الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب الجعل على الحجامة هل يجوز ذلك أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم أخذ الأجرة على الحجامة هل يجوز ذلك للحجام أم لا يجوز؟ والجُعْل -بالضم- هو ما يأخذه الرجل في مقابلة عمله، وكذلك الجعالة.
و"الحِجامة" بكسر الحاء.
قال الجوهري: الحجم فعل الحاجم، وقد حَجَمَه يَحْجِمه، فهو محجوم، والاسم الحِجامة، والحَجْم والمحجم والمحجمة: قارورته.
ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: ثنا هارون بن إسماعيل الخزاز، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، أن السائب بن يزيد حدثه، أن رافع بن خديج حدثه، أن رسول الله عليه السلام قال:"إن كسب الحجام خبيث".
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا بشر بن بكر، قال: ثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، قال: حدثني السائب بن يزيد، قال: سمعت رافع بن خديج يحدث، عن رسول الله عليه السلام. . . . مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق. . . . إلى آخره.
و"الخزاز" بالمعجمات، وفيه رواية صحابي عن صحابي، الأول: السائب بن يزيد الكندي، والثاني: رافع بن خديج الأنصاري.
وأخرجه مسلم في كتاب البيوع (1): عن محمد بن حاتم، عن يحيى القطان، عن محمد بن يوسف، قال: سمعت السائب بن يزيد يحدث، عن رافع بن
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1199 رقم 1568).
خديج، عن النبي عليه السلام يقول:"شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام".
وأخرج أيضًا (1): عن إسحاق بن إبراهيم، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني إبراهيم بن قارظ، عن السائب بن يزيد، قال: حدثني رافع بن خديج، عن رسول الله عليه السلام قال:"ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث".
الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن بشر بن بكر التنيسي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. . . . إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (2): عن موسى بن إسماعيل، عن أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله -يعني: ابن قارظ- عن السائب، عن رافع قال: قال النبي عليه السلام: "كسب الحجام خبيث. . . ." الحديث.
وأخرجه الترمذي (3): عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى، عن إبراهيم، به.
وقال: حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في الصيد (4): عن شعيب بن يوسف، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، نحوه.
ص: حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق، قالا: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "من السحت: كسب الحجام".
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1199 رقم 1568).
(2)
"سنن أبي دواد"(2/ 287 رقم 3421).
(3)
"جامع الترمذي"(3/ 574 رقم 1275).
(4)
"المجتبى"(7/ 190 رقم 4294).
حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا أبو شهاب، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام، مثله.
ش: هذان طريقان:
الأول: إسناده صحيح، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، وعطاء هو ابن أبي رباح.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا أحمد بن ثابت، نا أبو عامر، نا رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن النبي عليه السلام قال:"السحت: كسب الحجام، ومهر البغي، وثمن الكلب".
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري ومسلم، عن ابن شهاب الأصغر عبد ربه بن نافع الحناط -بالنون- الكوفي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فيه مقال، عن عطاء بن أبي رباح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن كسب الحجام".
ص: حدثنا عبد الرحمن بن الجارود، قال: ثنا وهب بن بيان الواسطي، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، قال: حدثني عبد العزيز بن زياد، عن أنس ابن مالك قال:"حرم رسول الله عليه السلام كسب الحجام".
ش: وهب بن بيان بن حيان -بفتح الحاء وتشديد الياء آخر الحروف- الواسطي شيخ أبي داود والنسائي، ثقة.
ويحيى بن سعيد العطار -بالعين المهملة وفي آخره راء- الحمصي، فيه مقال كثير، حتى قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 347 رقم 20908).
وعبد العزيز بن زياد [. .](1).
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: أنا شعبة، قال: ثنا عون بن أبي جحيفة، قال:"قد اشترى أبي حجامًا فكسر محاجمه، فقلت له: يا أبه، لم كسرتها؟ فقال: إن رسول الله عليه السلام قد نهى عن ثمن الدم".
ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وأبو جحيفة اسمه وهب بن عبد الله السُّوَائي الصحابي رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (2): عن أبي موسى، عن غندر، عن شعبة، عن عون بن أبي جحيفة قال:"اشترى أبي عبدًا حجامًا، فأمر بمحاجمه فكسرت، وقال: إن رسول الله عليه السلام نهى عن ثمن الكلب، وكسب البغي، وثمن الدم، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا ومؤكله، ولعن المصور".
وأخرجه أبو داود أيضًا (3).
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: وليس في هذا الحديث دليل على تحريم كسب الحجام، ولكنا إنما أتينا بذلك لئلا يتوهم متوهم أنا قد أغفلنا ذلك، وإنما في هذا الحديث هو كراهية أبي جحيفة ذلك فقط، فأما ما في ذلك من رسول الله عليه السلام من نهيه عن ثمن الدم، فهو ما يباع به الدم لا غير ذلك.
(1) بيض له المؤلف رحمه الله، وقال العراقي في "ذيل الميزان" رقم (534): عبد العزيز بن زياد، أرسل وروى عن أنس، وروى عن قتادة، روى عنه مضاء بن الجارود الدينوري، قال أبو حاتم: مجهول.
قلت: الذي قال فيه أبو حاتم: مجهول هو عبد العزيز بن زياد العمي البصري، الوزان.
ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه في "الجرح والتعديل"(5/ 382) قال: أثنى عليه عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي خيرًا. وكذا فعل البخاري في "تاريخه الكبير"(6/ 28) وقال: أثنى عليه عبيد الله بن سعيد خيرًا، سمع قتادة، كان عنده حديثان، منقطع. وقال ابن حبان في "الثقات": من أهل البصرة، يروي عن قتادة المقاطيع، روى عنه البصريون.
(2)
"صحيح البخاري"(5/ 2223 رقم 5617).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 301 رقم 3483) مختصرًا.
فذهب قوم إلى كراهة كسب الحجام، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بهذا الحديث: حديث أبي جحيفة، يعني: لا يقال: هذا الحديث لا يدل على تحريم كسب الحجام، فَلِمَ ذكره هاهنا في معرض استدلال أهل المقالة الأولى؟ لأنا إنما أتينا به هاهنا لئلا يتوهم متوهم أنا قد تركنا ذلك. . . . إلى آخره.
وأراد بالقوم في قوله: فذهب قوم: عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومنصورًا، وعون بن أبي جحيفة؛ فإنهم ذهبوا إلى كراهة كسب الحجام، واستدلوا على ذلك بالأحاديث المذكورة، وهو مذهب أهل الظاهر أيضًا.
وقال ابن حزم (1): وروينا عن أبي هريرة تحريم أجرة الحجام، وروي عن عثمان أيضًا، وعن غيره من الصحابة.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: كسب الحجام كسب دنيء دنس، فيكره للرجل أن يدنس نفسه، فأما أن يكون في نفسه حرامًا فلا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عكرمة وسالمًا والقاسم وابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: كسب الحجام ليس بخبيث ولكنه دنيء، فيكره للرجل أن يدنس نفسه بالدناءة، وذكر ابن وضاح قال: سمعت أبا جعفر السبتي يقول: لم يكن النهي عن كسب الحجام للتحريم؛ وإنما كان على التنزيه، وكانت قريش تكره أن تأكل من كسب غلمانها من الحجامة.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس والربيع المؤذن، قالا: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس قال:"قد احتجم رسول الله عليه السلام فأعطى الحجام أجره".
وحدثنا الحسين بن الحكم الجبري، قال: ثنا عفان بن مسلم. ح
(1)"المحلى"(8/ 193).
وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سهل بن بكار، قالا: ثنا وهيب. . . . فذكر بإسناده مثله، عن رسول الله عليه السلام.
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن جابر الجعفي، قال: قد سمعت الشعبي يحدث، عن عبد الله بن عباس:"أن رسول الله عليه السلام قد أرسل إلى غلام فحجمه، فأعطاه أجره مدًّا ونصف مد، ولو كان حرامًا لم يعطه".
وحدثنا الحسين بن نصر، قال: ثنا الفريابي قال: ثنا سفيان، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن ابن عباس قال:"احتجم رسول الله عليه السلام وأعطى الحجام أجره، ولو كان حرامًا لم يعطه".
وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي طالب، عن ابن عباس:"أن حجامًا كان يقال له: أبو طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه رسول الله عليه السلام أجره، وحط من غلته -أو وضع عنه أهله طائفة من غلته- فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو كان حرامًا ما أعطاه رسول الله عليه السلام".
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث ابن عباس.
وأخرجه من ستة طرق:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى وربيع بن سليمان المؤذن، كلاهما عن يحيى بن حسان، عن وهيب -بالتصغير- ابن خالد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه طاوس، عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عفان بن مسلم.
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1204 رقم 1203).
ونا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا المخزومي، كلاهما عن وهيب، قال: نا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام احتجم وأعطى الحجام أجره، واستعط".
وأخرجه أبو داود (1) أيضًا: عن عثمان، عن أحمد بن إسحاق، عن وهيب. . . . إلى آخره نحوه.
الثاني: أيضًا صحيح: عن الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري -بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة- نسبة إلى بيع الحِبَر جمع حِبْرَة.
عن عفان بن مسلم الصفار، عن وهيب بن خالد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه طاوس، عن ابن عباس.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2) عن عفان. . . . إلى آخره.
الثالث: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني، عن سهل بن بكار الدارمي شيخ البخاري وأبي داود، عن وهيب. . . . إلى آخره.
الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن شعبة بن الحجاج، عن جابر بن يزيد الجعفي فيه مقال، عن عامر الشعبي.
وأخرجه الترمذي في "الشمائل"(3): عن هارون بن إسحاق، عن عبدة، عن سفيان الثوري، عن جابر الجعفي. . . . إلى آخره نحوه.
الخامس: عن الحسين بن نصر بن المعارك، عن محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان الثوري، عن جابر الجعفي.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 399 رقم 3867).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 355 رقم 20985) من طريق ابن سيرين، عن ابن عباس (4/ 355 رقم 20988) من طريق يزيد بن إبراهيم، عن ابن عباس.
(3)
"الشمائل"(1/ 300 رقم 363).
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): عن هاشم بن قاسم، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن ابن عباس قال:"احتجم رسول الله عليه السلام وأعطى الحجام أجره، ولو كان حرامًا لم يعطه، وكان يحتجم في الأخدعين، وكان يحجمه عبد لبني بياضة، وكان يؤخذ منه كل يوم مد ونصف، فَتَشَفَّعَ له النبي عليه السلام إلى أهله فجعله مدًّا".
السادس: عن محمد بن خزيمة، عن محمد بن عبد الله الأنصارى. . . . إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح.
وأبو طالب الحجام الضبعي، لا يعرف له اسم، وثقه أبو زرعة وغيره، وأبو طبية ذكره في معجم البغوي، وقال: اسمه ميسرة.
ص: حدثنا عبد الرحمن بن الجارود، قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير، قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر:"أن رسول الله عليه السلام احتجم، فأمر للحجام بصاع من طعام، وأمر مواليه أن يخففوا عنه من الخراج شيئًا".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام دعا أبا طيبة فحجمه، فسأله: كم ضريبتك؟ فقال: ثلاثة آصع، فوضع عنه صاعًا".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر، عن رسول الله عليه السلام. . . . فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه ثلاث طرق:
الأول: إسناده صحيح. ويحيى بن أيوب هو الغافقي المصري.
وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي.
(1)"مسند أحمد"(1/ 324 رقم 2981).
وأبو الزبير هو محمد بن مسلم المكي.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري، عن سليمان بن قيس اليشكري، عن جابر.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1): نا عبد الواحد بن غياث، نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر، قال:"بعث رسول الله عليه السلام إلى أبي طيبة فحجمه. . . ." إلى آخره نحوه.
وقد علل بعضهم هذا الحديث بأن أبا بشر لم يسمع من سليمان بن قيس؛ وذلك لأن سليمان بن قيس هذا قد مات في حياة جابر رضي الله عنه.
الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن أبي عوانة الوضاح، عن أبي بشر جعفر، عن سليمان بن قيس، عن جابر.
وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(2) نحوه.
ص: حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا ورقاء بن عمر، عن عبد الأعلى، عن أبي جميلة، عن علي رضي الله عنه قال:"احتجم رسول الله عليه السلام، وأعطى الحجام أجره، ولو كان به بأس لم يعطه".
ش: إسناده حسن جيد، وأبو جميلة الطهوي الكوفي اسمه ميسرة، وثقه ابن حبان.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا وكيع، قال: ثنا أبو جناب، عن أبي جميلة الطهوي قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: "احتجم رسول الله عليه السلام وأعطى أجرة، ولو كان به بأس لم يعطه".
(1)"مسند أبي يعلى"(4/ 47 رقم 2057).
(2)
"مسند الطيالسي"(1/ 238 رقم 1723).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 355 رقم 20987) بنحوه.
ص: حدثنا محمد بن النعمان، قال: ثنا الحميدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر:"أن النبي عليه السلام قال في كسب الحجام: اعلفه الناضح، أو قال: اعلف ذلك ناضحك".
ش: إسناده صحيح، والحميدي هو عبد الله بن الزبير شيخ البخاري، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا سفيان، عن أبي الزبير، سمع جابرًا يقول:"إن النبي عليه السلام سئل عن كسب الحجام فقال: اعلفه ناضحك".
"الناضح": واحدة النواضح، وهي الإبل التي يُستقى عليها، وهذا يدل على أن النهي عن كسب الحجام نهي تنزيه لا تحريم إذ لو كان حرامًا لما أمره أن يطعمه الناضح؛ لأنه عليه السلام لم يأمر أحدًا بإطعام الحرام، والدليل عليه ما جاء في حديث ابن محيصة:"أنه عليه السلام أمره أن يعلفه نواضحه، ويطعمه رقيقه"، فلو كان حرامًا لم يأمره أن يطعمه رقيقه؛ لأنه متعبد فيه كما يتعبد في نفسه.
وقال أبو عمر (2): هذا قول الشافعي وأتباعه، وأظن بالكراهة منهم في ذلك لأنه ليس يخرج مخرج الإجارة؛ لأنه غير مقدر ولا معلوم، فربما لم تطب نفس العامل بما يعطيه المعمول له وهكذا دخول الحمام عند بعضهم إلا بشيء معلوم وإناء معلوم وشيء محدود يوقف عليه من تناول الماء وغيره، وهذا شديد جدًّا، وفي تواتر العمل بالأمصار في دخول الحمام وأجرة الحجام ما يرد قولهم.
ص: وحدثنا إبراهيم بن أبي داود، ثنا عمرو بن عون. ح
وحدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم، قال: ثنا المعلى بن منصور، قالا: ثنا خالد بن عبد الله، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك أنه قال:"احتجم رسول الله عليه السلام، وأعطى الحجام أجره".
(1)"مسند أحمد"(3/ 307 رقم 14329).
(2)
"التمهيد"(2/ 225 - 226).
وحدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا القاسم بن مالك، عن عاصم، عن أنس:"أن أبا طيبة قد حجم النبي عليه السلام وهو صائم، فأعطاه أجره، ولو كان حرامًا لم يعطه ذلك".
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا حميد الطويل، أنه قال:"سئل أنس بن مالك عن كسب الحجام، فقال: قد احتجم رسول الله عليه السلام، حجمه أبو طيبة الحجام، فأمر له رسول الله عليه السلام بصاعين من الطعام، وكلم مواليه ليخففوا عنه من غلته شيئًا، ففعلوا ذلك".
وحدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سفيان الثوري، أن حميد الطويل قد حدثهم، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام، مثل ذلك سواء.
وحدثنا يونس، قال: أنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، عن رسول الله عليه السلام، مثله.
وحدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جبر، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام، مثله.
ش: هذه سبع طرق صحاح:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن عون الواسطي البزار شيخ البخاري في كتاب الصلاة، عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، عن يونس بن عبيد البصري، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك.
وأخرجه ابن ماجه (1): عن عبد الحميد بن بيان، عن خالد بن عبد الله، عن يونس، عن ابن سيرين، عن أنس، نحوه.
الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، عن المعلى بن منصور الرازي، عن خالد بن عبد الله الطحان. . . . إلى آخره.
(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 732 رقم 2164).
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا إسحاق بن شاهين الواسطي، ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، ثنا يونس، عن ابن سيرين، عن أنس:"أن النبي عليه السلام احتجم، وأعطى الحجام أجره".
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن يونس، عن ابن سيرين، عن أنس إلا خالدًا، وإنما يعرف عن السامري عن ابن عباس.
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن القاسم بن مالك المزني الكوفي، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أنس رضي الله عنه.
الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الله بن بكر السهمي البصري، عن حميد الطويل، عن أنس.
وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر، قالوا: ثنا إسماعيل -يعنون: أبا جعفر- عن حميد قال: "سئل أنس بن مالك عن كسب الحجام، فقال: احتجم رسول الله عليه السلام، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه. . . ." الحديث.
الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن سفيان الثوري، عن حميد، عن أنس بن مالك.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن مسكين، نا محمد بن يوسف، نا سفيان، عن حميد، عن أنس قال:"حجم أبو طيبة النبي عليه السلام، فأعطاه صاعًا أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه من غلته".
السادس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن حميد، عن أنس.
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1204 رقم 1577).
وأخرجه مالك في "موطإه"(1): عن حميد، عن أنس، أنه قال:"احتجم رسول الله عليه السلام، حجمه أبو طيبة، فأمر له رسول الله عليه السلام بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه".
السابع: عن نصر بن مرزوق، عن علي بن معبد بن شداد الرقي، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، عن حميد، عن أنس.
وأخرج الترمذي (2): عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، قال:"سئل أنس عن كسب الحجام، قال أنس: احتجم رسول الله عليه السلام، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه. . . ." الحديث.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ص: ففي هذه الآثار إباحة كسب الحجام، فاحتمل أن يكون ذلك تأخر عن النهي الذي ذكرناه، أو تقدمه.
فنظرنا في ذلك فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا عبد الله بن يوسف. ح
وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قالا: ثنا الليث، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن ابن عفير الأنصاري، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة الأنصاري، عن محيصة بن مسعود الأنصاري:"أنه كان له غلام حجام يقال له: نافع أبو طيبة، فانطلق إلى رسول الله عليه السلام يسأله عن خراجه، فقال: لا تقربه، فردد على رسول الله عليه السلام، فقال: اعلف به الناضح، اجعلوه في كرشه".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: ثنا طارق بن عبد الرحمن: "أن رفاعة بن رافع -أو رافع بن رفاعة الشك منهم- جاء إلى مجلس الأنصار، فقال: نهى رسول الله عليه السلام عن كسب الحجام، وأمرنا أن نطعمه ناضحنا".
(1)"الموطأ"(2/ 974 رقم 1754).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 576 رقم 1278).
حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة، عن محيصة رجل من بني حارثة كان له حجام، واسم الرجل محيصة:"سأل رسول الله عليه السلام عن ذلك فنهاه أن يأكل كسبه، ثم عاد فنهاه، ثم عاد فنهاه، ثم عاد فنهاه، فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول الله عليه السلام: اعلف كسبه ناضحك، وأطعمه رقيقك".
حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا محمد بن إدريس، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة الحارثي، عن أبيه:"أنه سأل رسول الله عليه السلام. . . ." ثم ذكر مثله.
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن ابن شهاب، عن حرام بن محيصة، حدثني حارثة، عن أبيه. . . . فذكر مثله.
فدل ما ذكرنا أن ما كان من رسول الله عليه السلام من الإباحة في هذا إنما كان بعد نهيه عنه نهيًا مطلقًا، على ما في الآثار الأُوَل، وفي إباحة النبي عليه السلام أن يطعمه الرقيق والناضح دليل على أنه ليس بحرام، ألا ترى أن المال الحرام الدي لا يحل للرجل كله لا يحل له أيضًا أن يطعمه رقيقه ولا ناضحه؟ لأن رسول الله عليه السلام قد قال في الرقيق:"أطعموهم مما تأكلون"، فلما ثبت إباحة النبي عليه السلام لمحيصة أن يعلف ذلك ناضحه، ويطعم رقيقه من كسب حجامه، دل ذلك على نسخ ما كان تقدم من نهيه عن ذلك، وثبت حل ذلك لغيره، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وهذا هو النظر أيضًا عندنا؛ لأنا قد رأينا الرجل يستأجر الرجل ليفصد له عرقًا أو يبزغ له حمارًا فيكون ذلك جائزًا، والاستئجار على ذلك جائزًا، والحجامة أيضًا كذلك.
ش: أراد بهذه الآثار الأحاديث المذكورة -يعني الأحاديث المذكورة تدل على إباحة كسب الحجام، ولكن يحتمل أن تكون متأخرة عن النهي الوارد فيه أو متقدمة، فنظرنا في ذلك فوجدنا أحاديث تدل على أن ما كان من الإباحة فيه إنما كان بعد نهيه نهيًا مطلقًا، فثبت أن أحاديث النهي منسوخة والقياس أيضًا يشهد بإباحته، أشار إليه بقوله:"لأنا قد رأينا الرجل يستأجر الرجل. . . . إلى آخره".
قوله: "أو يبزغ له حمارًا" من البزغ بالباء الموحدة والزاي والغين المعجمة، وهو الشرط بالشرط، وهو المبزغ، وبزغ دمه: أي أساله.
أما الأحاديث الدالة على تأخر الإباحة عن النهي؛ فأخرجها من وجوه ستة: الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن يوسف التنيسي -شيخ البخاري- وعن ربيع بن سليمان المؤذن -صاحب الشافعي- عن شعيب بن الليث، كلاهما -أعني عبد الله وشعيبًا- عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة الأنصاري الحارثي الأوسي، عن محيصة بن مسعود الأنصاري الصحابي، وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب. . . . إلى آخره نحوه.
قوله: "يقال له نافع" بالنون والفاء، ويقال: اسمه دينار، ويقال: ميسرة، وكنيته: أبو طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة.
قوله: "اعلف به الناضح" قد ذكرنا أنه واحدة النواضح، وهي الإبل التي يستقى عليها.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 237 رقم 19292).
قوله: "في كرشه" الكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان، تؤنثها العرب، وفيها لغتان: كِرْش وكرش، مثل كبد وكبد.
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن عمر بن يونس بن القاسم الحنفي، عن عكرمة بن عمار اليمامي، عن طارق بن عبد الرحمن البجلي الأحمسي الكوفي، عن رفاعة بن رافع أو رافع بن رفاعة. . . . إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا هاشم بن القاسم: ثنا عكرمة -يعني ابن عمار-: حدثني طارق بن عبد الرحمن القرشي، قال: جاء رافع بن رفاعة إلى مجلس الأنصار، فقال:"لقد نهانا رسول الله عليه السلام عن شيء كان يرفق بنا، نهانا عن كراء الأرض، ونهانا عن كسب الحجام، وأمرنا أن نطعمه نواضحنا، ونهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها، وقال هكذا بأصابعه: نحو الخبز والغزل والنقش".
وهذا كما رأيته قد أخرجه أحمد عن رافع بن رفاعة بلا شك.
وفي رواية الطحاوي بالشك، رفاعة بن رافع أو رافع بن رفاعة، فهو صحابي بلا خلاف، وهو ممن شهد بدرا، وأبوه أيضًا صحابي بدري، وكان نقيبا يومئذ.
وأما رافع بن رفاعة، فقد قال أبو عمر بن عبد البر: لا تصح صحبته.
والحديث المروي في كسب الحجام في إسناده غلط، ولكن رواية أحمد والطحاوي تدل على أن له صحبة، والله أعلم.
والثالث: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث وشيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أمير مصر لهشام بن عبد الملك مولى الليث بن سعد من فوق، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن حرام ضد حلال بن سعد بن محيصة الأنصاري، عن جده محيصة بن مسعود رجل من بني حارثة.
وهذا إسناد صحيح متصل؛ لأن حرام بن سعد أدرك جده وروى عنه، وجده صحابي كما ذكرنا غير مرة.
الرابع: عن إسماعيل بن يحيى المزني، عن الإِمام الشافعي، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك دينار المدني، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة الحارثي، عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رجاله ثقات، ولكن فيه نظر وقد نسب إلى الغلط، وذلك لأن أبا حرام ليس له صحبة، ولا حرام له صحبة، وإنما الصحبة لمحيصة فقط الذي هو جد حرام، فالحديث في الحقيقة مرسل وليس بمتصل؛ فافهم.
وكذا أخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يزيد، أنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة، عن أبيه:"أنه سأل النبي عليه السلام عن كسب الحجام، فنهاه عنه، فذكر له حاجة، فقال: اعلفه نواضحك".
وأخرجه الطبراني (2) متصلًا على سنن الصواب: ثنا محمد بن علي الصائغ المكي، نا حسن بن علي الحلواني، ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن حرام بن ساعدة بن محيصة بن مسعود، عن أبيه، عن جده محيصة قال:"كان لي غلام حجام يقال له: أبو طيبة، فكسب كسبًا كثيرًا، فلما نهى رسول الله عليه السلام عن كسب الحجام، استرخص رسول الله عليه السلام فأبى عليه، فلم يزل يكلمه ويذكر له الحاجة حتى قال له: أَلْقِ كسبه في باطن ناضحك".
الخامس: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن أسد بن موسى، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن حرام بن سعد، عن أبيه أنه سأل رسول الله عليه السلام.
وهذا إسناد أيضًا مثل ما قبله.
(1)"مسند أحمد"(5/ 436 رقم 23748).
(2)
"المعجم الكبير"(20/ 312 رقم 743).
السادس: عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن حرام بن محيصة، عن أبيه، أنه سأل رسول الله عليه السلام.
هذا أيضًا مثل ما قبله.
وأخرجه مالك في "موطإه": عن ابن شهاب، عن ابن محيصة، عن أبيه، هذا في رواية ابن وهب ومطرف وابن بكير وابن نافع والقعنبي.
وفي رواية يحيى بن يحيى (1): عن مالك عن ابن شهاب، عن ابن محيصة الأنصاري، حدثني حارثة:"أنه استأذن رسول الله عليه السلام في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل به يستأذنه ويسأله حتى قال له: "اعلفه نضاحك" يعني رقيقك".
وقال أبو عمر (2): هكذا قال يحيى في هذا الحديث: "عن ابن محيصة أنه استأذن رسول الله" وتابعه على ذلك ابن القاسم، وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه عند أهل العلم، وليس لسعد بن محيصة صحبة. فكيف لابنه حرام، وهذا كله مرسل في رواية مالك.
وقال أيضًا: قال القعنبي في هذا الحديث: "اعلفه ناضحك ورقيقك"، وهو يشبه رواية يحيى، وقال ابن بكير:"نضاحك"، وقال ابن القاسم في تفسير النضاح: الرقيق، قال: ويكون في الإبل.
وقال الليث وغيره من أصحاب ابن شهاب في هذا الحديث: "فلم يزل به حتى قال: أطعمه رقيقك، واعلفه ناضحك"، وهذا هو الصواب، قال الخليل: والناضح: الجمل يستقى عليه.
ص: وقد روي عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضًا ما قد حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني موسى بن عُلَي بن رباح اللخمي،
(1)"موطأ مالك"(2/ 974 رقم 1756).
(2)
"التمهيد"(11/ 77).
عن أبيه أنه قال: "كنت عند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فأتته امرأة فقالت: إن لي غلامًا حجامًا، وإن أهل العراق يزعمون أني آكل ثمن الدم، فقال لها عبد الله بن عباس: لقد كذبوا، إنما تأكلين خراج غلامك".
وما قد حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا الليث، قال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن الرأي: "أن الحجامين قد كانت لهم سوق على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه".
وحدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا الليث، أنه قال: أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري: "أن المسلمين لم يزالوا مقرين بأجرة الحجام، فلا ينكرونها".
ش: أي قد روي عن الصحابة والتابعين أيضًا في إباحة أجرة الحجام، وأخرج في ذلك عن ثلاثة أنفس، وهم: عبد الله بن عباس، وربيعة الرأي شيخ مالك، ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني.
والرجال المذكورون كلهم ثقات.
وموسى بن عُلَي، بضم العين وفتح اللام.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) أيضًا وقال: ثنا موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه قال:"كنت عند ابن عباس، فأتته امرأة فقالت: إني امرأة من أهل العراق، ولي غلام حجام، ويزعم أهل العراق أني آكل ثمن الدم، فقال: إنهم لا يزعمون شيئًا، إنما تأكلين خراج غلامك، ولست تأكلين ثمن الدم".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 355 رقم 20989).