المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب الرجل يستعير الحلي ولا يرده هل يجب عليه في ذلك قطع أم لا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٦

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: الإقرار بالسرقة التى توجب القطع

- ‌ص: باب الرجل يستعير الحلي ولا يرده هل يجب عليه في ذلك قطع أم لا

- ‌ص: باب سرقة الثمر والكَثَر

- ‌ص: كتاب الأشربة

- ‌ص: باب الخمر المحرمة ما هي

- ‌ص: باب ما يحرم من النبيذ

- ‌ص: باب الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت

- ‌ص: كتاب الوصايا

- ‌ص: باب ما يجوز فيه الوصايا من الأموال، وما يفعله المريض في مرضه الذي يموت فيه من الهبات والصدقات والعتاق

- ‌ص: باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته أو لقرابة فلان، مَنْ هم

- ‌ص: كتاب الفرائض

- ‌ص: باب الرجل يموت ويترك ابنةً وأختًا وعصبةً سواها

- ‌ص: باب مواريث ذوي الأرحام

- ‌ص: كتاب المزارعة

- ‌ص: باب الرجل يزرع في أرض القوم بغير إذنهم، كيف حكمهم في ذلك؟ وما يروى عن رسول الله عليه السلام في ذلك

- ‌ص: كتاب الإجارات

- ‌ص: باب الاستئجار على تعليم القرآن هل يجوز أم لا

- ‌ص: باب الجعل على الحجامة هل يجوز ذلك أم لا

- ‌ص: كتاب اللقطة والضالة

- ‌ص: كتاب الزيادات من شرح معاني الآثار

- ‌ص: باب صلاة العيدين كيف التكبير فيهما

- ‌ص: باب حكم المرأة في مالها

- ‌ص: باب ما يفعله المصلي بعد رفعه من السجدة الثانية من الركعة الأولى

- ‌ص: باب ما يجب للمملوك على مولاه من الكسوة والطعام

- ‌ص: باب إنشاد الشعر في المساجد

- ‌ص: باب شراء الشيء الغائب

- ‌ص: باب تزويج الأب ابنته البكر هل يحتاج في ذلك إلى استئمارها

- ‌ص: باب المقدار الذي يحرم على مالكيه أخذ الصدقة

- ‌ص: باب فرض الزكاة في الإبل السائمة فيما زاد على عشرين ومائة

الفصل: ‌ص: باب الرجل يستعير الحلي ولا يرده هل يجب عليه في ذلك قطع أم لا

‌ص: باب الرجل يستعير الحلي ولا يرده هل يجب عليه في ذلك قطع أم لا

؟

ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يستعير من الناس الحلي ثم يجحده، هل يترتب عليه بذلك قطع أم لا؟

"الحلي" حلي المرأة، من حَلَّيْتُها أُحَلِّيها حَلْيًا -وهو بفتح الحاء وسكون اللام- وهو اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة، ويجمع على حُلِيّ -بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء- كثدي وثُدِيّ، والحلية -بكسر الحاء وسكون اللام- هي الحلي أيضًا وتجمع على حلىً بكسر الحاء مثل لِحْية ولحىً، وربما تضم الحاء، وتطلق الحلية على الصفة أيضًا؛ فافهم.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: روي عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها:"أن امرأة كانت تستعير الحلي فلا ترده، قالت: فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت".

حدثنا عبيد بن رجال المصري، قال: ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنه قالت:"كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع فتجحده، فأمر النبي عليه السلام، بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه، فكلم أسامة النبي عليه السلام، فقال النبي عليه السلام: يا أسامة لا أراك تكلمني في حد من حدود الله، قال: ثم قام النبي عليه السلام خطيبًا فقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده إن كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها، فقطع يد المخزومية".

ش: هذا حديث واحد أخرجه أولًا معلقًا عن معمر بن راشد، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة رضي الله عنها.

ثم أسنده عن عبيد بن محمد بن موسى البزار المؤذن المعروف بابن الرجال، بالجيم.

ص: 16

عن أحمد بن صالح المصري شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الرزاق صاحب "المصنف"، و"المسند" عن معمر، عن الزهري. . . . إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا عباس بن عبد العظيم ومحمد بن يحيى، قالا: ثنا عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:"كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي عليه السلام بقطع يدها. . . ." الحديث.

وأخرجه مسلم (2): عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق. . . . إلى آخره نحوه.

قوله: "أن امرأة مخزومية" هي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة زوج أم سلمة.

قوله: "فتجحده" أي تنكره.

قوله: "إنما أُهْلِك" على صيغة المجهول.

قوله: "إن كانت فاطمة بنت محمد" يعني إن كانت السارقة هي فاطمة بنت محمد النبي عليه السلام.

ص: فذهب قوم إلى أن مَن استعار شيئًا فجحده وجب أن يقطع فيه، وكان عندهم بذلك في معنى السارق، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة الظاهرية؛ فإنهم قالوا: من استعار ما يجب فيه القطع ثم جحده فعليه القطع، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يقطع، ويضمن.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي، والنخعي، والثوري، وأبا حنيفة، ومالكًا، والشافعي، وأبا يوسف، ومحمدًا،

(1)"سنن أبي داود"(4/ 132 رقم 4374).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1316 رقم 1688).

ص: 17

وأهل المدينة، وأهل الكوفة فإنهم قالوا: لا قطع على المستعير الجاحد وإنما عليه الضمان؛ لأنه لا يطلق عليه اسم السارق ولا يوجد فيه حد السرقة.

ص: وكان من الحجة لهم أن هذا الحديث قد رواه معمر كما ذكروا، وقد رواه غيره فزاد فيه:"أن تلك المرأة التي كانت تستعير الحلي فلا ترده سرقت فقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرقتها".

فمما روي في ذلك ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير أخبره، عن عائشة رضي الله عنها:"أن امرأة سرقت في عهد رسول صلى الله عليه وسلم زمن الفتح، فأمر بها رسول الله عليه السلام أن تقطع، فكلمه فيها أسامة بن زيد رضي الله عنهما فتلون وجه رسول الله عليه السلام فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله عليه السلام فاثنى على الله ما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

حدثنا يونس، قال: ثنا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها:"أن قريشًا همهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله عليه السلام؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة. . . ." ثم ذكر مثل معناه.

فثبت بهذا الحديث أن القطع كان بخلاف المستعار المجحود.

ش: أي وكان من الدليل والبرهان للآخرين: أن الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه قد رواه معمر بن راشد كما ذكروا، وقد رواه غير معمر فزاد فيه أن تلك المرأة التي كانت تستعير الحلي وتجحده قد سرقت فقطعها رسول الله عليه السلام لأجل سرقتها لا لأجل جحودها فقط.

ص: 18

وقال الجصاص: لم يقطعها رسول الله عليه السلام لأجل جحودها العارية، وإنما قطعها لأجل أنها سرقت، وإنما ذكر جحود العارية تعريفًا لها إذ كان ذلك معتادًا منها قد عُرفت به، وذكر ذلك على وجه التعريف، وهذا مثل ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال للرجلين أحدهما يحجم الآخر في رمضان:"أفطر الحاجم والمحجوم"، فذكر الحجامة تعريفًا لهما والإفطار واقع بغيرها.

قوله: "فمما روي في ذلك" أي فمن الذي روى فيما قلنا بزيادة غير معمر فيه: ما حدثنا يونس، فقوله:"ما حدثنا" في محل الرفع على الابتداء.

وقوله: "فمما روي في ذلك" مقدمًا خبره.

وأخرجه من طريقين صحيحين رجالهما كلهم رجال الصحيح.

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه مسلم (1): عن أبي الطاهر وحرملة بن يحيى، كلاهما عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة نحوه سواء.

الثائي: عن يونس أيضًا، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن الزهري. . . . إلى آخره.

وأخرجه الجماعة من هذا الطريق:

فالبخاري (2): عن سعيد بن سليمان، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: "أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله عليه السلام، ومَن يجترئ عليه إلا أسامة حبُّ رسول الله عليه السلام؟! فكلم رسول الله عليه السلام، فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قام فخطب، فقال: يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1315 رقم 1688).

(2)

"صحيح البخاري"(6/ 2491 رقم 6406).

ص: 19

سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".

ومسلم (1)، وأبو داود (2)، والترمذي (3) والنسائي (4) أربعتهم: عن قتيبة، عن ليث بن سعد.

وابن ماجه (5): عن محمد بن رمح، عن ليث بن سعد. . . . إلى آخره.

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقد روي هذا الحديث عن غير عائشة أيضًا، فروي عن مسعود بن الأسود، عن النبي عليه السلام قال:"لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله عليه السلام. . . ." الحديث.

أخرجه ابن ماجه (6).

وروي عن جابر بن عبد الله أيضًا: "أن امرأة سرقت، فعاذت بزينب بنت رسول الله عليه السلام. . . ." الحديث.

رواه أبو داود (7).

وأخرجه مسلم (8) والنسائي (9) عن جابر، وفي روايتهما:"فعاذت بأم سلمة زوج النبي عليه السلام".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1315 رقم 1688).

(2)

"سنن أبي داود"(4/ 132 رقم 4373).

(3)

"جامع الترمذي"(4/ 37 رقم 1430).

(4)

"المجتبى"(8/ 73 رقم 4899).

(5)

"سنن ابن ماجه"(2/ 851 رقم 2547).

(6)

"سنن ابن ماجه"(2/ 851 رقم 2548).

(7)

"سنن أبي داود"(4/ 132 رقم 4374).

(8)

"صحيح مسلم"(3/ 1316 رقم 1689).

(9)

"المجتبى"(8/ 71 رقم 4891).

ص: 20

وروي أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي عليه السلام بها فقطعت يدها".

أخرجه أبو داود (1)، وقال أبو داود: رواه جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، أو عن صفية بنت أبي عبيد، زاد فيه:"وإن النبي عليه السلام قام خطيبًا، فقال: هل من امرأة تائبة إلى الله ورسوله؟ ثلاث مرات، وتلك شاهدة، فلم تقم ولم تتكلم".

قال أبو داود: ورواه محمد بن عبد الرحمن بن غنج، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد قال فيه:"فشهد عليها".

قال البيهقي: والحديث الذي يُروى عن نافع في هذه كما روى معمر مختلف فيه على نافع، فقيل: عنه عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد.

وقيل: عنه عن صفية بنت أبي عبيد، وحديث الليث عن الزهري أولى بالصحة، والله أعلم.

فإن قلت: هل هذه قضية واحدة أم هي قضايا مختلفة؟ وهل هي امرأة واحدة أو امرأتان أو أكثر؟

قلت: قد قال بعضهم: إنها امرأة واحدة وقضية واحدة، وأنها سرقت، وأن من روى:"استعارت" قد وهم والدليل على ذلك أن في جمهور هذه الآثار أنهم استشفعوا لها بأسامة بن زيد، وأن رسول الله عليه السلام أنكر ذلك عليه، ونهاه أن يشفع في حد من حدود الله تعالى، ومن المحال أن يكون أسامة رضي الله عنه قد نهاه رسول الله عليه السلام عن أن يشفع في حد من حدود الله تعالى، ثم يعود فيشفع في حد آخر مرة أخرى.

قيل: فيه نظر؛ لأن عبد الرزاق روى (2): عن ابن جريج، عن أبيه، عن عكرمة بن خالد المخزومي، أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

(1)"سنن أبي داود"(4/ 139 رقم 4395).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(10/ 203 رقم 18832).

ص: 21

المخزومي، أخبره أن امرأة جاءت أُمًّا له، فقالت: إن فلانة تستعيرك حليًّا وهي كاذبة، فأعارتها إياه فمكثت لا ترى حليها، فجاءت التي كذبت عرفتها فسألتها حليها، فقالت: ما استعرت منك شيئًا، فجاءت الأخرى فسألتها حليها فأنكرت أن تكون استعارت منها شيئًا، فجاءت النبي عليه السلام، فدعاها فقالت: والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئًا، فجاءت الأخرى فسألتها حليها فأنكرت أن تكون استعارت منها شيئًا، فقال: اذهبوا فخذوه من تحت فراشها فأُخِذ، وأمر بها فقطعت". قال ابن جريج: وأخبرني بشير بن تميم أنها أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسود.

قال ابن جريج: لا أجد غيرها، لا أجد غيرها.

قال ابن جريج: فأخبرني عمرو بن دينار، قال: أخبرني الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: "سرقت امرأة فأتي بها النبي عليه السلام، فجاءه عمر بن أبي سلمة، فقال للنبي عليه السلام: بأبي أنت إنها عمتي، فقال النبي عليه السلام: لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها".

قال عمرو بن دينار: فلم أشك حين قال حسن: قال عمر للنبي عليه السلام: "إنها عمتي" أنها بنت الأسود بن عبد الأسد.

فهذا ابن جريج يحكي عن عمرو بن دينار أنه لا شك أن التي سرقت بنت الأسود بن عبد الأسد.

ويخبر عن بُشير التيمي أن التي استعارت هي بنت سفيان بن عبد الأسد وهما ابنتا عم مخزوميتان، عمهما أبو سلمة بن عبد الأسد زوج أم سلمة قبل رسول الله عليه السلام.

قلت: تلك المرأة هي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة زوج أم سلمة كما ذكرناه.

ص: 22

ص: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدفع القطع في الخيانة.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: سمعت ابن جريج يحدث، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على الخائن ولا المختلس ولا المنتهب قطع".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا ابن جريج. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا عبيد بن رجال، قال: ثنا إسماعيل بن سالم، قال: ثنا شبابة بن سوار، قال: ثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام مثله.

فلما كان الخائن لا قطع عليه، وفرق رسول الله عليه السلام بينه وبين السارق، وأحكمت السنة أمر السارق الذي يجب عليه القطع أنه الذي يسرق مقدارًا من المال معلومًا من حرز، وكان المستعير آخذًا لما استعار من غير حرز؛ ثبت أنه لا قطع عليه في ذلك؛ لعدم الحرز، وهذا الذي ذكرنا -مما صححنا عليه معاني هذه الآثار- قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: هذه حجة أخرى في بيان عدم وجوب القطع على المستعير الجاحد، فنقول: الجاحد لما استعاره خائن، والخائن لا قطع عليه، فالمستعير الخائن لا قطع عليه.

أما عدم وجوب القطع على الخائن فلقوله عليه السلام: "ليس على الخائن قطع".

أخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

ص: 23

وأخرجه الترمذي (1): ثنا علي بن خشرم، قال: أنا عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام قال:"ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع".

قال أبو عيسى: هذا حسن صحيح.

وهذا يدل على أن الترمذي تحقق اتصال الحديث؛ فلذلك قال: حسن صحيح.

وأخرجه أبو داود (2): نا نصر بن علي، قال: أنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال أبو الزبير: قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله عليه السلام: "ليس على المنتهب قطع، ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا".

وبهذا الإسناد (3) قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ليس على الخائن قطع".

حدثنا (4) نصر بن علي، قال: أنا عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام مثله.

زاد: "ولا على المختلس قطع".

قال أبو داود: وهذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج عن أبي الزبير، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعها ابن جريج من ياسين الزيات، وقال النسائي: وقد روى هذا الحديث عن ابن جريج: عيسى بن يونس، والفضل بن موسى، وابن وهب، ومحمد بن ربيعة، ومخلد بن يزيد، وسلمة بن سعيد فلم يقل أحد منهم: حدثني أبو الزبير، ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير والله أعلم.

قلت: حكم الترمذي عليه بالصحة يدل على الاتصال كما ذكرناه.

(1)"جامع الترمذي"(4/ 52 رقم 1448).

(2)

"سنن أبي داود"(4/ 138 رقم 4391).

(3)

"سنن أبي داود"(4/ 138 رقم 4392).

(4)

"سنن أبي داود"(4/ 138 رقم 4393).

ص: 24

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري، عن عبد الملك بن جريج، عن أبي الزبير محمد بن مسلم، عن جابر.

وأخرجه ابن ماجه (1): عن ابن بشار، عن أبي عاصم، عن ابن جريج. . . . إلى آخره نحوه.

الثالث: عن عبيد بن رجال، عن إسماعيل بن سالم الصائغ شيخ مسلم، عن شبابة بن سوار الفزاري المدائني، عن المغيرة بن مسلم القسملي السراج، عن أبي الزبير، عن جابر.

وأخرجه النسائي (2): عن خالد بن روح الدمشقي، عن يزيد بن خالد، عن عبد الله بن موهب، عن شبابة بن سوار، عن المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "ليس على المختلس ولا على المنتهب ولا على الخائن قطع".

قوله: "ولا المختلس" من الخُلس -بضم الخاء- وهو الأخذ بسرعة، وقال ابن الأثير: الخلسة ما يؤخذ سلبًا ومكابرةً.

قوله: "والمنتهب" هو الذي يأخذ الشيء عيانًا. بغلبة.

وقال المنذري: يحتمل أنه أسقط القطع عن المختلس؛ لأن صاحبه قد يمكنه دفعه عن نفسه بمجاهدته وبالاستعانة بالناس، وإذا قصر في ذلك جاز، كأنه أتي من قبل نفسه، والخائن لا يخون حتى يكون مؤتمنًا على الشيء غير محترز عنه، فبه يسقط القطع عنه؛ لأن صاحب المال أعان على نفسه بائتمانه.

وقال الإمام أحمد: يجب عليهم القطع. وحكي عن إياس بن معاوية أنه يجب القطع على المختلس، وحكي عن داود أنه كان يرى القطع على من أخذ مالًا لغيره سواء أخذه من حرز أو غيره.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1298 رقم 3935).

(2)

"المجتبى"(8/ 89 رقم 4975).

ص: 25

وقال ابن حزم: اختلفوا في المختلس، فقالت طائفة: لا قطع عليه. واحتج لهم بما روى مالك، عن الزهري:"أن رجلًا اختلس طوقًا، فسأل عنها مروان زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال: ليس عليه قطع". وعن الشعبي أن رجلًا اختلس طوقًا فأخذوه وهو في حجرته، فرفع إلى [عمار](1) بن ياسر وهو على الكوفة، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه أنه عادي الظهيرة ولا قطع عليه".

وعن الحسن البصري في الخلسة: "لا قطع فيها".

وهو قول النخعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم، وبه يقول إسحاق بن راهويه.

وقالت طائفة: عليه القطع. ثم روى من طريق ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن هشام أن عدي بن أرطاة رفع إليه رجل اختلس خلسةً فقال إياس بن معاوية: عليه القطع.

وإليه مال ابن حزم. والله أعلم بالصواب.

(1) في "الأصل، ك": "علي"، وهو تحريف، والمثبت من "المحلى"(11/ 322).

ص: 26