الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بموضوع الكتاب
أما موضوع العمل، فتحقيق لكتاب "النكت والتنبيهات في تفسير القرآن المجيد" لأبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي التونسي (ت 830 هـ)، وهو علق ثمين من أنفس الآثار الإفريقية للتفسير القرآني العقلي في القرن التاسع، في جودة مبانيه وانتظام أصوله ومكنة صاحبه، رسم فيه أبوابا من علم التفسير ونكته وتنبيهاته ودقائقه، تفتح على المنتهي أبوابا من وثيق علم التأويل القرآني، وتجري به في مضمار فرسانه، وتهديه أقوم السبل إلى تجديد النظر في معاني كتاب الله جل وعز.
وقد أخذ مؤلفه العالم أبو العباس البسيلي، مادته الجلى من مجالس التفسير لأستاذه شيخ الإسلام بإفريقية أبي عبد الله محمد ابن عرفة الورغمي التونسي (ت 803 هـ)، وزاد عليه ثم اختصره حسبما ذكر في ديباجته، ثم انقطع اختصاره عند سورة الصف، فانبرى لإكماله بعده أبو عبد الله محمد ابن غازي العثماني المكناسي ثم الفاسي (ت 919 هـ).
دوافع الاختيار
درأني إلى تحقيق الكتاب أمور تالية:
1 -
تشوفي القديم العهد، للإسهام في حركة بعث التراث الإسلامي من رفوف الخزائن، وإخراجه إلى النور إخراجا علميا، عوض أن يتكفل بذلك بعض من يمسخ الأصول، ويحيل الحقائق، ويعبث بتراث الأمة كيفما اتفق.
2 -
أهمية الكتاب، من حيث إنه يعطي صورة عن واقع التفسير بإفريقية في النصف الأخير من القرن الثامن وأوائل القرن التاسع، وينفي ما علق بالأذهان من أن هذه الفترة لم تكن إلا فترة جمع غاب فيها الإبداع.
3 -
قيمته العلمية التي حدت بشيخ الإسلام ابن حجرٍ إلى أن يقول في معرض التعريف بابن عرفة: "وعلق عنه بعض أصحابنا في التفسير كلاما
…
كثير الفوائد، كان يلتقطه وقت قراءتهم عليه، وكلامه يدل على توسع في الفنون، وإتقان وتحقيق"، ولعله عين ما دفع أحمد بابا التنبكتي (ت 1360 هـ) إلى وصفه بأنه "تقييد جليل في التفسير، فيه فوائد وزوائد ونكت
…
"، ولعل هذا كله مئنة الاهتمام به، فقد كان للسلطان المنصور السعدي اعتناء بتفسير الإمام البسيلي حسبما نص عليه الفشتالي في مناهل الصفا، فليس
بدعا من الأمر، أن نجد له فوق ذلك، أثرا في مصادر كثيرة ثَرَّة كمواهب الجليل لأبي عبد الله الحطاب (ت 945 هـ) وكفاية المحتاج للتنبكتي (1036 هـ) وأزهار الرياض لشهاب الدين المقري التلمساني (ت 1041 هـ) والحلل السندسية للوزير السراج الأندلسي (ت 1149 هـ) والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم (ت 1378 هـ) والفكر السامي لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (ت 1376 هـ) وفهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني (ت 1388 هـ). ولا غرابة أن يهتبلَ العلماء به، فمن بعض ما احتجن بين دفتيه، مما تميز به الكتاب في مجال علم التفسير: الجمعُ بين ما يوهم التعارض في القرآن، وتوجيهُ الآيات المتشابهات في اللفظ، والكشفُ عن أسرار النظم القرآني وأسئلة القرآن، ومناقشةُ الفرق الكلامية المحادة الحائدة عن نهج السبيل، والعنايةُ بالمنطق وتطبيقاته على الآي، وتوظيفُ معطيات العلوم الطبيعية لخدمة التفسير، وتركيزُه على نقد تفاسيرَ طائرة الصيت، كأحكام ابن العربي ومحرر ابن عطية وكشاف الزمخشري ومفاتيح الفخر الرازي وبحر أبي حيان، ثم إنه - وحسبك به - أنموذج عن تفسير شيخ الإسلام ابن عرفة، وهو ممن لا تخفى إمامته ولا تدفع ريادته.
4 -
أنه واحد من المؤلفات الإفريقية في التفسير في القرن التاسع، التي سلمت من عوامل الحدثان، وهو أمر تنفِسُهُ عليه كتب للتفسير كثيرة لا نعرفها لوما رُسمتْ أسماؤها في كتب البرامج والفهارس والمعاجم.
5 -
كون هذا الكتاب نموذجا جديدا في حينه في طرائق التصنيف، وذلك أنه لم يجعل وكده تفسير القرآن كله، بقدر ما اهتبل بنكت التفسير ودقائقه وتوجيه مشكلاته، ومعنى هذا أنه لم يخض إلا في المواضع التي يستشكلها علماء التفسير؛ ومن ثم كان تفسيرا حي المباحث، مستقل الأنظار، متين المباني غزير الفوائد.
6 -
علو قيمته من حيث منهجه في التصريح بالموارد، فحفظ لنا بذلك نقولا كثيرة عن مصادر منها ما هو مفقود أو مخطوط.
7 -
أنه يمثل رافدا علميا تواشجت فيه صلات العلم بين أقطار المغرب العربي، فالتقت فيه على قدَر جهود ثلاثة علماء أفذاذ هم على الولاء: أبو عبد الله محمد بن عرفة التونسي وأبو العباس البسيلي التونسي وأبو عبد الله بن غازي المكناسي المغربي؛ ولعل ذلك ما رغبنى أن أكون بإخراج هذا الكتاب من هؤلاء الشُّداة النشأ الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.