الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة
في أن اللفظ المشترك المفرد المثبت، إذا صدر عن متكلم واحد مرة واحدة مجردة عن القرائن. هل يجوز حمله على جميع معانيه بطريقة الحقيقة أم لا
؟
فذهب الشافعي والقاضي أبو بكر وجماعة من أصحابنا.
ومن المعتزلة كالجبائي، والقاضي عبد الجبار.
بن أحمد، إلى جوازه. بشرط أن لا يمتنع الجمع لأمر خارج كما في الضدين والنقيضين إن جوز ذلك.
وذهب الباقون من الأصحاب: كإمام الحرمين، والشيخ الغزالي، والإمام، ومن الحنفية: كالكرخي.
ومن المعتزلة: كأبي هاشم، وأبي الحسين البصري، إلى منعه.
ثم منهم: من منع مطلقا أي لا يجوز أن يراد باللفظ المشترك كلا مفهوميه معا، نظرا إلى الإرادة، والوضع، كما لا يجوز أن يراد بالمؤمنين: المؤمنون والمشركون. وهذا لأن إرادة كل واحد منهما مستلزمة لعدم إرادة الآخر به على ما ستعرف إن شاء الله تعالى أنه موضوع لهما على البدلية لا على المعية، فلو كانا مرادين معا لزم أن لا يكونا مرادين معا وهو محال.
أو نقول: بعبارة "أخرى" عن المتكلم باللفظ المشترك، إذا أراد أحدهما فقد أراد ما/ (35/ب) وضع له اللفظ، فلو أراد معه المفهوم الآخر، فقد أراد العدول عما وضع له اللفظ لما سبق، فيلزم أن يكون مريدا به لما وضع له، ومريدا للعدول عنه وهو محال.
ومنهم من خص المنع لأمر يرجع إلى الوضع: كالغزالي، وأبي الحسين البصري، واختاره الإمام أيضا: إذ قالوا: يجوز أن يحمل المشترك على مفهوميه معا، نظرا إلى الإرادة والاستحالة في إرادتهما لكن يلزم منه مخالفة الوضع، وهذا لأنه يجوز إرادتهما قبل التلفظ باللفظ المشترك، أو عند التلفظ به مرتين، فالتلفظ به مرة واحدة لا يحيل ما كان ممكنا، وليس هو كإطلاق لفظ المؤمنين وإرادتهم وإرادة المشتركين، لأنه غير صالح للدلالة على كل واحد منهما لا بطريق البدلية ولا بطرق المعية، وجواز الإدارة مشروط بصلاحية الدلالة.
وقبل الخوض في الدلالة لابد من تقديم مقدمة: وهي أن كون اللفظ موضوعا لمسميين مختلفين على البدل، ليس عين كونه موضوعا لكل واحد منهما معا، ولا عين كونه موضوعا لهما باعتبار الكلية وهيئة المجموعية وغير مستلزم لهما أيضا.
أما الأول: فلأن المغايرة بين هذه المفهومات الثلاثة معلومة، ألا ترى أن النكرة من المتواطئ يدل على كل واحد من أفراد ما صدق عليه على البدل، ولا يدل عليها بحسب الدلالتين الباقيتين، والعام يدل على جميع الأفراد الداخلة تحته، لكن باعتبار كل واحد منها مع الآخر، ولا يدل بطريق البدلية
ولا بطريق هيئة المجموعية، ولذلك لا تتغير دلالته بقلة أفراده ولا بزيادته وأسماء العدد مثل العشرة، والعشرين، ومثل الرهط، والقوم، وتدل على مسمياتها باعتبار مجموعة أجزائها، دون اعتبار كل واحد منها، ولذلك تتغير دلالته بالزيادة والنقصان.
وأما الثاني: وهو أن الوضع بطريق البدلية غير مستلزم للوضعين الآخرين فظاهر أيضا مما سبق. إذا عرفت هذا.
فنقول: احتج النفاة: بأن واضع المشترك إن وضعه لأحد المسميين على البدل فقط، لم يجز حمله عليهما بأي اعتبار كان من الاعتبارين المذكورين، لأنه حمل له على غير موضوعه بدون القرينة، وهو ممتنع.
وإن وضعه لهما معا بأي اعتبار كان منهما ولم يضعه لأحدهما على البدل، لم يكن اللفظ حينئذ مشتركا، لأنه غير موضوع/ (36/أ) لمسممين متغايرين، وبتقدير كونه مشتركا، لم يكن حمله عليهما حملا للمشترك على كل مفهوميه، بل على مفهوم واحد، فإن المجموع من حيث إنه مجموع، أو باعتبار كل واحد منهما مفهوم واحد.
ولئن سلم: أنه حمل عله على كلا مفهوميه، لكنه يقتضي أن يكون حمله على كل واحد منهما على البدل مجازا، أو هو باطل.
أما أولا: فبالاتفاق.
وأما ثانيا: فلأنه المتبادر إلى الفهم عند إطلاق المشترك دون مجموع مفهوماته
والتبادر دليل الحقيقة، وإحالته إلى العرف الطارئ دليل الحقيقة، وإحالته إلى العرف الطارئ خلاف الأصل.
فإن قلت: كيف ادعيت الاتفاق على أن حمله على كل واحد منهما على البدل ليس بمجاز. وقد قال الشافعي، والقاضي أبو بكر رضي الله عنهما: إنه يجب حمل المشترك على جميع مفهوماته عند تجرده عن القرينة المخصصة لأحدهما، كما يجب ذلك في سار الألفاظ العامة. ولا فرق عندهما بين العام والمشترك في أن كل واحد منهما يتناول جميع مفهوماته، إلا أن العام يتناول جميع أفراده لمشترك مدلول له بين تلك الأفراد، بخلاف المشترك، فإنه لا يدل عليها باعتبار قدر مشترك بينها. وهذا دليل منهم على أن حمله على كل واحد منهما على البدل مجاز كما هو في العام.
قلت: لا نسلم أن ذلك يدل على ما ذكرت، وإنما يدل عليه إن لو لم يكن له علة سوى كون اللفظ حقيقة فيه فقط، وهو ممنوع.
وكيف يقال ذلك؟. وقد قال القاضي: لو أطلق المشترك مرتين، وأريد به كل مرة معنى جاز، فأي بعد في أن يقتصر على مرة واحدة ويراد به كلا المفهومين. وهو تصريح منه بأنه يجوز إرادة أحدهما منه بطريق الحقيقة حتى يستقيم.
قوله: بل إنما صار إلى ما ذكرت، وإن كان اللفظ حقيقة عندهم في المجموع، وفي أحدهما على البدل، لأن حمله على المجموع يقتضي رفع الإجمال عن الخطاب، بخلاف ما إذا حمل على أحدها على البدل، فإنه يتوقف فيه إلى وجود القرينة المعينة، ولأن الحمل على المجموع أحوط،
وإن وضعه للمجموع أو لأحدهما على البدل أيضا: فإن استعمل في المجموع فقط سواء كان اعتبار هيئة المجموعية، أو باعتبار كل واحد منهما لم يكن ذلك استعمالا للمشترك في كل مفهوماته بل في بعضها، وإن استعمله فيهما معا فهو بحال، لأن المعنى من استعماله في المجموع بطريق الحقيقة أن لا يحصل الاكتفاء "إلا به والمعنى من استعماله في البدلية طريق الحقيقة أن يحصل الاكتفاء" بأحدهما/ (36/ب) فيلزم أن يحصل الاكتفاء بواحد وأن لا يحصل وهو جمع يبن النقيضين وإنما قيدنا الاستعمالين أعني الاستعمال في المجموع وفي البدلية بطريق الحقيقة لئلا يرد السؤال الذي يورد في هذا المقام. وهو أن الاكتفاء بأحدهما إنما يجب أن يحصل إذا لم
يكن داخلا في المجموع، أما إذا كان داخلا فلا نسلم حصول الاكتفاء به. والمعنى من استعماله فيه أنه لابد منه، لا أنه مكتف به كالعام فإنه مستعمل من كل واحد من أنواعه وأفراد أنواعه مع أنه لا يحصل الاكتفاء ببعض أنواعه وأفراد أنواعه، لأن المعنى من استعماله فيه أنه لابد منه لا أنه مكتف به فإنه إذا كان مستعملا في أحدهما بطريق الحقيقة لا يكون مستعملا فيه باعتبار أنه داخل في المجموع فلا يكون مستعملا فيه بمعنى أنه لابد منه فإن ذلك قد يصدق على التضمن وهو غير صادق عليه.
واحتج المجوزون بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} والصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ثم عن تعالى أرادهما
من قوله "يصلون" في الآية والأصل في الكلام الحقيقة.
وثانيها: قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وكثير من الناس} .
والسجود من الناس هو وضع الجبهة على الأرض، لأنه المتبادر إلى الفهم عندما يضاف إليه، ولأنه لو أريد من السجود المضاف إلى الناس الخشوع، لم يبق لتقييد الناس بكثير فائدة، إذ السجود بمعنى الخشوع حاصل من كل الناس، المؤمن، والكافر، والسجود من الشجر، والدواب، هو الخشوع لأنه المتصور منهما، وقد أراداهما الله تعالى بالسجود في الآية.
وثالثها: قوله: تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} . أراد الله تعالى من القروء المذكورة في الآية الطهر والحيض من المرأة المجتهدة، بشرط أن يؤدي اجتهادها إلى التطهر أو إلى الحيض، بدليل وجوب الاعتداد بما أدى إليه اجتهادها.
ورابعها: قول سيبويه: "إن قول القائل لغيره الويل لك دعاء وخبر" جعله مفيدا لكلا المعنيين مع اتحاد اللفظ، وقوله: في المباحث اللغوية حجة.
وخامسها: وهو الوجه المعقول: أنه لا يمتنع إرادة ذينك المعنيين قبل التلفظ به، أو عند التلفظ به مرتين، أو عند القرينة المعينة لهما، فوجب أن لا يمتنع أيضا عند التلفظ مرة واحدة، لأن وجود اللفظ/ (37/أ) وإيجاده لا يحيلان ما كان ممكنا، وهو حجة على من أنكر جواز إرادتهما مطلقا خاصة.
الجواب عن الأول، والثاني: أن الصلاة، والسجود، وإن كان كل واحد منهما مذكورا في الآية مرة واحدة، لكنهما مستندان إلى ضمير فاعلين مختلفين، فهما كالمتعددين لتعدد فاعليهما، فيجوز أن يراد بكل واحد
منهما معنيان مختلفان، ولا يلزمه صحة إرادتهما منه عند التكلم به مرة واحدة.
سلمنا: أنه ليس كالمتعدد، لكن يجوز أن يكون موضوعا لذينك المفهومين على الجمع، كما هو موضوع لهما على البدل، فاستعماله في المجموعة على هذا التقدير استعمالا له في أحد مفهوماته لا في كلها.
فإن قلت: الاشتراك خلاف الأصل، فكان تقليله أوفق للأصل، وقد ثبت أن اللفظ مشترك بين ذينك الفردين، فلا يجوز أن يجعل مشتركا بينهما وبين المجموع.
قلت: التزام مخالفة الأصل أولى من مخالفة الدليل القاطع.
سلمنا: أنه غير موضوع للمجموع فلم لا يجوز أن يكون الاستعمال بطريق التجوز؟
فإن قلت: إنه خلاف الأصل أيضا. فالجواب عنه ما سبق، وقد أجيب عنهما بجوابين آخرين:
أحدهما: ما ذكره الغزالي رحمه الله: وهو أنا لا نسلم أن إطلاق الصلاة على المعنيين وهما المغفرة والاستغفار، وإنما هو بالاشتراك اللفظي، بل هو
بالاشتراك المعنوي، والقدر المشترك بينهما هو العناية بأمر النبي عليه السلام لشرفه وحرمته والعناية من الله تعالى المغفرة والرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، وكذا القول في السجود فإن المشترك بين السجودين أعنى سجود الشجر، الدواب، وسجود الناس، هو الخشوع، وكون كل واحد منهما داخلا تحت التخير. وفيه نظر لا يخفى عليك.
وثانيها: ما ذكره أبو هاشم: وهو أن كل واحد من لفظي الصلاة والسجود، وإن كان موضوعا لأحد المسميين المذكورين على البدل، لكن لا يبعد أن يقال: إنه في عرف الشرع موضوع للمجموع. فعلى هذا لا يكون اللفظ مشتركا، بالنسبة إلى الوضع الشرعي.
ولئن سلم: كونه مشتركا، لكن لا يكون ذلك استعمالا للمشترك في جميع مفهوماته. وفيه نظر أيضا.
أما أولا: فلأنه مبني على القول بالنقل، وفيه كلام، والخصم غير مساعد عليه.
وأما الثانية: فلأن من شرطه الاشتهار بحيث يتبادر المنقول إليه إلى الفهم
عند سماعه، ولا شك/ (37/أ) أنه غير حاصل فيما نحن فيه.
وعن الثالث: بعض ما سبق، ويخصه منع أنه أرادهما، ووجوب الاعتداد بكل واحد منهما بدلا عن الآخر، عند أداء اجتهادها إليه لا يدل على ذلك، فإن ما غلب على ظن المجتهد يجب العمل به، وإن كان [ذلك] غير مدلول عليه باللفظ، بل وإن كان على خلاف ما دل عليه اللفظ، كما في تخصيص العام بالقياس والقرائن الخالية.
وعن الرابع: أيضا بعض ما سبق، ويخصه "بأنه" بيان كونه موضوعا لذينك المعنيين، لا أنه مستعمل فهما على الجمع.
سلمنا: ذلك لكن قوله حجة، إذا كان سالما عن المعارض، وهو غير مسلم، فإن كثيرا من أهل العربية ممن هو في رتبته منعوا من استعماله في جميع مفهوماته.
وعن الخامس: أنا لا نقول: بامتناع إرادتهما مطلقا، بل لأمر يرجع إلى الوضع. ولئن قلنا به، لكن ما ذكرنا من الدليل، يوجب إحالة إرادتهما معا
لا نفس التكلم به مرة واحدة.
فروع أربعة:
الأول: اللفظ إذا كان حقيقة في شيء، ومجازا في شيء آخر، فهل يجوز حمله عليهما، عند عدم القرينة المخصصة لهما، أو لأحدهما؟ اختلفوا فيه، على حسب اختلافهم في المسألة السابقة، إلا أنه نقل بعضهم عن القاضي أبي بكر رحمه الله إحالته.
واحتج على إحالته: بأن المعنى من كونه اللفظ مستعملا في حقيقته أنه مستعمل فيما وضع له، والمعنى من كونه مستعملا في مجازه أنه غير مستعمل فيما وضع له، فلو كان مريدا لاستعماله في حقيقته ومجازه يلزم أن يكون مريدا لاستعماله فيما وضع له، ومريدا لعدم استعماله فيه، وذلك يستلزم كزنه غير مريد لاستعماله فيه وهو متناقض. ولأن استعماله في المفهوم المجازى يقتضي إضمار كاف التشبيه، واستعماله في الحقيقة يقتضي عدمه، والجمع بين الإضمار، وعدمه في الكلمة الواحدة محال. وهما ضعيفان.
أما الأول: فلأنا لا نسلم أن المعنى من كونه مستعملا في مجازه أنه غير
مستعمل فيما وضع له، بل المعنى منه أنه مستعمل في غير ما وضع وهو أعم من كونه غير مستعمل فيما وضع والعام لا يستلزم الخاص فلا يتحقق التناقض.
وأما الثاني: فلأن الجمع بين الإضمار وعدمه في الكلمة الواحدة إنما يمتنع بالنسبة إلى الشيء الواحد، أما بالنسبة [إلى الشيئين فلا نسلم امتناعه.
مثال اللفظ الواحد المحمول على حقيقته ومجازه، "اللمس" فإنه حقيقة في "المس" ومجازى في "الوطء"، فهل يجوز أن يحمل عليهما في قوله تعالى:{أو لامستم النساء} حتى يجب التيمم على اللامس والمجامع
عند فقد الماء أم لا؟
فمن جوزه حمله عليهما، ومن لم يجوزه لم يحمله عليهما. وعلى هذا الخلاف أيضا جواز حمل اللفظ على مفهومين محاذين عند تعذر حمله على حقيقته ومجازه الراجح.
الثاني: أنه وإن جوز استعمال المشترك في مفهومين مختلفين عند تجرده عن القرينة، لكن لا يجب الحمل عليهما عند الأكثرين منهم، لأن اللفظ كما هو حقيقة في المجموع، فكذا هو حقيقة في أحدهما على البدل أيضا.
فلو قلنا: بوجوب الحمل عليهما عند تجرده عن القرينة، كان ذلك ترجيحا لأحد المفهومين على الآخر من غير مرجح.
وقال الشافعي، والقاضي أبو بكر رضي الله عنهما: إنه يجب ذلك تكثيرا للفائدة ودفعا للإجمال ومصيرا إلى الاحتياط. وعند هذا ظهر أن ما ذكروه أن ذلك يكون ترجيحا غير مرجح باطل.
الثالث: الذين أنكروا استعمال المفرد المشترك في جميع مفهوماته.
اختلفوا في تثنيته، وجمعه في جانب الإثبات: فالأكثرون منهم طردوا النفي، محتجا: بأن التثنية، والجمع إنما هو باعتبار ضم الشيء أو الشيئين إلى مثله، وذلك لا يتحقق إلا عند اتحاد المعنى فلا تتحقق التثنية والجمع عند اختلاف المفهومات.
ومنهم من جوزه: زاعما بأنه لا معنى لقول القائل: اعتدى بالإقراء إلا أنه اعتدى بقرء وقرء وقرء، فإذا جاز أن يراد بكل مرة معنى، جاز أيضا أن يراد بالجمع كل تلك المفهومات، لأنه بمعناه.
وجوابه: لا نسلم أنه لا معنى له إلا ما ذكرتم، بل معناه اعتدى ثلاثة أقراء، وهي إطهار أو حيض، لأن بعضها طهر وبعضها حيض.
الرابع: المنكرون لتعميم المشترك المفرد في الإثبات.
اختلفوا في تعميمه، في جانب النفي مفردا كان أو جمعا: كقولك لا تعتدي، بقرء، أو بالإقراء. فالأكثرون منهم سووا بين النفي والإثبات وأنكروا العموم فيهما مفردا، وجمعا متمسكا بأن النفي لا يرفع إلا مقتضى الإثبات، فإذا لم يفد اللفظ في جانب الإثبات إلا مفهوما واحدا، فردا كان أو جمعا، وجب أن لا يفيد في جانب النفي إلا واحدا، نعم لو أريد به نفي المسمى حتى يكون معنى قولنا: لا تعتدي بقراء لا تعتد بما هو مسمى بالقرء، فحينئذ يعم، لأنه يفيد مسمى القرء الذي هو مشترك بين الطهر والحيض، فنفيه يستلزم نفيهما، لكن يصير اللفظ حينئذ متواطئا ويخرج عن أن يكون مشتركا.
ومنهم من قال: بالتعميم في طرفي النفي محتجا: بأن دخول حرف النفي على اللفظ اقتضى نفيه مطلقا، ونفيه مطلقا يستلزم نفي ما يطلق عليه وإلا لزم أن لا يكون منفيا مطلقا، ولذلك قيل: النكرة في سياق النفي تعم وحينئذ يلزم تعميمه، وعلى هذا النحو الحجاج من الجانبين في نفي الجمع، لكن نفي المفرد أقرب إلى التعميم من نفي الجميع قليلا، لأن انتفاء الجمع يجوز أن يكون لانتفاء فرد من أفراده وحينئذ لا يلزم تعميمه بالنسبة إلى جميع مفهوماته، ولهذا نفى الجمع المذكر من المتواطئ لا يقتضي عموم النفي وإن كان فرده يقتضي ذلك.