الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: لا يبعد أن يكون في ذكره وإردافه بالقرينة- سواء كانت متصلة أو منفصلة- فائدة لا يطلع عليها، كيف وإن الفائدة فيه ظاهرة، وهي ما يجده المكلف من الثواب بسبب طلب القرينة والاجتهاد فيها، فإن دلالة/ (34/أ) القرينة في الأكثر ظنية.
وأما قولك: يمكن أن يصل إليه القرينة. فهو ممنوع على رأي بعضهم.
ولئن سلم: إمكانه لكن الأغلب الاطلاع عليها، لاسيما عند الاجتهاد التام والبحث الشديد وهو كاف في الحسن.
المسألة السادسة
في أن الأصل عدم الاشتراك
. والمعنى به: أن اللفظ إذا دار بين أن يكون مشتركا ولن أن يكون كذلك كان ظن عدم الاشتراك أغلب، ويدل عليه وجوه:-
أحدها: أن الاستقراء دل على أن الكلمات في الأكثر مفردة لا مشتركة،
فإذا وقع التردد في فرد من أفرادها بأنه مشترك وغير مشترك، كان ظن عدم الاشتراك راجحا على ظن الاشتراك إلحاقا للفرد بالأعم ولا غلب، ولأن كثرته يدل على قلة مفسدته، فكان الإلحاق به أولى.
فإن قلت: لا نسلم أن الكلمات في الأكثر مفردة، وهذا لأن أنواع الكلمة منحصرة في الاسم، والفعل، والحرف. أما الحروف: فبأسرها مشتركة يدل عليه الاستقراء.
وأما الفعل: فهو إما ماضي: وهو مشترك بين الدعاء، والخبر.
وإما مضارع وهو مشترك بين الحال، والاستقبال. وأما أمر وهو أيضا مشترك بين الوجوب، والندب، والإباحة، وبين غيرها، فلم يبق إلا الأسماء. والاشتراك فيها أيضا: كثير فإذا ضم إليه القسمان الباقيان فلعل الاشتراك يغلب. فإن لم يكن "كذلك" فلا أقل من التساوي وحينئذ لا يحصل ظن عدم الاشتراك.
قلت: لا نسلم: أن الحروف بأسرها مشتركة والذي يذكر في الكتب النحوية أن الحرف الفلاني يرد لكذا ولكذا فليس فيه ما يدل [على] أن ذلك بطريق الحقيقة، إذ [قد] تجوز أن يكون لبعضهما بطريق الحقيقة، ولبعضها بطريق التجوز، وكيف لا؟ واحتمال التجوز راجح على احتمال الاشتراك.
ولئن سلم: أنه بطريق الحقيقة لكن لا يلزم منه الاشتراك أيضا، لجواز أن يكون حقيقة في الكل باعتبار أمر مشترك بين تلك المعاني.
سلمنا: اشتراك الحروف، لكن لا نسلم اشتراك الأفعال. قوله: الماضي منه مشترك بين الخبر والدعاء.
قلنا: لان نسلم: بل هو عندنا حقيقة في الخبر، مجاز في الدعاء. ووجه التجوز ظاهر غني عن البيان. فلم قلت: إنه لا يجوز أن يكون كذلك؟
فإن قلت: "المجاز خلاف الأصل". قلت: قد سبق جوابه. قوله: "المضارع منه مشترك بين الحال والاستقبال".
قلنا: لا نسلم: بل هو حقيقة في الحال. مجاز في الاستقبال، ولذلك جعل/ (34/ب) لتعينه قرينة وهي السين وسوف دون تعين الحال. قوله: الأمر مشترك بين الوجوب والندب.
قلنا: لا نسلم، بل هو حقيقة في الوجوب فقط وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى. "سلمنا اشتراك الأفعال أيضا لكن لا نسلم كثرة الاشتراك في الأسماء بل نادر يدل عليه الاستقراء".
سلمنا: ذلك لكن لا نسلم: أنه إذا ضم المشترك منه إلى الحروف والأفعال، كان الاشتراك أغلب أو يكون مساويا للإفراد. وهذا لأن، الغلبة للأسماء. فإن الأفعال بأسرها مشتقة من المصادر، وهي نوع من أنواع الأسماء والمصادر بالنسبة إلى الأسماء قليل جدا وأما الحروف فهي
محصورة قليلة جدا. وقد ذكرنا أن الاشتراك في الأسماء نادر، وحينئذ لا يلزمه غلبة الاشتراك ولا يساويه.
وثانيها: أن احتمال كون اللفظ منفردا، إن كان راجحا على احتمال كونه مشتركا، فقد حصل الغرض، إذ لا نعني بكون الاشتراك على خلاف الأصل سوى هذا. وإن كان مساويا له، أو مرجوحا بالنسبة إليه، وجب أن لا يحصل الفهم عن شيء من الألفاظ إلا بعد الاستفسار، أو يكون معها قرينة تعين مدلولتها ولما لم يكن كذلك، علمنا فساد هذين القسمين.
فإن قلت: لا نسلم أن تقدير [تقدير] التساوي والمرجوحية لا يحصل الفهم، وهذا لأن احتمال الإفراد، وإن كان مساويا لاحتمال الاشتراك، لكن لما حصل ظن كونه اللفظ موضوعا للمعنى المعين يحصل فهمه عند سماعه وظن إرادته منه، وإن كان احتمال كونه موضوعا للآخر مساويا له.
قلت: فعلى هذا الفهم إنما يحصل بسبب ظن كون اللفظ موضوعا للمعنى المعين، ولا شك أن الفهم حاصل في أكثر الألفاظ من غير استكشاف وقرينة فظن كونه موضوعا لتلك المعاني دون غيرها أكثر، فيكون ظن الإفراد أكثر ولا نعني بكون الاشتراك على خلاف الأصل إلا هذا.
وثالثها: أن الاشتراك، قد يكون منشئا للمفاسد، مثل مضرة القائل: فإن السيد إذا قال لعبده: أعط الفقير العين مثلا، وأراد بها الماء، ولم يضم ليها قرينة تدل عليه اعتمادا فهم العبد أو ضم إليه قرينة لكن لم ينتبه لها إما لغفلته، أو لأنها تحتاج إلى تدقيق النظر فيها، وهو لم يأت به، ففهم
العبد منها الذهب، وأعطى الفقير ذلك، فإن السيد يتضرر به.
ومثل إخلال فهم/ (35/أ) السامع، فإنه إذا سمع اللفظ المشترك مجردا عن القرينة، فربما لا يراجع المتكلم فيه، إما لمهابته، وإما للاستنكاف عن السؤال، ويحمله على غير مراده، فيحصل غير المراد، ولا يحصل المراد يوقع "في" الجهل.
ولاشك أن كل ذلك مفاسد، وبتقدير أن يراجع المتكلم، فالمتكلم إن أجاب بلفظ آخر مفرد، فيقع التلفظ بالمشترك أو لا ضائعا، وإن أجابه بإيماء أو إشارة، فربما لا يحصل به البيان، وبتقدير حصوله، ففيه زيادة كلفة ليس في مفرد فيكون مضرة في حقه والسامع.
فثبت بما ذكرنا أن الاشتراك منشئ للمفاسد، وما يكون كذلك وجب أن لا يكون، فإن لم يقتض ذلك فلا أقل من أن يكون قليلا تقليلا للمفاسد الناشئة منه.
ورابعها: الحاجة إلى الألفاظ المفردة "ضرورة لما عرفته والحاجة غير ضرورية إلى المشترك، لأن التعريف الإجمالي وإن كان قد مس الحاجة إليه"، لكنه نادر وبتقدير أن لا يكون نادرا، لكن يحصل ذلك المقصود بإدخال حرف الترديد عليها. فثبت بهذا أن الحاجة إلى المشترك غير ضرورية، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون احتمال الإفراد راجحا على احتمال الاشتراك وهو المطلوب.