الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعديه؛ لأن تركه يفضي إلى تضييع الحقوق. فإن استدعاه الحاكم، لزمته الإجابة، فإن أبى تقدم إلى صاحب الشرط ليحضره. وإن استعدى على غائب، وكان الغائب في بلد فيه حاكم، كتب إليه، لينظر بينهما، وإن لم يكن ثم حاكم، وكان ثم من يتوسط بينهما، كتب إليه لينظر بينهما. فإن لم يكن ثم من ينظر بينهما، لم يحضره حتى يحقق الدعوى؛ لأنه يجوز أن يكون المدعى ليس بحق، كثمن الكلب، والخمر، فلا يكلفه مشقة الحضور، كما لا يقضي به فإذا حقق الدعوى أحضره، بعدت المسافة أو قربت، لما روي أن أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى المهاجر بن أبي أمية: أن ابعث إلي بقيس بن المكشوح في وثاق، فأحلفه خمسين يميناً، على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما قتل داذويه؛ ولأننا لو لم نلزمه الحضور، جعل البعد طريقاً إلى إبطال الحقوق. وإن استعداه على امرأة برزة، فهي كالرجل؛ لأنها مثله في الخروج إلى الحاجات. وإن كانت غير برزة. لم تكلف الحضور، وتوكل من يحاكم عنها. فإن توجهت اليمين عليها، بعث إليها من يحلفها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» ولم يكلفها الحضور.
[باب صفة القضاء]
إذا حضر القاضي خصمان، فادعى أحدهما على الآخر شيئاً تصح دعواه، فللقاضي مطالبة الخصم بالخروج من دعواه قبل سؤاله؛ لأن شاهد الحال يدل على طلب المطالبة، فيقول له الحاكم: ما تقول فيما يدعى عليك؟ فإن أقر لزمه الحق. ولا يحكم به إلا بمطالبة المدعي؛ لأن الحكم حق له، فلم يجز استيفاؤه بغير إذنه. فإذا طالبه حكم له. فيقول: قد ألزمتك ذلك، أو قضيت عليك، أو أخرج له منه. ويحتمل جواز الحكم من غير مطالبة؛ لأن قرينة حاله تدل على إرادة ذلك؛ ولأن أكثر الناس لا يعلمون توقف الحكم على طلبهم، فتوقف الحكم عليه يفضي إلى فوات حقه؛ ولأنه لم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه، فاشتراطه يخالف ظاهر حالهم. وإن أنكر، فلم يعرف المدعي وقت البينة، قال له القاضي: ألك بينة؟ وإن كان يعلم فللقاضي أن يقول ذلك، وله أن يسكت. فإن قال: ما لي بينة، قال له الحاكم: فلك يمينه. فإن سأله إحلافه، أحلفه. ولا يجوز إحلافه قبل مطالبة المدعي، فإن فعل لم يعتد بها؛ لأنها يمين قبل وقتها، وللمدعي المطالبة بإعادتها. وإن أمسك المدعي عن إحلافه. ثم أراد إحلافه، فله ذلك؛ لأن حقه لم يسقط بالتأخير. وإن قال: أبرأتك من اليمين، سقط حقه
منها في هذه الدعوى. وله استئناف الدعوى، والطلب باليمين فيها؛ لأن حقه لم يسقط بالإبراء من اليمين. وهذه الدعوى غير التي أبرأه من اليمين فيها. فإذا حلف سقطت الدعوى، لما روى وائل بن حجر:«أن رجلاً من حضرموت ورجلاً من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي: إن هذا غلبني على أرضي ورثتها من أبي، وقال الكندي: أرضي وفي يدي لا حق له فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه، فقال: إنه لا يتورع من شيء، فقال: ليس لك إلا ذلك.» رواه مسلم بمعناه.
فإن امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه، فإن بدا فقال: أريد أن أنظر في حسابي، أمهل ثلاثة أيام؛ لأنها قريبة، ولا يمهل أكثر منها؛ لأنه كثير. وقال أبو الخطاب: لا يمهل لأن الحق توجه عليه حالاً، فلا يمهل به، كالمال. وإن لم يذكر عذراً لامتناعه، قال له الحاكم: إن حلفت وإلا جعلتك ناكلاً وقضيت عليك، ويكرر ذلك عليه ثلاثاً، فإن حلف، وإلا حكم عليه، لما روى أحمد أن ابن عمر باع زيد بن ثابت عبداً، فادعى عليه زيد أنه باعه إياه عالماً بعيبه، فأنكر ابن عمر، فتحاكما إلى عثمان، فقال له عثمان: احلف أنك ما علمت به عيباً، فأبى ابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اليمين على المدعى عليه» فحصرها في جنبته، فلم يشرع لغيره. واختار أبو الخطاب أنه لا يحكم بالنكول، ولكن ترد اليمين على خصمه، وقال: قد صوبه أحمد، وقال: ما هو ببعيد، يحلف ويستحق، فيقول الحاكم لخصمه: أتحلف وتستحق؟ لما روى ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق» . رواه الدارقطني. وروي أن المقداد اقترض من عثمان مالاً، فتحاكما إلى عمر، فقال عثمان: هو سبعة آلاف، وقال المقداد: هو أربعة آلاف، فقال المقداد لعثمان: احلف أنه سبعة آلاف، فقال عمر: أنصفك. فإن حلف المدعي حكم له، وإن نكل سئل عن سبب نكوله؛ لأنه لا يجب بنكوله لغيره حق، بخلاف المدعى عليه. فإن قال: امتنعت؛ لأن لي بينة أقيمها، أو حساباً أنظر فيه، فهو على حقه من اليمين، ولا يضيق عليه في المدة؛ لأنه لا يتأخر بتركه إلا حقه، بخلاف المدعى عليه. فإن قال: لا أريد أن أحلف، فهو ناكل. فإن عاد فبذل اليمين، لم تسمع منه في هذه الدعوى؛ لأنه أسقط حقه منها. فإن عاد في مجلس آخر، واستأنف الدعوى، أعيد الحكم بينهما، كالأول. فإن بذل اليمين هاهنا حكم بها؛ لأنها يمين في دعوى أخرى.
فصل:
وإن كان للمدعي بينة عادلة، قدمت على يمين المدعى عليه، للخبر؛ ولأنها لا تهمة فيها؛ لأنها من جهة غيره، واليمين بينهم فيها. ولا يجوز سماع البينة والحكم بها إلا بمسألة المدعي؛ لأنه حق له، فلا يستوفى إلا بإذنه. فإن شهدت البينة، فقال المدعى عليه: أحلفوه أنه يستحق ما شهدت به البينة، لم يحلف؛ لأن في ذلك طعناً في البينة. وإن قال: قضيته، أو: أبرأني منه، أو: أحلته به، فأنكر المدعي، فسأل إحلافه، أحلف له؛ لأن ذلك ليس بتكذيب للبينة. فإن كانت البينة غير عادلة، قال له الحاكم: زدني شهوداً، فإن قال المدعي: لي بينة غائبة فأحلف المدعى عليه، أحلف؛ لأن الغائبة كالمعدومة، لتعذر إقامتها. ومتى حضرت بينته وطلب سماعها وجب سماعها والحكم بها، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة؛ ولأن البينة كالإقرار، ثم يجب الحكم بالإقرار بعد اليمين كذلك بالبينة، وإن قال: لي بينة حاضرة، ولكني أريد يمينه ثم أقيم بينتي، لم يستحلف؛ لأنه أمكن فصل الخصومة بالبينة وحدها، فلم يشرع معها غيرها، كما لو أقامها. وإن قال: أحلفوه ولا أقيم بينتي، حلف؛ لأن له في هذا غرضاً وهو أن يخاف، فيقر، فيثبت الحكم بإقراره، وهو أسهل من إثباته بالبينة. فإذا حلف فهل يمكن المدعي من إقامة البينة؟ على وجهين. وإن قال: ما لي بينة، ثم جاء ببينته، لم تسمع؛ لأنه أكذبها بإنكاره. وإن قال: ما أعلم لي بينة، ثم أقام بينة، أو قال شاهدان: نحن نشهد لك، فقال: هذان بينتي، سمعت؛ لأنه لم يكذب بينته. وإن قال: ما أريد أن تشهدا لي، وأريد يمينه، حلف لما ذكرناه. وإن قال: لي بينة، وأريد ملازمة خصمي، أو حبسه حتى أقيمها، لم يكن له ذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك» .
فصل:
وإذا شهد شاهدان، فلم يعلم خصمه أن له جرحهما، قال له الحاكم: قد أطردتك جرحهما. وإن كان يعلم، فله أن يقول له ذلك، وله أن يسكت. فإن سأل خصمه الإنظار ليجرحهما، أنظر ثلاثاً، لما روي عن عمر رضي الله عنه، أنه قال في كتابه إلى أبي موسى: واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينة، أخذت له حقه، وإلا استحللت القضية عليه، فإنه أنفى للشك، وأجلى للعمى. وإن قال: لي بينة بالقضاء أو الإبراء، أمهل ثلاثاً، فإن لم يأت بها، حلف المدعي على نفي ذلك، وقضى له، وله ملازمته إلى أن يقيم بينة بالجرح أو القضاء؛ لأن الحق قد ثبت في الظاهر. وإن شهد شاهدان، ولم تثبت عدالتهما في الباطن، فسأل المدعي حبس الخصم إلى أن يسأل عن عدالة الشهود، حبس؛ لأن الظاهر العدالة، وعدم الفسق،
ويحتمل أن لا يحبس؛ لأن الأصل براءة ذمته. وإن شهد له واحد، فسأله حبسه حتى يقيم له شاهداً آخر، ففيه وجهان:
أحدهما: يحبس كما لو جهل عدالة الشهود.
والثاني: لا يحبس؛ لأن البينة لم تتم.
فصل:
وإن علم الحاكم الحال، لم يجز أن يحكم بعلمه، في حد ولا غيره، في ظاهر المذهب، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه تداعى عنده رجلان، فقال له أحدهما: أنت شاهدي، فقال: إن شئتما شهدت ولم أحكم، أو أحكم ولا أشهد. وقال أبو بكر رضي الله عنه: لو رأيت رجلاً على حد، لم أحده حتى تقوم البينة عندي؛ ولأنه متهم في الحكم بعلمه، فلم يجز، كالحكم لولده. وعنه: يجوز له الحكم بعلمه سواء علمه في ولايته أو قبلها، «ولأن هنداً قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني لي ولولدي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» فقضى بعلمه؛ ولأنه حق علمه، فجاز الحكم به، كالتعديل والجرح، وكما لو ثبت بالبينة.
فصل:
وإن كان للمدعي شاهد واحد عدل، في المال، أو ما يقصد به المال، حلف المدعي مع شهادته، وحكم له به؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قضى بشاهد ويمين» . رواه مسلم.
فإن أبى أن يحلف، وقال: أريد يمين المدعى عليه أحلفناه. فإن نكل المدعى عليه، قضي عليه. ومن قال: ترد اليمين، فهل ترد هاهنا؟ يحتمل وجهين:
أحدهما: لا ترد؛ لأنها كانت في جنبته، وقد أسقطها بنكوله عنها، وصارت في جنبة غيره، فلم تعد إليه، كالمدعى عليه إذا نكل عن اليمين، فردت على المدعي، فنكل عنها.
والثاني: ترد عليه؛ لأن هذه غير اليمين الأولى؛ ولأن سبب الأولى قوة جنبة المدعي بالشاهد. وسبب الثانية نكول المدعى عليه، فسقوط إحداهما لا يوجب سقوط الأخرى. فإن سكت المدعى عليه، فلم ينكر ولم يقر، حبسه الحاكم حتى يجيب، ولم يجعله بذلك ناكلاً. ذكره القاضي في المجرد. وذكر أبو الخطاب أن الحاكم