الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب اختلاف الشهود]
إذا ادعى ألفين على رجل فشهد له شاهد بهما، وشهد له آخر بألف، ثبت له الألف بشهادتهما، لاتفاقهما، ويحلف مع شاهده على الألف الآخر؛ لأن له بها شاهداً، وسواء شهدت البينة، بإقرار الخصم، أو ثبوت الحق عليه، وسواء ادعى ألفاً، أو أقل منه؛ لأنه يجوز أن يكون له حق فيدعي بعضه، ويجوز أن لا يعلم أن له من يشهد له بجميعه والله أعلم.
فصل
وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت، وشهد آخران أنه زنى بها في بيت آخر، أو شهد اثنان أنه زنى بها غدوة، وشهد اثنان أنه زنى بها عشياً، فهم قذفة، وعليهم الحد، وقال أبو بكر: تكمل شهادتهم، ويحد المشهود عليه، وحكاه عن أحمد؛ لأنه قد شهد عليه أربعة بالزنا، فيدخل في عموم قوله سبحانه:{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] ، والأول المذهب؛ لأنه لم يشهد الأربعة على فعل واحد، فأشبه ما لو شهد اثنان على رجل أنه زنا بامرأة، وشهد اثنان أنه زنا بامرأة أخرى، فيلزم الشهود الحد، دون المشهود عليه، وإن شهد اثنان أنه زنا بها في هذه الزاوية، واثنان أنه زنا بها في الزاوية الأخرى، وهما متباعدتان، فكذلك؛ لأنهما فعلان، وإن كانتا متقاربتين، كملت الشهادة؛ لأنه أمكن صدقهم، بأن تكون كل بينة نسبية إلى إحدى الروايتين، لقربه منهما.
وإن شهد اثنان، أنه زنا بها مطاوعة، واثنان أنه زنا بها مكرهة، فلا حد على المرأة، ولا على الرجل؛ لأن الشهادة لم تكمل على واحد من الفعلين، فإن زنا المكرهة غير الزنا من المطاوعة، فأشبهت التي قبلها هذا قول أبي بكر والقاضي، واختار أبو الخطاب: أن الحد يجب على الرجل دون المرأة لاتفاق الأربعة على الشهادة بزناه، ولا حد على الشهود في قوله لكمالها، وعلى قول أبي بكر: فيهم وجهان: أحدهما: عليهم الحد؛ لأن البينة لم تكمل على فعل واحد، أشبه ما لو اختلفوا في البيت.
والآخر أن الحد على شهود المطاوعة؛ لأنهم قذفوا المرأة، ولم تكمل البينة عليها.
فصل
وإن شهد أحدهما أنه قتله عمداً، وشهد الآخر أنه قتله خطأ، ثبت القتل، لاتفاقهما
عليه، ولم يثبت العمد، والقول قول المشهود عليه مع يمينه في أنه خطأ، ولا تحمله العاقلة؛ لأنه لم يثبت ببينة، وإن شهد أحدهما أنه قتله غدوة، وشهد الآخر أنه قتله عشياً، أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف، وشهد الآخر أنه قتله بسكين، لم يثبت القتل، اختاره القاضي؛ لأنهما لم يشهدا بفعل واحد، وعند أبي بكر: يثبت كالتي قبلها، فإن شهد شاهد أنه قذفه غدوة، وشهد آخر أنه قذفه عشياً، أو اختلفا في المكان، أو شهد أحدهما أنه قذفه بالعربية، وشهد الآخر أنه قذفه بالعجمية، لم تكمل شهادتهما؛ لأن البينة لم تكمل على قذف واحد، وكذلك إن كانت الشهادة بالنكاح أو بفعل، كالقتل، والسرقة، والغصب فاختلفا في المكان، أو الزمان، لم تكمل البينة كذلك، إلا على قول أبي بكر فإنها تكمل، ويثبت المشهود به، والمذهب: الأول، وإن شهد أحدهما أنه أقر بقذفه، أو بقتله يوم الجمعة، وشهد الآخر: أنه أقر بذلك يوم الخميس، أو اختلفا في المكان، أو شهد أحدهما أنه أقر بالعربية، وشهد الآخر أنه أقر بالعجمية، ثبت المشهود به؛ لأنه المشهود به واحد وإن اختلفت العبارة، وإن كانت الشهادة بعقد غير النكاح، كالبيع، والطلاق، والرجعة، فقال أصحابنا: تكمل الشهادة؛ لأن المشهود به، قول، فأشبه الإقرار، ويحتمل أن لا تكمل الشهادة؛ لأن كل بيع أو طلاق لم يشهد به إلا واحد، فلم تكمل البينة، كالنكاح، وإن شهد أحدهما أنه غصبه هذا، وشهد الآخر أنه أقر بغصبه، كملت الشهادة، نص عليه أحمد في القتل؛ لأنه يجوز أن يكون الإقرار بالغصب الذي شهد به الآخر، فتكمل البينة على شيء واحد.
وقال القاضي: لا تكمل؛ لأن ما شهد به أحدهما غير ما شهد به الآخر.
فصل
وإن شهد أحدهما أنه سرق ثوباً غدوة، وشهد الآخر أنه سرقه بعينه عشياً، لم يجب الحد؛ لأن البينة لم تكمل على سرقة واحدة، وله أن يحلف مع أحدهما، ويغرم المشهود عليه؛ لأن الغرم يثبت بشاهد ويمين، فإن كان مكان كل شاهد شاهدان، تعارضت البينتان.
ذكره القاضي لأن كل شاهدين بينة، والتعارض إنما يكون في البينة، بخلاف التي قبلها، فإن كل شاهد، ليس بينة، فلا يتعارضان، ويحتمل أن لا يتعارضا هاهنا؛ لأنه يمكن الجمع بينهما بأن يسرقه غدوة، ثم يعود إلى مالكه فيسرقه عشية، ومع إمكان الجمع لا تعارض، فعلى هذا يجب على السارق الحد والغرم، وإن لم تعين البينة الثوب، فلا تعارض بينهما وجهاً واحداً، ويجب للمسروق منه الثوبان، وعلى السارق القطع، وإن شهد أحدهما أنه سرق ثوباً قيمته ثمن دينار، وشهد الآخر أنه سرق ذلك الثوب وقيمته ربع دينار.
لم تكمل بينة الحد، لاختلافهما في النصاب، ووجب للمشهود له ثمن دينار، لاتفاقهما عليه، وحلف مع الآخر على الثمن الآخر إن أحب؛ لأن الغرم
يثبت بشاهد واحد ويمين، وإن كان مكان كل شاهد شاهدان، تعارضت البينتان، ولا حد، ووجب ما اتفقوا عليه، وسقط الزائد، لتعارض البينتين فيه.
فصل
وإذا شهد عدلان على ميت أحدهما شهد) أنه أعتق سالماً في مرضه: وهو ثلث ماله، وشهد الآخر أنه أعتق غانماً، وهو ثلث ماله، عتق السابق منهما، فإن جهل السابق منهما، أقرع بينهما فأعتق من تخرج له القرعة، كما لو أعتقهما بكلمة واحدة، وإن شهدت إحداهما أنه وصى بعتق سالم، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم، أقرع بينهما، فأعتق أحدهما بالقرعة، سواء تقدمت وصيته أو تأخرت؛ لأن الوصية يستوي فيها المقدم والمؤخر.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يعتق من كل واحد منهما نصفه؛ لأنهما سواء في الوصية، فيجب أن يتساويا في الحرية، والأول قياس المذهب، بدليل ما لو أعتقهما بكلمة واحدة، وإن كانت إحدى البينتين وارثة عادلة، ولم تطعن في شهادة الأجنبية، فالحكم كذلك، وإن كذبت الأجنبية، وقالت: ما أعتق إلا سالما وحده، عتق سالم كله، لإقرار الورثة بحريته، ولم يقبل تكذيبهم، لأنه نفي فيكون حكم غانم على ما تقدم، في أنه يعتق إذا تقدم تاريخ عتقه، ويرق إذا تأخر ويقرع بينهما إذا استويا، أو جهل الحال، وإن كانت الوارثة غير عادلة، عتق غانم كله، ولم يزاحمه من شهدت به الوارثة؛ لأن شهادة الفاسق كعدمها، ثم إن طعنت في شهادة الأجنبية، عتق سالم كله، لإقرارها بحريته، وإن لم تطعن فيها، فذكر القاضي: أنه يعتق من سالم نصفه؛ لأنه ثبت عتقه بإقرارهم، وعتق غانم بالبينة، فصار كأنه أعتق العبدين معاً إلا في أنه لا ينتقض عتق غانم، لشهادة الوارثة لفسقها.
فصل
فإن شهد اثنان على اثنين بقتل رجل، فشهد الآخران أن الأولين قتلاه، فصدق الولي الأولين، حكم بشهادتهما؛ لأنهما غير متهمين، وإن صدق الآخرين وحدهما، لم يحكم له بشيء؛ لأنهما متهمان، لكونهما يدفعان عن أنفسهما القتل، وإن صدق الجميع، فكذلك لأنهما متعارضتان، فلا يمكن الجمع بينهما.
فصل
وإن ادعى على رجل، أنه قتل وليه عمداً، وأقام شاهداً، فأقر بقتله خطأ، ثبت قتل الخطأ بإقراره، وعليه الدية، ولم يثبت العمد؛ لأنه لا يثبت إلا بشاهدين، وهل يحلف على نفيه؟ على وجهين، وإن قتل رجل رجلاً عمداً، وله وارثان، فشهد أحدهما على الآخر أنه عفا عن القود والمال، سقط القود، وإن كان الشاهد فاسقاً؛ لأنه شهادته تضمنت