الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما دل عليه مع الصفة أو صفة الصفة، فإن دلالتهما على الذات باعتبارين لا باعتبار واحد، لأنهما من جملة الأقسام المتباينة على ما تقدم فيخرجان بقيد كون المسمى واحدا فلا حاجة إلى قيد آخر.
المسألة الثانية
في وقوع الترادف
من الناس من أنكر وقوعه في اللغة العربية، وزعم أن كل ما يظن أنه من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات، كما في الإنسان والبشر، فإن الأول: موضوع له باعتبار النسيان، أو باعتبار أنه "يونس"، والثاني: باعتبار أنه بادي البشرة، وكذلك الخندريس، والعقار، فإن الأول: باعتبار العتق، والثاني: باعتبار عقر الدن لشدتها. أو بالذات، والصفة، كالأسد والليث، فإن الثاني: يدل على الذات مع اعتبار الصفة
وهي: إما "مع" التوثب، إذا "الليث" اسم لضرب من "العناكب" التي تصطاد الذباب بالتوثب، أو باعتبار أنه يلوث ويكثر للفساد. أو باعتبار الصفة وصفة الصفة كـ "الأسود" و "الأفحم"، فإن الثاني وإن كان يدل على الذات المتصف بالسواد كالأسود لكن باعتبار أنه يميل إلى الصفرة.
واعلم أن ما ذكروه وأن كان ممكنا، لكن الأغلب على الظن وقوعه بالاستقراء، وما يتكلفه الاشتقاقيون من التكلفات النادرة البارزة فذلك مما لا يشهد لصحته عقل ولا نقل.
نعم "بعض" ما يظن انه من المترادفات فيجوز أن يكون من المتباينات تباين الصفتين أو تباين الصفة وصفة الصفة، فأما الكل فلا.
ثم/ (29/ب) نقول: الدليل على إمكان وقوعه وإن كان لا يظن بعاقل أن ينازع فيه وجوه:-
أحدها: أنه ممكن نظرا إلى ذاته، إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال، ونظرا إلى داعية الواضع، فإن الواضع يتبع الغرض، وقد يتعلق الغرض به لتسهيل التعبير عن الشيء، فإن الشيء إذا كان له اسمان كان التعبير عنه أسهل مما إذا كان له اسم واحد، لجواز أن ينسى أو يعسر حفظه لتنافر تركيبه وللأقدار على الفصاحة ورعاية السجع والتجنيس وسائر أصناف البديع، فإن الشعر قد يمتنع وزنه وقافيته مع أحد الاسمين ولا يمتنع ذلك مع الآخر، وكذلك الكلام في السجع والتجنيس وسائر أصناف البديع.
وثانيها: أن الشيء إذا كان له اسم واحد كانت الدواعي متوفرة على حفظه، لأنه لا يمكن التعبير عنه إلا به، فإذا ورد خطاب الشرع به عرفه كل واحد من غير اجتهاد في طلبه. أما إذا كان له اسمان لم تكن الدواعي متوفرة في حفظهما، لأن تعريفه حاصل بأحدهما فإذا ورد خطاب الشرع به فربما ورد بالاسم الذي لم يعرفه المكلف فيجتهد في طلب معناه فيتناول الثواب، فهذا الغرض يجوز أن يكون باعتبار للواضع على الوضع.
وثالثها: أن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين، والأخرى الاسم الآخر له من غير أن تشعر كل واحدة منهما بصنيع الأخرى، ثم يتسع الوضعان فيكون الترادف واقعا ضمنا بالداعي الأصلي للوضع، ويشبه أن يكون هذا هو السبب الأكثري لوقوعه، ولا يخفى عليك أن هذا مبني على كون اللغات اصطلاحية.
وأما الدليل على وقوعه: أما بالنسبة إلى لغتين فلا حاجة إليه لأنه معلوم بالضرورة. وأما بالنسبة إلى اللغة العربية فما نقل من العرب أنهم وضعوا الحنطة والقمح والبر للطعام المخصوص، واللجين والفضة للنقد المخصوص، وغير ذلك من الأسامي التي لا يعقل في معناها التفاوت أصلا.
واحتجوا على عدم وقوع بوجوه:-
أحدها: أنه يتضمن تعريف المعرف، وهو عيب غير واقع من الحكيم.
وثانيها: أنه يؤدي إلى أحد المحذورين، وهو: إما الإخلال بالفهم، أو حصول المشقة الزائدة. فما يؤدي إليه يغلب على الظن عدم وقوعه لأنهما يقبحان من الحكيم إذا أمكنه الاحتراز عنهما.
بيان الملازمة: أن كل واحد من أهل اللسان إن لم يحفظ المترادفين لزم الأمر الأول، على تقدير أن يرد الخطاب باللفظ الآخر وإن حفظهما لزم الاسم الثاني.
وثالثها: الترادف مشتمل على المفسدة الراجحة، ولهذا قل وجوده على رأي من/ (30/أ) يقول به وما كان كذلك وجب أن لا يكون.
والجواب: عن الأول: أنه إنما يكون عيبا ممتنع الوقوع، إن لو كانت الفائدة منحصرة في التعريف، وهو ممنوع بل فيه فوائد أخر، كما تقدم ذكرها. وهذا إن قيل بالتحسين والتنقيح العقلي وإلا فأصله مندفع.
وعن الثاني: النقض باللغات المختلفة، ثم ما ذكرتم من المحذور معارض بفوائد الترادف كما سبق ذكرها.
وعن الثالث: أنا نسلم أنه مشتمل على المفسدة التي توجب قلة وجوده، لا على ما يوجب عدمه، على أنه فاسد الوضع، لأنه استدلال بندورته المستلزمة لوجوده على عدمه.