المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: رواية الشعر هل هي مكروهة أم لا

- ‌ص: باب: العاطس يشمت كيف ينبغي أن يرد على من يشمته

- ‌ص: باب: الرجل يكون به الداء هل يُجْتَنَب أم لا

- ‌ص: باب: التخيير بين الأنبياء عليهم السلام

- ‌ص: باب: إخصاء البهائم

- ‌ص: باب: كتابة العلم هل تصلح أم لا

- ‌ص: باب: الكي هل هو مكروه أم لا

- ‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر

- ‌ص: باب: التكني بأبي القاسم هل يصلح أم لا

- ‌ص: باب: السلام على أهل الكفر

- ‌ص: كتاب الصرف

- ‌ص: باب: الربا

- ‌ص: باب: القلادة تباع بذهب وفيها خرز وذهب

- ‌ص: كتاب الهبة والصدقة

- ‌ص: باب: الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض

- ‌ص: باب: العمرى

- ‌ص: باب: الصدقات الموقوفات

- ‌ص: كتاب القضاء والشهادات

- ‌ص: باب: القضاء بين أهل الذمة

- ‌ص: باب: القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌ص: باب: رد اليمين

- ‌ص: باب: الرجل تكون عنده الشهادة للرجل هل يجب أن يخبره بها؟ وهل يقبله الحاكم على ذلك أم لا

- ‌ص: باب: الحكم بالشيء فيكون في الحقيقة بخلافه في الظاهر

- ‌ص: باب: الحر يجب عليه دين ولا يكون له مال، كيف حكمه

- ‌ص: باب: الوالد هل يملك مال ولده

- ‌ص: باب: الوليد يدعيه رجلان كيف حكمه

- ‌ص: باب: الرجل يبتاع السلعة فيقبضها ثم يموت أو يفلس وثمنها عليه دين

- ‌ص: باب: شهادة البدوي هل تقبل على القروي

الفصل: ‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر

‌ص: باب: نظر العبد إلى شعور الحرائر

ش: أي هذا باب في بيان حكم نظر العبد إلى شعور مولاته الحرة هل يجوز ذلك أم لا؟

ص: حدثنا المزني، قال: ثنا الشافعي، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان لإحداكن مكاتبًا، وكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه" قال سفيان: سمعته من الزهري وثَبتنِيهِ معمر.

ش: إسناده صحيح.

المزني هو إسماعيل بن يحيى، والشافعي هو محمَّد بن إدريس الإِمام، وسفيان هو ابن عيينة، والزهري هو محمَّد بن مسلم.

ونبهان -بفتح النون وسكون الباء الموحدة مولى أم سلمة- وثقه ابن حبان.

وأم سلمة زوج النبي عليه السلام، واسمها هند بنت أبي أمية.

وأخرجه الأربعة:

فأبو داود (1): عن مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن نبهان مكاتب لأم سلمة، قال: سمعت أم سلمة تقول: "قال لنا رسول الله عليه السلام: إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي؛ فلتحتجب منه".

والترمذي (2): عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن نبهان، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله عليه السلام: "إذا كان عند مكاتب إحداكن ما يؤدي، فلتحتجب منه".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

(1)"سنن أبي داود"(4/ 21 رقم 3928).

(2)

"جامع الترمذي"(3/ 562 رقم 1261).

ص: 206

والنسائي (1): عن محمَّد بن منصور، قال: ثنا سفيان، عن الزهري. . . . إلى آخره نحوه.

وابن ماجه (2): عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا سفيان، عن الزهري .. إلى آخره.

وقال الترمذي: معنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع، وقالوا: لا يعتق المكاتب وإن كان عنده ما يؤدي حتى يؤدي.

قلت: يستفاد منه: جواز الكتابة، وأن المكاتب قد توجه إليه الحرة؛ فلذلك أمر- عليه السلام لمن كان لها مكاتب من النساء أن تحتجب عنه.

واحتج به قوم على أن العبد لا بأس أن ينظر إلى شعر مولاته ووجهها وإلى ما ينظر إليه ذو محرمها منها.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم من أهل المدينة إلي أن العبد لا بأس أن ينظر إلي شعر مولاته ووجهها، وإلي ما ينظر إليه ذو محرمها منها، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقالوا في قول النبي عليه السلام لأم سلمة:"فلتحتجب منه" دليل على أنها قد كانت قبل ذلك غير محتجبة منه.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عمرو بن شعيب ويزيد بن عبد الله بن قسيط المدني والقاسم بن محمَّد وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن رافع وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية؛ فإنهم قالوا: لا بأس للعبد أن ينظر. . . . إلى آخره.

وقال أبو بكر بن العربي في "الأحكام": العبد إذا كان فحلًا كبيرًا أو وَغْدًا تملكه لا هيئة له ولا منظر فلينظر إلى شعرها.

قال القاضي: كما قال ابن عباس: لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته.

وقال أشهب عن مالك: ينظر الغلام الوغد إلى شعر سيدته، ولا أحبه لغلام الزوج.

(1)"السنن الكبرى"(5/ 389 رقم 9228).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 842 رقم 2520).

ص: 207

وأطلق علماؤنا المتأخرون القول بأن غلام المرأة من ذوي محارمها يحل له منها ما يحل لذي المحرم، وهو صحيح في القياس، وقول مالك في الاحتياط أعجب إليَّ.

قلت: الوغد -بفتح الواو وسكون الغين المعجمة وفي آخره دال مهملة-: الرجل الدنيء الذي يخدم طعام بطنه، تقول منه: وَغُد الرجل بالضم.

قوله: "واحتجوا في ذلك بهذا الحديث" أي احتج هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه بحديث أم سلمة المذكور.

ص: وقالوا: قد روي ذلك عن ابن عباس، وعمل به أزواج النبي عليه السلام: حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: أنا شريك، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس:"لا بأس أن ينظر العبد إلى شعر مولاته".

ش: أي قال هؤلاء القوم: قد روي جواز نظر العبد إلي شعر مولاته عن ابن عباس.

أخرج ذلك بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله القاضي، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الأعور الكوفي، عن أبي مالك الغفاري غزوان الكوفي، عن عبد الله بن عباس.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا شريك، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس، قال:"لا بأس أن ينظر المملوك إلي شعر مولاته".

ص: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ميمون بن يحيى -من آل الأشج- عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب ويزيد بن عبد الله وعمرة بنت عبد الرحمن، أنهم قالوا:"لو أن امرأة جلست عند عبد زوجها بغير خمار لم يكن بذلك بأس".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 11 رقم 17270).

ص: 208

قال بكير: وأخبرني عبد الرحمن بن القاسم: "أن أسماء بنت عبد الرحمن كانت تجلس عند عبيد القاسم -وهو زوجها- بغير خمار".

قال بكير: عن عمرة بنت عبد الرحمن قال: "كانت عائشة رضي الله عنها يراها العبيد لغيرها".

قال بكير: قالت أم علقمة مولاة عائشة: "قد كانت عائشة يدخل عليها عبيد المسلمين، قالت أم علقمة: وإن كان عبيد الناس لَيَرون عائشة بعد أن يحتلم أحدهم وإنها لتمتشط".

قال بكير: عن عبد الله بن رافع: "لم تكن أم سلمة تحتجب من عبيد الناس".

ش: هذا بيان لقوله: "وعمل به أزواج النبي عليه السلام".

أخرجه بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلي، عن عبد الله بن وهب، عن ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج مولى بني زهرة، عن مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، روى له مسلم وأبو داود والنسائي، قال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا وهو حديث الوتر. وقال ابن معين: يقال: وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه شيئًا.

وأبوه بكير بن عبد الله، روى له الجماعة.

وعمرو بن شعيب: ثقة.

ويزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي المدني الأعرج، روى له الجماعة.

وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية: تابعية ثقة.

وعبد الرحمن بن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم روى له الجماعة.

وأسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. ذكرها ابن حبان في الثقات، وكانت في حجر عائشة رضي الله عنها.

ص: 209

وأم علقمة (1).

وعبد الله بن رافع بن خديج الأنصاري: وثقه ابن حبان.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا ينظر العبد من الحرة إلا إلى ما ينظر إليه منها الحر الذي لا محرم بينه وبينها.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عامرًا الشعبي والحسن البصري وطاوسًا ومجاهدًا ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي، فإنهم قالوا: لا ينظر العبد من مولاته إلا إلى من ينظر إليه منها الأجنبي.

وقال البيهقي: وكان الحسن والشعبي وطاوس ومجاهد يكرهون أن ينظر العبد إلى شعر سيدته، وكلهم عَدُّوا الشعر من الزينة التي لا تبديها لعبدها، كما عده ابن عباس فيما روينا عنه من الزينة التي لا تبديها لمحارمها.

وقال الجصاص في "الأحكام": وقال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب: إن العبد لا ينظر إلى شعر مولاته. وهو مذهب أصاحبنا إلا أن يكون ذا محرم منها، وتأولوا قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (2) على الإماء؛ لأن العبد والحر في التحريم سواء، فهي وإن لم يجز لها أن تتزوجه وهو عبدها فإن ذلك تحريم عارض كمن تحته امرأة أختها محرمة عليه، ولا يبيح له ذلك النظر إلى شعرها.

(1) بيض لها المؤلف رحمه الله: وفي "المغاني" قال أم علقمة هي مرجانة: وأحال على ترجمتها في الأسماء. وقال الحافظ في "التهذيب"(12/ 500): أم علقمة غير منسوبة، روى البخاري في "الأدب" من حديث بكير بن الأشج، عن أم علقمة عن عائشة في اللهو في الجنان.

قلت: وقال البخاري في "الصيام" من "صحيحه": وقال بكير عن أم علقمة: "كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهى" وعلق لها في الحيض أيضًا مالك في "الموطإ"، وأم علقمة هذه مرجانة التي تقدم ذكرها في الأسماء، قال العجلي: مدنية تابعية ثقة.

قلت: وذكرها ابن حبان في "الثقات"(5/ 466).

(2)

سورة النور، آية:[31].

ص: 210

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي عليه السلام الذي ذكروا في حديث أم سلمة لا يدل على ما قال أهل تلك المقالة؛ لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين، فإنهن قد كن حجبن عن الناس جميعًا إلا من كان منهم ذو رحم محرم، فكان لا يجوز لأحد أن يراهُنَّ أصلًا إلا من كان بينه وبينهن رحم محرم، وغيرهن من النساء لسن كذلك؛ لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها وليست عليه بمحرمة إلى وجهها وكفيها، وقد قال الله عز وجل:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1)، فقيل في ذلك ما حدثنا سليمان، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله:" {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) قال: الزينة: القُرط والقلادة والسوار والخلخال والدُملُج وما ظهر من الثياب والجلباب".

حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا موسى بن أعين، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:" {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1): الكحل والخاتم".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم " {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ـ (1) قال: هو ما فوق الدرع".

فأبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي عليه السلام لما نزلت آية الحجاب، فَفُضِّلْنَ بذلك على سائر النساء.

ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه: "أن قول النبي عليه السلام. . . ." إلى آخره. أراد به منع استدلال أهل المقالة الأولى بحديث أم سلمة، وهو أنه لا يستقيم استدلالهم به؛ لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين؛ وذلك لأنهن قد حجبن عن الناس جميعًا إلا مَن كان منهم ذو رحم محرم،

(1) سورة النور، آية:[31].

ص: 211

وقد فُضِّلْنَ بذلك على سائر النساء وهن لسن كذلك؛ لأنه يجوز أن ينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1)، قالوا: وما ظهر منها هو الكحل والخاتم؛ فالكحل في العينين والخاتم في الأصبع، وكني بذلك عن الوجه والكفين، وقد اختلف العلماء في ذلك، أشار إليه بقوله:"فقيل في ذلك"، وهو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد صحيح، عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبي الأحوص عوف بن مالك الأشجعي، عن عبد الله بن مسعود.

وأخرجه الطبراني (2): ثنا عبد الله بن محمَّد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا الفريابي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله " {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) قال: الزينة: القرط والدُّمْلُج والخلخال والقلادة".

حدثنا (3) محمَّد بن علي الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله "في قوله:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (1) قال: الزينة: السوار والدُّمْلُج والخلخال والقرط والقلادة وما ظهر منها: هي الثياب والجلباب".

وقال ابن عباس: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) الكحل والخاتم".

أخرجه بإسناد صحيح، عن محمَّد بن حميد، عن علي بن معبد بن شداد، عن موسى ابن أعين، عن مسلم بن عمران -ويقال: ابن أبي عمران- البطين الكوفي، روى له الجماعة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه"(4): ثنا حفص، عن عبد الله بن مسلم، عن

(1) سورة النور، آية:[31].

(2)

"المعجم الكبير"(9/ 228 رقم 9116).

(3)

"المعجم الكبير"(9/ 288 رقم 9117).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 547 رقم 17018).

ص: 212

سعيد بن جبير، عن ابن عباس:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) قال: وجهها وكفاها".

وقال إبراهيم النخعي: "هو ما فوق الدرع".

أخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عاصم النبيل الضحاك ابن مخلد، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:" {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (3) قال: ما فوق الدرع إلا ما ظهر منها".

قوله: "القُرط": بضم القاف وسكون الراء وفي آخره طاء مهملة، وهو نوع من حَلي الأذن معروف، ويجمع على أقراط وقِرَطَة وأقرطة، وقال الجوهري: القرط الذي يعلق في شحمة الأذن، والجمع قِرَطةٌ وقراط مثل رمح ورماح.

و"السِّوار": بكسر السين وهو من الحلي معروف، وقال ابن الأثير: وبكسر السين وتضم، وجمعه أسورة ثم أساور وأساورة، وسَوَّرْتُه السِّوار إذا ألبسته إياه.

و"الخلخال": واحد خلاخل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه، قاله الجوهري.

و"الدُّمْلُج": بضم الدال واللام هو: المعضد من الحلي، ويقال له: الدُّمْلُوج أيضًا، ويجمع على دمالج ودماليج.

و"الجلباب": بكسر الجيم: الإزار والرداء، وقيل: الملحفة، وقيل: هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها، ويجمع على جلابيب. وقال الجوهري: الجلباب الملحفة.

(1) سورة النور، آية:[31].

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة (3/ 546 رقم 17005) ولكن من قول أبي صالح وعكرمة، وأما قول إبراهيم فالذي في المطبوع (3/ 546 رقم 17006) من طريق وكيع عن سفيان، عن علقمة ابن مرثد، عن إبراهيم قال: "الثياب".

(3)

سورة النور، آية:[31].

ص: 213

قوله: "فأبيح للناس" من كلام الطحاوي. . . . إلى آخره. وهو ظاهر.

ص: حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا حميد، عن أنس، قال: قال عمر رضي الله عنه: "قلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو حجبت أمهات المؤمنين. فأنزل الله عز وجل آية الحجاب".

حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا حميد. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة، عن عائشة:"أن أزواج النبي عليه السلام كن يخرجن بالليل إلى المناصع وهو صعيد أَفْيَح، وكان عمر رضي الله عنه يقول لرسول الله عليه السلام: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله عليه السلام يفعل، فخرجت سودة ذات ليلة -وكانت امرأة طويلة- فناداها عمر، ألا قد عرفناك يا سودة، حرصًا على أن تنزل آية الحجاب، قالت عائشة: فأنزل الحجاب".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا روح، قال: ثنا يحيى، قال: حدثني الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنت أعلم الناس بشأن الحجاب فيما أنزل؟ وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله عليه السلام بزينب بنت جحش، أصبح بها عروسًا فدعى القوم، فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط منهم عند رسول الله عليه السلام فأطالوا المكث، فقام رسول الله عليه السلام فخرج وخرجت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة رضي الله عنها ثم ظن رسول الله عليه السلام أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه حتى دخل على زينب، فإذا هم جلوس، فرجع رسول الله عليه السلام ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا رجع ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب رسول الله عليه السلام بيني وبينه بالستر، وأُنْزِلَ الحجاب".

ص: 214

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا حميد الطويل، عن أنس قال:"أَوْلَمَ رسول الله عليه السلام حين بنى بزينب بنت جحش، ثم خرج إلى حُجَر أمهات المؤمنين، فلما رجع إلى بيته رأى رجلين قد مدَّ بهما الحديث، فوثبا مسرعين، فرجع حتى دخل البيت، وأرخى الستر، وأُنزِلت آية الحجاب".

حدثنا إبراهيم بن منقذ، قال: ثنا المقرئ، عن جرير، عن سلم العلوي، عن أنس بن مالك قال:"كنت خادم رسول الله عليه السلام فكنت أدخل عليه بغير إذن، فجئت يومًا أدخل فقال: كما أنت، فإنه قد حدث بعدك أمرٌ، فلا تدخل علينا إلا بإذن".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد، عن سلم العلوي، عن أنس بن مالك، قال:"لما أنزلت آية الحجاب جئت أدخل كما كنت أدخل، فقال النبي عليه السلام: رويدًا، وراءك يا بني".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز، عن أنس بن مالك قال:"لما تزوج النبي عليه السلام زينب بنت جحش، ودعى القوم فطمعوا ثم جلسوا يتحدثون، فأخذ كأنه يتهَيَّأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من قام معه من القوم، وقعد الثلاثة، ثم إن النبي عليه السلام جاء فدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا وانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي عليه السلام أنهم قد انطلقوا، فجاء فدخل، وأنزلت آية الحجاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (1) ".

قال أبو جعفر رحمه الله: فكن أمهات المؤمنين قد خصصن في الحجاب ما لم يجعل فيه سائر النساء مثلهن.

ش: ذكر هذه الأحاديث لبيان قوله: "ففضلن بذلك على سائر النساء".

(1) سورة الأحزاب، آية:[53].

ص: 215

وأخرجها من تسع طرق:

الأول: إسناده صحيح. عن أبي بكرة بكار القاضي، وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن عبد الله بن بكر السهمي، عن حميد الطويل، عن أنس.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1) بأتم منه: ثنا هشيم، أنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: "وافقت ربي في ثلاث؛ قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (2) وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله عليه السلام نساءه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، قال: فنزلت كذلك"(3).

وأخرجه البخاري (4): ثنا مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن حميد، عن أنس قال: قال عمر: "وافقت الله في ثلاث -أو وافقني ربي في ثلاث- فقلت: يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى. . . ." الحديث.

الثاني: أيضًا صحيح، عن حسين بن نصر، عن يزيد بن هارون شيخ أحمد، عن حميد الطويل، عن أنس.

وأخرجه البزار في "مسنده"(5) نحوه: عن عمرو بن على، عن يزيد بن زريع، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه.

الثالث: رجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا شيخ الطحاوي.

وعُقيل -بضم العين- ابن خالد الأيلي.

(1)"مسند أحمد"(1/ 23 رقم 157).

(2)

سورة البقرة، آية:[125].

(3)

سورة التحريم، آية:[5].

(4)

"صحيح البخاري"(4/ 1692 رقم 4213).

(5)

"مسند البزار"(1/ 339 رقم 220).

ص: 216

وأخرجه مسلم (1): ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب. . . . إلى آخره نحوه.

قوله: "إلى المناصع" وهي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة، واحدها منصع؛ لأنه يُبرز إليها ويطهر، قال الأزهري: أراها مواضع مخصوصة خارج المدينة، ومنه الحديث:"إن المناصع صعيد أفيح خارج المدنية".

قوله: "أفيح" أي واسع، وكل موضع واسع يقال له: أفيح، وروضة فيحاء أي واسعة، وبيت فياح أي واسع.

قوله: "سودة" وهي بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية، أم المؤمنين زوج النبي عليه السلام.

قوله: "حرصًا" نصب على التعليل، أي لأجل الحرص على نزول آية الحجاب.

الرابع: أيضًا صحيح. عن روح بن الفرج القطان شيخ الطبراني، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

الخامس: أيضًا صحيح.

وأخرجه مسلم (2): حدثني عمرو الناقد، قال: ثنا يعقوب بن سعد، قال: نا أبي، عن صالح، قال ابن شهاب: إن أنس بن مالك قال: "أنا أعلم الناس بالحجاب، لقد كان أبي بن كعب يسألني عنه، قال أنس: أصبح رسول الله عليه السلام عروسًا بزينب بنت جحش، قال: وكان تزوجها بالمدينة، فدعى الناس للطعام بعد ارتفاع النهار، فجلس رسول الله عليه السلام وجلس معه رجال بعدما قام القوم، حتى قام رسول الله عليه السلام فمشى، فمشيت معه حتى بلغ حجرة عائشة رضي الله عنها ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، وإذا هم جلوس مكانهم،

(1)"صحيح مسلم"(4/ 1709 رقم 2170).

(2)

"صحيح مسلم"(1050 رقم 1428).

ص: 217

فرجع فرجعت الثانية حتى بلغ حجرة عائشة، فرجع فرجعت، فإذا هم قد قاموا، فضرب بيني وبينه بالستر، وأنزل الله آية الحجاب".

قوله: "في مبتنى رسول الله عليه السلام" من الابتناء، الابتناء والبناء: الدخول بالزوجة، والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها، فيقال: بني الرجل على أهله، قال الجوهري: ولا يقال: بنى بأهله.

وهذا القول فيه نظر، فإن قد جاء في غير موضع من الحديث وغير الحديث، وعاد الجوهري استعمله في كتابه.

والمبتنى هاهنا يراد به الابتناء، فأقامه مقام المصدر.

قوله: "وبقي رهط منهم" الرهط ما دون العشرة من الرجال، لا يكون فيهم امرأة، قال الله تعالى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} (1) فجمع وليس لهم واحد من لفظه مثل ذَوْد، والجمع: أَرْهُط، وأَرَهاط، وأَرَاهط، كأنه جمع أرهط وأراهيط.

قوله: "فإذا هم جلوس" أي جالسون، كالركوع جمع راكعين.

السادس: أيضًا صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي.

وأخرجه البخاري بأتم منه (2): ثنا إسحاق بن منصور، أنا عبد الله بن بكر السهمي، ثنا حميد، عن أنس قال:"أَوْلَمَ رسول الله عليه السلام حين بنى بزينب ابنة جحش، فأشبع الناس خبزًا ولحمًا، ثم خرج إلى حُجَر أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه، فيسلم عليهن ويدعو لهن، ويسلمن عليه ويدعون له، فلما رجع إلى بيته، رأى رجلين جرى بهما الحديث، فلما رآهما رجع عن بيته، فلما رأى الرجلان نبي الله عليه السلام رجع عن بيته وثبا مسرعين، فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أُخبر؟ فرجع حتى دخل البيت، وأرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب".

(1) سورة النمل، آية:[48].

(2)

"صحيح البخاري"(4/ 1800 رقم 4516).

ص: 218

السابع: عن إبراهيم بن منقذ العصفري، عن عبد الله بن يزيد المقرئ القصير شيخ البخاري، عن جرير بن حازم، عن سلم بن قيس العلوي البصري -وليس هو من ولد على بن أبي طالب رضي الله عنه وعن يحيى: ضعيف. قال البخاري: تكلم فيه شعبة. وقال النسائي: ليس بالقوي.

الثامن: عن إبراهيم بن مرزوق، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن سلم العلوي.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا أبو كامل مظفر بن مدرك قال: ثنا حماد بن زيد، عن سلم العلوي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "لما نزلت آية الحجاب جئت أدخل كما كنت أدخل، فقال النبي عليه السلام: وراءك يا بني".

وأخرجه أبو يعلى (2) أيضًا: عن أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن سلم العلوي. . . . إلى آخره نحوه.

قوله: "رويدًا" نصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: تأخر تأخرًا رويدًا وراءك.

التاسع: إسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبيد الله بن معاذ العنبري البصري -شيخ مسلم وأبي داود- عن المعتمر بن سليمان التيمي البصري، روى له الجماعة، عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي، روى له الجماعة، عن أبي مجلز لاحق بن حميد الأعور البصري، روى له الجماعة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم (3): نا يحيى بن حبيب الحارثي، وعاصم بن النضر التميمي ومحمد بن عبد الأعلى، كلهم عن معتمر -واللفظ لابن حبيب- قال: نا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي، قال: نا أبو مجلز، عن أنس بن مالك قال: "لما تزوج

(1)"مسند أحمد"(3/ 133 رقم 12389).

(2)

"مسند أبي يعلى"(7/ 263 رقم 4276).

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 1050 رقم 1428).

ص: 219

النبي عليه السلام زينب بنت جحش دعى القوم، فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ النبي يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام مَن قام من القوم -زاد عاصم وابن عبد الأعلى في حديثهما قال: "فقعد ثلاثة وإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، قال: فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا. قال: فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه. قال: فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إلى قوله: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} (1). انتهى.

[واعلم أن هذه الآية تضمنت أحكامًا:

منها: النهي عن دخول بيت رسول الله عليه السلام إلا بأذن، وأنهم إذا أذن لهم لا يقعدون للحديث.

ومنها: النهي عن انتظار وقت طعام لم يحضر ولم ينضج في بيت رجل؛ لأن ذلك مما يؤذي صاحب البيت.

ومنها: اختصاص أمهات المؤمنين في الحجاب بما لم يجعل فيه غيرهن مثلهن.

فإن قيل: كيف أضاف البيوت هاهنا إلى النبي عليه السلام وأضافها إلى نسائه في قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34].

قلت: إضافة البيوت إلى النبي عليه السلام إضافة ملك، وإضافتها إلى الأزواج إضافة محل؛ بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي عليه السلام، والإذن إنما يكون للمالك] (2).

ص: فإن قال قائل: فقد قال الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (3)، ثم

(1) سورة الأحزاب، آية:[53].

(2)

سقط من "الأصل"، والمثبت من "ك".

(3)

سورة النور، آية:[31].

ص: 220

قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (1) فجعل ما ملكت أيمانهن كذي الرحم المحرم فيهن قيل له: ما جعلهن كذلك ولكنه ذكر جماعة مستثنين من قوله عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (1) فذكر البعول وذكر الآباء ومن ذكر معهم مثل ما ذكره وما ملكت أيمانهم، فلم يكن جمعه بينهم بدليل على استواء أحكامهم، لأنا قد رأينا البعل قد يجوز له أن ينظر من امرأته إلى ما لا ينظر إليها أبوها منها.

ثم قال: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (1) فلا يكون ضمه أولئك مع ما قبلهم بدليل أن حكمهم مثل حكمهم، ولكن الذي أبيح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر من الزينة وهو الوجه والكفّان، وفي إباحته ذلك للمملوكين وليسوا بذوي أرحام محرمة دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك، وقد بين هذا المعنى ما في حديث عبد بن زمعة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة:"احتجبي منه" فأمرها بالحجاب منه وهو ابن وليدة أبيها، وليس يخلو أن يكون أخاها أو ابن وليدة أبيها فيكون مملوكًا لها ولسائر ورثة أبيها، فعلمنا أن النبي عليه السلام لم يحجبها منه؛ لأنه أخوها ولكن لأنه غير أخيها وهو في ذلك الحال مملوك فلم يحل له -بِرقِّهِ- النظر إليها، فقد ضاد هذا الحديث حديث أم سلمة وخالفه، وصارت الآية التي ذكرنا على قول هذا الذاهب إلى حديث سودة أنها على سائر النساء دون أمهات المؤمنين، وأن عبيد أمهات المؤمنين كانوا في حكم النظر إليهن في حكم الغرباء منهن الذين لا رحم بينهم وبينهن، لا في حكم ذوي الأرحام منهن المحرمة، فكل من كان بينهن وبينهم محرم فهو عندنا في حكم ذوي الأرحام منهن المحرمة في منع ما وصفنا.

(1) سورة النور، آية:[31].

ص: 221

ثم رجعنا إلى النظر لنستخرج به من القولين قولًا صحيحًا، فرأينا ذا الرحم لا بأس أن ينظر إلى المرأة التي هو لها محرم إلى وجهها وصدرها وشعرها وما دون ركبتيها، ورأينا القريب منها ينظر إلى وجهها وكفيها فقط، ثم رأينا العبد حرام عليه -في قولهم جميعًا- أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفًا أو إلى ساقيها، وسواء كان رِقُّه لها أو لغيرها، فلما كان فيما ذكرنا كالأجنبي منها لا كذي رحمها المحرم عليها؛ كان في النظر إلى شعرها أيضًا كالأجنبي لا كذي رحمها المحرم عليها.

فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله، وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن والشعبي.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا مغيرة عن الشعبي، ويونس عن الحسن:"أنهما كرها أن ينظر العبد إلى شعر مولاته".

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (1). . . . الآية يدل على جواز نظر العبد إلى شعر مولاته؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) ثم استثنى من ذلك البعولة والآباء ومن ذُكر معهم، وذكر في جملة ذلك {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (1) فجعل ما ملكت أيمانهن كذي الرحم المحرم منهن.

وتقرير الجواب أن يقال: لا نُسَلِّم أنه جعل ما ملكت أيمانهن كذلك، بل ذكر جماعةً واستثناهم من قوله:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (1). فذكر البعولة وهو جمع بعل وهو الزوج، وكذلك ذكر الآباء وجماعة معهم قبل ذكر قوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (1) وليس جمعه إياهم في الذكر دليلًا على استواء أحكامهم، ألا ترى أن البعل الذي هو الزوج قد يجوز له أن ينظر من إمرأته إلى ما لا يجوز له نظر أبيها إليه منها، يدل ذلك على أن الجمع بينهم في الذكر لا يدل على استواء الحكم.

(1) سورة النور، آية:[31].

ص: 222

وقال الجصاص في هذه الآية: قال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب: إن العبد لا ينظر إلى شعر مولاته، وهو مذهب أصحابنا إلا أن يكون ذا رحم محرم منها، وتأولوا قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم} (1) على الإماء؛ لأن العبد والحر في التحريم سواء، فهي وإن لم يجز لها أن تتزوجه وهو عبدها؛ فإن ذلك تحريم عارض، ثم قال: فإن قال قائل: هذا يؤدي إلى إبطال فائدة ذكر ملك اليمين في هذا الموضع.

قيل له: ليس كذلك؛ لأنه قد ذكر النساء في الآية بقوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} (1)، وأراد بهن الحرائر المسلمات، فجاز أن يَظُن ظانٌّ أن الإماء لا يجوز لهن النظر إلى شعر مولاتهن وإلى غيره مما يجوز للمُحَرَّم النظر إليه منها، فأبان الله تعالى أن الأمة والحرة في ذلك سواء، وإنما خص نسائهن بذكر في هذا الموضع؛ لأن جميع من ذكر قبلهن هم الرجال، بقوله:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (1). . . . إلى آخر ما ذكر، فكان جائز أن يظن ظان أن الرجال مخصوصون بذلك إذا كانوا ذوي محارم، فأبان تعالى إباحة النظر إلى هذه المواضع من نسائهن سواء كُنَّ ذوات محارم أو غير ذوات محارم، ثم عطف على ذلك الإماء بقوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم} (1) لئلا يظن ظان أن الإباحة مقصورة على الحرائر من النساء، إذ كان ظاهر قوله:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} (1) يقتضي الحرائر دون الإماء، كما كان قوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (2) على الحرائر دون المماليك، وقوله:{شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ} (3) على الحرائر، ثم عطف عليهن الإماء، فأباح لهن مثل ما أباح في الحرائر. انتهى.

قوله: "وليسوا بذوي أرحام" الواو فيه للحال.

قوله: "وقد بين هذا المعنى" أراد به المعنى الذي ذكره بقوله: "وفي إباحة ذلك للمملوكين. . . ." إلى آخره.

(1) سورة النور، آية:[31].

(2)

سورة النور، آية:[31].

(3)

سورة البقرة، آية:[282].

ص: 223

قوله: "وهو ابن وليدة أبيها" أي ابن أمة أبيها، وهذا باب فيه كلام كثير يأتي تحقيقه في باب: الأمة يطأها مولاها ثم يموت. إن شاء الله تعالى.

قوله: "فقد ضاد هذا الحديث" أراد به حديث عبد بن زمعة، وأراد بحديث أم سلمة هو الحديث المذكور في أول الباب الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من جواز نظر العبد إلى شعر مولاته.

وجه التضاد بينهما ظاهر يُعلم بأدنى تأمل.

قوله: "ثم رجعت إلى النظر" أي إلى وجه النظر والقياس "لنستخرج به" أي بالنظر والرأي "من القولين" وهما قول أهل المقالة الأولى المحتجين بحديث أم سلمة، وقول أهل المقالة الثانية.

قوله: "وقد وافقهم في ذلك" أي: وقد وافق أبا حنيفة وصاحبيه فيما ذهبوا إليه من المتقدمين: الحسن البصري وعامر بن شراحيل الشعبي.

وخرج ذلك عنهما بإسناد صحيح، عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي عن عامر الشعبي وعن المغيرة عن يونس بن عبيد بن دينار البصري، عن الحسن البصري.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي الأحوص، عن مغيرة نحوه.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 11 رقم 17271).

ص: 224