المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب قسمة الغنائم] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٤

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[باب مقادير الديات]

- ‌[باب ديات الجروح]

- ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

- ‌[باب ما تحمله العاقلة وما لا تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[باب اختلاف الجاني والمجني عليه]

- ‌[باب كفارة القتل]

- ‌[كتاب قتل أهل البغي]

- ‌[باب أحكام المرتد]

- ‌[باب الحكم في الساحر]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب المحارب]

- ‌[باب حد السرقة]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب الأشربة]

- ‌[باب إقامة الحد]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب دفع الصائل]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

- ‌[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]

- ‌[باب الأنفال والأسلاب]

- ‌[باب قسمة الغنائم]

- ‌[باب قسمة الخمس]

- ‌[باب قسمة الفيء]

- ‌[باب حكم الأرضين المغنومة]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب الهدنة]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[باب المأخوذ من أحكام أهل الذمة]

- ‌[باب العشور]

- ‌[باب ما ينتقض به عهد الذمة]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[باب كفارة اليمين]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب الأقضية]

- ‌[باب ما على القاضي في الخصوم]

- ‌[باب صفة القضاء]

- ‌[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

- ‌[باب عدد الشهود]

- ‌[باب تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌[باب الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اختلاف الشهود]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب الاستثناء في الإقرار]

- ‌[باب الرجوع عن الإقرار]

- ‌[باب الإقرار بالمجمل]

- ‌[باب الإقرار بالنسب]

الفصل: ‌[باب قسمة الغنائم]

يديه، وأخذ سوارين كانا عليه، ويلمقا من ديباج وسيفا ومنطقة، فسلم ذلك له. وبارز البراء مرزبان الزارة، فقتله، فبلغ سواراه ومنطقته ثلاثين ألفا.

وفي الدابة وآلتها روايتان:

إحداهما: هي من السلب، اختارها الخرقي؛ لأنها يستعان بها في الحرب، فهي كالسلاح.

والثانية: ليست منه، اختارها الخلال، وأبو بكر؛ لأن السلب ما كان على البدن، والدابة ليست كذلك. فإن كان يقاتل وهو ممسك بعنانها، فعن أحمد أنها من السلب؛ لأنه يركبها إذا احتاج إليها. وعنه: ليست منه؛ لأنه ليس بمستعين بها في حال قتاله، أشبهت التي في رحله. فإن كان معه فرس مجنوبة إلى فرسه، فليست من السلب كذلك، وكذلك المال الذي في كمرانه، وغيره، ورحله، وسلاحه الذي ليس معه حال قتله، ليس من السلب؛ لأن سلبه ما عليه حال قتله، أو ما يستعان به في القتال.

[باب قسمة الغنائم]

الغنيمة: ما أخذ من مال الكفار بإيجاف، فخمسها لأهل الخمس، وأربعة أخماسها للغانمين، لقول الله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية. فأضافها إليهم ثم جعل خمسها لله فدل على أن أربعة أخماسها لهم. ثم قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم كذلك. والإمام مخير بين قسمتها في دار الحرب، وبين تأخير القسمة إلى دار الإسلام، أي ذلك رأى المصلحة فيه فعل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين جميعا، فقسم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء، قريبا من بدر، وغنائم بني المصطلق على مياههم، وغنائم حنين بأوطاس واد من حنين، وقسم فداء أسارى بدر بالمدينة، وهو غنيمة؛ ولأن المسلمين قد ملكوا الغنيمة بالاستيلاء التام في دار الحرب، فجازت قسمتها، كما لو جاوزها إلى دار الإسلام.

فصل:

فإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب، فدفعها إلى أهلها وإن كان فيها مال المسلم، دفع إليه لأنه استحقه بسبب سابق، ثم يدفع منه أجرة الحافظ، والناقل، والقاسم،

ص: 142

والحاسب؛ لأنه لمصلحة الغنيمة. وفي الرضخ وجهان:

أحدهما: هو من أصل الغنيمة؛ لأنه يستحقه للمعاونة في تحصيلها، أشبه أجرة النقال.

والثاني: من أربعة الأخماس؛ لأنه استحق بحضور الوقعة، أشبه السهمان. فعلى الأول يعطى الرضخ لأهله، ثم يقسم الباقي على خمسة أسهم، سهم منها لأهل الخمس، ثم يدفع الأنفال مما بقي، ثم يقسم الباقي بين الغانمين، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه، لما روى ابن عمر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر، للفارس ثلاثة أسهم، سهمان لفرسه، وسهم له» . متفق عليه، وعن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس ثلاثة أسهم، وأعطى الراجل سهما» . رواه الأثرم.

فصل:

ويقسم ما بين الغانمين، كقسمة المتاع بين الشركاء، فيقوم ما عدا الأثمان، ويدفعها إليهم بقيمتها، فإن أمكن تخصيص كل إنسان بعين، كجارية وفرس وثوب، فعل، وإن لم يمكن، شرك بين الجماعة في العين الواحدة. ويقسم الغنيمة بين من شهد الوقعة من أهل القتال، من قاتل ومن لم يقاتل، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة. ولأن غير المقاتل ردء له ومعين فيشاركه، كرد المحارب. فأما غير أهل القتال، كالطفل، والمجنون، ومن ينبغي للإمام منعه كالمرجف والمخذل، والمعين للعدو، فلا شيء له وإن قاتل؛ لأن ضره أكثر من نفعه. ومن كان مريضا مرضا يمنعه القتال، فلا سهم له، كالمجنون، وإن لم يمنعه القتال، كالحمى الخفيفة والصداع، والسعال، أسهم له؛ لأنه من أهل القتال.

فصل:

ولا يسهم لفرس ينبغي للإمام منعه كالقحم، والحطم، والضرع، والأعجف لما ذكرنا في الرجل، ولا لغير الخيل من البغال والحمير، والإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لغير الخيل؛ ولأنها لا تلحق بالخيل في التأثير في الحرب والكر والفر، فلم تلحق بها في السهم. وهذا اختيار أبي الخطاب. وروي عن أحمد فيمن غزا على بعير لا يقدر على غيره، قسم له ولبعيره سهمان، لقول الله تعالى:{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] ولأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض، أشبه الفرس.

ص: 143

فصل:

وفي غير العربي من الخيل أربع روايات:

إحداهن: أنه كالعربي في سهمه، اختارها الخلال؛ ولأن اسم الفرس شامل له؛ ولأنه حيوان ذو سهم، فاستوى العربي وغيره، كالرجال.

والثانية: له سهم واحد، اختارها الخرقي، لما روى أبو الأقمر قال: غارت الخيل على الشام، فأدركت العراب من يومها، وأدركت الكوادن ضحى الغد، وعلى الخيل رجل من همدان يقال له: المنذر بن أبي حميضة فقال: لا أجعل التي أدركت من يومها مثل التي لم تدرك، ففضل الخيل، فقال عمر: هبلت الوداعي أمه، امضوها على ما قال. أخرجه سعيد؛ ولأنهما تختلف غناؤهما فاختلفت سهمانهما، كالفارس والراجل.

الثالثة: ما أدرك منها إدراك العراب، فله سهمها؛ لأنه عمل عملها، وساواها في جنسها، فساواها في سهمها، كما لو اتفق نوعهما.

والرابعة: لا سهم له؛ لأنه لا يعمل عمل العراب أشبه البغال.

فصل:

ومن غزا على فرسين، قسم لهما أربعة أسهم، ولصاحبهما سهم، ولا يسهم لأكثر من فرسين، لما روى الأوزاعي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس» . وعن أزهر بن عبد الله: أن عمر كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن أسهم للفرس سهمين، وللفرسين أربعة أسهم، ولصاحبهما سهما، فذلك خمسة أسهم. وما كان فوق الفرسين، فهو جنائب.

فصل:

ومن غزا على فرس حبيس، فله سهمه؛ لأنه استحق نفعه، فملك سهمه، كالمستعار. ومن غصب فرسا، فقاتل عليه، فسهم الفرس لمالكه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين، فكانا لمالكها، كما لو كان راكبها. وإن كان الفرس عارية أو بأجرة، فسهمها لراكبها لأنه ملك نفعه. وهذا من نفعه. وعنه: أن سهم المستعار لمالكه؛ لأنه من نمائه، أشبه ولده. وإن قاتل العبد على فرس سيده، قسم للفرس لأنه قوتل عليه في الحرب فاستحق السهم، كما لو قاتل عليه حر، ويكون سهمه لمالكه. ومن دخل أرض الحرب فارسا، وحضر الوقعة غير فارس لموت فرسه، أو بيعه، أو إجارته، أو إعارته أو غصبه أو ضيعته، فله سهم راجل. وإن دخل راجلا، فملك فرسا، أو استأجره فحضر به الوقعة فله سهم فارس؛ لأن الفرس حيوان ذو سهم، فاعتبر وجوده

ص: 144

حال القتال فيسهم له مع وجوده، ولا يسهم له مع العدم، كالآدمي.

فصل:

ولا يسهم لامرأة ولا صبي ولا مملوك؛ لأنهم من غير أهل القتال. ويرضخ لهم دون السهم، لما روى ابن عباس قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة. وأما سهم، فلم يضرب لهن» . رواه مسلم. وقال سعيد بن المسيب: كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة في صدر هذه الأمة. وقال تميم بن قرع: كنت في الجيش الذي فتح الإسكندرية في المرة الآخرة، فلم يسهم لي عمرو شيئا وقال: غلام لم يحتلم، فسألوا أبا بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر، فقالا: انظروا، فإن كان قد أشعر فاقسموا له، فنظر إلي بعض القوم، فإذا أنا قد أنبت، فقسم لي. وقال الجوزجاني: هذا من مشاهير حديث مصر، وجيده. وعن عمير مولى آبي اللحم قال:«شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرني فقلدت سيفا، فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع.» رواه أحمد، وأبو داود والترمذي.

والمكاتب والمدبر، كالقن؛ لأنه عبد، فأما المعتق بعضه، فظاهر كلام أحمد أنه يرضخ له؛ لأنه لم تكمل له الحرية، أشبه القن. وقال أبو بكر: يسهم له بقدر ما فيه من الحرية والرق؛ لأنه يتجزأ، فقسم على قدر ما فيه كالميراث. قال ابن أبي موسى: هذا هو الصحيح. ومن أعتق قبل انقضاء الحرب، أو بلغ، أسهم له؛ لأنه صار من أهل الاستحقاق، فأشبه المدد إذا لحق. والرضخ غير مقدر لكنه يرجع فيه إلى اجتهاد أمير الجيش، فيفضل ذا الغناء على من دونه في النفع؛ لأن الشرع لم يرد بتقديره، فرجع في تقديره إلى الاجتهاد كالتعزير. ولا يبلغ بالرضخ لراجل سهم راجل؛ لأنه تابع لمن له سهم فنقص عنه، كالتعزير عن الحد. والحكومة لا يبلغ بها أرش العضو. ويكون الرضخ من أربعة أخماس الغنيمة؛ لأنهم من المجاهدين، فكان حقهم من أربعة الأخماس، كذوي السهمان.

فصل:

وإذا غزا الكافر معنا من غير إذن الأمير فلا سهم له؛ لأنهم ممن يستحق المنع من الغزو، فأشبه المخذل. وإن غزا بإذنه ففيه روايتان:

ص: 145

إحداهما: لا سهم له؛ لأنه من غير أهل الجهاد، فلم يسهم له، كالعبد. فعلى هذا يرضخ له كالعبد.

والثانية: يسهم له. اختارها الخرقي، لما روى سعيد بإسناده عن الزهري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه، فأسهم لهم» . وروي «أن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على شركه، فأسهم له» ؛ ولأن الكفر نقص دين، فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق.

فصل:

ومن استؤجر على الجهاد من غير أهل القتال، كالكافر والعبد، لم يستحق غير الأجرة. وهكذا الأجير للخدمة، والذي يكري دابته. فأما المسلم الحر إذا استؤجر للجهاد، فقال القاضي: لا يصح استئجاره؛ لأن الغزو يتعين بحضوره على من هو من أهله، فلا يصح أن يفعله عن غيره، كالحج. فعلى هذا: يرد الأجرة وله سهمه؛ لأن غزوه بغير أجرة. وظاهر كلام أحمد والخرقي صحة الإجارة لمن لم يتعين عليه الجهاد؛ لأنه مما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، فجاز استئجار الحر المسلم عليه، كبناء المساجد؛ ولأن ما صحت إجارة العبد والكافر عليه، صح إجارة الحر المسلم عليه، كالبناء. فعلى هذا إذا حضر القتال، فظاهر نص أحمد والخرقي أنه لا يسهم له، لما روى «يعلى بن منية أنه استأجر أجيرا يكفيه من الغزو، قال: فسميت له ثلاثة دنانير، فلما حضرت غنيمة، أردت أن أجري له سهمه، فذكرت الدنانير، فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره، فقال: ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى» رواه أبو داود؛ ولأن غزوه بعوض، فكأنه واقع من غيره، فلم يثبت له حكمه وفائدته، كما له حج عن غيره. واستحقاق الغنيمة من أحكامه وفوائده، وروي عن أحمد أنه يسهم له. قال الخلال: وهو الذي أعتمد عليه من قول أبي عبد الله، لما روى عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال:«للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي» . رواه أبو داود. وعن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذين يغزون عن أمتي، ويأخذون الجعل، ويتقوون به على عدوهم مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها» . رواه سعيد؛ ولأنه حاضر للوقعة من أهل القتال، فأشبه أهل الديوان.

فأما التاجر والصانع وأشباههما، فيسهم لهم إذا حضروا القتال، نص عليه أحمد،

ص: 146

لقول عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمن حضر الوقعة. قال القاضي: هذا إذا كان قصدهم الجهاد، ويقاتلون إذا احتيج إليهم وأمكنهم، وكذلك من يكري دابته. ومن لم يكن كذلك، لم يسهم له؛ لأنه لا نفع في حضوره، أشبه المخذل.

فصل:

وإذا لحق الجيش مدد، أو أسير أفلت، أو فودي به قبل انقضاء الحرب، أسهم لهم، وإن كان بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة لم يسهم لهم، لقول عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمن شهد الوقعة. ولما روى أبو هريرة «أن أبان بن سعيد وأصحابه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، فقال: اقسم لنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان ولم يقسم له» . رواه أبو داود؛ ولأنهم إذا قدموا قبل انقضاء الحرب، فقد شاركوا الغانمين في السبب، فشاركوهم في الاستحقاق، كما لو قدموا قبل الحرب. وإذا قدموا بعد ذلك، فلا شيء لهم؛ لأنهم لم يشاركوهم في السبب ولأنهم حضروا بعد أن صارت الغنيمة للغانمين، فأشبه ما لو حضروا بعد القسمة. وإن حضروا بعد تقضي الحرب، وقبل إحراز الغنيمة، فظاهر كلام الخرقي أنهم يشاركونهم؛ لأن الغنيمة تملك بحيازتها، والاستيلاء عليها، ولا يتم إلا بحيازتها، وظاهر قول القاضي: أنهم لا يشاركونهم؛ لأنه ذكر أن الغنيمة تملك بتقضي الحرب قبل الحيازة؛ لأنها صارت مقدورا عليها بإزالة يد الكفار عنها، فأشبه ما بعد الحيازة، وإن حازها الغانمون، ثم جاءهم الكفار يقاتلونهم عليها فأدركهم المدد، فقاتلوا معهم حتى سلموا الغنيمة، فنص أحمد: أنه لا شيء للمدد؛ لأن الأولين ملكوها، والمدد يقاتلون عن الغانمين بعد ملكهم للغنيمة، فأشبهت سائر أموالهم، وإن استنقذها الكفار من أيديهم، ثم جاءهم المدد، فقاتلوا معهم حتى استنقذوها، فقال أحمد: أعجب إلي أن يصطلحوا.

فصل:

وإذا غزا الأمير بجيش، فأسرى سرية، أو سرايا إلى جهة مقصده، أو غيره، فغنمت، شاركهم الجيش وإن غنم الجيش، شارك سراياه؛ لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هزم هوازن بحنين، أسرى قبل أوطاس سرية، فغنمت، فقسم غنائمهم بين الجميع. وفي تنفيل النبي صلى الله عليه وسلم السرية الثلث والربع، دليل على مقاسمة الجيش لها الباقي؛ ولأن الجميع جيش واحد، فلم يختص بعضهم بغنيمة، كأحد جانبي الجيش، وإن بعث السرايا، وأقام الجيش في بلد الإسلام، فلكل سرية غنيمتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث السرايا من المدينة، فلم يشاركهم أهل المدينة في غنائمهم. وإن خلف الأمير قوما في بلد

ص: 147

العدو لضعف، أو غيره، وغزا فغنم، فأقاموا في بلد العدو حتى رجع، شاركوهم. نص عليه. سواء رجع عليهم، أو من غير طريقهم؛ لأنهم كالسرية، وإن رجعوا إلى حصون المسلمين، أو بلادهم، فلا سهم لهم؛ لأنهم برجوعهم صاروا كالمقيمين بدار الإسلام.

فصل:

ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش، كالبريد، والطليعة، والجاسوس، فلم يحضر الغنيمة أسهم له؛ لأنه في مصلحة الجيش، أشبه السرية؛ ولأنه إذا أسهم للمتخلف عن الجيش، فلهؤلاء أولى. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان رضي الله عنه من بدر ولم يحضرها، لاشتغاله بتمريض رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فصل:

ومن مات بعد إحراز الغنيمة قام وارثه مقامه في سهمه؛ لأنه ثبت ملكه فيه، فقام وارثه مقامه، كما بعد القسمة. وإن أسر، فله سهمه كذلك. وإن أسر، أو مات قبل تقضي الحرب، فلا شيء له لأنه لم يملك شيئا.

فصل:

وإذا قال الإمام: من أخذ شيئا، فهو له، ففيه روايتان:

إحداهما: يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «ومن أخذ شيئا فهو له» ولأنهم غزوا على هذا ورضوا به.

والثانية: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم، والخلفاء بعده؛ ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال، فيفضي إلى ظفر العدو بهم، وقصة بدر منسوخة بقول الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] .

فصل:

فأما تفضيل بعض الغانمين على بعض، فإن كان على سبيل التنفيل لبعضهم، فقد ذكرناه. وإن كان على غير ذلك، لم يجز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهم؛ ولأنهم اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية، فيجب التسوية بينهم، كسائر الشركاء.

فصل:

ومن غل من الغنيمة وهو أن يكتم ما غنمه، أو شيئا منه، وجب إحراق رحله،

ص: 148

إلا السلاح والمصحف، وما فيه روح، لما روى صالح بن محمد بن زائدة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأتي برجل قد غل فسأل سالما عنه، فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل، فأحرقوا متاعه واضربوه» قال: فوجدنا في متاعه مصحفا، فسألنا سالما عنه، فقال: بعه وتصدق بثمنه.

ولا يحرق المصحف والحيوان لحرمته، ولا ثيابه؛ لأنه يبقى عريانا، ولا ما غله لأنه للمسلمين. وإن مات قبل إحراق متاعه، لم يحرق؛ لأنه عقوبة فسقط بموته، كالحد؛ ولأن ماله ينتقل إلى وارثه فيصير إحراقه عقوبة لغير الجاني، ولا يحرم الغال سهمه؛ لأن سبب استحقاقه متحقق.

فصل:

وإذا كان في السبي، من يعتق على بعض الغانمين بالملك، أو عتق عبدا من الغنيمة عتق عليه كله، وعليه قيمته، يرد في المقسم إن كان موسرا؛ لأنه ملك جزءا منه بفعله، فعتق عليه جميعه، كما لو اشترى جزءا منه. وإن كان معسرا، لم يعتق عليه، إلا ما ملك منه كذلك. ومن وطئ جارية من المغنم، ممن له فيها حق أو لولده، فلا حد عليه للشبهة ويعزر، وعليه مهرها؛ لأنه وطء سقط فيه الحد عن الواطئ للشبهة، فوجب به المهر، كالوطء في نكاح فاسد، وإن أحبلها، ثبت نسب الولد، وينعقد حرا للشبهة، وتصير أم ولد له، وعليه قيمتها ترد في المغنم. وهل يلزمه قيمة الولد؟ فيه روايتان:

إحداهما: تلزمه لأنه فوت رقه.

والثانية: لا يجب؛ لأنه ينعقد حرا، فلم يدخل في ملك الغانمين.

فصل:

ويجوز للأمير البيع من الغنيمة قبل القسمة للغانمين، ولغيرهم إذا رأى المصلحة فيه؛ لأن الولاية ثابتة له عليها، وقد تدعو الحاجة إلى ذلك لإزالة كلفة نقلها، أو لتعذر قسمتها بعينها، ويجوز لكل واحد من الغانمين، بيع ما يحصل له بعد القسم، والتصرف فيه كيف شاء؛ لأن ملكه ثابت فيه. فإن باع الأمير، أو بعض الغانمين في دار الحرب شيئا، فغلب عليه العدو قبل إخراجه إلى دار الإسلام، ففيه روايتان:

ص: 149

إحداهما: هو من ضمان المشتري. اختارها الخلال وصاحبه؛ لأنه مال مقبوض أبيح لمشتريه التصرف فيه، فكان من ضمانه، كما لو اشتراه في دار الإسلام.

والثانية: ينفسخ البيع، ويسقط الثمن عن المشتري، أو يرد إليه إن كان أخذ منه. اختارها الخرقي؛ لأنه لم يكمل قبضه، لكونه في دار الحرب، في خطر قهر العدو، فلم يضمنه المشتري كالثمر في الشجر. هذا إذا أخذ بغير تفريط من المشتري، فإن أخذ منه لخروجه من العسكر، فهو من ضمانه؛ لأنه ذهب بتفريطه، أشبه ما لو أتلفه.

فصل:

قال أحمد [رضي الله عنه] : ولا يجوز لأمير الجيش، أن يشتري من مغنم المسلمين شيئا؛ لأنه يحابي؛ ولأن عمر [رضي الله عنه] رد ما اشتراه ابنه، في غزوة جلولاء، فأما إن وكل من يشتري له، ممن لا يعرف أنه وكيله، صح الشراء، لعدم المحاباة. ورخص أبو عبد الله، فيما إذا قوم أصحاب المقاسم، فقالوا: جلود الماعز بكذا، والخرفان بكذا، فاحتاج أحد الغانمين إلى أخذ شيء منه بتلك القيمة أن يأخذه، ولا يأتي المقاسم، لأجل المشقة في استئذانهم في جميع ذلك.

فصل:

وما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين، أو أهل الذمة، ثم ظهر عليه المسلمون، فأدركه صاحبه قبل قسمه، وجب رده إليه، لما روى ابن عمر أنه ذهب فرس له، فأخذه العدو، فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه:«أن غلاما له أبق إلى أرض العدو، فظهر عليه المسلمون، فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر، ولم يقسم» . رواهما أبو داود.

فإن لم يرده إليه الإمام، وقسمه مع العلم، لم تصح قسمته؛ لأنه قسم مال مسلم، يجب رده إليه فأشبه المغصوب، ولصاحبه أخذه بغير شيء. فأما إن أدركه صاحبه بعد القسم ففيه روايتان:

إحداهما: لا حق له فيه، لما روي أن أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما أحرز المشركون من المسلمين، ثم ظهر المسلمون عليهم بعد، قال: من وجد عين ماله بعينه، فهو أحق به ما لم يقسم. وقال سلمان بن ربيعة: إذا قسم، فلا حق له فيه. رواهما سعيد. وروى أصحابنا عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أدرك ماله قبل أن يقسم، فهو له. وإن أدركه بعد أن قسم فليس له فيه شيء» .

ص: 150

والثانية: هو أحق به بالثمن الذي حسب به على آخذه، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما:«أن رجلا وجد بعيرا له، كان المشركون أصابوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصبته قبل القسمة، فهو لك، وإن أصبته بعدما قسم، أخذته بالقيمة» ؛ ولأن امتناع أخذه خشية ضياع حق آخذه من الغنيمة أو تضييع الثمن على المشتري، وهذا ينجبر بأداء الثمن، فوجب أن يأخذه بالثمن، كالشقص المشفوع. وإن أخذ أحد الرعية مال المسلم من الكفار بغير عوض، كالهبة، والسرقة، فصاحبه أحق به، لما روي:«أن قوما أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته، وجارية من الأنصار، فأقامت عندهم أياما، ثم خرجت في بعض الليل، قالت: فما وضعت يدي على ناقة، إلا رغت، حتى وضعتها على ناقة ذلول، فامتطيتها، ثم توجهت إلى المدينة ونذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها، فلما قدمت المدينة استعرفت الناقة، فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها، فقلت: يا رسول الله، إني نذرت أن أنحرها، فقال: بئس ما جازيتها، لا نذر في معصية» وفي لفظ: «لا نذر فيما لا يملك ابن آدم» ؛ ولأنه حصل في يده بغير عوض ولا قسمة، أشبه ما لو أدركه في الغنيمة، قبل القسمة. وإن أخذه من الكفار بثمن فحكمه حكم المقسوم. هل يكون صاحبه أحق به بالثمن، أو لا يستحقه؟ يحتمل وجهين؛ لما روى الشعبي قال: أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب، فأصابوا سبايا العرب، فكتب السائب بن الأقرع، إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم قد اشتراه التجار من أهل ماه، فكتب عمر فيمن أصاب رقيقه، ومتاعه في أيدي التجار بعدما اقتسم، فلا سبيل إليه، وأيما حر اشتراه التجار، فإنه ترد إليهم رءوس أموالهم. فإن الحر لا يباع، ولا يشترى. رواه سعيد.

فصل:

وإن استولى حربي على مال مسلم، ثم أسلم، أو دخل إلينا بأمان، فهو له. نص عليه أحمد. وإن كان قد أتلفه أو باعه فلا شيء عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أسلم على شيء فهو له» ، وإن كان أخذه من المستولي عليه بسرقة، أو هبة، أو شراء، فكذلك في إحدى الروايتين؛ لأنه قد حصل منه الاستيلاء، والأخرى صاحبه أحق به بالقيمة؛ لأنه كالمقسوم. فإن استولى على جارية، فاستولدها، فهي أم ولد له. فإن غنمها المسلمون فأدركها صاحبها، أخذها، وكان أولادها غنيمة؛ لأنهم أولاد كافر حدثوا بعد ملك الكافر لها.

ص: 151

فصل:

وإن استولى الكفار على حر من المسلمين، أو أهل الذمة، لم يملكوه. وإن اشتراه رجل منهم فعلى الأسير أداء ما اشتراه به، لما ذكرنا من خبر عمر. وإن استولوا على عبد، فحكمه حكم الأموال، قنا كان أو مدبرا، أو مكاتبا أو مدبرا؛ لأنه يضمن بالقيمة. وهل يكون سيده أحق به بالثمن بعد القسمة؟ على الروايتين. وإن استولوا على أم ولد، فأدركها صاحبها بعد القسمة، أو في يد مشتريها من الكفار، فهو أحق بها بالقيمة بكل حال؛ لأنه قد حصل فيها سبب للحرية لازم، فأثر ذلك في منع إقرار اليد عليها. فإن لم يحب سيد المكاتب أخذه. فهو في يد مشتريه، أو من أعطيه من الغانمين فبقي على ما بقي عليه من كتابته، يعتق بالأداء. وولاؤه لمن يؤدي إليه.

فصل:

وإن غنم المسلمون من الكفار شيئا عليه علامة المسلمين، ولم يعرف صاحبه، فهو غنيمة، تجوز قسمته؛ لأنه قد وجد سبب الملك وهو الاستيلاء، ولم يتحقق ما يمنعه. فإن كان فيها شيء موسوم عليه، حبيس، رد إلى أهله؛ لأنه قد عرف مصرفه، وإن كان فيها عبد فقال: أنا لفلان، قبل منه ورد إلى صاحبه، وإن أصابوا مركبا، كان للمسلمين، وفيه النواتية، فقالوا: هذا لفلان، وهذا لفلان، لم يقسم. نص أحمد رضي الله عنه على هذا كله.

فصل:

وإذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام، فغنموا، ففي غنيمتهم ثلاث روايات:

إحداهن: فيها الخمس وسائرها لهم؛ لعموم قوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] .

والثانية: هي لهم من غير خمس؛ لأنه اكتساب مباح من غير جهاد، فأشبه الاحتطاب.

والثالثة: هي فيء لا شيء لهم فيها؛ لأنهم عصاة بفعلهم، فلم يملكوه، كالسرقة من المسلمين. وإن كانت الطائفة ذات منعة فكذلك، لما ذكرنا من التعليل، وقيل: لا يكون لهم بغير خمس، رواية واحدة لأنها غنيمة، فلا يستحقونها بغير خمس للآية، وكسائر الغنائم.

ص: 152