المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٤

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[باب مقادير الديات]

- ‌[باب ديات الجروح]

- ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

- ‌[باب ما تحمله العاقلة وما لا تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[باب اختلاف الجاني والمجني عليه]

- ‌[باب كفارة القتل]

- ‌[كتاب قتل أهل البغي]

- ‌[باب أحكام المرتد]

- ‌[باب الحكم في الساحر]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب المحارب]

- ‌[باب حد السرقة]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب الأشربة]

- ‌[باب إقامة الحد]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب دفع الصائل]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

- ‌[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]

- ‌[باب الأنفال والأسلاب]

- ‌[باب قسمة الغنائم]

- ‌[باب قسمة الخمس]

- ‌[باب قسمة الفيء]

- ‌[باب حكم الأرضين المغنومة]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب الهدنة]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[باب المأخوذ من أحكام أهل الذمة]

- ‌[باب العشور]

- ‌[باب ما ينتقض به عهد الذمة]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[باب كفارة اليمين]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب الأقضية]

- ‌[باب ما على القاضي في الخصوم]

- ‌[باب صفة القضاء]

- ‌[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

- ‌[باب عدد الشهود]

- ‌[باب تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌[باب الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اختلاف الشهود]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب الاستثناء في الإقرار]

- ‌[باب الرجوع عن الإقرار]

- ‌[باب الإقرار بالمجمل]

- ‌[باب الإقرار بالنسب]

الفصل: ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

وسواء قربت الفئة أو بعدت؛ لما «روى ابن عمر: أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاص المسلمون حيصة عظيمة، وكنت فيمن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بغضب من الله؟! فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا فقلنا له: نحن الفرارون. فقال: لا بل أنتم العكارون أنا فئة كل مسلم» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: أنا فئة كل مسلم، وقال: لو أن أبا عبيد تحيز إلي، لكنت له فئة وكان أبو عبيد بالعراق. وإن كان العدو أكثر من المثلين، لم تجب مصابرتهم؛ لأن الله تعالى لما فرض مصابرة المثلين، دل على إباحة الفرار من الزائد عليهما. وقال ابن عباس: من فر من اثنين، فقد فر. ومن فر من ثلاثة، فما فر. لكن إن غلب على ظنهم الظفر، فالأولى لهم الثبات، ليحصل لهم الأجر والغنيمة ومسرة المسلمين بظفرهم. وإن غلب على ظنهم الهلاك بالإقامة، والنجاة في الفرار. فالفرار أولى؛ لئلا يكسروا قلوب المسلمين بهلاكهم. وإن ثبتوا جاز؛ لأن لهم غرضاً في الشهادة. وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والانصراف، فالأولى الثبات؛ ليحصل لهم ثواب الشهداء الصابرين المقبلين؛ ولأنه يجوز أن يظفروا فيسلموا ويغنموا، فإن الله تعالى يقول:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] وإن خشوا الأسر، قاتلوا حتى يقتلوا لينالوا شرف الشهادة، ولا يتسلط الكفار على إهانتهم وتعذيبهم. وإن استأسروا جاز؛ لأن عاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة في عشرة رهط كانوا سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفرت إليهم هذيل بقريب من مائة رجل رام، فعرضوا عليهم أن يستأسروا فأبوا، فقتلوا عاصماً في سبعة، ونزل إليهم خبيب وزيد على العهد والميثاق، فلم يذم أحداً منهم. وإن ألقى الكفار ناراً في سفينة فيها مسلمون، فما غلب على ظنهم السلامة فيه، فالأولى فعله؛ لأن فيهم صيانتهم عن الهلاك. وإن ثبتوا جاز. قال أحمد: كيف شاء صنع. وإن تساوى الأمران، فهم بالخيار بين المقام بالسفينة، وإلقاء نفوسهم في الماء؛ لأنهما موتتان، فيختار أيسرهما. وعنه: أنه يلزمهم المقام، لئلا يكون موته بفعله، فيكون معيناً على نفسه.

[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

يجب عليه أن يشحن ثغور المسلمين بجيوش يكفون من يليهم، ويقويها بالعدد، والآلات ويؤمر عليهم أميراً ذا رأي، وشجاعة، ودين؛ لأنه إذا لم يفعل، لم يأمن

ص: 122

دخول الكفار من بعض الثغور، فيصيبون المسلمين. وإن احتاج إلى بناء حصن، أو حفر خندق، فعل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حفر خندق على المدينة في غزوة الأحزاب. وإذا بعث جيشاً، أو سرية، لزمه أن يولي عليهم أميراً على الصفة المذكورة، ويوصيه بجيشه؛ لما روى بريدة قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية، أو جيش، أمره بتقوى الله في خاصته، ومن معه من المسلمين» ، ولما بعث أبو بكر رضي الله عنه جيوشه إلى الشام، خرج مع أمرائهم يشيعهم، ويوصيهم، ويعهد إليهم.

فصل

وإذا أراد الإمام، أو الأمير الغزو، لزمه أن يعرض جيشه، ويتعاهد الخيل والرجال، فلا يدع فرساً حطماً، وهو الكسير، ولا قحماً، وهو الكبير، ولا ضرعاً وهو الصغير، ولا هزيلاً يدخل معه أرض العدو، لئلا ينقطع فيها، وربما كانت سبباً للهزيمة. ولا يأذن لمخذل من الناس، وهو الذي يفند الناس عن الغزو، ولا لمرجف، وهو الذي يحدث بقوة الكفار، وضعف المسلمين، وهلاك بعضهم، ويخيل لهم أسباب ظفر عدوهم بهم، ولا لمن يعين العدو بمكاتبتهم، بأخبار المسلمين، والتجسس لهم، ولا لمن يضر المسلمين بإيقاع الاختلاف بينهم، ولا لمن يعرف بالنفاق والزندقة؛ لقول الله تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83] . وقَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] . وقَوْله تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47] قيل: معناه: لأوقعوا بينكم الاختلاف، وقيل: لأسرعوا في تفريق جمعكم؛ ولأن في حضورهم ضرراً، فيجب صيانة المسلمين عنه. ولا يأذن لطفل ولا مجنون؛ لأن دخولهم تعرض للهلاك، لغير فائدة. ويجوز أن يأذن لمن اشتد من الصبيان؛ لأن فيهم معونة ونفعاً، ولا يأذن لمشرك؛ لما روت عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر، فتبعه رجل من المشركين، قال: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: فارجع فلن نستعين بمشرك» . حديث حسن. فإن دعت حاجة إليه، ولم يكن حسن الرأي في المسلمين، لم يستعن به أيضاً؛ لأن ما يخشى من ضرره أكثر مما يرجى من نفعه، وإن كان حسن الرأي فيهم، جاز؛ لأن صفوان بن أمية شهد حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على شركه. ولا يأذن للمرأة الشابة الجميلة؛ لأنها ليست من

ص: 123

أهل القتال، ولا يؤمن الضرر عليها وبها، ويجوز أن يأذن للطاعنة في السن، لسقي الماء، ومعالجة الجرحى؛ لما روى أنس قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار، يسقين الماء، ويداوين الجرحى.» وهذا حديث صحيح.

فصل

ويستحب أن يخرج يوم الخميس؛ لما روى كعب بن مالك قال: «قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا يوم الخميس.» ويعبئ جيشه، ويرتب في كل جانب كفؤاً؛ لما «روى أبو هريرة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خالداً على إحدى المجنبتين، وجعل الزبير في الأخرى، وجعل أبا عبيدة على الساقة» ؛ ولأن ذلك أحوط للحرب، وأبلغ في إرهاب العدو. ويعقد الألوية والرايات، ويجعل لكل طائفة لواء؛ لما روى ابن عباس:«أن أبا سفيان حين أسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه: احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها قال: فحبسته على الوادي، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرت به القبائل على راياتها. وهو متحير في ألوانها» . لكنه يغاير ألوانها، ليعرف كل قوم راياتهم، ويعرف عليهم العرفاء، ويجعل لكل طائفة أميراً، ويكلفهم من السير ما يقدر عليه ضعيفهم؛ لئلا ينقطع عنهم، أو يشق عليه إلا أن تدعو حاجة إلى الجد في السير لمصلحة رآها، فيجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، جد في السير حين بلغه قول عبد الله بن أبي: ليخرجن الأعز منها الأذل. ليشغل الناس عن الخوض فيه. ويتخير لهم من المنازل أصلحها لهم، ويتتبع مكامنها فيحوطها عليهم، ولا يغفل الحرس والطلائع، ليحفظهم من البيات. وقد «روى سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فأطنبوا السير حتى إذا كان عشية، قال: من يحرسنا الليلة؟ فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب فركب فرساً له، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال له: استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة، فلما أصبحنا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه، فركع ركعتين، ثم قال: هل أحسستم فارسكم قالوا: لا، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أبشروا فقد جاءكم فارسكم فإذا هو قد جاء، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، فقال: إني انطلقت، حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت، اطلعت الشعبين كليهما فنظرت، فلم أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نزلت الليلة قال: لا، إلا مصلياً، أو قاضياً حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد وجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها.» رواه أبو داود. ويذكي العيون، ليعلم أخبار

ص: 124

عدوه، فيتحرز منهم، ويتمكن من الفرصة فيهم، ويستشير ذوي الرأي من أصحابه؛ لقول الله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] . وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه. ويمنع جيشه من المعاصي، والتشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال، ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب الظفر، ويعد ذا الصبر منهم بالأجر والنفل، ويخفي من أمره ما أمكن إخفاؤه؛ لئلا يعلم به عدوه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة، ورى بغيرها، ولا يميل مع أهله وموافقيه في مذهبه على مخالفيه؛ لئلا تنكسر قلوبهم، فيخذلوه عند الحاجة، ويعد لهم الزاد، ويراعي من معه، ويرزق كل واحد بحسب حاجته.

فصل

ويقاتل أهل الكتاب والمجوس، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؛ لقول الله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا، في ظاهر المذهب. ولا يجوز قتل نسائهم، وصبيانهم؛ لما روى ابن عمر «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والصبيان» ، متفق عليه؛ ولأنهما يصيران رقيقاً ومالاً للمسلمين، فقتلهما إتلاف لمال المسلمين.

ولا قتل شيخ فإن؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة» رواه أبو داود؛ ولأنه لا نكاية له في الحرب، أشبه المرأة.

ولا قتل زمن ولا أعمى؛ لأنهما في معنى الشيخ الفاني. ولا راهب؛ لما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، فقال: لا تقتلوا الولدان، ولا النساء، ولا الشيوخ، وستجدون قوماً حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم، ولا قتل خنثى مشكل، لأنه يحتمل أنه امرأة، فلا يجوز قتله مع الشك. ومن قاتل من هؤلاء كلهم، قتل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم قريظة امرأة ألقت حجراً على محمود بن مسلمة. ومن كان ذا رأي يعين به في الحرب، جاز قتله؛ لأن الرأي في الحرب، أبلغ من القتال؛ لأنه الأصل. وعنه يصدر القتال. قال المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

ص: 125

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة

بلغت من العلياء كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الفرسان

وإن تترس الكفار بصبيانهم ونسائهم، جاز رميهم، بقصد المقاتلة؛ لأن المنع من رميهم، يفضي إلى تعطيل الجهاد. وإن تترسوا بأسارى المسلمين، أو أهل الذمة، لم يجز رميهم إلا في حال التحام الحرب، والخوف على المسلمين؛ لأنهم معصومون لأنفسهم، فلم يبح التعرض لإتلافهم من غير ضرورة. وفي حال الضرورة، يباح رميهم؛ لأن حفظ الجيش أهم.

فصل

ويجوز بيات الكفار، ورميهم بالمنجنيق والنار، وقطع المياه عنهم، وإن تضمن ذلك إتلاف النساء والصبيان؛ لما «روى الصعب بن جثامة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الدار من ديار المشركين، نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: هم منهم» متفق عليه. وروي عن علي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب منجنيقاً على أهل الطائف.» والتغريق بالماء في معناه.

فإن كان فيهم مسلمون، فأمكن الفتح بدون ذلك، لم يجز رميهم؛ لأنه تعريض لقتلهم من غير حاجة، وإن لم يمكن بدونه، جاز؛ لأن تحريمه يفضي إلى تعطيل الجهاد.

فصل

ويجوز قتل ما يقاتلون عليه من دوابهم؛ لأن قتلها وسيلة إلى الظفر بهم، فإذا صارت إلينا، لم يجز قتلها؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل شيء من الدواب صبراً» ولأنها مال المسلمين. ولا يجوز ذبحها إلا لأكل لا بد لهم منه. ولا يجوز تحريق النحل، ولا تغريقه؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النحلة.» وقال أبو بكر: لا تحرقن نحلاً ولا تغرقنه. ويجوز أخذ الشهد، وفي أخذه كله روايتان:

إحداهما: لا يجوز؛ لأن فيه قتل النحل وهلاكه.

والثانية: يجوز؛ لأن هلاكه إنما يحصل ضمناً غير مقصود، فأشبه قتل النساء في البيات.

ويجوز هدم بنيانهم، وقطع شجرهم، وحرق زرعهم إذا احتيج إليه، للتمكن من قتالهم ونحوه، ولا يجوز إذا كان فيه ضرر بالمسلمين، لحاجتهم إلى الاستظلال أو الاستتار به، أو الأكل منه، أو علف دوابهم. وما عدا ذلك، ففيه روايتان:

إحداهما: جوازه؛ لقول الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5] .

ص: 126

وروى ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] ولها يقول حسان رضي الله عنه:

وهان على سراة بني لؤي

حريق بالبويرة مستطير

رواه مسلم.

» وروى أسامة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه فقال: أغر على أُبْنَى صباحاً وحرق» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

والثانية: لا يجوز إلا أن يكونوا يفعلون ذلك بنا؛ لما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ليزيد وهو يوصيه حين بعثه أميراً: يا يزيد لا تقتل صبياً، ولا امرأة، ولا هرماً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شجراً مثمراً، ولا دابة عجماء، ولا شاة إلا لمأكلة، ولا تحرقن نحلاً ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن. رواه سعيد. فإن كانوا يفعلونه في بلدنا، جاز فعله بهم، لينتهوا، وإن أخذنا منهم مالاً، فعجزنا عن تخليصه إلى دار الإسلام. جاز إتلافه كيلا ينتفعوا به.

فصل

ويخير الإمام في الأسرى من أهل القتال بين أربعة أشياء؛ القتل، والفداء، والمن، والاسترقاق. فأما الفداء والمن، فقول الله تعالى:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَّ على أبي عزة الجمحي الشاعر ومَنَّ على أبي العاص بن الربيع، ومَنَّ على ثمامة بن أثال الحنفي. وفادى أسيراً برجلين من أصحابه أسرتهما ثقيف، وفادى أُسارى بدر بالمال. وأما القتل، «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط صبراً» ، «وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحي» ، وقتل قريظة؛ ولأنه أنكى فيهم وأبلغ في إرهابهم، فيكون أولى. وأما الاسترقاق فيجوز في أهل الكتاب والمجوس؛ لأنه يجوز إقرارهم على كفرهم بالجزية، فالرق أولى؛ لأنه أبلغ في صغارهم، وإن كان من غيرهم، ففيه روايتان:

ص: 127

إحداهما: لا يجوز إرقاقه. اختارها الخرقي؛ لأنه لا يقر بالجزية، فلم يجز إرقاقه، كالمرتد.

والثانية: يجوز؛ لأنه كافر أصلي، فأشبه الكتابي. وإن أسلم الأسير، حرم قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» ويتخير فيه بين المن عليه؛ لأنه إذا جاز المن عليه حال كفره، ففي حال إسلامه أولى، بين إرقاقه وفدائه.

وقال أصحابنا: يصير رقيقاً بنفس الإسلام، ويسقط التخيير؛ لأنه ممن يحرم قتله، فأشبه المرأة.

وأما النساء والصبيان، فإنهم يصيرون رقيقاً بنفس السبي؛ لأنهم مال لا ضرر في اقتنائه، فأشبهوا البهائم.

وأما الرجال الذين يحرم قتلهم، كالشيخ الفاني ونحوه، فلا يجوز سبيهم؛ لأنه لا نفع من استرقاقهم، ولا يحل قتلهم. إذا ثبت هذا. فإن التخيير الثابت في الأسرى تخيير مصلحة واجتهاد، لا تخيير شهوة،

فمتى رأى المصلحة للمسلمين في إحدى الخصال، تعينت عليه

، ولم يجز له غيرها؛ لأنه ناظر للمسلمين فلم يجز له ترك ما فيه الحظ لهم، كولي اليتيم، فمتى رأى القتل، ضرب عنقه بالسيف؛ لقول الله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالذين قتلهم، فضربت أعناقهم، ولا يجوز التمثيل به؛ لما روى بريدة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميراً على جيش، أو سرية قال: اغزوا بسم الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تغلوا» وإن اختار الفداء، جاز أن يفاديهم بأسارى المسلمين، وجاز بالمال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين. وقال أبو الخطاب: لا يجوز فداؤهم بالمال في أحد الوجهين، فإن فادى بالمال، أو استرقهم، كان الرقيق، والمال للغانمين. وليس له إطلاق الأسارى ولا المال إلا برضاهم؛ لما روى مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه وفد هوازن مسلمين قال: إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك، فليفعل، ومن أحب أن يكون على حقه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا، فليفعل فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله.» أخرجه البخاري.

ص: 128

فصل:

ومنع أحمد رضي الله عنه فداء النساء بالمال؛ لأن في بقائهن في الرق تعريضا لهن للإسلام، لمعاشرتهن للمسلمين، وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، فادى بالمرأة التي أخذها من سلمة بن الأكوع رجلين من المسلمين؛ ولأن في ذلك استنقاذ مسلم متحقق إسلامه. وإن أسلمت لم يجز ردها إلى الكفار، بفداء ولا غيره، لقول الله تعالى:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ، ولا يجوز المفاداة بالصبيان بحال؛ لأنهم يصيرون مسلمين بإسلام سابيهم.

فصل:

ولا يجوز بيع رقيق المسلمين لكافر. نص عليه أحمد رضي الله عنه، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كتب إلى أمراء الأمصار: ينهاهم عنه؛ ولأن في بقائهم رقيقا للمسلمين، تعريضا لهم للإسلام، وفي بيعهم لكافر، تفويت ذلك، فلم يجز.

فصل:

وإن أسر من يقر بالجزية فبذلها، لم يلزم قبولها؛ لأنه قد ثبت حق التخيير فيه بين الأمور الأربعة، فلم يسقط ببذله، ويجوز للإمام إجابته إليها إذا رأى ذلك؛ لأنه بمنزلة المن عليه.

فصل:

ويكره نقل رءوس الكفار من بلد إلى بلد، ورميها في المنجنيق؛ لأن فيه مُثْلَة، وقد روى عقبة بن عامر: أنه قدم على أبي بكر برأس بَنَّاق البطريق، فأنكر ذلك، فقيل: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم يفعلون بنا هذا، قال: فَاسْتِنَانٌ بفارس والروم؟ لا يحمل رأس، وإنما يكفي الكتاب والخبر. رواه سعيد.

فصل:

إذا حصر الإمام حصنا، فرأى المصلحة في مصابرته، لزمه ذلك؛ لأن عليه فعل ما فيه الحظ للمسلمين. وإن كانت المصلحة في الانصراف، انصرف لذلك. وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا، فقال: إنا قافلون إن شاء الله غدا فقال المسلمون: أنرجع ولم نفتتحه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال فغدوا عليه، فأصابهم جراح، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون غدا فأعجبهم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم» . متفق عليه.

ص: 129

وإن أسلم أهل الحصن قبل فتحه، عصموا دماءهم وأموالهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» .

وإن طلبوا النزول على حكم حاكم، جاز؛ «لأن بني قريظة حين حصرهم النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم: بقتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.

» ويجب أن يكون الحاكم بالغا عاقلا حرا مسلما ذكرا عدلا عالما؛ لأنه ولاية حكم، فأشبه ولاية القضاء، ولا يشترط أن يكون بصيرا؛ لأن الذي يقتضي الحكم فيهم هو الذي يشتهر من حالهم، وذلك يُدرك بالسمع، فأشبه الشهادة فيما طريقه السمع.

ويكره أن يكون حسن الرأي فيهم؛ لأنه يخشى ميله إليهم. ويجوز حكمه؛ لأنه عدل في دينه. فإن نزلوا على حكم من يختاره الإمام، جاز؛ لأنه لا يختار إلا من يجوز حكمه. ولا يجوز أن ينزلوا على حكم من يختارونه؛ لأنهم قد يختارون من لا يصلح. ويجوز أن ينزلوا على حكم اثنين، أو أكثر؛ لأنه تحكيم في مصلحة طريقها الرأي، فأشبه التحكيم في اختيار الإمام. وإن نزلوا على حكم من لا يجوز حكمه، أو حكم من يجوز، فمات قبل الحكم، وجب ردهم إلى حصنهم؛ لأنهم نزلوا على أمان، فلا يجوز أخذهم، ولا يجوز للحاكم الحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين؛ لأنه نائب الإمام، فقام مقامه في اختيار الأحظ من الأمور الأربعة. فإن حكم بالمن، فقال القاضي: يلزم حكمه كذلك. وقال أبو الخطاب: لا يلزم؛ لأن الإمام إذا لم يره، تبين أنه لا حظ فيه، فلم يلزم حكمه به. فإن حكم بعقد الذمة، ففيه وجهان:

أحدهما: يلزم حكمه؛ لأنهم رضوا بحكمه.

والثاني: لا يجوز؛ لأنه عقد معاوضة، فلم يجز إلا برضا الفريقين، فإن حكم بالقتل والسبي، جاز؛ لأن سعدا حكم به في بني قريظة، فصادف حكم الله تعالى.

وللإمام أن يمن على من حكم عليه بالقتل؛ لأن ثابت بن قيس بن شماس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب له الزبير بن باطا اليهودي بعد الحكم عليهم، فوهبه له، وأطلق له أهله وماله.

وإن حكم باسترقاقهم، لم يجز أن يمن عليهم، إلا برضا الغانمين؛ لأنهم صاروا مالا لهم. وإن حكم بالقتل فأسلموا، عصموا دماءهم؛ لأن قتل المسلم حرام، ولم يعصموا أموالهم؛ لأنها صارت للمسلمين قبل إسلامهم. وفي استرقاقهم روايتان:

ص: 130

إحداهما: لا يسترقون، ذكره القاضي؛ لأنهم أسلموا قبل استرقاقهم، فأشبه ما لو أسلموا قبل القدرة عليهم.

والثانية: يسترقون؛ لأنهم أسلموا بعد القدرة عليهم، ووجوب قتلهم، فأشبهوا الأسير إذا أسلم بعد اختيار الإمام قتله.

فصل:

ومن أسلم قبل القدرة عليه، عصم نفسه وماله، وأولاده الصغار، للخبر المذكور.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، حاصر بني قريظة، فأسلم ابنا سبيعة، فأحرز إسلامهما أموالهما وأولادهما؛ ولأن الأولاد تبع لوالدهما في الإسلام، فكذلك في العصمة. وإن كان للمسلم منفعة بإجارة، لم تملك عليه؛ لأنها مال. ولا يعصم زوجته؛ لأن النكاح ليس بمال. ولا يجري مجراه، وإن كانت حاملا منه، فولده مسلم معصوم. ويجوز استرقاقها؛ لأنها حربية، لا أمان لها ولا يعصم أولاده البالغين؛ لأنهم لا يتبعونه في دينه فكذلك في عصمته. وإذا ادعى الأسير أنه أسلم قبل الأسر. لم يقبل إلا ببينة. فإن شهد له مسلم وحلف معه، ثبت ذلك له؛ لأن ابن مسعود شهد لسهيل بن بيضاء أنه سمعه يذكر الإسلام، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته وأطلقه من الأسر.

فصل:

ومن أسلم من الأبوين، كان أولاده الأصاغر تبعا له في الإسلام، رجلا كان أو امرأة، لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] ، ويتبعه الحمل؛ لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبعه كالولد. وإن لم يسلم واحد منهما، فولدهما كافر؛ لأنه لا حكم لنفسه، فتبع أبويه، كولد المسلم. فإن مات الأبوان أو أحدهما في دار الإسلام، حكم بإسلام الولد، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» فجعل التبعية لأبويه معا. فإذا مات أحدهما، انقطعت التبعية، فوجب بقاؤه على حكم الفطرة؛ ولأن الدار يغلب فيها حكم الإسلام، بدليل الحكم بإسلام لقيطها. وإنما منع ظهور حكمها اتباعه لأبويه، فإذا مات أحدهما، اختل المانع، فظهر حكم الدار. والحكم في المجنون الذي يبلغ مجنونا، كالحكم في الصبي؛ لأنه لا حكم لقوله، فتبع في الإسلام كالطفل؛ ولأنه يتبع والديه في الكفر، ففي الإسلام أولى؛ وإن بلغ عاقلا ثم جن، ففيه وجهان:

ص: 131

أحدهما: يتبع أباه؛ لأنه لا حكم لقوله.

والثاني: لا يتبع؛ لأنه زال حكم التبعية، ببلوغه عاقلا، فلا يعود.

فصل:

وإن سبي الطفل منفردا عن أبويه، تبع سابيه في الإسلام؛ لأنه زال حكم أبويه، لإفراده عنهما، واختلاف الدار بهما، فأشبه ما لو ماتا؛ ولأن سابيه، كأبيه في حضانته، فكان مثله في استتباعه، وإن سبي معهما، تبعهما، لخبر أبي هريرة؛ ولأنه لم ينفرد عنهما، أشبه ما لو كان ذميا. وإن سبي مع أحد أبويه، حكم بإسلامه؛ لأنه انقطع اتباعه لأحد أبويه، فأشبه ما لو أسلم، أو مات، وقال أبو الخطاب: يتبع أباه، وقال القاضي: فيه روايتان:

أشهرهما: أنه يحكم بإسلامه، لما ذكرنا.

والثانية: يتبع أباه.

فصل:

ولا يجوز التفريق في السبي بين الوالدة وولدها، ولا بين الوالد وولده، ولا بين ذوي رحم محرم، إذا كان أحدهما صغيرا. فإن كانا بالغين، فعلى روايتين، ذكرناهما في البيع. فإن اشترى من المغنم اثنين على أنه يحرم التفريق بينهما، فتبين أنه جائز، وجب رد الفضل الذي حصل بإباحة التفريق؛ لأنه تبين له فضل لم يعلم به البائع، فوجب رده، كما لو قبض الثمن على أنه عشرة، فبان أحد عشر. ولو اشترى من المغنم جارية معها مال، أو حلي، أو ثياب غير لباسها، لزمه رده. نص عليه؛ لقوله عليه السلام:«من باع عبدا وله مال، فماله للبائع» لأن البيع إنما وقع عليها دونه.

فصل:

إذا سبيت المرأة دون زوجها، انفسخ نكاحها، لقول الله تعالى:« {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] . قال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية في سبي أوطاس، أصبنا سبايا ولهن أزواج في قومهن، فذكر ذلك لرسول الله، فنزلت الآية» . قال الترمذي: هذا حديث حسن؛ ولأنه استولى على محل حق الكافر الحربي، فأزاله، كما لو سبيت أمته. وقال أبو الخطاب: عندي لا ينفسخ. وإن سبي الرجل وحده، لم ينفسخ نكاحه؛ لأنه لم يستول على محل حقه، أشبه ما لو لم يسب؛ وإن سبي الزوجان، لم

ص: 132