المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادسفي تقسيم دلالة الألفاظ المفردة بحسب المطابقة - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ١

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول"في تعريف أصول الفقه بسيطا ومركباوبيان موضوعه وعلته غايته

- ‌الفصل الثانيفي تعريف ما يحتاج إليه أصول الفقه من الألفاظ

- ‌الفصل الثالثفي الحكم الشرعي

- ‌النوع الأولالكلام في اللغاتوفيه فصول

- ‌الفصل الأول:في حد الكلام والكلمة وأقسامها

- ‌الفصل الثانيفي البحث عن مبدأ اللغات

- ‌الفصل الثالثفي العلة الغائية لوضع الألفاظ للمعاني وسبب اختيارها على غيرها من الطرق

- ‌الفصل الرابعفي الطريق الذي به يعرف كون اللفظ موضوعا للمعنى

- ‌الفصل الخامس"في بيان أنه لا يجب أن يكون لكل معنى لفظوالمعاني التي تدل عليها الألفاظ

- ‌المسألة الأولى[لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ]

- ‌المسألة الثانيةفي المعنى الذي يدل عليه اللفظ قبل اللفظ

- ‌المسألة الثالثةفي أن اللفظ المتداول المشهور بين الخواص والعوام، إنما يدل على المعنى المشهور فيما بينهما

- ‌الفصل السادسفي تقسيم دلالة الألفاظ المفردة بحسب المطابقة

- ‌التقسيم الثالث:اللفظ إما أن يكون واحدا أو كثيرا

- ‌التقسيم الخامس:مدلول اللفظ إما أن يكون لفظا، وإما أن يكون غيره

- ‌الفصل السابعفي تقسيم اللفظ المركب بحسب المطابقة

- ‌الفصل الثامنفي تقسيم دلالة التضمن والالتزام

- ‌الفصل التاسعفي الأسماء المشتقة

- ‌المسألة الأولىفي حد المشتق

- ‌المسألة الثانية[لا يصدق المشتق بدون المشتق منه]

- ‌المسألة الثالثةفي أن بقاء ما منه الاشتقاق، هل هو شرط في إطلاق اسم المشتق بطريق الحقيقة أم لا

- ‌المسألة الرابعةالمعنى القائم بالشيء إذا كان له اسم يمكن الاشتقاق منه، فهل يجب أن يشتق لمحله اسم أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي أن القياس، هل هو جار في اللغات، أم لا

- ‌الفصل العاشرفي الترادف والتوكيد

- ‌المسألة الأولىفي تعريف الألفاظ المترادفة

- ‌المسألة الثانيةفي وقوع الترادف

- ‌المسألة الثالثةفي أنه هل يصح "صحة" إقامة كل واحد من المترادفين مقام الآخر

- ‌المسألة الرابعةفي التأكيد

- ‌المسألة الخامسةفي الفرق بين المترادف والتأكيد وبينهما وبين التابع

- ‌المسألة السادسة[في حكم التأكيد في الكلام]

- ‌الفصل الحادي عشرفي الاشتراك

- ‌المسألة الأولىفي حد اللفظ المشترك

- ‌المسألة الثانيةحكم اللفظ المشترك

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام اللفظ المشترك

- ‌المسألة الرابعةفي السبب الذي به يعرف كون اللفظ مشتركا

- ‌المسألة الخامسة[في وقوع المشترك في كلام الله ورسوله]

- ‌المسألة السادسةفي أن الأصل عدم الاشتراك

- ‌المسألة السابعةفي أن اللفظ المشترك المفرد المثبت، إذا صدر عن متكلم واحد مرة واحدة مجردة عن القرائن. هل يجوز حمله على جميع معانيه بطريقة الحقيقة أم لا

- ‌المسألة الثامنة[في اللفظ المشترك إذا لم توجد معه قرينة يكون مجملا]

- ‌الفصل الثاني عشرفي الحقيقة

- ‌المسألة الأولىفي تفسير الحقيقة بحسب اللغة

- ‌المسألة الثانيةفي حد الحقيقة بحسب اصطلاح العلماء

- ‌المسألة الثالثةفي إثبات الحقيقة اللغوية والعرفية

- ‌المسألة الرابعةفي الحقيقة الشرعية

الفصل: ‌الفصل السادسفي تقسيم دلالة الألفاظ المفردة بحسب المطابقة

‌الفصل السادس

في تقسيم دلالة الألفاظ المفردة بحسب المطابقة

فهو من وجوه:

الأول: اعلم أن دلالة اللفظ على تمام مسماه هي المطابقة كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، وعلى جزئه هي التضمن، كدلالته على الحيوان وحده، وعلى الناطق وحده، وعلى لازمه الخارج عن مسماه هي الالتزام، كدلالته على الكاتب أو الضاحك والنعه في الكل من حيث هو كذلك، احترازا عن اللفظ المشترك بين الجزء والكل واللازم والملزوم.

أما الأول: فهو كالإمكان العام والخاص، والعام جزء من الخاص فإذا أطلق وأريد به الخاص فقد دل على العام بطريق التضمن هو تمام مسماه أيضا: فيصدق عليه أنه دل على تمام مسماه، فلو لم يقيد الدلالة بالقيد المذكور لزم أن تكون دلالة التضمن دلالة المطابقة وهو خلف.

وأما الثاني: فمثل فعيل المشترك بين الفاعل والمفعول، كالرحيم فإنه قد يكون بمعنى المرحوم كما يكون بمعنى الراحم نص عليه الجوهري، وهو دال على

ص: 121

أحدهما بطريق المطابقة دل على الآخر بطريق الالتزام لكونه لازما له، وهو أيضا: تمام مسماه فيصدق عليه أنه دل على تمام مسماه، فلو لم يقل: من حيث هو كذلك لزم أن تكون دلالة الالتزام دلالة المطابقة، فلم يكن التعريف مانعا.

تنبيهات:

الأول: منهم من لم يقيد دلالة المطابقة بالقيد المذكور وقيد الباقين، لا لأنه لا حاجة إليه في المطابقة، فإن الحاجة إليه بينة لما ذكرنا وكيف يتوهم ذلك؟ فإنه كما/ (17/أ) يحتاج إليه لدفع النقض في التضمن والالتزام عند حمل اللفظ المشترك بين الكل والجزء واللازم والملزوم على الجزء واللازم، فكذلك يحتاج إليه في المطابقة "لدفعه عند حمله على الكل والملزوم بل لعله ظن أن دلالة التضمن والالتزام لا يمكن معرفتهما إلا بعد معرفة المطابقة" لكونهما تابعين لها، فلو جعل القيد المذكور جزء من معرفة المطابقة للاحتراز عنهما لزم أن يكونا معلومين قبل المطابقة، فيلزم أن يكون

ص: 122

الشيء معلوما قبل كونه معلوما وهو محال. ولا يخفى عليك ما فيه.

الثاني: دلالة المطابقة قد تنفك عن التضمن، وذلك حيث يكون مدلول اللفظ بسيطا لا جزء له. وهي ينفك عن دلالة الالتزام، أم لا؟ فالأكثرون علي أنها لا تنفك، لأن كل ماهية لابد وأن يكون له لازم لعله أنه ليس غيره.

ومنهم من جوزوا الانفكاك زاعما أن شرط دلالة الالتزام أن يكون اللازم بحيث يكون تصوره لازما لتصور الملزوم. وهو ممنوع فيما ذكر من اللازم، وهذا لأنه يمكننا أن نعقل الماهية مع الذهول عن الاعتبار المذكور.

ص: 123

وأما المطابقة ولازمها [فلا وجه] لهما لاستحالة وجود التابع من حيث إنه تابع بدون المتبوع.

الثالث: قيل: الدلالة الحقيقية والوضعية واللفظية هي المطابقة والباقيتان عقليتان ومجازيتان. وهذا ظاهر لا إشكال فيه وإنما وصفنا بكونهما عقليتين، إما لأن العقل يستقل باستعمال اللفظ فيهما من غير افتقار إلى استعمال أهل اللسان اللفظ فيهما، وهذا يستقيم على رأى من لم يعتبر الوضع في المجاز، وإما لأن المتميز بين مدلوليهما وهما الجزء واللازم هو العقل.

وقال: بعضهم دلالة التضمن لفظية أيضا: دون الالتزام، وهو ضعيف، لأنه إن جعل دلالة التضمن لفظية لأجل أن فهم الجزء فيهما إنما هو بواسطة اللفظ فدلالة الالتزام أيضا: كذلك لأن فهم اللازم إنما هو بواسطة اللفظ الدال على الملزوم. وإن كان لأجل أن اللفظ موضوع له بالوضع المختص بالحقيقة فهو باطل، أو بالوضع المشترك بين الحقيقة والمجاز فاللازم أيضا: كذلك أن اعتبر الوضع في المجاز وإلا فليس فيهما الوضع، وإن كان لأجل أن الجزء داخل في المسمى واللازم خارج عنه فهو تحكم محض واصطلاح من غير مناسبة على أنه يلزم منه أن تكون الدلالة اللفظية مطلقة عليها بالاشتراك اللفظي، وأنه خلاف الأصل.

الرابع: دلالة اللفظ على المعنى بواسطة الوضع منحصره فيما ذكرنا من الوجوه/ (17/ب) الثلاثة. والدليل عليه أن المعنى من دلالة اللفظ على المعنى أن يفهم المعنى عند سماعه، أما وحدة كما في المطابقة، وأما مع القرينة

ص: 124

كما في التضمن والالتزام، فلو فهم منه معنى عند سماعه ليس هو موضوعه ولا جزء موضوعه ولا لازمه لزم ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح، لأن نسبة ذلك اللفظ إلى ذلك المعنى، كنسبته إلى سائر المعاني ففهمه دون سائر المعاني ترجيح من غير مرجح.

واحترزنا بقولنا: بواسطة الوضع، عن دلالته بواسطة العقل، كدلالته على حياة اللافظ. وقدرته على التكلم عن دلالته بالطبع، كدلالة: أح على الوجع، وأف على الضجر، وعن دلالته بالعرف، كنباح الكلب بالليل على دخول الطارق، فإن هذه الدلالات خارجة عن تلك الدلالة الثالثة.

الخامس: المعتبر في دلالته الالتزام اللزوم الذهني ظاهرا، دون الخارجي، فلأنه لولاه لما فهم المعنى لما تقدم، وإنما قلنا: ظاهرا لأن القطعي غير معتبر وإلا لم يجز إطلاق اسم اليد على القدرة ونحوه، فإن اليد لا تستلزم القدرة قطعا، لأن اليد قد تكون شلاء بل ظاهراً، وكإطلاق

ص: 125

اسم "أحد" المتقابلين على الآخر، فإن فهم أحدهما لا يستلزم فهم الآخر قطعا بل ظاهرا [على] الحال، واسم الجزء على الكل إذ المحل غير مستلزم للحال قطعا ولا الجزء للكل، وأما الثاني فلحصول الفهم بدونه كما في الضدين المتقابلين تقابل العدم والملكة، إذ يقال للأعمى بصير وهو عدم البصر عما من شأنه أن يبصر. واستدل الإمام على عدم اعتبار اللزوم الخارجي بوجه آخر، وهو أن الجوهر والعرض يتلازما في الخارج مع أنه لا يستعمل لفظ أحدهما في الآخر.

وهو ضعيف، لأنه لا يلزم من وجود ما يعتبر في وجود الشيء وجوده لجواز أن يكون شرطا أو لازما أعم. والعجب منه، أنه صرح عقيب هذا الاستدلال، أن اللزوم الذهني شرط لا موجب، فبتقدير أن يكون الملزوم

ص: 126

الخارجي معتبرا كان كذلك، فكيف استدل بوجوده مع عدم الاستعمال على عدم الاعتبار؟. ولنرجع إلى التقسيم.

فنقول: الدال بالمطابقة، إن قصد لكل جزء منه دلالة على كل جزء من المعنى حين هو جزؤه فهو المركب كعبد الله إذا أريد منه النعت، وإن لم يقصد لكل جزء من المعنى حين جرؤه فهو المفرد، وأما [ما] يقصد بأحد جزئي اللفظ دلالة على أحد جزئي المعنى حين هو جزؤه "فهو المفرد/ (18/أ) وأما ما يقصد بأحد جزئي اللفظ دلالة على أحد جزئي المعنى وحين هو جزؤه" دون الجزء الآخر، فهو غير واقع، سواء كان له دلالة في غيره، أو لم يكن له دلالة على شيء أصلا، إذ التركيب لا يصار إليه إلا لفائدة، وضم المهمل إلى المستعمل غير مفيد، والذي له دلالة في غير ذلك المعنى مهمل أيضا بالنسبة إلى ذلك التركيب. لا يقال: كلمات المضارع على رأي الحكماء كذلك، لأن كل واحد من حروف المضارع يدل على جزء من معنى الجملة، فإن الهمزة تدل على الفاعل المتكلم، والنون تدل عليه مع غيره، وكذا البواقي وما بعده لا يدل على شيء أصلا، إما لأن دلالته على الشيء فرع كونه لفظا وهو ليس بلفظ، إذ لا يمكن التلفظ به لسكون أول جزئه، وأما لأنه ليس من أنواع الكلمة إذا ليس حرفا من حروف المعاني وهو ظاهر، ولا فعلا لأنه ليس ماضيا ولا مضارعا ولا أمرا لانتفاء علامة كل واحد منها عنه ولا اسما.

ص: 127

أما أولا: فلانتفاء علامته أيضا.

وأما ثانيا: فلأنه لا يتركب كلام من الاسم والحرف إلا في النداء للاستقراء.

وكلمات المضارع كلام عندهم، فلا يكون مركبا من حرف واسم، وإذا لم يكن من أنواع الكلمة، لم يكن دالا على شيء لانحصار الألفاظ الدالة بواسطة الوضع في تلك الأنواع الثلاثة، فظهر أن كلمات المضارع على رأي الحكماء مركبة من جزء يدل على جزء معنى الجملة ومن جزأ ليس له دلالة أصلا.

لأنا نقول: إن عنيت بقولك: إن ما بعد حرف المضارع لا يدل على شيء أصلا، أنه كذلك سواء كان حالة التركيب أو حالة التحليل، فهو ممنوع ولا يمكن دعواه لأنه معلوم الفساد بالضرورة، إذ نعلم بالضرورة أنه يدل على معنى المصدر حالة التركيب.

وإن عنيت به أنه لا يدل على شيء أصلا حالة التحليل، فهذا مسلم ولا يضرنا لأنا نعنى من سلب الدلالة عن الجزء وعموم السلب أي لا يدل على شيء أصلا، سواء كان حالة التركيب أو حالة التحليل ولا يخفى أن ما ذكرتموه غير مناف له.

اعلم أنه يدخل تحت المفرد على مذكرنا، أقسام خمسة:-

أحدها: ما ليس له جزء كـ ق، وع. إذا جعل علما.

وثانيها: ما له جزء لكن ليس لشيء من أجزائه دلالة لا في معنى. اللفظ ولا في غيره كفرس وجمار.

وثالثها: ما لأحد جزئيه دلالة لكن في غير معنى اللفظ، وليس للجزء

ص: 128

الآخر دلالة أصلا لا فيه ولا في غيره، كالإنسان، فإن: لـ "إن" معنى في غيره، وليس لـ "إن" معنى، لا في مدلول اللفظ ولا في غيره.

رابعها: ما [لجز] ئية دلالة لكن لا في معنى اللفظ [لكن لا يقصد بهما الدلالة عليهما] بل في غيره/ (18/ب) كعبد الله إذا جعل علما.

خامسها: ما لجزئيه دلالة على جزء المعنى المدلول عليه باللفظ، لكن لا يقصد بهما الدلالة عليهما كالحيوان الناطق إذا جعل علما لإنسان.

ثم لا فرق بين المركب والمؤلف. والقول: عن بعضهم كالمسح، وفرق بعضهم بين المركب والمؤلف، ففسر المؤلف بما فسرنا المركب وخص المركب بم يكون لأحد جزئيه أو لكليهما دلالة لكن على غير جزء المعنى المدلول عليه باللفظ، وبينهما على هذا التفسير مباينة، ولو فسر المؤلف بما لجزئه دلالة، أما على جزء المعنى أو على غيره، والمركب بما تقدم كان بينهما نسبة العموم والخصوص.

التقسيم الثاني:

اللفظ أن منع نفس تصور معناه عن وقوع الشركة فهو الجزئي، ولا حاجة

ص: 129

إلى تقييده بالمفرد كما وقع في كلام الإمام وغيره، فإن المركب قد يكون جزئيا، مثل قولنا: هذا الرجل، فإن نفس تصور ذلك الرجل المشار إليه يمنع من وقوع الشركة فيه، وإن كان نفس تصور المعنى هذا وحده والرجل وحده لا يمنع من وقوع الشركة فيه، وإن لم يمنع فهو الكلي.

ثم اعلم: أن الجزئي والكلي بالذات هو ذلك المعنى وإنما يقال: اللفظ الدال عليه كلي وجزئي بالعرض، والكلي: إما أن يمتنع وجود فرد من أفراده، لدليل دل على امتناعه كشريك الباري، أو لا يمتنع وجوده وحينئذ: إما أن يجب أو يمكن.

أما الأول: فإما أن يجب وجود فرد منه مع امتناع غيره، كالباري تعالى، أو لا مع الامتناع، وحينئذ: أما أن يجب وجود الأفراد الكثيرة منه، أو يجب واحد منها مع إمكان [غيره] ولنطلب لهما مثال إن وجد.

وأما الثاني: وهو أن يمكن، فإما أن لا يوجد فرد من أفراده كجبل من ياقوت، وبحر من زئبق، أو وجد واحد إما مع إمكان غيره، كالعالم والشمس، عند من يجوز وجود عالم آخر وشمس آخر أو مع امتناع غيرهما عند من لا يجوز وجود أمثالهما، أو وجد مع واحد مثله، إما متناهيا

ص: 130

كالكواكب، أو غير متناه كالنفوس على رأي الفلاسفة.

فرعان:

الأول: في تقسيم المعنى الكلي. الكلي: إما تمام الماهية، أو جزء منها، أو خارج عنها، وليس المراد من كونه تمام الماهية أنه تمام ماهيته في نفسه [وإلا لزم أن يكون الجزء الخارج عن الماهية قسمين داخلين فيه ضرورة أن الجزء الخارجي أيضا تمام الماهية نفسه] فلا يكونان قسمين له، بل المراد منه أن الماهية، إما أن تعتبر من حيث إنها ماهية مع قطع النظر عما يعرض لها من العوارض كالجزئية والخارجية، أو يعتبر مع العارض نحو كونها جزء لغيرها، أو خارج عن ماهية غيرها/ (19/أ)

ص: 131

فالأول: تمام الماهية، والثاني: جزء منها، والثالث: خارج عنها.

واعلم أن المقول: في جواب، ما هو؟ إنما هو الأول، لأن ما هو سؤال عما به هو به الشيء وهو بتمام الماهية فيكون جوابه بتمام الماهية، وهي على ثلاثة أقسام:-

أحدها: ما يصلح أن يكون جوابا عنه إذا سئل به عن الشيء حده، ولا يصلح أن يكون جوابا إذا سئل عنه مع غيره، كالحد بالنسبة إلى المحدود، وهو المقول في جواب، ما هو بالخصوصية المحضة.

وثانيها: عكسه كالجنس إلى أنواعه، وهو المقول في جواب، ما هو بالشركة المحضة؟

وثالثها: ما يصلح أن يكون جوابا عنه في حالتي الانفراد والاجتماع معا، كالنوع بالنسبة إلى الأفراد الداخلة تحته، وهو المقول في جواب ما هو بحسب الشركة والخصوصية معا.

وأما الكلي الذي هو جزء الماهية: فهو المسمى بالذاتي على رأي الأكثرين.

ص: 132

وقد فسر الشيخ الذاتي بما ليس بعرضي فيتناول تمام الماهية وجزءها، ولا يخفى أنه مخالف للمعنى اللغوي، إذ الذاتي في اللغة ما يكون منسوبا إلى الذات، والشيء لا ينسب إلى نفسه، وقد فسر الذاتي في غير هذا الموضع بحيث يتناول الجزء والخارجي، وهو وإن كان موافقا للمعنى اللغوي لكنه خلاف العرفي الاصطلاحي، والذي نريد منه هنا هو الأول.

فنقول: إنه إما أن يكون تمام المشترك، وهو الجنس، أو تمام المميز وهو الفصل وإن لم يكن تمام المشترك ولا تمام المميز فهو إما جنس الجنس أو جنس الفصل، أو فصل الجنس، أو فصل الفصل، والأول كالجسم بالنسبة إلى الحيوان والنامي، والثاني كالإدراك بالنسبة إلى الإدراك الكلي والجزئي والثالث كالحساس والمحرك بالإرادة بالنسبة إلى أنواع الحيوان، والرابع كالفصيح بالنسبة إلى الناطق، وهذا على رأي من لا يفسر الفصل بكمال المميز فيكون الجزء عنده منحصر في الجنس

ص: 133

والفصل. وهذا لأنه إن لم يكن مشتركا بينه وبين ماهية ما كان فصلا قريبا، وإن لم يكن كذلك، فإما أن يكن تمام المشترك أو بعضا منه وحينئذ يجب أن يكون مساويا له دفعا للتسلسل، فإن كان الأول فهو الجنس، إما قريب أو بعيد، وإن كان الثاني فهو الفصل البعيد، لأنه يصلح أن يكون مميزا له عن شيء ما في ذاته، ويقال: له أيضا فصل الجنس، وأما الثالث: وهو الكلي الخارج عن الماهية وهو العرضي فنقول: إنه إن اختص بنوع واحد لا يوجب في غيره فهو الخاصة سواء عم جميع الأفراد كالكتابة بالقوة للإنسان أو لم يعم كما بالفعل، وسواء كان/ (19/ب) يوسط كالضحك له بواسطة التعجب، [وبغير وسط كالتعجب] وسواء كان لازما كالضحك والكتابة له بالقوة، أو فارقا لهما بالفعل، وإن لم يختص بنوع واحد بل يوحد في غيره من الأنواع أيضا، فهو العرض العام. وهو

ص: 134

منقسم إلى ما يعم جميع الأفراد، وإلى ما لا يعم، وإلى لازم ومفارق، واللازم، إلى لازم الماهية، وإلى لازم الشخصية، وكل واحد منهما ينقسم إلى بين، وهو الذي يكون تصوره لازما لتصور الملزوم، وإلى غير بين، وهو الذي لا يكون كذلك، فعلى هذا كل ما يكون بوسط لا يكون بينا، وأما الذي لا يكون كذلك فقد يكون بينا، وقد لا يكون كذلك. والمفارق، إلى بطئ الزوال، وإلى سريعه، وإلى ما يكون بوسط، وإلى ما [لا] يكون كذلك، والذي يكون بوسط لابد وأن ينتهي إلى ما يكون بغير وسط لبطلان الدور والتسلسل.

الفرع الثاني: في تقسيم اللفظ الكلي:

اللفظ الكلي، إما أن يدل على موصوفية أمر ما بصفة وهو المشتق ويسمى بالصفة أيضا في اصطلاح النحاة، وأما أن لا يدل عليه وحينئذ إن دل على نفس الماهية فقط فهو اسم الجنس كالإنسان والفرس إذا كان الألف واللام لتعريف الماهية. وهذا أولى من قول: من يقول: هو ما علق على الشيء لا بعينه، إذ الأول منقوض بالضمائر المنفصلة وأسماء الإشارات والموصولات والنكرات، فإن "أنت" مثلا معلق بالمخاطب المعين وعلى كلما يشبهه في كونه مخاطبا مع أنه ليس باسم جنس وفاقا.

والثاني بالنكرة، إذ الحد يتناولها وأنها ليست باسم جنس، وإن زعم بعضهم أنها كذلك. ويدل عليه وجوه:-

ص: 135

أحدها: أن الجنس عندهم هو القدر المشترك سواء كان بين الأنواع، أو بين الأصناف، أو بين الأفراد، وهو نفس ماهية المشترك فاسمه ما يكون دالا عليه، والنكرة [قد] تدل على فرد من أفراد النوع أو الصنف، وذلك يستحيل أن يكون مشتركا بين الأنواع والأصناف، بل النكرة تدل على ذلك المشترك بطريق التضمن، فيكون اسم جنس بهذا الاعتبار، ولكنه مجاز من باب إطلاق اسم الكل على الجزء، وبهذا الاعتبار أورد من أورد من المتقدمين النكرة في مثال اسم الجنس فظن أنه بطريق الحقيقة.

وثانيها: أنهم اتفقوا على أن اسم الجنس لا يثنى ولا يجمع إلا باعتبار اختلاف الأنواع، لأنه لا تعدد في الماهية من حيث إنها ماهية وكون الاسم مثنى وجمعا مشروط يكون المسمى كذلك فلا يتصور في الاسم/ (20/أ) الدال عليه التثنية والجمع، والنكرة تثنى وتجمع فلا تكون اسم جنس.

وثالثها: أنهم يقولون في بعض موارد استعمال النكرات أنه أريد بها الجنس، كما في قوله تعالى:{فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} فلو كان كل نكرة كذلك لما صح ذلك، ولو أريد باسم الجنس اسم ما يكون داخلا في الجنس بحيث لا يختص بواحد من ذلك الجنس، بل يتناول الأفراد الداخلة تحته، إما على البدل أو على الجمع كانت النكرة والعام اسم جنس، لكن لا يخفى عليك أن ذلك مجاز وإن دل على الماهية وعلى قيد آخر زائد عليها فإن [كان] ذلك القيد هو الوحدة أو الكثرة الغير المعينة فهو

ص: 136