الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإقرار بسقوطه، ويثبت نصيب الشاهد من الدية؛ لأنه ما عفا، وأما نصيب المشهود عليه، فإن كان الشاهد فاسقاً، حلف: ما عفوت، واستحق نصيبه من الدية، وإن كان عدلاً، حلف القاتل معه، وسقط نصف الدية؛ لأن ما طريقه المال يثبت بشاهد ويمين، وفي كيفية اليمين وجهان: أحدهما: أنه قد عفا عن المال؛ لأن القود سقط بغير يمين.
والثاني: يحلف أنه قد عفا عن القود والمال؛ لأنه قد يعفو عن الدية ولا يسقط حقه منها، إذا قلنا: موجب العمد القصاص عيناً.
فصل
وإذا ادعى على رجلين، أنهما رهناه عبداً لهما بدين له عليهما، فأنكراه وشهد كل واحد منهما، على صاحبه، فشهادتهما صحيحة، وله أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير رهناً، أو مع أحدهما ويصير نصفه رهناً؛ لأن إنكاره لا يقدح في شهادته، كما لو كانت الدعوى في عين أخرى، ويحتمل أن لا تقبل شهادتهما؛ لأنه يدعي أن كل واحد منهما كاذب.
[باب الرجوع عن الشهادة]
إذا رجع الشاهدان قبل الحكم بشهادتهما، لم يحكم بها؛ لأنها شرط الحكم، فيشترط استدامتها إلى انقضائه، كعدالتهما.
فإن رجعا بعد الحكم بها في حد، أو قصاص، قبل الاستيفاء، لم يجز استيفاؤه؛ لأنه يدرأ بالشبهات، وهذا من أعظمها، وإن كان المشهود به غير ذلك، وجب استيفاؤه؛ لأن حق المشهود له قد وجب وحكم به، فلم يسقط بقولهما المشكوك فيه، وإن رجعا بعد الاستيفاء في حد، أو قصاص، وقالا: عمدنا ذلك ليقتل، فعليهما القصاص، لما ذكرنا في الجنايات، وإن قالا: عمدنا الشهادة، ولم نعلم أنه يقتل، فعليهما دية مغلظة؛ لأنه شبه عمد وإن قالا: أخطأنا، فعليهما الدية مخففة، ولا تحملها العاقلة؛ لأنها وجبت باعترافهما، وإن اتفقا على أن أحدهما عامد، والآخر مخطىء، فلا قصاص عليهما، وعلى العامد نصف دية مغلظة، وعلى الآخر نصفها مخففة، وإن قال أحدهما: عمدنا جميعاً.
وقال الآخر: أخطأنا جميعاً، فعلى العامد القود، لإقراره بما يوجبه، وعلى المخطئ نصف الدية مخففاً، وإن قال كل واحد منهما: عمدت، وأخطأ صاحبي، ففيه وجهان: أحدهما: لا قود عليهما؛ لأنه لا يؤاخذ كل واحد منهما إلا بإقراره، ولم يقر بما يوجب القصاص؛ لأنه أقر بعمد فيه شركة خطأ.
والثاني: عليهما القود؛ لأن كل واحد منهما مقر بالعمد، وإن قال أحدهما: عمدنا معاً، وقال الآخر: عمدت وأخطأ صاحبي فعلى الأول القود.
وفي الثاني وجهان.
وإن قال: كل واحد منهما عمدت، ولا أدري ما فعل صاحبي فعليهما القود؛ لأننا تبينا وقوعهما عمداً، وإن رجع أحدهما وحده، فحكمه حكم ما لو رجع صاحبه معه.
فصل
إذا شهد خمسة بالزنا على رجل، فقتل ثم رجعوا وقالوا: عمدنا، قتلوا كلهم، وإن قالوا: أخطأنا غرموا الدية أخماساً؛ لأن القتل حصل بقول جميعهم، وإن رجع واحد منهم، وقال: عمدنا اقتص منه، وإن قال: أخطأنا فعليه خمس الدية، لأنه يقر بما لو وافقه أصحابه عليه، لزمهم القود أو قسطه من الدية، فلزمه ذلك وإن لم يوافقوه، كما لو كانوا أربعة، وإن رجع اثنان، فعليهما خمسا الدية، وإن كانوا ثلاثة، فعليهم ثلاثة أخماس الدية؛ لأن الإتلاف حصل بشهادتهم، فأشبه ما لو رجعوا كلهم، وإن شهد أربعة بالزنا واثنان بالإحصان، فقتل، ثم رجعوا عن الشهادة، فالضمان على الجميع؛ لأن القتل حصل بقولهم، فأشبه ما لو شهد الجميع بالزنا.
وفي كيفية الضمان وجهان: أحدهما: توزع الدية على عددهم؛ لأن القتل حصل بجميعهم، أشبه ما لو اتفقت شهادتهم.
والثاني: على شهود الإحصان النصف، وعلى شهود الزنا النصف؛ لأنه قتل بنوعين من البينة، فقسمت الدية عليهما، وإن شهد أربعة بالزنا، واثنان منهم بالإحصان، فعلى الوجه الأول على شهود الإحصان ثلثا الدية، وعلى الآخر ثلاثة أرباعها، ويحتمل أن لا يجب عليهما إلا النصف، لأنهم كأربعة أنفس، جنى اثنان جنايتين، وجنى الآخران أربع جنايات.
فصل
وإن شهدا بمال، ثم رجعا بعد الحكم به، غرماه، ولا يرجع على المحكوم له به سواء كان المال تالفاً، أو قائماً؛ لأنهما حالا بينه وبين ماله بعدوان، فلزمهما الضمان، كما لو غصباه، فإن رجع أحدهما غرم النصف، وإن كانوا ثلاثة، فالضمان بينهم على عددهم، وإن رجع أحدهم، فعليه بقسطه، لما ذكرنا.
وإن شهد رجل وامرأتان، ثم رجعوا، فعلى الرجل النصف، وعلى كل واحدة منهما الربع؛ لأنهما كرجل، وإن شهد رجل وعشر نسوة، ثم رجعوا، فعلى الرجل السدس، وعليهن خمسة أسداس، وإن رجع بعضهم، فعلى الراجع بقسطه، لما ذكرناه، وإن حكم له بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد، فعليه غرامة المال كله في أحد الوجهين؛ لأن الحكم بشهادته، وإنما اليمين مقوية له.
والثاني: يلزمه نصف المال؛ لأن الملك استند إلى شهادته ويمين المدعي، فتوزع الحق عليهما، كالشاهد والمرأتين.
فصل
وإن شهد اثنان بحرية عبد، فحكم بشهادتهما، ثم رجعا، غرما للسيد قيمته، لما ذكرنا، وإن شهدا بطلاق قبل الدخول، فحكم به، ثم رجعا، فعليهما نصف الصداق المسمى؛ لأنهما أغرماه للزوج، فلزمهما ذلك، كما لو شهدا بالنصف، وإن كان ذلك بعد الدخول، فلا ضمان عليهما لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم، فلم يضمناه، كما لو أخرجته عن ملكه بالردة، أو بالقتل، وإن شهدا بكتابة عبده، فحكم بها، ثم رجعا، فعليهما ما بين قيمته سليماً ومكاتباً، فإن أدى وعتق، فعليهما ما بين قيمته وكتابته، لأنهما فوتاه ذلك، ويحتمل أن يرجع عليهما بجميع قيمته؛ لأن ما أداه كان من كسبه الذي يملكه، وإن لم يعتق، لم يرجع عليهما بشيء، وإن شهدا لأمة بالاستيلاد، فرجعا، فعليهما ما نقص من قيمتها، فإن عتقت بموت سيدها، ضمنا تمام قيمتها؛ لأنهما فوتا رقها على الورثة.
فصل
وإذا حكم بشهادة الفروع، ثم رجعوا عن الشهادة، ضمنوا ولو رجع شهود الأصل، لم يضمنوا، ذكره القاضي؛ لأنه لم يلجئوا الحاكم إلى الحكم، ويحتمل أن يضمنوا؛ لأنهم سبب في الحكم، فيضمنوا كالمزكيين، وشهود الإحصان.
فصل
وإذا شهد الشهود بحد فزكاهم اثنان، فبان أنهم ممن لا تقبل شهادتهم، لفسق، أو كفر، فالضمان على المزكيين، لأنهم شهدوا بشهادة زور أفضت إلى الحكم، فلزمهم الضمان، كالشهود إذا رجعوا عن الشهادة، ولا شيء على الشهود؛ لأنهم يقولون: شهدنا بحق، ولا على الحاكم؛ لأن المزكيين ألجآه إلى الحكم، وقال القاضي: الضمان عليه؛ لأنه فرط في الحكم بمن لا يجوز الحكم بشهادته، ولا شيء على المزكيين؛ لأنهما لم يشهدا بالحق، وقال أبو الخطاب: الضمان على الشهود؛ لأنهم فوتوا الحق على مستحقه بشهادتهم الباطلة، فلزمهم الضمان، كما لو رجعوا عن الشهادة، والأول أصح؛ لأن الحاكم أتى بما عليه، والشهود لم يعترفوا ببطلان شهادتهم، وإنما التفريط من المزكيين، فكان الضمان عليهما.
فإن تبين أن المزكيين فاسقان، أو كافران، فالضمان على الحاكم لتفريطه، وكذلك إن حكم بشهادة فاسقين، أو كافرين، من غير تزكية، فالضمان عليه كذلك، وإن كانت الشهادة بمال، نقض
الحكم، وأمر برد المال إن كان قائماً، أو قيمته إن كان تالفاً؛ لأنهما ليسا من أهل الشهادة، فوجب نقض الحكم، كما لو كانا صبيين، وعنه: أنه لا ينقض الحكم إذا كانا فاسقين، ويغرم الشاهدان المال؛ لأنهما سبب الحكم بشهادة ظاهرها الزور، فأشبه ما لو رجعا.
والأول أولى؛ لأنهما لم يعترفا ببطلان شهادتهما، لكن تبين فقد شرط الحكم، فوجب أن يقضى بنقضه، كما لو تبين أن حكمه بالقياس مخالف للنص.
فصل
ومن حكم له بمال، أو بضع، أو غيرهما بشهادة زور أو يمين فاجرة، لم يحل له ما حكم به، لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بما أسمع، وأظنه صادقاً، فمن قضيت له، بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو يدعها» متفق عليه، ولأنه يقطع بتحريم ما حكم له به قبل الحكم، فلا يحل له بالحكم كما لو حكم له بما يخالف النص، أو الإجماع، وحكي عن أحمد رواية أخرى: أن حكم الحاكم ينفذ في الفسوخ، والعقود؛ لأنه حكم باجتهاده، فنفذ حكمه، كما لو حكم في المجتهدات.