المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال: إن كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق، أو إن كلمتك، - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٤

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[باب مقادير الديات]

- ‌[باب ديات الجروح]

- ‌[باب دية الأعضاء والمنافع]

- ‌[باب ما تحمله العاقلة وما لا تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[باب اختلاف الجاني والمجني عليه]

- ‌[باب كفارة القتل]

- ‌[كتاب قتل أهل البغي]

- ‌[باب أحكام المرتد]

- ‌[باب الحكم في الساحر]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب المحارب]

- ‌[باب حد السرقة]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب الأشربة]

- ‌[باب إقامة الحد]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب دفع الصائل]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب ما يلزم الإمام وما يجوز له]

- ‌[ما يلزم الجيش من طاعة الإمام]

- ‌[باب الأنفال والأسلاب]

- ‌[باب قسمة الغنائم]

- ‌[باب قسمة الخمس]

- ‌[باب قسمة الفيء]

- ‌[باب حكم الأرضين المغنومة]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب الهدنة]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[باب المأخوذ من أحكام أهل الذمة]

- ‌[باب العشور]

- ‌[باب ما ينتقض به عهد الذمة]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[باب كفارة اليمين]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب الأقضية]

- ‌[باب ما على القاضي في الخصوم]

- ‌[باب صفة القضاء]

- ‌[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن ترد]

- ‌[باب عدد الشهود]

- ‌[باب تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌[باب الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اختلاف الشهود]

- ‌[باب الرجوع عن الشهادة]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[باب الاستثناء في الإقرار]

- ‌[باب الرجوع عن الإقرار]

- ‌[باب الإقرار بالمجمل]

- ‌[باب الإقرار بالنسب]

الفصل: قال: إن كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق، أو إن كلمتك،

قال: إن كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق، أو إن كلمتك، فدخلت دارك، أو ثم دخلت دارك، لم يحنث بفعل أحدهما وجهاً واحداً.

فصل:

ومن حلف لا يفعل شيئاً، فوكل من يفعله حنث؛ لأن الفعل يطلق على الموكل فيه والآمر به، فيحنث به، كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه.

[باب النذر]

وهو أن يقول: لله علي أن أفعل كذا، أو: إن رزقني الله مالاً، لأتصدقن أو: فعلي صوم شهر، لقول الله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75]{فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} [التوبة: 76] وقال ابن عمر في الرجل يقول: علي المشي إلى الكعبة: هذا نذر، فليمش. وهو سبعة أقسام:

أحدها: نذر اللجاج، والغضب، وهو الذي يخرج مخرج اليمين للمنع من شيء، أو الحث عليه، كقوله: إن دخلت الدار، فلله علي الحج، أو صوم سنة، أو عتق عبدي، أو صدقة مالي، فهذا يمين يخير الناذر بين فعله وبين كفارة يمين، لما روى عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» رواه سعيد في سننه، وعن أحمد أنه تتعين الكفارة، ولا يجزئه غيرها، للخبر، والأول ظاهر المذهب؛ لأنه يمين، فيخير فيها بين الأمرين، كاليمين بالله تعالى؛ ولأن هذا جمع الصفتين، فيخرج عن العهد بكل واحد منهما. وإن قال: إن فعلت كذا، فعبدي حر، ففعله، عتق العبد؛ لأن العتق يصح تعليقه بالشرط، فأشبه الطلاق.

فصل:

القسم الثاني: النذر المبهم، أن يقول: لله علي نذر، فيجب كفارة اليمين، لما روى عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كفارة النذر - إذا لم يسم - كفارة يمين» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

فصل:

القسم الثالث: نذر المباح، كنذر لبس ثوبه، وأكل طعامه، وطلاق زوجته، فيتخير

ص: 212

بين الوفاء به وكفارة اليمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله» رواه أبو داود.

فإن لم يف، فعليه كفارة، لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» . رواه أبو داود.

وإذا وجبت الكفارة في المعصية، ففي المباح أولى. وإن وفى به أجزأه، لما روي «أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال رسو الله صلى الله عليه وسلم: أوفي بنذرك» رواه سعيد.

ويتخرج أنه لا كفارة فيه؛ لأنه لو نذر الاعتكاف أو الصلاة في موضع بعينه، جاز له الاعتكاف في غيره، ولا كفارة عليه. وقد روى ابن عباس قال:«بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يستظل، ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه» رواه البخاري.

ولم يأمره بكفارة. فإن جمع بين مباح ومندوب، لزمه الوفاء بالمشروع، وحكمه في المباح كما لو انفرد، ولحديث أبي إسرائيل. وإن تضمن خصالاً كثيرة، أجزأته كفارة واحدة، كاليمين. وإن نذر مكروهاً، كره له الوفاء به، وإن وفى به أجزأه.

فصل:

القسم الرابع: نذر المعصية، كنذر شرب الخمر، وقتل النفس المحرمة، وظلم الناس، فلا يحل الوفاء به. ويوجب كفارة يمين، لحديث عائشة، ولما روى عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «النذر نذران، فما كان من نذر في طاعة الله، فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله، فلا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين» رواه الجوزجاني؛ ولأن النذر كاليمين، واليمين على المعصية توجب الكفارة، فكذلك النذر.

وعن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة فيه، لحديث أبي إسرائيل ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 213

«ليس على الرجل نذر فيما لا يملك» متفق عليه. وفي لفظ: «لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد» رواه مسلم؛ ولأنه نذر غير منعقد، فلم يوجب شيئاً، كيمين اللغو.

وسواء كان النذر مطلقاً، أو معلقاً بشرط. وإن نذر ذبح ولده، ففيه روايتان:

إحداهما: لا يوجب كفارة؛ لأنه نذر معصية، فأشبه نذر قتل أخيه.

والثانية: عليه ذبح كبش؛ لأن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، فخرج عن عهدة الأمر بذبح كبش، فكذا نذر الآدمي يخرج عن عهدته بكبش؛ لأنه يقتضي الإكرام، كالأمر. فإذا ذبحه، فرقه على المساكين؛ لأن ما وجب كفارة، فرق على المساكين، كسائر الكفارات.

وإن نذرت المرأة صوم يوم حيضها أو نفاسها، أو صوم يوم العيد، فهو نذر معصية موجبة كفارة، كشرب الخمر. وإن نذرت صوم يوم الخميس، فصادف حيضها أو يوم العيد، لم تصمه، وعليها القضاء؛ لأنها إنما قصدت الطاعة في محل يحتمل الطاعة، وهل تلزمها الكفارة مع القضاء؟ فيه وجهان:

أحدهما: يلزمها لإخلالها بالمنذور في وقته، فأشبه ما لو حلفت على ذلك.

والثاني: لا كفارة عليها؛ لأن المنذور محمول على المشروع. ولو أفطرت في رمضان لحيض، أو لمرض لم يلزمها إلا القضاء، فكذا هاهنا، ويتخرج أن لا يلزمها إلا الكفارة، كالتي قبلها، وإن نذر فعل طاعة على صفة محرمة، أو مكروهة، كنذر المرأة الحج حاسرة، وجب فعل الطاعة. وفي الكفارة لترك المعصية والمكروه وجهان:

أحدهما: يجب، لما روى عقبة بن عامر قال:«نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية غير مختمرة. فذكر ذلك عقبة لرسول الله فقال: مر أختك فلتركب، ولتختمر، ولتصم ثلاثة أيام» رواه الترمذي.

والثاني: لا كفارة عليه، لما ذكرناه. وإن نذر أن يطوف على أربع، فقياس المذهب، أن يطوف طوافاً واحداً.

وفي الكفارة وجهان. والمنصوص عن أحمد: أنه يطوف طوافين، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ذلك. وروي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الدارقطني في سننه.

ص: 214

فصل:

القسم الخامس: نذر الواجب كنذر صوم رمضان وصلاة الفرض، فقال أصحابنا: لا يوجب شيئاً لأنه التزام للازم، فلم يصح لاستحالته، كنذر المحال. وقياس المذهب أن ينعقد موجباً للكفارة إن تركه، كنذر المباح؛ لأن النذر كاليمين.

فصل:

وإن نذر صوم يوم يقدم فلان، فصادف رمضان، فحكمه حكم ما لو صادف يوم العيد. وقال الخرقي: يجزئه صيامه لرمضان ونذره؛ لأنه قد فعل الصيام.

فصل:

القسم السادس: نذر المستحيل، كصوم أمس، فلا ينعقد؛ لأنه لا يتصور انعقاده والوفاء به، فأشبه اليمين على المستحيل. ويحتمل أن يوجب الكفارة، كيمين الغموس.

فصل:

القسم السابع: نذر الطاعة تبرراً، فيلزم الوفاء به، سواء نذره مطلقاً، مثل أن يقول: لله علي صوم يوم. أو علقه على شرط، مثل أن يقول: إن شفاني الله من مرضي فلله علي صدقة درهم، فإذا وجد شرطه لزمه ما نذر. سواء كان للمنذور أصل في الوجوب، كالصلاة، والصوم، أو لم يكن له أصل في الوجوب، كالاعتكاف، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه» رواه البخاري.

وإن نذر الصدقة بجميع ماله، أجزأته الصدقة بثلثه، لما روى كعب بن مالك قال:«قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزئك الثلث» رواه أبو داود. وفي لفظ: «أمسك عليك مالك» متفق عليه؛ ولأن الصدقة بجميع المال مكروهة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عنها كعباً، وأبا لبابة، ولا ينهى عن القرب.

فإن نذر الصدقة بمعين، وكان المعين يستغرق ماله، فهي كالتي قبلها. وإن كان بعض ماله، ففيه روايتان:

إحداهما: تجزئه الصدقة بثلث؛ لأنه مال نذر الصدقة به، فأشبه جميع المال.

ص: 215

والثانية: تلزمه الصدقة بجميعه، لحديث عائشة رضي الله عنها، والقياس على سائر المنذورات، ويحتمل أنه إن كان الثلث فما دونه، لزمه. وإن كان أكثر، أخرج ثلث المال؛ لأنه حكم اعتبر فيه ثلث المال، فكان حكمه ما ذكرنا، كالوصية.

فصل:

ومن نذر صياماً، ولم يسم عدداً، ولم ينوه، لزمه صوم يوم؛ لأنه أقل صوم يصح في الشرع.

وإن نذر صلاة، ففيه روايتان:

إحداهما: يجزئه ركعة؛ لأن الوتر ركعة مشروعة.

والثانية: لا يجزئه إلا ركعتان؛ لأن الركعة لا تجزئ في الفرض، فلا تجزئ في النذر كالسجدة.

وإذا نذر عتق رقبة، فهي التي تجزئ عن الواجب؛ لأن المطلق يحمل على المعهود في الشرع، وذلك هو الواجب في الكفارة.

وإن نذر هدياً، لم يجزئه إلا ما يجزئ في الأضحية كذلك. وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم؛ لأن إطلاق الهدي يقتضي ذلك. قال الله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] .

وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو إتيانه، لزمه المشي في حج أو عمرة؛ لأن المشي إلى البيت المعهود شرعاً هو المشي في أحد النسكين، فحمل النذر المطلق عليه، ويلزمه المشي من دويرة أهله كذلك، وإن نذر المشي إلى البلد الحرام، أو بقعة منه، فهو كنذر المشي إلى البيت الحرام؛ لأن الحرم كله محل النسك، ولذلك صح إحرام المكي بالحج منه. وإن نذر المشي إلى غير الحرم، كعرفة وغيرها، لم يلزمه، وكان كنذر المباح، وكذلك إن نذر إتيان مسجد من مساجد الحل، لم يلزمه إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، فإنه يلزمه إتيانهما، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» منفق عليه. ويلزمه صلاة ركعتين فيهما؛ لأن القصد بنذره القربة، ولا يحصل إلا بالصلاة، فتضمنها نذره، كتضمن نذر المشي إلى المسجد الحرام أحد النسكين، وإن نذر الصلاة في مسجد. هو كنذر إتيانه، إلا أنه تلزمه الصلاة دون الإتيان، في غير المساجد الثلاثة، وتجزئ الصلاة في المسجد الحرام عن الصلاة في المسجدين الآخرين. والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المسجد الأقصى، لما ذكرنا في الاعتكاف.

ص: 216

فصل:

ومن عين بنذره أو بنيته شيئاً من عدد الصيام، أو الصلاة، أو الهدي، أو الرقاب، أجزأه ما عينه، صغيراً كان أو كبيراً، صحيحاً أو معيباً، مما يجزئ في الواجب، ومما لا يجزئ؛ لأن الوجوب ثبت بقوله، فيجب أن تتبع فيه صفته، كأوامر الشرع. وعنه فيمن قال: إن قدم فلان لأتصدقن بمال، هو في نفسه مال، يخرج ما شاء. وهذا يدل على أنه إنما يلزمه ما لفظ به دون ما نواه؛ لأن النذر باللفظ دون النية، والأولى أولى؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فتقيد به، كاليمين.

فإن عين الهدي بغير الحيوان، جاز، ويتصدق به، أو بثمنه على مساكين الحرم؛ لأنه محل الهدي. وإن نذر هدي ما لا ينقل، كالدر ونحوه، بيع، وتصدق بثمنه. وإن عين نذر الهدي بموضع غير الحرم، لزمه ما عينه، ويتصدق به على فقراء ذلك الموضع إن لم يتضمن معصية، لما روي:«أن رجلاً نذر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك» . رواه أبو داود؛ ولأن معهود الشرع تفرقة اللحم بالمكان الذي نذر الذبح به، فكأنه نذر فرقة اللحم على فقراء أهله.

فصل:

إذا نذر صيام ثلاثين يوماً، لم يلزمه التتابع. نص عليه؛ لأن لفظه لا يقتضي التتابع. وعنه فيمن نذر صيام عشرة أيام: يلزمه التتابع؛ لأن الصيام الواجب بأصل الشرع متتابع. والأول أولى، وهذا محمول على من نوى التتابع أو شرطه، لما ذكرناه. وإن نذر صيام شهر، ففيه روايتان:

إحداهما: لا يلزمه التتابع؛ لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين، وعلى ثلاثين يوماً، فلا يلزمه ما بين الهلالين، فصار كنذر ثلاثين يوماً.

والثانية: يلزمه التتابع؛ لأن الشهر اسم لأيام متتابعة. فإن صام ما بين الهلالين، أجزأه، تاماً كان أو ناقصاً؛ لأنه شهر، وإن بدأ من أثناء شهر، لزمه ثلاثون يوماً؛ لأن الشهر العادي ثلاثون يوماً. وإن نذر صيام أشهر متتابعة، فبدأ من أول شهر، صامهن بالأهلة. وإن بدأ من أثناء شهر، صام شهراً بالعدد، وباقيها بالأهلة، لما ذكرنا في صوم الظهار.

ص: 217

فإن أفطر بالصيام المتتابع لغير عذر، لزمه الاستئناف؛ لأنه أمكنه الإتيان بالمنذور على صفته، فلزمه، كحال الابتداء. وإن أفطر لعذر يوجب الفطر، كالمرض المخوف، والحيض، خير بين الاستئناف؛ لأنه يجزئه مع عدم العذر، فمع العذر أولى، وبين البناء والتكفير؛ لأن الفطر لعذر لا يقتضي التتابع حكماً، بدليل فطر المظاهر في الشهرين لعذر، ويكفر لترك صفة النذر؛ لأن النذر كاليمين.

وإن أفطر لعذر يبيح الفطر، كالسفر، ففيه وجهان:

أحدهما: يقطع التتابع؛ لأنه أفطر باختياره، أشبه غير المعذور.

والثاني: لا يقطعه؛ لأنه عذر للفطر في رمضان، فأشبه المرض. فأما إن نذر صوم شهر بعينه، فأفطر لغير عذر، ففيه روايتان:

إحداهما: يلزمه الاستئناف؛ لأنه صوم يجب متتابعاً، أشبه المنذور متتابعاً.

والثانية: لا يلزمه وجوب التتابع من جهة الوقت، لا للنذر، فلم يبطله الفطر كشهر رمضان. وإن أفطر لعذر، بنى، وعليه كفارة في الموضعين، لتركه صفة نذره.

وعنه: لا تجب الكفارة مع العذر؛ لأنه تركه بأمر الشرع، فلم يلزمه كفارة، كما لو نذر الصدقة بجميع ماله، وتصدق بثلثه.

فصل:

وإن نذر صيام سنة معينة، لم يدخل في نذره رمضان، ويوما العيدين؛ لأنه لا يقبل الصوم عن النذر، فلم يدخل في نذره، كالليل. وفي أيام التشريق روايتان. وإن نذر صوم سنة، فهل يلزمه سنة متتابعة؟ فيه روايتان على ما ذكرنا في الشهر. فإن قلنا: يلزمه التتابع، فحكمها حكم المعينة، وإن قلنا: لا يلزمه التتابع، لزمه اثنا عشر شهراً بالأهلة، إلا أن يبتدئ صوم شهر من أثنائه، أو لا يوالي بينه، فيلزمه ثلاثون يوماً، فإن صام سنة متوالية، قضى عن شهر رمضان ويومي العيدين.

فصل:

وإن نذر صوم يوم يقدم فلان، فقدم ليلاً، لم يلزمه شيء؛ لأنه لم يتحقق شرطه، فلم يجب نذره. وإن قدم نهاراً، لم يخل من ثلاثة أحوال:

أحدها: قدم والناذر مفطر، فيه روايتان:

إحداها: لا يلزمه شيء؛ لأنه قدم في وقت لا يصح فيه صومه شرعاً، أشبه ما لو قدم ليلاً.

ص: 218

والثانية: يلزمه القضاء والكفارة؛ لأنه علق نذره بزمن المستقبل ولم يف به، فلزمه القضاء والكفارة، كما لو نذر صوم يوم الخميس فأفطره.

الثاني: قدم والناذر صائم من رمضان، أو فرضاً غيره، ففيه روايتان:

إحداهما: يجزئه صومه عنهما؛ لأنه نذر صومه وقد وفى به.

والثانية: حكمه حكم من أفطره؛ لأنه لم يصمه عن نذره.

الثالث: قدم والناذر صائم تطوعاً، أو ممسك، ففيه وجهان:

أحدهما: يتم صومه، ويجزئه؛ لأن سبب الوجوب وجد في أثنائه قبل فطره، فأشبه ما لو قال: لله علي صوم بقية يومي.

والثاني: يلزمه القضاء والكفارة؛ لأنه صوم واجب، فلم يصح بنية من النهار، كالقضاء.

فصل:

وإذا نذر الحج العام، وعليه حجة الإسلام، ففيه روايتان:

إحداهما: يجزئه الحج عنهما.

والثانية: يلزمه حجة أخرى، أصلها إذا نذر صوم يوم، فوافق يوماً من رمضان.

فصل:

وإذا عجز عن الوفاء بالنذر، لم يخل من خمسة أحوال:

أحدها: أن يعجز عجزاً لا يرجى زواله، لكبر، أو مرض غير مرجو الزوال أو غيره، فعليه كفارة يمين لا غير، لما روى عقبة بن عامر قال:«نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيته، فقال: لتمش ولتركب» متفق عليه؛ ولأن النذر كاليمين إلا فيما لا يطيق. قال ابن عباس رضي الله عنهما: من نذر نذراً لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً يطيقه، فليف لله بما نذر. وسواء كان عاجزاً وقت النذر، أو تجدد العجز؛ لأنهما سواء في فوات النذر.

وعن أحمد فيمن نذر صوماً، فعجز عنه لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه: أنه يطعم عن كل يوم مسكيناً. اختاره الخرقي؛ لأنه صوم وجد سبب إيجابه عيناً، فأشبه صوم رمضان، والأول أقيس.

ص: 219

الثاني: أن يعجز عجزاً مرجو الزوال نحو المرض. فإذا كان النذر غير موقت، أخره حتى يزول العارض ثم يأتي به، وإن كان موقتاً، كصوم شهر معين. فإذا زال العجز قضاه؛ لأنه صوم واجب يلزمه قضاؤه كرمضان، وعليه كفارة اليمين؛ لأن النذر كاليمين. وعنه: لا كفارة عليه؛ لأن المنذور محمول على المشروع، ولو أفطر في رمضان لعذر، لم يلزمه كفارة، كذا هاهنا.

الثالث: أن يمنعه الشرع من الوفاء بنذره، مثل أن يصادف عيداً، أو حيضاً ففيه وجهان. بناء على الروايتين فيما قبلها. وإن صادف أيام التشريق، فكذلك في إحدى الروايتين، وفي الأخرى، يصح صيامها للفرض، لما ذكرنا في صيامها عن دم المتعة، وإن صادف رمضان لم يجزئ صومه عن النذر، وكان حكمه كما لو صادف يوم العيد. وقال الخرقي: يجزئه صيامه لرمضان، ونذره، وقد ذكر ذلك.

الرابع: أن يصادفه النذر مجنوناً، فلا شيء عليه؛ لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر، أشبه ما لو فاته.

الخامس: أن يموت، فإن كان ذلك قبل وقت النذر، فلا شيء عليه؛ لأنه خرج عن أهلية التكليف. وإن كان بعده، أو كان النذر غير موقت، فعل ذلك وليه، لما روت عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه» متفق عليه.

وعن ابن عباس قال: «أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها، ماتت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان عليها دين، أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقض الله، فهو أحق بالقضاء» . رواه البخاري. فثبت القضاء للصوم والحج بالنص. وقسنا عليه غيره للمعنى المشترك بينهما.

وفي الصلاة روايتان:

إحداهما: تقضى عنه لما ذكرناه.

والثانية: لا تقضى؛ لأنها لا تدخلها نيابة، ولا كفارة، فلم تقض عنه، كحالة الحياة وكل موضع قلنا: يقضي عنه الولي، فإنه على سبيل الندب، لا الوجوب؛ لأن قضاء دينه لا يجب على وليه. فكذلك النذر المشبه به.

ص: 220