الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينفسخ نكاحهما؛ لأن الرق لا يمنع ابتداء النكاح، فلم يقطع استدامته، كالعتق. ويحتمل أن ينفسخ نكاحهما؛ لأنه استولى على محل حقه، فزال ملكه عنه، كماله، أو كما لم يسب معها.
فصل:
وإن أسلم عبد الحربي ولم يخرج إلينا، فهو على رقه؛ لأن يد سيده لم تزل عنه، فلم يزل ملكه، كما لو لم يسلم، وإن خرج إلينا، صار حرا؛ لأنه أزال يد سيده قهرا، فزال ملكه، كما لو استولى عليه مسلم. وإن أسر سيده، وأخذ ماله وعياله، فالمال له، والسبي رقيقه؛ لأن دار الحرب دار قهر، فما استولى عليها فيها، فهو للمستولي. وقد روى أبو سعيد الأعشم قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبد، إذا أخرج من دار الحرب قبل سيده، أنه حر، فإن خرج سيده بعد، لم يرد إليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد، رد على سيده» ، رواه سعيد.
فصل:
وليس للإمام أن يقيم حدا في أرض الحرب، ولا يستوفي قصاصا، لما روي عن بسر بن أرطاة، أنه «أتى برجل في الغزاة، قد سرق بختية، فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في الغزو لقطعتك» . رواه أبو داود.
وروى سعيد بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى الناس: أن لا يجلدن أمير جيش، ولا سرية، رجلا من المسلمين حدا وهو غاز، حتى يقطع الدرب قافلا، لئلا تلحقه حمية الشيطان، فيلحق بالكفار؛ ولأنا لا نأمن أن يحمله الخوف من الحد، فيلحق بالكفار، فيجب تأخيره. فإذا قفل وخرج من دار الحرب، أقيم عليه حد ما فعل في دار الحرب؛ لأنه واجب لوجود سببه، تأخر لعارض زال بقفوله، فتجب إقامته، كما لو أخر لمرض. وأما الثغور، فتقام بها الحدود والقصاص؛ لأنها دار إسلام. وقد كتب عمر إلى أبي عبيدة رضي الله عنهما: أن يجلد من شرب الخمر عنده ثمانين. وكتب إلى خالد يأمره بمثل ذلك.
[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]
باب ما يلزم الجيش من طاعة الإمام يلزم الجيش طاعة أميرهم، وامتثال أوامره، والانتهاء عن مناهيه، لقول الله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد
أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري، فقد عصاني» رواه النسائي. ولا يجوز الخروج إلى الغزو إلا بإذنه؛ لأنه أعلم بمصالح الحرب، والطرقات، ومكامن العدو، وكثرتهم وقلتهم، فيجب الرجوع إلى رأيه، إلا أن يعرض ما يمنع، من استئذانه من مفاجأة عدو يخاف الضرر بتأخير حربه، أو فرصة يخاف فوتها بانتظار رأيه، فيجوز من غير إذنه. قال أحمد: وإذا نادى الإمام: الصلاة جامعة، لأمر يحدث يشاور فيه، لم يتخلف أحد إلا من عذر. وإن غضب على رجل، فقال: اخرج، عليك ألا تصحبني، فلا يصحبه حتى يأذن له.
فصل:
ويُغْزَى مع كل بر وفاجر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا.» رواه أبو داود؛ ولأن تركه مع الفاجر يُفضي إلى تعطيل الجهاد وظهور العدو.
وقال أحمد: لا يعجبني أن يخرج مع القائد إذا عرف بالهزيمة، وتضييع المسلمين، فإن كان القائد يعرف بشرب الخمر، والغلول، يغزى معه إذا كان له شفقة وحيطة على المسلمين. إنما فجوره على نفسه، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» متفق عليه
فصل:
وإذا غزا الأمير بالناس، لم يجز لأحد أن يخرج من المعسكر لتعلّف، ولا احتطاب، ولا غارة، ولا غير ذلك إلا بإذنه، لقول الله تعالى:{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] ؛ ولأن الأمير أعرف بحال الناس، ومكامن العدو، وقربه وبعده، ومواضع الأمن، فلا يأذن لهم، إلا مع أمنه عليهم، وإن خرجوا من غير أمره، لم يأمنوا كمينا للعدو. أو مهلكة يهلكون بها، وربما رحل الجيش فيضيع الخارج.
فصل:
وتجوز المبارزة في الحرب، وهو: أن يخرج الرجل من المسلمين، إلى الرجل من الكافرين بين الصفين، ليقاتل كل واحد منهما صاحبه؛ لأن حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، بارزوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة، بأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] الآيات ولا يجوز إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر القتال موكول إليه، وهو أعلم برجاله، فلا يؤمن مع مخالفته، أن يتم ما ينكسر به الجيش. ومتى خرج كافر يطلب البراز، جاز رميه وقتله؛ لأنه مشرك لا أمان له، إلا أن تجري العادة بينهم بترك التعرض لمن يطلب البراز، فلا يجوز التعرض له؛ لأن ذلك يجري مجرى الشرط، ويستحب لمن يعلم من نفسه الشدة والشجاعة مبارزته؛ لأن في ترك مبارزته كسرا على المسلمين. ويكره للضعيف الخروج إليه لأن القصد إظهار القوة. والظاهر من مبارزة الضعيف خلاف ذلك. فإن طلب الشجاع المبارزة ابتداء، أبيح له؛ لأن فيه إظهار القوة، ولا يستحب؛ لأنه لا حاجة إليه، ولا يأمن الغلبة، فيكسر قلوب المسلمين. ومتى تبارزا بشرط أن لا يعين واحدا أصحابه، لم يجز رمي الكافر، وفاء بشرطه. فإن ولى مثخنا، أو محتازا، أو ولى عنه المسلم، جاز رميه؛ لأنه شرط الأمان حال القتال، وقد انقضى القتال فزال الأمان. وإن استنجد الكافر أصحابه، أو بدءوا بإعانته، فلم يمنعهم، انتقض أمانه لنقضه إياه. وإن منعهم فلم يقبلوا منه، فهو على أمانه؛ لأنه لم ينقضه. وإن شرط أن لا يرميه أحد حتى يرجع إلى صفه، وفي له بشرطه. فإن ولى عنه المسلم فتبعه ليقتله، جاز رميه؛ لأنه نقض الشرط، فسقط أمانه.
فصل:
ومن أسر أسيرا، لم يكن له قتله حتى يأتي به الإمام، فيرى فيه رأيه؛ لأنه إذا صار أسيرا فالخيرة فيه إلى الإمام. وعنه: ما يدل على إباحة قتله؛ لأنه في وقت الحرب، فأشبه قتله حال القتال. وإن امتنع الأسير أن ينقاد معه. فله إكراهه بالضرب وغيره، فإن لم يمكنه إكراهه، أو خافه على نفسه، أو خاف انقلابه، فله قتله؛ لأنه كافر لا أمان له، يخاف شره، فأبيح قتله، كما قبل الأسر. وإن كان امتناعه لمرض، أبيح قتله، كما يجوز أن يذفف على جريحهم. وقد توقف أحمد عن قتله، والأولى إباحته. ومتى قتل أسيره، أو أسير غيره قبل بلوغه إلى الإمام، أو بعده قبل الحكم باسترقاقه، لم يضمنه؛ لأنه ليس بمال، ولذلك أبيح للأمير إتلافه. وإن قتل امرأة أو صبيا قبل الاستيلاء عليهم، لم يضمنهم؛ لأنهم لم يصيروا مالا للمسلمين وإن قتلهم بعد الاستيلاء عليهم ضمنهم لأنهم يصيرون رقيقا بنفس السبي.
فصل:
وإذا وجد المسلمون بأرض الحرب طعاما أو علفا، فلهم الأكل منه، وعلف دوابهم مع الحاجة وعدمها من غير إذن الإمام، لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا طعاما يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه قدر ما يكفيه، ثم ينصرف. وروي أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر رضي الله عنه: إنا فتحنا أرضا كثيرة الطعام والعلف، وكرهنا أن نقدم في شيء من ذلك. فكتب إليه: دع الناس يعلفون، ويأكلون، فمن باع منهم شيئا، بذهب أو فضة، ففيه خمس الله، وسهام المسلمين. رواهما سعيد؛ ولأن الحاجة تدعو إليه، ففي المنع ضرر بالجيش؛ لأنه يشق عليهم حمل الزاد والعلف. ولآخذه أن يعطيه لمن يحتاج إليه، فيكون أحق به. وليس له بيعه؛ لأن الحاجة تدعو إلى الأكل دون البيع، فإن باعه لبعض الغانمين، صار الآخذ أحق به؛ لأنه صار في يده، وهو من الغانمين الذين لهم الأكل منه. وله أخذ ما دفع من ثمنه؛ لأنه دفعه إلى من لا يستحق، فإن رد الطعام إلى البائع، صار البائع أحق به؛ لأنه صار إليه. وإن باعه لغير الغانمين، فالبيع باطل، ويرد المبيع إلى الغنيمة؛ لأنه لا يملك بيعه. فإن تعذر رده، رد ثمنه، لخبر عمر؛ ولأنه تعذر رد المبيع، فوجب رد قيمته، كالمغصوب. وإن وجد دهنا مأكولا، فله أكله؛ لأنه من الطعام. وقد روى عبد الله بن مغفل قال:«دلي جراب من شحم يوم خيبر، فأتينه فالتزمته وقلت: هذا لي، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم لي، فاستحييت منه» . متفق عليه.
وإن أراد أن يدهن به، أو يدهن به دابته، فقال أحمد: إذا كان من ضرورة، أو صداع، فلا بأس، وإن كان للزينة، فلا يعجبني. وذلك لأن ما تدعو الحاجة إليه من هذا، فهو مثل الطعام في الحاجة إليه، فأبيح، ولا حاجة إلى الزينة، فلم تبح، كلبس الثوب. وليس له غسل ثيابه بالصابون؛ لأنه للزينة والتحسين ، قال القاضي: وليس له إطعام الجوارح، كالفهد والكلب، والصقر؛ لأنه لا حاجة إليه. وما يحتاج إليه من المشروبات للدواء، أبيح له تناوله؛ لأنه طعام احتاج إليه، فأشبه الفاكهة.
فصل:
وإن أحرزت الغنيمة، فقال الخرقي: لا يؤكل منها إلا أن تدعو الضرورة، بأن لا يجدوا ما يأكلون. ونص عليه أحمد؛ لأن المسلمين ملكوها بحيازتها، فلم يجز الأكل منها، كما لو حيزت إلى بلد الإسلام. وقال القاضي: لهم الأكل منها ما لم تحرز بدار الإسلام، أو تقسم؛ لأن الحاجة تدعو إلى الأكل منها، فأشبه ما قبل الحيازة. ويحتمل أن الخرقي أراد بالإحراز إدخالها دار الإسلام، فيكون معنى القولين واحدا. وإذا وجد في دار الحرب حيوانا مأكولا، فقال الخرقي: لا تعقر شاة، ولا دابة إلا لأكل لا بد
منه؛ لأنها تقتنى لغير الأكل، فأشبهت الفرس. وقال القاضي: يجوز ذبح ما جرت العادة بذبحه للأكل، كالشاة وما دونها؛ لأنها مما تؤكل عادة، فأشبه الطعام. فأما الطيور، كالدجاج ونحوها، فيباح ذبحها وأكلها. نص عليه أحمد؛ لأن هذا مما لا يمكن حمله إلى دار الإسلام. فأشبه الطعام.
فصل:
ومن فضل معه من الطعام والعلف كثير، فأدخله البلد، فعليه رده إلى المغنم؛ لأنه إنما أبيح للحاجة وقد زالت الحاجة. وإن كان يسيرا، ففيه روايتان:
إحداهما: يجب رده؛ لأنه أبيح للحاجة وقد زالت.
والثانية: له أخذه؛ لأنه أخذ ما له أخذه، فلم يجب رده، كالسلب؛ ولأن اليسير تجري المسامحة فيه. قال الأوزاعي: أدركت الناس يقدمون من أرض العدو. بفضل الطعام والعلف، فيعلفون دوابهم، ويهديه بعضهم إلى بعض، لا ينكره إمام، ولا عامل ولا جماعة، وكانوا يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض.
فصل:
ولا يجوز أخذ إبرة، ولا خيط، ولا شعر، ولا صوف، لما روي «أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبة من شعر الغنم، فقال: يا رسول الله، إنا نعمل الشعر فهبها لي، قال: نصيبي منها لك» رواه سعيد. ولا يجوز أخذ جلد، سواء كان جلد ما نذبحه، أو غيره؛ لأنه إذا لم يجز أخذ الشعر، فالجلد أولى؛ ولأنه ليس بمأكول، أشبه الثياب. ولا يجوز ركوب دابة من المغنم، ولا لبس ثوب، لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلق رده فيه» وذكر أبو الخطاب رواية أخرى: أن له ركوب الفرس عند الحاجة حتى تنقضي الحرب، ثم يردها؛ لأنها من آلات الحرب، فأشبهت السلاح.
فصل:
ومن أخذ من مباحات دار الحرب شيئا، كالصيد، والحجر، والحشيش والشجر ونحوها، فاحتاج إليه للأكل والعلف، انتفع به. وإن لم يحتج إليه لذلك، وله قيمة في موضعه، فهو غنيمة؛ لأنه وصل إليه بقوة الجيش. وإن لم يكن له قيمة في موضعه،