المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب صلاة العيدين كيف التكبير فيهما - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٦

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: الإقرار بالسرقة التى توجب القطع

- ‌ص: باب الرجل يستعير الحلي ولا يرده هل يجب عليه في ذلك قطع أم لا

- ‌ص: باب سرقة الثمر والكَثَر

- ‌ص: كتاب الأشربة

- ‌ص: باب الخمر المحرمة ما هي

- ‌ص: باب ما يحرم من النبيذ

- ‌ص: باب الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت

- ‌ص: كتاب الوصايا

- ‌ص: باب ما يجوز فيه الوصايا من الأموال، وما يفعله المريض في مرضه الذي يموت فيه من الهبات والصدقات والعتاق

- ‌ص: باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته أو لقرابة فلان، مَنْ هم

- ‌ص: كتاب الفرائض

- ‌ص: باب الرجل يموت ويترك ابنةً وأختًا وعصبةً سواها

- ‌ص: باب مواريث ذوي الأرحام

- ‌ص: كتاب المزارعة

- ‌ص: باب الرجل يزرع في أرض القوم بغير إذنهم، كيف حكمهم في ذلك؟ وما يروى عن رسول الله عليه السلام في ذلك

- ‌ص: كتاب الإجارات

- ‌ص: باب الاستئجار على تعليم القرآن هل يجوز أم لا

- ‌ص: باب الجعل على الحجامة هل يجوز ذلك أم لا

- ‌ص: كتاب اللقطة والضالة

- ‌ص: كتاب الزيادات من شرح معاني الآثار

- ‌ص: باب صلاة العيدين كيف التكبير فيهما

- ‌ص: باب حكم المرأة في مالها

- ‌ص: باب ما يفعله المصلي بعد رفعه من السجدة الثانية من الركعة الأولى

- ‌ص: باب ما يجب للمملوك على مولاه من الكسوة والطعام

- ‌ص: باب إنشاد الشعر في المساجد

- ‌ص: باب شراء الشيء الغائب

- ‌ص: باب تزويج الأب ابنته البكر هل يحتاج في ذلك إلى استئمارها

- ‌ص: باب المقدار الذي يحرم على مالكيه أخذ الصدقة

- ‌ص: باب فرض الزكاة في الإبل السائمة فيما زاد على عشرين ومائة

الفصل: ‌ص: باب صلاة العيدين كيف التكبير فيهما

‌ص: كتاب الزيادات من شرح معاني الآثار

ش: أي هذا كتاب في بيان الزيادات التي زادها على أصل الكتاب، وكان رحمه الله بعد أن كمل كتابه معاني الآثار هذا ظفر بهذه الزيادات، وهي تسعة أبواب ألحقها بالكتاب لتتميم الفوائد، ولم يراع فيها الترتيب؛ لأن المقصود ليس معرفة المناسبة بين الكتب والأبواب، وإنما المقصود معرفة معاني الآثار، ووجوه الاستنباط من معانيها، وتصحيحها على وجه ينافي التضاد والتخالف بينها.

‌ص: باب صلاة العيدين كيف التكبير فيهما

؟

ش: أي هذا باب في بيان حكم التكبير في صلاتي العيدين كيف هو؟ وكم هو؟

والعيد أصله: العِود، لا من العَوْد سمي به لأنه يعود في كل سنة مرتين، قلبت الواو ياء، لسكونها وانكسار ما قبلها، ويجمع على أعياد.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير، قال: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله عليه السلام كبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة سوى تكبيرتي الصلاة".

ش: أبو بكرة بكار القاضي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الثقفي الطائفي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد، نا المعتمر، قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "التكبيرات في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخرى، والقراءة بعدهما كلتيهما".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 1151).

ص: 429

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا أبو كريب محمد بن العلاء، ثنا عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يعلى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، عن النبي عليه السلام:"كبر في صلاة العيدين سبعًا وخمسًا".

وأخرجه الدارقطني (2) نحو رواية الطحاوي: ثنا أبو بكر بن مجاهد المقرئ، نا أحمد بن الوليد الفحام، ثنا أبو أحمد الزبيري، نا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الثقفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين الأضحى والفطر ثنتي عشرة تكبيرة، في الأولى سبعًا، وفي الآخرة خمسًا، سوى تكبيرة الصلاة".

ورواه البيهقي (3) أيضًا: وقال حديث عبد الله بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في هذا الباب صحيح، وقال النووي في "الخلاصة": قال الترمذي في "العلل": سألت البخاري عنه، فقال: هو صحيح.

قلت: هذا الحديث من جملة مستندات الشافعي، فلذلك تكلف البيهقي في صحته، ولم يلتفت إلى ما قيل في الطائفي، ولا في عمرو بن شعيب، وقال ابن القطان: والطائفي هذا ضعفه جماعة، منهم: ابن معين. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن التكبير في صلاة العيدين كذلك، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الزهري والأوزاعي ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور، فإنهم قالوا: تكبيرات العيدين: سبع في الأولى، وخمس في الثانية. غير أن الشافعي قال: غير تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام. وغيره منهم يقولون: سبع في الأولى إحداهن تكبيرة الإحرام.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 407 رقم 1278).

(2)

"سنن الدارقطني"(2/ 47 رقم 20).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 285 رقم 5966).

ص: 430

وقال ابن حزم: وأما مالك فإنه جعل سبعًا في الأولى بتكبيرة الإحرام، وخمسًا في الثانية دون تكبيرة القيام، وهذا غير محفوظ عن أحد من السلف.

ص: وبما حدثنا عبد الرحمن بن الجارود، قال: ثنا سعيد بن كثير بن عُفير، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أبي واقد الليثي وعائشة رضي الله عنها:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس يوم الفطر والأضحى، فكبر في الأولى سبعًا وقرأ: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (1) وفي الثانية خمسًا، وقرأ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (2) ".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة:"أن رسول الله عليه السلام كان يكبر في العيدين سبعًا وخمسًا سوى تكبيرتي الركوع".

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، عن عُقيل، عن ابن شهاب. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا حرملة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي عليه السلام مثله.

ش: أي واحتج هؤلاء القوم أيضًا فيما ذهبوا إليه بحديث أبي واقد الليثي وعائشة رضي الله عنهما.

وأخرجه عن أربع طرق:

الأول: عن عبد الرحمن بن الجارود بن عبد الله الكوفي، عن سعيد بن كثير بن عُفير شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني يتيم عروة، عن عروة بن الزبير بن

(1) سورة ق، آية:[1].

(2)

سورة القمر، آية:[1].

ص: 431

العوام، عن أبي واقد الليثي صاحب رسول الله عليه السلام قيل: اسمه الحارث بن مالك، وقيل: الحارث بن عوف، وقيل: عوف بن الحارث.

وعن عائشة أم المؤمنين كلاهما قالا: إن رسول الله عليه السلام. . . . إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (1): ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا سعيد بن عُفير، ثنا ابن لهيعة. . . ." إلى آخره نحوه سواء.

وأخرج الجماعة غير البخاري حديث أبي واقد:

فقال مسلم (2): ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله عليه السلام في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (3)، و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (4) ".

وأخرجه أيضًا (5) عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي عامر العقدي، عن فليح، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي واقد الليثي قال: "سألني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عما قرأ به رسول الله عليه السلام في يوم العيد؟ فقلت: بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (4)، و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (3).

وقال أبو داود (6): ثنا القعنبي، عن مالك، عن ضمرة. . . . إلى آخره نحوه.

وقال الترمذي (7): ثنا إسحاق بن موسى، عن معن، عن مالك به.

(1)"المعجم الكبير"(3/ 246 رقم 3298).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 607 رقم 891).

(3)

سورة ق، آية:[1].

(4)

سورة القمر، آية:[1].

(5)

"صحيح مسلم"(2/ 607 رقم 891).

(6)

"سنن أبي داود"(1/ 300 رقم 1154).

(7)

"جامع الترمذي"(2/ 415 رقم 534).

ص: 432

وقال النسائي (1): أنا قتيبة، عن مالك، عن ضمرة. . . . نحوه.

وأخرج أيضًا (2): عن أحمد بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي واقد قال: سألني عمر رضي الله عنه. . . . فذكره نحو رواية مسلم.

وقال ابن ماجه (3): ثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله قال:"خرج عمر رضي الله عنه يوم عيد فأرسل إلى أبي واقد الليثي، بأي شيء كان النبي عليه السلام يقرأ في مثل هذا اليوم؟ قال: بقاف واقتربت".

واعلم أن رواية مالك مرسلة؛ لأن عبيد الله لا سماع له من عمر رضي الله عنه.

فإن قلت: كيف سأل عمر رضي الله عنه عن هذا ومثله لا يخفى عليه هذا؟

قلت: لعله اختبار له هل حفظ ذلك أم لا؟ أو يكون دخل عليه شك، أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك: بـ "سبح" و"الغاشية"، فأراد عمر رضي الله عنه الاستشهاد عليه بما سمعه أيضًا أبو واقد.

فإن قلت: ما الحكمة في قراءته عليه السلام بهاتين السورتين؟

قلت: لكونهما مشتملتين على الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر.

الطريق الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الله ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد المصري الإسكندراني، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.

وأخرجه أبو داود (4): ثنا ابن السرح، أنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن ابن شهاب. . . . فذكره.

(1)"السنن الكبرى"(6/ 475 رقم 11550).

(2)

"السنن الكبرى"(6/ 475 رقم 11551).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 408 رقم 1282).

(4)

"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 1150).

ص: 433

الثالث: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة، عن عُقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة، عن عائشة.

وأخرجه أبو داود (1) أيضًا: ثنا قتيبة، أنا ابن لهيعة، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات".

الرابع: عن يحيى بن عثمان بن صالح المصري، عن حرملة بن يحيى التجيبي المصري شيخ مسلم وابن ماجه، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن لهيعة، عن خالد بن يزيد عن عُقيل بن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة.

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا حرملة بن يحيى، نا عبد الله بن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد وعقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة "أن رسول الله عليه السلام كبر في الفطر والأضحى سبعًا وخمسًا سوى تكبيرتي الركوع".

وأخرجه الحاكم في "مستدركه"(3) وقال: تفرد به ابن لهيعة، وقد استشهد به مسلم في موضعين، قال: وفي الباب عن عائشة وابن عمر وأبي هريرة وعبد الله ابن عمرو، والطرق إليهم فاسدة.

وذكر الدارقطني في "علله" أن فيه اضطرابًا، فقيل: عن ابن لهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن الزهري.

وقيل: عنه، عن عقيل، عن الزهري.

وقيل: عنه، عن أبي الأسود، وعن عروة، عن عائشة.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 1149).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 407 رقم 1280).

(3)

"مستدرك الحاكم"(1/ 428 رقم 1108).

ص: 434

وقيل: عنه، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

قال: والاضطراب فيه من ابن لهيعة.

وقال الترمذي في "علله الكبرى"(1): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فضعفه وقال: لا أعلم رواه غير ابن لهيعة.

قلت: ابن لهيعة ضعفه جماعة، وقال البيهقي (2) في باب:"منع التطهير بالنبيذ": ضعيف الحديث لا يحتج به.

والعجب منه أنه مع اعترافه بهذا القدر يروي حديثه أيضًا في باب الاحتجاج لمذهبه في تكبيرات العيدين!.

ص: حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا عبدوس العطار، عن الفرج بن فضالة، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي عليه السلام أنه قال في تكبيرات العيدين:"في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمس تكبيرات".

ش: عبدوس لقب عبد الصمد بن سليمان العطار الحافظ شيخ الترمذي، وعبد الله بن عامر فيه مقال كثير.

وأخرجه الدارقطني (3): ولكن في روايته يحيى بن سعيد موضع، عبد الله بن عامر، فقال: ثنا عثمان بن أحمد الدقاق، نا أحمد بن علي الخزاز، نا سعيد بن عبد الحميد، ثنا فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الآخرة خمس تكبيرات".

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: كتب إليّ كثير بن عبد الله بن عمرو يحدثني، عن أبيه، عن جده قال:"رأيت النبي عليه السلام كبر في الأضحى سبعًا وخمسًا، وفي الفطر مثل ذلك".

(1)"علل الترمذي الكبرى"(1/ 190).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 10).

(3)

"سنن الدارقطني"(2/ 48 رقم 24).

ص: 435

ش: يونس هو ابن عبد الأعلى، وابن وهب هو عبد الله، وجد عبد الله هو عمرو بن عوف المزني الصحابي.

وأخرجه الترمذي (1): عن أبي عمرو مسلم بن عمرو، عن عبد الله بن نافع، عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده:"أن النبي عليه السلام كبر في العيدين في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا".

وأخرجه ابن ماجه (2): عن محمد بن عبد الله بن عبيد، عن محمد بن خالد، عن كثير نحوه.

وأخرجه الدارقطني (3) ثم البيهقي (4)، ثم قال البيهقي، قال الترمذي: سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول.

قلت: كثير بن عبد الله بن عمرو المذكور قال فيه الشافعي: ركن من أركان الكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال ابن حبان يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب.

وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن حنبل: منكر الحديث ليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد: ضرب أبي على حديثه في "المسند"، ولم يحدث عنه. وقال أبو زرعة: واهي الحديث.

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال في حديثه هذا: ليس في هذا الباب شيء أصح من هذا؟!.

فإن قلت: لا يلزم من هذا الكلام صحة الحديث، بل المراد منه أنه أصلح شيء في هذا الباب، وكثيرًا ما يريدون بهذا الكلام هذا المعنى.

(1)"جامع الترمذي"(2/ 416 رقم 536).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 407 رقم 1279).

(3)

"سنن الدارقطني"(2/ 48 رقم 23).

(4)

"سنن البيهقي"(3/ 286 رقم 5968).

ص: 436

قلت: الذي يفهم من كلام البيهقي أنه أراد الصحة، وكذا قال عبد الحق في "أحكامه" فقال عقيب حديث كثير هذا: صحح البخاري هذا الحديث.

ولئن سلمنا أنه أراد به أنه أصلح شيء في هذا الباب، ولكن ليس الأمر كذلك أيضًا، بل حديث عمرو بن شعيب أصلح منه؛ فافهم.

وقال ابن [دحية](1): في "العلم المشهور": وكم حسن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية منها هذا الحديث -أعني حديث كثير- عن أبيه، عن جده، فإن الحسن عندهم ما نزل درجة الصحيح، ولا يرد عليه إلا من كلامه؛ فإنه قال في "علله" التي في كتابه "الجامع": والحديث الحسن عندنا ما روي من غير وجه ولم يكن شاذًا ولا في إسناد من يتهم بالكذب.

ص: قالوا: وقد روي أيضًا عن غير واحد من أصحاب رسول الله عليه السلام، فذكروا ما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن نافع قال:"شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا مالك وصخر بن جويرية، عن نافع، عن أبي هريرة مثله.

قالوا: فبهذه الآثار نقول، وإليها نذهب.

ش: أي قال هؤلاء القوم وهم أهل المقالة الأولى: وقد روي أيضًا عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم مثل ما ذهبنا إليه، فذكروا في ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع.

(1) في "الأصل": ابن ماجه، وهو تحريف أو سبق قلم من المؤلف رحمه الله، وقع في "نصب الراية"(2/ 217) على الصواب، والمؤلف رحمه الله قد نقل هذا المقطع كله منه.

ص: 437

وأخرجه مالك في "موطإه"(1).

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن مالك وصخر بن جويرية، عن نافع.

وأخرجه البيهقي (2): من حديث مالك وشعيب، عن نافع قال:"شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة -وزاد شعيب في روايته- وهي السنة".

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل التكبير في العيدين تسع تكبيرات، خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين".

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي والثوري والنخعي وقتادة وسعيد بن المسيب ومسروق بن الأجدع ومحمد بن سيرين والأعمش وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وزفر، فإنهم قالوا: تكبيرات العيدين تسع، خمس في الأولى قبل القراءة، وأربع في الأخرى بعد القراءة، وهو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا: أن حديث عبد الله بن عمرو إنما يدور على عبد الله بن عبد الرحمن -وليس عندهم بالذي يحتج بروايته- ثم هو أيضًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وذلك عندهم أيضًا ليس سماع، فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج به عليهم لم يسوغوه ذلك؟!

وأما حديث ابن لهيعة فبين الاضطراب، مرة يحدث عن عُقيل، ومرة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب، ومرة عن خالد بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب، ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وأبي واقد، قد ذكرنا ذلك كله في هذا الباب.

(1)"موطأ مالك"(1/ 180 رقم 434).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 288 رقم 5974).

ص: 438

وبعد فمذهبهم في ابن لهيعة ما قد شرحناه في غير موضع من هذا الكتاب، وأما حديث عبد الله بن عمر فإنما يدور على ما رواه على عبد الله بن عامر وهو عندهم ضعيف، وإنما أصل هذا الحديث عن ابن عمر نفسه.

حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم، عن نافع، عن ابن عمر مثله، ولم يرفعه.

فهذا هو أصل هذا الحديث.

وأما حديث كثير بن عبد الله فإنما هو عن كتابه إلى ابن وهب، وهم لا يجعلون ما سمع منه حجة فكيف ما لم يسمع منه؟!.

ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى في الأحاديث التي احتجوا بها عليهم. . إلى آخره وأراد بها الجواب عن الأحاديث المذكورة، فإنها لا تصلح للاحتجاج، بيانه: أن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فيه علتان:

الأولى: أنه يدور على عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، وهو ضعيف، وقد ذكرنا عن قريب ما قالوا فيه.

الثانية: أنه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فحديثه عندهم صحيفة ليس بسماع، فكيف يحتجون به على الخصم؟!.

وأما حديث أبي واقد وعائشة ففيه علتان أيضًا:

الأولى: أنه مضطرب، وقد بينته في الكتاب.

الثانية: أن في سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف عندهم.

وأما حديث عبد الله بن عمر ففيه علتان أيضًا:

الأولى: أن في سنده عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ضعيف متروك الحديث، قاله أبو زرعة، وقال البخاري: ذاهب الحديث. وقال أيضًا: ليس بشىء ضعيف الحديث.

ص: 439

والثانية: أن أصله موقوفًا على ابن عمر، وأخرجه عن يحيى بن عثمان، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي المصري، عن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد الفقيه المصري رواية المسائل عن مالك وهو ثقة مأمون.

يروى عن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أحد القراء السبعة، عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه بن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا خالد بن مخلد، قال: نافع بن أبي نعيم، قال: سمعت نافعًا قال: قال عبد الله بن عمر: "التكبير في العيدين سبع وخمس".

وأما حديث كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، فقد استوفينا الكلام فيه عن قريب.

ص: فلما انتفى أن يكون في هذه الآثار شيء يدل على كيفية التكبير في العيدين لما بينا من وهائها وسقوطها، نظرنا في غيرها هل فيه ما يدل على شيء من ذلك؟ فإذا علي بن عبد الرحمن ويحيى بن عثمان قد حدثانا، قالا: ثنا عبد الله بن يوسف، عن يحيى بن حمزة قال حدثني الوضين بن عطاء، أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه، قال: حدثني بعض أصحاب النبي عليه السلام قال: "صلى بنا النبي عليه السلام يوم عيد، فكبر أربعًا وأربعًا، ثم أقبل علينا بوجهه حين انصرف، فقال: لا تنسوا، كتكبير الجنائز، وأشار بأصابعه وقبض إبهامه".

فهذا حديث حسن الإسناد، وعبد الله بن يوسف ويحيى بن حمزة والوضين والقاسم كلهم أهل رواية معروفون بصحة الرواية، ليسوا كمن روينا عنه الآثار الأُوَل، فإن كان هذا الباب من طريق الإسناد يؤخذ فإن هذا أولى أن يؤخذ به مما خالفه، غير أنه ذكر فيه أن رسول الله عليه السلام كبر في كل ركعة أربعًا، وأخبرهم أن ذلك كتكبير الجنازة، فاحتمل أن تكون الأربع سوى تكبيرة الافتتاح، فيكون ذلك قد وافق قول الذين احتججنا بهذا الحديث لقولهم.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 496 رقم 5721).

ص: 440

واحتمل أن يكون ذلك على أربع بتكبيرة الافتتاح فيكون مخالف لقولهم.

فنظرنا فيما روى من الآثار في هذا الباب سوى هذا الأثر أيضًا، فإذا محمد بن أحمد الجوزجاني قد حدثنا، قال: ثنا غسان بن الربيع، قال: ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، أنه سمع مكحولا يقول: حدثني أبو عائشة، أن سعيد بن العاص دعا أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم، فسألهما: كيف كان رسول الله عليه السلام يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى أربعًا كتكبيره على الجنائز، وصدقه حذيفة، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر لأهل بصرة إذ كنت أميرا عليهم".

فلم يكن في هذا أيضًا زيادة على ما في الحديث الأول.

فنظرنا في ذلك أيضًا، فإذا يحيى بن عثمان قد حدثنا، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول، قال: حدثني رسول حذيفة وأبي موسى الأشعري: "أن رسول الله عليه السلام كان يكبر في العيدين أربعًا أربعًا" سوى التكبيرات المذكورات في حديث الحواري، وفي حديث علي بن عبد الله، ويحيى بن عثمان.

فهذا ما ثبت عندنا في العيدين عن رسول الله عليه السلام، ولم نعلم شيئًا روي عنه مما يثبت مثله يخالف شيئًا من ذلك.

ش: لما بين أن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى واهية لا يصح الاحتجاج بها، احتاج أن يبين ما يصح به الاحتجاج في هذا الباب.

وأخرج في ذلك عن بعض أصحاب النبي عليه السلام: أن تكبيرات العيدين أربع أربع.

رواه عن علي عبد الرحمن الكوفي المعروف بعلان، ويحيى بن عثمان بن صالح المصري كلاهما، عن عبد الله بن يوسف التنيسي المصري شيخ البخاري، عن

ص: 441

يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي القاضي، عن الوضين بن عطاء بن كنانة الدمشقي، عن القاسم بن عبد الرحمن المكنى بأبي عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي عليه السلام.

وهذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.

أما عبد الله بن يوسف فإنه أحد مشايخ البخاري في "صحيحه" وقال البخاري: كان أثبت الشاميين.

وأما يحيى بن حمزة بن واقد الدمشقي القاضي من بيت لهيا، فإن الجماعة قد رووا له، ووثقه ابن معين وغيره.

وأما الوضين بن عطاء فإن أحمد وثقه وكذلك يحيى ودحيم وأبو داود.

وأما القاسم بن عبد الرحمن الشامي الدمشقي مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي؛ فإن يحيى قال فيه: ثقة الثقات. وقال الجوزجاني: كان حبرا فاضلا، أدرك أربعين رجلًا من المهاجرين والأنصار. وقال العجلي ويعقوب بن سفيان والترمذي: ثقة. واحتجت به الأربعة، وقد أشار الطحاوي أيضًا إلى هذا بقوله: فهذا حديث حسن الإسناد وعبد الله بن يوسف ويحيى بن حمزة والوضين والقاسم .. إلى آخره.

قوله: "غير أنه ذكر فيه. . . . إلى آخره" أشار به إلى أن الحديث قد بين أن تكبيرات العيدين أربع كأربع الجنازة، ولكنه ساكت عن أن الأربع هل هي خارجة عن تكبيرة الافتتاح أم هي معها؟ فلم يبين ذلك فيه.

ثم أخرج في ذلك عن مكحول من طريقين:

الأول: مثل الحديث الأول لم يزد فيه شيئًا.

والثاني: بين فيه أن تكبيرة الافتتاح خارجة عن الأربع، فثبت بذلك أن تكبيرات العيدين أربع سوى تكبيرة الافتتاح.

ص: 442

أما الطريق الأول: فأخرجه عن محمد بن أحمد بن عبد الله الجواربي الواسطي، عن غسان بن الربيع الأزدي الموصلي، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العبسي الدمشقي الزاهد، عن أبيه ثابت بن ثوبان الشامي الدمشقي، عن مكحول الشامي، عن أبي عائشة القرشي الأموي جليس أبي هريرة ومولى سعيد بن العاص، أن سعيد بن العاص بن أحيحة القرشي الأموي الصحابي. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا عبد الرحمن ابن ثوبان، عن أبيه، أن مكحولا قال: حدثني أبو عائشة وكان جليسا لأبي هريرة قال: "شهدت سعيد بن العاص ودعا أبا موسى الأشعري وحذيفة، فسألهما عن التكبير في العيدين، فقال أبو موسى: كان رسول الله عليه السلام يكبر في العيدين كما يكبر على الجنازة، قال: وصَدَّقه حذيفة، قال: فقال أبو موسى: وكذلك كنت أصلي بأهل البصرة وأنا عليها، قال أبو عائشة وأنا حاضر ذلك فما نسيت قوله: "أربعًا كالتكبير على الجنازة".

وأخرجه أبو داود (2): نا محمد بن العلاء وبن أبي زياد المعنى قريب، قالا: ثنا زيد بن حباب، عن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، أخبرني أبو عائشة. . . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(3).

فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟

قلت: استدل به ابن الجوزى في "التحقيق" للحنفية ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان وقال: قال ابن معين: هو ضعيف. وقال أحمد: لم يكن بالقوي، وأحاديثه مناكير. قال: وليس يروى عن النبي عليه السلام في تكبير العيدين حديث صحيح، وقال

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 493 رقم 5695).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 1153).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 416 رقم 19749).

ص: 443

في "التنقيح": عبد الرحمن بن ثوبان وثقة غير واحد، وقال ابن معين: ليس به بأس ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه: مجهول، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.

وقال البيهقي (1): خولف راويه في موضعين: في رفعه، وفي جواب أبي موسى، والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي عليه السلام، كذا رواه السبيعي عن عبد الله بن موسى -أو ابن أبي موسى- أن سعيد بن العاص أرسل. . . . إلى آخره، وعبد الرحمن بن ثابت ضعفه ابن معين.

قلت: سكوت أبي داود يدل على أنه مرفوع؛ لأن مذهب المحققين أن الحكم للرافع، لأنه زاد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه تأدب مع ابن مسعود فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده فيه حديث عن النبي عليه السلام فرواه مرة أخرى، وعبد الرحمن بن ثابت اختلف على ابن معين فيه، قال صاحب "الكمال" قال عباس عن ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن المديني وأبو زرعة وأحمد بن عبد الله: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وقال المزي وثقه دحيم وغيره.

وأما أبو عائشة فإن أبا دواد أخرج له وسكت عنه، وأدنى مراتبه أن يكون حديثه حسنًا.

وأما الطريق الثاني: فأخرجه عن يحيى بن عثمان، عن نعيم بن حماد المروزي الفارض الأعور، عن محمد بن زيد الواسطي القلاعي، عن النعمان بن المنذر الغساني الدمشقي، عن مكحول الشامي إلى آخره.

وهؤلاء كلهم ثقات.

وأخرجه البيهقي (2) من حديث النعمان بن النذر، عن مكحول، عن رسول

(1)"السنن الكبرى"(3/ 289 رقم 5978).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 289 رقم 5978).

ص: 444

أبي موسى وحذيفة، عنهما مرفوعًا ولم يسم الرسول وقال:"سوى تكبيرة الافتتاح والركوع".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا هشيم، عن ابن عون، عن مكحول:"أخبرنا من شهد سعيد بن العاص أرسل إلى أربعة نفر من أصحاب الشجرة، فسألهم عن التكبير في العيد، فقالوا: ثمان تكبيرات، فذكرت ذلك لابن سيرين فقال: صدق ولكنه أغفل تكبيرة فاتحة الصلاة".

ص: وأما ما احتجوا به من حديث نافع عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، فإنه قد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه السلام خلاف ذلك، منهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه:"أنه كان يكبر في النحر خمس تكبيرات ثلاث في الأصل وثنتين في الثانية، لا يوالى بين القرائتين" فكهذا كان علي رضي الله عنه يكبر في النحر.

ش: هذا جواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى من أثر أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، بيانه أن يقال: إن كنتم تستدلون بما روي عن أبي هريرة وابن عمر فمخالفكم أيضًا يستدل بما روي عن غيرهما من الصحابة، فإنه روي عن جماعة منهم خلاف ما روي عن أبي هريرة وابن عمر، منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أخرج عنه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي فيه فقال، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: وقد كان يكبر في الفطر خلاف ذلك.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 493 رقم 5696).

ص: 445

حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه "أنه كان يكبر يوم الفطر إحدى عشرة تكبيرة، يفتتح بتكبيرة واحدة ثم يقرأ، ثم يكبر خمسًا يركع بإحداهن، ثم يقوم فيقرأ، ثم يكبر خمسًا يركع بإحداهن".

ثم ذكر عنه فيما كان يكبر في الأضحى نحوًا مما ذكره أبو بكرة، فهكذا كان علي رضي الله عنه يكبر في الفطر، ودل ما ذكر يحيى في حديثه هذا على أن ترك علي رضي الله عنه الموالاة بين القراءتين إنما هو لأنه كان يكبر بعض التكبير الذي كان يكبره في الركعة الأولى قبل القراءة وبعضه بعد القراءة، وأنه كان يبتدئ بالقراءة في الركعة الثانية قبل التكبير الذي كان يكبره فيها.

ش: أي وقد كان علي رضي الله عنه يكبر في عيد الفطر غير ما كان يكبر في عيد النحر.

أخرج ذلك عن يحيى بن عثمان، عن عمرو بن خالد بن فروخ الحراني شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه.

وأخرجه بن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي أنه كان يكبر في الفطر إحدى عشرة: ستًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة، يبدأ بالقراءة في الركعتين.

وخمسًا في الأضحى: "ثلاثًا في الأولى، وثنتين في الآخرة يبدأ بالقراءة في الركعتين".

ص: وقد روي عن عمر رضي الله عنه خلاف ذلك أيضًا:

حدثنا يحيى، قال: ثنا العباس بن طالب قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عامر:"أن عمر وعبد الله رضي الله عنهما اجتمع رأيهما في تكبير العيدين على تسع تكبيرات: خمس في الأولى، وأربع في الآخرة ويوالى بين القراءتين".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 494 رقم 5700).

ص: 446

ش: أي قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلاف ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد منقطع؛ لأن الشعبي لم يسمع عمر بن الخطاب ولا عبد الله بن مسعود.

عن يحيى بن عثمان المصري، عن العباس بن طالب الأزدي البصري نزيل مصر، غمزه يحيى بن معين.

عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري، عن أبي إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني الكوفي، عن عامر الشعبي، أن عمر وعبد الله رضي الله عنهما.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن وكيع، عن محل، عن إبراهيم.

وعن إسماعيل، عن الشعبي، عن عبد الله:"أنه كان يكبر في الفطر والأضحى تسعًا تسعًا، خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، ويوالى بين القراءتين".

وأخرج عن (2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخلاف ذلك ثنا جعفر بن عون عن الأفريقي، عن عبد الرحمن بن رافع:"أن عمر بن الخطاب كان يكبر في العيدين ثنتي عشرة: سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة".

قلت هذا ضعيف ومنقطع.

ص: وقد روى خلاف ذلك أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما:

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا قتادة وخالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث:"أنه صلى خلف ابن عباس في العيد، فكبر أربعًا ثم قرأ، ثم كبر فركع، ثم قام في الثانية فقرأ، ثم كبر ثلاثًا ثم كبر فركع".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 494 رقم 5698).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5718).

ص: 447

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس مثله.

ش: أي وقد روي عن عبد الله بن عباس خلاف ما روي عن عمر وعلي وعبد الله رضي الله عنهم.

وأخرجه من طريقين صحيحين.

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة بن الحجاج، عن قتادة بن دعامة وخالد الحذاء، كلاهما عن عبد الله بن الحارث الأنصاري البصري نسيب محمد بن سيرين:"أنه صلى خلف ابن عباس. . . ." إلى آخره.

وأخرجه ابن حزم (1) من طريق شعبة، عن خالد الحذاء وقتادة كلاهما، عن عبد الله بن الحارث -هو ابن نوفل- قال:"كبر ابن عباس يوم العيد في الركعة الأولى أربع تكبيرات ثم قرأ، ثم ركع، ثم قام فقرأ، ثم كبر ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الصلاة".

قال ابن حزم هذا إسناد في غاية الصحة وبهذا تعلق أبو حنيفة.

الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم، عن هشيم بن بشير، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث.

وأخرجه ابن أبي شيبة (2): ثنا هشيم، قال: أنا خالد، عن عبد الله بن الحارث قال:"صلى بنا ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات، خمسًا في الأولى، وأربعًا في الآخرة، ووالى بين القراءتين".

ص: وقد روي عن ابن عباس أيضًا ما يخالف هذا القول وقول أهل المقالة الأولى.

(1)"المحلى"(5/ 83).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5708).

ص: 448

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: ثنا عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس: "أنه كان يكبر يوم الفطر ثلاث عشرة تكبيرة: سبعًا في الأولى قبل القراءة، وستًّا في الآخرة بعد القراءة.

حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عبد الملك وحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس مثله، ولم يذكر القراءة.

ش: أي قد روي عن عبد الله بن عباس ما يخالف ما روى عنه عبد الله بن الحارث ويخالف قول أهل المقالة الأولى أيضًا.

أخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.

وأخرجه ابن أبي شيبة (1): عن وكيع، عن ابن جريج، عن عطاء:"أن ابن عباس كبر في عيدٍ ثلاث عشرة: سبعًا في الأولى، وستًّا في الآخرة". ولم يذكر ابن أبي شيبة في روايته: "قبل القراءة".

الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، والحجاج بن أرطاة النخعي، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس نحوه، ولم يذكر القراءة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا هشيم، عن حجاج وعبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس:"أنه كان يكبر ثلاث عشرة تكبيرة".

ص: وقد روي عن ابن عباس أيضًا في ذلك من قوله ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال:"من شاء كبر سبعًا ومن شاء كبر تسعًا، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 494 رقم 5702).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 494 رقم 5701).

ص: 449

فهذا ابن عباس قد روى عنه عكرمة ما ذكرنا، فدل ذلك على أنه كبر على ما روى عنه كل واحد من عبد الله بن الحارث وعطاء، وله أن يكبر على ما رواه عنه الفريق الآخر.

وقد اختلفا عنه في موضع القراءة فروى عنه كل واحد منهما ما قد ذكرناه في حديثه، فاحتمل أن يكون الحكم في ذلك عنده أن يفعل من هذين ما شاء، واحتمل أن يكون كان الحكم عنده فيمن كبر تسعًا أن يوالي بين القراءتين، وفيمن كبر ثلاث عشرة أن يخالف بين القراءتين".

ش: أي قد روي أيضًا عن عبد الله بن عباس في تكبيرات العيد من قوله: ما حدثنا أبو بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن حزم (1): من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس في التكبير في العيدين قال:"يكبر تسعًا أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة". قال: وهذا سند صحيح.

ص: وقد روي خلاف ذلك أيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه.

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن عبد الله بن قيس، عن أبيه:"أن سعيد بن العاص دعاهم يوم عيد، فدعا الأشعري وابن مسعود وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال: إن اليوم عيدكم فكيف أصلي؟ فقال حذيفة: اسأل الأشعري، وقال الأشعري: اسأل عبد الله، فقال عبد الله: تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، ثم تكبر بعدها ثلاثًا ثم تقرأ، ثم تكبر تكبيرة تركع بها، ثم تسجد ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر ثلاث تكبيرات، ثم تكبر تكبيرة تركع بها".

(1)"المحلى"(5/ 84).

ص: 450

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، عن عبد الله:"في التكبير يوم العيد. . . .". فذكر نحو ذلك.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس قال:"خرج الوليد بن عقبة بن أبي معيط على ابن مسعود رضي الله عنه وحذيفة والأشعري رضي الله عنهم فقال: إن العيد غدًا، فكيف التكبير؟ فقال ابن مسعود. . . ." فذكر نحو ذلك، وزاد:"فقال الأشعري وحذيفة: صدق أبو عبد الرحمن" فهذا حذيفة وأبو موسى الأشعري قد وافقا عبد الله على ما ذهب إليه من التكبير، وكيفية صلاة العيد.

ش: وقد روي أيضًا عن عبد الله بن مسعود خلاف ما روي عن ابن عباس وغيره ممن تقدم ذكرهم.

وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن إبراهيم بن عبد الله بن قيس بن سليم -وهو ابن أبي موسى الأشعري- ولد في حياة النبي عليه السلام وسماه وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، عداده في الكوفيين التابعيين الثقات.

وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، أن سعيد بن العاص بن أبي أحيحة الصحابي دعاهم يوم عيد. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) بغير هذا الإسناد: ثنا يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن معبد بن خالد، عن كردوس قال: "قدم سعيد بن العاص في ذي الحجة فأرسل إلى عبد الله وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري وأبي موسى الأشعري، فسألهم عن التكبير، فأسندوا أمرهم إلى عبد الله، فقال عبد الله: تقوم

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 494 رقم 5706).

ص: 451

فتكبر، ثم تكبر، ثم تكبر، ثم تكبر فتقرأ، ثم تكبر فتركع، وتقوم فتقرأ، ثم تكبر، ثم تكبر، ثم تكبر، ثم الرابعة تركع".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عبد الله بن أبي موسى، ويقال عبد الله بن موسى، عن عبد الله بن مسعود.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى وعن حماد، عن إبراهيم: "أن أميرًا من أمراء الكوفة -قال سفيان: قال أحدهما: سعيد بن العاص، وقال الآخر: الوليد بن عقبة- بعث إلى عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن قيس، فقال: إن هذا العيد قد حضر، فما ترون؟ فأسندوا أمرهم إلى عبد الله، فقال: يكبر تسعًا: تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثم يكبر ثلاثًا ثم يقرأ سورة ثم يكبر ثم يركع ثم يقوم فيقرأ سورة، ثم يكبر أربعًا يركع بإحداهن.

الثالث: عن أبي بكرة بكار أيضًا، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام الدستوائي، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:"التكبير في العيدين: خمس في الأولى، وأربع في الثانية". وقال البيهقي: فهذا رأى عبد الله، والمرفوع أولى مع عمل الناس.

قلت: هذا لا يثبت بالرأي، وقال أبو عمر: مثل هذا لا يكون إلا توقيفًا؛ لأنه لا فرق بين سبع وأقل وأكثر من جهة الرأي والقياس.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 494 رقم 5699).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 291 رقم 5980).

ص: 452

وقال ابن رشد في "القواعد": معلوم أن فعل الصحابة في ذلك بتوقيف إذ لا يدخل القياس في ذلك.

وأخرج محمد في "آثاره"(1): أنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود:"أنه كان قاعدًا في مسجد الكوفة ومعه حذيفة بن اليمان وأبو موسى الأشعري، فخرج عليهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أمير الكوفة ومعه حذيفة بن اليمان وأبو موسى الأشعري يومئذ فقال: إن غدًا عيدكم فكيف أصنع؟ فقال: أخبره يا أبا عبد الرحمن كيف يصنع؟ فأمره عبد الله بن مسعود أن يصلي بغير أذان ولا إقامة، وأن يكبر في الأولى خمسًا وفي الثانية أربعًا، وأن يوالي بين القراءتين، وأن يخطب بعد الصلاة على راحلته". قال محمد: وبه نأخذ.

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود:"أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعًا تسعًا: أربعًا قبل القراءة ثم يكبر فيركع، وفي الثانية يقرأ، فإذا فرغ كبر أربعًا ثم ركع".

وعن معمر (3)، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود:"سأل سعيد بن العاص حذيفة وأبا موسى عن تكبير العيدين؟ فقال حذيفة: سل ابن مسعود، فسأله، فقال: تكبر أربعًا ثم تقرأ، ثم تكبر فتركع، ثم تقوم في الثانية فتقرأ، ثم تكبر أربعًا".

ص: وقد روي خلاف ذلك أيضًا عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج قال: يوسف بن ماهك أخبرني: "أن ابن الزبير لم يكن يكبر إلا أربعًا سوى تكبيرتين للركعتين، سمع ذلك منه زعم".

(1)"الآثار" لمحمد بن الحسن (1/ 259 رقم 200).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(3/ 293 رقم 5686).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(3/ 293 رقم 5687).

ص: 453

فقد يحتمل أن تكون الأربع التي كان يكبرهن في الركعة الأولى سوى تكبيرة الافتتاح، فيكون ما فعل من ذلك موافقًا لما ذهب إليه ابن مسعود وحذيفة وأبو موسى، ويحتمل أن تكون تكبيرة الافتتاح داخلة فيهن فيكون ذلك مخالفًا لمذهبهم، وأولى بنا أن نحمله على ما وافق قولهم لا على ما خالفه.

ش: أي خلاف ما تقدم من الأقوال.

وأخرجه بإسناد جيد، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج، عن يوسف بن ماهك بن بهزاد الفارسي المكي، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، والباقي ظاهر.

ص: وقد روي خلاف ذلك أيضًا عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا الأشعث، عن محمد، عن أنس بن مالك أنه قال:"تسع تكبيرات: خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، مع تكبيرة الصلاة".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك، عن جده أنس بن مالك قال: إذا كان في منزله بالطف فلم يشهد العيد إلى مصر جمع مواليه وولده يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فيصلي بهم كصلاة أهل المصر. . . ." فذكر مثل حديث عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس الذي ذكرناه في هذا الباب سواء.

ش: أي خلاف ما تقدم من الأقوال.

أخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن الأشعث بن عبد الملك الحمراني البصري، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 454

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن محمد بن سيرين، عن أنس:"أنه كان يكبر في العيد تسعًا. . . ." فذكر مثل حديث عبد الله.

الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك، عن جده أنس بن مالك.

وأخرجه ابن منصور في "سننه" عن هشيم نحوه.

قوله: "بالطفِّ" بفتح الطاء المهملة وتشديد الفاء هو اسم موضع بناحية الكوفة بينه وبين الكوفة فرسخان، وكان له فيه قصر، وتوفي أنس فيه ودفن هناك.

ص: وقد روي عن جابر بن عبد الله خلاف ذلك أيضًا.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله ومسروق وسعيد بن المسيب أنهم قالوا:"عشر تكبيرات مع تكبير الصلاة، وبه يأخذ قتادة".

ش: أي خلاف ما تقدم من الأقوال.

أخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا أبو أسامة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب قالا:"تسع تكبيرات ويوالي بين القراءتين".

وأراد بالتسع غير تكبيرة الصلاة، فبتكبير الصلاة تكون عشرًا كما هو في رواية الطحاوي.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5711).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5707).

ص: 455

ص: وقد خالف ذلك أيضًا غيرهم من أصحاب رسول الله عليه السلام.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال ثنا ابن عون، عن مكحول، قال: حدثني من أرسله سعيد بن العاص، فاتفق له أربعة من أصحاب النبي عليه السلام على ثمان تكبيرات".

فهذا الحديث هو الحديث الذي قد رويناه فيما تقدم من هذا الباب، وفي الأربعة أبو موسى وحذيفة، وقد صدَّقُوا أبا عبد الرحمن فيما أفتى به الوليد بن عقبة، وفيما أفتى به أن تكبيرة الافتتاح سوى هذه الثمان تكبيرات، فثبت بذلك أن التكبيرات التي في هذا الحديث وفي حديث الجوزجاني غير تكبيرة الافتتاح، فهذا ما روي عن أصحاب رسول الله عليه السلام في تكبير العيدين.

ش: أي وقد خالف ما ذكر من الأقوال غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.

أخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن عبد الله بن عون، عن مكحول الشامي. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا هشيم، عن ابن عون، عن مكحول، قال:"أخبرني من شهد سعيد بن العاص أرسل إلى أربعة نفر من أصحاب الشجرة، فسألهم عن التكبير في العيد؟ فقالوا: ثمان تكبيرات، قال: فذكرت ذلك لابن سيرين فقال: صدق، ولكنه أغفل تكبيرة فاتحة الصلاة".

قوله: "فثبت بذلك" أي بما أفتى به أن تكبيرة الافتتاح سوى هذه الثمان تكبيرات، أي التكبيرات التي في هذا الحديث، أي في حديث مكحول، وفي حديث أحمد بن محمد الجوزجاني -الذي رواه عن غسان بن الربيع، عن عبد الرحمن بن ثابت، عن أبيه، عن مكحول، عن أبي عائشة. . . . إلى آخره- غير تكبيرة الافتتاح، فبتكبيرة الافتتاح تصير تسع تكبيرات، وإلي هذا المعنى أشار ابن سيرين في رواية ابن أبي شيبة بقوله:"صدق ولكنه أغفل تكبيرة فاتحة الصلاة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 493 رقم 5696).

ص: 456

ص: وقد روي عن تابعيهم في ذلك اختلاف، فمما روي عنهم في ذلك:

ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف:"أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يكبر سبعًا وخمسًا".

فقال أهل المقالة الأولى: فهذا عمر بن عبد العزيز قد وافق مذهبنا مذهبه.

قيل لهم: فقد روي عن أكثر التابعين خلاف هذا:

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم:"أن مسروق بن الأجدع كان يكبر في العيدين تسع تكبيرات".

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت منصورًا يحدث، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق:"أنهما كانا يكبران في العيدين تسع تكبيرات".

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا أشعث، عن الحسن قال:"تسع تكبيرات: خمس في الأولى، وأربع في الآخرة مع تكبيرة الصلاة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي قال: قال: "تسع تكبيرات".

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا سعيد، قال: سمعت حمزة أبا عمارة، قال: سمعت الشعبي قال: "ثلاثًا ثلاثًا سوى تكبيرة الصلاة".

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا الحجاج بن منهال، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، قال: نا محمد -وهو ابن سيرين- في تكبير العيدين. . . . فذكر مثل حديث ابن مسعود، ووافقه أيضًا على الموالاة بين القراءتين.

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، عن ابن عون، عن محمد بنحوه، فهذا أكثر من روينا عنه من التابعين قد وافق قوله قول ابن مسعود رضي الله عنه.

ش: أي وقد روي عن تابعي الصحابة رضي الله عنهم في عدد تكبيرات العيدين اختلاف فمن ذلك الاختلاف: ما حدثنا أبو بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة،

ص: 457

عن عتاب بن بشير الجزري الحراني، عن خصيف -بالفاء في آخره- بن عبد الرحمن الجزري الحراني. . . . إلى آخره.

وهؤلاء ثقات، ولكن روي عن أحمد أن أحاديث عتاب عن خصيف منكرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) بغير هذا الإسناد: نا خالد بن مخلد، قال: أنا ثابت بن قيس قال: "صليت خلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الفطر، فكبر في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الثانية خمسًا قبل القراءة".

وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): عن أبي أويس المدني، عن ثابت بن قيس، نحوه.

قوله: "فقال أهل المقالة الأولى" وهم الذين ذهبوا إلى أن التكبيرات الزوائد في العيدين: سبع في الأولى، وخمس في الثانية قبل القراءة فيهما، فهذا عمر بن عبد العزيز قد وافق مذهبه مذهبنا.

فأجاب عن ذلك بقوله: "قيل لهم: فقد روي عن أكثر التابعين خلاف هذا" أي خلاف ما روي عن عمر بن عبد العزيز.

وأخرج في ذلك عن مسروق والأسود والحسن البصري وإبراهيم النخعي والشعبي ومحمد بن سيرين.

أما ما روي عن مسروق بن الأجدع: فأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق.

وأما ما روي عن الأسود بن يزيد: فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 496 رقم 5723).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 289 رقم 5977).

ص: 458

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا غندر وابن مهدي، عن شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق:"أنهما كانا يكبران في العيد تسع تكبيرات".

وروي (2) عن إسحاق الأزرق، عن الأعمش، عن إبراهيم:"أن أصحاب عبد الله كانوا يكبرون في العيدين تسع تكبيرات".

وأما ما روي عن الحسن البصري: فأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني البصري، عن الحسن.

وأخرج ابن أبي شيبة (3): عن إسحاق الأزرق، عن هشام، عن الحسن ومحمد:"أنهما كانا يكبران تسع تكبيرات".

وأما ما روي عن إبراهيم النخعي: فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر زياد بن كليب، عن إبراهيم.

وأما ما روي عن عامر الشعبي: فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن سعيد، عن أبي عمارة حمزة بن حبيب الزيات القارئ الكوفي قال: سمعت عامرًا الشعبي.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): عن إسحاق بن منصور، عن أبي كدينة، عن الشيباني، عن الشعبي والمسيب قالا:"الصلاة يوم العيدين تسع تكبيرات خمس في الأولى، وأربع في الثانية ليس بين القراءتين تكبير".

أما ما روي عن محمد بن سيرين: فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح من طريقين:

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5710).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5712).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5716).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 496 رقم 5725).

ص: 459

الأول: عن أبي بكرة بكار، عن الحجاج بن منهال، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن محمد بن سيرين.

الثاني: عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن عبد الله بن عون المزني البصري، عن محمد بن سيرين.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي قلابة نحوه: عن الثقفي، عن خالد عنه.

وأخرج (2) عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر:"أنه كان يفتي بقول عبد الله بن مسعود في التكبير في العيدين".

ص: فلما اختلف في التكبير في صلاة العيدين هذا الاختلاف، أردنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقاويلهم هذه قولًا صحيحًا، فنظرنا في ذلك فلم يرو عن أحد منهم أنه فرق بين الصلاة في الفطر والأضحى غير علي رضي الله عنه، وكانت صلاة الفطر وصلاة النحر صلاتي عيد مفعولتان لمعنى واحد، وهما مستويتان في ركوعهما وسجودهما؛ فكان النظر أن تكونا لا اختلاف بين إحداهما وبين الأخرى في سائر حكمهما؛ فثبت بما ذكرنا التسوية بين الصلاتين في يوم النحر ويوم الفطر، ثم نظرنا في عدد التكبير فيهما، فرأينا سائر الصلوات خالية من هذا التكبير، ورأينا صلاة العيدين قد أُجْمِع أن فيها تكبيرًا زائدًا على غيرها من الصلوات، فكان النظر أن لا يزاد في الصلاة للعيدين على ما في سائر الصلوات غيرها إلا ما اتفق على زيادته، فكل قد أجمع على زيادة التسع تكبيرات على ما ذهب إليه ابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو موسى، ومن سمينا معهم رضي الله عنهم.

واختلفوا على الزيادة على ذلك فزدنا في هذه الصلاة ما اتفق على زيادته فيها، ونفينا عنها ما لم يتفق على زيادته فيها، فثبت بذلك ما ذهب إليه أهل هذه المقالة.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5713).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 495 رقم 5714).

ص: 460

ش: أشار بهذا الكلام إلى أن ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية في عدد تكبيرات العيدين هو أولى بالعمل من جهة النظر والقياس.

وذلك أن القياس كان يقتضي أن لا يزاد شيء من التكبير في صلاتي العيدين قياسًا على سائر الصلوات، ولكن وردت الآثار أن فيهما تكبيرًا زائدًا وقع عليه الإجماع أيضًا، وكل الصحابة والتابعين قد أجمعوا عل زيادة تسع تكبيرات على ما ذهب إليه عبد الله بن مسعود ومن وافقه في ذلك من الصحابة والتابعين، واختلفوا في الزيادة على التسع، فالنظر أن يعمل بما وقع الاتفاق على زيادته، وينفي عنه ما لم يتفق عليه؛ لأنه لا نزاع فيما وقع عليه الاتفاق، والنزاع قائم فيما لم يقع فيه الاتفاق، فالأخذ بما لا نزاع فيه أولى من جهة النظر والعقل. فافهم.

ص: ثم نظرنا في موضع القراءة منها، فقال الذين ذهبوا إلى أنها في الركعة الأولى بعد التكبير، وفي الثانية كذلك، قد رأيناكم اتفقتم ونحن أن القراءة في الركعة الأولى مؤخرة عن التكبير، فالنظر أن تكون في الثانية كذلك.

ش: أي ثم نظر في موضع القراءة في صلاة العيدين، فقال الذين ذهبوا، وهم أهل المقالة الأولى، فإنهم قالوا: القراءة في الركعتين جميعًا عقب التكبيرات الزائدة، وقالوا: هذا هو النظر والقياس لأنكم اتفقتم معنا أن القراءة في الركعة الأولى مؤخرة عن التكبير، فالنظر والقياس أن تكون في الركعة الثانية كذلك.

ص: فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأخرى: أن التكبير ذِكْرٌ يفعل في الصلاة، وهو غير القراءة، فنظرنا في موضع الذكر من الركعة الأولى في الصلاة ومن الركعة الثانية أين موضعه؟ فوجدنا الركعة الأولى فيها الاستفتاح والقعود على ما رويناه في غير هذا الموضع من كتابنا هذا عن رسول الله عليه السلام، وعمن روينا عنه من أصحابه عليه السلام، فكان ذلك في أول الصلاة قبل القراءة، فثبت بذلك أن كذلك موضع التكبير في صلاة العيدين في الركعة الأولى، هو ذلك الموضع منها، ووجدنا القنوت في الوتر يفعل في الركعة الآخرة في صلاة الوتر، فكل قد أجمع أنه

ص: 461

بعد القراءة، وأن القراءة مقدمة عليه، وإنما اختلفوا في تقديم الركوع عليه وفي تقديمه على الركوع، فأما في تأخيره عن القراءة فلا.

فثبت بذلك أن موضع التكبير في الركعة الأخيرة من صلاة العيد هو بعد القراءة؛ ليستوى موضع سائر الذكر في الصلوات، ويكون موضع كل ما اخْتُلف في موضعه منه كموضع ما قد أُجْمع على موضعه، وكل ما بينا في هذا الباب فهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي فكان من الدليل والبرهان على الذين ذهبوا إلي أنها في الركعة الأولى بعد التكبير وفي الثانية كذلك، وأراد بها الجواب عما قالوا من وجه النظر والقياس لما ذهبوا إليه.

بيانه ملخصًا أن يقال: إن التكبير ذِكْرٌ يفعل في الصلاة وهو غير القراءة، فمحل الذكر نحو الاستفتاح والتعوذ والتوجه في رأس الركعة الأولى بلا خلاف، فالنظر على ذلك أن تكون التكبيرات في أول الركعة الأولى في صلاة العيدين، وفي أول الركعة الأخيرة أيضًا؛ ليتساوى مواضع سائر الأذكار في الصلوات، ولاسيما وقع ذلك في رأس الركعة الأولى بلا خلاف، وينبغي أن تكون الثانية كذلك قياسًا ونظرًا.

قوله: "فكل قد أجمع أنه" أي فكل العلماء والفقهاء قد أجمعوا أن القنوت بعد القراءة وإنما كان اختلافهم في أنه هل هو بعد الركوع كما ذهب إليه الشافعي وأحمد، أو قبل الركوع كما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه، وليس بينهما اختلاف أنه بعد القراءة، والقنوت أيضًا ذِكْرٌ يفعل في الصلاة بعد القراءة بلا خلاف، ومحله الركعة الأخيرة، فكذلك ينبغي أن تكون التكبيرات بعد القراءة في الركعة الأخيرة. فهذا هو النظر والقياس الصحيح، والله أعلم.

ص: 462