الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن صدق الجاني المرأة في حياته، وكونه ذكرًا، وأنكرت العاقلة، وجبت الدية في مال الجاني؛ لأن العاقلة لا تحمل اعترافًا، وإن مات الجنين مع أمه، واعترف الجاني، أنه سقط حيًا، ثم مات، وأنكرت العاقلة، فعلى العاقلة غرة؛ لأنها لم تعترف بأكثر منها وما زاد على الجاني؛ لأن قوله مقبول على نفسه دون العاقلة.
فصل
وإن اصطدمت سفينتان، فتلفت إحداهما، فادعى صاحبها أن القيم فرط في ضبطها فأنكر، فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل عدم التفريط، ومتى اختلفا في وجود جناية غير ما يوجب القسامة، كالجناية على الأطراف وغيرها، فالقول قول الجاني؛ لأن الأصل براءة ذمته، وعدم الجناية.
فصل
وإذا سلم دية العمد ثم اختلفا، فقال الولي: لم يكن فيها خلفات، وقال الجاني: كانت فيها، ولم تكن، رجع فيه إلى أهل الخبرة، فالقول قول الولي؛ لأن الأصل عدم الحمل، وإن رجع في الدفع إليهم، فالقول قول الدافع؛ لأننا حكمنا بأنها خلفات بقولهم، فلا ينقض ما حكمنا به إلا بدليل.
[باب كفارة القتل]
تجب الكفارة، على كل من قتل نفسًا محرمة مضمونة خطأ، بمباشرة أو تسبب، كحفر البئر، وشهادة الزور؛ لقول الله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]، وتجب على من قتل في بلاد الروم مسلمًا يعتقده كافرًا؛ لقول الله تعالى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وكذلك يلزم من رمى صف الكفار فقتل مسلمًا، قياسًا عليه، ومن ضرب بطن امرأة، فألقت جنينًا حيًا أو ميتًا، فعليه كفارة؛ لأنه آدمي محقون الدم لحرمته، فوجبت فيه الكفارة كغيره، وإن قتله وأمه، فعليه كفارتان؛ لأنه قتل نفسين، وإن قتل نفسه أو عبده خطأ، فعليه كفارة؛ لأنها تجب لحق الله تعالى، وقتل نفسه وعبده كقتل غيرهما في التحريم، لحق الله تعالى، وإن اشترك جماعة في قتل واحد، فعلى كل واحد منهم كفارة؛ لأنها كفارة لا تجب على سبيل البدل، اشتركوا في سببها فلزم كل واحد
كفارة، كالطيب في الإحرام، وعنه: على الجميع كفارة؛ لأنها تجب بالقتل، فإذا كان واحدًا، وجبت كفارة واحدة، كقتل الصيد.
فصل
ولا تجب الكفارة بالعمد المحض، سواء أوجب القصاص أو لم يوجبه؛ لقول الله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فتخصيصه بها يدل على نفيها في غيره، ولأنها لو وجبت في العمد، لمحت عقوبته في الآخرة؛ لأنها شرعت لستر الذنب، وعقوبة القاتل عمدًا ثابتة بالنص لا تمحى بها، فوجب ألا تجب الكفارة فيه، وعنه: أنها تجب؛ لأنها إذا وجبت في الخطأ مع قلة إثمه، ففي العمد أولى.
وأما شبه العمد، فتجب فيه الكفارة؛ لأنه أجري مجرى الخطأ في نفي عقوبته، وتحمل العاقلة ديته وتأجيلها، فكذلك في الكفارة، ولأنه لو لم تجب الكفارة، لم يلزم القاتل شيء؛ لأن الدية تحملها العاقلة، وتجب الكفارة في مال الصبي والمجنون إذا قتلا وإن تعمدا؛ لأن عمدهما أجري مجرى الخطأ في أحكامه، وهذا من أحكامه، وتجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله، وعلى من قتلت بهيمته بيدها، أو فمها إذا كان قائدها، أو راكبها، أو سائقها؛ لأن حكم القتل لزمه، فكذلك كفارته.
فصل
ولا يجب بالجناية على الأطراف كفارة، ولا بقتل غير الآدمي؛ لأن وجوبها من الشرع، وإنما أوجبها في النفس، وقياس غيرها عليها ممتنع؛ لأنها أعظم حرمة، ولذلك اختصت بالقسامة، ولا تجب بقتل مباح، كقتل الزاني المحصن، والقصاص، وقتل أهل البغي، والصائل، ومن ضرب الحد فمات فيه أو في التعزير، أو قطع بالسرقة، أو القصاص، فسرى إلى نفسه، ونحو ذلك؛ لأن الكفارة شرعت للتكفير والمحو، وهذا لا شيء فيه يمحى.
فصل
والكفارة تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين للآية، فإن لم يستطع؛ ففيه روايتان:
إحداهما: يلزمه إطعام ستين مسكينًا؛ لأنها كفارة فيها العتق وصيام شهرين، فوجب فيها إطعام ستين مسكينًا إذا عجز عنهما، ككفارة الظهار، والجماع في رمضان.
والأخرى: لا يجب فيها الإطعام؛ لأن الله تعالى لم يذكره، وصفة الرقبة والصيام والإطعام، كصفة الواجب في كفارة الظهار على ما ذكر فيه، ومن عجز عن الكفارة، بقيت في ذمته؛ لأنها كفارة تجب بالقتل، فلا تسقط بالعجز، ككفارة قتل الصيد الحرمي.