الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن اضطر إلى طعام إنسان، أو شرابه، فمنعه مع غناه عنه فهلك ضمنه؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك، ولأنه قتله بمنعه طعامًا يجب دفعه إليه فضمنه، كما لو منعه طعامه فهلك بذلك. وإن رآه في مهلكة فلم ينجيه لم يضمنه؛ لأنه لم يتسبب إلى قتله بخلاف التي قبلها، وقال أبو الخطاب رحمه الله: يلزمه ضمانه على قياس التي قبلها، ولا يصح؛ لأنه في الأول منعه من تناول ما تبقى حياته به، فنسب هلاكه إليه، بخلاف هذا، فإنه لا صنع له فيه.
[باب مقادير الديات]
دية الحر المسلم: مائة من الإبل؛ لما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن، بكتاب فيه الفرائض والسنن:«وإن في النفس الدية؛ مائة من الإبل» رواه مالك في الموطأ، والنسائي في السنن.
فصل:
ودية العمد المحض، وشبه العمد أرباع، خمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون بنت مخاض، في إحدى الروايتين؛ لما روى الزهري، عن السائب بن يزيد قال:«كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعًا، خمسًا وعشرين جذعة، وخمسًا وعشرين حقة، وخمسًا وعشرين بنت لبون، وخمسا وعشرين بنت مخاض» ، ولأنه قول ابن مسعود رضي الله عنه.
والثانية: يجب ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، أي حاملًا؛ لما روى عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» رواه أبو داود. وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا، أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه، فهو لهم» رواه الترمذي. وقال: حديث
حسن. والخلفة: الحامل. وعن عمرو بن شعيب: أن رجلًا يقال له: قتادة، حذف ابنه بالسيف فقتله، فأخذ منه عمر ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة رواه مالك في الموطأ. وهل يعتبر في الأربعين، أن تكون ثنايا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يعتبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الخلفات، فاعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل.
والثاني: يجب أن تكون ثنايا؛ لأن في بعض الألفاظ، منها أربعون خلفة، ما بين ثنية عامها إلى بازل، ولأن سائر الأنواع مقدرة السن، فكذلك الخلفات.
فصل:
ودية الخطأ وما أجري مجراه أخماس، عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة؛ لما روى ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في دية الخطأ عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون بني مخاض» رواه أبو داود. وعمد الصبي، والمجنون جار مجرى الخطأ، وحكمه حكمه؛ لأنه لا يوجب قصاصًا بحال، وكذلك فعل النائم، مثل أن ينقلب على شخص فيقتله، والقتل بالسبب مثل حفر البئر، ووضع الحجر، وسائر ما ذكرناه حكمه حكم الخطأ.
فصل:
وتجب الإبل صحاحًا، غير مراض، ولا عجاف، ولا معيبة؛ لأنه بدل متلف من غير جنسه، فلم يقبل فيه معيب، كقيمة المال. ومتى أحضرها على الصفة المشروطة، لزم قبولها، سواء كانت من جنس ماله، أو لم تكن؛ لأنها بدل متلف، فلم يعتبر كونها من جنس ماله، كسائر قيم المتلفات.
فصل:
وظاهر كلام الخرقي: أنه لا يعتبر قيمة الإبل، بل متى وجدت الصفة المشروطة وجب أخذها، قلت قيمتها أو كثرت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإبل، فتقييدها بالقيمة يخالف ظاهر الخبر، ولأنه خالف بين أسنان دية العمد والخطأ، تخفيفًا لدية الخطأ عن دية العمد، واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما، وإزالة للتخفيف المشروع.
وعن أحمد: أنه يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهمًا؛ لأن عمر قومها باثني عشر ألف درهم، ولأنها إبدال محل واحد، فيجب أن تستوي قيمتها، كالمثل والقيمة في المتلفات.
فصل:
وظاهر كلام الخرقي: أن الإبل هي الأصل في الدية، قال أبو الخطاب: هذا إحدى الروايتين عن أحمد؛ لما روينا من الأخبار. والرواية الأخرى: أن الأصول ستة أنواع: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والورق، والحلل؛ لما روي في كتاب عمرو بن حزم:«وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار» رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن عمر قام خطيبًا فقال: إن الإبل قد غلت، قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود. وهذا كان بمحضر من الصحابة فكان إجماعًا. وقال القاضي: لا يختلف المذهب في أن هذه الأنواع أصول في الدية، إلا الحلل، فإن فيها روايتين، فأي شيء منها أحضره من عليه الدية، لزم الولي قبوله؛ لأنها أبدال فائت، فكانت الخيرة إلى المعطي، كالأعيان في الجنس الواحد، وإذا قلنا: الأصل الإبل خاصة، وجب عليه تسليمها، وأيهما أراد العدول إلى غيرها، فللآخر منعه؛ لأن الحق متعين فيها، كالمثل في المثليات، فإن أعوزت، أو لم توجد إلا بأكثر من ثمن مثلها، فله الانتقال إلى أحد هذه الأنواع؛ لأنها أبدال عنها، فيصار إليها عند إعوازها، كالقيمة في بدل المثليات.
فصل:
وقدرها من هذه الأنواع على ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه: وهي ألف مثقال من الذهب الخالص، أو اثنا عشر ألف درهم من دراهم الإسلام التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة مقدرة بما تجب في الزكاة، ففي البقر، النصف مسنات، والنصف أتبعة، وفي الغنم يجب النصف ثنايا، والنصف أجذعة، إذا كانت من الضأن.
ويجب في الحلل المتعارف من حلل اليمن، كل حلة بردان، ويجب أن يكون كل نوع منها تبلغ قيمته اثني عشر ألف درهم على الرواية التي تعتبر فيها قيمة الإبل، فيكون قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهمًا، وقيمة كل شاة ستة دراهم؛
لما ذكرنا، ولما روى ابن عباس:«أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا» رواه أبو داود.
فصل:
وذهب أصحابنا إلى أن الدية تغلظ بالقتل في الحرم والإحرام والشهر الحرام، وقال أبو بكر: وتغلظ أيضًا بالرحم المحرم، وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ به، ومعنى التغليظ: أن يزاد لكل واحد من هذه الحرمات ثلث الدية، فإن اجتمعت الحرمات الثلاث، وجب ديتان، وعلى قول أبي بكر: إذا اجتمعت الأربع، وجبت ديتان وثلث؛ لما روي، عن عثمان رضي الله عنه: أن امرأة وطئت في الطواف، فقضى عثمان رضي الله عنه فيها بستة آلاف، وألفين تغليظًا للحرم.
وعن ابن عمر أنه قال: من قتل في الحرم، أو ذا رحم، أو في شهر الحرام، فعليه دية وثلث. وعن ابن عباس: أن رجلًا قتل رجلًا في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام. فقال: ديته اثنا عشر ألفًا، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف، ولم يظهر خلاف هذا، فكان إجماعًا، ولا تغلظ لغير ما ذكرنا؛ لعدم الأثر فيه، وامتناع قياسه على ما ورد الأثر فيه، وظاهر كلام الخرقي أنها لا تزاد على مائة من الإبل؛ لقوله الله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وهذا عام في كل قتيل، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الدية بمائة من الإبل، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم في تقدير الواجب بالقتل بمائة من الإبل أو غيرها، مطلقة في الأمكنة والأزمنة والقرابة. وقد قتلت خزاعة قتيلًا من هذيل بمكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«وأنتم يا خزاعة، قد قتلتم هذا القتيل من هذيل؟ وأنا والله عاقله، فمن قتل له قتيل بعد ذلك، فأهله بين خيرتين، إما أن يقتلوا، وإما أن يأخذوا الدية» ولم يزد.
وقتل قتادة ابنه فلم يأخذ منه عمر أكثر من مائة، ولأنه بدل متلف، فلم يختلف بهذه المعاني، كسائر المتلفات.
فصل:
ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في كتاب عمرو بن حزم أنه قال:«دية المرأة على النصف من دية الرجل» ، ولأنه إجماع الصحابة؛ روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم، وتساوي جراحها جراح الرجل إلى ثلث الدية، فإذا زادت، صارت على النصف، لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عقل المرأة مثل
عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها» رواه النسائي. «وعن ربيعة قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر. قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون. قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع أصابع؟ قال: عشرون. قلت: لما عظمت مصيبتها، قل عقلها؟ قال: هكذا السنة يا ابن أخي» رواه سعيد بإسناده، وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصل
ودية الكاتبي: نصف دية المسلم؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«دية المعاهد نصف دية المسلم» رواه أبو داود. وروي عنه: أن ديته ثلث الدية، لما روي أن عمر: جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، إلا أنه رجع عن هذه الرواية. وقال: كنت أذهب إلى أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، فأنا اليوم أذهب إلى نصف دية المسلم. فإن قتله المسلم عمدًا، أضعفت الدية على قاتله، لإزالة القود؛ لأن عثمان رضي الله عنه حكم بذلك، ولو قتله الكافر لم تضعف ديته؛ لأن القود واجب، ونساؤهم على النصف من دياتهم، كما أن نساء المسلمين على النصف منهم، ودية المجوسي: ثمانمائة درهم؛ لما روي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: ديته ثمانمائة درهم، والمستأمن: كالذمي، وإن كان وثنيًا فديته: دية المجوسي؛ لأنه كافر، لا يحل نكاح نسائه، فأما من لم تبلغه الدعوة، إن لم يكن له عهد، فلا ضمان فيه؛ لأنه كافر لا عهد له، أشبه نساء أهل الحرب، وقال أبو الخطاب: يضمن بما يضمن به أهل دينه؛ لأنه محقون الدم من أهل القتال، أشبه المستأمن.
فصل:
وإذا قطع طرف ذمي فأسلم، ثم مات، ففيه وجهان:
أحدهما: تجب دية مسلم. اختاره ابن حامد؛ لأن الاعتبار بحال استقرار الجناية، بدليل ما لو قطع يديه ورجليه فمات، وجبت دية واحدة، اعتبارًا بحال الاستقرار.
والثاني: يجب دية ذمي، وهو ظاهر قول أبي بكر والقاضي؛ لأن الجناية يراعى فيها حال وجودها، بدليل عدم وجوب القصاص فيها، وهو في حالة الجناية ذمي، فأما إن رمى إلى ذمي، فلم يقع به السهم حتى أسلم، فعليه دية مسلم؛ لأن الإصابة لمسلم.
فصل
ودية الخنثى المشكل: نصف دية ذكر، ونصف دية أنثى. وذلك ثلاثة أرباع دية الذكر؛ لأنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالًا على السواء، فيجب التوسط بينهما كالميراث، والحكم في جراحه، كالحكم في ديته، فإن كانت دون الثلث استوى الذكر والأنثى، وفيما زاد ثلاثة أرباع دية حر ذكر.
فصل:
ودية العبد والأمة: قيمتهما بالغة ما بلغ ذلك؛ لأنه مال مضمون بالإتلاف لحق الآدمي بغير جنسه، فأشبه الفرس. وإن جنى عليه جناية غير مقدرة في الحر، ففيه ما نقصه بعد التئام الجرح، كسائر الأموال، وإن كانت مقدرة في الحر، فهي مقدرة في العبد من قيمته، فما وجبت فيه الدية: كالأنف، واللسان، والذكر، والأنثيين، ضمن من العبد بقيمته، وما يجب فيه ديتان، كإذهاب سمعه وبصره، ففيه مثلا قيمته، وما ضمن بجزء من الدية، كاليد والرجل والإصبع، ضمن من العبد بمثله من قيمته؛ لأن ذلك يروى عن علي رضي الله عنه، ولأنه ساوى الحر في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة، فساواه في اعتبار ما دون النفس ببدل النفس، كالرجل والمرأة، وعن أحمد رواية أخرى: أن الجناية على العبد بما نقص من قيمته، سواء كانت مقدرة في الحر، أو لم تكن مقدرة؛ لأن ضمانه ضمان الأموال، فيجب فيه ما نقص كالبهائم، والحكم في المكاتب وأم الولد، كالحكم في القن؛ لأنهم رقيق. فأما من بعضه حر، ففيه بالحساب، من دية حر وقيمة عبد، فإن كان نصفه حرًا، ففيه نصف دية حر لورثته، ونصف قيمته لسيده، وهكذا في جراحه؛ لأن الضمان يتجزأ، فوجب أن يقسم على قدر ما فيه منهما كالكسب.
فصل:
إذا فقأ عيني عبد قيمته ألفان فاندمل، ثم أعتق ومات، وجبت قيمته بكاملها لسيده؛ لأنه استقر حكم الجرح وهو مملوك، وكذلك إن اندمل بعد العتق؛ لأن الضمان يجب بالجناية، وهو حينئذ مملوك، وإن سرى الجرح إلى نفسه، فروى حنبل عن أحمد، أن على الجاني قيمته السيد. وهذا اختيار أبي بكر والقاضي؛ لأن الضمان يجب بالجناية، وهو حينئذ مملوك، فأشبه ما لو اندمل الجرح، وقال ابن حامد: يجب فيه دية حر؛ لأن اعتبار مقدار الواجب بحال الاستقرار، بدليل ما لو فقأ عينه، وقطع أنفه،
فمات من سراية الجرح، لم يجب إلا قيمة واحدة، ويصرف ذلك إلى السيد؛ لأن الجناية في ملكه، فإن فقأ إحدى عينيه، فسرى إلى نفسه بعد العتق، فعلى الوجه الأول تجب القيمة بكمالها للسيد، اعتبارًا بحال وجودها، وعلى قول ابن حامد: يجب دية حر، لسيده منها أقل من الأمرين، من نصف القيمة، أو كمال الدية؛ لأنه إن كان نصف القيمة أقل، فهو الذي وجب له، والزيادة حصلت حال الحرية، وإن كانت الدية أقل، فنقصها بسبب من جهته وهو العتق.
فصل:
وإن قطع يد عبد فأعتق، ثم قطع آخر يده الأخرى ومات، فلا قصاص على الأول، لعدم التكافؤ في حال الجناية، وعليه نصف القيمة لسيده على قول أبي بكر. وعلى قول ابن حامد: عليه نصف ديته، لسيده منها الأقل من نصف قيمته يوم القطع، أو نصف الدية؛ لأن نصف القيمة إن كان أقل، فهو أرش الجناية الموجودة في ملكه، وإن كان أكثر، فالحرية نقصت ما زاد عليه. وأما الثاني: فعليه القصاص في الطرف. إن وقف قطعه، وفي النفس إن سرى؛ لأنه شارك في القتل العمد العدوان، فأشبه شريك الأب، ويتخرج أن لا قصاص عليه، بناء على الرواية الأخرى في شريك الأب، والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، أن الجناية ثم من واحد، فكانت الدية جميعها عليه، وهاهنا من اثنين، فقسمت الدية عليهما.
فإن عاد الأول، فذبحه بعد اندمال الجرحين، فعليه القصاص للورثة، ونصف القيمة للسيد، وعلى الثاني: القصاص في الطرف، أو نصف الدية، وإن كان قبل الاندمال، فعلى الأول القصاص في النفس دون الطرف، فإن اقتصوا، سقط حق السيد. وإن عفوا على مال، فلهم الدية لا غير، وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة، أو أرش المقطوع، وعلى الثاني: القصاص في الطرف، أو نصف الدية؛ لأن الذبح، قطع سرايتها، فصارت كالمندملة. فإن كان قاطع اليد الأخرى، هو قاطع الأولى، ولم يقتل، فلا قصاص في اليد الأولى لما ذكرنا.
ويجب في الثانية إن وقف القطع. وإن سرى القطعان، فلا قصاص في النفس؛ لأن أحد الجرحين موجب، والآخر غير موجب، ولكن له القصاص من اليد الثانية، فإن عفا عنه على مال، وجب عليه مثل ما يجب على القاطعين في المسألة الأولى، للسيد منه نصف القيمة على قول أبي بكر، وأقل الأمرين من نصف القيمة، أو نصف الدية على قول ابن حامد، وإن اقتص منه في اليد الثانية، فعليه في اليد الأولى نصف القيمة، أو نصف الدية على اختلاف الوجهين، وإن قطع يد عبد فأعتق، ثم قطع آخر يده الأخرى، ثم قطع آخر رجله، فمات من الجراحات، فلا قصاص على الأول؛ لعدم التكافؤ حال الجناية، وعلى الآخرين القصاص في النفس في ظاهر المذهب، بناء على شريك الأب، فإن عفا على
مال، فالدية عليهم أثلاثًا، وفيما يستحقه السيد وجهان:
أحدهما: أقل الأمرين من نصف قيمته، أو ثلث ديته؛ لأنه بالقطع استحق النصف، فإذا صارت نفسًا، صار الواجب ثلث الدية، فله أقلهما، وعلى الآخر له أقل الأمرين من ثلث الدية، أو ثلث القيمة، اعتبارًا للجناية بما آلت إليه.
فصل:
وإذا جنى على عبد في رأسه، أو وجهه من دون الموضحة، فزاد أرشها على الموضحة، ففيه وجهان:
أحدهما: يرد إلى أرش الموضحة، كالجناية على الحر.
واحتمل أن يجب ما نقص من قيمته بالغًا ما بلغ، لأن ذلك الأصل في ضمان العبيد، خولف فيما قدر الشرع أرشه، ففيما عداه يرد إلى الأصل.
فصل:
ودية الجنين الحر المسلم: غرة عبد أو أمة، قيمتها خمس من الإبل، وهو: نصف عشر الدية؛ لما «روي عن عمر رضي الله عنه أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بغرة: عبد أو أمة، وهو: نصف عشر الدية. قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة» متفق عليه. وروي عن عمر، وزيد رضي الله عنهما: أنهما قالا في الغرة: قيمتها خمس من الإبل، ولأنه أقل ما قد في الشرع في الجنايات، وهو دية السن والموضحة، ولا يقبل في الغرة معيبة، وإن قل العيب، ولا خصي وإن كثرت قيمته؛ لأنه عيب، ولا قيمة الغرة مع وجودها، كما لا يجبر على قبول ما ليس بأصل في الدية فيها، فإن أعوزت، وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية، وسواء كان الجنين ذكرًا أو أنثى؛ لأن الخبر مطلق، ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث.
فصل:
وإنما يجب ضمانه إذا علم تلفه بالجناية، ولو ضرب بطنًا منتفخًا، أو فيه حركة فزالت، ولم يسقط لم يجب شيء؛ لأنه يحتمل أن ذلك ريح ذهبت، وإن قتل حاملًا، فلم تسقط، لم يضمن جنينها؛ لعدم التيقن لحملها، وإن ضرب بطن امرأة، فألقت يدًا،
أو رجلًا، أو غيرها من أجزاء الآدمي، وجبت الغرة؛ لأننا تيقنا أنه جنين. والظاهر تلفه بالجناية، فأشبه ما لو ألقته، وإن ألقت رأسين، أو أربعة أيد، لم يجب أكثر من غرة؛ لأن ذلك يحتمل أن يكون من واحد، فلا يجب الزائد بالشك. وإن ألقت جنينين، فعليه غرتان؛ لأن في كل جنين غرة، فأشبه ما لو كانا من امرأتين.
فصل:
وإن ألقت جنينًا حيًا، ثم مات من الضربة. وكان سقوطه لوقت يعيش مثله، ففيه دية كاملة، لما ذكرنا من حديث عمر في التي أجهضت جنينها فزعًا منه، ولأننا تيقنا حياته، وعلمنا موته بالجناية، فأشبه غير الجنين، وإن سقط لوقت لا يعيش مثله، ففيه الغرة؛ لأنه لم يعلم منه حياة يتصور بقاؤه بها، فالواجب فيه غرة، كالذي ألقته ميتًا.
فصل:
وإنما يجب ضمانه إذا علم أنه سقط بالضربة ومات بها، بأن تلقيه عقيب الضرب، أو تبقى متألمة إلى أن تلقيه، ويموت عقيب وضعه، أو يبقى متألمًا إلى أن يموت، فإن بقي مدة سالمًا لا ألم به ثم مات، لم يضمنه الضارب؛ لأن الغالب أنه لم يمت من الضربة، وإن ألقته حيًا فيه حياة مستقرة، فقتله غير الضارب فضمانه عليه؛ لأنه القاتل. وإن كانت حركته حركة المذبوح، فالقاتل هو الأول، وعليه كمال ديته.
فصل
:
وإن كان الجنين كافرًا، فألقته ميتًا، ففيه غرة، قيمتها عشر دية أمه، فإن كان أحد أبويه كتابيًا، والآخر مجوسيًا، ففيه عشر دية كتابية؛ لأن الضمان إذا وجد في أحد أبويه ما يوجب، وفي الآخر ما يسقط غلب الإيجاب، بدليل ما لو قتل المحرم صيدًا متولدًا من مأكول وغيره. وإن ضرب بطن كتابية حاملًا من كتابي فأسلمت، ثم ألقته، ففيه غرة قيمتها: خمس من الإبل على قول ابن حامد؛ لأن الضمان معتبر بحالة الاستقرار. وعلى قياس قول أبي بكر: قيمتها عشر دية كتابية، اعتبارًا بحال الجناية، وما وجب في الجنين الحر ورثه ورثته؛ لأنه بدل حر، فورث عنه كدية غيره.
فصل:
وإن ألقت مضغة لا صورة فيها، لم يجب ضمانها؛ لأنه لا يعلم أنها جنين، وإن شهد ثقات من القوابل: أن فيها صورة خفية، ففيها غرة؛ لأنه جنين، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي، لو بقي تصور، ففيه وجهان:
أحدهما: فيه الغرة؛ لأنه بدء خلق آدمي، أشبه المصور.