الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الإقرار بالنسب]
إذا أقر رجل بنسب مجهول النسب يمكن كونه منه، وهو صغير، أو مجنون، ثبت نسبه منه؛ لأنه أقر له بحق، فثبت، كما لو أقر له بمال، فإن بلغ الصبي، وأفاق المجنون، وأنكر النسب، لم يسقط؛ لأنه نسب حكم بثبوته، فلم يسقط برده، كما لو قامت به بينة.
وإن كان المقر به بالغاً عاقلاً لم يثبت نسبه حتى يصدقه؛ لأن له فيه قولاً صحيحاً، فاعتبر تصديقه، كما لو أقر له بمال، وإن كان المقر به ميتاً، ثبت نسبه وإن كان بالغاً؛ لأنه لا قول له، أشبه المجنون.
ومتى ثبت نسب المقر له به، فرجع المقر عن الإقرار، لم يقبل رجوعه؛ لأنه حق لغيره، وإن صدقه المقر له في الرجوع، ففيه وجهان.
أحدهما: لا يسقط؛ لأن النسب إذا ثبت، لم يسقط بالاتفاق على نفيه، كالثابت بالفراش.
والثاني: يقبل؛ لأنهما اتفقا على الرجوع عن الإقرار، أشبه الرجوع عن الإقرار بالمال.
فصل
وإن أقر على أبيه أو غيره بنسب في حياته، لم يقبل إقراره؛ لأن إقرار الرجل على غيره غير مقبول، وإن أقر بعد موته وكان الميت قد نفاه، لم يثبت؛ لأنه يحمل على غيره نسباً قد حكم بنفيه، وإن لم يكن نفاه، ولكن المقر غير وارث، لم يقبل إقراره؛ لأنه لا يقبل إقراره في المال، فكذا في النسب، وإن كان وارثاً ومعه شريك في الميراث لم يثبت النسب بقوله؛ لأنه لا يثبت في حق شريكه، فوجب أن لا يثبت في حقه، وإن كان هو الوارث وحده، ثبت النسب بقوله، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:«اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي؛ وُلد على فراشه، وقال سعد: ابن أخي عهد إلي فيه أخي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش» ، متفق عليه؛ ولأن الوارث يقوم مقام موروثه في حقوقه، وهذا من حقوقه، وإن كان المقر بنتاً واحدة، ثبت النسب بقولها؛ لأنها ترث المال كله بالفرض والرد، وإن خلف زوجة، فأقرت بابن لزوجها، فوافقها الإمام، ثبت نسبه، وإلا فلا.
وإن خلف ابنين عاقلاً، ومجنوناً، فأقر العاقل بأخ، لم يثبت النسب؛ لأنه لا يرث المال كله، فإن مات المجنون، وله وارث غير أخيه، لم
يثبت النسب إلا باتفاقهم جميعاً، وإن لم يخلف وارثاً إلا أخاه، قام مقامه في الإقرار، وإن كانا عاقلين، فأقر أحدهما بنسب صغير ثم مات الآخر، ففيه وجهان: أحدهم: يثبت النسب؛ لأن المقر صار جميع الورثة.
والثاني: لا يثبت؛ لأن تكذيبه لشريكه يبطل الحكم بنسبه، فلم يثبت، كما لو أنكر الأب نسبه في حياته، فأقر به الوارث، وإن خلف ابناً، فأقر بأخ، ثبت نسبه. فإن أقر الثالث، ثبت نسبه أيضاً، فإن أنكر الثالث الثاني ففيه وجهان: أحدهما: يسقط نسبه؛ لأن الثالث ابن، فاعتبر إقراره في ثبوت نسب الثاني.
والثاني: لا يسقط؛ لأنه ثبت نسبه: قبل الثالث، ولأن الثالث فرع على نسب الثاني، فلا يسقط الفرع أصله، وإن خلف أبناً، فأقر بأخوين له في وقت واحد، فصدق كل واحد منهما لصاحبه، ثبت نسبهما، وإن تكاذبا، لم يثبت نسب واحد منهما في أحد الوجهين؛ لأنه لم يجتمع كل الورثة على الإقرار لهما، وفي الآخر يثبت نسبهما؛ لأنه ثبت بقول ثابت النسب قبلهما، فلم يؤثر إنكارهما، وإن صدق أحدهما بصاحبه، وكذب به الآخر، ثبت نسب المصدق به، وفي الآخر وجهان، وإن أقر ابن الوارث، بنسب أحد التوأمين، ثبت نسبهما، فإن كذب أحدهما بصاحبه، لم يؤثر التكذيب لأنهما لا يفترقان في النسب، وإن أقر الوارث بنسب من يحجبه، كأخ أقر بابن للميت، ثبت نسبه، وورث دونه؛ لأن حجبه لو منع إقراره، لما صح إقرار الابن بأخ؛ لأنه يخرج بإقراره عن كونه كل الورثة.
فصل
إذا كان لرجل أمة لها ثلاثة أولاد، ولم يقر بوطئها، ولا زوج لها فقال: أحد أولادها ابني، أخذ ببيان النسب والتعيين، فإذا عين أحدهما، ثبت نسبه وحريته، فإن قال: هو من نكاح فعليه الولاء لأبيه؛ لأنه قد مسه رق، والأمة وولداها الآخران رقيق قن؛ لأنها لم تعلق منه بِحُرّ في ملكه، وإن قال: من وطء شبهة، فالولد حر الأصل، وأمه وأخواه مملوكون، وإذا قال: استولدتها في ملكي، فالولد حر الأصل، ولا ولاء عليه، والجارية أم ولد، فإن كان المعين الأكبر، فأخواه ابنا أم ولد، حكمهما حكمها؛ لأنها ولدتهما بعد استيلادهما وثبوت حكم أم الولد لها، وإن عين الأوسط، فالأكبر رقيق، والأصغر له حكم أمه، وإن عين الأصغر، فأخواه رقيق؛ لأنها ولدتهما قبل كونها أم ولده وإن مات قبل البيان، أخذ ورثته بالبيان، ويقوم بيانهم مقام بيانه، فإن بينوا النسب دون الاستيلاد، ثبت النسب وحرية الولد، ولم تصر الأمة أم ولد؛ لاحتمال كونه من نكاح وغيره، وإن لم يعينوا أحداً منهم، عرضوا على القافة، فإن ألحقوا به واحداً
ألحقناه به، ولا يثبت حكم الاستيلاد لغيره، وإن لم يكن قافة، وأشكل، أقرعنا بينهم، لتميز الحرية، فمن وقعت عليه القرعة، عتق، وورث، ويحتمل أن تصير الأمة أم ولد في هذه المواضع؛ لأنه أقر بولدها وهي في ملكه، فالظاهر أنه استولدها في ملكه.
فصل
فإن كان له أمتان لكل واحدة منهما ولد، ولا زوج لواحدة منهما، ولم يقر بوطئها، فقال: أحد هذين ابني، أخذ بالبيان، فإن عين أحدهما، ثبت نسبه وحريته، ويطالب ببيان الاستيلاد فإن قال: استولدتها في ملكي، فالولد حر الأصل، وأمه أم ولد، وإن قال: من نكاح، أم وطء شبهة، فالأمة رقيق قن، وترق الأخرى وولدها.
فإن ادعت الأخرى أنها المستولدة، فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل عدم استيلادها، وإن مات قبل البيان، قام وارثه مقامه على ما بينا في المسألة التي قبلها، فإن لم يكن له وارث،، أو لم يعين الوارث، عرضا على القافة، فألحق بمن ألحقته به القافة، وإن لم يكن قافة، أو أشكل أقرع بينهما، فيعتق أحدهما بالقرعة، وقياس المذهب أنه يثبت نسبه ويرث أيضاً.
فصل
وإن خلف رجل ابنين، فأقر أحدهما بدين على أبيه لأجنبي، وكان عدلاً، فللغريم أن يحلف مع شهادته، ويأخذ دينه، وإن لم يكن عدلاً، حلف المنكر، وبرئ، ويلزم المقر من الدين بقدر ميراثه؛ لأنه لو لزمه بإقراره جميع الدين، لم تقبل شهادته على أخيه، لكونه يدفع بها عن نفسه ضرراً، ولأنه لا يرث إلا نصف التركة، فلم يلزمه أكثر من نصف الدين، كما لو وافقه أخوه، وإن لم يخلف الميت تركة، لم يلزم الوارث من الدين شيء؛ لأنه لا يلزمه أداء دينه إذا كان حياً مفلساً، فكذلك إذا كان ميتاً.
وإن كانت له تركة، تعلق الدين بها، فإن أحب الوارث تسليمها في الدين، لم يلزمه سوى ذلك، وإن أحب استخلاصها وإيفاء الدين من ماله، فله ذلك، ويلزمه أقل الأمرين من قيمتها، أو قدر الدين بمنزلة دين الجناية في رقبة الجاني، وإذا قال الرجل في مرضه: هذه الألف لقطة، فتصدقوا بها، ولا مال له سواها، فقال أبو الخطاب: يلزمهم التصدق بثلثها؛ لأنها جميع ماله، والأمر بالصدقة بها وصية بجميع المال، فلا يلزمهم منها إلا الثلث، وقال القاضي: يلزمهم الصدقة بجميعها؛ لأن أمره بالصدقة بها يدل على تعديه فيها على وجه تلزمهم الصدقة بجميعها، فيكون ذلك إقراراً منه لغير وارث، فيجب امتثاله والله أعلم.
تم بحمد الله ومنته الجزء الرابع من الكافي في فقه الإمام أحمد وبه تمام الكتاب والحمد لله رب العالمين.