المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب حد السرقة] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٤

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[باب مقادير الديات]

- ‌[باب ديات الجروح]

- ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

- ‌[باب ما تحمله العاقلة وما لا تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[باب اختلاف الجاني والمجني عليه]

- ‌[باب كفارة القتل]

- ‌[كتاب قتل أهل البغي]

- ‌[باب أحكام المرتد]

- ‌[باب الحكم في الساحر]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب المحارب]

- ‌[باب حد السرقة]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب الأشربة]

- ‌[باب إقامة الحد]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب دفع الصائل]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

- ‌[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]

- ‌[باب الأنفال والأسلاب]

- ‌[باب قسمة الغنائم]

- ‌[باب قسمة الخمس]

- ‌[باب قسمة الفيء]

- ‌[باب حكم الأرضين المغنومة]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب الهدنة]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[باب المأخوذ من أحكام أهل الذمة]

- ‌[باب العشور]

- ‌[باب ما ينتقض به عهد الذمة]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[باب كفارة اليمين]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب الأقضية]

- ‌[باب ما على القاضي في الخصوم]

- ‌[باب صفة القضاء]

- ‌[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

- ‌[باب عدد الشهود]

- ‌[باب تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌[باب الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اختلاف الشهود]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب الاستثناء في الإقرار]

- ‌[باب الرجوع عن الإقرار]

- ‌[باب الإقرار بالمجمل]

- ‌[باب الإقرار بالنسب]

الفصل: ‌[باب حد السرقة]

[باب حد السرقة]

وحد السرقة: قطع اليد اليمنى؛ لقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ويعتبر في وجوبه أمور تسعة:

أحدها: السرقة: وهو أخذ المال مختفياً، فإن اختطفه، أو اختلسه، فلا قطع عليه؛ لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المنتهب قطع» وروي عنه عليه السلام أنه قال: «ليس على الخائن، ولا المختلس قطع.» رواهما أبو داود، ولأن الله تعالى إنما أوجب القطع على السارق، وليس هؤلاء بسراق. وفي جاحد العارية روايتان:

إحداهما: لا قطع عليه؛ لأنه خائن، فلا يقطع للخبر، ولأنه ليس بسارق، فلا يقطع، كجاحد الوديعة. وهذا اختيار أبي إسحاق بن شاقلا، وأبي الخطاب.

والثانية: يجب عليه القطع؛ لما روي عن عائشة رضي الله عنها: «أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.» متفق عليه.

فصل

الثاني: أن يكون مكلفاً، فلا يجب الحد على صبي، ولا مجنون؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ» ولأنه إذا سقط عنهما التكليف في العبادات، والإثم في المعاصي، فالحد المبني على الدرء والإسقاط أولى. ولا قطع على مكره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ويخرج في قطع السكران وجهان، بناء على الروايتين في طلاقه. وقال القاضي: حكمه حكم الصاحي فيما يجب عليه من العقوبات. ويجب القطع على السارق من أهل الذمة، والمستأمنين، ويقطع المسلم بسرقة مالهما؛ لأنهم التزموا حكم الإسلام، فأشبهوا المسلم مع المسلم.

فصل

الثالث: أن يكون المسروق نصاباً، فلا قطع فيما دونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً» متفق عليه.

ص: 71

وفي قدر النصاب روايتان:

إحداهما: ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق، أو ما قيمته ذلك من غيرهما؛ لما روت عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً» . وروى ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم.» متفق عليهما. وقال عليه السلام: «فما بلغ ثمن المجن، ففيه القطع» وعنه: أن ما عدا الأثمان تعتبر قيمته بالدراهم خاصة؛ لهذا الخبر.

والثانية: الأصل الدراهم خاصة، ويقوم الذهب بها؛ لحديث ابن عمر، والأول أولى؛ لخبر عائشة، ولأن ما كان فيه أحد النقدين أصلاً، كان الآخر فيه أصلاً، كالديات، ونصب الزكوات. وسواء في هذا الصحاح، والمكسرة، والتبر، والمضروب، للخبر. فإن اشترك اثنان في هتك حرز، وسرقة نصاب منه، فعليهما القطع؛ لأنه قطع يجب على المنفرد، فوجب على المشتركين فيه، كالقصاص، ويحتمل ألا يجب؛ لأن كل واحد لم يسرق نصاباً، فلا يجب عليه القطع، للخبر، وكما لو انفرد بسرقته، فإن كان أحد الشريكين مما لا قطع عليه، كالأب والصبي، وكانت سرقة الأجنبي البالغ، نصاباً، فالقطع واجب عليه؛ لأن المانع اختص بأحدهما، فاختص السقوط به، كالقصاص، ويحتمل ألا يجب قطعه؛ لأن سرقتهما علة قطعهما، وسرقة الأب لا تصلح علة للقطع، فلم يجب على واحد منهما. وإن كانت سرقة الأجنبي، لم تبلغ نصاباً، لم يجب قطعه؛ لأن ما سرقه لم يجب به القطع، ولا يمكن بناء فعله على فعل شريكه؛ لأن فعل الشريك لا يوجب، ويحتمل أن يجب قطعه، كما في القصاص. ومن هتك حرزاً، فأخذ منه درهمين ثم عاد فسرق منه درهماً في ليلة أخرى، أو وقتين متباعدين، فلا قطع عليه؛ لأن كل سرقة منهما منفردة، لا تبلغ نصاباً، وإن تقاربا، وجب القطع؛ لأنهما سرقة واحدة من حرز هتكه، فأشبه ما لو أخرجهما معاً. وإذا بني فعل أحد الشريكين على فعل شريكه، فعلى فعل نفسه أولى، ومتى شككنا في المسروق، هل يبلغ نصاباً أو لا؟ لم يجب القطع؛ لأن الأصل عدمه، فلا يجب الشك.

فصل

والشرط الرابع: أن يكون المسروق مما يتمول في العادة؛ لأن القطع شرع لصيانة الأموال، فلا يجب في غيرها، وسواء في ذلك ما يبقى زمناً كالثياب، وما يفسده طول بقائه، كالفاكهة، والأطعمة الرطبة، وما أصله الإباحة، كالصيود، والفخار، والآجر، واللبن، والخشب؛ لأنه مال يتمول به عادة، فوجب القطع بسرقته كالأثمان. فإن سرق حراً صغيراً، فلا قطع عليه؛ لأنه ليس بمال. وعنه: يقطع. فإن قلنا: لا يقطع وكان

ص: 72

عليه حلي يبلغ نصاباً، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع؛ لأنه سرق نصاباً من المال.

والثاني: لا قطع عليه؛ لأن يد الصبي ثابتة على ما عليه، بدليل أن اللقيط يحكم له بما عليه، فأشبه ما لو سرق جملاً، صاحبه راكب عليه. وإن سرق عبداً صغيراً أو مجنوناً قطع؛ لأنه مال ممكن سرقته، وإن كان كبيراً عاقلاً، فلا قطع عليه؛ لأن سرقته غير ممكنة، فإن قهره وأخذه، كان غاصباً، لا سارقاً، إلا أن يكون نائماً، أو غريباً لا يميز بين سيده وغيره، فيقطع؛ لأن سرقته ممكنة. فإن كانت أم ولد كذلك، ففي قطع سارقها وجهان:

أحدهما: يقطع؛ لأنها مضمونة بالقيمة، أشبهت القن.

والثاني: لا يقطع؛ لأن بيعها محرم، أشبهت الحرة، ويقطع سارق الوقف؛ لأنه مملوك للموقوف عليه، ويحتمل أن لا يقطع؛ لأنه لا يحل بيعه، ولأنه غير مملوك على إحدى الروايتين.

فإن سرق إناء يساوي نصاباً فيه خمر، أو ماء، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع؛ لأنه سرق نصاباً فلزمه القطع، كما لو كان فيه بول.

والثاني: لا يقطع؛ لأن الإناء يراد وعاء لما فيه، فصار تابعاً لما لا قطع فيه، أشبه ثياب الحر إذا سرقه. وإن سرق آلة لهو، كالطنبور والمزمار وشبهه، فلا قطع عليه؛ لأنه آلة معصية، فأشبه الخمر. وسواء بلغ قيمة خشبه مكسوراً نصاباً، أو لم يبلغ؛ لأن معظم المقصود منه كونه آلة المعصية، فصار المباح فيه تابعاً. وإن سرق إناء ذهب أو فضة تبلغ زنته نصاباً، قطع؛ لأن جوهره هو المقصود، والصناعة مغمورة فيه، فصارت تابعة له، بخلاف التي قبلها. وإن سرق صليباً، أو صنماً من ذهب أو فضة، فقال أبو الخطاب: فيه القطع، لما ذكرنا. وقال القاضي: لا قطع فيه؛ لأنه مجمع على تحريمه، أشبه الطنبور.

فصل

وإن سرق مصحفاً، فقال أبو الخطاب: عليه القطع، للآية، ولأنه متقوم يبلغ نصاباً، أشبه كتب الفقه. وقال أبو بكر والقاضي: لا قطع فيه؛ لأن المقصود منه كلام الله تعالى. فإن كان محلى بحلية تبلغ نصاباً، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع، وهو قول القاضي؛ لأنه سرق نصاباً يجب به القطع منفرداً، فيجب به مع غيره، كما لو كانت الحلية منفصلة عنه.

ص: 73

والثاني: لا قطع فيها؛ لأنها تابعة لما لا قطع فيه، أشبه ثياب الحر، ويقطع بسرقة سائر الكتب المتقومة المباحة؛ لأنه يجوز بيعها، أشبهت الثياب. فإن كانت محرمة، ككتب البدع، والشعر المحرم، فلا قطع فيها؛ لأنها محرمة، أشبهت المزامير، ولا يقطع بسرقة الماء؛ لأنه لا يتمول عادة، ولا بسرقة السرجين، وإن كان طاهراً لذلك، ولأنه يوجد كثيراً مباحاً، فلا تكثر تعلق الرغبات به، فلا حاجة إلى الزجر عنه. وإن سرق كلأً، أو ملحاً، فقال أبو بكر: لا قطع عليه؛ لأنه مما ورد الشرع باشتراك الناس فيه، أشبه الماء. وقال أبو إسحاق بن شاقلا: يقطع؛ لأنه يتمول عادة أشبه الصيد، والثلج مثله. وقال القاضي: هو كالماء؛ لأنه ماء جامد.

فصل

الشرط الخامس: أن يكون المسروق مما لا شبهة للسارق فيه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، فلا يقطع الوالد بسرقة مال ولده وإن سفل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أنت ومالك لأبيك» رواه أبو داود. والأم كالأب في هذا؛ لأنها أحد الأبوين أشبهت الأب ولا يقطع الابن بسرقة مال والده وإن علا في إحدى الروايتين؛ لأن بينهما قرابة تمنع شهادة أحدهما لصاحبه، أشبهت الأب. ويقطع سائر الأقارب بسرقة مال أقاربهم، لعدم ذلك فيهم، ولا يقطع العبد بسرقة مال سيده؛ لما روي أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي قال لعمر: إن عبدي سرق مرآة امرأتي، ثمنها ستون درهماً، فقال: أرسله، لا قطع عليه، غلامكم أخذ متاعكم؛ ولأن يده كيد مولاه، بدليل أنه لو كان في يده مال، فتنازعه السيد وأجنبي، كان لسيده. وإن سرق أحد الزوجين من مال الآخر الذي لم يحرزه عنه، لم يقطع؛ لأنه غير محرز عنه. وإن سرق مما أحرزه عنه ففيه روايتان:

إحداهما: لا قطع عليه؛ لقول عمر: غلامكم أخذ متاعكم؛ ولأن أحدهما يرث صاحبه من غير حجب، وترد شهادته له، أشبه الولد، وهذا اختيار الخرقي وأبي بكر.

والأخرى: يقطع، لعموم الآية، ولأنه سرق مالاً محرزاً عنه، لا شبهة له فيه، أشبه الأجنبي، ولا قطع على من سرق مالاً له فيه شركة؛ لأن له فيه حقاً، فكان ذلك شبهة، ولا قطع على مسلم بالسرقة من بيت المال لذلك، ولأن عمر رضي الله عنه قال لابن مسعود حين سأله عمن سرق من بيت المال: أرسله، فما من أحد إلا وله في هذا المال حق. وإن سرق منه ذمي قطع؛ لأنه لا حق له فيه.

ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق، أو لولده، أو لسيده، لم يقطع لذلك. وإن لم يكن كذلك، فسرق منها بعد إخراج الخمس، قطع؛ لأنه لا حق له فيها. وأن سرق قبل إخراج الخمس، لم يقطع؛ لأن له حقاً في خمس الخمس. وإن سرق مسكين

ص: 74

من وقف المساكين لم يقطع؛ لأن له فيه حقاً، وإن سرق منه غني، قطع؛ لأنه لا حق له فيه، وإن سرق حصير مسجد، أو قنديله، أو نحوه مما جعل لنفع المصلين، لم يقطع؛ لأن له فيه حقاً. وإن سرق بابه، أو تأزيره، أو شيئاً من خشب سقفه، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع؛ لأنه لا حق له فيه وهو محرز بحرز مثله، أشبه سارق ذلك من بيت آدمي.

والثاني: لا قطع عليه؛ لأن المسجد كله إنما يراد لنفع المصلين، ولأنه ليس له مالك من المخلوقين. والكعبة وغيرها في هذا سواء، ولا يقطع بسرقة ستارتها الخارجة منها؛ لأنها غير محرزة. وقال القاضي: إن كانت مخيطة عليها، قطع سارقها لأن هذا حرز مثلها.

فصل

ولا قطع على الزوجة إذا منعت نفقتها فأخذت بقدرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» ولا على الضيف إذا منع قراه، فأخذ بقدره؛ لأن له حقاً. وإن سرق غير ذلك من البيت الذي هو فيه، لم يقطع؛ لأنه غير محرز عنه، وإن كان محرزاً عنه، فعليه القطع، لعدم الشبهة. ولا قطع على المضطر إذا سرق ما يأكله إذا لم يقدر على ذلك إلا بالسرقة؛ لأنه فعل ما له فعله. قال أحمد: لا قطع في المجاعة؛ لأن عمر رضي الله عنه قال: لا قطع في عام سنة. قيل لأحمد. تقول به؟ قال: أي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة. ولا قطع على الغريم إذا جحده غريمه، أو منعه ولم يقدر على استيفاء دينه، فأخذ بقدره في أحد الوجهين، وهو اختيار أبي الخطاب؛ لأن طائفة من أهل العلم أباحت له ذلك، فيكون شبهة. وفي الآخر عليه القطع، وهو قول القاضي؛ لأنه ليس له الأخذ. فإن كان غريمه باذلاً له، قطع؛ لأنه لا شبهة له في السرقة، لإمكان التوصل إلى أخذه. وإن سرق المسروق منه مال السارق، والمغصوب منه مال الغاصب من حرز فيه ماله، ففيه وجهان:

أحدهما: لا قطع عليه؛ لأنه هتك حرزاً له هتكه، لأخذ ماله.

والثاني: يقطع؛ لأنه لما أخذ غير ماله، علم أنه قصد سرقة مال غيره. وإن سرق ماله من حرز لا مال له فيه، فحكمه حكم السارق من غريمه، وإن أحرز المغصوب أو المسروق، فسرقه أجنبي، لم يقطع؛ لأنه حرز لم يرضه مالكه. وإن غصب داراً، فأحرز

ص: 75

فيها متاعه لم يقطع سارقه؛ لأنه لا حكم لحرزه حيث كان متعدياً به ظالماً فيه. وإن سرق المعير من الدار المستعارة أو المؤجر من الدار المستأجرة شيئاً، قطع؛ لأنه محرز عنه فأشبه الأجنبي.

فصل

السادس: أن يسرق من حرز؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلاً من مزينة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار فقال: ما أخذ في أكمامه فاحتمل ففيه قيمته ومثله معه، وما كان في الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن» رواه أبو داود.

ويعتبر الحرز بما يتعارفه الناس، فما عدوه حرزاً، فهو حرز، وما لا فلا؛ لأن الشرع لما اعتبر الحرز، ولم يبينه، علمنا أنه رده إلى العرف، كالقبض، والتفرق. وإحياء الموات. هذا ظاهر قول أصحابنا، وإليه ذهب ابن حامد، والقاضي. وذكر أبو بكر كلاماً يدل على أن الإحراز لا يختلف، فقال: إذا أفرد الشيء في الملك، فهو محرز، والعمل على الأول. فحرز الأثمان، والجواهر، ونحوها في الخانات الحريزة. والدور في العمران دونها الأغلاق والأقفال، أو حافظ مستيقظ، أو حمل صاحبها لها معه على ما جرت به العادة في جيبه، أو كمه، أو وسطه، أو معضدته ونحن ذلك. ونقل حنبل عن أحمد في الذي يأخذ من جيب الرجل، أو كمه: لا قطع عليه، وهذا محمول على من اختلس دون من سرق؛ لأنه قد بينه في رواية ابن منصور، فقال: الطرار يقطع إذا كان يطر سراً.

وإن اختلس، لم يقطع، فأما الجواسق في البساتين، والخانات في البرية، فإن كانت مغلقة وفيها حافظ، فهي حرز، نائماً كان أو يقظان، وإن كانت مفتوحة، فلا تكون حرزاً إلا أن يكون الحافظ يقظان. وإن لم يكن فيها حافظ، فليست حرزاً بحال؛ لأن المال لا يحرز فيها من غير حافظ.

والخيمة والخركاه المنصوبة، كالجواسق فيما ذكرنا. ويقطع سارقها متى كان فيها حافظ. وإن كان نائماً؛ لأنها تحرز بهذا، وحرز متاع الباعة من العطارين، وغيرهم بالدكاكين في الأسواق وراء الأغلاق والأقفال، وإن كانت مفتوحة، فبحافظ يقظان.

وحرز قدور الباقلا في الدكاكين، وشرائح القصب، وما جرت العادة بإحرازها به. وحرز

ص: 76

باب الدار والدكان نصبه في موضعه. وحرز حلقة الباب تسميرها فيه وحرز آجر الحائط وحجارته كونه مبنياً في الحائط. وحرز الخشب والحطب بالحظائر، وتغيبه بعضه على بعض، مقيد فوقه بحيث يعسر أخذ شيء منه. وإن كان في فندق مغلق، أو فيه حافظ، فهو محرز، وإن لم يقيد. وحرز متاع الباعة وأشباههم كونه بين أيديهم؛ لأنه محفوظ بذلك، فإن نام عنه أو اشتغل، أو جعله خلفه بحيث تناله اليد، خرج عن الحرز؛ لأنه غير محفوظ. وإن نام إنسان على ثوبه، أو متاعه، فقد أحرزه؛ لما «روى صفوان بن أمية أنه نام في المسجد، وتوسد رداءه، فأخذ من تحت رأسه، فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يقطع، فقال صفوان: يا رسول الله، لم أرد هذا، ردائي عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا قبل أن تأتيني به» رواه ابن ماجه. فإن تدحرج عنه، خرج من الحرز.

فصل

وحرز المواشي الراعية بنظر الراعي إليها، فما استتر عنه بحائل، أو نوم الراعي، خرج عن الحرز؛ لأنه غير محفوظ، وحرز البارك من الإبل المعلقة بالحافظ، نائماً كان أو يقظان؛ لأن العادة أن صاحبها يعقلها إذا نام، وإذا لم تكن معقلة فحرزها بحافظ يقظان، لما ذكرنا. وحرز الحمولة بسائق يراها، أو قائد يكثر الالتفات إليها، ويراها إذا التفت؛ لأنها لا تنحفظ إلا بذلك.

فصل

ومن ترك ثيابه في الحمام لا حافظ لها، فليست محرزة. وإن استحفظها إنساناً، فحفظها، فعن أحمد أنها غير محرزة أيضاً، إلا أن يتوسدها، أو يجلس عليها؛ لأن الحمام مستطرق، وقال القاضي في موضع: يخرج في المسألة روايتان، وفي موضع آخر: تصير محرزة بذلك، كالقماش بين يدي الباعة. وإن نام الحافظ أو اشتغل، فعليه الضمان، ولا قطع على السارق؛ لأنها خرجت عن الحرز. وإن لم يفرط في الحفظ، فلا ضمان عليه؛ لأنه مؤتمن.

فصل

وحرز الكفن كونه على الميت في القبر، فمن نبشه وسرقه، قطع؛ لأنه سارق، بدليل قول عائشة رضي الله عنها:" سارق أمواتنا، كسارق أحيائنا "؛ ولأن القبر حرز الكفن؛ لأنه يوضع فيه عادة، ولا يعد واضعه مفرطاً، ولا مضيعاً وقد سرق منه، وما زاد

ص: 77

على الكفن المشروع، كاللفافة الرابعة، لم يكن القبر حرزاً له؛ لأن تركه فيه تضييع، فأشبه الكيس المدفون معه. وإن أكل الضبع الميت وبقي الكفن، فلا قطع على سارقه؛ لأنه غير محرز، ويكون للورثة؛ لأن لهم ما فضل عن حاجته من ماله.

فصل

السابع: أن يخرجه من الحرز، سواء أخرجه بيده، أو بفيه، أو رماه إلى خارج، أو اجتذبه بمحجن، أو بيده، أو تركه على ظهر بهيمة وساقها، أو على ماء جار، أو في مهب ريح فأطارته، أو على ماء راكد وحركه، أو فجره فخرج به، أو أمر صبياً مميزاً فأخرجه، أو فتح طاقاً فانهال الطعام إليه، أو بط جيبه إنسان، أو كمه فسقط المال، فأخذه، فعليه القطع في هذا كله؛ لأنه بسبب فعله، فأشبه ما أخرجه بيده، فإن جمعه في الحرز ثم تركه ومضى، أو أخذ منه، أو تركه في ماء راكد، ففجره غيره فخرج به، أو أخرج النباش الكفن من اللحد إلى القبر فتركه فيه، أو أتلف المتاع في الحرز، لم يقطع؛ لأنه لم يسرق. وإن ترك المتاع على دابة، فخرجت به بنفسها، أو في ماء راكد فانفجر، فخرج به، أو على حائط في غير مهب ريح، فهبت ريح فأطارته، ففيه وجهان:

أحدهما: عليه القطع؛ لأن فعله سبب خروجه، أشبه ما لو ساق البهيمة.

والثاني: لا قطع عليه؛ لأن ذلك لم يكن آلة للإخراج وإنما خرج بسبب حادث، أشبه ما لو فجر الماء آدمي آخر، أو ساق البهيمة غيره. وإن أخرجه من الحرز، فألقاه خارج الحرز، أو رده إلى الحرز لخوف، أو غيره، فعليه القطع؛ لأنه وجب بإخراجه. وإن أخرج خشبة، فألقاها ومنها شيء في الحرز، لم يقطع؛ لأن بعضها لا ينفرد عن البعض، ولذلك لو أمسك عمامة، وطرفها في يد صاحبها، لم يضمنها. وإن أخرج المتاع من البيت إلى صحن الدار، وكان البيت مغلقاً، ففتحه أو نقبه، قطع؛ لأنه أخرج المتاع من الحرز، وإن لم يكن كذلك، فلا قطع عليه؛ لأنه لم يخرجه من الحرز.

فصل

وإن دخل الحرز، فأكل طعاماً فيه وخرج منه، لم يقطع؛ لأنه أتلفه، ولم يخرجه. وإن ابتلع ديناراً فلم يخرج منه، فلا قطع عليه كذلك. وإن خرج منه، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع؛ لأنه أخرجه في وعاء، أشبه ما لو أخرجه في كمه.

والثاني: لا قطع عليه؛ لأنه ضمنه بالبلع. فكان ذلك إتلافاً.

وإن دخل، فشرب لبن ماشية، فلا قطع عليه؛ لأنه أتلفه. وإن احتلب نصاباً

ص: 78

وأخرجه، قطع؛ لأنه محرز بحرز الماشية. وإن ذبح الشاة وشق الثوب، ثم أخرجه وقيمته بعد ذلك نصاباً، قطع؛ لأنه أخرج نصاباً من الحرز، وإلا فلا قطع فيه؛ لأنه لم يخرج نصاباً. وإن تطيب بطيب في الحرز، ثم خرج وعليه من عين الطيب، ما إذا لو جمع بلغ نصاباً، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع؛ لأنه أخرج من الحرز نصاباً.

والثاني: لا قطع عليه؛ لأنه أتلفه بالاستعمال.

وإن لم يبق من عينه نصاب، لم يقطع وجهاً واحداً؛ لأنه لم يخرج نصاباً، أشبه ما لو أكله.

فصل

وإن أخرج نصاباً، فنقصت قيمته عن النصاب قبل القطع، قطع؛ لأنه وجد شرط القطع فيه وقت الوجوب، فلم يسقط القطع بفواته بعد ذلك، كالحرز إذا تغير، وإن ملك المسروق بهبة أو غيرها، لم يسقط القطع؛ لحديث سارق رداء صفوان؛ ولأن ملكه لمحل الجناية لا يسقط الحد، كما لو زنى بأمة ثم اشتراها.

فصل

وإن نقب الحرز، ثم دخل آخر، فأخرج المتاع، فلا قطع عليهما؛ لأن الأول لم يسرق.

والثاني: سرق من حرز هتكه غيره. ويحتمل أن يقطعا إذا كانا شريكين. وإن نقبا معاً، ودخل أحدهما فأخرج المتاع، قطع الداخل؛ لأنه نقب وسرق، ولم يقطع الآخر؛ لأنه لم يسرق. وكذلك إذا رمى المتاع إلى خارج الحرز، فأخذه الآخر، أو خرج هو، فأخذه. وإن نقبا ودخلا، فأخرج أحدهما المتاع، فالقطع عليهما؛ لأن المخرج أخرجه بقوة صاحبه ومعونته، وإن دخل أحدهما، فقرب المتاع من النقب، فمد الخارج يده فأخرجه، أو شده الداخل بحبل، فمده الخارج، فأخرجه، قطعا، لاشتراكهما في هتك الحرز، وإخراج المتاع.

فصل

الثامن: أن تثبت السرقة عند الحاكم؛ لأنه المتولي لاستيفاء الحدود، فلا يجوز له استيفاء حد قبل ثبوته، ولا يثبت إلا ببينة، أو إقرار. فأما البينة فيشترط أن يكون فيها شاهدين ذكرين حرين مسلمين عدلين، فإذا وجب القطع بشهادتهما، ثم غابا، أو ماتا، لم يسقط القطع على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. وأما الإقرار، فيعتبر أن يقر مرتين، لما روى أبو أمية المخزومي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف، فقال له: ما إخالك

ص: 79

سرقت؟ قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً، فأمر به فقطع.» رواه أبو داود. ولو وجب القطع بأول مرة، لم يؤخره، وعن القاسم بن عبد الرحمن: أن علياً رضي الله عنه أتاه رجل، فقال: إني سرقت، فطرده، ثم عاد مرة أخرى، فقال: إني سرقت، فأمر به علي أن يقطع، وقال: شهدت على نفسك مرتين، وقطع يده. رواه الجوزجاني، ولأنه حد يتضمن إتلافاً، فاعتبر في إقراره التكرار، كحد الزنا.

فصل

قال أحمد: لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمقر بالسرقة: «ما إخالك سرقت» وطرد علي له. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أتي برجل فقال: أسرقت؟ قل: لا، فقال: لا، فتركه.

ولا بأس بالشفاعة في السارق قبل أن يبلغ الإمام؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب» وقال الزبير بن العوام رضي الله عنه في الشفاعة في الحد: يفعل ذلك دون السلطان، فإذا بلغ الإمام، فلا أعفاه الله إن أعفاه. وإذا بلغ الإمام، حرمت الشفاعة فيه كذلك؛ لما روي: أن «أسامة بن زيد شفع في المخزومية التي سرقت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتشفع في حد من حدود الله» . وقال ابن عمر: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله في حكمه.

فصل

التاسع: أن يأتي مالك المسروق ويدعيه سواء ثبتت سرقته ببينة، أو إقرار. وقال أبو بكر: ليس بشرط؛ لأن موجب الحد قد ثبت، فوجب من غير طلب، كالزنا.

والأول: أولى؛ لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل أن مالكه أباحه إياه، أو أذن له في دخول حرزه، أو وقفه على طائفة السارق منهم، فاعتبر الطلب لنفي هذا الاحتمال، بخلاف الزنا. فإن حضر المالك وطالب، لكنه خالف المقر، فقال: لم تسرق مني، لكن غصبتني، أو انتهبت مني، أو خنتني، أو جحدت وديعتي، لم يقطع؛ لأنه لم يوافق دعوى المدعي. وإن كان النصاب لاثنين، فخالفه أحدهما في إقراره، لم يقطع؛ لأنه لم يوافق على سرقة النصاب، وإن كان لمن وافقه نصاب قطع، لموافقته على

ص: 80

سرقة نصاب. وإن كان المالك غائباً وله وكيل حاضر، قام مقامه في الطلب. وإن لم يحضر له وكيل، فقال القاضي: يحبس حتى يحضر، وإن كانت العين في يده، حفظها الحاكم للغائب.

فصل

وإن ثبتت السرقة ببينة، فأنكر السارق، لم يلتفت إلى إنكاره؛ لأن الإنكار شرط سماع البينة في مواضع فلم يقدح فيها. وإن قال: إنما أخذت ملكي، أو لي فيه ملك، أو دخلت بإذن المالك، فالقول قول المسروق منه مع يمينه. وإن نكل، قضي عليه، وإن حلف، ففي القطع ثلاث روايات:

إحداهن: لا يقطع؛ لأنه يحتمل صدقه، ولذلك أحلفنا خصمه، وهذا شبهة يندرئ بها الحد.

والثانية: يقطع، لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى إسقاط القطع، فتفوت مصلحته.

والثالثة: إن كان معروفاً بالسرقة، لم تقبل دعواه؛ لأننا نعلم كذبه. وإن لم يعرف بالسرقة، قبلت دعواه، لاحتمال صدقه، فيصير ذلك شبهة، والأول أولى. فإن أقر العبد بسرقة مال في يده، وادعى ذلك المسروق منه، وكذبه السيد، وقال: بل هذه الدراهم لي، قطع العبد، وكانت الدراهم للسيد، نص عليه أحمد؛ لأن الموجب للقطع الإقرار مع مطالبة المدعي، وقد وجد ذلك، وتكون الدراهم للسيد؛ لأن ما في يد العبد محكوم به لسيده؛ لأن يده كيده. ويحتمل ألا يجب القطع؛ لأن المال محكوم به لسيده، فلا يجب القطع بأخذه، كما لو ثبت له ببينة، ولأنه لم تثبت المطالبة من المالك، فيكون ذلك محكوماً به للسيد. وإن طالب المالك وثبت القطع، ثم عفا عن المطالبة بعد ذلك، لم يسقط القطع، بدليل أن صفوان عفا عن الطلب من سارق ردائه، فلم يدرأ النبي صلى الله عليه وسلم عنه القطع، ولأنه قد وجب، فلم يسقط، كما لو وهبه إياه. وإن أكذب المدعي نفسه، وقال: لم يكن هذا المال لي، ولم يسرق مني شيئاً، أو أنا أذنت له في أخذه، ونحو هذا، سقط القطع؛ لأنه رجع عن شرط الوجوب، فأشبه رجوع البينة عن الشهادة، أو المقر عن الإقرار.

فصل

وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكوع؛ لأن في قراءة عبد الله بن مسعود: " فاقطعوا أيمانهما " ولما روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من مفصل الكوع، ولا مخالف لهما في الصحابة؛ ولأن البطش باليمنى وهو حاصل بالكف، وما زاد من الذراع تابع، لهذا تجب الدية فيه

ص: 81

وحده، ويحسم موضع القطع، وهو: أن يغلى الزيت غلياً جيداً، ثم تغمس فيه، لتحسم العروق، وينقطع الدم؛ لما روى أبو هريرة:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقال: اذهبوا به، فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به فقطع وأتي به، فقال: تب إلى الله تعالى فقال: تبت إلى الله. فقال: تاب الله عليك» .

ولا يجب الحسم؛ لأنه مداواة، فلم يجب على القاطع، كالمقتص، وثمن الزيت، وأجرة القاطع من بيت المال؛ لأنه من المصالح، فإن لم يكن للسارق يد يمنى، قطعت رجله اليسرى؛ لأنه معدوم اليمنى، فقطعت رجله اليسرى، كالسارق في المرة الثانية. وإن كانت يده ناقصة الأصابع، قطعت؛ لأن اسم اليد يقع عليها. فإن ذهبت الأصابع كلها، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع الكف؛ لأنه بعض ما يقطع في السرقة، فوجب قطعه، كما لو كان عليه بعض الأصابع.

والثاني: لا يقطع؛ لأنه تجب فيه دية اليد، أشبه الذراع، وإن كانت اليمنى شلاء، لم تقطع، نص عليه؛ لأنها ذاهبة النفع، فأشبه كفاً لا أصابع عليه، وينتقل إلى الرجل. وعنه: يسأل أهل الطب، فإن قالوا: إنها إذا قطعت، رقأ دمها، وانسدت عروقها، قطعت؛ لأن اسم اليد يقع عليها، فهي كالصحيحة. وإن قالوا: لا يرقأ دمها، لم تقطع؛ لأن ذلك يؤدي إلى تلفه. ويعدل إلى الرجل. وإن سرق وله يد صحيحة، فلم تقطع حتى ذهبت بآكلة، أو نحوها، سقط الحد؛ لأن الحد تعلق بها، فسقط بذهابها، كما لو مات من عليه الحد.

فصل

فإن سرق ثانياً، قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن سرق، فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله» ؛ ولأنه في المحاربة تقطع يده اليمنى، ورجله اليسرى كذا هاهنا، وإنما قطعت اليسرى للرفق به؛ لأنه يتمكن من المشي على خشبة. ولو قطعت يمناه، لم يمكنه ذلك. وموضع القطع المفصل؛ لأنه يروى عن عمر رضي الله عنه، ولأنها أحد المقطوعين فتقطع من المفصل. كاليد.

فصل

فإن سرق ثالثة، ففيه روايتان:

إحداهما: يحبس، ولا يقطع غير يد ورجل؛ لما روي عن علي رضي الله عنه أنه

ص: 82

قال: إني لأستحيي من الله ألا أدع له يداً يبطش بها، ولا رجلاً يمشي عليها؛ ولأن قطعها يفوت منفعة الحبس، فلم يشرع، كالقتل.

والثانية: تقطع يده اليسرى، فإن عاد، فسرق مرة رابعة، قطعت رجله اليمنى؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله» ؛ ولأنها يد تقطع قوداً، فجاز قطعها في السرقة كاليمنى، ولأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قطعا اليد اليسرى في المرة الثالثة. فإن سرق بعد قطع يديه ورجليه، حبس وعزر، وكذلك إن سرق ثالثة على الرواية الأولى، فإنه يحبس ولا يقطع؛ لما روى سعيد بن منصور: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عائذ قال: أتي عمر بن الخطاب برجل أقطع اليد والرجل قد سرق، فأمر به عمر أن تقطع رجله، فقال علي: إنما قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إلى آخر الآية. وقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إما أن تعزره، أو تستودعه السجن، فاستودعه السجن.

فصل

فإن سرق ويده اليمنى صحيحة، واليسرى مقطوعة، أو شلاء، انبنى على الروايتين، فإن قلنا: إن يسراه تقطع في المرة الثالثة، قطعت يمناه هاهنا؛ لأنها موجودة، وسبب قطعها متحقق. وإن قلنا: لا تقطع يسراه، لم تقطع يمينه؛ لأن قطعها يفوت منفعة الحبس، ويتركه لا يد له يبطش بها، وكذلك إن كانت يسراه صحيحة فقطعت، أو شلت قبل يمينه، فالحكم على ما ذكرنا. وإن كانت اليد قد قطعت أصابعها، أو معظمها، فهو كقطعها؛ لأنه يفوت منفعة البطش.

فصل

وإذا وجب قطع يمنيه، فقطع القاطع يساره، أساء، وأجزأ، ولا تقطع يمينه، لئلا تقطع يداه بسرقة واحدة، ولأن قطعها يفوت منفعة البطش، ويتخرج على الرواية التي تقول: تقطع أربعته، أن تقطع يمناه، كما لو قطعت يسراه عدواناً، فعلى هذا إن كان السارق أخرجها عمداً عالماً أنها لا تجزئ، فلا ضمان على قاطعها؛ لأنه قطعها بإذنه. وإن أخرجها دهشة، أو ظناً أنها تجزئه، فعلى القاطع ضمانها بالقصاص إن تعمد، وبالدية إن كان جاهلاً بالحال؛ لأنه قطع يداً معصومة عمداً، فضمنها، كما لو قطع يد غير السارق.

ص: 83