الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول:
في حد الكلام والكلمة وأقسامها
اعلم أن لفظ الكلام مشتق من الكلم وهو الجرح، والحروف المسموعة المفهمة إنما سميت بذلك، إما لأنها تكلم القلب بالإفهام أي توثر فيه به، إذ الكلام يستلزم التأثير. وإما لأن بعض أنواعه يجرح القلب بالإيذاء والإنكاء ولذلك قيل. كلم الكلام أشد من كلم السهام. ثم سمي الجنس باسم نوعه كتسمية علم أصول الدين بعلم الكلام، فإن مسألة الكلام بعض [أنواع] مسائله.
ثم اختلف العلماء في أن الكلام حقيقة فبماذا:
أما المعتزلة فقد اتفقوا على أنه حقيقة في العبارة فقط.
وأما أصحابنا فقد اختلفوا فيه، فالأكثرون على أنه لفظ مشترك بين المعنى القائم بالنفس وبين العبارة الدالة عليه، وإن كان الاشتقاق لا يشهد لهم في أنه حقيقة في المعنى، وقال بعضهم كإمام الحرمين إنه حقيقة في المعنى مجاز في العبارة تسمية للدليل باسم المدلول.
وعلى التقديرين فالذي يتعلق غرضنا به في هذا الكتاب هو الكلام بمعنى العبارة سواء كان حقيقة فيه بطريق الانفراد أو الاشتراك- أو مجازا.
وأما الكلام بالمعنى القائم بالنفس فالكلام في علم الكلام، فنقول اختلف الأصوليون والنحويون في تحديده.
أما الأصوليون فقد قال أبو الحسين البصري/ (10/أ) منهم: الكلام هو المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة المتواضع عليها الصادرة عن
قادر واحد.
وقولنا. المنتظم. وهو إن كان حقيقة فيما يوجد أجزاؤه معا بصفة التأليف وهو غير متصور الحصول في الحروف لتعاقبها في الوجود لكن إنما أطلقناه عليها على طريق التجوز.
ووجهه أن الحروف المسموعة مشابهة له في كونها تحس معا من غير إحساس بالتعاقب.
وقولنا: من الحروف: احترزنا بع من الحرف الواحد فإنه ليس بكلام.
فإن قلت: لا نسلم أن الحرف الواحد ليس بكلام ألا ترى أن "ق" و "ع" كلام مع أنه حرف واحد.
قلت: الدليل على أن الحرف الواحد ليس بكلام الإجماع، إذ النحاة والأصوليون أجمعوا على أن أقل ما يمكن أن يكون كلاما حرفان، وأما "ق" و "ع" فإن كل واحد منهما وإن كان حرفا واحدا في الظاهر، لكنهما في الأصل حرفان، القاف والياء والعين والياء، ولذلك يرجع الياء الساقطة في حالة التثنية فيقال: قيا وعيا.
واحترزنا: بالمسموعة، عن المكتوبة، فإنه وإن أطلق عليها الكلام كما في قولهم: المكتوب في المصاحف كلام الله لكن على وجه التجوز.
وقولنا: المتميزة: احترزنا بها عن أصوات كثير من الطيور.
واحترزنا: بالمتواضع عليها، من المهملات.
وبالصادرة عن قادر واحد عن الصادر عن قادرين فصاعدا، كما إذا صدر "القاف" من "قف" من واحد، و "الفاء" من واحد آخر فإنه لا يسمى كلاما.
واعلم أن هذا الحد: يقتضي أن يكون بعض ما هو كلمة عند النحاة.
كالاسم والفعل والحرف الذي على حرفين كلاما عند الأصوليين، وهو قولهم: ولا يقتضي أن كل ما هو كلمة عند النحاة كلام عندهم حتى يتجه أن يقال الحد غير جامع، لأنه غير متناول لبعض الكلمة التي هي على حرف واحد كباء الإلصاق ولام التمليك.
والأولى: أن نحد الكلام والكلمة على وجه لا يلزم منه مخالفة النحاة، لأن اتفاقهم في المباحث العربية حجة على غيرهم، فيقول:
كل منطوق به على سبيل الاستقلال دال بالاصطلاح على معنى مفرد فهو الكلمة.
فقولنا. كل منطوق به: احترزنا به عن الإيماء والإشارة والكتابة.
وقولنا: على سبيل الاستقلال: عن الحركات الإعرابية كالرفع والنصب، فإنه- وإن كان منطوقا به دال بالاصطلاح على معنى مفرد- وهو الفاعلية والمفعولية- لكنه ليس على سبيل الاستقلال.
وقولنا: دال بالاصطلاح احتراز عن اللفظ المهمل فإنه وإن دل على حياة لافظه لكن ليس ذلك بالاصطلاح بل بالعقل، واحترزنا بالمعنى المفرد: عن الكلام.
ومن هذا تعرف ضعف ما ذكره الإمام في حد الكلمة هو: / (10/ب) كل منطوق بع دل بالاصطلاح على معنى فهو الكلمة، وأما الكلام: فهو المركب الذي يحسن السكوت عليه.
فقولنا: المركب: احترزنا به عن الكلمة.
وقولنا: يحسن السكوت عليه: عن مثل قولك غلام زيد، وهو إنما يتألف من اسمين كقولك: زيد قائم، "أو من اسم وفعل"، أو من اسم وحرف، وهو في النداء خاصة.
وأما الأقسام الثلاثة الباقية فلا يحصل منها الكلام.
ومنهم من لم يعتبر التأليف الأخير قسما مستقلا، بل زعم أنه راجع إلى القسم الثاني، لأن حرف النداء نائب مناب الفعل وتقديره أدعوك أو أناديك.
واعترض عليه: بأنه لو كان كذلك لاحتمل التصديق والتكذيب كأصله.
وأجيب عنه: بمنع الشرطية، وهذا لأنه نقل عن الخبرية إلى الإنشائية كصيغ العقود وهي غير قابلة للتصديق والتكذيب مع بقاء صيغة الخبرية فهذا أولى أن لا يقبلها لعدم معنى الخبرية وصيغته.
ثم اعلم أن أنواع الكلام أربعة، الجملة الإسمية كقولنا: زيد قائم، أو زيد قام، والجملة الفعلية كقولنا: قام زيد، والجملة الشرطية كقولنا: إن تكرمني
أكرمك، والجملة الظرفية كقولنا: في الدار زيد، والأخيرتان ترجعان إلى الأولتين.
وأما أقسام الكلمة فثلاثة: لأنها إن لم تدل على معنى في نفسها فهي الحرف، سميت بذلك، إما لوقوعها في طرف الكلام في الرتبة، وإما لأن بعض أنواعها على حرف واحد كباء الإلصاق ولام التمليك فسمي الجنس باسم نوعه. وإن دلت، فإما أن تدل على الزمان بصيغتها ووزنها أو لا تدل كذلك والأول هو الفعل والثاني الاسم، وإن شئت عبارة أخرى فقل: الكلمة إن دلت على معنى في غيرها فهي الحرف، وإن دلت على معنى في نفسها وعلى زمان هو ظرف لمسماه فهي الفعل، وإن دلت على معنى في نفسها من غير أن تدل على زمان هو ظرف لمسماه فهي الاسم، وسمي الفعل فعلا لكون مدلوله فعلا في الأكثر فهو من باب إطلاق اسم المدلول على الدليل.
وأما الاسم فإنما سمي اسما إما لسموه على قسيميه، أو لأنه سما بمسماه فكشفه وأظهره، وإما لكونه علامة بمسماه.
وقد ظهر بما ذكرنا من التقسيم تمييز كل واحد منها عن الآخر.
تنبيه:
اعلم أن ما ذكرنا من أن الفعل نوع من أنواع الكلمة على الإطلاق من غير تفصيل فإنما هو على رأي النحاة، وأما الحكماء فقد فصلوا بين الماضي والمضارع، واتفقوا على أن الماضي منه كلمة "واحدة" وإن دل على المصدر وعلى موضوعه الغير معين لما أنه ليس فيه جزء مستقل يدل على جزء
المعنى. واختلفوا في المضارع، فذهب أبو علي منهم إلى أن الذي للغائب منه / (11/أ) كلمة أيضا لكونه غير دال على الموضوع المعين كالماضي.
وذهب الباقون إلى [أن] كل واحد من ألفاظ المضارع كلام لكونه محتملا للتصديق والتكذيب، مع أن لجزئه دلالة على جزء المعنى إذ حرف المضارع فيه يدل على الموضوع الذي صدر المصدر منه معينا كان أو غير معين كما في الغائب كلمة بالاتفاق كالماضي لكن الأول أقرب وأوثق، إذ الفرق عسير، فكان اتفاق الكل عليه أبعد.
الفصل الثاني
في البحث عن مبدأ اللغات