الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهي عرفية وليست خاصة، لأنها غير مختصة بفهم قوم دون قوم فهي عرفية عامة.
المسألة الرابعة
في الحقيقة الشرعية
الحقيقة الشرعية: هي اللفظة التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع. وأقسامها الممكنة بحسب القسمة العقلية أربعة:-
أحدها: أن يكون اللفظ والمعنى معلومين لأهل اللغة، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى.
"وثانيها: أن يكونا غير معلومين لهم".
وثالثها: أن يكون اللفظ معلوما لهم، والمعنى غير معلوم لهم.
ورابعها: عكسه.
والمنقولة الشرعية من هذه الأقسام إنما هي الأول، والثالث: فالمنقولة الشرعية أخص من الحقيقة الشرعية، ثم من "هذه الأقسام" المنقولة ما
نقل إلى الدين وأصوله كالإيمان، والإسلام، والكفر، والفسق. ويخص بالدينية فهي إذا أخص من المنقولة الشرعية.
فإن قلت: فهذه الأقسام الممكنة، هل هي واقعة كلها تفريعا على القول بالحقيقة الشرعية أم لا؟
قلت: الأشبه وقوعها.
أما القسم الأول فهو كلفظ الرحمن لله تعالى، فإن هذا اللفظ كان معلوما لهم، وكذا صانع العالم، كان معلوما لهم، من حيث إنه صانع وخالق لهم، بدليل قوله تعالى:{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} لكن لم يضعوه لله تعالى، ولذلك قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، حيث نزل قوله تعالى:{قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} الآية.
وأما الثاني: فهو كأوائل السور عند من يجعلها أسماء لها أو للقرآن، فإنها ما كانت معلومة لهم، على هذا الترتيب ولا القرآن ولا السور.
وأما القسم الثالث: فهو كلفظ "الصلاة"، و "الصوم"، و "الزكاة"، وأمثالها فإن هذه الألفاظ كانت معلومة لهم، ومستعملة: عندهم في معانيها المعلومة، ومعانيها الشرعية ما كانت معلومة لهم.
وأما الرابع: فهو كلفظ "الأب" فإنه قيل هذه الكلمة لم يعرفها العرب، ولذلك قال عمر رضي الله عنه "لما نزل قوله تعالى":{فاكهة وأبا متاعا لكم} . هذه الفاكهة، فما الأب؟. ومعناها كان معلوماً لهم.
بدليل أن له أسماء أخر عندهم نحو "العشب"، وكلفظ "المشكاة"، و "السجيل" على رأي من لم يجعلها عربيتين من قبيل توافق اللغتين
وكونهما معربين لا يخرجهما عن هذا القسم الذي نحن فيه، لأن اللفظ الذي لا يكون معلوما لهم أعم من أن يكون مخترع الشرع أو منقولة من لغة أخرى غير معلومة لهم.
وهذا المثال إنما يستقيم إذا ثبت أن تعريبهما بالشرع، أما إذا لم يثبت ذلك بل جوزنا أن يكون ذلك حاصلا قبله فلا، فيطلب له مثال آخر.
إذا عرفت الحقيقة الشرعية فنقول:/ (41/أ) اختلف الناس في وقوعها: لا في إمكانها، فإن ذلك "مما" لا نزاع لأحد فيه.
فذهب طائفة من الفقهاء، والمعتزلة، والخوارج،
إليه مطلقا.
وأنكره القاضي أبو بكر مطلقا. وزعم أن لفظ الصلاة، والصوم، في الشرع مستعمل في المعنى اللغوي، وهو الدعاء والإمساك، لكن الشارع شرط في الاعتداد بهما أمورا أخر، نحو الركوع، والسجود، والكف عن الجماع، فهو متصرف بوضع الشرط لا بتغير الوضع.
ومنهم من فصل: كإمام الحرمين، والغزالي، والإمام رحمهم الله
فأثبت من المنقولات الشرعية ما كان مجازا لغويا. كما في الحقائق العرفية، دون ما ليس كذلك بأن كان منقولا عنها بالكلية.
احتج القاضي على فساد مذهب الخصم بمسلكين:-
أحدهما:
أن القرآن مشتمل على لفظ الصلاة، والصوم، والكافر، والمؤمن.
فلو كانت دلالتها على هذه المعاني المفهومة منها الآن بحسب الوضع الشرعي "لما كان كل القرآن عربيا لكن كل القرآن عربي ولا تكون دلالتها بالوضع الشرعي".
بيان الملازمة: أن كون اللفظ عربيا وصف حاصل له لإفادة المعنى بحسب وضعهم، لأنه ليس ذلك الوصف له لذاته وصورته وإلا لكان قبل وضعه للمعنى عربيا. وهو باطل، لأن اللفظ المهمل لا يوصف بكونه عربيا أو فارسيا، ولأن توافق اللغتين جائز، فلو كان كونه عربيا أو أعجميا وصفا حاصلا له لذاته وصورته لزم أن تكون الذات الواحدة مقتضية للضدين ومتصفا بهما معا. وهو محال. ولا لكونه متلفظا لهم، ومستعملا عندهم في معنى "وإلا لو قال: رأيت العلماء، وأراد به الفقراء لكان متكلما
بكلامهم ضرورة كون هذا اللفظ متلفظا لهم ومستعملا عندهم [في معنى] فهو إذن لما ذكرنا" ويلزم من هذا أن دلالة تلك الألفاظ على تلك المعاني لو كانت بالوضع الشرعي لما كانت تلك الألفاظ عربية، وإذا لم تكن عربية، لم يكن كل القرآن عربيا، ضرورة اشتمال القرآن عليها لكن كله عربي لقوله تعالى:{قرآنا عربيا} ، ولقوله:{بلسان عربي مبين} ، {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} . والقرآن اسم للكل. بدليل إجماع الأمة، على أن الله تعالى لم ينزل إلا قرآنا واحدا، ولو كان القرآن اسما للبعض لما صح ذلك، ولما صح أيضل أن يقال في السورة الواحدة، أو الآية الواحدة إنها بعض القرآن، لأن الشيء لا يكون بعض نفسه.
فإن قيل: ما المعنى من قولك: "لو كانت دلالة تلك الألفاظ على تلك المعاني بالوضع الشرعي/ (41/ب) لما كان القرآن عربيا" تعني به الوضع مطلقا، كيف كان، سواء كان مجازيا لغويا أو لم يكن. أم تعني به الوضع الذي لا يكون مجازا لغويا. فإن عنيت به الأول فممنوع، وهذا لأن بتقدير
أن يكون ذلك الوضع مجازا لغويا لا يخرج ذلك اللفظ بسببه عن أن يكون عربيا، وإن عنيت به الثاني: فمسلم، لكنه لا يفيد المطلوب، لأن إفادة تلك الألفاظ لتلك المعاني، وإن كانت بالوضع الشرعي عندنا لكن بطريق التجوز من اللغة.
وأما قوله: في الدلالة عليه، وإن كون اللفظ عربيا وصف حاصل له لإفادته المعنى بحسب وضعهم.
قلنا: لا نسلم، وهذا لأن اللفظ المقيد للمعنى المجازي عربي مع أن إفادته إياه ليس بوضعهم على رأي.
سلمنا: ذلك، لكن تعني به الوضع الذي يعم الحقيقة والمجاز، أو المختص بالحقيقة، فإن عنيت الأول: فمسلم، لكن لا نسلم أنه غير حاصل فيما نحن فيه، وإن عنيت الثاني: فممنوع، وما ذكرته من الدلالة لا يدل عليه إذ لا يلزم من نفي القسمين المذكورين، ثبوت هذا القسم لجواز أن يكون ذلك الوصف حاصلا له بالوضع الذي يعم الحقيقة والمجاز.
فإن قلت: الدليل على أنه غير حاصل، هو أن وضع اللفظ للمعنى سواء كان بطريق الحقيقة أو التجوز متوقف على تعقل ذلك المعنى، ولما لم تكن تلك المعاني معقولة لهم استحال منهم الوضع لها.
قلت: لا نزاع أن وضع اللفظ لمعنى يستدعي تعقله، لكن إن كان ذلك الوضع لخصوصية تستدعي تعقله بخصوصيته، وإن كان ذلك الوضع له باعتبار ما يستدعي تعقله بذلك الاعتبار لا غير، وإذا كان كذلك فالوضع لتلك المعاني بطريق التجوز على وجه الإجمال متصور منهم، بل هو حاصل، فإنه لما علم منهم، أنهم وضعوا الصلاة مثلا للدعاء، وعلم منهم جواز تسمية الشيء باسم جزئه على وجه التجوز إما نصا أو استقراء، وعلم أيضاً أن
الدعاء، جزء هذه الماهية المخصوصية.
علم منهم بواسطة هذه المقدمات، جواز تسمية هذه الماهية بالصلاة تجوزا.
فإن قلت: أتدعي العلم بجواز تسمية كل شي باسم كل جزء منه، أو بجواز تسميته باسم بعض أجزائه، أو بجواز تسمية بعض الأشياء باسم كل جزء منه، أو بجواز تسميته باسم بعض أجزائه.
فإن ادعيت العلم بالثلاثة الأول: فهو ممنوع، وهذا لأنه لا يجوز أن يسمى العشرة باسم الخمسة، ولا بالستة، وكذا ببقية أجزائها، ولا يجوز أن/ (42/أ) يسمى الكل جزء ولا الجدار باللبنة ولا الدار بالجدار، ونظائرها كثيرة لا تعد ولا تحصى.
وإن ادعيت الرابع: فمسلم، لكن لا يفيد المطلوب، لأنه ليس جعل ما نحن فيه من قبيل الجائز، أولى من جعله من قبيل ما لا يجوز، وعليكم الترجيح.
ثم إنه معنا: إما أولا: فلأن الإلحاق بالأكثر أولى، وإما ثانيا: فلأن الأصل عدم التجوز.
قلت: تدعي العلم بجواز تسمية كل شيء ببعض أجزائه، إلا أن يمنع منه مانع من عرف أو غيره، وهو إما الجزء الغالب كما في تسميتهم الزنجي بالأسود، والرومي بالأبيض، والقرآن "بحم" في قول الشاعر:
تناشدني "حم" والرمح شاجر .... فهلا تلا "حم" قبل التقدم.
فإن كثيراً من سوره تسمى به و "الم" وإن كان يساويه في ذلك لكنا نجوز تسمية القرآن به أيضا، وأما الجزء الأشرف المقصود منه كتسميتهم الإنسان بالناطق، في قولهم: ذلك الناطق، الصامت، أي العبيد والإماء.
ولو قيل: المراد من الناطق الحيوان على ما فسره بعضهم، فهو آيل إلى ما ذكرناه أيضا، لأنه حينئذ سمي باسم أشرف أنواعه، وسمي النوع باسم أشرف أجزائه، وكتسميتهم الشخص بالرأس، في قولهم: ذبح كذا رأس من الغنم، والبقر، وملك كذا رأس من الخيل، والدعاء الجزء والمقصود من الماهية المسماة بالصلاة، قال الله تعالى:{وأقم الصلاة لذكري} فجاز أن يسمى باسمه.
سلمنا: أن إفادتها لتلك المعاني لو كانت بالوضع الشرعي لما كانت تلك
الألفاظ عربية، لكن لم قلت؟: إنه يلزم منه أن لا يكون كل القرآن عربيا، قوله: ضرورة كون القرآن مشتملا عليها.
قلنا: وإن كان مشتملا عليها: لكنها في غاية القلة والندرة بالنسبة إلى الألفاظ المذكورة في القرآن، والنادر كالمعدوم فلا يقدح وجودها فيه في كونه عربيا، ألا ترى أن الزنجي يوصف بكونه أسود مع بياض عينيه، وأسنانه، ولا يقدح ذلك في إطلاق الأسود عليه، فكذا هنا، وكذا الثور الأسود يسمى به، وإن كان فيه شعرات بيض، ويقال للشعر الفارسي: فارسي، وإن كانت فيه كلمات يسيرة من العربية.
فإن قلت: الدليل عليه أن بعض القرآن حينئذ لا يكون عربيا، وما بعضه ليس بعربي يستحيل أن يكون كله عربيا على سبيل الحقيقة، وأما الإطلاقات المذكورة، فهي على سبيل التجوز بدليل صحة النفي، إذ يصح أن يقال: ما رأيت ثورا كله أسود، وما قرأت شعرا كله فارسي، وما في الوجود زنجي كله أجزائه أسود/ (42/ب).
قلت: فحينئذ لا نسلم أن كل القرآن عربي على سبيل الحقيقة، ولم لا يجوز أن يكون كله عربيا على سبيل التجوز بناء على أن أكثر أجزاه كذلك؟.
فإن قلت: الأصل في الكلام الحقيقة، والنص إنما يكون محمولا على حقيقته إن لو كان القرآن بجميع أجزائه عربيا لما ثبت أن القرآن اسم للكل.
قلت: تعذر حمل النص على حقيقته لاشتمال القرآن على ما ليس بعربي، كالحروف المعجمة في أوائل السور، فإنها ليست من لغتهم في شيء و "كالمشكاة" و "القسطاس".
"السجيل" و "الإستبرق"، فإنها ليست بعربية، إذ الأول حبشية، والثاني رومية، والباقيتان فارسيتان، وإذا كان كذلك، لا يكون كل القرآن عربيا على سبيل الحقيقة.
فإن قلت: لا نسلم اشتمال القرآن على ما ليس بعربي، أما أوائل السور فإنها أسماؤها عندنا، وأما البواقي فلا نسلم أنها ليست بعربية، وكونها من لغة أخرى لا تنافي كونها أيضا عربية، لأن توافق اللغتين غير ممتنع.
سلمنا: اشتماله على ما ليس بعربي، لكن النص دل على أنه بجميع أجزائه عربي، ترك بمقتضى دلالته بالنسبة إلى بعض أجزائه المنفصل يوجب أن يبقي مقتضى دلالته بالنسبة إلى بقية أجزائه دفعا لكثرة المخالفة.
قلت: الجواب عن الأول: أنها إذا كانت أسماء السور فدلالتها عليها ليست لغوية لأنها غير مستفادة من وضعهم لا حقيقة، ولا مجازا ولا بطريق العلمية وحينئذ يلزم اشتمال القرآن على ما ليس بعربي.
وعن الثاني: أن التوافق وإن كان ليس بممتنع، لكنه نادر، والغالب هو
الاختلاف، وإلحاق الفرد بالأعم والأغلب أولى من إلا لحاقه بالنادر.
وعن الثالث: منع كون العام بعد التخصيص حجة، ولئن سلم ذلك، [لكن] المقتضى للترك قائم هاهنا أيضا، وهو ما يذكر الخصم من الدلائل على أن إفادتها لمعانيها الشرعية ليست لغوية.
سلمنا الملازمة لكن لم قلت: إن كله عربي؟
قوله: لأن القرآن عربي والقرآن اسم للكل فكله عربي.
قلنا: ما المراد من قولك القرآن اسم للكل؟ أنه اسم له فقط، أو أنه اسم له في الجملة، وإن كان اسما لبعضه أيضا. إما بالاشتراك اللفظي، أو المعنوي، والأول: ممنوع، وما ذكرته من الدلالة لا يدل عليه.
أما قوله أولا: الأمة مجمعة على أن الله تعالى لم ينزل إلا قرآنا واحدا، ولو كان القرآن اسما للبعض لزم أن يكون متعددا فلم يصح هذا.
قلنا: لا نسلم أنه لا يصح على الإطلاق، بل إنما لا يصح لو كان اسما للبعض فقط، أو إن كان اسما للكل أيضا لكن المراد منه هنا البعض/ (43/أ) إما بتقدير أن يكون المراد منه الكل فلا نسلم ذلك ويكون معناه على هذا التقدير أن الله لم ينزل غير هذه الجملة المسماة بالقرآن.
وكيف لا يصح؟ وقرينة قولهم: إلا واحدا دالة على إرادة الكل، وهو الجواب أيضا عما ذكره ثانيا، فإن قرينة الإضافة دالة على أن المراد من القرآن في قولهم في السورة الواحدة بعض القرآن الكل فلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه.
والثاني: مسلم لكن لا يلزم من عربية القرآن حينئذ عربية كل القرآن
لجواز أن يكون المراد من القرآن في قوله: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} البعض، اللهم إلا أن يدل دليل منفصل على امتناع إرادة البعض، فحينئذ يلزم أن يكون كله كذلك لكن ما بينتم ذلك.
سلمنا: أن ما ذكرتم يدل على أن القرآن اسم للكل فقط، لكن عندنا ما يدل على أنه ليس كذلك، بل هو اسم للكل والجزء. وبيانه من وجوه:-
أحدها: أن القرآن مشتق إما من "القراءة"، وإما من"القرء"، وهو الجمع.
ومنه يقال: قرأت الناقة لبنها، في ضرعها أي جمعته، وقرأت الماء في الحوض أي جمعته، ومنه يقال: للقرء وللطهر لاجتماع الدم فيه وللحيض أيضا لأنه دم مجتمع، وعلى التقديرين يجب أن تكون السورة الواحدة، والآية الواحدة قرآنا لوجود المعنيين فيهما، خالفنا مقتضى هذا الدليل
في غير الكتاب العزيز للإجماع، فوجب الحكم بمقتضاه في كله وبعضه دفعا لكثرة المخالفة.
وثانيها: أن القرآن لو كان اسما للكل فقط، لكان قولنا: كل القرآن تكرارا وبعضه نقضا، بخلاف ما إذا كان اسما لهما، فإن الكل والبعض حينئذ يكونان قرينتين معينتين للمراد.
وثالثها: لو حلف أن لا يقرأ، فإنه يحنث في يمينه بقراءة السورة الواحدة "والآية الواحدة"، ولو كان القرآن اسما للكل لما حنث إلا بقراءة الكل.
ورابعها: أجمعت الأمة على أنه لا يجوز للجنب قراءة القرآن، وليس المراد منه الكل فقط وفاقا، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فيكون حقيقة في الكل وفي البعض. فثبت بهذه الوجوه أن القرآن اسم للبعض أيضا، وحينئذ لا يلزم من عربية القرآن كل القرآن لما تقدم.
المسلك الثاني:
أن الشارع لو نقل الاسم اللغوي عن معنى ووضعه لغيره، لزمه تعريف الأمة ذلك النقل والوضع بالتوقيف، فإنه لو خاطبهم به قبل التعريف لم يفهموا منه إلا مسماه الأول، وحينئذ لا يحصل غرضه من النقل.
والتوقيف الوارد فيه. إما منقول بالآحاد، أو بالتواتر.
والأول: غير جائز لعدم/ (43/ب) قيام الحجة بها في أمثاله، والثاني غير موجود، وإلا لعرفه الموافق والمخالف، وهو ضعيفا أيضا لاحتمال أن
يقال: إنه يكفي في ذلك التعريف الاستعمال مع القرائن، والتكرر مرة بعد أخرى كما في ابتداء اللغات، وكما في تعريف الأخرس. وهذا الاحتمال على القاضي ألزم من غيره، فإنه عول عليه في جواز كون اللغات اصطلاحية، حيث اختار التوقف، وبه أجاب عن دليل القائلين بالتوقف وأحتج القائلون بالحقيقة الشرعية بوجوه:-
أحدها: وهو وجه العام في جميع الألفاظ التي هي مثل: الصلاة، والصوم، والزكاة، وهو أن هذه الألفاظ مستعملة في الشرع في معان مخصوصة وهي متبادرة إلى الأفهام بخصوصياتها عند إطلاقها، فوجب أن تكون حقائق فيها، لأن التبادر إلى الفهم من غير قرينة دليل الحقيقة، على ما سيأتي، ثم هي ليست فيها حقائق لغوية، وعرفية، وفاقا فهي إذن شرعية.
وجوابه: أنا نقول: بمقتضى هذا الدليل، فإن تلك الألفاظ في تلك المعاني حقائق شرعية عندنا، أيضا لكنها مجازات لغوية، فإن كان هذا مدعاكم فنحن نساعدكم عليه، وإن كان أعم من هذا، وهو إثبات الحقائق الشرعية سواء كانت مجازات لغوية، أو لم تكن فلا نسلم ذلك، وما ذكرتم من الدليل لا يدل عليه، فإن ما ذكرتم من الدليل على أن الألفاظ المذكورة حقائق شرعية في تلك المعاني وهي تصلح أن تكون مجازات فيها، فوجب إثبات هذا النوع من الحقيقة الشرعية، فأما إثبات ما يكون منقولا بالكلية عن اللغة فلا.
وثانيها: أن الصلاة في الشرع مستعملة في الأفعال المخصوصة، والأركان المعلومة، ولا شك أنها ليست مسماها اللغوي، ولا يجوز أن تجعل فيها مجازا عن المسمى اللغوي- أيضا- إذ ليس فيها ما يظن أنه من جهات التجوز إلا أنها مشتملة على المسمى اللغوي لكن ليس الأمر كذلك.
وبيانه: أن تركيب لفظ الصلاة في اللغة عبارة: إما عن الدعاء، يقال: صلى أي: دعاء، وسميت الأفعال المخصوصة بالصلاة، لكونها مشتملة على الدعاء.
أو عن المتابعة، ومنه يقال للفرس الذي يتلو السابق: مصلي، والأفعال المخصوصة إنما سميت بها لكون المأموم يتبع الإمام.
أو عن عظم الورك، وهي إنما سميت بها، لأن رأس المأموم عند صلاة الإمام عند الاصطفاف.
أو عن النار، فإن الصلا هو النار، ومنه التصلية، قال بعضهم الصلاة: الشرعية إنما سميت بها مشابهة لها بالنار، فإنها تقيم المصلي وتنهاه عما يوجب الاعوجاج والانحراف/ (44/أ) عن الدين والطريق المستقيم، قال الله تعالى:{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} كما يقيم النار
اعوجاج الخشب، لكن الصلاة قد توجد، وإن لم تكن مشتملة على هذه المعاني.
أما الثلاثة الأول: فكصلاة الأخرس المنفرد، والأمي المنفرد إذ لا دعاء فيها ولا متابعة، ولا كون رأسه عند صلا الآخر.
وأما الرابع: فهو وإن كان بعيدا وغريبا لكن توجد الصلاة بدونه، فإن من يأتي بتلك الأفعال المخصوصة بشرائطها ولا ينتهي عن الفحشاء والمنكر، يقال له: صلى.
نعم ذلك شأن الصلاة الكاملة، فإن الله تعالى قد وصف الصلاة بهذه الصفة، ونحن لا نجد ذلك في كل صلاة، فوجب صرفه إلى الكاملة لئلا يلزم الكذب، ولا يلزم من نفي الكمال عن الصلاة نفي الصلاة. فعلم أن الصلاة الشرعية "له" قد توجد حيث لم يوجد شيء من هذه المسميات، فلا يجوز جعلها مجازا فيها عن المسمى اللغوي لانتفاء جهته، وهو الاشتمال فيكون حقيقة شرعية.
وجوابه: أنه ليس المعتبر في حسن التجوز تحقيق الملازمة بين الحقيقة
والمجاز، في كل الصور بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر في صورة ما بل المعتبر فيه تحقيق الملازمة بينهما، إما في الأكثر، والأغلب، أو في الكل، يدل عليه أن إطلاق اسم الجزء على الكل جائز مطلقا، مع عدم الملازمة بينهما من جانب الجز في كل الصور، وإذا كان كذلك لم يكن الانفكاك فيما ذكرتم من الصور النادرة قادحا في حسن التجوز.
وثالثها: إن الزكاة في اللغة: عبارة عن النماء والزيادة. وفي الشرع: تبعيض مخصوص. والأصل في الاستعمال الحقيقة لاسيما مع التبادر.
وجوابه: أنه لو جعلت حقيقة فيه، لزم النقل ولو لم يقل به لزم التجوز وستعرف إن شاء الله تعالى أن المجاز خير من النقل، وقد أمكن جعل اللفظ مجازا فيه، إما من قبيل إطلاق اسم الضد على الضد، فإن النقصان ضد الزيادة [وأما من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب، فإن النماء أو مظنته سبب لذلك التبعيض المخصوص]، وأما من قبيل إطلاق المسبب فإن ذلك التبعيض سبب للزيادة والبركة والنماء المعنوي لقوله عليه السلام "ما نقص مال من صدقة بل يزيد" فالنماء على هذا مسبب
التبعيض فأطلق اسم مسببه عليه.
سلمنا: أنها حقيقة فيه لكن بطريق التجوز من اللغة، ولا يلزم منه النقل بالكلية عنه، وعلى هذا النحو من الحجاج في لفظ الصوم والحج والجواب
عنهما.
ورابعها: الإيمان: في اللغة عبارة عن التصديق، قال الله تعالى حكاية عن إخوة يوسف:{وما أنت بمؤمن لنا} أي بمصدق.
وفي الشرع: عبارة عن فعل الواجبات. ويدل عليه وجوه: -
أحدها: أن فعل/ (44/ب) الواجبات هو الدين لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} إلى قوله: {وذلك دين القيمة} .
"فقوله تعالى {ذلك} يرجع إلى كل ما تقدم ذكره فتكون تلك المأمورات هي دين القيمة" والدين هو الإسلام، لقوله تعالى: {إن الدين عند الله
الإسلام}، [والإسلام] هو الإيمان، لأنه لو كان غيره لما كان مقبولا من مبتغيه، لقوله تعالى:{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} . ولأن صحة استثناء المسلمين عن المؤمنين في قوله تعالى {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} يدل على أن أحدهما عين الآخر، وإلا لكان الاستثناء منقطعا، وهو خلاف الأصل، فثبت أن الإيمان في الشرع عبارة عن فعل الواجبات.
الاعتراض عليه: أنا لا نسلم، أن قوله: وذلك يرجع إلى كل ما تقدم ذكره. وهذا لأنها أمور كثيرة، وذلك للوجدان، والذكران، فلا يجوز صرفه إليها.
فإن قلت: يرجع إليها إما باعتبار كل واحد منها، أو باعتبار الكل، أي كل ما أمرتم به، ومدلوله، وإن كان أمورا كثيرة لكن اللفظ واحد، فجاز أن يرجع إليه باعتبار اللفظ.
قلت: أما الأول: فباطل، لأنه يقتضي أن يكون كل واحد منها دين
القيمة، وهو خلاف الإجماع.
ولا يدفع ذلك بما قيل: إن ذلك للذكران فلا يجوز صرفه إلى إقامة الصلاة، وهي من جملة المذكورات، لأن المذكور في ضمن الفعل هو المصدر، وهو غير لازم أن تكون تلك اللفظة لجواز أن يكون بلفظ إقامة الصلاة.
وأما الثاني:
فلأن ذلك "إنما يكون" بطريق الإضمار، لأنه غير مذكور، وأنه خلاف الأصل. ولئن سلم جواز إضماره لكن ليس إضماركم هذا أولى من إضمارنا الإخلاص، ويكون لمعنى على هذا التقدير، وذلك الإخلاص دين القيمة، وعليكم الترجيح، لأنكم المستدلون. ثم هو معنا لوجهين:
أحدهما: أن الإخلاص مذكور بالتضمن، فإن قوله تعالى:{مخلصين} دل عليه كذلك، بخلاف إضماركم وهو كل ما أمرتم به.
وثانيهما: أن إضمارنا لا يؤدي إلى تغيير اللغة، وإضماركم يؤدي إليه، فكان إضمارنا أولى، إذ التغير، والنقل، خلاف الأصل.
فإن قلت: ما ذكرتم وإن دل على أن إضماركم أولى، لكن عندنا ما يدل على أن إضمارنا أولى. وهو من وجوه:-
أحدها: أن المقصود من الآية، بيان أن ما أمروا به هو دين القيمة، فلو كان الإخلاص وحده دين القيمة، لما كان في ذكر ما عداه في هذه الآية فائدة، بل ربما يكون مخلا بالمقصود، لأنه لا/ (45/أ) أقل من أن يوهم أن المجموع دين القيمة.
وثانيها: أن الحكم إذا رتب على إفراد يفيد، ما علية كل واحد منها، أو علية المجموع. وأما أنه يفيد علية كل واحد منها فذلك ما لا إشعار له به ألبته، ولما لم يفد هنا عليه كل واحد منها، وجب أن يفيد علية المجوع كيلا يتعطل عن الإفادة.
وثالثها: أن اسم الإشارة في رجوعه إلى المشار إليه المتقدم ذكره يجري مجرى الضمير في رجوعه إلى ما تقدم ذكره، فكما أن الأصل فيه أن يختص بأقرب المكور إليه، وعند تعذره يعود إلى كل المذكور، فكذا اسم الإشارة يجب عوده إلى الكل، عند تعذر عوده إلى الأقرب.
قلت: الجواب الأول: لا نسلم أن المقصود من الآية ما ذكرتم ولم لا يجوز أن يقال المقصود منهما الاختبار فقط؟ بأنهم أمروا هذه الأشياء وأن الإخلاص منها دين القيمة.
وعن الثاني: أنه إنما يمكنكم الاستدلال بما ذكرتم من القاعدة، أن لو أثبتم أن ذلك يرجع إلى كل ما تقدم ذكره، فإن بتقدير أن يكون راجعا إلى الإخلاص، لم يكن الحكم مرتبا على الأفراد بل على فرد واحد، وهو الإخلاص، والحكم بدين القيمة إنما هو على ذلك، وإذا كان كذلك فالاستدلال بتلك القاعدة، مشروط بكون ذلك يرجع إلى كل ما تقدم، فلو أثبتنا ذلك بتلك القاعدة لزم تقدم الشيء على نفسه وهو محال.
وعن الثالث: أنا لا نسلم، أن الأصل عود الضمير إلى الكل عند تعذر عوده إلى الأخير، وكيف يقال ذلك وعود ضمير المفرد إلى المجموع إنما يكون بطريق الإضمار؟ وهو خلاف الأصل بل يبقى مجملا بالنسبة إلى غير الأخير
أو عوده إلى ما يلي الأخير لكونه أقرب إليه.
سلمنا ذلك: لكن التخصيص أهون من النقل.
سلمنا: أن فعل الواجبات هو الدين، والدين هو الإسلام، لكن لا نسلم أن الإسلام هو الإيمان وما ذكرتم من الدلالة عليه.
فالوجه الأول معارض: بقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل "لم" تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ولو اتحد المعنى لما صح ذلك، وإذا تعارض تساقطا وعليكم الترجيح، ثم إنه معنى، إذ الأصل تعدد المسميات عند تعدد الأسماء، وإن الأصل عدم التغيير.
وأما الوجه الثاني: فضعيف، إذ لا يلزم، وعدم الاتحاد أن يكون الاستثناء منقطعا لجواز أن يكون المستثنى أخص من المستثنى منه.
سلمنا: أن الإيمان في الشرع عبارة عن فعل الواجبات، لكن من جملة تلك الواجبات "التصديق" وفاقا فيكون إطلاق/ (45/ب) الإيمان على تلك الأفعال إطلاق اسم الجزء على الكل وهو مجاز لغوي، وعلى هذا لا يلزم منه
النقل بالكلية.
وثانيها: أن قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم نحو بيت المقدس.
وجوابه: منعه ولم لا يجوز أن يكون المراد منه التصديق بوجوب تلك الصلوات؟ وهذا وإن كان يلزم منه الاضمار لكنه خير من النقل على ما
ستعرف ذلك، ولأنه يقتضي أن يكون فعل بعض الواجبات إيمانا وهو خلاف الإجماع.
وثالثها: قاطع الطريق يخزى يوم القيامة، لأنه يدخل النار يوم القيامة، لقوله تعالى فيه:{ولهم في الآخرة عذاب النار} وكل من يدخل النار يوم القيامة فهو مخزي، لقوله تعالى حكاية عن الذين يذكرون الله قياما وقعودا في معرض المدح {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار} .
ولو كانوا كاذبين فيه، لما حسن ذكره في معرض المدح، والمؤمن لا يخزى يوم القيامة، لقوله تعالى:{يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} .
وجوابه: منع عموم قوله: {والذي آمنوا} بل المراد منه الصحابة لقرينة قوله {آمنوا معه} إما لأنه لم يصدر منهم ما يوجب ذلك، أو إن صدر، لكن الله تعالى تجاوز عنهم كرامة لهم، وحينئذ لا يلزم أن المؤمن لا
يخزى، إذ لا يلزم من نفي الحكم عن الخاص نفيه عن العام.
ولئن سلمنا: عمومه لكن لم لا يجوز أن يكون نفي الخزي مختصا بالنبي عليه السلام؟. وقوله: {والذين آمنوا معه} مستأنف.
فإن قلت: الدليل عليه أن الضمير في قوله تعالى {يسعى نورهم} و (يقولون) راجع إلى النبي، والمؤمنين، وإلا لزم أن لا تكون هذه الكرامة حاصلة للنبي، وحاصلة للمؤمنين، وهو باطل. وحينئذ يلزم أن لا يكون قوله:{والذين آمنوا} مستأنفا.
قلت: لا نسلم أنه حينئذ يلزم ما ذكرتم فلم لا يجوز أن يكون بتقدير الاستئناف يرجع الضمير إلى الكل؟. وهذا لأن استئنافه لا يقتضي إلا أن يكون قوله: {يسعى نورهم بين أيديهم} خبرا عنه وعنهم، وذلك لا ينافي أن يكون مع ذلك خبرا عن غيره، وغيرهم أيضا.
سلمنا: المنافاة، لكن لا يلزم منه أن لا يكون هذه الكرامة حاصلة للنبي عليه السلام، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يقتضي نفي الحكم عما عداه، بل غايته أن حصول هذه الكرامة للنبي عليه السلام غير مستفاد من هذا النص وليس ذلك بممتنع.
ورابعها: قوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
أثبت الإيمان مع الشرك، والتصديق بوحدانية الله لا يجامع/ (46/أ) الشرك، فالإيمان غير التصديق.
وجوابه: انه لا يلزم عليكم أيضا من وجهين:-
أحدهما: أنكم تساعدوننا، بل الأمة كلها على أن الإيمان لا يحصل بدون التصديق بوجود الله تعالى ووحدانيته، لكن منهم من فسره بالتصديق المخصوص، وهو تصديق الرسول لكل ما علم مجيئه به بالضرورة. ومنهم من فسره بشيء لا يتحقق بدون التصديق سواء كان التصديق شطرا له [أو شرطا له] وعلى المذهبين الإيمان بالله ينافي الشرك به.
فما هو جوابكم عنه فهو جوابنا.
وثانيهما: أنا وإن سلمنا أنه يمكن أن يتحقق الإيمان الشرعي بدون التصديق، لكنه لا يجامع وفاقا لكونهما متضادين، والشرك في عرف الشرع عبارة عن الكفر على ما عرف ذلك في موضعه، فالإيمان لا يجامع الشرك كما لا يجامع الكفر إذا كان كذلك كان الإشكال لازما عليكم أيضا، والجواب
واحد.
والجواب الحقيقي: هو أن معنى الآية- إن شاء الله تعالى- وما يؤمن أكثرهم باللسان إلا وهم مشركون بالقلب، ومعلوم أنه لا يلزم منه حينئذ، أن يكون الإيمان غير التصديق.
وخامسها: لو كان الإيمان في الشرع عبارة عن التصديق- أيضا- لكان المصدق بالله وبوحدانيته الساجد للصنم أو الشمس مؤمنا، ولكان من ألقى المصحف في القاذورات، وشد الزنار في وسطه مؤمنا، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
وجوابه: أنه ليس في الشرع عبارة عن نفس التصديق حتى يلزم ما ذكرتم، بل هو عبارة عن تصديق خاص، وهو ما تقدم ذكره. وعلى هذا لا يلزم نقله عن المسمى اللغوي بالكلية، بل غايته أنه يلزم منه تخصيصه ببعض التصديقات، وهو مجاز لغوي.
سلمنا: أن ما ذكرتم من الدليل يدل على أن الإيمان في الشرع: عبارة عن فعل الواجبات. لكنه معارض بالآيات الدالة على أن محل الإيمان هو القلب، كقوله تعالى:{أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان} .
{وقلبه مطمئن بالإيمان} ، {أفمن شرح الله صدره للإسلام}
وبالآيات الدالة على مجامعة الإيمان، مع الفسق، والمعاصي، كقوله تعالى:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} . وقوله: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} .
وبالآيات الدالة على أن الأعمال الصالحة أمور مضافة إلى الإيمان، كقوله تعالى:{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ، {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا} ، "ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات} / (46/ب).
وسادسها: وهو الوجه المعقول، أن هذه المعاني الشرعية لم تكن متعلقة قبل الشرع، بل حدث تعلقها بعده، فوجب أن يوضع لها سم، لأنها من جملة المعاني التي تمس الحاجة إلى التعبير عنها، وقد ثبت فيما سلف أنه يجب أن يكون لمثل هذه المعاني اسم، وليس لها اسم من وضعهم لاستحالة الوضع قبل
الشرع، فأسماؤها بوضع الشرع فهي حقائق شرعية.
وجوابه: ما سبق. وإذا ظهر ضعف مأخذ المذهبين ظهر أن الحق هو المذهب الثالث.