الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب الرجل يزرع في أرض القوم بغير إذنهم، كيف حكمهم في ذلك؟ وما يروى عن رسول الله عليه السلام في ذلك
ش: أي هذا باب في بيان حكم من زرع في أرض غيره بغير إذنه كيف يكون الحكم فيه؟ وفي بيان ما روي عن النبي عليه السلام في هذا الباب.
ص: حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج، أنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "من زرع زرعًا في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وترد عليه نفقته".
ش: رجاله ثقات، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وعطاء هو ابن أبي رباح.
وأخرجه أبو داود (1): عن قتيبة، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله عليه السلام: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته".
والترمذي (2): عن قتيبة أيضًا نحوه، وقال: حسن غريب، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك.
وابن ماجه (3): عن عبد الله بن عامر بن زرارة، عن شريك، بإسناده مثله.
قال الخطابي: حديث رافع هذا لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث، وحدثني الحسن بن يحيى، عن موسى بن هارون الحمال أنه كان ينكر هذا الحديث
(1)"سنن أبي داود"(3/ 261 رقم 3403).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 648 رقم 1366).
(3)
"سنن ابن ماجه"(2/ 824 رقم 2466).
ويضعفه ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع شيئًا. وضعفه البخاري أيضًا، ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، وشريك يهم كثيرًا أو أحيانًا.
وقال البيهقي: قال الشافعي في كتاب "البويطي": هو منقطع؛ لم يلق عطاء رافعًا.
وقال ابن عدي: كنت أظن أن عطاء عن رافع مرسل حتى تبين لي أن أبا إسحاق
أيضًا عن عطاء مرسل.
قلت: ذكر صاحب "الكمال": أن عطاء سمع رافع بن خديج.
وقال الترمذي: هذا الحديث حسن، وسأل عنه البخاري وحسنه.
وأخرج البخاري (1) في كتاب الحج في "صحيحه": من حديث أبي إسحاق قال: سألت مسروقًا وعطاء ومجاهدًا فقالوا: "اعتمر رسول الله عليه السلام في ذي الحجة قبل أن يحج". وهذا تصريح بسماع أبي إسحاق من عطاء.
ص: فذهب قوم إلى أن من زرع في أرض قوم زرعًا بغير إذنهم كان ذلك الزرع لأرباب الأرض، وغرموا للمزارع ما أنفق فيه، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل وإسحاق؛ فإنهم قالوا: من زرع في أرض غيره بغير إذنه كان ذلك الزرع لرب الأرض وغرم رب الأرض للزارع ما أنفق فيه.
وقال الخطابي: قال أحمد: إن كان الزرع قائمًا فهو لرب الأرض، وإن حُصِدَ فإنما تكون له الأجرة.
(1)"صحيح البخاري"(2/ 631 رقم 1689).
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: أصحاب الأرض بالخيار: إن شاءوا خلوا بين الزارع وأخذ زرعه ذلك، وضمنوه نقصان أرضهم إن كان زرعه نقصها شيئًا.
وإن شاءوا منعوا الزارع من ذلك، وغرموا له قيمة زرعه مقلوعًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم عامة الفقهاء، ومنهم: أبو حنيفة وأصحابه، ومالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: أصحاب الأرض بالخيار. . . . إلى آخره.
قال الخطابي: الزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر؛ لأنه تولد من عين ماله ويكون منه، وعلى الزارع كراء الأرض.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن هذا الحديث قد روي على غير ما ذكروا.
حدثنا أحمد بن أبي عمران، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج أنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته، وليس له من الزرع شيء".
وقد روى هذا الحديث أيضًا يحيى بن آدم، عن شريك وقيس، جميعًا عن أبي إسحاق، وقد ذكر ذلك عنهما في كتاب "الخراج".
كما قد حدثني أحمد بن أبي عمران أيضًا، لا كما قد حدثناه فهد بن سليمان.
فمعنى هذا الحديث عندنا غير معنى ما قد روى الحماني؛ لأن ما روى الحماني هو قوله: "فليس له من الزرع شيء، وترد عليه نفقته". فوجه ذلك: أن غيره يعطيه النفقة التي أنفقها في ذلك، فيكون له الزرع لا بما يعطى من ذلك.
وهذا محال عندنا؛ لأن النفقة التي قد خرجت في ذلك الزرع ليست قائمة، ولا لها بدل قائم، وذلك أنها إنما دفعت في أجر عمال وغير ذلك مما قد فعله الزارع بنفسه، فاستحال أن يجب له ذلك على رب الأرض لا بعوض يتعوضه منه رب الأرض في ذلك.
ولكن أصل الحديث عندنا والله أعلم: إنما هو على ما قد رواه أبو بكر بن أبي شيبة، لا على ما رواه الحماني، ووجهه عندنا على أن الزارع لا شيء له في الزرع يأخذه لنفسه فيملكه كما يملك الزرع الذي يزرعه في أرض نفسه، أو في أرض غيره ممن قد أباحه الزرع فيها، ولكنه يأخذ نفقته وبذره ويتصدق بما بقي، هكذا وجه هذا الحديث عندنا، والله أعلم.
وقد حكى ذلك يحيى بن آدم عن حفص بن غياث.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه، وأراد بها الجواب عن الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه.
بيان ذلك: أن هذا الحديث مضطرب، وأصله على ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة.
أخرجه عن أحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى الفقيه البغدادي، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة، عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج. . . . إلى آخره.
وأخرجه أبو بكر في "مصنفه"(1).
قوله: "وقد روى هذا الحديث أيضًا يحيى بن آدم" وهو يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي أبو زكرياء الكوفي شيخ أحمد ويحيى بن معين، وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، وهو أحد أصحاب أبي حنيفة.
يروي عن شريك بن عبد الله النخعي، وقيس بن وهب الهمداني، كلاهما عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن رافع بن خديج.
قوله: "وقد ذكر ذلك عنهما" أي عن شريك وقيس في كتاب "الخراج"، وأراد به كتاب "الخراج" لأبي يوسف، وباقي الكلام ظاهر.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 492 رقم 22443).
ص: والدليل على صحة ذلك أيضًا ما قد روي عن رسول الله عليه السلام.
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبو يوسف، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن عروة بن الزبير أن رسول الله عليه السلام قال:"من أحيى أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق".
قال عروة: فلقد حدثني هذا الرجل الذي قد حدثني بهذا الحديث: "أنه قد رأى نخلًا يقطع أصولها بالفئوس".
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن رجل من بني بياضة:"أن رسول الله عليه السلام قد أمر بقطع النخل المغروس في غير حق بعدما قد نبت في الأرض، ولم يجعل ذلك لأرباب الأرض، فيوجب عليهم غرم ما أنفق فيه".
فدل ذلك أن الزرع المزروع في الأرض أحرى أن يكون كذلك، وأن يقلع ذلك فيدفع إلى صاحب الزرع، كالنخل التي قد ذكرناها؛ إلا أن يشاء صاحب الأرض أن يمنع ذلك ويغرم له قيمة الزرع والنخل منزرعين مقلوعين، فيكون له ذلك.
ش: أي الدليل على صحة ما ذكرنا من معنى الحديث المذكور على الوجه الذي شرحناه: ما قد روي عن النبي عليه السلام.
أخرجه من طريقين رجالهما ثقات.
الأول: مرسل: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن أبيه شعيب بن سليمان صاحب محمد بن الحسن، عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، عن محمد بن إسحاق المدني، عن يحيى بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، أن رسول الله عليه السلام.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، قال رسول الله عليه السلام:"من أحيا أرضًا ميتة لم تكن لأحد قبله فهي له، وليس لعرق ظالم حق، فلقد حدثني صاحب هذا الحديث أنه أبصر رجلين من بياضة يختصمان إلى رسول الله عليه السلام في أجمة لأحدهما، غرس فيها الآخر نخلًا، فقضى رسول الله عليه السلام لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله عنه، قال: فلقد رأيته يضرب في أصول النخل بالفئوس، وإنه لنخل عُمٌّ". قال يحيى بن آدم: العُمُّ، قال بعضهم: الذي ليس بالقصير ولا بالطويل. وقال بعضهم: العُمُّ: القديم. وقال بعضهم: الطويل. وروي عن أبي إسحاق قال: العُمُّ: الشباب.
وأخرجه أبو داود (2): حدثنا هناد السري، قال: ثنا عبدة، عن محمد -يعني: ابن إسحاق- عن عروة، عن أبيه، أن رسول الله عليه السلام قال:"من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق، قال: ولقد أخبرني الذي حدّث أن رجلين اختصما إلى رسول الله عليه السلام، غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال: فلقد رأيتها وإنها تضرب أصولها بالفئوس، وإنها لنخل عُمّ، حتى أخرجت منها".
وقال (3): ثنا أحمد بن سعيد الدارمي، قال: ثنا وهب، عن أبيه، عن ابن إسحاق، بإسناده ومعناه، إلا أنه قال عند قوله:"فكان الذي حدثني هذا"، "فقال رجل من أصحاب النبي عليه السلام-وأكبر ظني أنه أبو سعيد الخدري-: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل".
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 142 رقم 11556).
(2)
"سنن أبي داود"(3/ 178 رقم 3074).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 178 رقم 3705).
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن رجل من بني بياضة، عن رسول الله عليه السلام.
وأخرجه [. .](1).
قوله: "وليس لعرق ظالم حق" الرواية بالتنوين في قوله: "لعرقٍ"، وهو على حذف المضاف، أي: وليس لذي عرق ظالم، فجعل العرق نفسه ظالما، والحق لصاحبه، أو يكون الظالم من صفة صاحب الحق، وإن روي "عرق" بالإضافة فيكون الظالم صاحب الحق، والحق للعرق، وهو أحد عروق الشجرة، ومعناه: أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله، فيغرس فيها غرسًا غصبًا يستوجب به الأرض.
قوله: "بالفئوس" بضم الفاء جمع فأس وهو الذي يشق به الحطب.
قوله: "وإنه لنخل عُمّ" بضم العين وتشديد الميم، أي: تامة في طولها والتفافها، وهو جمع عميمة، فلما جمع قيل: عُمَم، فسكن وأدغم.
ص: وقد دل على ما ذكرنا في ذلك أيضًا، ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن الأوزاعي، عن واصل بن أبي جميل، عن مجاهد قال:"اشترك أربعة نفر على عهد رسول الله عليه السلام، فقال أحدهم: علي البذر، وقال الآخر: عليّ العمل، وقال الآخر: عليّ الأرض، وقال الآخر: علي الفدان، فزرعوا ثم حصدوا، ثم أتوا إلى النبي عليه السلام فجعل رسول الله عليه السلام الزرع لصاحب البذر، وجعل لصاحب العمل أجرًا، وجعل لصاحب الفدان درهما في كل يوم، وألغى الأرض".
أفلا ترى أن رسول الله عليه السلام لما أفسد هذه المزارعة لم يجعل الزرع لصاحب الأرض، بل جعله لصاحب البذر.
(1) بيض له المؤلف رحمه الله.
ش: أي قد دل على ما ذكرنا من الوجه المذكور في الحديث المذكور أيضًا: ما حدثنا. . . . إلى آخره.
وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وواصل بن أبي جميل الشامي أبو بكر السلاماني، من أهل جبل الجليل من أعمال صيدا وبيروت من ساحل دمشق، وثقه ابن حبان.
وهذا حديث مرسل.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن الأوزاعي، عن واصل بن أبي جميل، عن مجاهد قال:"اشترك أربعة رهط على عهد رسول الله عليه السلام في زرع، فقال أحدهم. . . ." إلى آخره نحوه.
قوله: "عليَّ الفَدَّان" بفتح الفاء وتشديد الدال، قال الجوهري: الفدان آلة الثورين للحرث، وهو فَعَّال بالتشديد، وقال أبو عمر: وهي البقر التي تحرث، والجمع الفدادين مخفف.
وقد استفيد من هذا الحديث: أن الأرض إذا كانت من واحد والبقر من آخر، والبذر من آخر، والعمل من آخر فسدت المزارعة، وكذا إذا كانت الأرض والبقر لواحد، والبذر والعمل للآخر، وهذا في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف جوازها في هذه الصورة.
وكذا فسدت إذا كان البذر من واحد والباقي من الآخر.
وقال الطحاوي في كتابه "اختلاف العلماء": حدثنا جعفر بن أحمد، قال: أنا بشر بن الوليد، قال: قال أبو يوسف في المزارعة: إذا كان البذر من عند رب الأرض، ومن عند الرجل الآخر البقر، والعمل بالنصف فهو جائز، وإن كان من عند رب الأرض البقر والأرض، ومن عند الدخيل البذر والعمل فهو جائز،
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 504 رقم 22563).
وإن كان من عند رب الأرض البقر والعمل بنفسه، ومن عند الدخيل العمل بنفسه والبذر، فهذا فاسد والزرع لصاحب الأرض، ولصاحب الأرض أجر مثله، وأجر مثل بقره، والله أعلم.
ص: وقد دل على ذلك أيضًا ما قد حكم به أصحاب رسول الله عليه السلام وتابعوهم من بعده، فيمن بنى في أرض قوم بغير إذنهم بناء، فروي عنهم في ذلك ما قد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: أنا حماد بن سلمة، أن عامرًا الأحول أخبرهم، عن عمرو بن شعيب:"أن عمر بن الخطاب قال في رجل بني في دار بناء، ثم جاء أهلها فاستحقوها، قال: إن كان بنى بأمرهم فله بيته، وإن كان بنى بغير إذنهم فله نقضه".
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا أبو عوانة، عن جابر الجعفي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثله.
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا أبو عوانة، عن جابر الجعفي، عن شريح.
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: قال حماد بن سلمة: عن حميد الطويل أخبرهم: "أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قد كتب مثل ذلك فيمن بني بدار قوم، وفيمن غرس في أرض قوم".
أفلا نرى أنهم قد جعلوا النقض لصاحب البناء، ولم يجعلوه لصاحب الأرض، فالزرع في النظر أيضًا كذلك، والذي قد حملنا عليه معنى حديث رافع بن خديج رضي الله عنه الذي رويناه في هذا الباب أولى مما حمله عليه من خالفنا؛ ليتفق ذلك وما رواه البياضي عن رسول الله عليه السلام ولا يتضادان، وقد روينا عن رافع بن خديج في باب "المزارعة" الذي قبل هذا الباب:"أن رسول الله عليه السلام قد مر بزرع له، فسأله عنه، فقال: هو زرعي، والأرض لآل فلان، والبذر من قبلي بنصف ما يخرج، فقال له رسول الله عليه السلام: لقد أربيت، خذ نفقتك".
فلم يكن ذلك على معنى خذ نفقتك من رب الأرض؛ لأن رب الأرض لم يأمره بالإنفاق لنفسه، ولكن معنى ذلك خذ نفقتك مما خرج من الزرع وتصدق بما بقي.
فما قد رويناه عن رافع عن رسول الله عليه السلام فيمن قد زرع في أرض غيره وفي جعله له نفقته كذلك أيضًا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.
ش: أي وقد دل على ما ذكرنا من جعل الزرع لصاحب البذر دون صاحب الأرض أيضًا ما قد حكمت به الصحابة والتابعون من بعد النبي عليه السلام فيمن بنى في أرض قوم. . . . إلى آخره.
وأخرج في ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وشريح القاضي، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم.
أما عن عمر فأخرجه بسند رجاله ثقات ولكنه منقطع.
عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير.
وأخرج ابن أبي شيبة (1) نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عن حفص، عن أشعث، عن علي بن عبيد الله الغطفاني عنه.
وأما عن عبد الله بن مسعود: فأخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن جابر بن يزيد الجعفي فيه مقال، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن جده عبد الله بن مسعود.
وهذا أيضًا منقطع؛ لأن القاسم لم يدرك عبد الله.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 494 رقم 22462).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا غندر، عن شعبة، عن جابر، عن القاسم، عن شريح وعبد الله:"كانا يقولان في رجل بنى في فناء قوم بغير إذنهم أن له النقض، وإن بنى بإذنهم فله النفقة".
وأما عن شريح القاضي: فأخرجه عن أبي بكرة أيضًا بالإسناد المذكور.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2): عن وكيع، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن شريح قال:"من بني في حق قوم بغير إذنهم فله نقضه، ومن بني في حق قوم بإذنهم فله نفقته".
وأما عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: فأخرجه عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
وبنحوه روى ابن أبي شيبة عن الشعبي (3) والنخعي (4).
قوله: "أفلا ترى" توضيح لما ذكره من قبل.
قوله: "من خَالَفَنَا" بفتح اللام والفاء.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 494 رقم 22461).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 494 رقم 22463).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 494 رقم 22464).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 494 رقم 22465).