المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٤

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[باب مقادير الديات]

- ‌[باب ديات الجروح]

- ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

- ‌[باب ما تحمله العاقلة وما لا تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[باب اختلاف الجاني والمجني عليه]

- ‌[باب كفارة القتل]

- ‌[كتاب قتل أهل البغي]

- ‌[باب أحكام المرتد]

- ‌[باب الحكم في الساحر]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب المحارب]

- ‌[باب حد السرقة]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب الأشربة]

- ‌[باب إقامة الحد]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب دفع الصائل]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

- ‌[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]

- ‌[باب الأنفال والأسلاب]

- ‌[باب قسمة الغنائم]

- ‌[باب قسمة الخمس]

- ‌[باب قسمة الفيء]

- ‌[باب حكم الأرضين المغنومة]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب الهدنة]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[باب المأخوذ من أحكام أهل الذمة]

- ‌[باب العشور]

- ‌[باب ما ينتقض به عهد الذمة]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[باب كفارة اليمين]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب الأقضية]

- ‌[باب ما على القاضي في الخصوم]

- ‌[باب صفة القضاء]

- ‌[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

- ‌[باب عدد الشهود]

- ‌[باب تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌[باب الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اختلاف الشهود]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب الاستثناء في الإقرار]

- ‌[باب الرجوع عن الإقرار]

- ‌[باب الإقرار بالمجمل]

- ‌[باب الإقرار بالنسب]

الفصل: ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

ومن كانت عنده شهادة في حد الله، لم يستحب أداؤها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من ستر عورة مسلم، ستره الله في الدنيا والآخرة» .

وتجوز الشهادة به؛ لقول الله تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] ، والله أعلم.

[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

يعتبر في الشاهد المقبول شهادته ستة شروط: أحدها: العقل، فلا تقبل شهادة طفل، ولا مجنون، ولا سكران، ولا مبرسم؛ لأن قولهم على أنفسهم لا يقبل، فعلى غيرهم أولى.

والثاني: البلوغ، فلا تقبل شهادة صبي؛ لقول الله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ، والصبي ليس من رجالنا، ولأنه ليس بمكلف، أشبه المجنون، وعنه: تقبل شهادة ابن العشر إذا كان عاقلاً؛ لأنه يؤمر بالصلاة، ويضرب عليها، أشبه البالغ.

وعنه: تقبل شهادته في الجروح خاصة، إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها؛ لأنه قول ابن الزبير، والمذهب الأول.

والثالث: الضبط فلا تقبل شهادة من يعرف بكثرة الغلط والغفلة؛ لأنه لا تحصل الثقة بقوله، لاحتمال أن يكون من غلطه، وتقبل شهادته من يقبل ذلك منه؛ لأن أحداً لا يسلم من الغلط.

والرابع: النطق، فلا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة؛ لأنها محتملة، فلم تقبل، كإشارة الناطق، وإنما قبلت في أحكامه المختصة به، للضرورة، وهي ها هنا معدومة.

والخامس: الإسلام، فلا تقبل شهادة كافر بحال؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وقال تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، والكافر ليس بعدل، ولا مرضي، ولا هو منا، إلا أن شهادة أهل الكتاب، تقبل في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم، ويستحلف مع شهادته بعد العصر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] الآيات، نزلت في تميم الداري وعدي وكانا نصرانيين، شهدا بوصية مولى

ص: 271

لعمرو بن العاص، روى هذه القصة أبو داود وغيره، وروى حنبل عن أحمد: أن شهادة بعضهم على بعض جائزة، لما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة بعض أهل الذمة على بعض» ، رواه ابن ماجة، ولأن بعضهم يلي بعضاً، فتجوز شهادتهم عليهم، كالمسلمين، والمذهب الأول.

قال الخلال: غلط حنبل فيما رواه لا شك فيه، والخبر يرويه مجالد، وهو ضعيف، ويحتمل أنه أراد اليمين فإنها شهادة.

فصل

الشرط السادس: العدالة، فلا تقبل شهادة فاسق؛ لقول الله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6]، وقوله سبحانه وتعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وقَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، إلى قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه» ، رواه أبو داود.

ويعتبر في العدالة شيئان: أحدهما: اجتناب الكبائر، والإدمان على الصغائر، والكبائر كل ما فيه حد، أو وعيد، فمن فعل كبيرة، أو أكثر من الصغائر، فلا تقبل شهادته؛ لأنه لا يؤمن من مثله شهادة الزور، ولأن الله تعالى نص على القاذف، فقسنا عليه مرتكب الكبائر، واعتبرنا في مرتكب الصغائر الأغلب؛ لأن الحكم للأغلب، بدليل قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] ، والآية التي بعدها.

ولا يقدح فيه في عمل صغيرة نادراً؛ لأن أحداً لا يسلم منها، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما» والثاني: المروءة، فلا تقبل شهادة غير ذي المروءة، كالمغني، والرقاص، والطفيلي، والمتمسخر، ومن يحدث بمباضعة أهله، ومن يكشف عورته في الحمام، أو غيره، أو يكشف رأسه في موضع لا عادة بكشفه فيه، ويمد رجليه في مجمع الناس

ص: 272

وأشباه ذلك مما يجتنبه أهل المروءات؛ لأنه لا يأنف من الكذب، بدليل ما روى أبو مسعود البدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح، فاصنع ما شئت» ، وفي أصحاب الصنائع الدنيئة، كالكساح، والزبال، والقمام، والقراد، والكباش، والمشعوذ، والحجام وجهان: أحدهما: لا تقبل شهادته؛ لأن هذا دناءة يجتنبه أهل المروءات، فأشبه ما قبله.

والثاني: تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم في دينهم؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وألحق أصحابنا بهذه الصنائع، الحياكة، والدباغة، والحراسة، لدناءتها، والأولى في هذه قبول الشهادة؛ لأنه قد تولاها كثير من الصالحين وأهل المروءة.

ومن كانت صناعته محرمة، كصانع المزامير، والطنابير، لا تقبل شهادته؛ لأنه مدمن على المعاصي، ساقط المروءة، وكذلك المقامر؛ لأن القمار من الميسر الذي أمر الله باجتنابه، وفيه دناءة، وسفه، وأكل مال بالباطل.

فصل

ويحرم اللعب بالنرد والشطرنج، وإن خلا من القمار، لما روى أبو موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من لعب بالنردشير، فقد عصى الله ورسوله» ، رواه أبو داود.

وعن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى ثلاثمائة وستين نظرة، ليس لصاحب الشاه فيها نصيب» ، رواه أبو بكر.

ومر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] ، ولأنه لعب يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، فأشبه القمار، والنرد أشد من الشطرنج، نص عليه أحمد للاتفاق عليه، وثبوت الخبر.

ص: 273

فأما اللعب بالحمام، فإن كان يقصد به تعليمها حمل الكتب ونحوها مما تدعو الحاجة إليه، فلا بأس به؛ لأنه كتأديب الفرس، وإن كان لغرض محرم من القمار، أو أخذ حمام غيره ونحوه، فهو محرم، وإن كان عبثاً، فهو دناءة وسفه، فما دام عليه صاحبه من المحرم والسفه، لم تقبل شهادته، لزوال عدالته، وما ندر لم يمنع؛ لأنه من الصغائر، فأما اللعب بآلات الحرب، كالمناضلة، وتأديب الفرس، والثقاف، فمندوب إليه، لما فيه من القوة للجهاد، وقد لعب الحبشة بالحراب والدوق، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده.

فصل

وهي نوعان: محرم: وهي الآلات المطربة، من غير غناء كالمزمار، وسواء كان من عود أو قصب، كالشبابة، أو غيره، كالطنبور، والعود، والمعزفة، لما روى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأمرني بمحق المعازف والمزامير» رواه سعيد في " سننه "، ولأنها تطرب، وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، فحرمت كالخمر.

النوع الثاني: مباح، وهو: الدف في النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف» رواه الترمذي، وابن ماجة.

وفي معناه، ما كان في حادث سرور، ويكره في غيره، لما روي عن عمر رضي الله عنه، أنه كان إذا سمع صوت الدف، بعث فنظر، فإن كان في وليمة سكت، وإن كان في غيره، عمد بالدرة، وهو مكروه للرجل على كل حال، لتشبهه بالنساء.

وأما الضرب بالقصب، فليس بمطرب، فلا يحرم، وإنما هو تابع للغناء، فيتبعه في الكراهة، ومن أدمن على شيء من ذلك، ردت شهادته؛ لأنه إما معصية، وإما دناءة وسقوط مروءة.

فصل

قال أحمد رضي الله عنه: لا يعجبني الغناء؛ لأنه ينبت النفاق في القلب، وقال: من خلف ولداً يتيماً له جارية مغنية تباع ساذجة، واختلف أصحابنا فيه، فذهب طائفة إلى تحريمه؛ لأنه يروى عن ابن عباس، وابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الغناء ينبت النفاق في القلب» ، وذهب أبو بكر والخلال، إلى إباحته مع الكراهة، وهو

ص: 274

قول القاضي: «لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي جاريتان تغنيان، فدخل أبو بكر، فقال: مزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهما فإنها أيام عيد» .

قال أبو بكر: الغناء والنوح واحد، مباح ما لم يكن معهما منكر، ولا فيه طعن، وفي الجملة، من اتخذه صناعة يؤتى له، أو اتخذ غلاماً أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس، فلا شهادة له؛ لأنه سفه وسقوط مروءة، ومن كان يغشى بيوت الغناء، أو يغشاه المغنون للسماع متظاهراً به، وكثر منه، ردت شهادته، ومن استتر بذلك، أو غنى لنفسه قليلاً، لم ترد شهادته، فإن كثر مع الاستتار به، ردت شهادة صاحبه عند من حرمه؛ لأنه معصية، ومن أباحه، لم يردها؛ لأنه لا معصية فيه، ولم يتظاهر به، وأما الحداء، فمباح، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء، وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن رواحة: حرك بالقوم، فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة، فأعنقت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأنجشة: رويدك، رفقاً بالقوارير» .

ونشيد الأعراب لا بأس به؛ لأنه كالحداء، وكذلك سائر الأصوات، إلا القراءة بالألحان، قال القاضي: هي مكروهة، وقال غيره: إن فرط فيها، فأشبع الحركات، حتى صارت الفتحة ألفاً، والضمة واواً، والكسرة ياء، حرم، لما فيه من تغيير القرآن، وإن لم يكن كذلك، فلا بأس به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ ورجع، وقال:«ما أذن الله لشيء، كإذنه لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن، يجهر به» أي: استمع.

«وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إلى أبي موسى، وقال: لقد أوتيت مزماراً، من مزامير آل

ص: 275

داود فقال أبو موسى: لو علمت أنك تستمع، لحبرته لك تحبيراً» .

فصل

والشعر كالكلام، حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه؛ لأنه كلام موزون مشغوله، وقد روى عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشعر كالكلام حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه» ، وقول الشعر مباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له شعراء، ويأتيه الشعراء فيسمع منهم.

فصل

وتمنع التهمة قبول الشهادة، وهي ستة أنواع؛ أحدها: كونه والداً وإن علا، أو ولداً وإن سفل، لما روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه ولا ظنين في قرابة، ولا ولاء» ، والظنين المتهم، وكل واحد منهما، متهم في حق صاحبه؛ لأنه يميل إليه بطبعه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها» .

ويستحق أحدهما النفقة على صاحبه، ويعتق عليه إذا ملكه، وعنه: تقبل شهادتهما؛ لأنهما عدلان من رجالنا، فيدخلان في عموم الآيات والأخبار، وعنه: تقبل شهادة الولد لوالده، لدخوله في العموم، ولا تقبل شهادة الأب لابنه؛ لأن ماله كماله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أنت ومالك لأبيك» فكانت شهادته لنفسه، فأما شهادة أحدهما على صاحبه، فمقبولة؛ لأنه لا يتهم عليه، ولذلك قال الله تعالى:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] .

وحكى القاضي رواية أخرى عن أحمد: أن شهادته عليه لا تقبل؛ لأن من لم تقبل

ص: 276

شهادته له، لم تقبل عليه، كغير العدل، والمذهب الأول كما ذكرنا، ولأن شهادته له ردت للتهمة، ولا تهمة في الشهادة عليه.

الثاني: لا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه؛ لأنه ينتفع بشهادته لتبسط كل واحد منهما في مال الآخر عادة، واتساعه سعته، وإضافة مال كل منهما إلى الآخر.

قال ابن مسعود لرجل قال له: إن غلامي سرق مرآة امرأتي قال: غلامكم سرق مالكم، لا قطع عليه، ولأنه إن كان الزوج الشاهد، فهو يجر إلى نفسه نفعاً؛ لأن قيمة بضع المرآة المملوك له، يزداد بيسارها، وإن كان الشاهد المرأة، فنفقتها تزداد بيساره، وعنه: أن شهادة أحدهما للآخر مقبولة، لدخوله في العموم.

الثالث: الجار إلى نفسه، أو الدافع عنها، كشهادة الغرماء للمفلس أو الميت بدين، أو عين، فإنه لو ثبت له، تعلقت حقوقهم به بخلاف غيرهما من الغرماء، فإنه لا يتعلق حق الشاهد بما يشهد به، وكذلك لا تقبل شهادة الورثة للمورث، للجرح قبل الاندمال؛ لأنه قد يسري إلى نفسه، فتجب الدية لهم، ولا شهادة الوصي بمال الميت؛ لأنه يثبت له فيه حق التصرف، وكذلك شهادة الشريك لشريكه بمال الشركة، ولا الوكيل لموكله، فيما هو موكل فيه، ولا الشفيع ببيع الشقص المشفوع، ولا السيد لعبده المأذون، ولا لمكاتبه.

قال القاضي: ولا تقبل شهادة الأجير لمستأجره، نص عليه أحمد.

وأما الدافع عن نفسه، فمثل شهادة المشهود عليه بجرح الشهود، أو شهادة العاقلة بجرح شهود القتل الذين يحملون عقله، وشهادة الضامن بقضاء الدين، أو البراءة منه، فلا تقبل شهادة أحد؛ لقوله عليه السلام:«ولا ظنين في قرابة» ولا الظنين المتهم.

فإن شهد الشريك لشريكه بغير مال الشركة، أو الوكيل بغير ما وكل به، أو العاقلة بما لا تحمل عقله، قبلت شهادتهم، لعدم التهمة فيهم، وإن شهد من العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ من لا يحمل العقل، لفقره أو بعده، احتمل أن تقبل شهادته كذلك، واحتمل أن لا تقبل؛ لأنه قد يوسر عند الحول فيحمل، أو يموت القريب فيحمل البعيد.

الرابع: من ترد شهادته لفسقه، ثم أعادها بعد عدالته، لم تقبل للتهمة في أدائها، لكونه تعير بردها، فربما قصد بأدائها أن تقبل لإزالة العار الذي لحقه بردها، ولأنها ردت بالاجتهاد، فقبولها ينقض لذلك الاجتهاد، وإن شهد عبد فردت شهادته، ثم عتق، وأعادها، ففيه روايتان:

ص: 277

إحداهما: لا تقبل؛ لأنها شهادة مجتهد فيها، فإذا ردت لم تقبل مرة أخرى، كشهادة الفاسق.

والثانية: تقبل؛ لأن العتق يظهر، وليس من فعله فيتهم في إظهاره، بخلاف العدالة، وإن شهد السيد لمكاتبه، أو الوارث لمورثه بالجرح قبل الاندمال، فردت شهادتهم، ثم زالت الموانع، فأعادوا الشهادة، ففي قبولها وجهان، كالروايتين والأولى أنها لا تقبل؛ لأنها شهادة ردت للتهمة، فلا تقبل إذا أعيدت، كالمردود للفسق.

الخامس: من شهد بشهادة ترد في البعض، ردت في الكل، مثل من شهد على رجل، أنه قذفه وأجنبياً، أو قطع الطريق عليه، أو على أجنبي، أو شهد الأب لابنه وأجنبي بدين، أو لشريكه وأجنبي، فلا تقبل؛ لأنها شهادة متهم فيها، فلم تقبل.

السادس: العداوة تمنع قبول شهادة العدو على عدوه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه» ولأنه يتهم في إرادة الضرر بعدوه، فلا تقبل شهادة الرجل على زوجته بالزنا؛ لأنه يقر بعدواته لها، ولأنه دعوى جناية في حقه، فلم تقبل؛ لأنه خصم، ولا تقبل شهادة المقطوع عليه الطريق على القاطع، ولا المقذوف على القاذف؛ لأنه عدو، فأما المتحاكمان على مال، فلا يمنع ذلك قبول شهادة أحدهما على صاحبه؛ لأنه ليس بعدواة.

فصل

وتقبل شهادة العدو لعدوه؛ لأنه غير متهم في شهادته له وشهادة الرجل لأبيه من الرضاع، وابنه، وسائر أقاربه، جائزة؛ لأنه لا نسب بينهما يوجب الإنفاق والصلة، وعتق أحدهما على صاحبه، بخلاف قرابة النسب، وتقبل شهادة الأخ من النسب لأخيه؛ لأنه عدل غير متهم، فيدخل في عموم الآيات والأخبار، ولا يصح قياسه على الوالد والولد، لما بينهما من التقارب، وتقبل شهادة الصديق الملاطف، وسائر الأقارب، لما ذكرنا، وتقبل شهادة ولد الزنى، والجندي، إذا سلما في دينهما كذلك، وتقبل شهادة الوصي والوكيل بعد العزل في أحد الوجهين كذلك، إلا أن يكونا قد خاصما فيما شهدا به؛ لأنهما صارا خصمين فيه، وتقبل شهادة الوارث بالجرح بعد الاندمال، لما ذكرناه.

فصل

ومن شهد شهادة زور، فسق، وردت شهادته؛ لأنها من الكبائر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق

ص: 278

الوالدين وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت» متفق عليه.

ويثبت أنه شاهد زور بأحد ثلاثة أشياء: أحدهما: أن يقر بذلك.

والثاني: أن تقوم البينة به.

الثالث: أن يشهد بما يقطع بكذبه، مثل أن يشهد بموت من تعلم حياته، أو يقتله في مكان، والمشهود عليه في ذلك الوقت في بلد آخر.

ولا يثبت ذلك بتعارض الشهادتين؛ لأنه ليس تكذيب إحداهما أولى من الأخرى، ومتى ثبت أنه شاهد زور، عزره الحاكم، بما يراه من الضرب أو الحبس، وشهره، بأن يقيمه للناس في موضع يشتهر أنه شاهد زور؛ لأن فيه زجراً له ولغيره عن فعل مثله، فأما الغلط والنسيان، فلا يصير به شاهد زور؛ لأنه لم يتعمده، ولو غير العدل شهادته بحضرة الحاكم، فزاد فيها، أو نقص، قبلت ما يحكم بشهادته؛ لأنه يجوز أن يكون نسيه.

فصل

ومن قذف، أو فعل معصية توجب رد شهادته، فتاب، قبلت شهادته؛ لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] ، نص على قبول شهادة القاذف إذا تاب، وقسنا عليه سائر من ذكرنا.

إن قذف ولم يتب، لم تقبل شهادته، سواء جلد أو لم يجلد، للآية، ولأن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة: تب، أقبل شهادتك، ولأن القذف معصية توجب حداً، فوجب أن ترد بها الشهادة قبل التوبة، وتقبل بعد التوبة، كالزنا، والتوبة من الذنب: الاستغفار، والندم على الفعل، والعزم على أن لا يعود، والإقلاع عن الذنب؛ لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135] ، الآية، والتي بعدها، وإن كانت مظلمة لآدمي، فالإقلاع عنها، والتخلص

ص: 279

منها، بإيفاء صاحبها، أو التحلل منه؛ لأن الحق لأدمي، فلا يبرأ منه إلا بأدائه أو إبرائه، وإن عجز عن ذلك، عزم على إيفائه متى قدر، وإن كان قذفاً فإقلاعه عنه، إكذابه لنفسه؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: توبة القاذف إكذابه نفسه، ولأنه بالقذف ألحق العار به، فإكذابه نفسه يزيله، فإن لم يكن كاذباً، قال: قذفي لفلان كان باطلاً، وقد ندمت عليه، ولا يعتبر مع التوبة إصلاح العمل؛ لأن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة: تب، أقبل شهادتك، ويحتمل أن يعتبر مضي مدة تعلم توبته فيها؛ لأن الله تعالى قال:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5]، وقال:{فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] .

فصل

وتقبل شهادة العبد، فيما خلا الحد، والقصاص لقول الله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، والعبد عدل تقبل روايته، وفتياه، وأخباره الدينية، فيدخل في العموم.

وعن عقبة بن الحارث، أنه قال:«تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف وقد زعمت ذلك» متفق عليه، ولأنه عدل غير متهم، فأشبه الحر، ولا تقبل شهادته في الحد؛ لأنه يدرأ بالشبهات، وفي شهادة العبد شبهة، لوقوع الخلاف فيها، وفي القصاص احتمالان: أحدهما: لا تقبل فيه كذلك.

والثاني: تقبل؛ لأنه حق آدمي، لا يصح الرجوع عن الإقرار به، فأشبه الأموال، وذكر الشريف، وأبو الخطاب في جميع العقوبات روايتين.

فصل

وتجوز شهادة الأمة، فيما تجوز به شهادة النساء، لحديث عقبة بن الحارث، وحكم المدبر، والمكاتب، وأم الولد، حكم القن في ذلك؛ لأنهم أرقاء.

فصل

ويعتبر استمرار شروط العدالة حتى يتصل بها الحكم، فإن شهد عند الحاكم، فلم يحكم بشهادته، حتى حدث منه ما لا تجوز معه شهادته، لم يحكم بها؛ لأن العدالة أن الإنسان يستبطن الفسق، ويظهر العدالة، فلا يؤمن أن يكون فاسقاً حين أداء شهادته، فلم يجز الحكم بها مع الشك فيها، وإن حدث ذلك منه بعد الحكم وقبل الاستيفاء، فإن

ص: 280