المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: كتاب المزارعة - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٦

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: الإقرار بالسرقة التى توجب القطع

- ‌ص: باب الرجل يستعير الحلي ولا يرده هل يجب عليه في ذلك قطع أم لا

- ‌ص: باب سرقة الثمر والكَثَر

- ‌ص: كتاب الأشربة

- ‌ص: باب الخمر المحرمة ما هي

- ‌ص: باب ما يحرم من النبيذ

- ‌ص: باب الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت

- ‌ص: كتاب الوصايا

- ‌ص: باب ما يجوز فيه الوصايا من الأموال، وما يفعله المريض في مرضه الذي يموت فيه من الهبات والصدقات والعتاق

- ‌ص: باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته أو لقرابة فلان، مَنْ هم

- ‌ص: كتاب الفرائض

- ‌ص: باب الرجل يموت ويترك ابنةً وأختًا وعصبةً سواها

- ‌ص: باب مواريث ذوي الأرحام

- ‌ص: كتاب المزارعة

- ‌ص: باب الرجل يزرع في أرض القوم بغير إذنهم، كيف حكمهم في ذلك؟ وما يروى عن رسول الله عليه السلام في ذلك

- ‌ص: كتاب الإجارات

- ‌ص: باب الاستئجار على تعليم القرآن هل يجوز أم لا

- ‌ص: باب الجعل على الحجامة هل يجوز ذلك أم لا

- ‌ص: كتاب اللقطة والضالة

- ‌ص: كتاب الزيادات من شرح معاني الآثار

- ‌ص: باب صلاة العيدين كيف التكبير فيهما

- ‌ص: باب حكم المرأة في مالها

- ‌ص: باب ما يفعله المصلي بعد رفعه من السجدة الثانية من الركعة الأولى

- ‌ص: باب ما يجب للمملوك على مولاه من الكسوة والطعام

- ‌ص: باب إنشاد الشعر في المساجد

- ‌ص: باب شراء الشيء الغائب

- ‌ص: باب تزويج الأب ابنته البكر هل يحتاج في ذلك إلى استئمارها

- ‌ص: باب المقدار الذي يحرم على مالكيه أخذ الصدقة

- ‌ص: باب فرض الزكاة في الإبل السائمة فيما زاد على عشرين ومائة

الفصل: ‌ص: كتاب المزارعة

‌ص: كتاب المزارعة

ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام المزارعة، وهي مفاعلة من الزرع والزراعة، وهي الحرث والفلاحة، وتسمى مخابرة، ومحاقلة، ويسميها أهل العراق: القراح.

وفي الشرع: هي عقد على زرع ببعض الخارج.

ص: حدثنا علي بن شيبة وفهد بن سليمان، قالا: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: ثنا سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رافع بن خديج يقول: "نهى رسول الله عليه السلام عن المزارعة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، سمعت ابن عمر يقول:"كنا نخابر ولا نرى بأسًا، حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله عليه السلام نهى عن المخابرة، فتركناها".

حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود، قالا: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله: "أن عبد الله بن عمر كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه فقال: يا ابن خديج، ماذا تحدث عن رسول الله عليه السلام في كراء الأرض؟ فقال: سمعت عمَّيَّ -وكانا قد شهدا بدرًا- يحدثان أهل الدار: أن رسول الله عليه السلام نهى عن كراء الأرض. قال عبد الله: لقد كنت أعلم أن الأرض كانت تكرى على عهد رسول الله عليه السلام، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله عليه السلام أحدث في ذلك شيئًا لم يكن عليه، فترك كراء الأرض".

ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن علي بن شيبة وفهد، كلاهما عن أبي نعيم. . . . إلى آخره.

وفيه رواية صحابي عن صحابي.

ص: 289

وأخرجه مسلم (1): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر نحوه.

وأبو داود (2): عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: "ما كنا نرى بالمزارعة بأسًا حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن النبي عليه السلام نهى عنها".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (3): عن هشام بن عمار، ومحمد بن الصباح، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر نحوه.

قوله: "كنا نخابر" من المخابرة وهي المزارعة على نصيب معين كالثلث والربع وغيرهما، والخُبرة: النصيب، وقيل: هو من الخبار، وهي الأرض اللينة، وقيل: أصل المخابرة من خيبر؛ لأن النبي عليه السلام أقرها في أيدي أهلها على النصف من محصولها، فقيل: خابرهم أي: عاملهم في خيبر.

الثالث: عن نصر بن مرزوق، وإبراهيم بن أبي داود البرلسي، كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح -وراق الليث وشيخ البخاري- عن الليث بن سعد، عن عُقَيل -بضم العين- بن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم. . . . إلى آخره.

وفيه رواية صحابي عن صحابي عن صحابيين، الأول: عبد الله بن عمر، والثاني: رافع بن خديج، والثالث والرابع عمَّا رافع، وهما: ظهير وآخر لم يسم.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1179 رقم 1547).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 257 رقم 3389).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 819 رقم 2450).

ص: 290

والحديث أخرجه مسلم (1): حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، أنه قال: أخبرني سالم بن عبد الله: "أن عبد الله بن عمر كان يكري أرضه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد الله، فقال: يا ابن خديج ماذا تحدث عن رسول الله عليه السلام في كراء الأرض؟ قال رافع ابن خديج لعبد الله: سمعت عمَّيَّ وكانا شهدا بدرًا يحدثان أهل الدار أن رسول الله عليه السلام نهى عن كراء الأرض. قال عبد الله: لقد كنت أعلم في عهد رسول الله عليه السلام أن الأرض تكرى! ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله عليه السلام أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض".

وأخرجه البخاري (2) أيضًا: عن ابن بكير، عن الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن سالم. . . . إلى آخره نحوه.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن رافع بن خديج رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام نهى عن الحقل".

قال شعبة: قلت للحكم: ما الحقل؟ فقال: أن تكري الأرض -أراه قال-: بالثلث أو الربع.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن مجاهد، عن رافع بن خديج قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن أمرٍ كان لنا نافعًا، وأمرُ رسول الله أنفع لنا، قال: مَن كانت له أرض فَلْيَزرَعْها أو ليُزرِعْها".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عيسى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي، قال: سمعت مجاهدًا، يقول:

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1181 رقم 1547).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 825 رقم 2219).

ص: 291

حدثني أسيد ابن أخي رافع بن خديج، قال: قال رافع بن خديج. . . . فذكر مثله، غير أنه قال:"فَلْيَزْرَعْها، فإن عجز عنها فَلْيُزْرِعْها أخاه".

حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، قال:"أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خديج، فحدثه عن أبيه، عن رسول الله عليه السلام: أنه نهى عن كراء الأرض. فأتى طاوس فقال: سمعت ابن عباس يقول: لا نرى بذلك بأسًا".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو الأحوص، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج، قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن المزابنة والمحاقلة، وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أخاه أرضًا فهو يزرع ما مُنح منها، ورجل اكترى أرضًا بذهب أو فضة".

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو نعيم والمعلى بن منصور، قالا: ثنا أبو الأحوص. . . . ثم ذكر بإسناده مثله.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانت له أرض فَلْيَزرَعْها، أو ليُزرِعْها أخاه، ولا يكريها بالثلث ولا بالربع ولا بطعام مسمى".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا بكير بن عامر، عن ابن أبي نعيم، قال: حدثني رافع بن خديج: "أنه زرع أرضًا، فمر به النبي عليه السلام وهو يسقيها، فسأله: لمن الزرع ولمن الأرض؟ فقال: زرعي ببذري وعملي، لي الشطر ولبني فلان الشطر، فقال: أربيت، فَرُد الأرض إلى أهلها وخذ بنفقتك".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا بكير، عن الشعبي، عن رافع مثله.

ص: 292

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو النجاشي مولى رافع بن خديج، قال:"قلت لرافع: إن لي أرضًا أكريها، فنهاني رافع، وأراه قال لي: إن رسول الله عليه السلام نهى عن كراء الأرض، وقال: إذا كان لأحدكم أرضًا فليزرعها أوليُزرِعْها أخاه، فإن لم يفعل فليدعها ولا يكريها بشيء، فقلت: أرأيت إن تركتها فلم أزرعها ولم أكرها بشيء فزرعها قوم فوهبوا إليَّ من نباتها شيئًا آخذه؟ قال: لا".

ش: هذه عشر طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد المكي، عن رافع بن خديج.

وأخرجه النسائي (1): عن ابن مثنى ومحمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن رافع:"نهى النبي عليه السلام عن الحقل".

قوله: "عن الحقْل" بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وفي آخره لام، وقد فسره في الحديث.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن يحيى بن حماد بن أبي زياد المصري ختن أبي عوانة، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن سليمان الأعمش، عن مجاهد، عن رافع.

وأخرجه الترمذي (2): عن هناد، عن أبي بكر بن عياش، عن ابن حصين، عن مجاهد، عن رافع. . . . إلى آخره نحوه.

قال: وفيه اضطراب، يروى هذا الحديث عن رافع، عن عمومته، ويروى عنه عن ظهير بن رافع أحد عمومته، وقد روي هذا الحديث عنه على روايات مختلفة.

(1)"المجتبى"(7/ 35 رقم 3870).

(2)

"جامع الترمذي"(3/ 667 رقم 1384).

ص: 293

قوله: "فليزرعها" من زرع الأرض.

وقوله: "أو ليزرعها" من أزرعه أرضه، والمعنى ليزرعها بنفسه، أو ليجعلها لغيره مزرعة، يقال: أزرعه أرضًا إذا فعلت ذلك معه.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عيسى بن إبراهيم بن سيار الشعيري، عن عبد الواحد بن زياد العبدي المصري، عن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي -بضم الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء وآخر الحروف- قاضي الري، عن مجاهد، عن أُسَيد -بضم الهمزة وفتح السين- ابن أخي رافع بن خديج. . . . إلى آخره.

وأخرجه النسائي (1): نحوه عن إبراهيم بن يعقوب، عن عفان، عن عبد الواحد ابن زياد، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن مجاهد، حدثني أسيد بن أخي رافع بن خديج، قال: قال رافع. . . . الحديث.

وأخرجه أبو داود (2): ثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، أن أسيد بن ظهير قال:"جاءنا رافع بن خديج، فقال: إن رسول الله عليه السلام ينهاكم عن أمر كان لكم نافعًا، وطاعة رسول الله عليه السلام أنفع لكم، إن رسول الله عليه السلام ينهاكم عن الحقل، وقال: من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه أو يدع".

قال أبو داود: هكذا رواه شعبة ومفضل بن مهلهل عن منصور.

وقال شعبة: أسيد بن أخي رافع بن خديج.

قلت: قال ابن منده وأبو نعيم: أسيد بن ظهير عم رافع بن خديج. وقال ابن الأثير: وليس كذلك، وإنما هو ابن عمه؛ لأن رافع بن خديج بن رافع بن عدي، وظهير بن رافع بن عدي.

(1)"المجتبى"(7/ 34 رقم 3866).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 260 رقم 3398).

ص: 294

وهذا كما ترى قد وقع في رواية الطحاوي، والنسائي، وأبي داود في رواية شعبة: أسيد ابن أخي رافع بن خديج، وفي رواية أبي داود من طريق سفيان: أسد بن ظهير، وكذا في إحدى روايات النسائي.

وهذا أيضًا يعني أن أسيدًا هو ابن عم رافع بن خديج مثلما قال ابن الأثير، وهذا كما ترى لا يخلو عن اضطراب.

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم، عن علي بن معبد بن شداد الرقي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد قال:"أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خديج"، واسمه رفاعة بن رافع، ذكره ابن حبان في "الثقات".

وأخرجه مسلم (1): نا يحيى بن يحيى، قال: أنا حماد بن زيد، عن عمرو:"أن مجاهدًا قال لطاوس: انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج فاسمع منه الحديث عن أبيه، عن النبي عليه السلام قال: فانتهره، قال: إني والله لو أعلم أن رسول الله عليه السلام نهى عنه ما فعلته، ولكني حدثني مَن هو أعلم به منهم -يعني ابن عباس رضي الله عنهما- أن رسول الله عليه السلام قال: لأن يمنح الرجل أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا".

الخامس: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الحنفي، عن طارق بن عبد الرحمن البجلي الأحمسي الكوفي، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج.

وأخرجه أبو داود (2): ثنا مسدد، قال: نا أبو الأحوص، قال: ثنا طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج، قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن المحاقلة والمزابنة، وقال: إنما يزرع ثلاثة. . . ." إلى آخره نحوه.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1184 رقم 1550).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 281 رقم 3400).

ص: 295

قوله: "عن المزابنة" هي بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر، وأصله من الزبن وهو الدفع، كأن كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه، وإنما نهي عنها لما يقع فيها من الغبن والجهالة.

قوله: "والمحاقلة" والمحاقلة مختلف فيها، قيل: هي اكتراء الأرض بالحنطة، هكذا جاء مفسرًا في الحديث، وهو الذي يسميه الزَّرَّاعون: المحارثة، وقيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما، وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبر، وقيل: هي بيع الزرع قبل إدراكه.

وإنما نهي عنها لأنها من المكيل، ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلا مثلًا بمثل ويدًا بيد، وهذا مجهول لا يدرى أيهما أكثر، وفيه النسيئة، والمحاقلة: مفاعلة من الحقل، وهو الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ سوقه، وقيل: هي من الحقل وهي الأرض التي تزرع، ويسميه أهل العراق: القراح.

قوله: "منح أخاه أرضًا" أي: أعارها إياه، وقد تقع المنحة على الهبة مطلقًا لا قرضًا ولا عارية، وهاهنا معناه العارية.

السادس: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، وعن المعلى بن منصور الرازي أحد أصحاب أبي حنيفة، كلاهما عن أبي الأحوص سلام بن سليم، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج.

وأخرجه النسائي (1): عن قتيبة، عن سعيد، عن أبي الأحوص. . . . إلى آخره نحوه.

وابن ماجه (2): عن هناد بن السري، عن أبي الأحوص نحوه.

(1)"المجتبى"(7/ 40 رقم 3890).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 762 رقم 2267).

ص: 296

السابع: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم الثقفي المكي، عن سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج.

وأخرجه مسلم (1) نحوه: عن أبي الطاهر، عن عبد الله بن وهب، عن جرير ابن حازم، عن يعلى بن حكيم. . . . إلى آخره.

وأبو داود (2) وابن ماجه (3) أيضًا.

الثامن: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن بكير بن عامر البجلي الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكوفي العابد، عن رافع.

وأخرجه أبو داود (4): عن هارون بن عبد الله، عن الفضل بن دكين، عن بكير بن عامر، عن ابن أبي نعم نحوه.

قوله: "أربيت" أي فعلت الربا.

التاسع: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن بكير بن عامر، عن عامر الشعبي، عن رافع بن خديج.

العاشر: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن عمر بن يونس بن القاسم الحنفي اليمامي، عن عكرمة بن عمار العجلي اليمامي، عن أبي النجاشي عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج الأنصاري.

وأخرجه مسلم (5): عن محمد بن حاتم، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن عكرمة بن عمار، عن أبي النجاشي، عن رافع بن خديج نحوه.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1181 رقم 1548).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 259 رقم 3395).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 823 رقم 2465).

(4)

"سنن أبي داود"(3/ 261 رقم 3402).

(5)

"صحيح مسلم"(3/ 1182 رقم 1548).

ص: 297

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا حبان بن هلال. (ح)

وحدثنا محمد بن علي بن داود، قال: ثنا عفان بن مسلم، قالا: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: حدثني عبد الله بن السائب، قال:"سألت عبد الله بن معقل عن المزارعة، فقال: أخبرني ثابت بن الضحاك أن النبي عليه السلام نهى عن المزارعة".

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، قال: ثنا علي بن مسهر، عن الشيباني، قال: أنا عبد الله بن السائب، فذكر بإسناده مثله.

ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن حَبَّان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة- بن هلال البصري، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري، عن أبي إسحاق سليمان الشيباني، عن عبد الله بن السائب الكندي، ويقال: الشيباني الكوفي، عن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني، عن ثابت بن الضحاك بن أمية الأنصاري الصحابي.

وأخرجه مسلم (1): نا يحيى بن يحيى، قال: أنا عبد الواحد بن زياد.

ونا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا علي بن مسهر، كلاهما عن الشيباني، عن عبد الله بن السائب، قال:"سألت عبد الله بن معقل عن المزارعة، فقال: أخبرني ثابت بن الضحاك، أن رسول الله عليه السلام نهى عن المزارعة" وفي رواية ابن أبي شيبة: "نهى عنها"، وقال: سألت ابن معقل ولم يُسم عبد الله.

الثاني: عن محمد بن علي بن داود، عن عفان بن مسلم الصفار، عن عبد الواحد بن زياد. . . . إلى آخره.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1183 رقم 1549).

ص: 298

وأخرجه الطبراني (1): ثنا محمد بن العباس المؤدب، نا عفان بن مسلم، نا عبد الواحد بن زياد، نا سليمان الشيباني، ثنا عبد الله بن السائب، قال:"سألت عبد الله بن معقل عن المزارعة، فقال: ثنا ثابت بن الضحاك، أن رسول الله عليه السلام نهى عن المزارعة".

الثالث: عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن علي بن مسهر القرشي الكوفي، عن أبي إسحاق سليمان الشيباني، عن عبد الله بن السائب، عن عبد الله بن معقل، عن ثابت بن الضحاك نحوه.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، ثنا بشر بن بكر، قال: ثنا الأوزاعي، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال:"كان لرجال منا فضول أرضين على عهد رسول الله عليه السلام، فكانوا يؤاجرونها على النصف والثلث والربع، فقال رسول الله عليه السلام: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليمنح أخاه، فإن أبى فليمسك".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: ثنا عطاء، عن جابر مثله.

حدثنا سليمان بن سعيد، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا همام، قال: قيل لعطاء: "هل حدثك جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يؤاجرها؟ فقال عطاء: نعم".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا همام، قال: سأل سليمانُ بن موسى عطاءً وأنا شاهد. . . . ثم ذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان الفوزي، قال: ثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال:"خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ." ثم ذكر مثله.

(1)"المعجم الكبير"(2/ 76 رقم 1342).

ص: 299

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال ابن خثيم: حدثني عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله عز وجل".

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: أنا يحيى بن سليم الطائفي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، فذكر بإسناده مثله، وزاد:"من الله ورسوله".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، عن سَلِيم بن حيان، عن سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَن كان له فضل ماء أو فضل أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا تبيعوها، قال سَلِيم: فقلت له: يعني الكراء؟ قال: نعم".

ش: هذه ثمان طرق صحاح:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن بشر بن بكر التنيسي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

وأخرجه البخاري (1): عن محمد بن يوسف، عن الأوزاعي، عن عطاء. . . . إلى آخره نحوه.

ومسلم (2): عن الحكم بن موسى، قال: ثنا هِقْل -يعني: ابن زياد- عن الأوزاعي، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال:"كان لرجال فضول أرضين من أصحاب رسول الله عليه السلام، فقال رسول الله عليه السلام: من كانت له فضل أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه".

قوله: "أو ليمنح أخاه" أي أو ليعر أرضه أخاه، والمنحة وإن كان معناها الهبة فقد تطلق على العارية أرضًا.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 927 رقم 2489).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1176 رقم 1536).

ص: 300

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله.

وأخرجه ابن ماجه (1): من حديث عطاء، عن جابر نحوه.

الثالث: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن الخَصِيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي، عن همام بن يحيى، قال: قيل لعطاء، وهو عطاء بن أبي رباح.

وأخرجه أحمد (2): عن عفان، عن همام. . . . إلى آخره نحوه.

الرابع: عن محمد بن خزيمة، عن عبد الله بن رجاء الغداني. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (3): ثنا شيبان بن فروخ، قال: ثنا همام، قال: سأل سليمان بن يونس عطاء، فقال:"أحدثك جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام قال: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكريها؟ قال: نعم".

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن خطاب بن عثمان الفوزي -بفتح الفاء وسكون الواو وبالزاي المعجمة- نسبة إلى فوز قرية من قرى حمص. عن ضمرة بن حبيب الحمصي، عن عبد الله بن شوذب الخراساني نزيل بيت المقدس، عن مطر بن طهمان الوراق الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح.

وأخرجه مسلم (3): ثنا عبد بن حميد، نا محمد بن الفضل لقبه عارم، وهو ابن النعمان السدوسي، قال: ثنا مهدي بن ميمون، قال: نا مطر الوراق، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه".

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 819 رقم 2451).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 363 رقم 14960).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1177 رقم 1536).

ص: 301

السادس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن معين، عن عبد الله ابن رجاء المكي أبي عمران -وليس هو عبد الله بن رجاء الغداني، وكلاهما من رجال الصحيح، يروي عن ابن خثيم -وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري من القارة- أبو عثمان المكي.

وأبو الزبير هو محمد بن مسلم المكي.

والحديث أخرجه أبو داود (1): عن يحيى بن معين عن عبد الله ابن رجاء المكي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر نحوه.

وقد مرَّ تفسير المخابرة مرة.

السابع: عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد الأصبهاني، عن يحيى بن سليم القرشي الطائفي الخزاز -بالراء المهملة ثم الزاي المعجمة- الحذاء المكي، أحد مشايخ الشافعي.

عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا الجراح بن مخلد، ثنا يحيى بن سليم، نا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لم يدع المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله".

الثامن: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن سَلِيم -بفتح السين وكسر اللام- ابن حيان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف- بن بسطام الهذلي، عن سعيد بن ميناء، عن جابر رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم (2): حدثني حجاج بن الشاعر، قال: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: ثنا سَلِيم بن حيان، قال: ثنا سعيد بن ميناء، قال: سمعت

(1)"سنن أبي داود"(3/ 262 رقم 3406).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1177 رقم 1536).

ص: 302

جابر بن عبد الله، أن رسول الله عليه السلام قال:"مَن كان له فضل أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا تبيعوها" فقلت لسعيد: ما: لا تبيعوها، يعني الكراء؟ قال: نعم".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذه الآثار وكرهوا بها إجارة الأرض بجزء مما يخرج منها.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء، ومجاهدًا، ومسروقًا، والشعبي، وطاوس بن كيسان، والحسن، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، وأبا حنيفة، ومالكًا، والشافعي، وزفر؛ فإنهم قالوا: تكره إجارة الأرض بجزء مما يخرج منها، كالثلث والربع.

اعلم أن هاهنا مذاهب للناس، فقال أبو عمر: لا يجوز كراء الأرض بشيء من الطعام، مأكولًا كان أو مشروبًا على حال؛ لأن ذلك في معنى بيع الطعام بالطعام نسيئة، وكذلك لا يجوز كراء الأرض بشيء مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكولًا ولا مشروبًا سوى الخشب، والقصب، والحطب؛ لأنه في معنى [المزابنة](1).

هذا هو المحفوظ عن مالك وأصحابه، وذكر ابن سحنون عن المغيرة بن عبد الرحمن: أنه لا بأس بكراء الأرض بطعام لا يخرج منها، وذكر ابن حبيب أن ابن كنانة يقول: لا تكرى الأرض بشيء إذا أُعِيدَ فيها نَبَت، ولا بأس أن تكرى بما سوى ذلك من جميع الأشياء مما يؤكل ومما لا يؤكل، خرج منها أو لم يخرج منها، قال: وكان ابن نافع يقول: لا بأس أن تكرى الأرض بكل شيء من طعام وغيره، خرج منها أو لم يخرج منها، ما عدا الحنطة وأخواتها فإنها المحاقلة.

وأجمع مالك وأصحابه كلهم أن الأرض لا يجوز كراؤها على بعض ما يخرج منها مما يزرع فيها ثلثًا كان أو ربعًا، أو جزافًا كان؛ لأنه غرر ومحاقلة.

(1) في "الأصل، ك": "المراقبة"، والمثبت من "التمهيد"(4/ 486).

ص: 303

وقال جماعة من أهل العلم: معنى المحاقلة: دفع الأرض على الثلث والربع، وعلى جزء مما يخرج منها؛ لأنه مجهول ولا يجوز الكراء إلا معلومًا.

قالوا: وكراء الأرض بالذهب والورق وبالعروض كلها الطعام وغيره مما ينبت في الأرض وما لا ينبت فيها جائز، كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد، هذا كله قول الشافعي ومَن تابعه.

وهو قول أبي حنيفة وداود، وإليه ذهب محمد بن عبد الحكم من أصحاب مالك.

وقال الليث بن سعد، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد بن حنبل: لا بأس أن يعطي الرجل أرضه على جزء مما تخرجه نحو الثلث والربع.

وقال القاضي عياض: اختلف الناس في منع كراء الأرض على الإطلاق، فقال به طاوس والحسن؛ أخذًا بظاهر النهي عن المحاقلة، وفسرها الرازي بكراء الأرض، فأطلق.

وقال جمهور العلماء: إنما يمنع على التقييد دون الإطلاق، واختلفوا في ذلك، فعندنا: إن كراها بالجزء لا يجوز من غير خلاف، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقال بعض الصحابة وبعض الفقهاء بجوازه تشبيهًا بالقراض، وأما كراؤها بالطعام مضمونًا في الذمة فأجازه أبو حنيفة والشافعي.

وقال ابن حزم في "المحلى": لا يرى عطاء، ومجاهد، ومسروق، والشعبي، وطاوس، والحسن، وابن سيرين والقاسم بن محمد كراء الأرض أصلًا لا بدنانير ولا بدراهم ولا بغير ذلك، وقال أيضًا: وممن أجاز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يخرج منها: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان، وابن عمر، وسعد، وابن مسعود، وخباب، وحذيفة، ومعاذ رضي الله عنهم.

وهو قول عبد الرحمن بن يزيد بن موسى، وابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن المنذر.

ص: 304

واختلف فيها عن الليث، وأجازها أحمد، وإسحاق، إلا أنهما قالا: إن البذر يكون من عند صاحب الأرض، وإنما على العامل البقر والآلة والعمل.

وأجازها بعض أصحاب الحديث ولم يبال ممن جعل البذر منهما.

وقال أيضًا: واتفق أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، وأبو سليمان، على جواز كراء الأرض، واختلفوا فيه أيضًا وفي المزارعة، فأجاز كل من ذكرنا -حاشى مالكًا وحده- كراء الأرض بالذهب والفضة، وبالطعام المسمى كيله في الذمة ما لم يشترط أن يكون مما تخرجه الأرض، وبالعروض كلها.

وقال مالك بمثل ذلك إلا أنه لم يجز كراء الأرض بشيء مما يخرج منها، ولا بشيء من الطعام وإن لم يخرج منها كالعسل والملح والمري، ونحو ذلك.

وأجاز كراءها بالخشب والحطب وإن كانا يخرجان منها.

ومنع أبو حنيفة وزفر إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يزرع فيها بوجه من الوجوه، وقال مالك: لا يجوز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما تخرج إلا أن يكون أرض شجر، فيكون مقدار البياض من الأرض مقدار ثلث الجميع، ويكون السواد مقدار الثلثين من الجميع فيجوز حينئذٍ أن يعطى بالثلث أو الربع أو النصف على ما يعطى به ذلك السواد.

وقال الشافعي: لا يجوز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما تخرج إلا أن تكون في خلال الشجر لا يمكن سقيها ولا عملها إلا بعمل الشجر وحفرها وسقيها، فيجوز حينئذٍ إعطاؤها بثلث أو ربع أو نصف على ما تعطي به الشجر، وقال أبو بكر بن داود: لا يجوز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يخرج منها، إلا أن تعطى هي والشجر في صفقة واحدة، فيجوز ذلك حينئذٍ، والله أعلم.

ص: وهذه الآثار فقد جاءت على معاني مختلفة، فأما ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، فروى عن النبي عليه السلام نهى عن المزارعة، ولم يبيِّن أي مزارعة هي؟

ص: 305

فإن كانت هي المزارعة على جزء معلوم مما تخرج الأرض، فهذا الذي يختلف فيه هؤلاء المحتجون بهذه الآثار ومخالفوهم.

وإن كانت تلك المزارعة التي نهي عنها هي المزارعة على الثلث والربع، وشيء غير ذلك مما يخرج مما يزرع في موضع من الأرض بعينه، فهذا مما يجمع الفريقان جميعًا على فساد المزارعة عليه، وليس في حديث ثابت هذا ما ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد معنى من هذين المعنيين بعينه دون المعنى الآخر.

وأما حديث جابر بن عبد الله فإنه قال فيه: "كان لرجال منا فضول أرضين، وكانوا يؤاجرونها على النصف والثلث والربع، فقال رسول الله عليه السلام: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبي فليمسك".

ففي هذا الحديث أنه لم يُجز لهم إلا أن يزرعوها بأنفسهم أو يمنحوها من أحبوا، ولم يُبح لهم في هذا الحديث غير ذلك، فقد يحتمل أن يكون ذلك النهي كان على أن لا تؤاجر بثلث ولا بربع ولا بدراهم ولا بدنانير ولا بغير ذلك، فيكون المقصود إليه بذلك النهي: هو إجارة الأرض، وقد ذهب قوم إلى كراهة إجارة الأرض بالذهب والفضة.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال:"كان طاوس يكره كراء الأرض بالذهب والفضة".

فهذا طاوس يكره كراء الأرض بالذهب والفضة، ولا يرى بأسا بدفعها ببعض ما تخرج، وسنخبر بذلك فيما بعد إن شاء الله.

فإن كان النهي الذي في حديث جابر وقع على الكراء أصلًا بشيء مما تخرج وبغير ذلك، فهذا معنًى يخالفه الفريقان جميعًا.

وقد يحتمل أن يكون النهي وقع لمعنًى غير ذلك، فنظرنا هل روى أحد عن جابر في ذلك شيئا يدل على المعنى الذي كان من أجله كان النهي؟

ص: 306

فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا عبد الله بن نافع المدني، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله:"أن رسول الله عليه السلام بلغه أن رجالا يكرون مزارعهم بنصف ما يخرج منها، وبثلثه بالماذيانات، فقال في ذلك رسول الله عليه السلام: مَن كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يفعل فليمسكها".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، أن أبا الزبير المكي حدثه، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "كنا في زمن رسول الله عليه السلام نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات، فنهى رسول الله عليه السلام عن ذلك".

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:"كنا نخابر على عهد رسول الله عليه السلام فنصيب من كذا، فقال: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليجريها أخاه وإلا فليدعها".

فأخبر أبو الزبير في هذا عن جابر بالمعنى الذي وقع النهي من أجله، وأنه إنما هو لشيء كانوا يصيبونه في الإجارة، فكأن النهي من قِبَل ذلك جاء، وقد يحتمل أن يكون معنى حديث ثابت بن الضحاك الذي ذكرنا كذلك، والله أعلم.

وأما حديث رافع بن خديج فقد جاء بألفاظ مختلفة اضطرب علينا من أجلها. فأما حديث ابن عمر عنه فهو مثل حديث ثابت بن الضحاك: "أن رسول الله عليه السلام نهى عن المزارعة"، فهو يحتمل أيضًا ما وصفنا من معاني حديث ثابت على ما ذكرنا وبيَّنا، وأما مَن رواه على مثل ما روى جابر، فيحتمل أيضًا ما وصفنا مما يحتمله حديث جابر رضي الله عنه.

ش: لما أخرج الأحاديث المذكورة عن أربعة أنفس من الصحابة وهم: رافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وثابت بن الضحاك، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وكانت مختلفة الألفاظ متباينة المعاني، ولم يكن بُيِّنَ فيها ما الذي نهى عنه، ولا

ص: 307

المعنى الذي وقع النهي لأجله، فلذلك كثر اختلاف أقاويل العلماء فيه، شرع الآن يبين معنى كل واحد منها، فقال: وأما ثابت بن الضحاك. . . . إلى آخره، وأكثره ظاهر.

فقوله: "هؤلاء المحتجون" إشارة إلى ما ذكره من قوله: "فذهب قوم إلى هذه الآثار" وهم: عطاء، ومجاهد، ومسروق، ومَن ذكرناهم معهم.

قوله: "ومخالفوهم" أراد بهم: الليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري، وأبا يوسف، ومحمدًا، ومَن ذكرنا معهم.

قوله: "وقد ذهب قوم إلى كراهة إجارة الأرض" أراد بهم: عطاء، وطاوس بن كيسان، ومجاهدًا، والقاسم بن محمد، وآخرين؛ فإنهم كرهوا إجارة الأرض بالنقدين.

وأخرج في ذلك لبيان مذهب طاوس بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار المكي، عن طاوس.

وأخرجه النسائي (1) فقال: أنا محمد بن عبد الله بن المبارك، نا زكرياء بن عدي، أنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، قال:"كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بالثلث والربع بأسا. . . ."، وإليه ذهب أهل الظاهر. وقال ابن حزم: وهذا نص قولنا.

قوله: "فإذا يونس. . . ." إلى آخره أخرج هذا من ثلاث طرق:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن نافع المدني -فيه مقال- عن هشام بن سعد المدني، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر بن عبد الله.

(1)"المجتبى"(7/ 36 رقم 3873).

ص: 308

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث هشام بن سعد، أن أبا الزبير حدثه، سمعت جابرًا يقول:"كنا في زمان رسول الله عليه السلام نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات، فقام رسول الله عليه السلام، فقال: مَن كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها".

قوله: "وبالماذيانات" قال الإِمام: الماذيانات ما ينبت على الأنهار الكبار، وليس بالعربية، ولكنها سَوَادِيَّة، والسواقي دون الماذيانات.

وقال القاضي: ضبطنا هذا الحرف في كتاب مسلم بكسر الذال، وضبطناه عن بعض شيوخنا في غير مسلم بفتحها، قيل: هي مسالات المياه، وقال سحنون: الماذيانات ما نبتت على حافتي سبيل الماء، وقيل: ما نبتت حول السواقي من الخصب.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر.

وأخرجه مسلم (2): عن أبي الطاهر وأحمد بن عيسى جميعًا، عن ابن وهب -قال ابن عيسى: ثنا عبد الله بن وهب- قال: حدثني هشام بن سعد، أن أبا الزبير المكي حدثه، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول:"كنا في زمن رسول الله عليه السلام نأخذ الأرض بالثلث أو الربع، بالماذيانات، فقام رسول الله عليه السلام في ذلك، فقال: مَن كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها".

الثالث: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، عن زهير بن معاوية، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر.

وهذا إسناد صحيح.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 130 رقم 11492).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1177 رقم 1536).

ص: 309

وأخرجه مسلم (1) أيضًا: نا أحمد بن يونس، قال: نا زهير، قال: نا أبو الزبير، عن جابر، قال:"كنا نخابر على عهد رسول الله عليه السلام فنصيب من القصري ومن كذا، فقال رسول الله عليه السلام: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليجريها أخاه وإلا فليدعها".

قوله: "نخابر" من المخابرة وهي المزارعة.

قوله: "من القِصرِي" بكسر القاف والراء وصاد مهملة. وعن الطبري: بفتح القاف والراء مقصور. وعن ابن الحذاء: بضم القاف مقصور، والصواب الأول، قال أبو عبيد: القصارة ما بقي من الحبوب في السنبل، وقال ابن دريد: القصارة ما بقي في السنبل بعد ما يداس، وأهل الشام يسمونه: القِصْرِي.

ص: ثم نظرنا بعد ذلك هل نجد عن رافع معنى يدلنا على وجه النهي عن ذلك لِمَ كان؟

فإذا أبو بكرة قد حدثنا، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا حماد بن سلمة، أن يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرهم، عن خالد بن قيس الزُرَقي، عن رافع بن خديج قال:"كنا بني حارثة أكثر أهل المدينة حقلا، وكنا نكري الأرض على أن ما سقى الماذيان والربيع فلنا، وما سقت الجداول فلهم، فربما سلم هذا وهلك هذا، وربما سلم هذا وهلك هذا، ولم يكن عندنا يومئذٍ ذهب ولا فضة فنعلم ذلك، فسألنا رسول الله عليه السلام عن ذلك فنهانا".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا حامد بن يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أنا حنظلة بن قيس الزرقي، أنه سمع رافع بن خديج يقول: "كنا أكثر أهل المدينة حقلا، وكنا نقول للذي نخابره: لك هذه القطعة ولنا هذه القطعة تزرعها لنا، فربما أخرجت هذه القطعة ولم تخرج هذه

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1177 رقم 1536).

ص: 310

شيئًا، وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه شيئًا، فنهانا رسول الله عليه السلام عن ذلك، فأما بِوَرِق فلم ينهنا عنه".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زُريع، قال: ثنا ابن أبي عروبة، عن يعلى بن حكيم، عن سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج، قال:"كنا نحاقل على عهد رسول الله عليه السلام-والمحاقلة أن يكري الرجل أرضه بالثلث أو الربع، أو طعام مسمى- فبينا أنا ذات يوم إذ أتى بعض عمومتي، فقال: نهانا رسول الله عليه السلام عن أمر كان لنا نافعًا، وطاعة رسول الله عليه السلام أنفع، قال: من كانت له أرض فليمنحها أخاه ولا يكريها بثلث ولا ربع، ولا طعام مسمى".

فبيَّن رافع في هذا كيف كانوا يزارعون، فرجع معنى حديثه إلى معنى حديث جابر رضي الله عنه، وثبت أن النهي في الحديثين جميعًا، إنما كان لأن كل فريق من أرباب الأرضين والمزارعين كان يختص بطائفة من الأرض، فيكون له ما خرج منها مَن زرع، إن سلم فله، وإن عطب فعليه، وهذا مما أجمع على فساده، فهذا قد خرج معنى حديث رافع على أن النهي المذكور فيه كان للمعنى الذي وصفنا لا لإجارة الأرض بجزء مما يخرج منها.

ش: لما لم يكن في أحاديث رافع المتقدم ذكرها ما يدل على وجه النهي في ذلك لأي شيء كان؟ أتى هاهنا بأحاديث أخرى رويت عنه، فيها بيان معنى النهي، ووجهه ما ذكره الطحاوي.

وأخرج ذلك من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير -شيخ أبي داود وابن ماجه- عن حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن حنظلة بن قيس الزرقي المدني، عن رافع بن خديج.

ص: 311

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا يوسف القاضي، ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن حنظلة بن قيس، عن رافع بن خديج، قال:"كُنَّا بني حارثة أكثر أهل المدينة حقلًا، وكنا نكري الأرض ونشترط على الإكراء أن ما سقى الماذيانات والربيع فلنا، وما سقي بالجداول فهو لكم، فربما هلك هذا وسلم هذا، وربما سلم هذا وهلك هذا، فنهى رسول الله عليه السلام عن ذلك، ولم يكن عندنا يومئذٍ ذهب ولا فضة فنعلم ذلك".

قوله: "بني حارثة" نصب على التخصيص، وهذا من قبيل قوله:"إنا معشر الأنبياء لا نورث".

قوله: "حقلًا" أي زرعًا، وهو بسكون القاف: الزرع الذي يتشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه.

و"الربيع" هو النهر الصغير ويجمع على أربعاء.

و"الجداول" جمع جدول، وهو النهر الصغير أيضًا.

الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن حامد بن يحيى البلخي شيخ أبي داود، عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن حنظلة بن قيس، عن رافع.

وأخرجه مسلم (2): ثنا عمرو الناقد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن حنظلة الزرقي، أنه سمع رافع بن خديج، يقول:"كنا أكثر الأنصار حقلًا، قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، وأما الورق فلم ينهنا".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن المنهال -شيخ

(1)"المعجم الكبير"(4/ 260 رقم 4337).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1183 رقم 1547).

ص: 312

البخاري ومسلم وأبي داود- عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن يعلى بن حكيم الثقفي، عن سليمان بن يسار، عن رافع.

وأخرجه مسلم (1): حدثني علي بن حجر السعدي، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: نا إسماعيل -وهو ابن علية- عن أيوب، عن يعلى بن حكيم، عن سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج، قال:"كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله عليه السلام فنكريها بالثلث والربع، والطعام المسمى، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي، فقال: نهانا رسول الله عليه السلام عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها بالثلث والربع، والطعام المسمى، وأَمَرَ رَبَّ الأرض أن يَزْرَعْها أو يُزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك".

وأخرج أيضًا (2): عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبدة، عن ابن أبي عروبة، عن يعلى بن حكيم بهذا الإسناد مثله.

قوله: "كنا نحاقل" من المحاقلة، وفي تفسيرها أقوال، وقد ذكرنا بعضها، وقد فسرها في الحديث بقوله:"والمحاقلة أن يكري. . . ." إلى آخره.

قوله: "إذ أتى بعض عمومتي" وهو ظهير بن رافع، والعمومة: جمع عَمّ، كالخئولة: جمع خال.

ص: وقد أنكر آخرون على رافع ما روى من ذلك، وأخبروا أنه لم يحفظ أول الحديث.

فحدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: "يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله كنت أعلم بالحديث منه، إنما جاء رجلان

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1181 رقم 1548).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1182 رقم 1548).

ص: 313

من الأنصار إلى رسول الله عليه السلام قد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع، فسمع قوله: لا تكروا المزارع".

فهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه يخبر أن قول النبي عليه السلام: "لا تكروا المزارع" النهي الذي قد سمعه رافع لم يكن من النبي عليه السلام على وجه التحريم، وإنما كان لكراهية وقوع الشر بينهم.

ش: أي وقد أنكر جماعة آخرون على رافع بن خديج، وأراد بهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وطاوس بن اليمان رضي الله عنهم، فإنهم أنكروا على رافع ما روى من الحديث المذكور، وقالوا: إنه لم يحفظ أول الحديث، وإنما لحق من النبي عليه السلام آخر الحديث، وقد فاته أوله، فروى القدر الذي وقف عليه، وبيَّن ذلك بقوله: فحدثنا علي بن شيبة. . . . إلى آخره، بالفاء التفسيرية.

أخرجه عن علي بن شيبة، عن يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ مسلم، عن بشر بن المفضل بن لاحق البصري الثقة الحجة، عن عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله المدني -المختلف فيه- عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر العنسي، ذكره ابن أبي حاتم، وقال: سمعت أبي يقول: هو لا يسمى وهو منكر الحديث.

يروي عن الوليد بن أبي الوليد، واسمه عثمان القرشي المدني مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: مولى عثمان بن عفان. وثقه أبو زرعة وابن حبان.

يروي عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا ابن علية.

وثنا مسدد، قال: نا بشر -المعنى- عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عروة بن الزبير،

(1)"سنن أبي داود"(3/ 257 رقم 3390).

ص: 314

قال: قال زيد بن ثابت: "يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان -قال مسدد: من الأنصار- قد اقتتلا، فقال رسول الله عليه السلام: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع".

وأخرجه النسائي (1): عن حسين بن محمد البصري، عن ابن علية. . . . بإسناده نحوه.

وعن (2) عمرو بن علي، عن يزيد بن زريع.

وعن (3) إسماعيل بن مسعود، عن بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد، عن الوليد، عن عروة، به. وخالفا ابن علية في قوله: الوليد بن أبي الوليد.

وأخرجه ابن ماجه (4): عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن إسماعيل بن علية. . . . فذكره.

ص: وقد روي عن ابن عباس من ذلك شيء.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سفيان وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، قال: قلت له: "يا أبا عبد الرحمن لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله عليه السلام نهى عنها، فقال: أخبرني أعلمهم -يعني ابن عباس- أن رسول الله عليه السلام لم يَنْه عنها، ولكنه قال: لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ منها خراجًا معلومًا".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو. . . . فذكر بإسناده مثله.

(1)"المجتبى"(7/ 50 رقم 3927).

(2)

"السنن الكبرى"(3/ 106 رقم 4659).

(3)

"السنن الكبرى"(3/ 106 رقم 4660).

(4)

"سنن ابن ماجه"(2/ 822 رقم 2461).

ص: 315

فبيَّن ابن عباس أن ما كان من النبي عليه السلام في ذلك لم يكن للنهي؛ وإنما أراد الرفق بهم.

ش: أي قد روي عن عبد الله بن عباس من المعنى الذي ذكره زيد بن ثابت في حديث رافع بن خديج شيء.

أخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن سفيان بن عيينة والحمادين، عن عمرو بن دينار، عن طاوس بن كيسان. . . . إلى آخره.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): ثنا ابن أبي عمر، قال: ثنا سفيان، عن عمرو وابن طاوس، عن طاوس:"أنه كان يخابر، قال عمرو: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، لو تركت هذه المخابرة؛ فإنهم يزعمون أن النبي عليه السلام نهى عن المخابرة، فقال أي عمرو: أخبرني أعلمهم بذلك -يعني ابن عباس- أن النبي عليه السلام لم ينه عنها، إنما قال: يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجًا معلومًا".

وأخرجه البخاري (2) أيضًا نحوه.

وقال البيهقي: كأن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنكروا إطلاق النهي، وعنى ابن عباس بما "لم ينه عنه" من ذلك كراءها بالذهب والفضة، وبما لا غرر فيه، وقد قيد بعض الرواة عن رافع الأنواع التي وقع النهي عنها، وبيَّن علة النهي وهي ما يخشى على الزرع من الهلاك، وذلك غرر في العوض، فوجب فساد العقد، وإن كان ابن عباس عنى بما "لم ينه عنه" كراءها ببعض ما يخرج منها

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1184 رقم 1550).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 821 رقم 2205).

ص: 316

فقد روينا عمن سمع نهيه عنه، فالحكم له دونه، وقد روينا عن زيد بن ثابت ما يوافق رواية رافع وغيره، فدل أن ما أنكره غير ما أثبته، ومن العلماء من على ما لو وقعت بشروط فاسدة كالجداول والماذيانات وهي الأنهار، ونحو شرط القصارة وهي ما بقي من الحب في السنبل بعد الدرس، ويقال فيه: القِصْرِي، ونحو شرط ما سقى الربيع وهو النهر الصغير والسرى ونحوه. وجمع الربيع أربعاء.

قالوا: وكانت هذه شروطًا بعد الشرط على الثلث أو النصف، فنرى أنه عليه السلام نهى عن المزارعة لهذه الشروط؛ لأنها مجهولة، فإذا كانت الحصص معلومة نحو النصف والثلث والربع، وعدمت الشروط الفاسدة؛ صحت المزارعة، وإلي هذا ذهب أحمد بن حنبل، وأبو عبيد، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم.

ومن أهل الرأي: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن.

والأحاديث التي وردت في معاملة أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع حجة لهم في هذه المسألة.

وضعف أحمد حديث رافع وقال: هو كثير الألوان. وقال الخطابي: وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما تخرج الأرض، فإنما أراد بذلك أن يتمانحوا أراضيهم وأن يَرْفق بعضهم بعضًا، وقد ذكر رافع في رواية أخرى عنه في هذا الباب النوع الذي حُرِمَ منها، والعلة التي من أجلها نُهي عنها، وذلك قوله:"كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله عليه السلام على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع. . . ." الحديث.

فأعلمك في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا فيها شروطًا فاسدة، وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول، ويكون خاصًّا لرب الأرض والمزارعة، وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة، وقد يَسلم ما على السواقي والجداول، ويهلك سائر الزرع، فيبقى

ص: 317

المزارع ولا شيء له، وهذا خطر، وإذا شرط رب المال على المضارب دراهم لنفسه زيادة على حصة الربح المعلومة فسدت المضاربة؛ فهذا وذلك سواء، وأصل المضاربة في السنة: المزارعة أو المساقاة، فكيف يجوز أن تصح الفروع وتبطل الأصول.

وقال أيضًا: وقد أنعم محمد بن إسحاق بن خزيمة وجوَّد وصنف في المزارعة مسألة ذكر فيها علل الأحاديث التي وردت فيها.

ص: وقد يحتمل أيضًا أن يكون كره لهم أخذ الخراج؛ لما وقع بين الرجلين في حديث زيد فقال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ منه خراجًا معلومًا؛ لأن ما كان وقع بين ذينك الرجلين من الشر إنما كان في الخراج الواجب لأحدهما على صاحبه، فرأى أن المنحة التي لا تجري بينهم فيها ذلك خير لهم من المزارعة التي توقع بينهم مثل ذلك".

ش: هذا وجه آخر في معنى النهي الوارد في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو ظاهر.

ص: وقد جاء بعضهم بحديث رافع على لفظ حديث ابن عباس رضي الله عنهم هذا.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت مجاهدًا، عن رافع بن خديج قال: "نهانا رسول الله عليه السلام عن أمرٍ كان لنا نافعًا، وأمرنا بخير منه، فقال: مَن كان له أرض فليزرعها أو ليمنحها، قال: فذكرت ذلك لطاوس، فقال: قال ابن عباس: إنما قال رسول الله عليه السلام ليمنحها أخاه خير له أو يمنحها خير له.

فيحتمل أن يكون وجه هذا الحديث على ذلك أيضًا، فيكون في قوله:"نهانا عن أمر كان لنا نافعًا" يريد ما ذكر زيد بن ثابت أن رافعًا سمعه وأمرنا بكذا، فأما ابن عباس فلم يكن لجميع ما سمع في الحقيقة نهيٌ لكراء الأرض بالثلث والربع.

ش: أي بعض الرواة من المحدثين، وأشار بهذا إلى بيان أن جميع ما سمع

ص: 318

رافع بن خديج في هذا الباب ليس له حقيقة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع؛ لأن حديثه الذي روي من لفظ حديث ابن عباس يدل على هذا.

أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن ميسرة الهلالي العامري الكوفي الزراد، عن مجاهد المكي، عن رافع بن خديج.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): قال: ثنا يوسف القاضي، ثنا عمرو بن مرزوق، وثنا محمد بن عبدوس، ثنا علي بن الجعد، قال: أنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن مجاهد، عن رافع بن خديج قال:"خرج علينا رسول الله عليه السلام فنهانا عن أمر كان لنا نافعًا، وأمر رسول الله عليه السلام خير، قال: مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أو ليذرها، فذكرنا ذلك لطاوس، فقال: إن ابن عباس كان أعلم. قال: قال ابن عباس: لأن يمنح الرجل أخاه أرضه خيرٌ له".

قوله: "ليمنحها أخاه خيرٌ له" أي ليعرها أخاه. وارتفاع "خير" على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: ليمنحها أخاه، ومنحها إياه خير له، وكذلك التقدير في قوله:"أو يمنحها خير له".

ص: وقد روي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم في النهي عن ذلك: أنه إنما كان لبعض المعاني التي تقدم ذكرنا لها.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثني محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن بن لُبَيْبة، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:"كان الناس يُكرون المزارع بما يكون على السواقي وبما سُعِدَ بالماء مما حول البئر، فنهى رسول الله عليه السلام عن ذلك، وقال: اكروها بالذهب والوَرِق".

(1)"المعجم الكبير"(4/ 265 رقم 4366).

ص: 319

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا حسان بن غالب، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، أن رافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر وهو متكئ على يدي:"أن عمومته جاءوا إلى رسول الله عليه السلام ثم رجعوا، فقالوا: إن رسول الله عليه السلام نهى عن كراء المزارع. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يُكريها على عهد رسول الله عليه السلام على أن له ما في ربيع السواقي الذي تفجر منه الماء، وطائفة من التبن، ولا أدري ما هو". فبيَّن سعد رضي الله عنه في هذا الحديث نهي النبي عليه السلام لم كان؟ وأنه كان لأنهم قد كانوا يشترطون ما على ربيع الساقي وذلك فاسد في قول الناس جميعًا، وحمل ابن عمر النهي على أنه قد يجوز أن يكون على ذلك المعنى أيضًا، وزاد حديث سعد على غيره من هذه الأحاديث إباحة النبي عليه السلام إجارة الأرض بالذهب والورق، فقد بان بنهي رسول الله عليه السلام عن المزارعة في الآثار المتقدمة لم كان؟ وما الذي نهى عنه من ذلك؟ ولم يثبت في شيء منها النهي عن إجارة الأرض ببعض ما يخرج إذا كان ثلثًا أو ربعًا أو ما أشبه ذلك.

ش: أي قد روي عن سعد، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في النهي عن المزارعة أنه إنما كان لبعض المعاني الذي مضى ذكره، وهو إدخال الشرط الفاسد، وهو أنهم كانوا يشترطون ما على ربيع الساقي، وهذا الشرط فاسد في قول العلماء جميعًا، وإليه أشار بقوله:"فبيَّن سعد رضي الله عنه في هذا الحديث نهي النبي عليه السلام لم كان؟ ". يعني بيَّن علة النهي في ذلك، وهي ما ذكرناه.

وكذلك حديث ابن عمر على هذا المعنى، فهذان الحديثان بيَّنا وجه النهي عن ذلك في الأحاديث المتقدمة؛ لأن الأحاديث بعضها يُفسر بعضًا، ومع هذا لم يثبت في شيء من الأحاديث المذكورة النهي عن إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها إذا كان ثلثًا أو ربعًا أو ما أشبه ذلك.

وأخرج حديث سعد: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني شيخ ابن ماجه، فيه مقال.

ص: 320

عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني، عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة -ويقال: ابن أبي لبيبة- ويقال: لبية أمه وأبو لبية أبوه، واسمه وردان -قال يحيى: ليس حديثه بشيء. وذكره ابن حبان في "الثقات".

وهو يروي عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال:"كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع، وما سُعد بالماء منها، فنهى رسول الله عليه السلام عن ذلك، وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة".

وأخرجه النسائي (2) أيضًا.

وأخرج حديث ابن عمر، عن ربيع بن سليمان الجيزي الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، عن حسان بن غالب بن نجيح الرعيني المصري، وثقه ابن يونس، وضعفه آخرون.

عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد المدني القارِّي، عن موسى بن عقبة، عن نافع، أن رافع بن خديج. . . . إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (3): ثنا عبدان بن أحمد، ثنا أبو الأشعث، ثنا الفضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع: "أن رافع بن خديج أخبر عبد الله بن

(1)"سنن أبي داود"(3/ 258 رقم 3391).

(2)

"المجتبى"(7/ 41 رقم 3894) بنحوه.

(3)

"المعجم الكبير"(4/ 256 رقم 4318).

ص: 321

عمر وهو متكئ على يدي، أن عمومته جاءوا إلى النبي عليه السلام، ثم رجعوا إلى رافع بعده، ورووا أن النبي عليه السلام نهى عن كراء المزارع".

وأخرجه النسائي (1) بمعناه.

قوله: "وبما سُعِدَ بالماء" أي وبما جاء من الماء سَيْحًا لا يحتاج إلى دالية. وقيل: معناه ما جاء من غير طلب، قال الأزهري: السعيد: النهر، مأخوذ من هذا وجمعه سُعُد، ومنه الحديث:"كنا نزارع على السعيد" والسواعد مجاري الماء في النهر أو في البحر، ومجاري المخ في العظم.

قوله: "والوَرِق" بفتح الواو وكسر الراء، وهو الفضة.

قوله: "ما في ربيع الساقي" من إضافة الموصوف إلى الصفة أي النهر الذي يسقي الزرع.

ص: وقد احتج قوم في ذلك لأهل المقالة الأولى بما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جعفر بن ربيعة، عن ابن هرمز، عن أسيد بن رافع بن خديج، سمعه يذكر:"أنهم منعوا من المحاقلة، وهي أن تكرى أرضٌ على بعض ما فيها".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا حامد، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله عليه السلام نهى عنها، فتركناها من أجل قوله".

حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا محمد بن مسلم الطائفي، قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله عليه السلام عن المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة. فالمخابرة: على الثلث

(1)"المجتبى"(7/ 45 رقم 3908).

ص: 322

والربع والنصف من بياض الأرض. والمزابنة: بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر، وبيع العنب في الشجر بالزبيب. والمحاقلة: بيع الزرع قائمًا على أصوله بالطعام".

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، عن سليم بن حيان، عن سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة".

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا سعيد بن عُفير، قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن عمه واسع بن حَبَّان، عن جابر بن عبد الله قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن المحاقلة والمزابنة".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عمر بن يونس بن القاسم، قال: ثنا أبي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول عليه السلام مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص الأصفهاني، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا سعد بن إبراهيم، قال: حدثني عمر بن أبي سلمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام، مثله.

قال: "والمحاقلة: الشرك في الزرع. والمزابنة: التمر بالتمر في رءوس النخل.

قالوا: فقد نهى النبي عليه السلام عن المحاقلة وهي كراء الأرض بالثلث والربع. ونهى أيضًا عن المخابرة وهي كذلك أيضًا.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: جماعة من أصحاب مالك وطائفة من أصحاب الشافعي، وزفر بن الهذيل؛ فإنهم احتجوا في فساد المزارعة نصرةً لأهل المقالة الأولى الذين ذكرناهم فيما مضى بأحاديث رويت عن أسيد بن رافع بن خديج،

ص: 323

وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، وأبي هريرة رضي الله عنهم.

فإن النبي عليه السلام نهى عن المحاقلة والمخابرة في أحاديثهم، وهي كراء الأرض بالثلث والربع ونحو ذلك.

أما حديث أُسَيْد، بضم الهمزة وفتح السين، كذا قاله ابن ماكولا، وقال: أخرجه البخاري في باب أَسِيد وأُسَيْد -يعني بفتح الهمزة وضمها- وقال الدارقطني: والصواب الضم.

فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أسيد بن رافع بن خديج.

وأخرجه الطبراني (1): ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شهاب، عن أسيد بن رافع، عن أبيه قال:"نهانا النبي عليه السلام أن نكري الأرض ببعض ما فيها".

وأما حديث ابن عمر فأخرجه: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن حامد بن يحيى البلخي شيخ أبي داود، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه مسلم (2): ثنا يحيى بن يحيى، وأبو الربيع العتكي -قال أبو الربيع: ثنا، وقال يحيى: أنا- حماد بن زيد، عن عمرو، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما

(1)"المعجم الكبير"(4/ 266 رقم 4371).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1179 رقم 1547).

ص: 324

يقول: "كنا لا نرى بالخَبر بأسًا حتى كان عام أول؛ فزعم رافع أن نبي الله عليه السلام نهى عنه".

وأخرجه أيضًا (1): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد عنه، وزاد:"فتركناه من أجله".

وأما حديث جابر فأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن محمد بن مسلم الطائفي المكي، عن إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة، عن عمرو بن دينار، عن جابر.

وأخرجه النسائي (2): عن محمد بن عامر، عن شريح، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو به، نحوه.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن سَلِيم -بفتح السين وكسر اللام- بن حيان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف- الهذلي، عن سعيد بن ميناء -بكسر الميم- المكي، عن جابر.

وأخرجه مسلم (3): ثنا عبد الله بن هاشم، قال: ثنا بهز، قال: ثنا سَليم بن حيان، قال: ثنا سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، وعن بيع الثمرة حتى تشقح. قال: قلت لسعيد: وما تشقح؟ قال: تحمارّ وتصفارّ، ويؤكل منها".

الثالث: عن ربيع الجيزي، عن سعيد بن كثير بن عفير شيخ البخاري، عن يحيى بن أيوب المصري، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن عطاء بن أبي رباح المكي وأبي الزبير محمد بن مسلم المكي، كلاهما عن جابر.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1179 رقم 1547).

(2)

"المجتبى"(7/ 48 رقم 3920).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1175 رقم 1536).

ص: 325

وأخرجه مسلم (1): عن عبد بن حميد، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء وأبي الزبير، أنهما سمعا جابر بن عبد الله يقول:"نهى رسول الله عليه السلام عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة. . . ." الحديث.

الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أحمد بن خالد الوهبي الكندي، عن محمد بن إسحاق بن يسار، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- عن عمه واسع بن حَبَّان، عن جابر.

وأخرج البيهقي في "سننه"(2): من حديث ابن إسحاق، عن محمد بن يحيى ابن حَبَّان، عن عمه واسع، عن جابر:"نهى رسول الله عليه السلام عن المحاقلة، والمزابنة. . . ." الحديث.

وأما حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: فأخرجه عن علي بن شيبة، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله عليه السلام.

وأخرجه الترمذي (3): عن هناد، عن عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت:"أن النبي عليه السلام نهى عن المحاقلة، والمزابنة، إلا أنه قد أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرجها".

قال أبو عيسى: حديث زيد بن ثابت هكذا روى محمد بن إسحاق هذا الحديث، وروى أيوب وعبيد الله بن عمر ومالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر:"أن النبي عليه السلام نهى عن المحاقلة والمزابنة".

وبهذا الإسناد عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، عن النبي عليه السلام:"أنه رخص في العرايا".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1174 رقم 1536).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 311 رقم 10449).

(3)

"جامع الترمذي"(3/ 594 رقم 1300).

ص: 326

وهذا أصح من حديث محمد بن إسحاق.

وأما حديث أنس بن مالك: فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن عمر بن يونس بن القاسم الحنفي اليمامي، عن أبيه يونس بن القاسم الحنفي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن زيد بن سهل الأنصاري المدني، عن أنس بن مالك.

وأخرجه البخاري (1): من حديث أنس رضي الله عنه، وقد مرَّ هذا مرةً بغير هذا الإسناد في باب "بيع الثمار قبل أن تتناهى".

وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن حسين بن حفص الأصبهاني، عن سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وعمر بن أبي سلمة ليس بالقوي.

وأخرجه النسائي (2): عن عمرو بن علي، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: قيل لهم: أما ما ذكرتم عن النبي عليه السلام من نهيه عن المحاقلة فقد صدقتم، ونحن نوافقكم على صحة ذلك، وأما تأويلكم إياه على أنه المزارعة بالثلث والربع فهذا تأويل منكم، وليس عندكم عن النبي عليه السلام في ذلك دليل يدل أن تأويله كما تأولتم، وقد يحتمل عندنا ما ذكرتم، ويحتمل أن يكون كما قال مخالفكم: إنه بيع الحنطة كيلًا بحنطة هذا الحقل الذي لا يدرى ما كيله، فهذا عندنا وعندكم فاسد، وهذا أشبه لأنه مقرون بالمزابنة، والمزابنة هي بيع الثمر المكيل بما في رءوس النخل من الثمر. فهذا الحديث يحتمل ما تأوله الفريقان جميعًا عليه، ولا حجة فيه لأحد الفريقين على الآخر.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 768 رقم 2093).

(2)

"المجتبى"(7/ 39 رقم 3884).

ص: 327

ش: أي قيل للقوم الذين احتجوا بالأحاديث المذكورة لأهل المقالة الأولى، وأراد به الجواب عما قالوه، وحاصله أن الأحاديث المذكورة تحتمل ما تأوله هؤلاء، وتحتمل ما تأوله خصمهم، ولا ترجيح لأحد التأويلين على الآخر، فلا يكون حجةً لأحد الفريقين على الآخر؛ لأن أحدهم إذا احتج بأحد التأويلين، يحتج خصمه بالتأويل الآخر، فلا تبقى حجة لهما، فافهم.

ص: وقد جاءت آثار غير هذه الآثار فيها إباحة المزارعة بالثلث والربع، فمنها: ما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا يحيى بن زكرياء، عن الحجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن أبي القاسم مقسم، عن ابن عباس قال:"أعطى رسول الله عليه السلام خيبر بالشطر، ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم".

حدثنا محمد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع وابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما تخرج من الزرع".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال:"كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله عليه السلام على أن لرب الأرض ما على ربيع الساقي من الزرع وطائفة من التبن، لا أدري كم هو؟ قال نافع: فجاء رافع بن خديج وأنا معه فقال: إن رسول الله عليه السلام أعطى خيبر يهودًا على أنهم يعملونها ويزرعونها بشطر ما تُخرج من ثمر أو زرع".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عون الزيادي -وهو محمد بن عون- قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر قال:"أفاء الله عز وجل خيبر، فأقرهم رسول الله عليه السلام كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث ابن رواحة فخرصها عليهم".

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا محمد بن سابق، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر مثله.

ص: 328

ففي هذه الآثار دفع النبي عليه السلام خيبر بالنصف من ثمرها وزرعها، فقد ثبت بذلك جواز المزارعة والمساقاة ولم يضاد ذلك ما تقدم ذكرنا له من خبر جابر، ورافع، وثابت رضي الله عنهم لما قد ذكرنا من حقائقها.

ش: أي قد جاءت أحاديث عن النبي عليه السلام خلاف الأحاديث المذكورة فيها إباحة المزارعة بالثلث والربع، وهي حجة على أهل المقالة الأولى الذين ذهبوا إلى فساد المزارعة بجزء مما يخرج من الأرض، وهي عن ابن عباس، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم.

أما حديث ابن عباس: فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن الحجاج بن أرطاة النخعي فيه مقال، عن الحكم بن عتيبة، عن أبي القاسم مقسم بن بجرة، عن ابن عباس.

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا إسماعيل بن توبة، نا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام أعطى خيبر أهلها على النصف؛ نخلها وأرضها".

قوله: "بالشطر" أي بالنصف.

قوله: "ثم أرسل ابن رواحة" وهو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري.

وأما حديث ابن عمر فأخرجه من طريقين:

الأول: إسناده صحيح عن محمد بن عمرو بن يونس، عن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، عن عبيد الله بن عمر بن حفص، عن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه أبو داود (2): عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"أن النبي عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع".

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 824 رقم 2468).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 262 رقم 3408).

ص: 329

وأخرجه الترمذي (1): عن إسحاق بن منصور، عن يحيى به.

وقال: حسن صحيح.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن ابن الصباح وسهل بن أبي سهل وإسحاق بن منصور، عن يحيى، به.

الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي، عن أبي بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، عن عبد الله بن نافع فيه مقال.

عن أبيه نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه الطبراني (3): ثنا أحمد بن رشدين، نا عبد الأعلى بن عبد الواحد الكلاعي، ثنا يزيد بن شعيب، عن أسامة بن زيد، عن نافع:"أن ابن عمر لما سمع حديث رافع بن خديج: نهى رسول الله عليه السلام عن كراء الأرض، قال ابن عمر: إنما كنا نكريها على ربيع الساقي وببعض ما يخرج منها من التبن".

وأما حديث جابر فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن عون الزيادي -بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف- البصري، شيخ أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين.

عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر.

وأخرجه أبو داود (4): عن محمد بن أبي خلف، عن محمد بن سابق، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال:"أفاء الله على رسوله عليه السلام خيبر، فأقرهم رسول الله عليه السلام كما كانوا وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم".

(1)"جامع الترمذي"(3/ 666 رقم 1383).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 824 رقم 2467).

(3)

"المعجم الكبير"(4/ 255 رقم 4313).

(4)

"سنن أبي داود"(3/ 264 رقم 3414).

ص: 330

الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، عن محمد بن سابق التميمي البزار الكوفي، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.

قوله: "أفاء الله" من الفيء وهو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصل الفيء الرجوع يقال: فاء يفيء فيئة وفُيُوءًا، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم، ومنه قيل للظل الذي يكون بعد الزوال: فيء؛ لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق.

قوله: "فخرصها" من خَرَص النخل والكرمة يَخْرِصُها خرصًا إذا حزر ما عليهما من الرطب تمرًا، ومن العنب زبيبًا، وهو من الخرص: الظن؛ لأن الحزر إنما هو تقدير بظن، والاسم الخِرص -بالكسر- والفاعل الخارص.

قوله: "ولم يضاد ذلك" أي المذكور من الأحاديث ما قد تقدم ذكرنا له من حديث جابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وثابت بن الضحاك رضي الله عنهم.

وهذا في الحقيقة جواب عما يقال: إن بين أحاديث ابن عباس وابن عمر وجابر المذكورة هاهنا وبين أحاديث جابر ورافع وثابت تضادًّا ظاهرًا؛ لأن أحاديث ابن عباس وابن عمر وجابر هذه تخبر بإباحة المزارعة بالثلث والربع، وأحاديث هؤلاء تمنع عن هذا.

وتحقيق الجواب يفهم مما ذكره من معاني هذه الأحاديث وتنزيلها على تأويلات صحيحة.

ص: فاحتج محتج في ذلك، فقال: قد عورضت هذه الآثار أيضًا بما روي عن النبي عليه السلام من النهي عن بيع الثمار قبل أن تكون بما قد وصفنا في باب "بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها"، قال: فإذا نهى النبي عليه السلام عن الابتياع بالثمار قبل أن تكون، دخل في ذلك الاستئجار قبل أن يكون، فكما كان البيع بها قبل كونها باطلًا؛ كان الاستئجار بها قبل كونها كذلك أيضًا.

ص: 331

ألا ترى أن النبي عليه السلام قد نهى عن بيع ما ليس عندك، فكان الاستئجار بذلك غير جائز، إذ كان الابتياع به غير جائز، فكذلك كما كان الابتياع بما لم يكن غير جائز كان الاستئجار به أيضًا غير جائز.

ش: أي احتج محتج من أهل المقالة الأولى في فساد المزارعة بجزء مما يخرج منها، وقال: قد عارض هذه الأحاديث المروية عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم ما روي من الأحاديث التي فيها النهي عن بيع الثمار قبل أن تكون، وقد مرت في باب:"بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها"، فإذا نهي عن شراء الثمار قبل كونها، دخل في ذلك الاستئجار أيضًا؛ لأنه بيع أيضًا؛ لأنه بيع المنافع، فإذا بطل بيع الأعيان بطل بيع المنافع أيضًا؛ قياسًا عليه.

ص: قيل له: إنه لو لم تُروَ هذه الآثار التي ذكرنا في إجازة المزارعة بالثلث والربع كان الأمر كذلك ما ذكرت، ولكن لما روي عن النبي عليه السلام إباحتها، وعمل بها المسلمون بعده؛ احتمل أن لا يكون الاستئجار بما لم يكن داخلًا في الابتياع بما لم يكن، ويكون مستثنى من ذلك، ولئن لم يبين في الحديث، كما قد أبيح السلم ولم يحرمه النهي عن بيع ما ليس عندك، وإنما وقع النهي في ذلك على بيع ما ليس عندك غير السلم، فكذلك يحتمل أن يكون النهي عن بيع الثمار قبل أن تكون ذلك، على ما سوى المزارعة بها والمساقاة.

ش: أي قيل لهذا المحتج "أنه"، أي أن البيان، وأراد به الجواب عما قاله هذا المحتج، وهو ظاهر.

ص: وقد عمل بالمزارعة والمساقاة أصحاب رسول الله عليه السلام من بعده.

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، قال: سمعت أبي يذكر عن موسى بن طلحة، قال:"أقطع عثمان رضي الله عنه نفرًا من أصحاب النبي عليه السلام: عبد الله بن مسعود، والزبير بن العوام، وسعد بن مالك، وأسامة رضي الله عنهم؛ فكان جَارَيَّ منهم سعد بن مالك وابن مسعود يدفعان أرضيهما بالثلث والربع".

ص: 332

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: نا شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، قال:"سألت موسى بن طلحة عن المزارعة، فقال: أقطع عثمان عبد الله أرضًا، وأقطع سعدًا أرضًا، وأقطع خبابًا أرضًا، وأقطع صهيبًا أرضًا، فكلا جاريَّ كانا يزارعان بالثلث والربع".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا حماد بن سلمة، أن يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرهم، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر بن عبد العزيز:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث يعلى بن منية إلى اليمن، فأمره أن يعطيهم الأرض البيضاء على أنه إن كان البقر والبذر والحديد من عمر رضي الله عنه فله الثلثان ولهم الثلث، وإن كان البقر والبذر والحديد منهم، فلعمر الشطر ولهم الشطر، وأمره أن يعطيهم النخل والكرم، على أن لعمر رضي الله عنه الثلثين ولهم الثلث".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا عبد الواحد بن زياد، قال: أنا الحجاج بن أرطاة، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال:"كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعطي الأرض على الشطر".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا حماد بن سلمة، أن الحجاج بن أرطاة أخبرهم، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، أنه قال:"كان حذيفة بن اليمان يكري الأرض على الثلث والربع".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس:"أن معاذا قدم اليمن وهم يخابرون، فأقرهم على ذلك".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا حماد بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس: "أن معاذا لما قدم اليمن كان يكري الأرض والمزارع على الثلث والربع، أو قال: قدم اليمن وهم يفعلونه، فأمضى ذلك.

ص: 333

حدثنا محمد بن عمرو بن يونس، قال: حدثني أسباط بن محمد، عن كليب بن وائل، أنه قال:"قلت لعبد الله بن عمر: أتاني رجل له أرض ومال وليس له بذر ولا بقر، أخذت أرضه بالنصف فزرعتها ببذري وبقري فناصفته، فقال: حسن".

ش: ذكر هذه الآثار عن الصحابة شاهدة لقوله: "وعمل بها المسلمون من بعده".

الأول: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأخرجه من طريقين:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، فيه مقال، قال البخاري: فيه نظر.

يروي عن أبيه إبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي الكوفي، اختلف فيه ولكن مسلمًا أخرج له.

وهو يروي عن موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني الثقة، قال:"أقطع عثمان رضي الله عنه. . . .".

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث أبي عوانة، نا إبراهيم بن مهاجر، عن موسى بن طلحة:"أن عثمان رضي الله عنه أقطع خمسة من أصحاب رسول الله عليه السلام: الزبير، وسعد بن مالك، وابن مسعود، وخبابا، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، فرأيت جَارَيَّ سعدًا وابن مسعود يعطيان أرضيهما بالثلث".

الثاني: عن فهد بن سليمان أيضًا، عن محمد بن سعيد الأصبهاني، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن إبراهيم بن مهاجر، عن موسى بن طلحة.

وهذا إسناد صحيح.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 145 رقم 11575).

ص: 334

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا شريك بن عبد الله، عن إبراهيم بن المهاجر، قال: سألت موسى بن طلحة فحدثني: "أن عثمان رضي الله عنه أقطع خبابًا أرضًا، وعبد الله أرضًا، وسعدا أرضًا، وصهيبًا أرضًا، فكلا جَارَيَّ قد رأيته يعطي أرضه بالثلث والربع؛ عبد الله وسعدًا".

قوله: "وأقطع عثمان نفرًا" يعني أعطى لهم من الأرض؛ قطع لينتفعوا بها، والإقطاع بكسر الهمزة، قد يكون تمليكًا وقد يكون غير تمليك؛ بأن يمكن الإِمام رجلًا من قطعة أرض لينتفع بمنافعها زراعة وإجارة ولا يملكه رقبتها، وذلك كما جرت العادة في هذا الزمان في القطائع السلطانية.

الثاني: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج عنه بسند رجاله ثقات، ولكنه مرسل منقطع.

عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن حماد ابن سلمة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، عن إسماعيل بن أبي حكيم القرشي الأموي، عن عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، بعث يعلى بن منية، وهو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة المكي، ومنية اسم أمه، ويقال: جدته؛ وهي منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان.

ويعلى هذا أسلم يوم الفتح وشهد الطائف وحنينًا وتبوك مع النبي عليه السلام.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث حماد بن سلمة، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر بن عبد العزيز: "أن رسول الله عليه السلام قال في مرضه الذي مات فيه: قاتل الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب، فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلى أهل نجران إلى البحرانية، واشترى عقرهم وأموالهم، وأجلى أهل فدك وتيماء وأهل خيبر،

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(7/ 323 رقم 36515).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 135 رقم 11520).

ص: 335

واستعمل يعلى بن منية، فأعطى البياض على إن كان البذر والبقر والحديد من عمر فلعمر الثلثان ولهم الثلث، وإن كان منهم فلعمر الشطر، وأعطى النخل والعنب على أن لعمر الثلثين ولهم الثلث.

وأشار إليه البخاري (1) في ترجمة الباب، وقال: قال قيس بن مسلم، عن أبي جعفر:"ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع". قال البخاري: وزارع عليّ وسعد وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر، وآل عمر، وآل علي وابن سيرين.

الثالث: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأخرجه عنه بإسناد مرسل فيه الحجاج بن أرطاة، وفيه مقال.

وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2) بسند أحسن منه وقال: نا ابن أبي زائدة، عن حجاج، عن أبي جعفر محمد بن علي قال:"عامل رسول الله عليه السلام أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع".

الرابع: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أخرج عنه بسند فيه الحجاج بن أرطاة وفيه مقال.

وأخرجه ابن حزم (3): من طريق حماد بن سلمة، عن الحجاج بن أرطاة، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن موسى بن طلحة:"أن خبابًا وحذيفة بن اليمان وابن مسعود رضي الله عنهم كانوا يعطون أرضهم البياض على الثلث والربع".

الخامس: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأخرج عنه من طريقين صحيحين:

(1)"صحيح البخاري"(2/ 820 رقم 7).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 377 رقم 21231).

(3)

"المحلى"(8/ 216).

ص: 336

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن طاوس.

وأخرجه بن أبي شيبة في "مصنفه"(1) بنحو منه: ثنا جرير، عن ليث، عن طاوس، قال:"جاءنا معاذ ونحن نعطي أرضنا بالثلث والربع، فلم يعب ذلك علينا".

الثاني: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ مسلم، عن حماد بن زيد، عن عمرو، عن طاوس.

وأخرج ابن حزم (2) بنحو منه: من طريق حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، أنه سمع طاوسًا يقول:"قدم علينا معاذ بن جبل فأعطى الأرض على الثلث والربع، فنحن نعملها إلى اليوم".

وقال ابن حزم: مات رسول الله عليه السلام ومعاذ باليمن على هذا العمل.

السادس: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخرج عنه بسند صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3): نا يحيى بن أبي زائدة وأبو الأحوص، كلاهما عن كليب بن وائل قال:"قلت لابن عمر: رجل له أرض وماء وليس له بذر ولا بقر، فأعطاني أرضه بالنصف، فزرعتها ببذري وبقري، ثم قاسمته على النصف، قال: حسن".

وأخرجه سعيد بن منصور أيضًا في "سننه": عن أبي الأحوص وعبيد الله بن زياد بن لقيط، كلاهما عن كليب بن وائل، مثله.

ص: ثم إنه قد اختلف التابعون من بعدهم في ذلك:

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن حماد

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 377 رقم 21229).

(2)

"المحلى"(8/ 215).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 377 رقم 21233).

ص: 337

أنه قال: "سألت سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسالم بن عبد الله ومجاهدًا عن كراء الأرض بالثلث والربع، فكرهوه".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن حماد أنه قال:"سألت مجاهدًا وسالمًا عن كراء الأرض بالثلث والربع فكرهاه، وسألت عن ذلك طاوسًا فلم ير به بأسًا، قال: فذكرت ذلك لمجاهد -وكان يشرفه ويوقره- فقال: إنه يزرع".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا أبو عوانة، عن منصور، أنه قال:"كان إبراهيم يكره كراء الأرض بالثلث والربع".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا أبو عوانة، عن منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جبير، مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا حماد بن سلمة، أن قيس بن سعد أخبرهم، عن عطاء، مثله.

حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد ويونس، عن الحسن:"أنه كان يكره أن يكري الأرض من أخيه بالثلث والربع".

ش: أي أن الشأن قد اختلف التابعون من بعد الصحابة رضي الله عنهم في حكم المزارعة بالثلث والربع ونحو ذلك، وإنما كان اختلافهم لاختلاف الآثار في هذا الباب.

وأخرج في ذلك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومجاهد بن جبر المكي وطاوس بن كيسان اليماني وإبراهيم النخعي والحسن البصري.

ص: 338

وهؤلاء من سادات التابعين، وقد تكرر ذكر الرجال الذين هاهنا وكلهم ثقات.

وبشر بن عمر بن الحكم الزهراني روى له الجماعة، وأبو بكرة هو بكار القاضي، وأبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي، وأبو عمر هو حفص بن عمر الضرير البصري، وأبو عوانة هو الوضاح اليشكري، ومنصور هو ابن المعتمر، وحميد هو الطويل، ويونس هو ابن عبيد البصري.

ص: وأما وجه هذا الباب من طريق النظر: فلما قال أهل المقالة الأولى: إن ذلك لا يجوز في المزارعة والمساقاة إلا بالدراهم والدنانير والقروض، وذلك أن الذين أجازوا المساقاة قد زعموا أنهم شبهوها بالمضاربة، وهي المال يدفعه الرجل إلى الرجل على أن يعمل به على النصف أو الثلث أو الربع، فكل قد أجمع على جواز ذلك، وقام ذلك مقام الاستئجار بالمال المعلوم، قالوا: فكذلك المساقاة تقوم النخل المدفوعة مقام رأس المال في المضاربة، ويكون الحادث عنها من الثمر مثل الحادث عن المال من الربح.

ش: أي وأما وجه حكم المزارعة من طريق النظر والقياس. . . . إلى آخره.

حاصله: أن القياس يشهد لصحة ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى الذين قالوا بفساد إجارة الأرض بجزء مما يخرج منها، وهو قول أبي حنيفة أيضًا، فإنه أيضًا أخذ في هذا الباب بالقياس ولم يرجح المزارعة ولا المساقاة كما هو مقرر في كتب أصحابنا، وبَيَّنَ وجه ذلك بقوله: وذلك أن الذين أجازوا. . . . إلى آخره، وهو ظاهر.

ص: فكانت حجتنا عليهم في ذلك أن المضاربة إنما يثبت فيها الربح بعد سلامة رأس المال ووصوله إلى يد ربِّ المال، ولم نر المزارعة ولا المساقاة فُعِلَ فيهما ذلك، ألا ترى أن المساقاة في قول من يجيزها لو أبرت النخل فجدَّ عنها الثمر، ثم احترقت النخل وسلم الثمر كان ذلك الثمر بين رب النخل والمساقي على ما اشترطا فيهما، ولم يمنع من ذلك عدم النخل المدفوع كما يمنع عدم رأس المال في

ص: 339

المضاربة من الربح، وكانت المساقاة والمزارعة إذا عقدتا إلا إلى وقت معلوم كانتا فاسدتين، ولا تجوز إلا إلى وقت معلوم، وكانت المضاربة تجوز لا إلى وقت معلوم، وكان المضارب له أن يمتنع بعد أخذه المال للمضاربة من العمل به متى أحب، ولا يجبر على ذلك، وكان لرب المال أيضًا أن يأخذ المال من يده متى أحب، شاء ذلك المضارب أو أبى.

وليست المساقاة والمزارعة كذلك؛ لأنا قد رأينا المساقي إذا أبى العمل بعد وقوع عقد المساقاة أجبر على ذلك، وإن أراد ربّ النخل أخذها منه وقبض المساقاة لم يكن له ذلك حتى تنقضي المدة التي تعاقدا عليها، فكان عقد المضاربة عقدًا لا يوجب إلزام واحد من رب المال ولا من المضارب، وإنما يعمل المضارب بذلك المال ما كان هو ورب المال متفقين، وكانت المساقاة تجبر على الوفاء بما يوجب عقدها كل واحد من رب النخل والمساقي، فأشبهت المضاربة الشركة فيما ذكرنا، وأشبهت المساقاة الإجارة فيما قد وصفنا.

ش: أي فكانت دليلنا وبرهاننا على أهل المقالة الأولى في قياسهم المزارعة والمساقاة على الإجارة في عدم صحة كرائها إلا بالدراهم والدنانير والعروض، وأراد بذلك منع قياسهم المذكور وبيان فساده بقوله:"إن المضاربة إنما ثبت فيها الربح بعد سلامة رأس المال. . . . إلى آخره"، وبين ذلك من أوجه:

أشار إلى الوجه الأول بقوله: "إن المضاربة إنما تثبت فيها الربح. . . . إلى آخره".

وإلى الثاني بقوله: "وكانت المساقاة والمزارعة إذا عقدتا. . . . إلى آخره".

وإلى الثالث بقوله: "وكان المضارب له أن يمتنع بعد أخذه المال للمضاربة. . . . إلى آخره".

وإلى الرابع بقوله: "ونقض المساقاة لم يكن له ذلك. . . . إلى آخره".

وإلى الخامس بقوله: "وكانت المساقاة تجبر على الوفاء. . . ." إلى آخره.

وبين بهذه الوجوه فساد قياسهم المزارعة على المضاربة؛ فافهم.

ص: 340

ص: ثم رجعنا إلى حكم الإجارات كيف هو؟ لنعلم بذلك كيف حكم المساقاة التي قد أشبهها من حيث وصفنا؟ فرأينا الإجارات تقع على وجوه مختلفة، فمنها إجارات على بلوغ مساقاة معلومة بأجر معلوم فهي جائزة، فهذا وجه من الإجارات.

ومنها ما يقع على عمل معلوم مثل خياطة هذا القميص، وما أشبه ذلك، بأجر معلوم أيضًا.

ومنها ما يقع على مدة معلومة، كالرجل يستأجر الرجل على أن يخدمه شهرًا بأجر معلوم؛ فذلك جائز أيضًا.

فاحتيج في الإجارات كلها إلى الوقوف على ما قد وقع عليها منها العقد، فلم يجز في جميع ذلك إلا على شيء معلوم، إما المساقاة معلومة وإما عملا معلومًا، وقد كانت المضاربة تقع على عمل بالمال غير معلوم لا إلى وقت معلوم، فكان العمل فيها مجهولًا، والبدل منه مجهول أيضًا، فقد ثبت في هذه الأشياء التي قد وصفناها في الإجارات والمضاربات أن حكم كل واحد منهما حكم بدله، فما كان بدله معلومًا فلا يجوز أن يكون ذلك في نفسه إلا معلومًا، وما كان في نفسه غير معلوم، فجائز أن يكون بدله غير معلوم، ثم رأينا المساقاة والمزارعة لا تجوز واحدة منهما إلا إلى وقت معلوم في شيء معلوم، فالنظر على ذلك أن لا يجوز البدل منهما إلا معلومًا، وأن يكون حكمها كحكم البدل منها، كما كان حكم الأشياء التي ذكرنا في الإجارات والمضاربات حكم أبدالها.

فقد ثبت بالنظر الصحيح أن لا تجوز المزارعة ولا المساقاة إلا بالدراهم والدنانير وما أشبهها من العروض، وهذا كله قول أبي حنيفة رضي الله عنه.

ش: لما قال: أشبهت المساقاة الإجارة فيما قد وصفنا، بَيَّنَ حكم الإجارة كيف هو؟ حتى نعلم بذلك حكم المساقاة التي قد أشبهها، وبَيَّنَه بقوله:"فرأينا الإجارات. . . . إلى آخره"، وهو ظاهر.

ص: 341

ص: وأما أبو يوسف ومحمد فذهبا إلى جوازهما جميعًا وتركا النظر في ذلك، واتبعا ما روينا في هذا الباب من الآثار عن رسول الله عليه السلام وعن أصحابه بعده، وقلداها في ذلك والله أعلم.

ش: أي إلى جواز المزارعة والمساقاة جميعًا وتركا النظر أي القياس الذي أخذ به أبو حنيفة، واتبعا في ذلك الأحاديث التي وردت في هذا الباب الناطقة بجوازهما، وقلدا ما روي عن الصحابة بعد النبي عليه السلام وعن التابعين رضي الله عنهم، وهو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، وعليه العمل اليوم، والله أعلم.

ص: 342