الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
في المعنى الذي يدل عليه اللفظ قبل اللفظ
. إنما يدل على ما فيه الأذهان من المعاني دون ما في الخارج، واستدل عليه في المفرد: بأنه تختلف دلالته عند اختلاف المعنى في الذهن، وإن لم يختلف في الخارج من غير عكس، مثل ما إذا رأينا شبحا من بعيد واعتقدناه مثلا حيوانا مخصوص فإنا نطلق عليه اسم ذلك الحيوان، فإذا تغير ذلك الاعتقاد باعتقاد آخر فإنا نطلق عليه بحسب ذلك الاعتقاد اسما آخر، فلولا أن اللفظ [يدل] على ما في/ (16/أ) الأذهان وإلا لما كان كذلك.
لا يقال: ما ذكرتم لا يدل على "أن اللفظ لا يدل على" ما في الخارج لاحتمال أن يقال: "إنه" يدل على ما في الخارج لكن شرط موافقة الصورة الذهنية له، والشيء ينتفي عن انتفاء شرطه ولما لم تكن الصورة الذهنية موافقة لما في الخارج فيما ذكرتم من الصور لا جرم لا يدل عليه، لأنا نقول: لو كان اللفظ دالا على المعنى الخارجي لكان هو، إما ركن الدلالة عليه أو شرطا لها وعلى التقديرين يجب تغير الدلالة عند تغير المعنى في الخارج وعدم تغيره في الذهن ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لا دلالة عليه.
وأما في المركب فقد استدل عليه: بأن قولنا: "قام زيد" لا يدل على قيام زيد في الخارج، وإلا لم يكن الخبر محتملا الكذب، بل يدل على حكم القائل به وإخباره عنه من غير أن يشترط فيه الاعتقاد والظن بثبوت النسبة إذ قد يحكم بالنسبة من غير اعتقاد، وإنما يستدل به على وجود المخبر عنه في الخارج على وجه القطع إذا عرف براءة القاتل عن الكذب عمدا ونسيانا وخطأ قطعا، أو على وجه الظن إذا عرف براءته عنه ظنا لا لأن اللفظ يدل عليه، وهو ضعيف، لأنا نمنع الملازمة مطلقا، وهذا لأن بتقدير أن تكون دلالته ظنية لا يلزم أن لا يحتمل الكذب، بلى لو كانت دلالته قاطعة يلزم ما ذكرتم.
ثم نقول: ما ذكرتم يقتضى أن خبر من أخبر عن شيء وهو غير ظان به ولا قاطع وهو غير مطابق لا في الخارج أن لا يكون كذبا، لأن الكذب هو
الخبر الذي لا يكون مطابقا للمخبر عنه، [والمخبر عنه] على ما ذكرتم هو المعنى الذهني وهو مطابق له فلا يكون كذبا، وهو خلاف الإجماع.
وأيضا: على هذا الخبر إنما يكون كذبا، إذا كان القائل به غير متصور لثبوت النسبة بأن كان نائما أو سابقا لسانه إليه، وإن كان مطابقا لما في الخارج وهو خلاف الإجماع أيضا: لأن الجاحظ وإن خالف الجمهور في صدق هذا الخبر لكن وافقهم في أنه ليس بكذب.