المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: رواية الشعر هل هي مكروهة أم لا

- ‌ص: باب: العاطس يشمت كيف ينبغي أن يرد على من يشمته

- ‌ص: باب: الرجل يكون به الداء هل يُجْتَنَب أم لا

- ‌ص: باب: التخيير بين الأنبياء عليهم السلام

- ‌ص: باب: إخصاء البهائم

- ‌ص: باب: كتابة العلم هل تصلح أم لا

- ‌ص: باب: الكي هل هو مكروه أم لا

- ‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر

- ‌ص: باب: التكني بأبي القاسم هل يصلح أم لا

- ‌ص: باب: السلام على أهل الكفر

- ‌ص: كتاب الصرف

- ‌ص: باب: الربا

- ‌ص: باب: القلادة تباع بذهب وفيها خرز وذهب

- ‌ص: كتاب الهبة والصدقة

- ‌ص: باب: الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض

- ‌ص: باب: العمرى

- ‌ص: باب: الصدقات الموقوفات

- ‌ص: كتاب القضاء والشهادات

- ‌ص: باب: القضاء بين أهل الذمة

- ‌ص: باب: القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ص: باب: رد اليمين

- ‌ص: باب: الرجل تكون عنده الشهادة للرجل هل يجب أن يخبره بها؟ وهل يقبله الحاكم على ذلك أم لا

- ‌ص: باب: الحكم بالشيء فيكون في الحقيقة بخلافه في الظاهر

- ‌ص: باب: الحر يجب عليه دين ولا يكون له مال، كيف حكمه

- ‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده

- ‌ص: باب: الوليد يدعيه رجلان كيف حكمه

- ‌ص: باب: الرجل يبتاع السلعة فيقبضها ثم يموت أو يفلس وثمنها عليه دين

- ‌ص: باب: شهادة البدوي هل تقبل على القروي

الفصل: ‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده

‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده

ش: أي هذا باب في بيان حكم الوالد في مال ولده، هل يملك ماله كما يملك مال نفسه أم لا؟

ص: حدثنا ربيع الجيزي وابن أبي داود، قالا: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا عيسى بن يونس، قال: ثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:"أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي مالًا وعيالًا، وإن لأبي مالًا وعيالًا، وانه أراد أن يأخذ مالي إلى ماله، فقال رسول الله عليه السلام: أنت ومالك لأبيك".

ش: إسناده صحيح. ورجاله رجال الصحيح ما خلا شيخي الطحاوي، وابن المنكدر هو محمَّد بن المنكدر.

وأخرجه ابن ماجه (1): عن هشام بن عمار، عن عيسى بن يونس، عن يوسف ابن إسحاق، عن محمَّد بن المنكدر به.

وأخرجه البزار أيضًا: نا محمَّد بن يحيى وعبد الكريم، ثنا عبد الله بن داود -هو الخُرَيْبي- عن هشام بن عروة، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله عليه السلام أنه قال:"أنت ومالك لأبيك".

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رجل: "يا رسول الله إن لي مالًا، ولي والد يريد أن يجتاح مالي، فقال رسول الله عليه السلام: أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم.

ش: رجاله ثقات.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 769 رقم 2291).

ص: 509

وأبو عمر اسمه حفص بن عمر شيخ البخاري وأبي داود، ونسبته إلى حوض داود محلة ببغداد.

وأخرجه أبو داود (1): عن حميد بن مسعدة، عن خالد بن الحارث.

عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده "أن رجلًا أتى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا، وإن والدي يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم".

وأخرجه النسائي (2): عن إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، عن حسين. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (3): عن أحمد بن الأزهر، عن روح بن عبادة، عن حسين المعلم به نحوه.

قوله: "يريد أن يجتاح" بالجيم وفي آخره حاء مهملة، قال الخطابي أي يريد أن يستأصله ويأتي عليه، والعرب تقول: جاحهم الزمان واجتاحهم إذا أتى على أموالهم، ومنه الجائحة وهي الآفة التي تصيب الأموال فتهكلها، ويمكن أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة عليه، وأن مقدرا ما يحتاج إليه منها كثير لا يسعه عفو مال إلا بأن يجتاح أصله، فلم يعذره النبي عليه السلام ولم يرخص له في ترك النفقة، وقال له: أنت ومالك لأبيك على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، فأما أن يكون أراد به إباحة ماله حتى يجتاحه ويأتي عليه فلا أعلم أحدًا ذهب إليه.

(1)"سنن أبي داود"(3/ 289 رقم 3530) ولكن من طريق محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب به.

(2)

قلت: هذا وهم من المؤلف رحمه الله في تخريج هذا الحديث والتبس عليه بحديث "كُلْ من مال يتيمك غير مسرف ولا مُتاثل" وهو في تحفة الأشراف (6/ 309 رقم 8681)، وأما حديث الباب فهو في تحفة الأشراف (6/ 306 رقم 8670).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 769 رقم 2292) بسند مختلف.

ص: 510

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن ما كسب الابن من مال فهو لأبيه، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح ومسروق بن الأجدع ومجاهدًا والحكم بن عتيبة وعامرًا الشعبي والحسن البصري وابن أبي ليلى؛ فإنهم قالوا: مال الابن لأبيه، يأخذ منه ما شاء ويأكل منه ما شاء.

وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وأنس وابن عباس وعائشة الصديقة رضي الله عنهم.

وقال ابن حزم (1): روينا من طريق ابن الجهم، ثنا أبو قلابة الرقاشي، ثنا روح -هو ابن عبادة- نا ابن جريج، أنا ابن الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:"يأخذ الأب والأم من مال ولدهما بغير إذنه، ولا يأخذ الابن ولا الابنة من مال أبويهما بغير إذنهما" وصح مثله أبي عن عائشة رضي الله عنها من قولها، وعن أنس رضي الله عنه.

وروى (2) من طريق أبي داود، عن محمَّد بن أبان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"أولادكم هبة الله لكم، وأموالهم لكم".

ومن طريق ابن مسعود (2) عن عمر بن الخطاب: "أنه أتاه أب وابن، والابن يطلب أباه بألف درهم أقرضه إياه، والأب يقول أنه لا يقدر عليها، فأخذ عمر بيد الابن فوضعها في يد الأب فقال: هذا وماله من هبة الله لك".

وعن علي بن أبي طالب (2) رضي الله عنه نحو هذا وأنه "قضى بمال الولد للوالد".

وأخرج ابن أبي شيبة (3): عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن حي، عن ليث، عن مجاهد والحكم قالا:"يأخذ الرجل من مال ولده ما شاء إلا الفرج".

(1)"المحلى"(8/ 103).

(2)

"المحلى"(8/ 104).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 564 رقم 23156).

ص: 511

وأخرج أيضًا (1): عن معاوية بن هشام، عن الثوري، عن أبي حمزة، عن إبراهيم النخعي قال:"الوالد في حل من مال ولده إلا الفرج".

وأخرج عبد بن حميد (2)، عن يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن سعيد ابن المسيب قال:"الوالد يأكل من مال ولده ما شاء، والولد لا يأكل من مال والده إلا بإذنه".

وأخرج عبد الرزاق (3)، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن قال:"يأخذ الرجل من مال ولده ما شاء، وإن كانت جارية تسراها" قال قتادة: "لم يعجبني ما قال في الجارية".

وقال ابن أبي ليلى (3): "لا يغرم الأب ما استهلك من مال ولده، ويجوز بيعه لمال ولده الكبير".

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما كسب الابن من شيء فهو له خاصة دون أبيه.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: إبراهيم النخعي والزهري ومحمد بن سيرين وحماد بن زيد ومجاهدًا -في قول- وحماد بن أبي سليمان سفيان وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد؛ فإنهم قالوا: مال الابن له دون أبيه إلا إذا احتاج الأب أو الأم، فإنهما يأكلان من مال ابنهما بالمعروف، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.

وقال ابن حزم (4): للأب والأم أن يأكلا من مال الولد حيث وجداه من بيت أو غير بيت فقط، ثم لا شيء لهما ولا حكم في شيء من ماله لا بعتق ولا بإصداق

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 564 رقم 23155)، وهو في "المحلى"(8/ 104).

(2)

"المحلى"(8/ 104 - 105).

(3)

"المحلى"(8/ 105).

(4)

"المحلى"(8/ 106).

ص: 512

ولا بارتهان إلا إن كانا فقيرين، فيأخذ الفقير منهما من مال ولده من كسوة وأكل وسكني وخدمة وما احتاجا إليه فقط، وأما الولد فيأكل من بيت أبيه وبيت أمه ما شاء بغير إذنها ولا يأكل من غير البيت شيئًا.

ص: وقالوا: قول النبي عليه السلام ليس على التمليك منه للأب كسب الابن، إنما هو على أنه لا ينبغي للابن أن يخالف الأب في شيء من ذلك، وأن يجعل أمره فيه نافذًا كأمره فيما يملك، ألا تراه يقول:"أنت ومالك لأبيك"؟ فلم يكن الابن مملوكًا لأبيه بإضافة النبي عليه السلام إياه إليه، فكذلك لا يكون مالكًا لماله بإضافة النبي عليه السلام إياه إليه.

وقد حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال قط ما نفعي مال أبي بكر، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ومالي لك يا رسول الله".

فلم يرد أبو بكر رضي الله عنه بذلك أنّ ماله للنبي عليه السلام ملكًا ،ولكنه أراد أن أمره ينفذ فيه وفي نفسه كما ينفذ أمر ذى المال في ماله بإيجابه ذلك له، فكذلك قوله:"أنت ومالك لأبيك" هو على هذا المعنى أيضًا.

ش: أي قال أهل المقالة الثانية، وهذا جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى بالحديث المذكور، وهو ظاهر، واستشهد على ذلك بحديث أبي هريرة.

وأخرجه بإسناد صحيح. ورجاله رجال الصحيح ما خلا فهدًا.

وأبو معاوية محمَّد بن خازم الضرير.

والأعمش هو سليمان بن مهران، وأبو صالح ذكوان الزيات.

وأخرجه النسائى (1): عن محمَّد بن عبد العزيز، عن أبي معاوية، عن الأعمش نحوه.

(1)"السنن الكبرى"(5/ 37 رقم 8110).

ص: 513

وابن ماجه (1): عن ابن أبي شيبة وعلي بن محمَّد، عن أبي معاوية. . . . إلى آخره نحوه.

وادعى ابن حزم أن حديث: "أنت ومالك لأبيك" منسوخ لا شك فيه؛ لأن الله عز وجل حكم بميراث الأبوين والزوج والزوجة والبنين والبنات من مال الولد إذا مات، وأباح في القرآن لكل مالك أمة وطأها بملك يمين، وحرمها على من لا يملكها بقوله تعالى:{إَلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (2) إلى قوله: {الْعَادُونَ} (3) فدخل في هذا من له والد ومن لا والد له، فصح أن مال الولد له بيقين لا لأبويه ولا حق لهما فيه، إلا ما جاء به النص مما ذكرنا من الأكل، أو عند الحاجة فقط، ولو كان مال الولد للوالد لما ورثت زوجة الولد ولا زوج البنت ولا أولادهما من ذلك شيئًا؛ لأنه مال لإنسان حي ولا كان يحل لذي والد أن يطأ جاريته أصلًا؛ لأنها لأبيه كانت تكون، فصح بورود هذين الحكمين وبقائهما إلى يوم القيامة بآيتين غير منسوختين أن ذلك الخبر منسوخ، وكذلك أيضًا صح بالنص والإجماع المتيقن أن من ملك أمة أو عبدًا لهما والد فإن ملكهما لمالكهما لا لأبيهما، فصح أن قوله عليه السلام أنه لأبيه منسوخ، وارتفع الإشكال.

ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام أنه حرم أموال المؤمنين كما حرم دماءهم ولم يستثنِ في ذلك والدًا ولا غيره، فمما روي عنه في ذلك: ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود (ح).

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، قالوا: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة بن شراحيل، قال: حدثني رجل من أصحاب رسول الله عليه السلام-وأحسبه قال: في غرفتي هذه- قال: "قام فينا رسول الله عليه السلام

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 36 رقم 49).

(2)

سورة المؤمنون، آية:[6].

(3)

سورة المؤمنون، آية:[7].

ص: 514

فقال: هل ترون أي يوم هذا؟ قالوا: نعم، يوم النحر، قال: صدقتم، يوم الحج الأكبر، قال: هل تدرون أي شهر هذا؟ قالوا: نعم، ذو الحجة، قال: صدقتم، شهر الله الأصم، قال: هل تدرون أي بلد هذا؟ قالوا: نعم، المشعر الحرام، قال: صدقتم فقال رسول الله عليه السلام: إن دماءكم وأموالكم -وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".

ش: ذكر هذا الحديث وما بعده شاهدة لما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة الفقيه، عن مرة بن شراحيل الهمداني الكوفي، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام.

وأخرجه النسائي (1): عن ابن مثنى وابن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو ابن مرة، عن مرة الهمداني، قال: حدثني رجل من أصحاب النبي عليه السلام. . . . فذكره.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير. . . . إلى آخره.

واستفيد منه: أن حرمة مال الرجل ودمه وعرضه سواء.

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة البكراوي، قال: ثنا عوف الأعرابي، عن محمَّد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام قال في خطبة يوم النحر يوم حجة الوداع: إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام بينكم في مثل يومكم هذا في مثل شهركم هذا في مثل بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد الغائب".

ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات إلا في رواية عن أحمد أن هوذة ضعيف.

وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث.

(1)"السنن الكبرى"(2/ 44 رقم 4099).

ص: 515

وأخرجه البخاري (1): عن عبد الله بن عبد الوهاب قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن محمَّد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة ذكر النبي عليه السلام قال:"فإن دماءكم وأمو الكم -قال محمَّد: وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب".

وأخرجه من طرق أخرى متعددة.

وأخرجه مسلم (2) بطرق متعددة أيضًا.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: سمعت أبا صالح يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "إن أعظم الأيام حرمة هذا اليوم، وإن أعظم الشهور حرمة هذا الشهر، وإن أعظم البلدان حرمة هذا البلد، وإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة هذا اليوم وهذا الشهر وهذا البلد، هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد".

ش: إسناده صحيح.

وعمر بن حفص النخعي الكوفي شيخ البخاري ومسلم.

وأبوه حفص بن غياث بن طلق النخعي، روى له الجماعة.

والأعمش هو سليمان، وأبو صالح ذكوان.

وأخرجه ابن ماجه (3): ثنا هشام بن عمار، نا عيسى بن يونس، قال: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله عليه السلام في حجة الوداع: "ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا، ألا إن أحرم الشهور شهركم هذا، ألا وإن أحرم البلد بلدكم هذا، ألا وإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 52 رقم 105).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1305 رقم 1679).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1297 رقم 3931).

ص: 516

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، قال: ثنا جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر: أن رسول الله عليه السلام خطبهم في حجة الوداع، قال: ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا نبيكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".

ش: إسناده صحيح.

وجعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

وهذا حديث مطول في صفة حج النبي عليه السلام.

أخرجه مسلم (1) في المناسك: عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بطوله.

وأبو داود (2) وابن ماجه أيضًا (3) مطولًا والنسائي (4) مختصرًا وقد ذكرناه في كتاب الحج.

ص: حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا دحيم بن اليتيم، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا هشام بن الغاز الجرشي، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"خطبنا رسول الله عليه السلام. . . ." ثم ذكره مثله.

ش: دحيم هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي المعروف بدحيم بن اليتيم قاضي الأردن وفلسطين، شيخ البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه.

والوليد بن مسلم الدمشقي روي له الجماعة.

وهشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي الدمشقي، وثقه أحمد ودحيم وروى له الأربعة.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 886 رقم 1218).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 585 رقم 1905).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1025 رقم 3074).

(4)

"السنن الكبرى"(2/ 421 رقم 4001).

ص: 517

وأخرجه ابن ماجه (1): عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن هشام بن الغاز، سمعت نافعًا يحدث عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام وقف يوم النحر [بين] (2) الجمرات في الحجة التي حج فيها، فقال النبي عليه السلام: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: هذا بلد [الله] (2) الحرام، قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر [الله] (2) الحرام، قال: هذا يوم الحج الأكبر، دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد [في هذا الشهر] (2) في هذا اليوم، ثم قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم، فطفق النبي عليه السلام يقول: اللهم أشهد، ثم ودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع".

ص: حدثنا محمَّد بن علي بن داود، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم بن جبر، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا غادية الجهني قال: "خطبنا رسول الله عليه السلام .. ثم ذكر مثله".

ش: إسناده صحيح.

وربيعة بن كلثوم البصري وثقه يحيى والنسائي، وروى له مسلم والنسائي.

وأبوه كلثوم بن جبر البصري، وثقه يحيى وابن حبان، وروى له مسلم وأبو داود والنسائي.

وأبو غادية -بالغين المعجمة- اختلف في اسمه، فقيل: يسار بن أزهر، وقيل: مسلم، يعد في الشاميين، وكان من شيعة عثمان رضي الله عنه، وهو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه.

والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا عبد الصمد بن عبد الوراث، ثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن أبي غادية، قال: "خطبنا رسول الله عليه السلام غداة العقبة

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1016 رقم 3058).

(2)

ما بين المعكوفين ليس في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن ابن ماجه".

(3)

"مسند أحمد"(4/ 76 رقم 16745).

ص: 518

فقال: ألا إن دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم".

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يونس بن محمَّد، قال: ثنا حسين بن عازب، عن شبيب بن غرقدة، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبيه عمرو قال:"خطب رسول الله عليه السلام في حجة الوداع. . . ." فذكر مثله.

ش: يونس بن محمَّد بن مسلم البغدادي المؤذن، روى له الجماعة.

وحسين بن عازب ذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل وسكت عنه.

وشبيب بن غرقدة السلمي الكوفي، روى له الجماعة.

وسليمان بن عمرو الجشمي الكوفي، وثقه ابن حبان، وروى له الأربعة.

وأبوه عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب الجشمي الكلابي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه ابن ماجه مطولًا (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهناد بن السري، ثنا أبو الأحوص، عن شبيب، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبيه قال:"سمعت النبي عليه السلام يقول في حجة الوداع: يا أيها الناس، ألا أي يوم أحرم؟ ثلاث مرات، قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. . . . الحديث".

ص: فجعل رسول الله عليه السلام حرمة الأموال كحرمة الأبدان، فلما لا تحل أبدان الأبناء للآباء إلا بالحقوق الواجبة، فكذلك لا تحل أموالهم إلا بالحقوق الواجبة.

ش: أي سَوَّى رسول الله عليه السلام بين الأموال والأبدان في الحرمة، فلا يحل مال الابن للأب كما لا يحل له بدنه إلا بالحق الواجب، وهو احتياجه إلى مال ابنه لأجل النفقة وما أشبه ذلك.

ص: فإن قال قائل: نريد أن توجدنا ما ذكرت في الأب منصوصًا عليه عن النبي عليه السلام.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1015 رقم 3055).

ص: 519

قلت: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عياش بن عباس القتباني، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما:"أن رسول الله عليه السلام قال لرجل: أمرت بيوم الأضحى عيدًا جعله الله عز وجل لهذه الأمة، فقال الرجل: أفرأيت إن لم أجد إلا منيحة ابني، أفأضحي بها؟ قال: لا ، ولكن تأخذ من شعرك ومن أظفارك، وتقص من شاربك وتحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند الله".

ش: أن توجدنا: أي أن توجد لنا ما ذكرت من قولك: إن مال الابن لا يجوز للأب تملكه إلا عند الحاجة؛ منصوصًا عليه من النبي عليه السلام فقال: حدثنا يونس. . . . إلى آخره، وأراد به أنه جاء منصوصًا من النبي عليه السلام أن الأب ليس له أن يتملك مال ابنه إلا عند الحاجة.

وأخرجه بإسناد مصري صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب المصري، عن سعيد بن أبي أيوب مقلاص الخزاعي المصري، عن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة- بن عباس -بالباء الموحدة والسين المهملة- القتباني -بكسر القاف وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة وبعد الألف نون، نسبة إلى قتبان من رعين.

روي عن عيسى بن هلال الصدفي المصري، وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا هارون بن عبد الله، قال: ثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني عياش بن عباس القتباني، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله عليه السلام قال:"أمرت بيوم الأضحى عيدًا. . . ." إلى آخره نحوه.

(1)"سنن أبي داود"(3/ 93 رقم 2789).

ص: 520

وأخرجه النسائي (1): عن يونس بن عبد الأعلى أيضًا.

وقد اشترك الطحاوي مع النسائي في تخريج هذا الحديث عن شيخ واحد.

قوله: "إلا منيحة ابني" وهي الناقة التي يعطيها صاحبها لآخر ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانًا ثم يردها، وفيه دلالة على أن الأب لا يملك مال ابنه، وأن قوله عليه السلام:"أنت ومالك لأبيك" ليس للتمليك في جميع مال الابن وإنما هو في الأكل والشرب منه بمقدار حاجته عند احتياجه إليه، وفيه الحض على الأضحية، حتى احتج به بعضهم على وجوبها، وفيه استحباب حلق الرأس وقص الأظفار والشارب وحلق العانة يوم عيد الأضحية، وعن هذا قال بعضهم: من أراد أن يضحي ينبغي أن لا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئًا إلا يوم العيد، وكان ابن سيرين يكره إذا دخل العشر أن يأخذ الرجل من شعره حتى يكره أن يحلق الصبيان في العشر، وهو قول الشافعي وأبي ثور وإسحاق وأبي سليمان، وإليه ذهب الأوزاعي وأهل الظاهر، وخالفهم في ذلك مالك وأبو حنيفة، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفى في كتاب الأضاحي.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فلما قال هذا الرجل: يا رسول الله، أضحي بمنيحة ابني فقال رسول الله عليه السلام: لا، وقد أمره أن يضحي من ماله وحَضَّه عليه؛ دل ذلك على أن حكم مال ابنه خلاف حكم ماله، مع أن أولى الأشياء بنا حمل هذه الآثار على هذا المعنى لأن كتاب الله عز وجل يدل على ذلك، قال الله عز وجل:{يُوصِيكُمُ الله في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2) ثم قال: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} (2) فورث الله عز وجل غير الوالد مع الوالد من مال الابن، فاستحال أن يكون المال للأب في حياة الابن ثم يصير بعضه لغير الأب في حياة الأب، ثم قال الله عز وجل:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (2) فجعل الله المواريث للوالد وغيره بعد قضاء الدين -إن كان على الميت- وبعد إنفاذ وصاياه من ثلث ماله.

(1)"المجتبى"(7/ 212 رقم 4365).

(2)

سورة النساء، آية:[11].

ص: 521

وقد أجمعوا أن الأب لا يقضي من ماله دين ابنه ولا ينفذ وصايا ابنه من ماله، ففي ذلك ما قد دل على ما قد ذكرنا.

وقد أجمع المسلمون أن الابن إذا ملك مملوكة حل له وطؤها، وهي ممن أباح الله عز وجل له وطؤها بقوله:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (1) فلو كان ماله لأبيه إذا لحرم عليه وطء ما كسب من الجواري كحرمة وطء جواري أبيه عليه فدل ذلك أيضًا على انتفاء ملك الأب لمال الابن وأن ملك الابن فيه ثابت دون أبيه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: استدل على عدم تملك الأب مال ابنه بالحديث المذكور، واستدلاله به ظاهر، وبالكتاب وهو قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ} (2) ووجه دلالته على ذلك ظاهر.

وبالقياس أشار إليه بقوله: "وقد أجمعوا. . . ." إلى آخره.

قوله: إذًا. أي حينئذ.

(1) سورة المؤمنون، آية:[5، 6].

(2)

سورة النساء، آية:[11].

ص: 522