الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب تزويج الأب ابنته البكر هل يحتاج في ذلك إلى استئمارها
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم تزويج الابنة إذا أراد أبوها أن يزوجها، هل يحتاج في ذلك إلى أن يستأذنها؟
ص: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله عليه السلام: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وان أنكرت لم تكره".
ش: إسناده صحيح.
وأبو نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، وأبو بردة اسمه عامر بن عبد الله ابن قيس، وقيل: اسمه الحارث، روى له الجماعة، وأبوه أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس.
وأخرجه الطبراني (1): ثنا معاذ بن المثنى، نا مسدد، نا عيسى بن يونس، قال: سمعت أبي، سمع أبا بردة يحدث، عن أبيه، أن النبي عليه السلام قال:"تستأمر اليتيمة فإن سكتت فهو إذن، وإن أنكرت لم تكره".
ثنا سعيد بن أبي إسرائيل القطيعي، ثنا حِبَّان بن موسى المروزي، نا ابن المبارك، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله عليه السلام. . . . إلى آخره نحوه.
قوله: "تستأمر" أي تستأذن، واليتيمة من اليتم، واليتم -بالضم والفتح-: الانفراد، وقيل: الغفلة، وقد يَتِمَ الصبي -بالكسر- وييتم فهو يتيم، والأنثى
(1) وأخرجه الدارمي في "سننه"(2/ 185 رقم 2185)، والدارقطني في "سننه"(3/ 241 رقم 74)، وابن حبان في "صحيحه"(9/ 396 رقم 4085)، والحاكم في "مستدركه"(2/ 180 رقم 2702) من طريق يونس بن أبي إسحاق، به.
يتيمة، وجمعها أيتام ويتامى، وقد يجمع اليتيم على يُتَامى كأسير وأسارى، وإذا بلغا زال عنهما اسم اليتم حقيقة وقد يطلق عليهما مجازًا بعد البلوغ باعتبار ما كان، كما كانوا يسمون النبي عليه السلام وهو كبير يتيم أبي طالب؛ لأنه ربَّاه بعد موت أبيه.
وأراد باليتيمة هاهنا البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها، فلزمها اسم اليتم، فدعيت به وهي بالغة مجازًا، وقيل: المرأة لا يزول عنها اسم اليتم ما لم تتزوج، فإذا تزوجت ذهب عنها، ومنه حديث الشعبي:"أن امرأة جاءت إليه، فقالت: إني امرأة يتيمة، فضحك أصحابه، فقال: النساء كلهن يتامى" أي ضعائف ثم معنى اليتم بين الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وفي الدواب فقد الأم.
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: أنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال:"اليتيمة تستأمر، فإن رضيت فلها رضاها، وان أنكرت فلا جواز عليها".
حدثنا ابن أبي داود، قال: أنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمرو، قال: حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان، ورجالهما قد ذكروا غير مرة، وأبو سلمة عبد الله ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا أبو كامل، ثنا يزيد بن زريع.
ونا موسى بن إسماعيل، نا حماد -المعني قال يزيد-: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "تستأمر اليتيمة في نفسها؛ فإن سكتت فهذا إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها".
وأخرجه الترمذي (2): عن قتيبة، عن عبد العزيز الدراوردي، عن محمد بن
(1)"سنن أبي داود"(2/ 231 رقم 2093).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 417 رقم 1109).
عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "اليتيمة تستأمر، في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها".
وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن.
وأخرجه النسائي (1): عن عمرو بن علي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام نحوه.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن للرجل أن يزوج ابنته البكر البالغ بغير أمرها ولا استئذانها ممن رأى، ولا رأي لها في ذلك معه عندهم، قالوا: ولما قصد النبي عليه السلام في الأثرين المذكورين في أول هذا الباب بما ذكرنا فيهما من الصمات والمحكوم له بحكم الإذن إلى اليتيمة، وهي التي لا أب لها، دَلَّ ذلك على أن ذات الأب في ذلك بخلافها، وأن أمر أبيها عليها أوكد من أمر سائر أوليائها بعد أبيها، وممن ذهب إلى هذا القول مالك بن أنس رحمه الله.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري وإبراهيم النخعي والليث بن سعد وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: يجوز للرجل أن يزوج ابنته البكر البالغ رضيت بذلك أو لم ترض، وممن قال بذلك: مالك بن أنس.
وقال أبو عمر (2): أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها؛ لتزويج رسول الله عليه السلام عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، إلا أن العراقيين قالوا: لها الخيار إذا بلغت، وأبى ذلك أهل الحجاز، واختلفوا في الأب هل يجبر ابنته الكبيرة على النكاح أم لا؟ فقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: إذا كانت المرأة بكرًا؛ كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررًا بيِّنًا، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة؛ وبه قال أحمد وإسحاق.
(1)"المجتبى"(6/ 87 رقم 3270).
(2)
"التمهيد"(19/ 98).
وقال ابن قدامة (1): قال ابن المنذر: أجمع كل من حفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفؤ، يجوز له تزويجها مع كراهتها وامتناعها، وأما البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان:
إحداهما: له إجبارها على النكاح، ويزوجها بغير إذنها كالصغيرة، وهذا مذهب مالك، وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق.
والثانية: ليس له ذلك، واختارها أبو بكر، وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر.
وفي "المحلى"(2) قال ابن شبرمة: لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة إلا حتى تبلغ وتأذن، ورأى أمر عائشة رضي الله عنها خصوصًا للنبي عليه السلام.
قوله: "وقالوا" أي هؤلاء القوم، وهذا إشارة إلى وجه استدلالهم بحديث أبي موسى وأبي هريرة المذكورين فيما مضى فيما ذهبوا إليه، وهو استدلال بالمفهوم المخالف، وهو ليس بحجة فافهم.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ليس لولي البكر أبًا كان أو غيره أن يزوجها إلا بعد استئمارها.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي والثوري والحسن بن حَيّ وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وأحمد -في رواية، وهي اختيار أبي بكر من أصحابه- وأبا عبيد، وأبا ثور وأهل الظاهر، فإنهم قالوا: ليس للأب أن يجبر ابنته البالغة على زواجها، ولا يزوجها إلا بإذنها، وكذلك غير الأب من أوليائها، والأصل في هذا الموضع أن علة الإجبار الصغر عند هؤلاء، والبكارة عند أهل المقالة الأولى، فتُجْبر البكر عندهم وإن كانت بالغة، ولا تُجْبر الثيب وإن كانت صغيرة، وأما البكر الصغيرة فتجبر إجماعًا، والثيب الكبيرة لا تجبر إجماعًا.
(1)"المغني"(7/ 379).
(2)
"المحلى"(9/ 459).
ص: وقالوا: ليس في قصد النبي عليه السلام في الأثرين المرويين في ذلك في أول هذا الباب إلى اليتيمة ما يدل أن غير اليتيمة في ذلك على خلاف حكم اليتيمة، قد يجوز أن يكون أراد بذلك سائر الأبكار اليتامى وغيرهن، وخص اليتيمة بالذكر؛ إذ كان لا فرق بينها في ذلك وبين غيرها؛ ولأن السامع ذلك منه في اليتيمة البكر يستدل به على حكم البكر غير اليتيمة، وقد رأينا مثل هذا في القرآن، قال الله عز وجل فيما حرم من النساء:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (1) فذكر الربيبة التي في حجر الزوج، فلم يكن ذلك على تحريم الربيبة التي في حجر الزوج دون الربيبة التي هي أكبر منه، بل كان التحريم عليهما جميعًا، فكذلك ما ذكرنا عن رسول الله عليه السلام في البكر اليتيمة ليس على اليتيمة البكر خاصة، بل هو على البكر اليتيمة وغير اليتيمة، وكان ما سمع أصحاب رسول الله عليه السلام من ذلك في اليتيمة البكر دليلًا لهم أن ذات الأب فيه كذلك، إذا كانوا قد علموا أن البكر قبل بلوغها إلى أبيها عقد البياعات على أموالها وعقد النكاح على بِضْعِها، ورأوا بلوغها يرفع ولاية أبيها عليها في العقود على أموالها، فكذلك يرفع عنها العقود على بِضْعها.
ش: أي قال هؤلاء الآخرون. . . . إلى آخره، وهذا جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى في الحديثين [. . . .](2).
ص: ومع هذا فقد روى أهل هذا المذهب لمذهبهم آثارا احتجوا له بها، غير أن في بعضها طعنا على مذهب أهل الآثار وأكثرها سليم من ذلك، وسنأتي بها كلها وبعللها وفساد ما يفسده أهل الآثار منها في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
فمما روي في ذلك مما طعن فيه أهل الآثار: ما حدثنا أبو أمية ومحمد بن علي بن داود، قالا: ثنا الحسين بن محمد المروزي، قال: ثنا جرير بن
(1) سورة النساء، آية:[23].
(2)
طمس في "الأصل، ك".
حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أن رجلًا زوج ابنته وهي بكر وهي كارهة، فأتت النبي عليه السلام فخيرها". فكان من طعن من يذهب إلى الآثار والتمييز بين رواتها وتثبيت ما روى الحافظ منهم وإسقاط ما روى من هو دونه: أن قالوا: هكذا روى هذا الحديث جرير بن حازم، وهو رجل كثير الغلط، وقد رواه الحفاظ عن أيوب على غير ذلك، منهم سفيان الثوري وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية، فذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الرحمن ابن عبد الوهاب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أيوب السختياني، عن عكرمة:"أن النبي عليه السلام فرق بين رجل وبين امرأته زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبًا". فثبت بذلك عندهم خطأ جرير في هذا الحديث من وجهين: أما أحدهما: فإدخاله ابن عباس فيه، وأما الآخر: فذكره أنها كانت بكرًا، وإنما كانت ثيبًا.
ش: أي ومع ما ذكرنا من الدليل لأهل المقالة الثانية "فقد روى أهل هذا المذهب" وأراد بهم: أهل المقالة الثانية "لمذهبهم آثارًا"، أي أحاديث "احتجوا له"، أي لمذهبهم "بها" أي بهذه الآثار، وأراد بذلك أنهم لم يكتفوا بالجواب عن حديثي أبي موسى وأبي هريرة وبمنعهم استدلال أهل المقالة الأولى بذلك، بل مع هذا رووا أحاديث وآثارًا لما ذهبوا إليه من عدم جواز إجبار الأب ابنته البالغة على زواجها.
قوله: "غير أن في بعضها" أي في بعض الآثار التي احتجت بها أهل المقالة الثانية "طعنا على مذهب أهل الآثار" وأراد بذلك من جهة حال الإسناد والمتن، فإن أهل الآثار مذهبهم في هذين الفصلين بخلاف مذهب الفقهاء؛ فإن أكثرهم يحتجون بالآثار ولا يتعرضون للإسناد ولا للمتن، فلذلك قال:"على مذهب أهل الآثار".
قوله: "وأكثرها سليم من ذلك" أي وأكثر الآثار التي احتجت بها أهل المقالة الثانية سليم من الطعن على مذهب أهل الآثار، وإن كانوا قد طعنوا في بعضها.
قوله: "وسنأتي بها" أي بالآثار والأحاديث التي رويت في هذا الباب "مع بيان عللها وبيان فساد ما يفسده أهل الآثار منها" أي من الآثار المروية "في هذا الباب إن شاء الله تعالى".
قوله: "فمما رووا في ذلك" أي فمن الآثار التي روى أهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه مما طعن فيه أهل الآثار: ما حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، ومحمد بن علي بن داود المعروف بابن أخت غزال، كلاهما عن الحسين بن محمد المروذي نزيل بغداد روى له الجماعة، نسبته إلى مروالروذ، يروي عن جرير بن حازم البصري روى له الجماعة، عن أيوب السختياني روى له الجماعة، عن عكرمة مولى ابن عباس روى له الجماعة مسلم مقرونًا بغيره، عن ابن عباس.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا حسين بن محمد، قال: ثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أن جارية بكرًا أتت النبي عليه السلام فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها".
قوله: "فكان من طعن. . . . إلى آخره" إشارة إلى بيان طعن أهل الآثار في الحديث المذكور.
قوله: "أن قالوا" في محل النصب على أنه خبره و"أن" مصدرية. وقوله: "من هو دونه" أي دون الحافظ، وحاصل هذا الطعن في حديث ابن عباس المذكور من وجهين:
أحدهما: أن جرير بن حازم رجل كثير الغلط، وقد أدخل في هذا الحديث ابن عباس فجعله متصلًا، وهو مرسل منقطع، أشار إليه بقوله:"وقد رواه الحفاظ عن أيوب على غير ذلك" أي على غير ما رواه جرير بن حازم يعني رواه الحفاظ منقطعًا، منهم: سفيان الثوري، وحماد بن زيد، وإسماعيل ابن علية؛ فإنهم رووه عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي عليه السلام.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 232 رقم 2096).
أما الذي رواه سفيان، عن أيوب، عن عكرمة عن النبي عليه السلام: فأخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن عبد الرحمن بن عبد الوهاب البصري، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن أيوب، عن عكرمة:"أن النبي عليه السلام. . . ." إلى آخره.
وأما الذي رواه حماد بن زيد عن أيوب: فأخرجه أبو داود (1): ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي عليه السلام بهذا الحديث، ولم يذكر ابن عباس.
قال أبو داود: وكذلك يروى مرسلًا معروف.
الوجه الثاني: أن جريرًا ذكر أن المرأة المذكورة كانت بكرًا، وإنما كانت ثيِّبًا، وقد أشار إلى الوجهين المذكورين بقوله:"فثبت بذلك عندهم خطأ جرير في هذا الحديث من وجهين".
ولما أخرج البيهقي هذا الحديث في "سننه"(2) قال: أخطأ فيه جرير على أيوب، والمحفوظ مرسل.
قال: وروي أيضًا (3) موصولًا: أنا طلحة بن علي، أنا الشافعي، نا محمد بن سعيد القاضي بعسقلان، ثنا أبو سلمة المسلم بن محمد الصنعاني، ثنا عبد الملك ابن عبد الرحمن الذماري، ثنا الثوري عن هشام الدستوائي، عن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما وهما كارهتان".
قال الدارقطني (4): هذا وهم والصواب عن يحيى، عن المهاجر، عن عكرمة مرسل، وَهِمَ فيه الذماري وليس بالقوي.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 232 رقم 2097).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 117 رقم 13447).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 117 رقم 13449).
(4)
"سنن الدارقطني"(3/ 234 رقم 53).
قال البيهقي (1): وهو في "جامع الثوري" مرسلًا، وكذا رواه عامة أصحابه عنه، وكذا رواه غير الثوري عن هشام.
قلت: هذا الذي ذكره الطحاوي عنهم وسكت عن ذلك فكأنه رضي به أو لم يظفر بما يرد به عليهم، فنقول: جرير بن حازم ثقة جليل من رجال "الصحيح" وقد زاد الرفع فلا يضره إرسال من أرسله، وكيف وقد تابعه الثوري وزيد بن حبان فروياه عن أيوب كذلك مرفوعًا، كذا قال الدارقطني.
وأخرج رواية زيد كذلك النسائي (2) وابن ماجه (3) في "سننهما" من حديث معمر بن سليمان، عن زيد، عن أيوب.
والرواية التي ذكرها البيهقي (4) عن طلحة بن علي تشهد لهذه الرواية بالصحة. على أن في سند الرواية الذماري، وقد قال البيهقي عن الدارقطني: إنه ليس بالقوي.
قلت: الذماري روى له الحاكم في "مستدركه" وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر صاحب "الكمال" عن عَمْرو بن علي أنه وثقه [. . . .](5) هذا متصلًا من طريق النسائي، عن محمد بن داود، عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس. . . الحديث، وحكم له بالصحة.
ص: ومما روي في ذلك أيضًا ما حدثنا أحمد بن أبي عمران، وإبراهيم بن أبي داود، وعلي بن عبد الرحمن، قالوا: ثنا أبو صالح الحكم بن موسى، قال: ثنا شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله:"أن رجلًا زوج ابنته وهي بكر بغير أمرها، فأتت النبي عليه السلام ففرق بينهما".
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 117 رقم 13450).
(2)
"السنن الكبرى"(3/ 284 رقم 5388).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 602 رقم 1873).
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 117 رقم 13449).
(5)
طمس في "الأصل، ك".
ش: أي ومن الذي روي في هذا الباب حديث جابر بن عبد الله أخرجه [. .](1).
وأخرجه الدارقطني (2): نا أبو محمد بن صاعد، نا الحسن بن محمد الزعفراني وأحمد بن منصور والعباس بن محمد وأبو إبراهيم الزهري. وحدثنا ابن مخلد، نا العباس بن محمد الدوري، وأحمد بن صالح الصوفي وغيرهم، قالوا: نا الحكم بن موسى، نا شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن جابر:"أن رجلًا زوج ابنته بكرًا ولم يستأذنها، فأتت النبي عليه السلام فرد نكاحها". لفظ أبي بكر: وقال ابن صاعد: "وهي بكر من غير أمرها، فأتت النبي عليه السلام ففرق بينهما".
ص: فكان من حجة من يذهب في ذلك إلى تتبع الأسانيد: أن هذا الحديث لا نعلم أن أحدًا ممن رواه عن شعيب ذكر فيه جابرًا غير أبي صالح هذا، فممن رواه فأسقط منه جابرًا: علي بن معبد.
حدثنا محمد بن عباس، عن علي بن معبد، عن شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن النبي عليه السلام مثله، ولم يذكر جابرًا.
وقد رواه عمرو بن أبي سلمة، عن الأوزاعي، فبين من فساد هذا الحديث أكثر من هذا.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: ثنا الأوزاعي، عن إبراهيم بن مرة، عن عطاء بن أبي رباح، عن النبي عليه السلام بذلك. . . . فصار هذا الحديث عن الأوزاعي، عن إبراهيم بن مرة، عن عطاء.
وإبراهيم بن مرة هذا ضعيف الحديث، ليس عند أهل الآثار من أهل العلم أصلًا.
(1) طمس في "الأصل، ك".
(2)
"سنن الدارقطني"(3/ 233 رقم 48).
ش: أي فكان من دليل أهل التتبع في أسانيد الأحاديث: أن هذا الحديث مرسل منقطع، لا نعلم أن أحدًا من الرواة الذين رووا عن شعيب بن إسحاق ذكر فيه جابر بن عبد الله غير أبي صالح الحكم بن موسى، وبَيَّن ذلك بقوله:"فممن رواه فأسقط منه جابرًا: علي بن معبد بن شداد الرقي".
أخرجه عن محمد بن عباس، عن علي بن معبد، عن شعيب بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن النبي عليه السلام نحوه، ولم يذكر جابر بن عبد الله.
وكذا أخرجه أبو المغيرة، عن الأوزاعي.
قال الدارقطني (1): ثنا عبد الغافر بن سلامة، ثنا عيسى بن خالد، ثنا أبو المغيرة، عن الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح قال:"فرق رسول الله عليه السلام بين امرأة وزوجها، وهي بكر أنكحها أبوها وهي كارهة" وأشار الطحاوي إلى فسادٍ آخر: في إسناده ضعف أقوى من الأول بقوله: "وقد رواه عمرو بن أبي سلمة. . . . إلى آخره".
أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن إبراهيم بن مرة الدمشقي، عن عطاء، عن النبي عليه السلام نحوه.
وأخرجه الدارقطني (2): ثنا ابن مخلد، نا أبو بكر بن صالح، نا نعيم بن حماد، ثنا ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن إبراهيم بن مرة، عن عطاء بن أبي رباح:"أن رجلًا زوج ابنته. . . ." فذكر نحوه، ثم قال الدارقطني: الصحيح مرسل، وقول شعيب وَهْم.
(1)"سنن الدارقطني"(3/ 234 رقم 52).
(2)
"سنن الدارقطني"(3/ 233 رقم 49).
وقال البيهقي (1): وسئل أبو علي عن حديث شعيب بن إسحاق، فقال: لم يسمعه الأوزاعي من عطاء، وهو في الأصل مرسل، رواه الثقات عن الأوزاعي، عن إبراهيم بن مرة، عن عطاء مرسلًا، وذكره الأثرم لأحمد فأنكره.
ص: ومما رووا في ذلك مما لا طعن لأحد فيه:
ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره.
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق وصالح بن عبد الرحمن، قالا: ثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة.
وحدثنا محمد بن العباس، قال: ثنا القعنبي وإسماعيل بن سلمة، قالا: ثنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها".
وحدثنا الحسين بن نصر، قال: ثنا يوسف عدي، قال: ثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن عبد الله بن موهب، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن ابن موهب. . . . فذكر بإسناده مثله.
وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن زياد بن سعد، عن عبد الله بن الفضل، سمع نافع بن جبير يحدث، عن ابن عباس، أن رسول الله عليه السلام قال:"الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها".
ش: أي ومما روى أهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه من الأحاديث التي لا طعن لأحد فيها لأجل صحة إسناده ومتنه: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 117 رقم 13452).
وأخرجه من ستة طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه مالك (1) في "موطإه".
وابن ماجه (2): عن إسماعيل بن موسى السدي، عن مالك.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق وصالح بن عبد الرحمن الأنصاري، كلاهما عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن مالك.
وأخرجه أبو داود (3): عن القعنبي، عن مالك.
الثالث: عن محمد بن العباس بن الربيع المصري، عن إسماعيل بن مسلمة ابن قعنب القعنبي وعبد الله بن مسلمة المذكور، عن مالك.
وأخرجه الترمذي (4) والنسائي (5) كلاهما عن قتيبة، عن مالك.
الرابع: عن الحسين بن نصر، عن يوسف بن عدي. . . . إلى آخره.
وأخرجه الطحاوي في باب: "النكاح بغير ولي" بعين هذا الإسناد، وقد ذكرنا هناك أن الطبراني أخرجه بهذا الإسناد (6).
(1)"موطأ مالك"(2/ 524 رقم 1092).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 601 رقم 1870).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 232 رقم 2098).
(4)
"جامع الترمذي"(3/ 416 رقم 1108).
(5)
"المجتبى"(6/ 84 رقم 3260).
(6)
تقدم تخريجه.
وأخرجه الدارقطني (1) أيضًا: ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا العباس بن محمد، ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، ثنا عبد الله بن عبد الله بن موهب، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله عليه السلام قال:"الأيم أحق بأمرها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وصمتها إقرارها".
الخامس: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس عن النبي عليه السلام، نحوه.
السادس: عن ربيع أيضًا، عن أسد، عن سفيان بن عيينة، عن زياد بن سعد، الخراساني نزيل مكة، عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس.
وأخرجه مسلم (2): نا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا سفيان، عن زياد بن سعد، عن عبد الله بن الفضل، سمع نافع بن جبير يخبر، عن ابن عباس، أن النبي عليه السلام قال:"الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها سكوتها"، وفي رواية له:"والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها"، وربما قال:"وصمتها إقرارها".
وأخرجه أبو داود (3): عن أحمد بن حنبل، عن سفيان، عن زياد بن سعد، عن ابن الفضل، نحوه.
والنسائي (4): عن محمد بن منصور، عن سفيان، عن زياد بن سعد. . . . إلى آخره نحوه.
(1)"سنن الدارقطني"(3/ 242 رقم 78).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1037 رقم 1421).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 232 رقم 2099).
(4)
"المجتبى"(6/ 85 رقم 3264).
وقال أبو عمر: اختلف في لفظ هذا الحديث، فبعضهم يقول:"الأيم أحق بنفسها"، وبعضهم يقول:"الثيب"، والذي في "الموطأ":"الأيم"، وقد يمكن أن يكون من قال:"الثيب"، قد جاء به على المعنى، وهذا موضع اختلف فيه العلماء وأهل اللغة، فقال قائلون: الأيم هي التي آمت من زوجها بموته أو طلاقه، وهي الثيب وبه قال الشافعي، واحتجوا بقول الشاعر:
فقاتل حتى أنزل الله نصره
…
وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد آمت نساءٌ كئيرةٌ
…
ونسوة سعد ليس فيهن أيم
قالوا: يعني ليست منهن من قتل زوجها. وهذا الشعر لرجل من بني أسد قاله يوم القادسية حين كان سعد بن أبي وقاص عليلًا مقيمًا في قصره لم يقدر على النزول، ولم يشرف على القتال.
وقال يزيد بن الحكم الثقفي:
كلُّ امرئ ستئيم منـ
…
ـه العرِسُ أو منها يئيمُ
يريد سيموت عنها أو تموت عنه.
وقال الآخرون الأيم كل من لا زوج لها من النساء، وكذلك رجل لا امرأة له أيم وهذا قول مالك وأبو حنيفة وقال آخرون: الأيم امرأة لا زوج لها بكر كانت أو ثيبًا، واستشهدوا بقول الشاعر وهو أمية بن أبي الصلت:
لله دَرُّ بَنِي علي
…
أيم منهم وناكح
إن لم يغيروا غارةً
…
شعواء بحجر كل نابحٍ
وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب: "النكاح بغير ولي عصبة".
ص: فلما كانت الأيم المذكورة في الحديث هي التي وليها أيّ ولي كان من أب أو غيره، كانت كذلك البكر المذكورة فيه هي البكر التي وليها أي ولي كان من أب أو غيره.
ش: أراد أن لفظة الأيم بعمومها تتناول من كان وليها أباها أو غيره فكذلك لفظة البكر بعمومها تتناول من كان وليها أباها أو غيره فإذا كان كذلك فالثيب البالغة لا يجبرها أحد مطلقًا على زواجها، وكذلك البكر البالغة، كما مر مستقصى مع بيان الخلاف فيه.
ص: وقد روى هذا الحديث صالح بن كيسان، عن نافع بن جبير بلفظ غير هذا اللفظ.
حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن صالح بن كيسان، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس للأب مع الثيب أمر، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها".
فهذا معناه ومعنى الأول سواء، والبكر المذكورة في هذا الحديث هي البكر ذات الأب، كما الثيب المذكورة فيه كذلك، فهذا ما روي لنا في هذا الباب عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام.
ش: أشار بهذا الحديث إلى حديث ابن عباس المذكور.
أخرجه بإسناد صحيح عن فهد بن سليمان. . . . إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (1): عن الحسن بن علي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن صالح، عن نافع، عن ابن عباس.
وأخرجه النسائي (2): عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر. . . . إلى آخره.
وأخرجه البيهقي (3): من حديث ابن المبارك، عن معمر، نحو رواية الطحاوي، ثم قال: قال الدارقطني (4) وغيره: أخطأ فيه معمر، واستدل عل خطئه برواية
(1)"سنن أبي داود"(2/ 233 رقم 2100).
(2)
"المجتبى"(6/ 85 رقم 3263).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 118 رقم 13458).
(4)
"سنن الدارقطني"(3/ 239 رقم 65).
ابن إسحاق وسعيد بن سلمة، عن صالح، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله عليه السلام: "الأيم أحق بنفسها من وليها، واليتيمة تستأذن في نفسها، وإذنها السكوت".
وقال الدارقطني في "سننه"(1): صالح لم يسمعه من نافع بن جبير، وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة، عن صالح.
قلت: سماع صالح بن كيسان عن نافع بن جبير صحيح، ذكره صاحب "الكمال" وغيره، ومعمر بن راشد ثقة جليل حتى قيل: إنه أثبت في الزهري من ابن عيينة، فلا يستدل عل خطئه برواية من هو دونه.
ثم اعلم أن قوله عليه السلام: "البكر تستأمر" صريح في أن الأب لا يجبر البكر البالغة، ويدل عليه أيضًا حديث جرير، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، المذكور فيما مضى.
وترك الشافعي منطوق هذه الأدلة واستدل بمفهوم حديث الثيب أحق بنفسها، وقال: هذا يدل على أن البكر بخلافها، وقال ابن رشد: العموم أولى من المفهوم بلا خلاف؛ لاسيما وفي حديث مسلم: "البكر يستأمرها أبوها" وهو نص في موضع الخلاف.
وقال ابن حزم (2): لا نعلم لمن أجاز على البكر البالغة إنكاح أبيها لها بغير رضاها متعلقًا أصلًا.
وذهب ابن جرير الطبري أيضًا إلى أن البكر البالغة لا تجبر، وأجاب عن حديث:"الأيم أحق بنفسها" بأن الأيم من لا زوج لها، رجلًا كان أو امرأة، بكرًا أو ثيبًا، لقوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (3) وكرر ذكر البكر
(1)"سنن الدارقطني"(3/ 239 رقم 66).
(2)
"المحلى"(9/ 461).
(3)
سورة النور، آية:[32].
بقوله: "والبكر تستأمر وإذنها صماتها" للفرق بين الإذنين: إذن الثيب، وإذن البكر، ومن أول الأيم بالثيب أخطأ في تأويله، وخالف سلف الأمة وخلفها في إجازتهم لوالد الصغيرة تزويجها بكرًا كانت أو ثيبًا من غير خلاف.
وقال صاحب "التمهيد": قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حيّ وأبو ثور وأبو عبيد: لا يجوز للأب أن يزوج ابنته البالغة بكرًا كانت أو ثيبًا إلا بإذنها والأيم التي لا بعل لها وقد تكون إن بكرًا أو ثيبًا، لحديث:"الأيم أحق بنفسها" وحديث: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" على عمومها، خص منها الصغيرة لعقد عائشة رضي الله عنها.
فإن قيل: قال البيهقي (1): حديث ابن عباس: "يستأمرها أبوها" يبين أن الأمر إلى الأب في البكر، وقال الشافعي: زاد ابن عيينة في حديثه: "البكر يزوجها أبوها" والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس؛ لأنه يروى أن النبي عليه السلام قال: "وأَمِّروا النساء في بناتهن" ثم رواه من حديث معاوية بن هشام عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، حدثني الثقة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأَمِّرُوا النساء في بناتهن".
قلت: "يزوجها أبوها" ليس في شيء من الحج المتداولة، ولم يذكر الشافعي سنده لننظر فيه، وحمل المؤامرة على استطابة النفس خروج عن الظاهر من غير دليل، بل قوله:"يستأمرها أبوها" خبر في معنى الأمر، وحديث:"لا تنكح البكر حتى تستأمر" يدل على ذلك، وكذا قوله عليه السلام:"إنكاح الأب" في حديث جرير بن حازم وغيره، ولو ساغ هذا التأويل لساغ في قوله عليه السلام في "الصحيح":"لا تنكح الثيب حتى تستأمر" وأما حديث: "وأمروا النساء في بناتهن" فليس بحجة عند أهل الحديث حتى يسمى الثقة الذي في سنده، ولو صح فقد عدل فيه عن الظاهر للإجماع، فلا يعدل عن الظاهر في غيره من الأحاديث.
(1)"سنن البيهقي"(7/ 115 رقم 13441).
ص: وأما عائشة رضي الله عنها فقد روي في ذلك عنها عن النبي عليه السلام ما حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ذكوان مولى عائشة: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: "سألت رسول الله عليه السلام عن الجارية ينكحها أهلها أتستامر أم لا؟ قال: نعم تستأمر، فقلت: فإنها تستحي فتسكت، قال: فذاك إذنها إذا هي سكتت".
فهذا رسول الله عليه السلام قد سوى بين أهل البكر جميعًا في تزويجها ولم يفصل في ذلك بين حكم أبيها ولا بين حكم غيره من سائر أهلها.
ش: إسناده صحيح، وأبو بشر الرقي عبد الملك بن مروان، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله ابن أبي مليكة المكي، وذكران أبو عمرو مولى عائشة من رجال الصحيحين.
والحديث أخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج.
ونا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع، جميعًا عن عبد الرزاق -واللفظ لابن رافع- قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا ابن جريج. . . . إلى آخره نحوه.
ص: وأما أبو هريرة رضي الله عنه فروي عنه في ذلك عن النبي عليه السلام ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف إذنها يا رسول الله؟ قال: الصمت".
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب، عن وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد بن مسلم.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 1037 رقم 1420).
وحدثنا محمد بن الحجاج وربيع المؤذن، قالا: ثنا بشر بن بكر، قال: ثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: أخرج حديث أبي هريرة من أربع طرق صحاح:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير الطائي عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري (1): عن معاذ بن فضالة وعن مسلم بن إبراهيم، كلاهما عن هشام، عن يحيى. . . . إلى آخره نحوه.
الثاني: عن أحمد بن داود المكي، عن عبد الرحمن بن عبد الوهاب العمي البصري، عن وكيع بن الجراح، عن علي بن المبارك الهنائي، عن يحيى بن أبي كثير. . . . إلى آخره.
وأخرجه مسلم (2): عن خالد بن الحارث، عن هشام، عن يحيى نحوه.
والنسائي (3) عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد بن الحارث، عن هشام، عن يحيى نحوه.
الثالث: عن محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني شيخ أبي داود، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى. . . . إلى آخره.
وأخرجه ابن ماجه (4): عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن
(1)"صحيح البخاري"(5/ 1974 رقم 4843).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 1036 رقم 1419).
(3)
"المجتبى"(6/ 86 رقم 3267).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 601 رقم 1871).
يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن وإذنها الصموت".
الرابع: عن محمد بن الحجاج الحضرمي وربيع بن سليمان المؤذن كلاهما، عن بشر بن بكر التنيسي، عن الأوزاعي، عن يحيى.
وأخرجه الترمذي (1): عن إسحاق بن منصور، عن محمد بن يوسف، عن الأوزاعي، عن يحيى. . . . إلى آخره.
ص: فقد جمع في ذلك بين سائر الأولياء ولم يجعل للأب في ذلك حكمًا زائدًا على حكم من سواه منهم، فدل أن المعنى الذي ذكرناه في حديث أبي هريرة الذي رويناه عن محمد بن عمرو في أول هذا الباب كما ذكرنا؛ ليوافق معناه معنى هذا الحديث ولا يضاده، ولئن كان هذا الأمر يؤخذ من طريق فضل بعض الرواة على بعض في الحفظ والإتقان والجلالة، فإن يحيى بن أبي كثير أجل من محمد بن عمرو وأتقن وأحج، لقد فضله أيوب السختياني على أهل زمان ذكره فيه.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا موسى بن إسماعيل المنقري، قال: ثنا وهيب بن خالد، قال: سمعت أيوب يقول: "ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير".
وليس محمد بن عمرو عندهم في هذه المرتبة ولا قريب منها، بل قد تكلم فيه جماعة منهم مالك، فروي عنه ما حدثني أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان بن داود المنقري، قال: ثنا عبد الرحمن بن عثمان البكراوي، قال: كنت عند مالك بن أنس فَذُكِرَ عنده محمد بن عمرو، فقال: حمّلوه -يعني الحديث- فتحمل.
ش: أي فقد جمع هذا الحديث في الحكم المذكور بين سائر الأولياء؛ لأن اللفظ عام شامل للكل.
(1)"جامع الترمذي"(3/ 415 رقم 1107).
قوله: " فدل أن المعنى الذي ذكرناه في حديث أبي هريرة" أشار به إلى وجه التوفيق بين حديثي أبي هريرة:
أحدهما: ما رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
والآخر: ما رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
قوله: "ولئن كان هذا الأمر" أي الاستدلال بالأحاديث، والباقي ظاهر.
ص: وأما عدي الكندي فروي عنه في ذلك عن النبي عليه السلام ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني الليث بن سعد، عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي حسين، عن عدي بن عدي الكندي، عن أبيه عدي، عن رسول الله عليه السلام قال:"الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها".
حدثنا بحر، عن شعيب، عن الليث. . . بإسناده نحوه.
حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا عمرو بن الربيع بن طارق، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عدي بن عدي، عن أبيه، عن العُرس وهو ابن عميرة، وكان من أصحاب رسول الله عليه السلام، عن رسول الله عليه السلام، مثله.
فهذا كنحو ما روى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.
فهذا تصحيح الآثار في هذا الباب، فدل أن أب البكر لا يزوجها بعد بلوغها إلا كما يزوجها سائر أوليائها بعده، وقد قدمنا من ذكر النظر في ذلك في أول هذا الباب ما يغنينا عن إعادته هاهنا، فبذلك كله نأخذ -أي لا يزوج أب البكر ابنته البكر البالغ إلا بعد استئماره إياها في ذلك، وعند صماتها عند ذلك الاستئمار، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: عدي هو ابن عميرة الكندي أبو زرارة له صحبة.
وأخرج حديثه من ثلاث طرق:
الأولان: عن نفسه عن النبي عليه السلام.
والثالث: عنه عن أخيه العرس بن عميرة الكندي وهو أيضًا صحابي.
أما الأول: فأخرجه (1).
بإسناد فيه عبد الله بن لهيعة، وفيه مقال، وإبراهيم بن نعيم بن عبد الله النحام وثقه ابن حبان، وأبوه نعيم بن عبد الله النحام القرشي العدوي الصحابي، والنَّحَّام -بفتح النون وتشديد الحاء المهملة- لقب عبد الله، وإنما سمي به لأن النبي عليه السلام قال:"دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم" والنحمة السعلة وقيل: النحنحة الممدود آخرها، فبقى عليه.
قوله: "لأترب لحمى" من ترب الشئ إذا لطخه بالتراب.
قوله: "مكان هوى أمها" أي ميلها.
ص: قيل لهم: لو كان هذا الحديث صحيحا ثابتا على ما روينا، وكيف يكون ذلك كذلك وقد رواه الليث بن سعد فخالف عبد الله بن لهيعة في إسناده ومتنه.
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن إبراهيم بن صالح بن عبد الله -واسمه الذي يعرف به: نعيم النحام، ولكن سماه رسول الله عليه السلام صالحًا- أنه أخبره أن عبد الله بن عمر قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اخطب عليَّ ابنة صالح، فقال له: إن له يتامى ولم يكن ليؤثرنا عليهم، فانطلق عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب رضي الله عنه ليخطب عليه، فانطلق زيد إلى صالح فقال: إن عبد الله بن عمر أرسلني إليك يخطب ابنتك، فقال: لي يتامى ولم أكن لأترب لحمي وأرفع لحمكم، إني أشهدك أني قد أنكحتها فلانا، وكان هوى أمها في عبد الله بن
(1) سقط من "الأصل، ك" بمقدار لوحة.
عمر، فأتت رسول الله عليه السلام: يا نبي الله، خطب عبد الله بن عمر ابنتي فأنكحها أبوها يتيمًا لي في حجره ولم يؤامرها، فأرسل رسول الله عليه السلام إلى صالح فقال: أنكحت ابنتك ولم تؤامرها؟ فقال: نعم، فقال رسول الله عليه السلام: أشيروا على النساء في أنفسهن وهن بكر، فقال: إنما فعلت هذا لما يصدقها ابن عمر؛ فإن لها في مالي مثل ما أعطاها".
ففي هذا الحديث خلاف ما في الحديث الأول من الإسناد ومن المتن جميعًا؛ لأن هذا الحديث إنما هو موقوف على إبراهيم بن صالح، والأول قد جوز به إبراهيم بن صالح إلى أبيه وإلى ابن عمر، فقد كان ينبغي على مذهب هذا لمخالف لنا أن يجعل ما رواه الليث بن سعد في هذا أولى مما روى عبد الله بن لهيعة لتثبت الليث وضبطه، وقلة تخليط حديثه ولما في حديث عبد الله بن لهيعة من ضد ذلك.
وأما ما في متن هذا الحديث مما يخالف حديث عبد الله بن لهيعة: فإن فيه أن رسول الله عليه السلام قال لنعيم لما بلغه ما عقد على ابنته من النكاح بغير رضاها: "أشيروا على النساء في أنفسهن" فكان بذلك رادًّا على نعيم؛ لأن نعيما لم يشاور ابنته في نفسها؛ فهذا خلاف ما في حديث عبد الله بن لهيعة.
ش: أي قيل لهولاء القوم، وأراد به الجواب عن الحديث المذكور، وهو في الحقيقة على وجهين:
الأول: بطريق المنع، وهو أن يقال: هذا الحديث في سنده عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف عندكم، فحديثه ليس بصحيح، فلا يتم به استدلالكم.
الثاني: على طريق التسليم، وهو أن يقال: قد روى هذا الحديث من هو أضبط وأثبت وأقوى من ابن لهيعة فخالفه في متنه وإسناده، وهو الليث بن سعد.
أخرجه عن الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، عن شعيب بن الليث، عن أبيه
الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن إبراهيم بن صالح بن عبد الله، وصالح بن عبد الله هذا هو نعيم بن عبد الله النحام المذكور، وكان اسمه نعيمًا فسماه النبي عليه السلام صالحًا ولكن شهرته بنعيم النحام، أنه أخبره، أن عبد الله بن عمر. . . . إلى آخره، وبقية الكلام ظاهرة لا تخفى.
وأخرج البيهقي (1): من حديث محمد بن راشد، عن مكحول، عن سلمة بن أبي سلمة، عن أبيه:"أن ابن عمر رضي الله عنهما خطب إلى نعيم بن النحام ابنته وهي بكر، فقال له نعيم: إن في حجري يتيمًا لي لست مؤثرًا عليه أحدًا فانطلقت أم الجارية امرأة نعيم إلى رسول الله عليه السلام، فقالت: إن ابن عمر خطب ابنتي، وإن نعيمًا رده، وأراد أن ينكحها يتيمًا له، فأرسل إلى نعيم فقال له النبي عليه السلام: ارضها وارض بنتها".
قال البيهقي (2): ورويناه، عن عروة، عن ابن عمر.
قال الشافعي: لم يختلف الناس أنه ليس لأمها أمر، لكن على معنى استطابة النفس.
قلت: هذا كلام عدل به عن حقيقته بلا دليل، فلا يسمع.
قوله: "والأول قد جوز به إبراهيم بن صالح" أراد أنه عَدَّى الحديث عنه إلى أبيه وإلى ابن عمر، فكان مرفوعًا.
ص: فإن قال قائل: فليس في هذا الحديث أن النبي عليه السلام فسخ النكاح.
قيل له: ذلك عندنا والله أعلم لأن ابنة نعيم لم تحضر إلى النبي عليه السلام فتسأله ذلك، وإنما كان الذي حضر أمها لا عن توكيل منها إياها بذلك، حتى كانت عند النبي عليه السلام يجب لها به الكلام عنها، فكان من رسول الله عليه السلام ما كان من الكلام لنعيم على جهة التعليم، فلم يفسخ النكاح إذ كان ذلك من جهة القضاء، وإن كان القضاء لا يجب إلا لحاضر، باتفاق المسلمين جميعًا.
(1)"سنن البيهقي"(7/ 116 رقم 13443).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 116 رقم 13443).
ولقد روى الوليد بن مسلم، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رجلًا زوج ابنته وهي بكر وهي كارهة، فرد النبي عليه السلام نكاحه عنها".
فكيف يجوز أن يحمل حديث نعيم النحام على ما رواه عبد الله بن لهيعة، إذ كان قد رده إلى عبد الله بن عمر، وهذا نافع فقد روى عن ابن عمر خلاف ذلك.
ش: تقرير السؤال أن يقال: كيف تستدلون بحديث الليث بن سعد المذكور على ما ذهبتم إليه؟ وليس فيه أنه عليه السلام فسخ النكاح، ولو كان الأمر كما قلتم لكان عليه السلام فسخ النكاح.
والجواب عنه ما ذكره بقوله: "قيل له. . . . إلى آخره"، وهو ظاهر.
قوله: "ولقد روى الوليد بن مسلم. . . . إلى آخره" ذكره تأييدًا لفساد حديث عبد الله بن لهيعة.
أخرجه معلقًا عن الوليد بن مسلم القرشي الدمشقي، عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه الدارقطني (1): حدثني عمر بن محمد بن القاسم الأصبهاني، ثنا محمد بن أحمد بن راشد، ثنا موسى بن عامر، ثنا الوليد، قال: قال ابن أبي ذئب: أخبرني نافع، عن ابن عمر: "أن رجلًا زوج ابنته بكرًا فكرهت ذلك، فأتت النبي عليه السلام فرد نكاحها، وقال الدارقطني: لا يثبت هذا عن ابن أبي ذئب، عن نافع.
والصواب: حديث ابن أبي ذئب، عن عمر بن حسين، عن نافع، عن ابن عمر.
وقال (2): ثنا أبو محمد بن صاعد، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وأحمد بن الفرج بن سليمان أبو عتبة الحمصي، قالا: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ثنا ابن أبي ذئب، عن عمر بن حسين، عن نافع، عن
(1)"سنن الدارقطني"(3/ 236 رقم 59).
(2)
"سنن الدارقطني"(3/ 229 رقم 35).
عبد الله بن عمر: "أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون، قال: فذهبت أمها إلى رسول الله عليه السلام، وقالت: إن ابنتي تكره ذاك، فأمره النبي عليه السلام أن يفارقها ففارقها، وقال: لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن، فإذا سكتن فهو إذنها، فتزوجها عبد الله بن المغيرة بن شعبة".
ص: ثم قد وجدنا حديثًا قد روي في أمر ابنة نعيم النحام يدل على أنها كانت أيمًا:
حدثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي، قال: ثنا أبو مصعب الزهري، قال: أنا حاتم بن إسماعيل، عن الضحاك بن عثمان، عن يحيى بن عروة، عن أبيه:"أن عبد الله بن عمر أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني خطبت ابنة نعيم النحام، وأريد أن تمشي معي فتكمله لي، فقال عمر رضي الله عنه: إني أعلم بنعيم منك، إن عنده ابن أخ له يتيمًا، ولم يكن لينقض لحوم الناس وَيُترِّب لحمه، فقال: إن أمها قد خطبت إليّ، فقال عمر رضي الله عنه: إن كنت فاعلًا فاذهب بعمك زيد بن الخطاب، قال: فذهبا إليه فكلماه، قال: فكأنما سمع مقالة عمر رضي الله عنه، فقال: برضائك وأهلًا، وذكر من منزلته وشرفه، ثم قال: إن عندي ابن أخ لي يتيمًا، ولم أكن لأنفض لحوم الناس وأترِّب لحمي. قال: فقالت أمها من ناحية البيت: والله لا يكون هذا حتى يقضي به علينا رسول الله عليه السلام أتحبس أيمًا بني عدي على ابن أخيك سفيه، قال: أو ضعيف، قال: ثم خرجت حتى أتت رسول الله عليه السلام فأخبرته الخبر، فدعا نعيمًا فقص عليه كما قال لعبد الله بن عمر، فقال رسول الله عليه السلام لنعيم: صل رحمك وارض أيمك وأمها؛ فإن لهما من أمرهما نصيبًا".
ففي هذا الحديث أن ابنة نعيم النحام كانت أيمًا؛ لذلك أبعد أن يكون رسول الله عليه السلام أجاز نكاح أبيها عليها وهي كارهة.
ش: أخرجه بإسناد صحيح، عن القاسم بن عبد الله بن مهدي بن يونس
الأنصاري المصري، عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري قاضي مدينة الرسول عليه السلام وشيخ الجماعة سوى النسائي، عن حاتم بن إسماعيل المدني، عن الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي المدني الكبير، عن يحيى بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وأخرجه البيهقي (1): من حديث عروة، عن ابن عمر، نحوه، والله أعلم.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 116 رقم 13443).