الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب حكم المرأة في مالها
ش: أي هذا باب في بيان حكم المرأة في مال نفسها، هل يجوز لها التصرف فيه بغير إذن زوجها أم لا؟
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا الليث، عن عبد الله بن يحيى الأنصاري، عن أبيه، عن جده:"أن جدته أتت إلى رسول الله عليه السلام بحلي لها فقالت: إني تصدقت بهذا، فقال رسول الله عليه السلام: إنه لا يجوز للمرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها، فهل استأذنت زوجك؟ فقالت: نعم، فبعث رسول الله عليه السلام إليه فقال: هل أذنت لامرأتك أن تتصدق بحليها؟ فقال: نعم، فقبله منها رسول الله عليه السلام".
ش: يونس هو ابن عبد الأعلى المصرى شيخ مسلم والنسائي.
ويحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري شيخ البخاري، والليث هو ابن سعد المصرى.
وعبد الله بن يحيى [. . . .](1).
(1) بيض له المؤلف رحمه الله في "الأصل، ك" وعبد الله بن يحيى الأنصاري هو السُّلمي المدني من ولد كعب بن مالك، ذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 59)، وقال المزي في "تهذيب الكمال" (16/ 297): روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا.
وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 525) ما روى عنه سوى الليث وقد وُثِّق.
وقال الحافظ في "التقريب": مجهول، وكذا قال العيني في "معاني الأخيار"، وأبوه قال عنه الحافظ في "التقريب": مجهول.
وجدته هي خيرة امرأة كعب بن مالك كما في "سنن ابن ماجه"، و"معاجم الطبراني" الكبير والأوسط.
والحديث أخرجه ابن ماجه في "سننه"(2/ 798 رقم 2389).
والطبراني في "المعجم الكبير" في مسند خيرة امرأة كعب بن مالك (24/ 256 رقم 654)، وكذا هو في "المعجم الأوسط"(8/ 293 رقم 8676)، وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه": في إسناده يحيى وهو غير معروف في أولاد كعب، فالإسناد ضعيف.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فقالوا: لا يجوز للمرأة هبة شيء من مالها ولا الصدقة به دون إذن زوجها.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: طائفة من أهل الحديث وجماعة من أهل الظاهر، فإنهم قالوا: لا يجوز للمرأة أن تهب بشيء من مالها ولا أن تتصدق به إلا بإذن زوجها، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فأجازوا أمرها كله في مالها، وجعلوها في مالها كزوجها في ماله واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (1) فأباح الله عز وجل ما طابت به نفس امرأته وبقوله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (2) فأجاز الله عز وجل عفوها عن مالها بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور الفقهاء من التابعين ومَنْ بعدهم منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها كما يجوز للرجل، ولا تحتاج في ذلك إلى إذن الزوج.
قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بقول الله عز وجل {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (1) وهو جمع صدقة، وهو مهر المرأة، والصُدُق بضمتين جمع صداق، والصداق -بفتح الصاد وكسرها- هو المهر.
قوله: "نحلة" وهي العطية الخالية عن العوض، وقال ابن العربي: اختلف في المراد بها هاهنا على ثلاثة أقوال:
(1) سورة النساء، آية:[4].
(2)
سورة البقرة، آية:[236].
الأول: معناه طيبوا أنفسًا بالصداق كما تطيبون بسائر النحل والهبات.
الثاني: معناه: نحلة من الله للنساء؛ فإن الأولياء كانوا يأخذونها في الجاهلية [فانتزعها الله سبحانه منهم ونحلها النساء.
الثالث: أن معناه عطية من الله فإن الناس كانوا يتناكحون في الجاهلية] (1) ينكحون بالشغار ويخلون النكاح من الصداق، ففرضه الله سبحانه ونحله إياهن.
وقال الجصاص في "أحكامه": روي عن قتادة وابن جريج في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (2) قالا: فريضة، كأنهما ذهبا إلى نحلة الدين، وأن ذلك فرض فيها قوله تعالى:{عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ} (2) أي من المهر، وقد دلت الآية على جواز هبة المرأة مهرها للزوج والإباحة للزوج في أخذه ولا حاجة في ذلك إلى استئمار من أحد.
قوله: " {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} "(3) المس هاهنا كناية عن الجماع، والواو في قوله:{وَقَدْ فَرَضْتُمْ} (3) للحال.
قولة: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (3) أي: النساء، وفيه هن ضمير مستكن، وهذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث، ويفرق في التقدير.
ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام ما يوافق هذا المعنى أيضًا وهو ما قد رويناه عنه في كتاب "الزكاة" في امرأة عبد الله بن مسعود حين أخذت حليها لتذهب به إلى رسول الله عليه السلام لتتصدق به.
فقال عبد الله: "هلمي فتصدقي به عليَّ، فقالت: لا حتى استأذن رسول الله عليه السلام، فجاءت رسول الله عليه السلام فاستأذنته في ذلك فقال: تصدقي به عليه وعلى الأيتام الذين في حجره فإنهم له موضع".
(1) سقط من "الأصل، ك" والمثبت من "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 316).
(2)
سورة النساء، آية:[4].
(3)
سورة البقرة، آية:[236].
فقد أباحها رسول الله عليه السلام الصدقة بحليها عل زوجها وعلى أيتامه، ولم يأمرها باستئماره فيما تتصدق به على أيتامه.
وفي هذا الحديث أيضًا أن رسول الله عليه السلام وعظ النساء فقال: "تصدقن" ولم يذكر في ذلك أمر أزواجهن، فدل ذلك أن لهن الصدقة بما أردن من أموالهم بغير أمر أزواجهن.
ش: أشار بقوله: "هذا المعنى" إلى ما ذكره بقوله: "فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها. . . ." إلى آخره.
قوله: "عنه" أي عن رسول الله عليه السلام، وباقي الكلام ظاهر.
ص: وقد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح وأبو الوليد، قالا: ثنا شعبة، قال: سمعت أيوب يحدث، عن عطاء قال: أشهد على ابن عباس رضي الله عنهما أو أحدث به عن ابن عباس -قال: أشهد على رسول الله عليه السلام "أنه خرج يوم الفطر فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء فأمرهن أن يتصدقن".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس قال: قلت لابن عباس: "شهدت العيد مع رسول الله عليه السلام؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته من صغري، خرج رسول الله عليه السلام يوم العيد فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء مع بلال فوعظهن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى رقبتها، والمرأة تهوي بيدها إلى أذنها فتدفعه إلى بلال، وبلال يجعله في ثوبه، ثم انطلق به مع النبي عليه السلام إلى منزله".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن جريج، قال: حدثني الحسن ابن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس قال: "شهدت الصلاة مع رسول الله عليه السلام ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، قال فنزل نبي الله عليه السلام فكأني أنظر إليه يُجْلس الرجال بيده ثم أقبل يشُقُّهم حتى أتى النساء ومعه بلال، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا
يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} (1) إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فقال حين فرغ: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم تجبه غيرها: نعم يا رسول الله، قال: فتصدقن قال: فبسط بلال ثوبه، ثم قال لهن: ألقين، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: "إن النبي عليه السلام قام يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله عليه السلام قام فأتى النساء، فذكرهن وهو يتوكأ على بلال، وبلال باسط ثوبه فجعل النساء يلقين فيه صدقاتهن".
حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا عبيد بن هشام الحلبي قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن زيد بن رفيع عن حزام بن حكيم، عن حكيم بن حزام قال:"خطب النبي عليه السلام النساء ذات يوم فأمرهن بتقوى الله عز وجل والطاعة لأزواجهن وأن يتصدقن".
فهذا رسول الله عليه السلام قد أمر النساء بالصدقات، وقبلها منهن، ولم ينتظر في ذلك رأي أزواجهن.
ش: هذه الأحاديث دلت على صحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وفساد ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وأخرجها عن ثلاثة من الصحابة:
الأول: عن ابن عباس، وأخرج عنه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، كلاهما عن شعبة، عن أيوب السختياني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.
وأخرجه مسلم (2): نا أبو بكر بن أبي شيبة وابن أبي عمر -قال أبو بكر-: نا سفيان بن عيينة، قال: نا أيوب، قال: سمعت عطاء، قال: سمعت ابن عباس
(1) سورة الممتحنة، آية:[12].
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 602 رقم 884).
يقول: "أشهد على رسول الله عليه السلام ليصلي قبل الخطبة، فرأى أنه لم يُسمع النساء، فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة، وبلال قائل بثوبه، فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء".
وأخرجه بقية الجماعة (1) غير الترمذي.
الطريق الثاني: عن أبي بكرة بكار، عن مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة النخعي.
وأخرجه البخاري (2): نا مسدد، قال: نا يحيى، عن سفيان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس قيل له: "أشهدت العيد مع النبي عليه السلام؟ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته".
الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج، عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي، عن طاوس، عن ابن عباس.
وأخرجه مسلم (3): حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد جميعًا عن عبد الرزاق -قال ابن رافع: نا عبد الرزاق- قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس قال: "شهدت صلاة الفطر مع رسول الله عليه السلام
(1) البخاري في "صحيحه"(2/ 525 رقم 1381). وأبو داود في "سننه"(1/ 297 رقم 1143)، والنسائي في "السنن الكبرى"(1/ 545 رقم 1766)، (3/ 450 رقم 5894)، وابن ماجه في "سننه"(1/ 406 رقم 1273).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 331 رقم 934).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 602 رقم 884).
وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم يصليها قبل الخطبة، ثم يخطب قال فنزل نبي الله عليه السلام كأني أنظر إليه حين يُجْلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ومعه بلال رضي الله عنه فقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ} (1) فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم تجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله، لا ندري حينئذ من هي، قال: فتصدقن، فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلُمَّ فدىً لكنَّ أبي وأمي فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال".
وأخرجه البخاري (2): من حديث ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس نحوه.
قوله: "تهوي بيدها" من أهوى بيده إليه، أي مدها نحوه وأمالها إليه، يقال: أهوي يده وبيده إلى الشيء ليأخذه.
قوله: "يُجْلس الرجال" من الإجلاس.
قوله: "الفَتَخ" بفتح الفاء والتاء المثناة من فوق وفي آخره خاء معجمة: جمع فَتَخَة بالتحريك، وهي حلقة من فضة لا فص لها، فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، وقيل: هي الخواتيم الكبار، وقيل: الفَتَخَة: حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها، وربما اتخذ لها فص كالخاتم، وقيل: خلخل لا جرس له، وقال ابن السكيت: تلبس في أصابع اليد. وقال ثعلب: قد تكون في أصابع الرجل.
قوله: "الخواتيم" جمع خاتم، والخاتم فيه أربع لغات: فتح التاء، وكسرها، وخاتام، وخيتام.
الثاني: عن جابر بن عبد الله.
(1) سورة الممتحنة، آية:[12].
(2)
"صحيح البخاري"(4/ 1857 رقم 4613).
أخرجه عن أبي بكرة بكار، عن روح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه البخاري (1): حدثني إسحاق بن إبراهيم بن نصر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: "قام النبي عليه السلام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكَّرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة".
وأخرجه مسلم (2) وأبو داود (3) والنسائي (4) أيضًا.
قوله: "فذكَّرهن" بتشديد الكاف أي: وعظهن.
قوله: "صدقاتهن" بفتح الدال جمع صدقة.
الثالث: عن حكيم بن حزام بن خويلد القرشي الأسدي الصحابي.
أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبيد بن هشام الحلبي القلانسي شيخ أبي داود، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة الجزري، عن زيد بن رفيع الجزري ضعفه الدارقطني، ووثقه ابن حبان.
عن حزام -بكسر الحاء المهملة بعدها الزاي المعجمة- ابن حكيم القرشي المدني، عن أبيه حكيم بن حزام رضي الله عنه.
(1)"صحيح البخاري"(1/ 332 رقم 935).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 603 رقم 885).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 297 رقم 1141).
(4)
"السنن الكبرى"(3/ 451 رقم 5895).
وأخرجه الطبراني (1): نا محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي المصري، نا عبيد بن هشام الحلبي، نا عبيد الله بن عمرو. . . . إلى آخره نحوه سواء.
ص: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك أيضًا:
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس قال: سمعت ميمونة زوج النبي عليه السلام تقول: "أعتقتُ وليدة على عهد رسول الله عليه السلام تقول فذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام فقال: "لو أعطيتها أختك الأعرابية كان أعظم لأجرك".
حدثنا الربيع، قال: ثنا أسد، قال: ثنا محمد بن خازم، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ميمونة مثله.
ش: أي قد روي عن رسول الله عليه السلام ما يدل على صحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وهو حديث ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه من طريقين:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس قال: سمعت ميمونة.
وأخرجه النسائي (2): عن أحمد بن يحيى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله. . . . إلى آخره.
وأخرجه أحمد (3): عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن بكير. . . . إلى آخره نحوه.
(1)"المعجم الكبير"(3/ 196 رقم 3109).
(2)
"السنن الكبرى"(3/ 1749 رقم 4932).
(3)
"مسند أحمد"(6/ 332 رقم 26865).
الثاني: عن ربيع أيضًا، عن أسد بن موسى، عن محمد بن حازم [. . .](1) عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ميمونة، مثله.
وأخرجه الطبراني (2): نا مطلب بن شعيب الأزدي، نا عبد الله بن صالح، نا الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس أن ميمونة بنت الحارث أخبرته:"أنها أعتقت وليدة لها، ولم تستأذن رسول الله عليه السلام، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي فلانة؟ فقال: أو قد فعلت؟ قالت: نعم، قال: أما إنك لو أعطيتها أخواتك كان أعظم لأجرك".
ص: فلو كان أمر المرأة لا يجوز في مالها بغير إذن زوجها لرد رسول الله عليه السلام عتاقها، وصرف الجارية إلى الذي هو أفضل من العتاق، فكيف يجوز لأحد ترك آيتين من كتاب الله عز وجل وسنن ثابتة عن رسول الله عليه السلام متفق على صحة مجيئها؛ إلى حديث شاذ لا يثبت مثله؟!.
ش: أراد بالأمر: الشأن والحكم، وأراد بالآيتين: قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (3)، وقوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ. . .} الآية (4)، وأراد بالسنن الثابتة: أحاديث ابن عباس وجابر بن عبد الله وحكيم بن حزام رضي الله عنهم، وأراد بالحديث الشاذ: الحديث الذي ذكره في أول الباب الذي احتج به أهل المقالة الأولى.
(1) بيض له المؤلف في "الأصل، ك"، ومحمد بن خازم، هذا هو أبو معاوية الضرير روى له الجماعة.
(2)
"المعجم الكبير"(23/ 440 رقم 1067).
(3)
سورة النساء، آية:[4].
(4)
سورة البقرة، آية:[237].
ص: ثم النظر من بعد يدل على ما ذكرنا، وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون في وصاياها من ثلث مالها أنها جائزة من ثلثها كوصايا الرجل فلم يكن لزوجها عليها سبيل، وبذلك نطق الكتاب قال الله عز وجل:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1)، فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها جائزة بعد وفاتها، فأفعالها في مالها في حياتها أجوز من ذلك؛ فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي ثم وجه النظر والقياس من بعد ما ذكرنا، يدل على ما ذكرنا من صحة تصرف المرأة بالصدقة والهبة من غير أمر زوجها، وبَيَّنَ وجه النظر بقوله:"وذلك أنا رأيناهم. . . . إلى آخره"، وهو ظاهر.
قوله: "أجوز" أي أشد جوازًا، والله أعلم بالصواب.
(1) سورة النساء، آية:[12].