الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرَفُ الوجُودِ بأسرِهِ
…
قُرْبُ النبي المصْطَفَى
صَلَّى عليه اللهُ مَا
…
شَفَعَ الحبيبُ وشرّفَا
توفي عن سن عالية سنة 793 هـ.
نقل عنه البسيلي في "التقييد الكبير"، عند قوله تعالى:{فَلَن أكُونَ ظَهيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} .
4 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي
(716 - 803):
ذكره أبو حامد ابن ظَهَيرة في "معجمه" وأثنى عليه ثناء جميلا. قرأ بالروايات على أبي عبد الله محمد بن محمد بن سلامة وغيره، وبرع في الأصول والفروع والعربية والبيان والمعاني والقراءات والفرائض والحساب، وسمع من ابن عبد السلام الهواري
"الموطأ" والفقه والأصول، ومن الوادي آشي "الصحيحين"، وكان رأسا في العبادة والزهد والورع، ملازما للشغل بالعلم، رحل إليه الناس وانتفعوا به، ولم يكن في المغرب من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له. وكانت والفتيا تأتي إليه من مسافة شهر.
ووقع في "أزهار الرياض": "وأما الإمام ابن عرفة، فانتفع به جماعة. وكان أصحابه كأصحاب سحنون؛ أئمةً في كل بلد، فمنهم أيضا من بلغ درجة التأليف ووقع الإتفاق على إمامته، وتقدمه وسمو رتبته
…
وأمَّا من نجب من تلاميذ شيخ شيوخنا ابن عرفة، وتمكن من ملكة التعليم، فخَلْق يطول عددُهم، فمنهم من أدركناه وأخذنا عنه وأجازنا مروياته، ومنهم من لم ندركه".
وقد حلَّى ابنَ عرفة، أبو عبد الله المجاري الأندلسي (ت 862 هـ)، بالشيخ الفقيه المفتي المحدث الراوية، إمام أهل زمانه في فتح أقفال المشكلات، وكشف نقاب الشُّبَهِ المعْضِلات.
وهذا أبو العباس أحمد بابا التنبكتي في كفايته، يعد ابن عرفة مجدد القرن الثامن؛ وذلك حيث قال: "ابن عرفة
…
إمام المغرب وشيخ الإسلام العلامة المحقق القدوة النظار العالم المبعوث على رأس المائة الثامنة، حسبما ذكر السيوطي في نظمه رحمه الله".
ولعل كلام التنبكتي يوهم أن السيوطي عدَّ ابن عرفة مجدد القرن الثامن، والواقعُ خلافه فهو -أي السيوطي- في منظومته "تحفة المهتدين بأسماء المجددين"، إنما يذكر البلقيني والعراقي:
والثامنُ الحَبْرُ هو البُلْقِينِي
…
أوْ حافظُ الأنامَ زَيْنُ الدِّين
وعلى كثرة المترجمين لابن عرفة، تبدو ترجمة البسيلي له أصيلة من حيث إنه تلميذه، وباعتبار أنها كتبت بعد وفاته، فهي شهادةٌ حية لا يخامر الشكُّ في صدقها؛ ناهيك عن اهتمامها بالجانب الوجداني والاجتماعي الذي تغفل عنه كتب التراجم غالبا. وهذا سياق نصين من "نكت وتنبيهات"، ونص ثالث من "التقييد الكبير" تترجم كلها لابن عرفة.
- النص الأول:
"قلت: وولد شيخنا أبو عبد الله محمد بن عرفة سنةَ ستَّ عشْرَة وسبعمائة، وتوفي رحمه الله ضَحْوَةَ يوم الثلاثاء، الرابع والعشْرينَ لشهرِ جُمَادَى الأُخْرى، عام ثلاثة وثمانمائةٍ، ودُفِنَ بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء غَدَ تارِيخِه، وله من العمر ستَّةٌ وثمانونَ عاماً وأَشْهُر؛ وحج حجة الفريضة؛ كان خروجه لذلك من تونس بعد صلاةِ الظهر مِنْ يوم الإثنين الحادي والعِشْرينَ لشهرِ جُمَادَى الآخِرَةِ من عام اثنين وتسعين وسبعمائةٍ، وقدَ كان بلغ في تفسيرِ القُرآنِ إلى قوله تعالى:{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السًاعَة} ، ورجع من حجه فدخل تونس يوم الثُّلاثَاءِ، التاسع عشَرَ لشهر جمادى الأُولى، مِن عام ثلاثة تِسْعيَن وسبعمائةٍ قرب الزوال. وحَبَّسَ قبل موته كثيرا من الرّبَاع، وتصدق قرب موته بمالٍ كثيرِ، وترك موروثا عنه ما قيمته ثمانيةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينارٍ ذَهَبَاً كبيرة، ما بين عَيْنٍ ودراهم وحُلِيٍّ وطعام ورِباع وكتب؛ وكان رحمه الله مستجاب الدعاء.
وَممَّا رأيت من بركته، أنِّي كنتُ أجلسُ قُبَالَتَهُ بمجلسِ تدريسِه، فرُبَّمَا تكلَّمَ مَعِي بمَا يقع في خاطِرِي.
وَأَخبرنيِ عنهُ عم والِدِي، الشَّيخُ الصالِحُ الزاهِدُ العَابِدُ أَبُو فارِس عبدُ العزيزِ البَسِيلِي، أنه رَأَى في نوْمِهِ بعضَ مَنْ كانَ مُعَاصِرًا لشيخِنَا ابنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الشيخُ الفقيهُ المفْتي القاضِي أبُو العبَّاسِ أحمدُ بنُ حَيْدَرَةَ -وكانَ في نفسِهِ منْهُ شيءٌ- فقالَ له: اطلُبْ لي منْهُ المُحَالَّةَ لأنِّي رأيتُ لهُ منزلةً عظيمةً عندَ اللهِ تَعَالى فقال له نعم. قالَ لي العَمُّ: فالْتَقَيتُ
بالشيخِ ابنِ عَرَفَةَ وأخبرتُهُ بذلك، فقال لي: الْمُلْتَقَى بيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلك".
- النص الثاني:
"
…
عام ستة عشر، هو عام مولد شيخنا ابن عرفة، ولد ليلة سبع وعشرين من شهر رجب من العام المذكور
…
وتوفي
…
يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى عام ثلاثة وثمانمائة، وله من العمر سبعة وثمانون عاما غير شهرين وثمانية أيام. ومن نظمه قرب وفاته:
بلغت الثمانين بل جزتها
…
فهان على النفسِ صعبُ الحِمام
وآحادُ عصري مضوْا جملة
…
وصاروا خيالا كطيف المنام
وأرجوا به نيل صدر الحديث
…
بحب اللقاء وكره المقام
وكانت حياتي بلطف جميل
…
لسبق دعاء أبي في المقام
…
وأنشدني بعضُ أصحابنا تخميسَه بقوله:
علمت العلوم وعلمتها
…
ونلت الرياسة بل حزتها
وهاك سنِينِيَ عدَّدْتُها
…
بلغت الثمانين بل جزتها
فهان على النفس صعب الحمام
******
فلم تُبْقِ لي في الورى رغبة
…
ولا في العلا والنهى بغيةً
وهيهات أرجيهما لحظةً
…
وآحاد عصري مضوا جملةً
وعادوا خيالا كطيف المنام
******
ونادى الرحيل وما لي مغيث
…
وحث المطية كل الحثيث
وإني لراج وحبي أثيث
…
وأرجو به نيل صدر الحديث
بحب اللقاء وكره المقام
فيا رب حقق رجاء الذليل
…
ليحظى بدارك عما قليل
فيمسى رجائي بموتي كفيل
…
وكانت حياتي بلطف جميل
لسبق دعاء أبي في المقام"
- النص الثالث:
يطرز البسيلي ترجمة ابن عرفة بنص ثالث، أورده في "التقييد الكبير"، وإليك سياقه:
"
…
وهذه الأسولة وأجوبتها وأمثالها مما ذكرنا في كتابنا هذا هو مما كان يقع بين الطلبة في مجلس شيخنا ابن عرفة رحمه الله، أو بينه وبينهم، وذلك مما يدل على علو مرتبته وعظم منقبته، ولذلك كان حذاق الطلبة يفضلونه على غيره من مجالس التدريس، وأنشدنا من نظمه في هذا المعنى:
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلسِ العلِم نُكْتَةٌ
…
بتَقْرير إيضَاح لمشْكِل صُورَةِ
وِعزوُ غريبِ النقْلِ أو حَلُّ مشْكلٍ
…
أَو إشكالٍ أبدَتهُ نتيجة فكرَةِ
فدَعْ سَعيَهُ وانْظرْ لنفسِكَ واجْتَهِد
…
وإياكَ تَرْكاً فهْوَ أقبَحُ خلَّةِ
ولتلميذه الفقيه أبي عبد الله محمد بن خلفة الأبي جوابا لها:
يميناً بمن أوْلاك أرفَعَ رتبةِ
…
وَزَانَ بك الدنيا بأكمل زينةِ
لَمجلسُكَ الأعلى الكفيلُ بكُلِّها
…
على حينِ ما عنْها المجالسُ وَلَّتِ
فأبقاك مَن رَقَّاكَ للخلق رحمةً
…
وللدِّين سَيْفاً قاطعا كل بِدْعَةِ
وقد أساء الأدب بعض من ينتمي إلى العلم، ووصْفُ الجهل ألْيَقُ به، فذَمَّ هذا
المجلس بشعر سخيف لا يليق كتْبُهُ، ولم يشعر بقلْبِ النكتة عليه، حسبما قرّره
الجدَلِيُّون، وقال فيه شيخنا:
وما حال من يهجو أخاه بلفظة
…
كذا داكر المروي عند الأئمة
وعلم أصول الفقه والبحث والنظر
…
سوى حال من قد ساءه قلب نكتة