الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: كتابة العلم هل تصلح أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم كتابة العلم هل تصلح أم لا؟
ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"أنه استأذن النبي عليه السلام في كتابة العلم، فلم يأذن له".
ش: إبراهيم بن بشار الرمادي، قال البخاري: صدوق. وقال النسائي: ليس بالقوي.
وعبد الرحمن بن زيد المدني، فيه مقال؛ فعن أحمد: ضعيف. وعن النسائي مثله. وقال أبو حاتم: في نفسه صالح، وفي الحديث واهٍ.
وأبوه زيد بن أسلم القرشي المدني، روى له الجماعة.
وعطاء بن يسار الهلالي مولى ميمونة زوج النبي عليه السلام، روى له الجماعة.
وأخرجه مسلم (1) بغير هذا اللفظ: ثنا هدبة بن خالد، قال: ثنا همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم، ثنا عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن النبي عليه السلام قال:"لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآن، ومَن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه، وقال: حدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَ -قال همام: أحسبه قال: متعمدًا- فليتبوأ مقعده من النار، قال: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلي كراهة كتابة العلم، ونهوا عن ذلك، واحتجوا فيه بما ذكرنا.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين والقاسم وعَبِيدة والأوزاعي والزهري؛ فإنهم كانوا يكرهون كتابة العلم وينهون عن ذلك، واحتجوا في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري المذكور، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عباس- رضي الله عنهم.
(1)"صحيح مسلم"(4/ 2298 رقم 3004).
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بكتابه العلم بأسًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن المسيب والضحاك وسعيد بن جبير وعامرًا الشعبي وصالح بن كيسان وآخرين كثيرين، فإنهم لم يروا بذلك بأسًا، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأبي هريرة والبراء بن عازب رضي الله عنهم.
ص: وعارضوا ما احتج به عليهم مخالفوهم من الأمر الذي ذكرنا بما قد روي عن رسول الله عليه السلام:
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا شريك، عن المخارق، عن طارق قال:"خَطَبَنَا علي رضي الله عنه فقال: ما عندنا من كتاب نقرأه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة -يعني صحيفة في دواته، أو قال: في غلاف سيف عليه- أخذتها من رسول الله عليه السلام فيها فرائض الصدقة".
حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال:"ليس عندنا عن النبي عليه السلام من كتابٍ إلا كتاب الله عز وجل، وشيء في هذه الصحيفة: المدينة حرام ما بين عَير إلي ثَوْر".
ش: أي عارض الآخرون ما احتج به عليهم القوم المذكورون الذين خالفوهم من الحديث المذكور بما قد روي عن النبي عليه السلام، وهو حديث علي بن أبي طالب.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي -شيخ البخاري- عن شريك بن عبد الله النخعي، عن المخارق بن خليفة بن جابر -ويقال: مخارق بن عبد الله بن جابر، ويقال: مخارق بن عبد الرحمن الكوفي- وثقه يحيى وأحمد، وروى له البخاري والترمذي والنسائي وأبو داود في القدر.
عن طارق بن شهاب الأحمسي الصحابي.
وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا إبراهيم بن سعد، قال: ثنا أبو نعيم، عن شريك، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، قال: "رأيت عليًّا رضي الله عنه وهو يقول على المنبر: ما عندنا كتاب نقرأه عليكم إلا كتاب الله عز وجل، وهذه الصحيفة -صحيفة معلقة في سيفه- وذكر أن فيها فرائض الصدقة التي أخذها في حياة رسول الله عليه السلام ، ولا نعلم روى طارق بن شهاب عن علي إلا هذا الحديث، وطارق رجل قد رأى النبي عليه السلام.
وأخرج البخاري (2): عن محمَّد بن سلام، عن وكيع، عن سفيان، عن مطرف بن طريف، عن الشعبي، عن أبي جحيفة، عن علي:"هل عندكم عن رسول الله عليه السلام شيء سوى القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدًا علمًا في كتابه، وما في هذه الصحيفة؟ قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: فكاك الأسير، والعقل، وأن لا يُقْتَل مسلم بكافر".
وأخرجه الترمذي (3): عن أحمد بن منيع، عن هشيم، عن مطرف، عن الشعبي، أنا أبو جحيفة قال:"قلت لعلي: هل عندكم سوداء في بيضاء ليس في كتاب الله. . . ." الحديث.
والنسائي (4): عن محمَّد بن منصور، عن سفيان، عن مطرف، عن الشعبي، عن أبي جحيفة، بمعناه.
وابن ماجه (5): عن علقمة بن عمرو الدارمي، عن أبي بكر بن عياش عن مطرف، عن الشعبي نحوه.
الثاني: عن أبي أمية محمَّد بن إبراهيم الطرسوسي .. إلى آخره.
(1)"مسند البزار"(2/ 150 رقم 513).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 53 رقم 111).
(3)
"جامع الترمذي"(4/ 23 رقم 1412).
(4)
"المجتبى"(8/ 23 رقم 4744).
(5)
"سنن ابن ماجه"(2/ 887 رقم 2658).
وقد أخرجه الطحاوي بعينه في باب: صيد المدينة، عن فهد، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال:"خطبنا علي رضي الله عنه علي منبر من آجر، وعليه سقف فيه صحيفة معلقة به، فقال: والله، ما عندنا من كتاب نقرأه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة، ثم نشرها فإذا فيها: المدينة حرام من عَيْر إلى ثَوْر". وقد ذكرنا هناك أن هذا الحديث أخرجه الجماعة غير النسائي واستقصينا الكلام فيه هناك.
وإبراهيم التيمي هو ابن يزيد التيمي، وأبوه يزيد بن شريك التيمي.
ص: وفي الحديث غير هذا:
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا أبي إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن المغيرة بن حكيم ومجاهد، أنهما سمعا أبا هريرة يقول:"ما كان أحد أحفظ الحديث رسول الله عليه السلام مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإني كنت أعي بقلبي وكان يعي بقلبه ويكتب بيده، استأذن النبي عليه السلام في ذلك فأذن له".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن سليمان، عن عُقَيل بن خالد، عن عمرو بن شعيب، أن شعيبًا حدثه ومجاهدًا، عن عبد الله بن عمرو قال:"قلت: يا رسول الله، أكتب ما سمعت منك؟ قال: نعم، قلت: عند الغضب والرضا؟ قال: نعم، إنه لا ينبغي لي إلا أن أقول حقًا".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يعني عبد الرحمن بن سليمان، عن عُقَيل بن خالد، عن المغيرة بن حكيم، أنه سمع من أبي هريرة. . . . فذكر نحوًا من ذلك.
حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:"قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك أشياء أخاف [أن] (1) أنساها، أفتأذن لي أن أكتبها؟ قال: نعم".
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
وفي هذه الآثار الإباحة لكتابة العلم، وخلاف حديث أبي سعيد الذي ذكرناه في أول هذا الباب.
ش: أي وجاء في حديث النبي عليه السلام غير ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري، وهو ما يدل على إباحة كتابة العلم.
وأخرج في ذلك عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص.
أما عن أبي هريرة فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أحمد بن خالد الكندي الوهبي، عن محمَّد بن إسحاق، عن المغيرة بن حكيم الصعاني الأبناوي، وثقه يحيى والعجلي والنسائي، وروى له مسلم، واستشهد به البخاري.
وأخرجه البيهقي في كتاب "المدخل"(1): أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالوا: ثنا أبو العباس -هو الأصم- ثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا أحمد بن خالد، نا محمَّد بن إسحاق (ح).
وثنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو عمرو السماك، نا حنبل بن إسحاق، نا أحمد بن عبد الملك الحراني سأله أبو عبد الله عنه فحدثه به، قال: نا محمَّد بن سلمة، عن محمَّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن مجاهد والمغيرة بن حكيم، قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: "ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله عليه السلام مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتبه بيده ويعيه بقلبه وكنت أعي ولا أكتب، واستأذن رسول الله عليه السلام في الكتاب عنه، فأذن له".
قوله: "أعي بقلبي" أي أحفظ، من وَعَى يَعِي وَعْيًا أي حفظ يحفظ، وأصل أعي: أوْعى، حذفت "الواو" تبعًا لحذفها من يعي؛ لأنها حذفت فيه لوقوعها بين الكسرة والياء. فافهم.
الثاني: عن يونس بن عبد الأعلي، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن بن
(1)"المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 412 رقم 751).
سَلمان -بفتح السين وسكون اللام- الرعيني الحجري المصري، وثقه ابن يونس، وروى له مسلم والنسائي.
عن عُقَيل- بضم العين- بن خالد الأيلي، عن المغيرة بن حكيم، عن أبي هريرة.
وأخرجه عبد الله بن وهب في "مسنده".
وأما عن عبد الله بن عمرو فأخرجه أيضًا من طريقين:
الأول: بإسناد صحيح. عن يونس بن عبد الأعلى. . . . إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "المدخل"(1): أنا أبو عبد الله بن البياع الحافظ، نا أبو العباس محمَّد بن يعقوب، أنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنا ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن سَلْمان، عن عُقَيل بن خالد. . . . إلى آخره نحوه.
الثاني: عن ربيع بن سليمان الجيزي الأعرج، عن سعيد بن الحكم -المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري- عن يحيى بن أيوب الغافقي، عن عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخرساني أبي مسعود المقدسي، ضعفه مسلم. وقال: عمرو بن علي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له ابن ماجه، وهو يروي عن أبيه عطاء الخراساني، روى له الجماعة إلا البخاري.
وقوله: "ففي هذه الآثار" أراد بها أحاديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو.
ص: وهذا أولى بالنظر؛ لأن الله عز وجل قال في الدَّيْن: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} (2)، فلما أمر الله عز وجل بكتابة الدين خوف الرَّيْب؛ كان العلم الدي حفظه أصعب من حفظ الدَّيْن أحرى أن تباح كتابته (فيه وأشد)(3)، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
(1)"المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 414 رقم 754).
(2)
سورة البقرة، آية:[282].
(3)
كذا في "الأصل، ك"، وفي "شرح معاني الآثار":"خوف الرَّيْب فيه والشك".
ش: أي هذا الذي ذهب إليه أهل المقالة الثانية أولى بالنظر والقياس، ووجه ذلك ظاهر.
قوله: "وهذا قول أبي حينفة" أي ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية هو قول أبي حنيفة وأصحابه، وهو أيضًا قول مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم.
ص: وقد روي في ذلك أيضًا من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا:
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أنَّ ناسًا من أهل الطائف أتوه بصحف من صحفه [ليقرأها] (1) عليهم، فلما أخذها لم ينطلق قال: إني لما ذهب بصري بُلهْتُ فاقرءوها عليَّ ولا يكن في أنفسكم من ذلك حرج، فإن قراءتكم عليَّ كقراءتي عليكم".
حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أنا سليمان التيمي، عن طاوس قال:"كان سعيد بن جبير يكتب عند ابن عباس، فقيل له: إنهم يكتبون، فقال: يكتبون، وكان أحسن شيء خلقًا".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الربيع الزهراني، قال: ثنا يعقوب القُمِّي قال: ثنا عبد الله بن محمَّد بن عقيل قال: "كنا نأتي جابر بن عبد الله فنسأله عن [سنن] (2) رسول الله عليه السلام فنكتبها".
حدثنا حسين، قال: ثنا نعيم، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أنا سليمان التيمي عن ثابت، عن أنس، قال: ثنا محمود [بن](2) الربيع عن عتبان بن مالك قال أنس: "فلقيت عتبان فحدثني به فأعجبني، فقلت لابني: اكتبه، فكتبه".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد (ح).
وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال ثنا سفيان، عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه، سمع أبا هريرة يقول: "ليس أحد من
(1) في "الأصل، ك": "ليقرأه"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
أصحاب رسول الله عليه السلام أكثر حديثًا عن رسول الله عليه السلام مني ما خلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب".
حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن عمران بن حدير، عن بشير بن نهيك قال:"كنت آخذ الكتب من أبي هريرة فأكتبها، فإذا فرغتُ قرأتها عليه، فأقول الذي قرأته بها عليك أسمعته منك؟ فيقول: نعم".
ش: أي قد روي في إباحة كتابة العلم أيضًا من بعد النبي عليه السلام عن الصحابة والتابعين ما يوافق ما روي من أحاديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص.
وأخرج في ذلك عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وأبي هريرة وبشير بن نهيك رضي الله عنهم.
أما عن ابن عباس فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن صالح بن عبد الرحمن. . . . إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "المدخل": أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا بكر بن محمَّد بن حمدان الصيرفي بمرو، ثنا عبد الصمد بن الفضل البلخي، ثنا حفص بن عمر العدني، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"جاء ناس من أهل الطائف، فقالوا: إن معنا كتبًا أو علمًا من علمك فنحب أن تقرأه علينا، فأخذ ابن عباس الكتب فجعل يقدم ويؤخر، فقال: إني قد بُلِهْت منذ ذهب بصري، ولكن اقرؤا عليّ، وإن قراءتكم إياه عليّ كقراءتي إياه عليكم، ولا يكن في أنفسكم من ذلك شيء".
قوله: "بُلهت" بكسر اللام من بَلِهَ يبْلَهُ بلاهة، ومنه رجل أبله، وهو الذي غلبت عليه سلامة الصدر وبلهت هنا: تغيرتُ عما كنت عليه.
ويستفاد منه:
جواز كتابة العلم، وأن قراءة الشيخ على التلميذ وعكسه سواء.
الثاني: عن حسين بن نصر. . . . إلى آخره.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن نمير، عن عثمان بن حكيم، عن سعيد بن جبير:"أنه كان يكون مع ابن عباس فيسمع منه الحديث في أوسط الرحل فإذا نزل نَسَخَه".
وقال البيهقي (2): أنا أبو الحسن، أنا أبو عمرو، ثنا حنبل، نا حسن بن الربيع، ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال:"كنت أكتب عند ابن عباس في صحيفتي حتى أملأها، ثم كتب في ظهر نعلي، ثم أكتب في كفيِّ".
وأما عن جابر: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي الربيع سليمان ابن داود الزهراني، شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن يعقوب بن عبد الله بن سعيد القمي الأشعري، وثقه ابن حبان، وروى له الأربعة والبخاري مستشهدًا، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل بن أبي طالب القرشي المدني، فيه مقال؛ فعن يحيى: ليس حديثه بحجة. وعنه: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: ليِّن الحديث.
وأخرج البيهقي في "المدخل"(3): ثنا عثمان، نا علي بن هاشم، عن محمَّد بن علي السلمي، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل قال:"كنت أختلف أنا وأبو جعفر إلى جابر بن عبد الله، نكتب عنه في ألواح".
وأما عن أنس: فأخرجه عن حسين بن نصر، عن نعيم بن حماد المروزي، عن عبد الله بن المبارك، عن سليمان التيمي، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: حدثنا محمود بن الربيع بن سراقة الخزرجي الأنصاري الصحابي، فإنه عقل عن النبي عليه السلام مجة مجها في وجهه من دلوٍ من بئر في دارهم وهو يوري عن عتبان بن مالك ابن عمرو العجلاني الصحابي وهؤلاء ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض.
وأما عن أبي هريرة فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسي، عن سفيان الثوري،
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 314 رقم 26434).
(2)
"المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 421 رقم 774).
(3)
"المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 422 رقم 776).
عن عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه بن كامل الصنعاني الذماري وثقه يحيى وأبو زرعة والنسائي، وروي له الجماعة، ابن ماجه في التفسير، عن أخيه همام بن منبه، روى له الجماعة.
وأخرجه البخاري (1): عن علي بن المديني، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: "ما أحد أكثر حديثًا عن رسول الله عليه السلام مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب".
الثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان. . . . إلى آخره.
وأخرجه أبو بكر الإسماعيلي، عن أحمد بن حمدان العسكري، عن علي بن المديني. . . . نحو رواية البخاري.
وأخرجه البيهقي (2): عن أبي عمرو الأديب، عن أبي بكر الإسماعيلي.
وأما عن بشير بن نهيك السدوسي البصري: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلي، عن علي بن معبد بن شداد العبدي، وثقه أبو حاتم، عن شعيب بن إسحاق بن إبراهيم الدمشقي مولى رملة بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه روي له الجماعة سوى الترمذي، عن عمران بن حدير السدوسي البصري -وثقه يحيى والنسائي، وروى له مسلم وأبو داود والنسائي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن بشير بن نهيك قال:"كنت أكتب ما أسمعه من أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 54 رقم 113).
(2)
"المدخل إلى السنن الكبرى"(1/ 412 رقم 748).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 314 رقم 26432).