الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في العلة الغائية لوضع الألفاظ للمعاني وسبب اختيارها على غيرها من الطرق
اعلم: أن الواحد منا لما خلق بحيث لا يستقل بتحصيل جميع ما لابد له منها احتاج إلى غيره ليعاونه على ذلك وهو إنما يعاونه أن لو عرف حاجته فيحتاج كل واحد من الناس إلى أن يعرف صاحبه ما في ضميره ليمكن التعاون ولابد في ذلك من طريق، وذلك الطريق وإن كان يمكن أن يكون غير الألفاظ، مثل الإيماءات المخصوصة والإشارات المعينة والحروف والرقوم المكتوبة، مثل أن يجعل صورة "الألف" مثلا دليلا على طلب الماء، و "الباء" على طلب الطعام، لكن اختيرت الألفاظ عليها لوجوه:
أحدها: أنه يمكن أن يعرف بها كل ما في الضمير موجودا كان أو معدوما محسوسا كان أو معقولا بخلاف غيرها من الطرق، فإنه لا يمكن أن يعرف بها ما غاب عن الحس.
وثانيها: أن العبارة توجد حين يراد وجودها وتنعدم حين يستغنى عنها وهو بعد وجودها فلا يطلع عليها من لا يراد اطلاعه عليها بخلاف كتابة الحروف والرقوم وبعض أنواع الإشارات فإنه يحتاج في إزالتها بعد وجودها إلى تعاطي فعل آخر ولا يخفى أن ذلك أشق.
وثالثها: أن الإنسان لابد له من التنفس في حياته، فصرفه ذلك التنفس / (14/ب) الضروري إلى ما ينتفع به انتفاعا كليا أولى من اختراع طريق آخر مستغن عنه.
ورابعها: أن المعاني التي يحتاج الإنسان إلى التعبير عنها كثيرة جدا، فلو وضعوا لكل واحد منها علامة خاصة من الرقوم والحروف لزم الاشتراك في أكثرها أو يعسر ضبطها، لأن حفظها غير ممكن.
وخامسها: أنه يمكن أن يعلم بالعبارة من لا يكون حاضرا، كما يمكن أن يعرف بها ما لا يكون محسوسا ولا موجودا، وهذا بخلاف الإيماء والإشارة، فإنه لا يمكن أن يعلم بهما من لا يكون حاضرا، كما لا يمكن أن يعرف بهما ما لا يكون محسوسا ولا موجودا، وأما الحروف والرقوم فإنه وإن أمكن إعلام الغائبين بها لكن بطريق الكتابة فقط، وأما الألفاظ فإنه يمكن الإعلام بها بالرسالة والكتابة معا، والمفضي إلى المقصود بطريقين أولى من المفضي إليه بطريق واحد.
تنبيه:
اعلم: أنه ليس الغرض من وضع الألفاظ المفردة أن تعاد فيها معانيها المفردة
لأن إفادتها لها متوقفة على العلم بها ضرورة أن العلم بالنسبة يستدعي العلم بالمنتسبين، فلو استفيد العلم بها منها لزم الدور، بل الغرض منه التمكن من إفادة المعاني المركبة بتركيبها والدور غير لازم هنا، إذ يكفي في تلك الإفادة العلم بوضع تلك الألفاظ المفردة وانتساب بعضها إلى بعض بالنسب المخصوصة والحركات المخصوصة.
"الفصل الرابع"
في الطريق الذي به يعرف كون اللفظ موضوعاً للمعنى