المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: كتاب الهبة والصدقة - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: رواية الشعر هل هي مكروهة أم لا

- ‌ص: باب: العاطس يشمت كيف ينبغي أن يرد على من يشمته

- ‌ص: باب: الرجل يكون به الداء هل يُجْتَنَب أم لا

- ‌ص: باب: التخيير بين الأنبياء عليهم السلام

- ‌ص: باب: إخصاء البهائم

- ‌ص: باب: كتابة العلم هل تصلح أم لا

- ‌ص: باب: الكي هل هو مكروه أم لا

- ‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر

- ‌ص: باب: التكني بأبي القاسم هل يصلح أم لا

- ‌ص: باب: السلام على أهل الكفر

- ‌ص: كتاب الصرف

- ‌ص: باب: الربا

- ‌ص: باب: القلادة تباع بذهب وفيها خرز وذهب

- ‌ص: كتاب الهبة والصدقة

- ‌ص: باب: الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض

- ‌ص: باب: العمرى

- ‌ص: باب: الصدقات الموقوفات

- ‌ص: كتاب القضاء والشهادات

- ‌ص: باب: القضاء بين أهل الذمة

- ‌ص: باب: القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ص: باب: رد اليمين

- ‌ص: باب: الرجل تكون عنده الشهادة للرجل هل يجب أن يخبره بها؟ وهل يقبله الحاكم على ذلك أم لا

- ‌ص: باب: الحكم بالشيء فيكون في الحقيقة بخلافه في الظاهر

- ‌ص: باب: الحر يجب عليه دين ولا يكون له مال، كيف حكمه

- ‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده

- ‌ص: باب: الوليد يدعيه رجلان كيف حكمه

- ‌ص: باب: الرجل يبتاع السلعة فيقبضها ثم يموت أو يفلس وثمنها عليه دين

- ‌ص: باب: شهادة البدوي هل تقبل على القروي

الفصل: ‌ص: كتاب الهبة والصدقة

‌ص: كتاب الهبة والصدقة

ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الهبة والصدقة، الهبة: مصدر وهب يهب، وأصل هبة: وهب حذفت الواو تبعًا لمستعمله وعوضت عنه الهاء، كما في: عدة ومقة أصلهما: وَعْد ووَمْقٌ، ومعناها اللغوي: تبرع مطلقًا، ويقال: هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض. وفي الشرع: هي تمليك عين بلا عوض.

و"الصدقة": ما تصدقت به على الفقراء. قاله الجوهري.

ص: حدثثا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا شعبة وهشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس أن رسول الله عليه السلام قال:"العائد في هبته كالعائد في قيئه".

ش: إسناد صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا إبراهيم بن مرزوق.

وأبو عامر: هو عبد الملك بن عمرو والعقدي.

وهشام هو الدستوائي.

وأخرجه البخاري (1): عن مسلم بن إبراهيم، نا هشام الدستوائي وشعبة، قالا جميعًا: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب. . . . إلى آخره نحوه سواء.

ومسلم (2): عن محمَّد بن مثنى ومحمد بن بشار، كلاهما عن محمَّد بن جعفر، عن شعبة. . . . إلى آخره نحوه.

وأبو داود (3): عن مسلم عن أبان وهمام وشعبة، كلهم عن قتادة، عن سعيد بن المسيب. . . . إلى آخره نحوه.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 924 رقم 2478).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1241 رقم 1622).

(3)

"سنن أبي داود"(3/ 291 رقم 3538).

ص: 310

والنسائي (1): عن أبي موسى، عن عبد الرحمن، عن شعبة، عن قتادة به.

وابن ماجه (2): عن ابن بشار وابن مثنى، عن غندر، عن شعبة، عن قتاده به.

قوله: "العائد في هبته" أي الراجع إلى هبته كالراجع إلى قيئه، وكلمة "في" بمعنى "إلى" كما في قوله تعالى:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} (3) وأصل هذا الباب أن يعدي بـ"إلى" تقول عاد إليه يعود عودًا وعودةً: أي رجع، ولما كان العائد إلى قيئه قد أبشع في فعله وتقذر حيث فعل فعلًا يستقذره كل من يراه شبه به العائد في هبته تنبيهًا على عظم هذا الفعل في بلوغه إلى منتهى البخل واللؤم، وعلى سوء هذا الصنيع وقبحه، وإنما أطلق العائد في قيئه ليعمَّ كل عائد من بني آدم وغيرهم، وقد جاء في رواية أخرى مقيدًا وهو: كالكلب يعود إلى قيئه" على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

وهذا أبلغ في الاستقذار للمشاهد ذلك. وقد احتج به من لم يجوِّز الرجوع في الهبة، وذلك لأن القيء لما كان حرامًا كان العائد إليه كالواقع في الحرام، وسيجيء مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الواهب ليس له أن يرجع فيما وهب، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وقالوا: لما كان رسول الله عليه السلام قد مثل الرجوع في الهبة كالرجوع في القيء، وكان رجوع الرجل في قيئه حرامًا عليه كان كذلك رجوعه في هبته.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: طاوس بن كيسان وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: ليس للواهب أن يرجع فيما وهب إلا الذي ينحله الأب لابنه.

(1)"المجتبى"(6/ 266 رقم 3696).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 797 رقم 2385).

(3)

سورة إبراهيم، آية:[9].

ص: 311

وعند مالك: له أن يرجع في الأجنبي الذي قصد منه الثواب ولم يشبه، وبه قال أحمد في رواية، وغير الأب من الأصول كالأب عند الشافعي في الأصح. وعند مالك: لا، سوى الأم، وعند أحمد: لا الأم أيضًا.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1): ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلًا مُذْ تلفظ بها، إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما، ولهما الرجوع فيه أبدًا، الصغير والكبير سواء، وهو قول الشافعي وأبي سليمان وأصحابهما.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: للواهب أن يرجع في هبته إذا كانت قائمة على حالها لم تستهلك ولم تزد في بدنها بعد أن يكون الموهوب له ليس بذي رحم محرم من الواهب، وبعد أن يكون لم يشبه منها ثوابًا، فإن كان أثابه منها ثوابًا وقَبِلَ ذلك الثواب منه، أو كان الموهوب له ذا رحم محرم من الواهب فليس للواهب أن يرجع فيها، فإن لم يكن الواهب ذا رحم محرم للموهوب له، ولكنها امرأة وهبت لزوجها، أو زوج وهب لمرأته فهما في ذلك كذي الرحم المحرم، وليس لواحد منهم أن يرجع فيما وهب لصاحبه.

ش: أي خالف القوم المذكورين، وأراد بهم: سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وشريحًا القاضي والأسود بن يزيد والحسن البصري وعامرًا الشعبي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: للواهب من الأجنبي الرجوع عن هبته ما دامت قائمة ولم يعوض عنها. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وفضالة بن عبيد وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.

قوله: "لم يثبه" من الإثابة وهو التعويض والمجازاة، يقال: أثابه يثيبه إثابة، والاسم: الثواب ويكون في الخير والشر، إلا أنه في الخير أخص وأكثر استعمالًا.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1): قال أبو حنيفة رضي الله عنه: من وهب لذي رحم محرمة أو ولده وأقبضه إياه أو وهب أحد الزوجين لصاحبه هبة وأقبضه إياها، فلا رجوع

(1)"المحلى"(9/ 127).

ص: 312

لأحد ممن ذكرنا فيما وهب، ومن وهب لأجنبي أو لمولى أو لذي رحم غير محرمة هبة وأقبضه إياها فللواهب أن يرجع فيما وهب متى شاء، وإن طالت المدة ما لم تزد الهبة في بدنها أو ما لم يخرجها الموهوب له عن ملكه، أو ما لم يمت الواهب أو الموهوب له، أو ما لم يُعَوِّض الموهوب له أو غيره عنه الواهب عوضًا يقبله الواهب، فأي هذه الأسباب كان، فلا رجوع للواهب فيما وهب، ولا يجوز الرجوع في الهبة إذا لم يكن شيء مما ذكرنا إلا بتسليم الموهوب ذلك أو بحضرة الحاكم، أحب الموهوب له أم كره، قال: فلو وهب آخر جارية فعلمها الموهوب له القرآن أو الكتابة والخَبْزُ فليس ذلك بمانع من رجوع الواهب فيها. وإن كان عليها دين فأداه الموهوب له عنها، أو كانت كافرة فأسلمت فلا رجوع فيها للواهب.

وأما الصدقة فلا رجوع للمتصدق فيها لأجنبي كانت أو لغير أجنبي بخلاف الهبة.

وقال مالك: لا رجوع لواهب ولا لمتصدق في هبته أصلًا لا لأجنبي ولا لذي رحم محرمة إلا في هبة الثواب فقط، وفيما وهب الرجل لولده أو ابنته الكبيرين أو الصغيرين ما لم يقل: إنه وهبها لولده لوجه الله تعالى، فإن قال هذا؛ فلا رجوع فيما وهب.

فإن لم يقله فله الرجوع فيما وهب ما لم يداين الولد على تلك الهبة، أو ما لم يتزوج الابن أو الابنة عليها، أو ما لم يثب الابن أو الابنة أباهما على ذلك، فأي هذه الوجوه كان فقد بطل رجوع الأب في الهبة، وترجع الأم كذلك فيما وهبت لولدها الكبار كان أبوهم حيًّا أو لم يكن.

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك "أن رسول الله عليه السلام جعل العائد في هبته كالعائد في قيئه، ولم يبين لنأمل مَنْ العائد في قيئه، فقد يجوز أن يكون أراد الرجل العائد في قيئه فيكون قد جعل العائد في هبته كالعائد فيما هو حرام عليه، فثبت بذلك ما قال أهل المقالة الأولى.

ص: 313

وقد يجوز أن يكون أراد الكلب العائد في قيئه، والكلب غير متعبد بتحريم ولا تحليل فيكون العائد في هبته عائدًا في قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الواهب من الرجوع في الهبة.

فنظرنا: هل نجد من الآثار ما يدل على مراد رسول الله عليه السلام في الحديث الأول ما هو؟

فإذا فهد قد حدثنا، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال:"ليس لنا مثل السَّوْء؛ الراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال:"العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود فيه".

فدل هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام إنما أراد بما قد ذكرناه في الحديث الأول تنزيه أمته عن أمثال الكلاب لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم.

ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، وهذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى من ظاهر حديث ابن عباس.

تقرير ذلك أن يقال: إن النبي عليه السلام شبه العائد في هبته كالعائد في قيئه، ولكنه لم يبين العائد في قيئه من هو، لأنه أطلقه وهو في نفسه مجمل، ثم إنه يحتمل أن يكون المراد به الرجل العائد في قيئه، فعل هذا الاحتمال يثبت ما قاله أهل المقالة الأولى؛ لأنه حينئذ يكون التشبيه بالعائد فيما هو حرام عليه فيثبت بذلك منع الرجوع في الهبة.

ويحتمل أن يكون المراد به الكلب العائد في قيئه أو نحوه من أمثاله فعلى هذا الاحتمال لا يثبت ما قاله أهل المقالة الأولى ولا يرد ما قاله أهل المقالة الثانية؛ وذلك لأنه حينئذ يكون التشبيه بالكلب العائد في قيئه، والكلب غير متعبد بالحلال

ص: 314

والحرام، فيكون العائد في هبته عائدًا في أمر قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب، فلا يثبت بذلك منع الرجوع في الهبة.

فإذا ثبت هذان الاحتمالان رجعنا إلى الآثار هل نجد شيئًا منها يدل على تجريح أحد الاحتمالين؟ فوجدنا حديث ابن عباس قد صرح بأن المراد من العائد في قيئه هو الكلب العائد في قيئه، فصارت إحدى روايتي ابن عباس مفسرة للأخرى، فتعين حينئذ وجه الاحتمال الثاني وترجح، واندفع ما قاله أهل المقالة الأولى. هذا الذي ذكره الطحاوي، وقد يجاب عن ذلك بأن المراد منه التشبيه من حيث ظاهر القبح مروءة وخلقًا لا شرعًا، ألا ترى كيف قال:"كالكلب يقي ثم يعود فيه" وذا لا يوصف بالحرمة الشرعية، لكنه يوصف بالقبح الطبيعي، وكذا أجيب عن قوله عليه السلام في الحديث الآخر:"لا يحل لواهب أن يرجع في هبته. . . ." الحديث.

أن المراد منه نفي الحل من حيث المروءة والخلق لا من حيث الحكم، لأن نفي الحل يحتمل ذلك، قال الله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (1) قيل في بعض التأويلات: لا يحل لك من حيث المروءة والخلق أن تتزوج عليهن بعدما اخترن إياك والدار الآخرة على الدنيا وما فيها من الزينة، لا من حيث الحكم إذ كان يحل له التزوج بغيرهن.

ثم إنه أخرج حديث ابن عباس من طريقين صحيحين:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن عبد الله بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه البخاري (2): عن عبد الرحمن بن المبارك، عن عبد الوارث، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام نحوه.

(1) سورة الأحزاب، آية:[52].

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 924 رقم 2479).

ص: 315

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن معلى بن أسد العمي البصري، شيخ البخاري، عن وهيب بن خالد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه طاوس، عن ابن عباس.

وأخرجه مسلم (1): عن إسحاق بن إبراهيم المخزومي، عن وهيب، عن عبد الله ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: وقد روي هذا الكلام أيضًا الذي روينا عن ابن عباس، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام:

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة قال: ثنا عوف، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف، عن خلاس بن عمرو، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"مثل الذي يعود في عطائه كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه فأكله".

ش: أشار بهذا الكلام إلى ما رواه عن ابن عباس يعني روى حديثه عن أبي هريرة أيضًا.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن الحسن البصري، عن أبي هريرة.

وقيل: إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.

الثاني: عن أبي بكرة أيضًا، عن روح، عن عوف، عن خلاس بن عمرو الهجري البصري، عن أبي هريرة.

قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لم يسمع خلاس من أبي هريرة شيئًا.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1241 رقم 1622).

ص: 316

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا محمَّد بن جعفر، قال: نا عوف، عن خلاس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "مثل الذي يعود في هبته كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه فأكله".

ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام مثل هذا الكلام في معنى غير هذا المعنى: حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود، قالا: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله: "أن عبد الله بن عمر كان يحدث أن عمر رضي الله عنه تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يباع بعد ذلك، فأراد أن يشتريه، فأتى النبي عليه السلام فاستأمره في ذلك، فقال له رسول الله عليه السلام: لا تعد في صدقتك".

فلذلك كان ابن عمر لا يرى أن يبتاع مالًا جعله صدقة.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أبتاعه منه فظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك رسول الله عليه السلام فقال: لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم واحد، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه".

حدثنا المزني، قال: ثنا الشافعي، قال: ثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه:"أنه أبصر فرسًا تباع في السوق وكان تصدق بها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتريه، فقال: رسول الله لا تشتره ولا شيئًا من نتاجه".

فمنع رسول الله عليه السلام عمر أن يبتاع ما كان تصدق به أو شيئًا من نتاجه، وجعله إن فعل ذلك كالكلب يعود في قيئه، فلم يكن ذلك موجب حرمة ابتياع الصدقة على المتصدق بها، ولكن ترك ذلك أفضل، وكذلك ما ذكرنا مثل هذا إنما ذكرنا عن

(1)"مسند أحمد"(2/ 492 رقم 10386).

ص: 317

رسول الله عليه السلام في الرجوع في الهبة ليس على تحريم ذلك، ولكنه لأن تركه أفضل.

ش: أي: قد روي عن رسول الله عليه السلام مثل قوله: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" أي معنى غير المعنى المذكور فيه، وهو المعنى الذي كان ورد في العود في الصدقة، وأورد هذا شاهدًا لما قاله في قوله عليه السلام:"العائد في هبته. . . ." الحديث.

من أن ذلك لا يدل على منع الواهب من الرجوع في هبته وإنما ذلك تنزيه أمته عن أمثال الكلاب، وذلك أن منع رسول الله عليه السلام عمر بن الخطاب عن ابتياع ما كان تصدق به أو شيئًا من نتاجه لم يكن دالًا على حرمه ذلك، ولكن ترك ذلك كان أفضل، فكذلك ما روي عنه في الهبة.

ثم إنه أخرج ما روي عن عمر رضي الله عنه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن نصر بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود البرلسي، كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح، وراق الليث وشيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن عُقَيل -بضم العين- بن خالد الإيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): ثنا ابن أبي عمر وعبد بن حميد -واللفظ لعبد- قال: أنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر:"أن عمر حمل على فرس في سبيل الله، ثم رآها تباع فأراد أن يشتريها، فسأل النبي عليه السلام، فقال رسول الله عليه السلام لا تعد في صدقتك يا عمر".

وأخرجه النسائي (2): عن محمَّد بن عبد الله بن المبارك، عن حجين بن مثنى، عن ليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم. . . . إلى آخره نحوه.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى. . . . إلى آخره.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1240 رقم 1621).

(2)

"المجتبى"(5/ 109 رقم 2617).

ص: 318

وأخرجه مالك في "موطإه"(1).

ومسلم (2): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك، نحوه.

وابن ماجه (3): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد، عن أبيه نحوه.

الثالث: عن إسماعيل بن يحيى المزني، عن الإِمام محمَّد بن إدريس الشافعي، عن سفيان بن عيينة. . . . إلى آخره.

وأخرجه البيهقي من طريق الشافعي (4).

ويستفاد منه أحكام:

الأول: أن من حمل على فرس في سبيل الله وغزا به فله أن يفعل فيه بعد ذلك ما يفعل في سائر أمواله: ألا ترى أن رسول الله عليه السلام لم ينكر على بائعه بيعه، وأنكر على عمر شرائه؟ ولهذا قال ابن عمر:"إذا بلغت به وادي القرى فشأنك به"، وقال سعيد بن المسيب: إذا بلغ به رأس مغزاه فهو له.

قال أبو عمر: اختلف [الفقهاء](5) في هذا المعنى، فقال مالك: إذا أعطي فرسًا في سبيل الله فقيل: هو لك في سبيل الله، فله أن يبيعه، وإذا قيل: هو في سبيل الله ركبه ورده.

وقال الشافعي وأبو حنيفة: الفرس المحمول عليها في سبيل الله هي لمن يحمل عليها تمليك.

(1)"موطأ مالك"(1/ 282 رقم 623).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1239 رقم 1620).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 799 رقم 2390).

(4)

"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 151 رقم 7421).

(5)

في "الأصل، ك": "في الفقهاء"، ولعل في زائدة، وفي "التمهيد" (3/ 258): وأما اختلاف الفقهاء في هذا المعنى.

ص: 319

قالوا: ولو قال له: إذا بلغت رأس مغزاك فهو لك؛ كان تمليكًا على مخاطرة فلم يجز.

وقال الليث: من أعطي فرسًا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه، ثم يصنع به ما شاء، إلا أن يكون حبسًا فلا يباع.

الثاني: أن كل من يجوز تصرفه في ماله وبيعه وشرائه فجائز له بيع ما شاء من ماله بما شاء من قليل الثمن وكثيره، كان مما يتغابن الناس به أو لم يكن إذا كان ذلك ماله ولم يكن وكيلًا ولا وصيًّا؛ لقوله:"ولو أعطاكه بدرهم".

الثالث: اختلف الفقهاء في كراهة شراء الرجل لصدقة الفرض والتطوع، فممن كره ذلك: مالك والشافعي وابن حَيّ، ولم يروا لأحد أن يشتري صدقته، فإن اشترى أحد صدقته لم يفسخوا العقد ولم يردوا البيع، ورأوا له التنزه عنها، وكذلك قولهم في شراء الإنسان لما يخرجه في كفارة اليمين مثل الصدقة سواء.

قال أبو عمر: إنما كرهوا بيعها لهذا الحديث ولم يفسخوه؛ لأنه راجع إليه بغير ذلك المعنى.

وقال أبو حنيفة والأوزاعي: لا بأس بمن أخرج زكاته وكفارة يمينه أن يشتريه بثمن يدفعه.

وقال أبو جعفر الطحاوي: المصير إلى حديث عمر رضي الله عنه في الفرس أولى من قول من أباح شراء صدقته.

وقال قتادة: البيع في ذلك فاسد مردود؛ لأني لا أعلم الفيء إلا حرامًا، وكل العلماء يقولون: إن رجعت إليه بالميراث جاز، والله أعلم.

ص: وقد حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا يزيد بن زريع، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد لولده".

ص: 320

فقال قائل: فقد دل هذا الحديث على تحريم الرجوع في الهبة من الرجل لغير ولده.

قيل له: ما دل ذلك على شيء مما ذكرت، فقد يجوز أن يكون النبي عليه السلام وصف ذلك الرجوع بأنه لا يحل لتغليظه إياه؛ لكراهية أن يكون أحدٌ من أمته له مثل السوء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل الصدقة لذي مرة سوي" فلم يكن ذلك على معنى أنها تحرم عليه كما تحرم على الأغنياء، ولكنها لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة والزمانة، فكذلك ما ذكرنا من قول رسول الله عليه السلام أيضًا:"لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" إنما هو على أنه لا يحل له ذلك كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله عز وجل لعباده، ولم يجعل لمن فعل مثلًا كمثل الذي جعله رسول الله عليه السلام للعائد في هبته، وقد دخل في ذلك العود فيها بالرجوع والابتياع، ثم استثنى من ذلك ما وهب الوالد لولده.

فذلك عندنا -والله أعلم- على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه؛ لأن ما يجب للوالد من ذلك ليس بفعل يفعله فيكون ذلك رجوعًا منه، يكون مَثَلُه فيه كمثل الكلب الراجع في قيئه، ولكنه شيء أوجبه الله لفقره، فلم يضيق ذلك عنه كما قد روي عن رسول الله عليه السلام في غير هذا الحديث.

حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن [عمر](1)، عن عبد الكريم بن مالك، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن رجلًا أتى رسول الله عليه السلام فقال: يا رسول الله، إنى أعطيت أمي حديقة، وإنها ماتت ولم تترك وارثًا غيري، فقال رسول الله عليه السلام: وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك".

أفلا ترى أن رسول الله عليه السلام قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ابتياع صدقته، فثبت بهذين الحديثين إباحة

(1) في "الأصل": "عَمرو"، وهو تحريف، والصواب:"عمر" كما في مصادر ترجمته، و"شرح معاني الآثار"، وجاء في الشرح على الصواب.

ص: 321

الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله وكراهيته الصدقة الراجعة إليه بفعل نفسه، فكذلك وجوب النفقة للأب في مال الابن لحاجته وفقره، وجبت له بإيجاب أبيه إياها، فأباح له النبي عليه السلام بذلك ارتجاع هبته وإنفاقها على نفسه، وجعل ذلك كما رجع إليه بالميراث لا كما رجع إليه بالابتياع.

ش: أورد حديث عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم ليجيب عنه؛ لأنه من أقوى حجج أهل المقالة الأولى.

وأخرجه عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن عبيد الله بن عمر ابن ميسرة القواريري البصري شيخ الشيخين وأبي داود، عن يزيد بن زريع، روي له الجماعة، عن حسين بن ذكوان المعلم، روي له الجماعة، عن عمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، ثقة كبير، روى له الأربعة، عن طاوس بن كيسان، روى له الجماعة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد، قال: ثنا يزيد -يعني ابن زريع- قال: ثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل: الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه".

وأخرجه النسائي (2) أيضًا: أنا عبد الرحمن بن محمَّد بن سلام، نا إسحاق الأزرق، أنا الحسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأحد يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد يعطى ولده، ومثل الذي يعطي العطية فيرجع فيها كالكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد فرجع في قيئه".

(1)"سنن أبي داود"(3/ 291 رقم 3539).

(2)

"المجتبى"(6/ 267 رقم 3703).

ص: 322

قوله: "فقال قائل" أراد به الشافعي؛ فإنه قال: قد دل هذا الحديث على تحريم الرجوع في الهبة من الرجل لغير ولده.

وبه قال أحمد.

وقال النووي في "الروضة": وأما الأم والأجداد والجدات من جهة الأب والأم فالمذهب أنهم كالأب، وفي قولٍ: لا رجوع لهم. وقيل: ترجع الأم، وفي غيرها قولان، وقيل: يرجع أباء الأب وفي غيرهم قولان، ولا رجوع لغير الأصول كالإخوة والأعمام وغيرهم من الأقارب قطعًا، وسواء في ثبوت الرجوع للوالد كان متفقين في الدين أم لا، ولو وهب لعبد ولده رجع، ولو وهب لمكاتب ولده فلا، وفي حاوي الحنابلة: لا يرجع الواهب إن وهب إلا الأب وفي الأم وجهان، وعنه: لا رجوع للأب، قال: وعنه إن تعلق به في عينه بأن يفلس الولد أو تزوج، وإلا يرجع.

قوله: "قيل له" أي لهذا القائل، وهذا جواب عما قاله الشافعي، بيانه أن يقال: لا نسلم أن يدل هذا الحديث على ما ذكرت؛ لأنه قد يجوز أن يكون مراد النبي عليه السلام من قوله: "لا يحل لواهب أن يرجع" تعليمًا منه إياه؛ لكراهته أن يكون لأحد من أمته مثل السوء، وهو أنه قد شبه الراجع في هبته في حديث آخر بالكلب الذي يقيء، ثم يعود في قيئه، والدليل على صحة هذا التأويل قوله عليه السلام في حديث آخر:"لا تحل الصدقة لذي مرة سوي" وقد أخرجه في باب الزكاة مسندًا، فإنه ليس معناه أن الصدقة تحرم على ذي مرة أي قوة، كما تحرم على الأغنياء، وإنما معناه: لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الضعف والزمانة، والعاجزين عن الكسب، فصار ذلك من باب التغليظ والتهديد، فكذلك قوله عليه السلام في هذا الحديث إنما هو على معنى: لا يحل لواهب أن يرجع كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله عز وجل لعباده، ولم يجعل لمن فعلها مثلًا سوءًا كمن جعل له مثلًا سوءًا لمن فعل ذلك من العائدين في هباتهم، فافهم.

ص: 323

قوله: "وقد دخل في ذلك العود فيها بالرجوع والابتياع" أراد أن ظاهر قوله عليه السلام "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" مقابل بطريق العموم للعود في الهبة مطلقًا، سواء كان برجوعه عنها أو بشرائها من الموهوب له، فإنه ينطبق عليه أنه عائد فيها.

وقصد بهذا الكلام الرد والاعتراض على الشافعي حيث فرق في العود في الهبة بين الرجوع والابتياع؛ لأنه لم يَرَهُ كالعود إذا كان بطريق الرجوع، ورأى ذلك إذا كان بطريق الشراء وإن كان قد كرهه، والحال أن النص لم يفرق بين الأمرين.

قوله: "ثم استثنى من ذلك. . . ." إلى آخره إشارة إلى بيان معنى قوله: إلا الوالد لولده، وبيان تأويله أي قد استثنى رسول الله عليه السلام من قوله:"لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" ما وهبه لولده، ووجهه أنه يباح له أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت احتياجه إليه وفقره، لأن الأب إذا رجع عن هبته التي وهبها لولده وقت ضرورته وحاجته لا يوصف بأنه راجع، مثله فيه كمثل الكلب الراجع في قيئه بل إنما ذلك سائغ له حلال؛ لأجل فقره واحتياجه، فَعُلِمَ من ذلك أن إخراج الوالد للعود فيما وهب لابنه، كان للتنبيه على أنه لم يكن داخلًا في صدر الكلام بالكلية.

والشافعي ومن معه تعلقوا بظاهر الاستثناء، وأثبتوا الرجوع له لا من الوجه الذي ذكرناه، على أنهم تركوا العمل بظاهر الحديث؛ فإن الحديث لا ينطوي إلا على ذكر الوالد، وهم قد جعلوا الأم والأجداد والجدات من قبل الأب والأم كلهم كالوالد وهو خلاف ظاهر الحديث.

فإن قيل: ذكر الوالد يتناول الجدّ، كما في قوله تعالى:{كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} (1) فجعل الله تعالى الجد والجدة أبوين والأم أيضًا وأنه يقع على الجنس.

قلت: نعم ذلك كما ذكرت ولكن ليس على الحقيقة وإنما هو على المجاز وكلامنا في الاستدلال بحقائق الألفاظ؛ فافهم.

قوله: "كما قد روي عن رسول الله عليه السلام في غير هذا الحديث. . . ." إلى آخره.

(1) سورة الأعراف، آية:[27].

ص: 324

ذكره تأييدًا لقوله: "لأن ما يجب للوالد من ذلك. . . ." إلى آخره. وتنبيهًا على الفرق بين الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله والراجعة إليه بفعل نفسه.

بيان ذلك: أن قوله عليه السلام: "وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك" في الحديث الذي أخرجه بإسناد صحيح عن يونس بن عبد الأعلى، عن علي بن معبد بن شداد، عن عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، يدل على أنه عليه السلام قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ابتياع صدقته، حيث قال له:"لا تعد في صدقتك" وقد مَرَّ الحديث عن قريب في هذا الباب، فثبت بحديث عمرو بن شعيب إباحة الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله تعالى؛ لأنه بطريق الميراث، وليس فيه مباشرة من العبد، وثبت بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه كراهية الصدقة، الراجعة إليه بفعل نفسه، لأنه مباشر في الابتياع، وكذلك وجوب النفقة للأب من مال الابن إنما هو لأجل الحاجة والفقر والضرورة وجبت له بإيجاب الله إياها، فلذلك أباح له النبي عليه السلام الارتجاع في هبته وإيقافها على نفسه، وجعل حكم ذلك كحكم الميراث لا حكم ما رجع إليه بطريق الابتياع والشراء، والله أعلم.

ص: فإن قال قائل: فقد خص النبي عليه السلام في هذا الحديث الوالد الواهب دون سائر الواهبين، أفيكون حكم الولد فيما وهب لأبيه خلاف حكم الوالد فيما وهب لولده؟

قيل له: بل حكمهما في هذا سواء، وذكر رسول الله عليه السلام أحدهما على المعنى الذي ذكرنا يجزئ من ذكره إياهما ومن ذكر غيرهما ممن حكمه في هذا مثل حكمهما، وقد قال الله عز وجل:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} (1) فحرم هؤلاء جميعًا بالأنساب، ثم قال:

(1) سورة النساء، آية:[23].

ص: 325

{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (1) ولم يذكر في التحريم بالرضاع غير هاتين، فكان ذكره ذلك دليلًا على أن سائر من حرم بالنسب في حكم الرضاع سواء، وأغناه ذكر هاتين بالتحريم [بالرضاع عن ذكر من سواهما في ذلك إذْ كان قد جمع بينهن في التحريم](2) بالأنساب فجعل حكمهن حكمًا واحدًا، فدل تحريمه بعضهن أيضًا بالرضاع أن حكمهن في ذلك حكم واحد، فكذلك رسول الله عليه السلام لما قال:"لا يحل لأحد أن يرجع في هبته" فعم بذلك الناس جميعًا، ثم قال: إلا الوالد لولده، على المعنى الذي ذكرنا دل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم برد الله عز وجل إياها كذلك، وأغناه ذكر بعضهم عن ذكر سائرهم.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن النبي عليه السلام اقتصر في الحديث المذكور على الوالد الواهب لولده، فهل هو تنصيص عليه في اختصاص الحكم المذكور له أم ليس كذلك، بأن يكون حكم الولد الواهب لأبيه خلاف حكم الوالد الواهب لولده؟

وتقرير الجواب أن يقال: بل حكمها سواء، وإنما تخصيصه عليه السلام الوالد الواهب بالذكر من باب الاكتفاء، وهو أن ذكره هذا على المعنى الذي ذكره يغني عن ذكر الاثنين وعن ذكر غيرهما ممن كان حكمهم في هذا مثل حكمهما؛ وذلك لأن الحكم إذا كان معلولًا بعلة في حق أحد فمتى وجدت تلك العلة في غيره يكون ذلك الحكم جاريًا فيه أيضًا؛ لشمول العلة، وشمول العلة يستلزم شمول المعلول، ثم نَظَّر لذلك بقوله: وقد قال الله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (1) الآية، فالله تعالى حرم هؤلاء بالأنساب بالتنصيص عليهم، ثم ذكر الأمهات من الرضاع والأخوات من الرضاع حيث قال:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (1) فنص على هذين الصنفين مع أن حكم غيرهما في

(1) سورة النساء، آية:[23].

(2)

سقط من "الأصل، ك"، ولعله انتقال نظر من المؤلف رحمه الله، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 326

التحريم بالرضاع كحكم هذين الصنفين، ولكنه اكتفى بذكرهما عن ذكر سائر من حرم بالرضاع ممن كان كمن حرم بالنسب، وكذلك قوله عليه السلام:"لا يحل لأحد أن يرجع" يشمل سائر الناس؛ لأن النكرة في خبر النفي تعم، ثم قال:"إلا الوالد لولده" على المعنى الذي ذكره، فدل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم برد الله عز وجل إياها كذلك؛ لشمول العلة، وقد قلنا: إن شمول العلة يستلزم شمول المعلول، وتلك العلة هي المعنى الذي ذكره من قوله:"فذلك عندنا والله أعلم على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه. . . ." إلى آخره.

ص: فلم يكن في شيء من هذه الآثار ما يدلنا على أن للواهب أن يرجع في هبته بنقضه إياها حتى يأخذها من الموهوب له ويردها إلى ملكه المتقدم الذي أخرجها منه بالهبة، فنظرنا هل نجد فيما روي عن أصحاب رسول الله عليه السلام في ذلك شيء؛ فإذا إبراهيم بن مرزوق حدثنا، قال: ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا حنظلة، عن سالم قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب منها بما يرضي".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف المزني، عن مروان بن الحكم، أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فهو على هبته [يرجع](1) فيها إن لم يرضى منها.

فهذا عمر رضي الله عنه قد فَرَّق بين الهبات والصدقات، فجعل الصدقات لا يرجع فيها، وجعل الهبات على ضربين:

فضرب منها صلة للأرحام، فرد ذلك إلى حكم الصدقات ومنع الواهب من الرجوع فيها.

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 327

وضرب منها بخلاف ذلك، فجعل للواهب أن يرجع فيها ما لم يرض منه.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق، قال: ثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه قال:"من وهب هبة لذي رحم جازت، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب منها".

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي ذكرها في هذا الباب من أوله إلى هاهنا، وأشار بذلك أيضًا إلى بيان حجج لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه؛ لأنه لم يذكر لهم إلى الآن دليلًا من الآثار، وإنما ذكر عنهم ما أجابوا عن أحاديث أهل المقالة الأولى، وما أوَّلوه في ذلك.

وأخرج لهم في ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: رجاله رجال الصحيح ما خلا إبراهيم بن مرزوق.

وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(1): من طريق وكيع، عن حنظلة -هو ابن أبي سفيان الجمحي- عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال عمر رضي الله عنه: "الرجل أحق بهبته ما لم يرضى منها".

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان سعيد بن طريف المزني، عن مروان بن عبد الحكم.

وأخرجه مالك في "موطإه"(2).

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن حجاج بن إبراهيم الأزرق، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد.

(1)"المحلى"(9/ 129).

(2)

"موطأ مالك"(2/ 754 رقم 1440).

ص: 328

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي معاوية، عن الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه قال:"من وهب هبة لذي رحم فهي جائزة، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب منها".

قوله: "فهذا عمر رضي الله عنه قد فرق. . . ." إلى آخره. أشار بهذا إلى أن ما روي عن عمر بن الخطاب من هذا الحكم المفصل؛ هو عين مذهب أهل المقال الثانية؛ فإن عندهم: لا رجوع في الصدقات، ولم يخالفهم في هذا أحد، وأما الهبات فإنها على ضربين.

أحدهما: أن تكون لذوي الأرحام؛ فلا رجوع فيها.

والآخر: أن تكون للأجانب، ففيه الرجوع ما لم يعوض .. والله أعلم.

قوله: "حتى يثاب منها" أي حتى يعوَّض من هبته، والثواب هو العوض، ومنه ثواب الحسنات، وبهذا الفرق المروي عن عمر رضي الله عنه يرد على ابن حزم في قوله: الحكم في العائد في صدقته والعائد في هبته سواء والمفرق بينهما مخطئ.

ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن جابر الجعفي، قال: سمعت القاسم بن عبد الرحمن يحدث، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن علي رضي الله عنه قال:"الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها".

فهذا علي رضي الله عنه قد جعل للواهب الرجوع فيه هبته ما لم يثب منها، وذلك عندنا على الواهب اللي جعل له عمر رضي الله عنه الرجوع في هبته على ما ذكرنا في الحديث الذي روينا عنه قبل هذا، حتى لا يتضاد قولهما في ذلك.

وقد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن جابر، عن القاسم. . . . فذكر بإسناده مثله على ما روينا عن سليمان.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 420 رقم 21700).

ص: 329

ش: أخرج هذا عن علي رضي الله عنه من طريقين:

الأول: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي، عن شعبة بن الحجاج، عن جابر بن زيد الجعفي، فيه مقال، كذبه أبو حنيفة، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبزى، مختلف في صحبته، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن وكيع، عن سفيان، عن جابر عن القاسم، عن ابن أبزى، عن علي رضي الله عنه قال:"الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن جابر الجعفي. . . . إلى آخره.

ص: وقد روي عن فضالة بن عبيد نحوٌ من هذا:

حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، قال: ثنا أبو صالح عبد الله ابن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله ابن عامر اليحصبي قال:"كنت عند فضالة بن عبيد، فأتاه رجلان يختصمان إليه، فقال أحدهما: إنى وهبت لهذا بَازيًا، على أن يثيبني فلم يفعل، فقال الآخر: وهب لي ولم يذكر شيئًا، فقال له فضالة: أردد إليه هبته، فإنما يرجع في الهبة النساء وسُقَّاط الرجال".

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر اليحصبي أنه قال:"كنت عند فضالة بن عبيد إذا جاءه رجلان يختصمان في بازٍ، فقال أحدهما: وهبت له بازيًا، وأنا أرجو أن يثيبني منه، وقال الآخر: نعم قد وهب لي بازيًا، وما سألته وما تعرضت له، فقال فضالة: أردد إليه هبته، فإنما يرجع في الهبات النساء وشرار الأقوام".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 420 رقم 21703).

ص: 330

ش: أي قد روي عن فضالة الصحابي نظير ما روي عن عمر وعَلي رضي الله عنهم مما يدل على جواز الرجوع في الهبة إذا كانت لأجنبي ولم يعوض فيها، ولكن يدل على كراهيته مع ذلك؛ لأن قوله:"فإنما يرجع في الهبة النساء وسُقَّاط الرجال" يدل على أن هذا صنيع غير محبوب لا يفعله أصحاب المروءات ولا يصدر إلا عن اللئام.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي زرعة الدمشقي حافظ الشام، وشيخ الطبراني وأبي داود، عن عبد الله بن صالح، كاتب الليث وشيخ البخاري، عن معاوية بن صالح بن حدير الحمصي -قاضي الأندلس، عن ربيعة بن يزيد الدمشقي .. إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية ابن صالح .. إلى آخره نحوه سواء.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح .. إلى آخره.

قوله: "وسُقَّاط الرجال" بضم السين وتشديد القاف، أي أراذل الناس وأشرارهم، وقال الجوهري: الساقط والساقطة اللئيم في صفته ونعته، وقوم سقطى وسُقَّاط.

فإن قلت: قال ابن حزم (2): خبر فضالة ضعيف، لأنه عن معاوية بن صالح وليس بالقوى وهو حجة عليهم؛ لأنه لم يشترط ذا رحم من غيره ولا أحد الزوجين للآخر، وظاهره إبطال هبة الثواب، فعلى كل حال هو حجة عليهم، لأنهم قد خالفوه.

قلت: معاوية بن صالح وثقه العجلي والنسائي وأبو زرعة وأحمد وابن معين، وروى له مسلم، واحتجت به الأربعة، ولا نسلم أنه حجة عليهم؛ لأنهم يحتجون

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 420 رقم 21701).

(2)

"المحلى"(9/ 133).

ص: 331

به في جواز الرجوع في الهبة، وظاهره يدل على ذلك، وأما اشتراط الأجنبي في الرجوع فحجة أخرى على أن الرجلين اللذين اختصما إلى فضالة كانا أجنبيين، وكذلك عدم جواز رجوع أحد الزوجين فيما وهبه للآخر فبحجة أخرى على ما سيجيء إن شاء الله تعالى.

ص: وقد روي عن أبي الدرداء في ذلك أيضًا، ما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي الدرداء قال:"المواهب ثلاثة: رجل وهب من غير أن يستوهب فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته، ورجل استوهب فوهب فله الثواب، فإن قبل على موهبته ثوابًا فليس له إلا ذلك وله أن يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبه في حياته وبعد موته".

فهذا أبو الدرداء قد جعل ما كان من الهبات مخرجه مخرج الصدقات في حكم الصدقات، ومنع الواهب من الرجوع في صدقته، وجعل ما كان منها بغير هذا الوجه ما لم يُشترط ثوابٌ مما يرجع فيه ما لم يثب الواهب عليه، وجعل ما اشتراط فيه العوض في حكم البيع فجعل العوض لواهبه واجبًا على الموهوب له في حياته وبعد وفاته، فهكذا حكم الهبات عندنا.

ش: أي قد روي عن أبي الدرداء عويمر بن مالك رضي الله عنه في حكم الهبة على التفصيل ما حدثنا فهد بن سليمان، عن أبي صالح عبد الله بن صالح شيخ البخاري، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد المقرائي الحمصي .. إلى آخره.

وهذا إسناد صحيح.

قوله: "المواهب" جمع موهبة بمعنى الهبة كالمكارم جمع مكرمة.

قوله: "من غير أن يُستوهب" على صيغة المجهول، أي من غير أن يطلب منه الهبة.

قوله: "ورجل اسْتُوهب" على صيغة المجهول أيضًا أي طلبت منه الهبة.

ص: 332

قوله: "ما لم يثب" أي ما لم يعوض.

قوله: "فهكذا حكم الهبات عندنا" يعني على التفصيل المذكور، لكن القسم الأول لا شيء على مذهب الحنفية؛ فإن عندهم يرجع في هبته للأجنبي سواء استوهب أم لا، اللهم إلا إذا كان الطحاوي قد ذهب في ذلك إلى أن الرجل إذا وهب من غير أن يستوهب فليس له الرجوع كما في الصدقة، فتأمل ذلك فإنه موضع النظر.

ثم قد رأيت أنه أخرج في ذلك عن غير عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وفضالة بن عبيد وأبي الدرداء رضي الله عنهم.

وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أيضًا.

أخرجه ابن حزم (1): من طريق حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال:"أول من رد الهبة عثمان بن عفان، وأول من سأل البينة على أن غريمه مات ودينه عليه عثمان رضي الله عنه".

وروي أيضًا عن جماعة من التابعين منهم: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، أخرج عنه عبد الله بن وهب (2)، عن عمر بن قيس، عن عدي بن عدي الكندي:"كتب إليّ عمر بن عبد العزيز: من وهب هبة فهو بالخيار حتى يثاب منها ما يرضى، فإن نمت عند من وهبت له فليس لمن وهبها إلا هي بعينها ليس له من النماء شيء".

ومنهم: شريح القاضي، أخرج عنه سعيد بن منصور (3): ثنا هشيم، أنا منصور ويونس وابن عون، كلهم عن ابن سيرين، عن شريح قال:"من أعطى في صلة أو قرابة أو معروف أجزنا عطيته، والجانب المستغزر يثاب على هبته أو ترد عليه".

(1)"المحلى"(9/ 129).

(2)

وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(9/ 129).

(3)

وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(9/ 129 - 130).

ص: 333

ومنهم سعيد بن المسيب، أخرج عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1): ثنا يحيى بن يمان، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال:"من وهب هبة لغير ذي رحم فله أن يرجع ما لم يثب".

ومنهم إبراهيم النخعي: أخرج عنه سعيد بن منصور (2): أنا هشيم، أنا مغيرة، عن إبراهيم قال:"من وهب هبة لذي رحم فليس له أن يرجع، ومن وهب لغير ذي رحم فهو أحق بهبته؛ فإن أثيب منها قليل أو كثير؛ فليس له أن يرجع في هبته".

فإن قيل: هل في هذا الباب حديث مرفوع؟

قلت: نعم، روي في ذلك عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وسمرة رضي الله عنهم.

أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي فأخرجه أبو داود (3): ثنا سليمان بن داود المهري، أنا أسامة بن زيد، أن عمرو بن شعيب حدثه، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله عليه السلام قال:"مثل الذي استرد ما وهب كمثل الكلب يقيء فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب، فليتوقف فليعرف ما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب".

وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): ثنا وكيع، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجنع، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها".

وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البيهقي (5): من حديث حنظلة بن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 420 رقم 21708).

(2)

وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(9/ 130).

(3)

"سنن أبي داود"(3/ 291 رقم 3540).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 420 رقم 21704).

(5)

"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 180 رقم 11802).

ص: 334

أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام قال: من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها".

وأما حديث سمرة: فكذلك أخرجه البيهقي (1): من حديث ابن المبارك، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها".

فإن قيل: كل هذه الأحاديث معلولة:

أما حديث عبد الله بن عمرو: فلأن خبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو صحته منقطعة.

وأما حديث أبي هريرة: فلأن في سنده إبراهيم بن إسماعيل وهو ضعيف، قاله ابن حزم، وقال أيضًا: عمرو بن دينار ليس له سماع من أبي هريرة ولا أدركه بعقله أصلًا.

وأما حديث عبد الله بن عمر: فقد قال البيهقي (2): هكذا رواه أحمد بن أبي غرزة وعلي بن سهل بن المغيرة، عن عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، وهو وهم، والصواب ابن وهب سمعت حنظلة، يقول: سمعت سالمًا يقول، عن أبيه، عن عمر قال:"من وهب هبة لوجه الله فذلك له، ومن وهب هبة يريد ثوابها فإنه يرجع فيها إن لم يرض منها".

وأما حديث سمرة: فإن الحسن لم يسمع منه إلا ثلاثة أحاديث وهذا ليس منها.

قلت: عمرو بن شعيب ثقة لا مراء فيه وروايته عن أبيه ليست مرسلة ولا منقطعة؛ لأنها إما وجادة أو بعضها سماع وبعضها وجادة [وسماعه](3) من أبيه شعيب صحيح. وأما سماع شعيب عن عبد الله بن عمرو فلا يشك فيه، قال البخاري وأبو داود وغير واحد: إنه سمع من جده عبد الله بن عمرو.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 181 رقم 11806).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 181 رقم 11803).

(3)

تكررت في "الأصل".

ص: 335

وأما إبراهيم بن إسماعيل فإن البخاري استشهد به، وابن ماجه احتج به.

وأما عمرو بن دينار فقد ذكر عبد الغني والحافظ المزي وغيرهما: أنه سمع من أبي هريرة.

وأما قول البيهقي: "هذا وهم" فليس بصواب؛ لأن المرفوع رواته ثقات. كذا قال عبد الحق في "الأحكام" وصححه ابن حزم وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1) عن إسحاق بن محمَّد، عن ابن أبي غرزة، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا وقد توبع رواته عليه.

أخرجه الدارقطني (2): عن إسماعيل الصفار، عن علي بن سهل، عن عبيد الله ابن موسى، عن حنظلة.

فلا حمل إذا على شيخ الحاكم ولا نسلم للبيهقي أنه وهم، بل يحمل على أن لعبيد الله فيه إسنادين.

وأما الحسن البصري فإنه سمع عن سمرة أحاديث كثيرة قاله البخاري واحتج بالحسن عن سمرة. وحديثه هذا أخرجه الحاكم في "مستدركه"(3) وقال: صحيح على شرط البخاري.

ص: فأما ما ذكرنا من انقطاع رجوع الواهب في هبته بموت الموهوب له، أو باستهلاك الهبة؛ فلما روي عن عمر أيضًا في ذلك: حدثنا صالح، قال: ثنا حجاج بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى، عن الحجاج، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر مثله، يعني مثل حديثه الذي ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا الفصل، وزاد:"ويستهلكها مستهلك أو يموت أحدهما" فجعل عمر رضي الله عنه استهلاك الهبة يمنع واهبها من الرجوع فيها، وجعل أيضًا موت أحدهما يقطع ما للواهب فيها من الرجوع أيضًا. فكذلك نقول.

(1)"المستدرك على الصحيحين"(2/ 60 رقم 2323).

(2)

"سنن الدارقطني"(3/ 43 رقم 179).

(3)

"المستدرك على الصحيحين"(2/ 60 رقم 2324).

ص: 336

ش: أشار بهذا إلى إقامة الدليل على انقطاع حق الرجوع في الهبة بموت الموهوب له وباستهلاكه الهبة، وهو ما أخرجه عن صالح بن عبد الرحمن، عن حجاج بن إبراهيم الأزرق، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن الحجاج ابن أرطاة النخعي، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وهؤلاء كلهم ثقات غير أن الحجاج ابن أرطاة تكلموا فيه، ولكنه لم يخرج عن حد الاحتجاج به، فإن الأربعة احتجوا به، وقال أبو زرعة: صدوق مدلس.

وقد أخرجه الطحاوي فيما مضى عن قريب بهذا الإسناد ولكن هناك عن يحيى بن زكرياء، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود.

وهاهنا عن يحيى، عن الحجاج، عن الحكم، عن إبراهيم، وزاد في هذه الرواية مسألة استهلاك الهبة وموت الموهوب له.

وقد أخرج عبد الرزاق (1): عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال:"كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يعتصر الرجل من ولده ما أعطاه ما لم يمت أو تستهلك أو يقع فيه دين".

ص: وقد روي عن شريح رضي الله عنه في الهبة نظير ما قد روي عن عمر رضي الله عنه:

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا جرير بن حازم، قال: سمعت محمدًا يحدث، أن شرحًا قال:"من أعطى في قرابة أو معروف أو صلة فعطيته جائزة والجانب المتسغْزِر يثاب في هبته أو ترد عليه".

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن شريح مثله.

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، شيخ أبي داود وابن ماجه، عن جرير بن حازم، عن محمَّد بن سيرين، عن شريح.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(9/ 129 رقم 16622).

ص: 337

وأخرجه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن منصور ويونس وابن عون، ثلاثتهم عن ابن سيرين، عن شريح، نحوه.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن شريح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن أبي زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن شريح قال:"من أعطى في صلة أو قرابة أو معروف أو حق؛ فعطيته جائزة، والجانب المستغْزِر يثاب من هبته، أو ترد عليه".

قوله: "فعطيته جائزة" أي: نافذة، والمعنى أنها جازت ونفذت ولم يبق فيها رجوع.

قوله: "والجانب" أي: الغريب، يقال: جَنَبَ فلان في بني فلانٌ يَجْنُبُ جَنابة فهو جَانِب، إذا نزل فيهم غريبًا، أي أن الغريب الطالب إذا أهدى إليك شيئًا ليطلب أكثر منه في مقابلة هديته يثاب أو ترد عليه.

ومعنى "المستغْزِر" الذي يطلب أكثر مما أعطي وهو مستفعل من الغَزَارة وهي الكثرة قد غَزَر الشيء بالضم يَغْزِر فهو غزيرٌ ومَغْزُور، وقد غَزَرت الناقة إذا كثر لبنها، والاسم: الغَزْر مثال الضَّرْب.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: وأما هبة كل واحد من الزوجين لصاحبه: فإن أبا بكرة حدثنا، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمَّد:"أن امرأة وهبت لزوجها هبة ثم رجعت فيها، فاختصما إلى شريح، فقال للزوج: شاهداك أنهما رأياها أنها وهبت لك من غير كره ولا هوان وإلا فبينتها لقد وهبت لك عن كره وهوان".

فهذا شريح رضي الله عنه قد سأل الزوج البينة أنها قد وهبت له لا عن كره بعد ارتجاعها في الهبة، فدل ذلك أن البينة لو ثبتت عنده على ذلك لرد الهبة إليه ولم يجز لها الرجوع

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 420 رقم 21706).

ص: 338

فيها، وقد كان من رأيه أن للواهب الرجوع في هبته إلا من ذي الرحم المحرم، فجعل المرأة في هذا كذي الرحم المحرم؛ فهكذا نقول.

ش: أشار بهذا إلى إقامة الدليل على أن من جملة موانع الرجوع: هبة أحد الزوجين للآخر، وقام أيضًا دليل على صحة الرجوع عند عدم مانع من الموانع التي نُصَّ عليها.

وأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن محمَّد بن سيرين.

وأخرج سعيد بن منصور في "سننه": ثنا هشيم، أنا المغيرة، عن الحارث العكلي "أن رجلًا تصدق على أمه بخادم له وتزوج، فساق الخادمة إلى امرأته فقبضتها امرأته، فخاصمتها الأم إلى شريح، فقال شريح: إن ابنك لم يثبتك صدقته، وأعادها للمرأة؛ لأن الأم لم تكن قَبَضَتْهَا" انتهى.

فهذا يدل على اشتراط القبض في الهبة، وعلى أن أحد الزوجين إذا وهب للآخر لا رجوع فيها.

قوله: "فهذا شريح. . . ." إلى آخره. ظاهر.

ص: وأما هبة الزوج لامرأته: فإن أبا بكرة حدثنا، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا أبو عوانة، عن منصور، قال: إبراهيم: "إذا وهبت المرأة لزوجها أو وهب الرجل لامرأته فالهبة جائزة، وليس لواحد منهما أن يرجع في هبته".

حدثنا سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال:"الزوج والمرأة بمنزلة ذي الرحم المحرم، إذا وهب أحدهما لصاحبه لم يكن له أن يرجع".

فجعل الزوجان في هذه الأحاديث كذي الرحم المحرم، فمنع كل واحد منهما من الرجوع فيما وهب لصاحبه. فهكذا نقول.

ش: هذا أيضًا من جملة الدليل على منع رجوع أحد الزوجين للآخر.

ص: 339

وأخرجه عن إبراهيم النخعي من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم.

الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن أبيه شعيب بن سليمان، عن محمَّد ابن الحسن الشيباني، عن الإِمام أبي حنيفة نعمان بن ثابت، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم.

قوله: "فجعل الزوجان في هذه الأحاديث" أي الآثار المذكورة.

ص: وقد وصفنا في هذا ما ذهبنا إليه في الهبات وما قلدنا من هذه الآثار؛ إذْ لم نعلم عن أحد مثل من رويناها عنه خلافًا لها، فتركنا النظر من أجلها وقلدناها.

وقد كان النظر لو خُلينا وإياه خلاف ذلك وهو أن لا يرجع الواهب في الهبة لغير ذي الرحم المحرم كما لا يرجع في الهبة لذي الرحم المحرم؛ لأن مُلكه قد ذال عنها بهبته إياها، وصارت للموهوب له دونه، فليس له نقض ما قد ملك عليه إلا برضى مالكه، ولكن اتباع الآثار وتقليد أئمة العلم أولى؛ فلذلك قلدناها واقتدينا بها، وجميع ما بينا في هذا الباب قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي قد وصفنا في باب حكم الهبة ما ذهبنا إليه في الهبات، وهو جواز رجوع الواهب عن هبته من أجنبي.

قوله: "وما قلدنا" عطف على قوله: "ما ذهبنا إليه".

قوله: "إذْ لم نعلم" أي: لأنا لم نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين مثل من رويناها عنه خلافًا لها، وذلك لأنه قد روي عن مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وفضالة بن عبيد وأبي الدرداء رضي الله عنهم ما يدل صريحًا على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، ولم يرو عن أحد من الصحابة منهم أو من يقاربهم خلاف ذلك، وكذلك روي عن جماعة من التابعين الكبار مثل شريح القاضي، وإبراهيم

ص: 340

النخعي، ما يوافق ما روي عن هؤلاء الصحابة، ولم يرو عن أحد من التابعين مثلهم أو من يقاربهم خلاف ذلك، فإذا كان كذلك؛ تَعَيَّن المصير إلى ما ذهبوا إليه والعمل به.

قوله: "فتركنا النظر من أجلها" أي إذا كان الأمر كذلك تركنا النظر والقياس من أجل هذه الآثار المروية عنهم لأن القياس لا يؤخذ به إلا عند عدم الآثار والأخبار.

قوله: "وقد كان النظر لو خُلِّينا" على صيغة المجهول، والواو في "وإياه" للمصاحبة، وأراد بهذا أن القياس كان يقتضي أن لا يرجع الواهب فيما يهبه لأجنبي كما لا يرجع فيما يهبه لذي رحم محرم منه؛ لأن ملكه قد زال بهبته، ودخل في ملك الموهوب له بالقبض، فلا يجوز له نقض ذلك وإخراجه عن ملكه إلا برضى صاحبه، ولكن لما وردت الآثار بخلاف ذلك وجب تقليدها وترك القياس والعمل به، ووجب العمل بما روي من الآثار، والتقليد لأئمة العلم، والله أعلم.

ص: 341