.
قوله: "ولا يشبه إخصاء البهائم. . . ." إلي آخره جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: يكره إخصاء البهائم كما يكره إخصاء بني آدم بالإجماع، والعلة قطع النسل وتعذيب الحيوان بلا فائدة، فأجاب عنه بقوله:"ولا يشبه. . . ." إلى آخره، وهو ظاهر.
قوله: "ولو كان ما روينا في أول هذا الباب. . . ." إلي آخره. جواب آخر عن حديث ابن عمر المذكور في صدر الكتاب بطريق التسليم، وتقريره أن يقال: وإن سلمنا أن هذا الحديث مرفوع وأنه صحيح الإسناد، ولكنه محمول علي معنى غير ما فهمه الخصم وهو قوله:"لاحتمل أن يكون أريد به. . ." إلى آخره، وهو ظاهر.
ص: وقد روي في إباحة إخصاء البهائم عن جماعة من المتقدمين:
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن عروة "أنه خصى بغلًا له".
حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا عبيد الله بن عمر، قال: ثنا سفيان، عن هشام ابن عروة، عن أبيه مثله.
حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا سفيان، عن ابن طاوس:"أن أباه أخصى جملًا له".
حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا عبيد الله القواريري، قال: ثنا سفيان، عن مالك بن مغول، عن عطاء، قال:"لا بأس بإخصاء العجل إذا خشي عِضَاضُه".
ش: أسانيد هذه الآثار صحاح.
وأبو نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري.
وابن أبي عمران هو أحمد بن موسى الفقيه البغدادي.
وعبيد الله بن عمر بن القواريري البصري، نزيل بغداد، وشيخ البخاري ومسلم وأبو داود، وابن طاوس هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، وسفيان هو الثوري، ومالك بن مغول البجلي الكوفي، وعطاء هو ابن أبي رباح المكي.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: أنا هشام: "أن أباه خصى بغلًا له".
ثنا وكيع (2) قال: ثنا مالك بن مغول قال: "سألت عطاء عن خصاء الخيل، قال: ما خيف عِضَاضَه وسوء خلقه فلا بأس به".
ثنا وكيع (3) قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن أبي بشير المدائني، عن الحسن قال:"لا بأس بخصاء الدواب".
ثنا أبو بكر (4)، ثنا بعض البصرين، عن أيوب، عن ابن سيرين قال:"لا بأس بخصاء الجمل؛ لو تركت الفحول لأكل بعضها بعضًا".
والله أعلم بالصواب.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 423 رقم 32587).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 423 رقم 32588).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 424 رقم 32589).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 424 رقم 32590).