الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب فرض الزكاة في الإبل السائمة فيما زاد على عشرين ومائة
ش: أي هذا باب في بيان فرض الزكاة في الإبل السائمة إذا زادت على مائة وعشرين، وهذا آخر أبواب الزيادات التي ألحقها بالكتاب، وبه نختم الكتاب إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا حبيب بن أبي حبيب، قال: ثنا عمرو بن مرة، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، قال:"لما استُخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله عليه السلام في الصدقات، وكتاب عمر رضي الله عنه، فوجد عند آل عمرو بن حزم كتاب رسول الله عليه السلام إلى عمرو بن حزم في الصدقات، ووجد عند آل عمر رضي الله عنه في الصدقات مثل كتاب رسول الله عليه السلام فنسخا، فحدثني عمرو أنه طلب محمَّد بن عبد الرحمن أن ينسخ ما في ذينك الكتابين، فنسخ له ما في هذا الكتاب، فقال مما في ذلك الكتاب: إن الإبل إذا زادت على تسعين واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت عشرين ومائة فليس فيما زاد فيها دون العشر شيء، فإذا بلغت ثلاثين ومائة فيها بنتا لبون وحقة إلى أن تبلغ أربعين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حُقَّتان وابنة لبون إلى أن تبلغ خمسين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، ثم أجرى الفرض كذلك حتى تبلغ ثلاث مائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها من كل خمسين حقة، ومن كل أربعين ابنة لبون".
ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
وحبيب بن أبي حبيب الجرمي البصري صاحب الأنماط، وإن كان تُكلم فيه فقد أخرج له مسلم في "صحيحه".
وعمرو بن حزم الأزدي البصري من رجال مسلم أيضًا.
ومحمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان الأنصاري أبو الرجال روى له الجماعة (1).
والحديث أخرجه الدارقطني في "سننه"(2): نا إسماعيل بن محمَّد الصفار، نا محمَّد بن عبد الملك الدمشقي، ثنا يزيد بن هارون، ثنا حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هَرِم، أن محمَّد بن عبد الرحمن الأنصاري حدثه:"أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين اسْتُخلف أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله عليه السلام. . . ." الحديث إلى آخره نحوه.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(3): أيضًا من حديث يزيد بن هارون، أنا حبيب بن أبي حبيب، نا عمرو بن هَرِم، حدثني محمَّد بن عبد الرحمن -يعني أبا الرجال- قال:"لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. . . ." إلى آخره نحوه.
قوله: "حقتان" الحقة والحُقُّ هو الذي استكمل السنة الثانية؛ قاله الهروي، وقال غيره: هو ما كان ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة، وقيل: هو ما دخل في السنة الرابعة إلى آخرها، وسميت حقة لأخها استحقت أن يضربها الفحل، وقيل: لأن أمها استحقت الحمل والركوب، وقيل: لأن أمها استحقت الحمل من العام المقبل، وطروقة الفحل معناها زوجة الفحل، وكل امرأة طروقة زوجها، وكل ناقة طروقة فحلها، واشتقاقها من الطرق وهو ماء الفحل، وقيل: هو الضراب، ثم سمي به الماء، واستطراق الفحل: استعارته للضراب، وإطراقه: إعارته.
قوله: "ففيها بنتا لبون" هي ولد الناقة إذا استكملت الثانية ودخلت في الثالثة؛ لأن أمها قد وضعت غيرها فصار لها لبن.
(1) لم يرو له أبو داود ولا الترمذي شيئًا، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال".
(2)
"سنن الدارقطني"(2/ 117 رقم 5).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 91 رقم 7050).
ويستفاد منه أحكام:
الأول: أن الإبل إذا زادت على تسعين واحدة ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، ولا خلاف في هذا.
الثاني: أن الإبل إذا بلغت مائة وعشرين وزادت عليه ففيه خلاف، فقال مالك: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين واحدة لا يجب في الزيادة شيء إلى تسع بل تجعل التسعة عفو، ويجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فيجب في مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائتين، فإن شاء أدى من المائتين أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون فتدار النصب على الخمسينات والأربعينات، والواجب يدور على الحقاق وبنات اللبون، وذهب مالك في ذلك إلى الحديث المذكور.
الثالث: أن الإبل إذا بلغت ثلاثمائة ففيها في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون، فيدور على الخمسينات والأربعينات.
ص: فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا به.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: محمَّد بن إسحاق صاحب المغازي ومالك بن أنس وأبا عبيد القاسم بن سلام، وأحمد في رواية؛ فإنهم ذهبوا في فرض الإبل بعد المائة والعشرين إلى ما ذكر في الحديث المذكور.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما زاد على العشرين والمائة ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون، وتفسير ذلك: أنه إذا زادت الإبل بعيرًا واحدًا على عشرين ومائة وجب بزيادة هذا البعير حكم ثان غير حكم العشرين والمائة، فوجب في كل أربعين ابنة لبون، ثم يجرون ذلك كذلك حتى تبلغ الزيادة
تمام المائة والثلاثين، فيجعلون فيها حقة وابنتي لبون، ثم يكون ذلك كذلك حتى تتناهى الزيادة إلى أربعين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة كان فيها حقتان وابنة لبون إلى خمسين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة كان فيها ثلاثة حقاق، ثم يجرون الفرض في الزيادة على ذلك كذلك أبدًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
وقال ابن قدامة: ظاهرًا أنها إذا زادت على العشرين والمائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، وقد بين ذلك بقوله:"وتفسير ذلك. . . . إلى آخره" وهو ظاهر.
ص: واحتجوا في ذلك من الآثار بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس رضي الله عنه:"أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما اسْتُخْلِف وَجَّهَ أنس بن مالك إلى البحرين فكتب له هذا الكتاب: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله عليه السلام على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها رسوله، فمن سُئِلَها من المؤمنين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه، فكان في كتابه ذلك: أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة".
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال:"أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس الأنصاري ليبعث إليه بكتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كتبه لأنس بن مالك حين بعثه مصدقًا، قال حماد: فدفعه إليّ، فإذا عليه خاتم رسول الله عليه السلام، فإذا فيه ذكر فريضة الصدقات. . . ." ثم ذكر مثل حديث ابن مرزوق.
وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الحكم بن موسى أبو صالح، قال: ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، قال: حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمَّد
ابن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله عليه السلام كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، ثم ذكر فيما زاد على العشرين والمائة من الإبل كذلك أيضًا".
وحدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن لهيعة، عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن عبد الله بن أبي بكر الأنصاري، أخبره أن هذا كتاب رسول الله عليه السلام لعمرو بن حزم في الصدقات، فذكر فيما زاد على العشرين والمائة من الإبل كذلك أيضًا.
وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله عليه السلام كتب لعمرو بن حزم فرائض الإبل. . . ." ثم ذكر فيما زاد على العشرين والمائة كذلك أيضًا.
وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال:"نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، فوعيتها على وجهها، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله ابني ابن عمر حين أُمِّرَ على المدينة، وأمر عماله بالعمل بها. . . ." ثم ذكر هذا الحديث.
قالوا: وقد عمل بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ على هذا الكتاب، فذكر فرائض الإبل، وفيما ذكر منها: أن ما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة".
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بآثار وهي سبعة:
الأول: أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن محمَّد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري قاضيها وشيخ البخاري، عن أبيه
عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري قاضيها، عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه البخاري (1): ثنا محمَّد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، حدثني أبي، قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أن أنسًا حدثه، أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب:"بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله عليه السلام على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطي، في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستة وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت يعني ستًّا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. . . ." الحديث بتمامه.
وأخرجه ابن ماجه (2) أيضًا نحوه.
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر، عن حماد بن سلمة. . . . إلى آخره.
وهذا أيضًا إسناد صحيح.
وأخرجه أبو داود (3) مطولًا جدا: نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، قال:
(1)"صحيح البخاري"(2/ 527 رقم 1386).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 575 رقم 1800).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 96 رقم 1567).
"أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابًا زعم أن أبا بكر- رضي الله عنه كتب لأنس وعليه خاتم رسول الله عليه السلام حين بعثه مصدقًا، وكتب له، فإذا فيه: فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله عليه السلام على المسلمين، التي أمر الله بها نبيه عليه السلام، فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئِلَ فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمسًا وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستًّا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستًّا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. . . ." الحديث.
وأخرجه النسائي (1) أيضًا.
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي صالح الحكم بن موسى البغدادي شيخ مسلم وأبي داود، عن يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي، عن سليمان بن داود الخولاني الدمشقي، عن محمد بن مسلم الزهري، عن أبي بكر بن محمَّد. . . . إلى آخره.
وقد تكلموا في هذا الحديث بسبب سليمان بن داود، قال ابن المديني: سليمان بن داود الذي يروي عن الزهري حديث عمرو بن حزم في الديات منكر الحديث. وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه إذا انفرد.
والحديث أخرجه النسائي في "سننه"(2) وقال: أخبرنا عمرو بن منصور،
(1)"المجتبى"(5/ 18 رقم 2447)، (5/ 27 رقم 2455).
(2)
"المجتبى"(8/ 57 رقم 4853) القسم الخاص بالديات، أما الزكاة فلم يخرجه، وإنما أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(14/ 501 رقم 6559) بنفس هذه الألفاظ.
قال: أنا الحكم بن موسى، نا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود الخولاني، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله عليه السلام كتب إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم: بسم الله الرحمن الرحيم من محمَّد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قَيْلِ ذي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد: فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار وما سقت السماء وكان سيحًا أو كان بعلًا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعًا وعشرين، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسًا وثلاثين، فإذا زادت ففيها ابنة لبون، إلى أن يبلغ خمسًا وأربعين، فإذا زادت ففيها حقة طروقة الجمل، إلى أن تبلغ ستين، فإذا زادت ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمسًا وسبعين، فإذا زادت ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين، فإذا زادت ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فما زاد على العشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة طروقة الجمل. . . ." الحديث.
الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن لهيعة، عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري، أخبره أن هذا كتاب رسول الله عليه السلام. . . . إلى آخره.
وأخرجه ابن وهب في "مسنده".
وابن لهيعة فيه مقال.
الخامس: عن أحمد بن داود بن موسى المكي، عن عبد الله بن محمَّد بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر بن راشد، عن عبد الله بن أبي بكر. . . . إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر. . . . إلى آخره.
السادس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب، قال: نسخت كتاب رسول الله عليه السلام. . . . إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل.
وأخرجه أبو داود (2): نا محمَّد بن العلاء، أنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال:"هذه نسخة كتاب رسول الله عليه السلام الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم. . . ." فذكر الحديث.
قال: "فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعًا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها ابنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعًا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعًا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها: ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعًا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعًا وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعًا وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعًا وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعًا وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أَيُّ السنين وجدت. . . ." الحديث.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(4/ 4 رقم 6793).
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 98 رقم 1570).
السابع: عن أحمد بن داود المكي، عن عبد الله بن محمَّد بن أسماء شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح موقوف.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، نا سفيان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله عنه: "إذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون".
قوله: "هذه فريضة الصدقة" معنى الفرض الإيجاب؛ وذلك أن الله تعالى أوجبها وأحكم فرضها في كتابه العزيز، ثم أمر رسوله بالتبليغ، فأضيف الفرض إليه بمعنى الدعاء إليه، وحمل الناس عليه، وقد فرض الله طاعته على الخلق فجاز أن يسمى أمره وتبليغه عن الله فرضًا على هذا المعنى.
وقد قيل: معنى الفرض هاهنا بيان التقدير، ومنه فرض نفقة الأزواج، وفرض أرزاق الجند، ومعناه راجع إلى قوله:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (2).
وقيل: معنى الفرض هنا: السنة، ومنه ما روي:"أنه عليه السلام فرض كذا" أي سَنَّهُ.
قوله: "فمن سئلها" أي من سئل الصدقة من الزكاة، من المسلمين على وجهها أي على حسب ما سَنَّ رسول الله عليه السلام من فرض مقاديرها.
قوله: "ومن سئل فوقها" أي فوق الفريضة فلا يعطيه، والمعنى لا يعطي الزيادة على الواجب، وقيل: لا يعطي شيئًا من الزكاة لهذا المصدق؛ لأنه خان بطلبه فوق الواجب، فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته.
قوله: "حين بعثه مُصَدِّقًا" نصب على الحال من الضمير المنصوب في بعثه، والمصدِّق -بكسر الدال المشددة- وهو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها،
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 359 رقم 9893).
(2)
سورة النحل، آية:[44].
يقال: صدقهم يصدقهم، وقد جاءت اللغة مشددة الصاد والدال معًا، وكسر الدال في طالب الصدقة، وأنكره ثعلب، وقال الخطابي: المصدِّق بتخفيف الصاد: العامل.
قوله: "فإذا عليه خاتم رسول الله عليه السلام" أي طابعه وعلامته؛ لأن خاتم الكتاب يصونه ويمنع الناظرين عما في باطنه، وتفتح تاؤه وتكسر على اللغتين.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا:"ما زاد على العشرين من الإبل استؤنفت فيه الفريضة، فكان في كل خمس منهن شاة حتى تتناهى الزيادة إلى خمس وعشرين، فيكون فيها ابنة مخاض إلى تسع وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، ثم كذلك الزيادة ما كان دون الخمسين ففيها فرائض مستأنفات على حكم أول فرض الإبل، فإذا أكملت خمسين ففيها حقة".
ش: أي خالف الفريقين المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنف فيها الفرض ففي الخمس شاة، وفي العشرين شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى تسع وأربعين ومائة، فإذا صارت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق في كل خمسين حقة، ثم يستأنف الفرض فلا شيء في الزيادة ما لم تبلغ خمسًا فيكون فيها شاة وثلاث حقاق وفي العشر شاتان وثلاث حقاق وفي خمسة عشر ثلاث شياه وثلاث حقاق، وفي عشرين أربع شياه وثلاث حقاق، فإذا بلغت مائة وخمسة وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق، فإذا بلغت مائة وستة وثمانين ففيها بنت لبون وثلاث حقاق إلى مائة وستة وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين، فإن شاء أدى منها أربع حقاق في كل خمسين حقة، وإن شاء أدى خمس بنات لبون في كل أربعين بنت لبون، ثم يستأنف الفرض أبدا في كل خمسين كما استؤنف في مائة وخمسين إلى مائتين فيدخل فيها بنت مخاض وبنت لبون مع الحقة والشاة.
ص: واحتجوا في ذلك من الآثار: بما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخَصِيب بن ناصح، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: قلت لقيس بن سعد: "اكتب لي كتاب أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، فكتبه لي في ورقة، ثم جاء بها وأخبرني أنه أخذه من أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، وأخبرني أن النبي عليه السلام كتبه لجده عمرو بن حزم رضي الله عنه في ذكر ما يخرج من فرائض الإبل، فكان في ذلك: أنها إذا بلغت تسعين ففيها حقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل، فما كانت أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم، في كل خمس ذود شاة".
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا حماد بن سلمة. . . . ثم ذكر مثله.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من الآثار بما حدثنا .. إلى آخره.
وأخرجه من طريقين رجالهما ثقات.
الأول: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن الخَصِيب بن ناصح الحارثي، عن حماد بن سلمة، قال: قلت لقيس بن سعد، وهو: قيس بن سعد أبو عبد الملك المكي، قال أحمد وأبو زرعة وابن سعد: ثقة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
وأخرجه أبو داود في "المراسيل"(1): ثنا موسى بن إسماعيل، قال حماد: قلت لقيس بن سعد: "خذ لي كتاب محمَّد بن عمرو، فأعطاني كتابًا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن عمرو بن حزم، أن النبي عليه السلام كتب لجده يقرأ به، فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل -فقص الحديث إلى أن بلغ- عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة وما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل، ما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم في كل خمس ذود شاة، ليس فيها ذكر ولا هرمة ولا ذوات عوار من الغنم".
(1)"المراسيل" لأبي داود (1/ 128 رقم 106).
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير شيخ أبي داود وابن ماجه، عن حماد بن سلمة.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده": من حديث حماد. . . . نحوه.
فإن قيل: قال ابن الجوزي: هذا الحديث مرسل، وقال هبة الله الطبري: هذا الكتاب صحيفة ليس بسماع ولا يعرف أهل المدينة كلهم عن كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا، رواها الزهري وابن المبارك وأبو أويس؛ كلهم عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: مثل قولنا.
ثم لو تعارضت الروايتان عن عمرو بن حزم، بقيت روايتان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي في "الصحيح" وبها عمل الخلفاء الأربعة، وقال البيهقي: هذا حديث منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبي عليه السلام، وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع، وكذلك حماد بن سلمة أخذه عن كتاب لا عن سماع، وقيس بن سعد وحماد بن سلمة وإن كانا من الثقات؛ فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره.
وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ويتجنبون ما ينفرد به، وخاصة عن قيس بن سعد وأمثاله.
قلت: الأخذ من الكتاب حجة، صرح البيهقي نفسه في كتاب "المدخل": أن الحجة تقوم بالكتاب وإن كان السماع أولى منه بالقبول، والعجب من البيهقي أن يصرح بمثل هذا القول ثم ينفيه في الموضوع الذي تقوم عليه الحجة.
وقوله: "وبها عمل الخلفاء الأربعة" غير مسلم؛ لأن ابن أبي شيبة روى في "مصنفه": عن يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال:"إذا زادت الإبل على عشرين ومائة، يستقبل بها الفريضة"، وعن يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم مثله، فإن قلت قال البيهقي: قال الشافعي في كتابه القديم: راوي هذا مجهول عن علي رضي الله عنه، وأكثر الرواة عن ذلك المجهول، يزعم أن الذي روى هذا عنه غلط عليه وأن هذا ليس في حديثه.
قلت: الذي رواه عن علي هو عاصم بن ضمرة كما ذكرنا، وهو ليس بمجهول، بل هو مشهور روى عنه الحكم وأبو إسحاق السبيعي وغيرهما، ووثقه ابن المديني والعجلي، واحتجت به الأربعة.
وأن مراد الشافعي بقوله: "يزعم" أن الذي روى هذا عنه غلط عليه أبا إسحاق السبيعي، فلم يقل أحد غيره أنه غلط.
وقد ذكر البيهقي وغيره عن يعقوب الفارسي وغيره من الأئمة أنهم أحالوا بالغلط على عاصم.
وأما قول البيهقي: "وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخره عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما خالف فيه".
فكلام صادر عن نفيسة وتمحل؛ لأنه لم ير أحد من أئمة هذا الشأن ذكر حمادًا بشيء من ذلك، والعجيب منه أنه اقتصر فيه على هذا المقدار؛ لأنه ذكره في غير هذا الموضع بأسوأ منه.
وقوله: "وخاصة عن قيس بن سعد" باطل؛ وما لقيس بن سعد؟! فإنه ثقة، وثقه كثيرون.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فلما اختلفوا في ذلك، وجب النظر لنستخرج من هذه الأقوال الثلاثة قولًا صحيحًا، فنظرنا في ذلك فرأيناهم جميعًا قد جعلوا العشرين والمائة نهاية لما وجب فيما زاد على التسعين، وقد رأينا ما جعل نهاية فيما قبل ذلك إذا زادت الإبل عليه شيئًا وجب بزيادتها فرض غير الفرض الأول، من ذلك أنا وجدناهم جعلوا في خمس من الإبل شاة، ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد على الخمس إلى التسع، فإذا زادت واحدة أوجبوا بها حكمًا مستقلًا، فجعلوا فيها شاتين، ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد إلى أربع عشرة، فإذا زادت واحدة أوجبوا بها حكمًا مستقلًا؛ فجعلوا فيها ثلاث شياه، ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد إلى العشرين؛ فإذا كانت عشرين ففيها أربع
شياه، ثم أجروا الفرض كذلك إلى عشرين ومائة، كلما أوجبوا شيئًا بينوا أنه الواجب فيما أوجبوه فيه إلى نهاية معلومة، فكلما زاد على تلك النهاية شيء انتقض به الفرض الأول إلى غيره أو إلى زيادة عليه، فلما كان ذلك وكانت العشرون والمائة قد جعلوها نهاية لما أوجبوه في الزيادة على التسعين، ثبت أن ما زاد على العشرين يجب به شيء إما زيادة على الفرض الأول وإما غير ذلك، فثبت بما ذكرنا فساد قول أهل المقالة الأولى، وثبت تغير الحكم بالزيادة على العشرين والمائة، ثم نظرنا بين أهل المقالة الثانية والمقالة الثالثة فوجدنا الذين يذهبون إلى المقالة الثانية يوجبون بزيادة البعير الواحد على العشرين والمائة رد حكم جميع الإبل إلى ما يجب فيه بنات اللبون في قولهم، وهو ما ذكرنا عنهم أن في كل أربعين ابنة لبون، فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الثالثة: أنا رأينا جميع ما يزيد على النهايات المسماة في فرائض الإبل فيما دون العشرين والمائة يتغير بتلك الزيادة الحكم وأن لتلك الزيادة حصة فيما وجب بها، من ذلك: أن في أربع وعشرين أربعًا من الغنم، فإذا زادت واحدة كانت فيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون، فكانت ابنة المخاض واجبة في الخمس والعشرين لا في بعضها، وكذلك ابنة اللبون واجبة في الستة والثلاثين كلها لا في بعضها، وكذلك سائر الفرض في الإبل حتى يتناهى إلى عشرين ومائة، لا ينتقل الفرض بزيادة لا شيء فيها بل ينتقل بزيادة فيها شيء، ألا ترى أن في عشر من الإبل شاتين، فإذا زادت بعيرًا فلا شيء فيه، ولا يتغير بزيادته حكم العشر التي كانت قبله، فإذا كانت الإبل خمس عشرة كانت فيها ثلاث شياه، فكانت الفريضة واجبة في البعير الذي كمل به ما يجب فيه ثلاث شياه، وفيما قبله، فلما كان ما ذكرنا كذلك وكانت الإبل إذا زادت بعيرًا واحدًا على عشرين ومائة بعير فكل قد أجمع أنه لا شيء قى هذا البعير؛ لأن الذين أوجبوا استئناف الفروض لم يوجبوا فيها شيئًا ولم يغيروا به حكمًا، والذين لم يوجبوا استئناف الفريضة من أهل المقالة الثانية جعلوا في كل أربعين
من العشرين والمائة ابنة لبون، ولم يجعلوا في البعير الزائد على ذلك شيئًا، فلما ثبت أن الفرض فيما قبل العشرين والمائة لا ينتقل إلا بما يجب فيه جزء من الفرض الواجب به، وكان البعير الزائد على العشرين والمائة لا يجب فيه شيء من فرض، ثبت أنه غير مغير فرض غيرها عما كان عليه قبل حدوثه؛ فثبت بما ذكرنا قول من ذهب إلى المقالة الثالثة، وممن ذهب إليها أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي فلما اختلف أصحاب المقالات الثلاثة في الحكم المذكور؛ وجب النظر فيه ليستخرج من الأقوال الثلاثة قول يعول عليه، ويرجع إليه.
قوله: "فرأيناهم" أي أصحاب المقالات الثلاثة، والباقي كله ظاهر.
والتحقيق في هذا، أن هذا باب لا يجري فيه قياس ولا يعرف فيه بالاجتهاد والترجيح في مثل هذا بين الأقوال، يكون بقوة الأثر، ولما كان وجوب الحقتين في المائة والعشرين ثابتا باتفاق الأخبار وإجماع الأمة لا يجوز إسقاطه إلا بمثله، وبعد المائة والعشرين اختلفت الآثار، فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلاف الأقاويل بالعمل بحديث عمرو بن حزم، على أنا قد عملنا بما استدل به الخصم لأنا أوجبنا في الأربعين بنت لبون، فإن الواجب في الأربعين ما هو الواجب في ست وثلاثين، وكذلك أوجبنا في خمسين حقة وحديث الخصم لا يتعرض لنفي الواجب عما دونه، وإنما عمل الخصم بمفهوم النص، فنحن عملنا بالنصين، وهو أعرض عن العمل بما ذهبنا إليه.
ص: وقد روي في ذلك أيضًا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيب، عن أبي عبيدة وزياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "في فرائض الإبل إذا زادت على تسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا بلغت العشرين والمائة استقبلت
الفريضة في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين فرائض الإبل؛ فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة.
ش: أي وقد روي فيما ذهب إليه أهل المقالة الثالثة عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وأخرجه بإسناد صحيح: عن إسماعيل بن إسحاق الكوفي المعروف بترنجة نزيل مصر الصدوق، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن عبد السلام بن حرب الملائي، عن خصيف -بالفاء في آخره- بن عبد الرحمن الجزري، عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود وزياد ابن أبي مريم الجزري كلاهما، عن ابن مسعود.
فإن قلت: قال الترمذي: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا.
قلت: قال أبو داود: كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين، وهذا سن التمييز ووقت الأمر للصبي بالصلاة، فالسماع في هذا جائز صحيح، والإثبات أولى من النفي لوجود القرينة، على أن هذا الأثر ذكر فيه أبو عبيدة متابعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد السلام، عن خصيف، عن أبي عبيدة وزياد بن أبي مريم، عن عبد الله نحوه.
ص: وقد روي ذلك أيضًا عن إبراهيم النخعي، حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا أبو عوانة، عن منصور بن المعتمر، قال: قال إبراهيم النخعي: "إذا زادت الإبل عن عشرين ومائة ردت إلى أول الفرض".
ش: أي قد روي ذلك الحكم المذكور أيضًا عن إبراهيم بن يزيد النخعي.
أخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 359 رقم 9888).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم مثله.
ص: فإن احتج أهل المقالة الثانية لمذهبهم، فقالوا: معنا الآثار المتصلة شاهدة لقولنا، وليس ذلك مع مخالفنا، قيل لهم: أما على مذهبكم فأكثرها لا تجب لكم به حجة على مخالفكم؛ لأنه لو احتج عليكم بمثل ذلك لم تسوغوه إياه، ولجعلتموه باحتجاجه بذلك عليكم جاهلًا بالحديث، فمن ذلك أن حديث ثمامة بن عبد الله إنما وصله عبد الله بن المثنى وحده، لا نعلم أحدًا وصله غيره، وأنتم لا تجعلون عبد الله بن المثنى حجة، ثم قد جاء حماد بن سلمة وقدره عند أهل العلم أجل من قدر عبد الله بن المثنى وهو ممن يحتج به فروى هذا الحديث عن ثمامة منقطعًا، فكان يجيء على أصولكم أن يكون هذا الحديث يجب أن يدخل في معنى المنقطع ويخرج من معنى المتصل، لأنكم تذهبون إلى أن زيادة غير الحافظ على الحافظ غير ملتفت إليها.
وأما حديث الزهري عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم فإنما رواه عن الزهري سليمان بن داود وقد سمعت أن أبي يقول: سليمان بن داود هذا وسليمان بن داود الحراني عندهم ضعيفان جميعا، وسليمان بن داود الذي يروي عن عمر بن عبد العزيز عندي ثبت، ومما يدل على وهاء هذا الحديث: أن أصحاب الزهري المأخوذ علمًا عنهم مثل يونس وممن روى عن الزهري في ذلك شيئًا إنما روى عنه الصحيفة التي عند آل عمر رضي الله عنه أفترى الزهري يكون عنده فرائض الإبل عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده وهم جميعًا أئمة علم مأخوذ عنهم، فيسكت عن ذلك ويضطره إلى الرجوع إلى صحيفة غير مروية فيحدث الناس بها، هذا عندنا مما لا يجوز على مثله.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 361 رقم 9912).
ش: أهل المقالة الثانية هم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، فإنهم قالوا: نحن استدللنا فيما ذهبنا إليه بالأحاديث المتصلة، وأنتم معكم آثار منقطعة، فأجاب عنه الطحاوي بقوله:"قيل لهم. . . . إلى آخره"، وهو ظاهر.
قال البيهقي معترضا عليه في كتابه "المعرفة": هذا حديث صحيح موصول؛ إلا أن بعض الرواة قصر به فرواه كذلك -يعني مسندًا- أبي داود، ثم إن بعض من يدعي معرفة الآثار يعلق عليه، وقال: هذا منقطع، وأنتم لا تثبتون المنقطع، وإنما وصله عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس، وأنتم لا تجعلون ابن المثنى حجة، ولم يعلم أن يونس بن محمَّد المؤدب قد رواه عن حماد بن سلمة، عن ثمامة، عن أنس بن مالك، وقد أخرجناه في كتاب "السنن" وكذلك سريج بن النعمان، عن حماد بن سلمة به، ورواه إسحاق بن راهويه وهو إمام عن النضر بن شميل وهو أتقن أصحاب حماد، قال: ولا نعلم أحدًا استقصى في انتقاد الرواة واستقصاء محمد بن إسماعيل البخاري مع إمامته في معرفة علل الأحاديث وأسانيدها وهو قد اعتمد على حديث ابن المثنى وأخرجه في "صحيحه" وذلك لكثرة الشواهد له بالصحة.
قلت: فيا للعجب من البيهقي حيث جعل العمدة في كلامه على حماد بن سلمة وقال في "سننه" في باب "من صلى وفي ثوبه أو نعله أذى"(1): حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، كل منهم مختلف في عدالته، وأما عبد الله بن المثنى فقد قال الساجي فيه: ضعيف منكر الحديث. وقال أبو داود: لا أخرج حديثه. وقال ابن الجوزي في كتابه "الضعفاء": أبو سلمة كان ضعيفًا في الحديث.
ثم البيهقي كيف يقول: وروينا الحديث من حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس من أوجه صحيحة، وقد قال الدارقطني في كتاب "التتبع على
(1)"السنن الكبرى"(2/ 402 رقم 3890).
الصحيحين": إن ثمامة لم يسمعه من أنس ولا سمعه عبد الله بن المثنى من ثمامة؟ وفي "الأطراف" للمقدسي: قيل لابن معين: حديث ثمامة عن أنس في الصدقات؟ قال: لا يصح، وليس بشيء، ولا يصح في هذا حديث في الصدقات.
قوله: "وأما حديث الزهري، عن أبي بكر .. إلى آخره" إشارة إلى أن هذا الحديث الذي يرويه سليمان بن داود الخولاني عن الزهري غير صحيح، وقد بين علته.
فإن قلت: قال البيهقي: أثنى على سليمان الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان الدارمي وجماعة من الحفاظ، ورأوا هذا الحديث موصول الإسناد حسنًا.
قلت: قال عبد الغني: قال الدارقطني: قد روي عنه -يعني سليمان- عن الزهري، عن أبي بكر بن حزم الحديث الطويل، لا يثبت عنه. وقال ابن المديني: منكر الحديث وضعفه. وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه إذا انفرد.
وروى النسائي (1) هذا الحديث: من حديث يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، عن الزهري.
ثم رواه من حديث يحيى، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، ثم قال: وهذا أشبه بالصواب.
وسليمان بن أرقم متروك الحديث. وقال ابن معين: سليمان الخولانى لا يعرف، والحديث لا يصح. وقال مرة: ليس بشيء. ومرة: شامي ضعيف. وقال ابن حنبل: ليس بشيء.
وفي "التمهيد" لابن عبد البر: قال أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: سليمان بن داود الذي يروي عن الزهري حديث الصدقات والديات مجهول لا يعرف.
قوله: "وقد سمعت ابن أبي داود" وهو إبراهيم بن أبي داود البرلسي، وقد ذكر هاهنا ثلاث أنفس اسم كل واحد سليمان واسم أبيه داود:
(1)"المجتبى"(8/ 58 رقم 4854).
الأول: سليمان بن داود الخولاني الدمشقي، وقد سمعتَ الآن ما قالوا فيه وفي حديثه.
والثاني: سليمان بن داود الحراني الملقب: ثومة، يروي عن الزهري، قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: لا يحتج به.
الثالث: سليمان بن داود الذي روى عن عمر بن عبد العزيز، ثقة ثبت.
قوله: "وما يدل على وهاء هذا الحديث" أي على سقوطه وذهابه.
ص: فإن قال قائل: فإن حديث معمر عن عبد الله بن أبي بكر حديث متصل لا مطعن لأحد فيه.
قيل له: ما هو بمتصل؛ لأن معمرًا إنما رواه عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، وجده محمَّد بن عمرو، وهو لم ير النبي عليه السلام، ولا ولد إلا بعد أن كتب رسول الله عليه السلام هذا الكتاب لأبيه؛ لأنه إنما ولد بنجران قبل وفاة النبي عليه السلام سنة عشر من الهجرة، ولم ينقل إلينا في الحديث أن محمَّد بن عمرو روى هذا الحديث عن أبيه.
فقد ثبت انقطاع هذا الحديث أيضًا، فأنتم لا تحتجون به، فقد ثبت أن كل ما روي عن رسول الله عليه السلام في هذا الباب منقطع، فإن كنتم لا تسوغون لمخالفكم الاحتجاج بالمنقطع في غير هذا الباب، فَلِمَ تحتجون عليه به في هذا الباب؟! ولئن وجب أن يكون عدم الاتصال في موضع من المواضع يزيل قبول الخبر؛ إنه ليجب أن يكون كذلك هو في كل المواضع، ولئن وجب أن يقبل الخبر وإن لم يتصل إسناده لثقة من صمد به إليه في باب واحدٍ؛ إنه ليجب أن يقبل في كل الأبواب.
ش: السؤال والجواب ظاهران.
قوله: "فقد ثبت أن كل ما روي عن رسول الله عليه السلام في هذا الباب منقطع" أشار به إلى أن الخصم ليس له حجة يقوم بها على دعواه فيما ذهب إليه؛ لأنه لا يرى المنقطع حجة، فكيف يحتج به؟! وقال يحيى بن معين: لا يصح في هذا الباب حديث.
قوله: "لثقة من صَمَدَ إليه" أي لثقة من قصد به إليه، من: صمده يَصْمده صمدًا: إذا قصده.
ص: فإن قال قائل: أما حديث عمرو بن حزم فقد اضطرب واختلف فيه، فلا حجة فيه لواحد من أهل هذه المقالات، وغيره مما روي في هذا الباب أولى منه.
قيل له: من أين اضطرب حديث عمرو بن حزم، أما قيس بن سعد فقد رواه عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم على ما قد ذكرناه عنه، وقيس حجة حافظ.
وأما حديث الزهري الذي خالفه، فإنما رواه عن الزهري من لا تقبلون أنتم روايته عن الزهري لضعفه عندكم.
وأما حديث معمر فالذي رواه عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، وعبد الله بن أبي بكر فليس في الثبت والإتقان كقيس بن سعد.
ولقد حدثني يحيى بن عثمان، قال: سمعت ابن الوزير يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت سفيان ابن عيينة يقول: "كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن واحد من أربعة -ذكر منهم: عبد الله بن أبي بكر- سخرنا منه؛ لأنهم كانوا لا يعرفون الحديث، فلما لم يكافئ عبد الله بن أبي بكر قيسًا في الضبط والحفظ صار الحديث عندنا ما رواه قيس؛ لاسيما وقد ذكر قيس أن أبا بكر بن محمَّد كتبه له، وبالله التوفيق. هذا آخر كتاب الزيادات.
ش: حاصل السؤال أن يقال: إنا إذا سلمنا انقطاع الأحاديث المذكورة، فنقول: حديث عمرو بن حزم الذي احتججتم به أنتم أيضا لا يصلح للاحتجاج؛ لاضطرابه والاختلاف فيه، فإذًا لا تقوم به حجة لأحد منا ومنكم، ويكون غير حديث عمرو بن حزم أولى منه؛ لعدم الطعن المذكور.
والجواب عنه ظاهر، وهو في الحقيقة جواب عن طريق المنع، وبَيَّنَ ذلك بقوله:"أما قيس .. إلى آخره".
قوله: "وعبد الله بن أبي بكر فليس في الثبت والإتقان .. إلى آخره" أي: الإحكام، من: أتقن في الأمر: إذا أحكمه.
فإن قلت: عبد الله بن أبي بكر احتج به الشيخان، وقيس بن سعد لم يخرج له البخاري شيئًا.
قلت: لا يلزم من عدم تخريج البخاري له أن يكون أدنى من عبد الله بن أبي بكر، وقد أخرج له مسلم، وكفى في كون عبد الله بن أبي بكر أقوى من قيس في الحفظ والإتقان ما رواه يحيى بن عثمان بن صالح المصري شيخ الطحاوي والطبراني وابن ماجه، عن محمَّد بن الوزير المصري، عن الإِمام الشافعي، عن سفيان بن عيينة الإِمام في الحديث ما قاله عنه. فافهم. والله أعلم.
وهذا آخر ما نقحناه من "نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار" ونقلنا فيه من قرائح الصدور ونتائج الأفكار، والحمد لله أولًا وآخرًا على تمامه وكماله، والصلاة على نبيه محمَّد وآله. (1)
(1) كتب المؤلف رحمه الله هنا: تم تحرير هذا الجزء الثامن من المكمل للكتاب بعون الملك الوهاب، على يد مؤلفه العبد الفقير إلى الله تعالى: بدر الدين أبي محمَّد محمود بن أحمد العيني، عامله ربه ووالاه بلطفه الجلي والخفي، وقت الأذان يوم الجمعة المبارك الخامس والعشرين من جمادى الآخرة عام تسعة عشر وثمانمائة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلوات وأكمل التحيات.