المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب دية الأعضاء والمنافع] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٤

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[باب مقادير الديات]

- ‌[باب ديات الجروح]

- ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

- ‌[باب ما تحمله العاقلة وما لا تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[باب اختلاف الجاني والمجني عليه]

- ‌[باب كفارة القتل]

- ‌[كتاب قتل أهل البغي]

- ‌[باب أحكام المرتد]

- ‌[باب الحكم في الساحر]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب المحارب]

- ‌[باب حد السرقة]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب الأشربة]

- ‌[باب إقامة الحد]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب دفع الصائل]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

- ‌[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]

- ‌[باب الأنفال والأسلاب]

- ‌[باب قسمة الغنائم]

- ‌[باب قسمة الخمس]

- ‌[باب قسمة الفيء]

- ‌[باب حكم الأرضين المغنومة]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب الهدنة]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[باب المأخوذ من أحكام أهل الذمة]

- ‌[باب العشور]

- ‌[باب ما ينتقض به عهد الذمة]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[باب كفارة اليمين]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب الأقضية]

- ‌[باب ما على القاضي في الخصوم]

- ‌[باب صفة القضاء]

- ‌[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

- ‌[باب عدد الشهود]

- ‌[باب تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌[باب الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اختلاف الشهود]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب الاستثناء في الإقرار]

- ‌[باب الرجوع عن الإقرار]

- ‌[باب الإقرار بالمجمل]

- ‌[باب الإقرار بالنسب]

الفصل: ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

وإن قتله غيره وجب أرش الجرح؛ لأنه لا ينبني فعل غيره على فعله، أشبه ما لو اندمل الجرح.

[باب دية الأعضاء والمنافع]

كل ما في الإنسان منه شيء واحد: كاللسان، والأنف، والذكر، ففيه الدية كاملة، وما فيه منه شيئان كالعينين وغيرهما ففيهما الدية، وفي أحدهما نصفها، وما فيه منه أربعة، كأجفان العينين، ففيهن الدية، وفي إحداهن ربعها، وما فيه منه عشر، كأصابع اليدين والرجلين، ففيها الدية، وفي الواحدة عشرها، وفي إتلاف منفعة الحس: كالسمع، أو البصر، أو الشم، أو العقل ونحوه الدية؛ لأن ذلك يجري مجرى تلف الآدمي، فجرى مجراه في ديته.

فصل:

يجب في العينين الدية؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن حزم: «وفي العينين الدية» ولأنه إجماع، وفي إحداهما نصف الدية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وفي العين خمسون من الإبل» رواه مالك في الموطأ. وسواء في ذلك الصحيحة والمريضة، وعين الصغير والكبير كذلك، وفي عين الأعور دية كاملة؛ لأنه يروى عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم: أنهم قضوا بذلك، ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم؛ فكان إجماعًا، ولأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين، فكانت مثلهما في الدية، وإن قلع الأعور عيني صحيح، ففيها الدية، لما تقدم، وإن قلع عينه التي لا تماثل عين القالع، ففيها نصف الدية كذلك. وإن قلع المماثلة لعينه خطأ فكذلك، وإن قلعها عمدًا، فلا قصاص، وعليه دية كاملة؛ لأنه يروى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، ولأنه منع القصاص مع وجود سببه، فأضعفت الدية، كقاتل الذمي عمدًا.

فصل:

وفي البصر الدية؛ لأنه النفع المقصود بالعين، وفي ذهابه من إحداهما نصفها، فإن ذهب بالجناية على رأسه أو عينيه، أو بمداواة الجناية، وجبت الدية؛ لأنه بسببه، فإن ذهب ثم عاد، لم تجب الدية. فإن كان قد أخذها ردها؛ لأن عوده يدل على أنه لم يذهب، إذ لو ذهب لما عاد. وإن ذهب، فقال عدلان من أهل الخبرة: إنه يرجى عوده إلى مدة، انتظر إليها، فإن مات قبلها، وجبت الدية؛ لأنه لم يعد، وإن بلغ المدة ولم يعد وجبت؛ لأننا تبينا ذهابه، وإن قالا: يرجى عوده، ولم يقدرا مدة، لم ينتظر؛ لأنه ذاهب في الحال، وانتظاره لا إلى مدة، إسقاط لموجب الجناية بالكلية، وكذلك الحكم في السمع والشم والسن.

ص: 26

فصل

وإن نقص الضوء، وجبت الحكومة، وإن نقص ضوء إحداهما، عصبت العليلة، وأطلقت الصحيحة، ونصب له شخص، كما فعل علي رضي الله عنه برجل ادعى نقص ضوء عينه، فأمر بها فعصبت، وأعطى رجلًا بيضة، فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره، ثم أمر فخط عند ذلك، ثم أمر بعينه الأخرى فعصبت، وفتحت العليلة، وأعطى رجلًا بيضة، فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره، ثم خط عنه ذلك، ثم حول إلى مكان آخر، ففعل مثل ذلك، فوجده سواء، فأعطاه بقدر نقص بصره من مال الآخر، وإنما يمتحن بذلك مرتين، ليعلم صدقه بتساوي المسافتين، وكذبه باختلافهما، والجناية على الصبي والمجنون، كالجناية على غيرهما، إلا أن وليهما خصم عنهما، فإن توجهت اليمين عليهما، لم يحلفا، ولم يحلف وليهما، حتى إذا بلغ الصبي، وعقل المجنون، حلفا حينئذ، وإن جنى عليه، فأحول عينه أو شخصت ففيه حكومة؛ لأنه نقص لم يذهب بالمنفعة كلها، فأشبه ما لو قل بصره.

فصل

ويجب في جفون العينين الدية؛ لأن فيها جمالًا كاملًا، ونفعًا كثيرًا؛ لأنها تقي العينين ما يؤذيهما وسواء في هذا البصير والأعمى؛ لأن العمى عيب في غير الجفون، وفي الواحد منهما ربع الدية؛ لأنه ربع ما فيه الدية، وإن قلع العينين بجفونهما، لزمته ديتان؛ لأنهما جنسان يجب في كل واحد منهما دية، فيجب فيهما ديتان، إذا أتلفا، كاليدين والرجلين، ويجب في أهداب العينين الدية؛ لأن فيها جمالًا ظاهرًا، ونفعا كاملًا؛ لأنها وقاية للعين، فأشبهت الجفون، وفي الواحد منها ربع الدية، فإن قلع الجفون بأهدابها، لم يجب أكثر من دية؛ لأن الشعر يزول تبعًا لزوال الأجفان، فلم يجب فيه شيء، كالأصابع إذا زالت بقطع الكف.

فصل

وفي الأذنين الدية؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «وفي الأذنين الدية» ولأن فيهما جمالًا ظاهرًا، ونفعًا كاملا، يجمعان الصوت، ويوصلانه إلى الدماغ، فأشبها العينين. وفي إحداهما نصفها؛ لأنه نصف ما فيه الدية، فأشبهت العين، ودية أذن الأصم، كدية أذن الصحيح؛ لأن الصمم نقص في غير الأذن، فلا يؤثر في ديتها، كما لم يؤثر العمى في دية الجفون، وإن جنى عليها، فاستحشفت فعليه حكومة؛ لأن نفعها لا يزول بذلك، إن قطعت بعد استحشافها وجبت ديتها؛ لأنها أذن فيها الجمال والمنفعة، فأشبهت الصحيحة، وفي قطع بعض الأذن بقسطه، يقدر بالأجزاء؛ لأن ما وجبت فيه الدية وجب في بعضه بقسطه، كالأصابع.

ص: 27

فصل

وفى السمع الدية؛ لما روى أبو المهلب، عن أبي قلابة: أن رجلًا رمى رجلًا بحجر في رأسه، فذهب بصره، وسمعه، وعقله، ولسانه، فقضى فيه عمر بأربع ديات وهو حي، ولأن جنايته تختص بمنفعة، فأشبه البصر، وفي سمع إحدى الأذنين نصف الدية، كبصر إحدى العينين. وإن قطع الأذنين فذهب السمع، وجب ديتان؛ لأن السمع في غير الأذنين، فلم تدخل دية أحدهما في الآخر، كالبصر والجفون، وإن قل السمع أو ساء ففيه حكومة، وإن نقص سمع إحدى الأذنين، سدت العليلة، وأطلقت الصحيحة. وأمر الرجل يصيح من موضع يسمعه ويعمل كما عمل في نقص البصر من إحدى العينين، ويؤخذ من الدية بقدر نقصه.

فصل

وفي مارن الأنف، وهو ما لان منه الدية؛ لأنه في كتاب عمرو بن حزم، ولما روى طاوس قال: كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الأنف إذا أوعب مارنه جدعًا الدية» رواه النسائي. ولأن فيه جمالًا ظاهرًا، ونفعًا كاملًا، فإنه يجمع الشم، ويمنع وصول التراب ونحوه إلى الدماغ، والأخشم كالأشم؛ لأن الشم في غير الأنف، وفي قطع جزء من الأنف بقسطه، كما في الأذن. وفي كل واحد من المنخرين ثلث الدية، وفي الحاجز بينهما ثلثها؛ لأنه يشتمل على ثلاثة أشياء، فتوزعت الدية عليها، ويحتمل أن يجب في كل واحد من المنخرين نصف الدية؛ لأنه يذهب بذهاب أحدهما نصف الجمال والنفع، فإن قطع أحدها والحاجز، ففيهما ثلث الدية، على الأول، وعلى الاحتمال الثاني، يجب نصف الدية، وحكومة. وفي الحاجز وحده حكومة. وإن قطع المارن وشيئًا من القصبة، ففيه دية للمارن، وحكومة للقصبة، وقياس المذهب: أن الواجب دية واحدة، كقطع اليد من الذراع.

فصل

وفي الشم الدية، وفي ذهابه من أحد المنخرين نصفها، وفي نقصه حكومة، وإن نقص من أحد المنخرين، قدر بمثل ما يقدر به، نقص السمع من إحدى الأذنين، وإن قطع أنفه، فذهب شمه، وجبت ديتان، لما ذكرنا في السمع.

فصل

وفي ذهاب العقل الدية؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «وفي العقل

ص: 28

الدية» ، ولما ذكرنا من حديث عمر رضي الله عنه، ولأن العقل أشرف الحواس، به يتميز عن البهيمة، ويعرف حقائق المعلومات، ويدخل في التكليف، فكان أحق بإيجاب الدية، وإن نقص عقله نقصًا يعرف قدره، مثل من يجن نصف الزمان، ويفيق نصفًا، وجب من الدية بقدره، وإن لم يعرف قدره، بأن صار مدهوشًا، أو يفزعه الشيء اليسير، ففيه حكومة؛ لأنه تعذر إيجاب مقدر، فيصير إلى الحكومة، فإن كانت الجناية المذهبة للعقل لها أرش كالموضحة، أو أذهبت سمعه وعقله وجبت ديتهما؛ لحديث عمر رضي الله عنه ولأنها جناية أذهبت نفعًا في غير محل الجناية، مع بقاء النفس فلم يتداخلا، كما لو أوضحه فذهب بصره، وإن شهر سيفًا على صبي، أو بالغ مضعوف، أو صاح عليه صيحة شديدة، فذهب عقله، فعليه ديته؛ لأن ذلك سبب لزوال عقله، وكذلك إن أفزعه بشيء، مثل أن دلاه في بئر أو من شاهق، أو قدم إليه حية، أو أسدًا لما ذكرنا.

فصل

وفي الشفتين الدية؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «وفي الشفتين الدية» ، ولأن فيهما نفعًا كبيرًا، وجمالًا ظاهرًا، فإنهما يقيان الفم ما يؤذيه، ويردان الريق، وينفخ بهما، ويمسك بهما الماء، ويتم بهما الكلام، ويستران الأسنان، وفي إحداهما نصف الدية، وعنه: في العليا ثلثها، وفي السفلى ثلثاها؛ لأن ذلك يروى عن زيد بن ثابت، ولأن النفع بالسفلى أعظم؛ لأنها تدور وتتحرك، وتحفظ الريق والطعام، والأول المذهب؛ لأنه قول أبي بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما، ولأن كل شيئين وجبت الدية فيهما، وجب في إحداهما نصفها كاليدين، ولا عبرة بزيادة النفع، بدليل اليمنى مع اليسرى والأصابع، وإن ضربهما فأشلهما، أو تقلصتا بحيث لا ينطبقان على الأسنان، أو التصقتا بحيث لا ينفصلان عنها، ففيهما ديتهما؛ لأنه عطل نفعهما، فأشبه ما أشل يده، وإن تقلصتا بعض التقلص، ففيهما حكومة.

فصل

وفي اللسان الدية؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «وفي اللسان الدية» ولأن فيه جمالًا ظاهرا، ونفعًا كثيرًا؛ لأنه يقال: جمال الرجل في لسانه، والمرء بأصغريه: قلبه ولسانه، ولأنه يبلغ به الأغراض، ويقضي به الحاجات، ويتم به العبادات، ويذوق به الطعام والشراب، ويستعين به في مضغ الطعام، وفي الكلام الدية؛ لأنه من أعظم المنافع، فإن جنى على لسانه فخرس، وجبت عليه الدية؛ لأنه أذهب المنفعة به، فأشبه ما لو جنى على عينه فعميت، وإن ذهب بعض الكلام، وجب بقدر ما ذهب؛ لأن ما ضمن جميعه بالدية، ضمن بعضه بقدره منها، كالأصابع.

ص: 29

ويقسم على الحروف الثمانية والعشرين، ويحتمل أن يقسم على حروف اللسان، وهي ثمانية عشر حرفًا، يسقط منها حروف الحلق الستة؛ وهي: العين والغين، والحاء والخاء، والهاء والهمزة، وحروف الشفة وهي أربعة: الباء، والفاء، والميم، والواو، ولأن اللسان لا عمل له فيها، والأول أولى؛ لأن هذه الحروف ينطق بها اللسان أيضًا، بدليل أن الأخرس لا ينطق بشيء منها، وإن ذهب حرف فعجز عن كلمة، وجب أرش الحرف وحده؛ لأن الضمان وجب لما تلف، وإن صار ألثغ وجب دية الحرف الذاهب؛ لأنه عجز عن النطق بحرف، وإن حصل في كلامه ثقل، أو تمتمة، أو عجلة، لم تكن، ففيه حكومة لما حصل من النقص؛ لأنه لم يمكن إيجاب مقدر. وإن قطع جزءًا من لسانه فذهب جزء من كلامه وجب دية الأكثر، فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام، أو نصف اللسان فذهب ربع الكلام وجب نصف الدية؛ لأن ما يتلف من كل واحد منهما مضمون، فوجبت دية أكثرهما، وإن قطع ربع اللسان، فذهب نصف الكلام، ثم قطع آخر بقيته، فعلى الأول نصف الدية، وعلى الثاني نصفها، وحكومة لربع اللسان؛ لأنه شل، فكانت فيه حكومة.

وإن قطع نصف اللسان، فذهب ربع الكلام، وقطع آخر باقيه، فعلى الثاني ثلاثة أرباع الدية؛ لأنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام، ولو جنى عليه، فذهب ثلاث أرباع كلامه من غير قطع، وجب ثلاثة أرباع الدية، فمع قطع نصفه أولى، وإن جنى على لسانه فاقتص مثل جنايته، فذهب من الجاني مثل ما ذهب من المجني عليه، فقد استوفى حقه، وإن ذهب من الجاني أكثر، فكذلك؛ لأن الزائد ذهب من سراية القود، وإن ذهب من كلام المجني عليه أكثر، أخذ من الجاني بقدر ما نقص عنه الجاني من الدية؛ ليحصل تمام حقه، وإن كان لسان رجل ذا طرفين، فقطع أحدهما ولم يذهب من الكلام شيء، وكانا متساويين في الخلقة، فهما كلسان مشقوق، فيهما الدية، وفي أحدهما نصفها، وإن كان أحدهما تام الخلقة، والآخر ناقصًا، فالتام هو الأصلي فيه الدية كاملة، والناقص زائد فيه حكومة.

فصل

وإن قطع لسان طفل يتحرك بالبكاء، وبما يعبر به الأطفال، كقوله: بابا ونحوه، ففيه الدية؛ لأنه لسان ناطق، وإن كان لا يتحرك بشيء، وقد بلغ حدًا يتحرك به، ففيه ما في لسان الأخرس؛ لأن الظاهر أنه لو كان ناطقًا لتحرك بما يدل عليه، فإن قطع قبل مضي زمن يتحرك فيه اللسان، ففيه الدية؛ لأن الظاهر السلامة، فضمن كما تضمن أطرافه، وإن لم يظهر فيها بطش.

ص: 30

فصل

وإن جنى على لسانه فذهب ذوقه، فلا يحس بشيء من المذاق، وهي خمس: الحلاوة، والمرارة، والحموضة، والعذوبة، والملوحة، وجبت الدية؛ لأنه أتلف حاسة لمنفعة مقصودة، فلزمته الدية كالبصر، وإن نقص الذوق نقصًا يتقدر بأن لا يدرك أحدها وحدها، ففيها الخمس، وفى الاثنين الخمسان، وفي الثلاثة ثلاثة أخماس؛ لأنه تقدر المتلف، فيتقدر الأرش كالأصابع، وإن لم يتقدر بأن يحس المذاق كلها، لكن لا يدركها على كمالها، وجبت الحكومة لتعذر التقدير، وإن أذهب ذوق الأخرس، فعليه الدية كذلك، وإن جنى على لسان ناطق، فأذهب كلامه وذوقه مع بقاء اللسان، فعليه ديتان؛ لأنهما منفعتان تضمن كل واحدة منهما منفردة، فيضمنان إذا اجتمعتا كالسمع والبصر، فإن قطع لسانه، لم يلزمه إلا دية واحدة؛ لأن نفع العضو لا يفرد بضمان مع ذهابه، كالبطش في اليد.

فصل

وفي كل سن خمس من الإبل، سواء قلعت دفعة واحدة أو في دفعات؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن حزم:«وفي السن خمس من الإبل» رواه النسائي. وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«وفي الأسنان خمس» رواه أبو داود.

والأضراس والأنياب والرباعيات سواء؛ لما روى ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«الأصابع سواء، والأسنان سواء، والثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء» رواه أبو داود. ولأنه جنس ذو عدد، فلم تختلف ديته باختلاف منافعه كالأصابع. وإن قلع السن بسنخها، أو كسر ما ظهر منها، وخرج من لحم اللثة، ففيها دية السن؛ لأن النفع والجمال فيما ظهر، فكملت الدية فيه كالإصبع، وإن قلع السنخ وحده ففيه حكومة، ككف لا أصابع له. وإن كسر بعض السن طولًا أو عرضًا، وجب من دية السن بقدر ما كسر بقدر الأجزاء من الظاهر كالأصابع، وإن ظهر السنخ المعيب بعلة، اعتبر بما كان ظاهرًا قبل العلة؛ لأن الدية تجب بما كان ظاهرًا، فاعتبر المكسور منه، وإن قلع سنًا فيها داء أو أكلة، ولم يذهب شيء من أجزائها، كملت ديتها، كاليد المريضة. وإن ذهب منهما جزء، سقط من ديتها بقدر الذاهب، وإن كانت إحدى ثنيتيه أقصر من الأخرى،

ص: 31

فقلع القصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها؛ لأنهما لا يختلفان عادة فإذا اختلفا، كانت القصيرة ناقصة فنقصت ديتها، كالإصبع الناقصة، وإن قلع سنًا مضطربة لكبر، أو مرض، وبعض نفعها باق، كملت ديتها، كاليد المريضة، ويد الكبير، وإن ذهب نفعها، فهي كاليد الشلاء، وإن جنى على سنه فاحمرت أو اصفرت، ففيها حكومة؛ لأن نفعها باق، وإنما ذهب جمالها، وإن اخضرت أو اسودت، ففيها روايتان:

إحداهما: فيها ديتها؛ لأنه يروى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولأنه سود ما له دية، فوجبت ديته كالوجه.

والأخرى: فيها حكومة، اختارها القاضي؛ لأنه لم يذهب منها إلا الجمال، فأشبه ما لو حمرها، وإن نقصتها الجناية، ففيها حكومة لنقصها، وإن جنى على سنه، فأذهب نفعها كله، من المضغ وحفظ الريق والطعام، ففيها ديتها، كما لو أشل يده.

فصل

وإن قلع سن صبي لم يثغر، لم يلزمه شيء في الحال؛ لأن العادة عودها، فأشبه ما لو نتف شعره، فإن لم تنبت وأيس من نباتها، وجبت ديتها. قال أحمد: ينتظر عامًا؛ لأنه الغالب في نباتها. وقال القاضي: إذا أسقطت أخواتها ثم نبتن ولم تنبت، وجبت ديتها، فإن مات قبل اليأس منها، ففيه وجهان:

أحدهما: تجب ديتها؛ لأنه قلع سنًا لم تعد.

والثاني: لا يجب؛ لأن الظاهر عودها، وإنما فات بموته، فأشبه نتف شعره، وإن عادت لا نقص فيها، لم يجب شيء. وإن نبتت خارجة عن صف الأسنان لا ينتفع بها، ففيها ديتها. وإن كان ينتفع بها، ففيها حكومة للنقص، وإن نبتت قصيرة، ففيها من ديتها بقدر النقص؛ لأنه نقص حصل بجنايته، وإن نبتت أطول من نظيرتها أو حمر أو صفر، ففيها حكومة، للشين الحاصل بجنايته، ويحتمل أن لا يجب شيء لطولها؛ لأن الظاهر أن الزيادة لا تكون من الجناية، وإن نبتت سوداء، ففيها روايتان، ذكرهما القاضي:

إحداهما: فيها ديتها.

والثانية: فيها حكومة، كما لو جنى عليها فسودها، وهكذا الحكم فيمن قلع سن كبير، إلا أنه إذا مات قبل عودها، وجبت ديتها؛ لأن الظاهر أنها لا تعود، وتجب ديتها حين قلعها، إلا أن يقول عدلان من أهل الطب: إنه يرجى عودها إلى مدة، فينتظر إليها، وإن قلع سنًا فردها صاحبها، فنبتت في موضعها، لم تجب ديتها نص عليه، وهو اختيار أبي بكر، وإن قلعها آخر بعد ذلك، فعليه ديتها.

ص: 32

وقال القاضي: على الأول الدية، ويؤمر صاحبها بقلعها؛ لأنها صارت ميتة، ولا شيء على الثاني في قلعها؛ لأنه محسن به، وإن جعل مكانها سن حيوان مأكول أو ذهبًا، فثبت، فقلعه قالع، احتمل أن لا يلزمه شيء؛ لأنه ليس من بدنه، واحتمل أن يلزمه حكومة؛ لأنه أزال جماله ومنفعته، فأشبه عضوه.

فصل

وفي اللحيين الدية، وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى؛ لأن فيهما جمالًا كاملًا، ونفعًا كثيرًا، وفي أحدهما نصفها، وإن قلعهما مع الأسنان، وجبت ديتهما، ودية الأسنان؛ لأنهما جنسان مختلفان، يجب في كل واحد منهما دية مقدرة، فلم تدخل دية أحدهما في الآخر، كالشفتين مع الأسنان، بخلاف الكف مع الأصابع.

فصل

وفى اليدين الدية كاملة؛ لما روى معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في اليدين الدية، وفي إحداهما نصفها» ، لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:«وفي اليد خمسون من الإبل» ولأن فيهما جمالًا ظاهرًا، ونفعًا كثيرًا، أشبها العينين، وسواء قطعهما من الكوع، أو المرفق، أو المنكب، أو مما بين ذلك، نص عليه؛ لأن اليد اسم للجميع، بدليل قَوْله تَعَالَى:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] .

ولما نزلت آية التيمم، مسح الصحابة إلى المناكب، وفي كل إصبع عشر الدية؛ لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل إصبع» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفى لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه وهذه سواء يعني الإبهام والخنصر» أخرجه البخاري، ولأنه جنس ذو عدد، تجب فيه الدية، فلم يختلف باختلاف منافعه كاليدين، وفي كل أنملة ثلث دية الإصبع إلا الإبهام، فإنها مفصلان، ففي كل أنملة منها خمس من الإبل؛ لأنه لما قسمت دية اليد على عدد الأصابع، وجب أن تقسم دية الإصبع على عدد الأنامل، وإن جنى على اليد أو الإصبع فأشلها، فعليه ديتها؛ لأنه ذهب بنفعها، فلزمه ديتها، كما لو جنى على عين فأعماها، أو لسان فأخرسه.

فصل

وفي الرجلين الدية، وفي إحداهما نصفها، وفي كل إصبع عشر الدية، وفي كل أنملة ثلث عقلها إلا الإبهام، لما ذكرنا في اليدين.

ص: 33

فصل

وفي قدم الأعرج، ويد الأعسم السالمتين الدية؛ لأن العيب في غيرهما؛ لأن العرج لقصور أحد الساقين، والعسم لاعوجاج الرسغ، أو قصر العضد أو الذراع، أو اعوجاج فيه، فلم يمنع كمال الدية في القدم والكف، كأذن الأصم، وإن كسر ساعده، أو ساقه، أو خلع كفه، أو قدمه، فجبرت وعادت مستقيمة، لم يجب شيء، وإن حصل نقص، وجبت الحكومة لجبر النقص، وإن عادت معوجة، كانت الحكومة أكثر، فإن قال الجاني: أنا أعيد خلعها، وأجبرها مستقيمة، منع منه؛ لأنه استئناف جناية، فإن كابره وخلعها فعادت مستقيمة، لم تسقط الحكومة؛ لأنها استقرت باندمالها، وما حصل من الاستقامة، حصل بجناية أخرى، وتجب حكومة أخرى للخلع الثاني؛ لأنه جناية ثانية.

فصل

فإن كان لرجل كفان في ذراع لا يبطش بها، فهي كاليد الشلاء؛ لأن نفعها غير موجود، فإن كان يبطش بأحدهما دون الآخر، فالباطش هو الأصلي، فيه القود، أو الدية، والآخر خلقة زائدة، وإن كان يبطش بهما إلا أن أحدهما أكثر بطشًا، فهو الأصلي والآخر زائد؛ لأن اليد خلقت للبطش، فاستدل به على الأصلي منهما، كما يرجح في الخنثى إلى بوله، وإن استويا في البطش، وأحدهما مستو على الذراع، والآخر منحرف، فالمستوي هو الأصلي، وإن استويا في ذلك، وأحدهما ناقص، والآخر تام، فالتام هو الأصلي فيه القصاص أو الدية، ولا يرجح بالإصبع الزائدة؛ لأن الزيادة نقص في المعنى، وإن استويا في جميع الدلائل، فهما يد واحدة، فيهما الدية، وفي إحداهما نصفها. وفي إصبع إحداهما نصف دية إصبع، ولا قصاص في أحدهما، لعدم المماثلة، وإن قطعهما قاطع، وجب القود أو الدية؛ لأننا علمنا أنه قد قطع يدًا أصلية، وحكومة للزيادة، ويحتمل أن لا يجب حكومة؛ لأن هذه الزيادة نقص في المعنى، فأشبه السلعة والحكم في القدمين على ساق، كالحكم في الكفين على ذراع واحد، وإن كانت إحداهما أطول من الأخرى، فقطع الطولى، وأمكنه المشي على القصيرة، فهي الأصلية، وإلا فهي الزائدة.

فصل

وإن قطع يد أقطع أو رجله، ففيها نصف الدية، لما ذكرنا، وعنه: إن كانت الأولى ذهبت في سبيل الله، ففي الثانية ديتهما؛ لأنه عطل منافعه من العضوين، ولم يأخذ عوضًا عن الأولى، فأشبه ما لو قلع عين أعور، والأول أصح؛ لأن إحداهما لا يحصل بها من النفع والجمال ما يحصل بالعضوين، فلم تجب فيه ديتهما، كأحد الأذنين والمنخرين، وكما لو ذهبت في غير سبيل الله، وفارق عين الأعور؛ لأنه

ص: 34

يحصل بها من النفع، والنظر وتكميل الأحكام ما يحصل بالعينين.

فصل

وفي الثديين الدية، وفي أحدهما نصفها؛ لأن فيهما جمالًا ظاهرًا، ونفعًا كثيرًا، وإن أشلهما، ففيهما الدية؛ لأنه أذهب نفعهما، فأشبه ما لو أشل اليدين، وإن جنى عليهما، فأذهب لبنهما، فقال أصحابنا: تجب حكومة لنقصهما، ويحتمل أن تجب ديتهما؛ لأن ذلك معظم نفعهما، فأشبه البطش، وإن جنى على ثدي صغيرة، ثم ولدت فلم ينزل لها لبن، وقال أهل الخبرة: إن الجناية قطعت اللبن، فعليه ضمانه، وإن قالوا: قد ينقطع من غير الجناية لم يضمن؛ لأنه يحتمل أن يكون انقطاعه لغير الجناية، فلا يجب الضمان بالشك، وفي حلمتي الثديين الدية؛ لأن نفعهما بالحلمتين؛ لأن بهما يمتص الصبي، فيبطل نفعهما بذهابهما، فأشبه أصابع اليدين، وفي الثندوتين الدية، وهما ثديا الرجل؛ لأن ما وجبت الدية فيه من المرأة، وجبت فيه من الرجل إذا اشتركا فيه كاليدين.

فصل

وفي الأليتين الدية؛ لأن فيهما جمالًا ظاهرًا، ونفعًا كبيرًا، فأشبها اليدين، وفي إحداهما نصفها، وفي قطع بعضها بقدره من الدية، فإن جهل قدره، وجبت الحكومة، كنقص ضوء العين.

فصل

وفي الذكر الدية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم: «وفي الذكر الدية» وفي حشفته الدية؛ لأن نفعه يكمل بها، كما يكمل نفع اليد بأصابعها، والثدي بحلمته، وسواء في هذا ذكر الشيخ والطفل، والخصي والعنين؛ لأنه سليم في نفسه وعنه: في ذكر العنين والخصي حكومة؛ لأن معظم نفع الذكر بالإنزال، والإحبال، وهو معدوم فيهما، فأشبها الأشل. وإن جنى على الذكر فأشله، لزمته ديته؛ لأنه أذهب نفعه، فأشبه ما لو أشل يده. وإن قطع بعض حشفته، وجب من الدية بقدر ما قطع منها، يقسط عليها وحدها، كما تقسط دية اليد على الأصابع.

فصل

وفي الأنثيين الدية؛ لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «في الأنثيين الدية» وفي إحداهما نصفها؛ لأن ما وجبت الدية فيهما، وجبت في أحدهما نصفها، كاليدين، فإن قطع الذكر والأنثيين معًا، أو قطع الذكر، ثم قطع الأنثيين، فعليه ديتان، كما لو قطع يديه ورجليه، وإن قطع الأنثيين، ثم قطع الذكر، فعليه دية الأنثيين، وحكومة لقطع

ص: 35

الذكر، نص عليه؛ لأنه ذكر خصي، وعنه فيه دية، على ما ذكرنا في ذكر الخصي.

فصل

وفي أسكتي المرأة الدية، وهما اللحم المحيط بالفرج، كإحاطة الشفتين بالفم؛ لأن فيهما جمالًا ونفعًا في المباشرة، فأشبها الأنثيين، وفي إحداهما نصفها لما ذكرناه، وفي قطع بعض إحداهما بقدره من ديته، إن أمكن تقديره، وإلا فحكومة.

فصل

وإن جنى على مثانته، فلم يستمسك بوله، وجبت الدية؛ لأنها منفعة مقصودة، ليس في البدن من جنسها، فوجبت الدية بتفويتها كسائر المنافع، وإن جنى عليه، فلم يستمسك غائطه، فعليه الدية كذلك، وإن أذهب المنفعتين، لزمته ديتان، كما لو أذهب سمعه وبصره، وإن جنى على صلبه أو غيره، فعجز عن المشي، فعليه الدية كذلك، وإن عجز عن الوطء لزمته كذلك دية، وإن جنى على صلبه، فبطل مشيه ونكاحه، لزمته ديتان؛ لأن في كل واحد منهما دية منفردًا، فوجبت فيهما ديتان عند الاجتماع، كسمعه وبصره، وعنه: عليه دية واحدة؛ لأنهما منفعة عضو واحد، فأشبه ما لو قطع أنثييه، فذهب جماعه ونسله، وإن ضعف المشي أو الجماع أو نقص، فعليه حكومة. وإن كسر صلبه فانجبر وعاد إلى حاله، ففيه الحكومة للكسر، وإن احدودب فعليه حكومة للشين، وعنه: في الحدب الدية؛ لما روى الزهري، عن سعيد بن المسيب أنه قال:«مضت السنة أن في الصلب الدية» ، ولأنه أبطل عليه منفعة مقصودة، فأشبه ما ذكرناه.

فصل

وفي الصلع بعير، وفي الترقوة بعير، وفي الترقوتين بعيران؛ لما روى أسلم مولى عمر، عن عمر رضي الله عنه: أنه قضى في الترقوتين بجمل، وفي الضلع بجمل، ويجب في كل زند بعيران؛ لما روى عمرو بن شعيب: أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه في أحد الزندين إذا كسر، فكتب إليه عمر أن فيه بعيرين، ولأن في الزند عظمين، ففي كل عظم بعير، وإن كسر الزندين، ففيهما أربعة أبعرة، وظاهر كلام الخرقي أنه لا توقيف في سائر العظام؛ لأن التقدير إنما يثبت بالتوقيف، ولا توقيف فيها. وقال القاضي في عظم الساق: بعيران، وفي عظم الفخذ مثله، قياسًا على الزند.

فصل

وفي اليد الشلاء، والسن السوداء، والعين القائمة ثلث ديتها؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قلعت بثلث ديتها»

ص: 36

رواه النسائي. وقضى عمر رضي الله عنه بمثل ذلك، وعنه رواية أخرى في ذلك كله حكومة؛ لأنه تعذر إيجاب دية كاملة بعد ذهاب نفعه، فوجبت الحكومة فيه، كاليد الزائدة، وهكذا الروايتان في كل عضو ذهب نفعه، وبقيت صورته، كالرجل الشلاء، والإصبع الشلاء، والشفة الشلاء، والذكر الأشل، وذكر الخصي، ولسان الأخرس، قياسًا على ما تقدم، وفي الكف الذي لا أصابع عليه روايتان، مثل ما ذكرنا؛ لأنه قد ذهب نفعه وبقي جماله، وعلى قياسه ساق لا قدم له، وذراع لا كف له، وذكر لا حشفة له. فأما اليد الزائدة والإصبع الزائدة، ففيها حكومة؛ لأنه لا مقدر فيها، ولا يمكن قياسها على ما ذكرنا؛ لأن هذه الأعضاء يبقى جمالها لبقاء صورتها، والزائد يشين ولا يزين، وذكر القاضي أنه في معنى الأشل، فيقاس عليه، فيكون فيه وجهان.

فصل

وفي الأذن الشلاء والأنف الأشل دية كاملة، كدية الصحيح؛ لأن نفعهما وجمالهما باق بعد شللها، فإن نفع الأذن جمع الصوت، ومنع دخول الماء والهوام في صماخه، ونفع الأنف جمع الرائحة، ومنع وصول شيء إلى دماغه، وهذا باق بعد الشلل بخلاف سائر الأعضاء.

فصل

ويجب في الحاجبين إذا لم ينبت الشعر الدية، وفي أحدهما نصفها؛ لأن فيهما جمالًا ونفعًا؛ لأنهما يردان العرق والماء عن العين ويفرقانه، فوجبت الدية فيهما كالجفون. وفي قرع الرأس إذا لم ينبت الشعر الدية، وفي اللحية إذا لم تنبت الدية؛ لأن فيها جمالًا كاملًا، فوجبت الدية فيها، كأنف الأخشم، وأذن الأصم، وفي ذهاب نقص ذلك بقسطه من ديته يقدر بالمساحة، فإن بقي منها ما لا جمال فيه، كاليسير من لحيته، ففيه وجهان:

أحدهما: يؤخذ بالقسط كما لو بقي من أذنه يسيرًا.

والثاني: تجب الدية بكمالها؛ لأنه أذهب المقصود منها، فأشبه ما لو أذهب وضوء العين، ومتى عاد شيء من هذه الشعور، سقطت الدية، كما ذكرنا في عود السن.

فصل

وذكر أبو الخطاب: أن في الظفر خمس دية الإصبع إذا قلعه، أو سوده، فإن عاد

ص: 37