الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج. حملة أبي الحسن المريني على تونس، وتلاقح الثقافات المغربية والإفريقية والأندلسية:
كان في حملة السلطان أبي الحسن على تونس، عندما ملك إفريقية سنة 748 هـ، عدا رجال الدولة جماعة كبرى من العلماء والأئمة والأدباء والنابغين بالمغرب، يُلزمهم شهود مجلسِه، ويتَجَمَّلُ بمكانهم فيه، ولا بدْعَ، فقد كان محُبا للعلماء مقدِّرا لهم، عاملا بما يرونه في صالح الدولة والأمة؛ وبعمله هذا فقد سبق نابليون في حملته على مصر.
فمنهم:
- شيخ الفتيا بالمغرب، وإمام مذهب مالك، أبو عبد الله محمد بن سليمان السطي.
- إمام المحدثين والنحاة بالمغرب، أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي.
- الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي إمام المقرئين بالمغرب.
- شيخ العلوم العقلية، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الآبلي (ت 757 هـ بفاس).
- أبو القاسم عبد الله بن يوسف ابن رضوان المالقي.
- أبو عبد الله محمد بن محمد ابن الصباغ المكناسي (ت 750 هـ).
- أبو عبد الله محمد بن عبد الله، ابن عبد النور.
- أبو عبد الله محمد بن النجار التلمساني.
- أبو العباس أحمد بن شعيب الجزنائي التازي.
- أبو عبد الله بن أحمد بن مرزوق.
- أبو عبد الله محمد الرندي الفاسي.
ولم يقتصر على من جلبه معه من علماء المغرب الأقصى، بل استصحب معه عند عروجه على تلمسان، أبا موسى بن الإمام معه مكرما موقرا عالي المحل، قريب المجلس منه.
وتحتفظ قصيدة لأبي القاسم الرحوي في مدح علماء أبي الحسن المريني بأسماء لفيف من هؤلاء العلماء؛ فمنها:
همُ القومُ كلُّ القوم أمَّا حُلُومُهم
…
فأرسَخُ مِنْ طَوْدَيْ ثَبِيرٍ وثَهْلَانِ
فَلا طَيْشَ يَعْرُوهُمْ وَأما علومُهم
…
فأعلامُها تَهْديك من غيرِ نِيران
فلم يُبْقِ نأْيُ ابنِ الإمام شماخَةً
…
على مدن الدنيا لأنف تلمسان
وبعد نوى السطي لم تَسْطُ فاسُه
…
بفخْرٍ على بغدانَ في عصر بَغْدَانِ
وبالآبلي استسقَتِ الأرضُ وَبْلَهَا
…
ومستوبل ما مال عنه لأِظْعَانِ
وهامت على عبد المهيمن تونسٌ
…
وقد ظفِرتْ منه بوصْل وقُرْبان
وما علقَت مني الضمائرُ غيرَه
…
وإن هويت كلا بحب ابن رفوان
ويقول في قصيدة أخرى:
فيا عسكرا قد ضمَّ أعلامَ عالم
…
به طاب في الدنيا لنا متقَلَّبُ
هم الفئة العليا والمعشر الذي
…
إذا حل شعب فهو للحق مشعب
ثم يتخلص لمدح أبى الحسن:
وأعليتَ قدْرَ العلم إذْ كنتَ عالما
…
ففيه وفي طلابِه لكَ مأرَبُ
وقد أثرى هؤلاء العلماء الساحة العلمية بمناقشاتهم ومساجلاتهم بمحضر أبي الحسن في مجالسه، فحفظت لنا كتب التاريخ والتراجم صورا منها. فمن ذلك ما في بعضها من ذكر انقطاع علماء فاس المصاحبين للسلطان أمام ابن عبد السلام، بعد أن ناقشوه وأبدوا اعتراضاتهم فقطعهم واحدا بعد واحد. وهذا عبد المهيمن الحضرمي السبتي (ت 749 هـ) يجلس للتدريس بتونس في مجلس السلطان أبي الحسن المريني، وكان القارئ هو الشيخ ابن عرفة في صحيح مسلم حديث مالك بن مغول -بكسر الميم وفتح الواو- فقال له عبد المهيمن وابن الصباغ: مغول بفتح الميم وكسر الواو، فأعادها القارئ ابن عرفة كما قرأها أول مرة قاصدا خلافه، فضحك السلطان وأدار وجهه لعبد المهيمن، وقال له: أراه لم يسمع منك، فأجابه بقوله:{لا تبديل لخلق الله} .
والبسيلي يورد نماذج مما كانت تحفل به مجالس أبي الحسن من مساجلات علمية، فقد أورد عند قوله تعالى:{وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرمِينَ} قوله: "أتى هذا على الترتيب الوجودي؛ والإجرام أمر حسي لأن الاستكبارَ سبب في الإجرام. وأشار بقوم إلى كونهم جماعة اجتمعوا على ضلالة. فإن قلت: هلَّا قيل: "فأجرمتم وكنتم قوما
مستكبرين". فالجواب أن الاستكبار أمر معنوي
…
فناسب التعبير عنه بالإسم المقتضي للثبوت؛ لا يقال: هذا السؤال دوري، لأنه لا دور مع ظهور المناسبة. قال شيخنا: وكان في مجلس الأمير أبي الحسن المريني، يورد ابن الصباغ على ابن هارون أسئلة فيقول له: هذه دورية، فيقول ابن الصباغ: لكنك تورد كذلك. فيقول ابن هارون: إنما أوردناه لكون صاحب "الكشاف" أورده، فما أورده أوردناه وما لا فلا".
وذكر ابن عرفة أنه وقع البحث بين الفقهاء بالقصبة في مجلس السلطان: هل المنافقون يدخلهم الخلاف في خطاب الكفار بفروع الشريعة أم لا؟.
…
وكان أبو الحسن يلزم أولاده حضور مجالسه العلمية، فعند قراءة قوله تعالى:{رَبِّ اِغْفِرْ لي وَلِوَلِدَيَّ} ، برسم التفسير، التفت إلى بعض ولده وقال: الله الله، أكثر من قراءة هذه السورة، فإنها مشتملة على الدعاء.
وقد حمل أبو الحسن معه بعض العوائد، من قبيل استعماله ليلة الميلاد النبوي، بمحضر العلماء أهل تونس وغيرهم.
ولم تكن حملة أبي الحسن الداعية للعلماء إلى الورود على تونس، بل نجد أن كثيرا من العلماء الأفارقة، حلوا بها للاستزادة من العلم، أو إحياء رسوم الرحلة فمن المغاربة الواردين على تونس:
- محمد بن عبد الرزاق الجزولي (ت 758 هـ).
- أحمد السلاوي ثم التونسي المالكي (ت 773 هـ في الطاعون).
- أبو زيد عبد الرحمن العدنانى المراكشي، قاضي الجماعة بتونس.