الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن ارتدت طائفة وامتنعت، وجب على الإمام قتالها؛ لأن أبا بكر الصديق قاتل أهل الردة، ولأنهم كفار لا عهد لهم، فوجب قتالهم كالأصليين، وما أتلفوه في حال الحرب لم يضمنوه؛ لما روى طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة وغطفان إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يسألونه الصلح، فقال: تَدُونَ قتلانا، ولا نَدِي قتلاكم، فقال عمر رضي الله عنه: إن قتلانا قُتلوا على أمر الله، ليس لهم ديات، فتفرق الناس على قول عمر رضي الله عنه، رواه البخاري.
وإن أتلفوا في غير دار الحرب شيئًا، ففيه وجهان؛ كالواحد إذا لحق بدار الحرب، وذكر ابن أبي موسى، والقاضي، وأبو الخطاب: أن ما أتلفه المرتد، فهو مضمون عليه، سواء كان واحدًا، أو جماعة ممتنعة بالحرب، ويحتمل في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفت.
فصل
ومن أكره على الإسلام بغير حق كالذمي والمستأمن، لم يصح إسلامه، ولم يثبت له أحكامه حتى يوجد منه ذلك، بعد زوال الإكراه. وإن أكره عليه بحق كالمرتد، ومن لا يجوز إقراره على دينه حكم بإسلامه، ومن أسلم ثم قال: لم أعتقد الإسلام، أو: لم أدر ما قلت، لم يقبل منه، وصار مرتدًا، نص عليه أحمد رضي الله عنه، وعنه أنه يقبل منه. والمذهب: الأول.
[باب الحكم في الساحر]
السحر: عزائم ورقى وعُقَد تؤثر في الأبدان، والقلوب، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه، قال الله تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، وقال الله سبحانه:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] إلى قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] يعني: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن في عقدهن، ولولا أن للسحر حقيقة، لم يأمر بالاستعاذة منه، وروت عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، سُحِرَ حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال:
لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذي أروان» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
وتعلم السحر، والعمل به حرام، فإن فعله رجل، وجب قتله إذا كان مسلماً؛ لما روي عن بجالة قال: كنت كاتباً لجَزْء بن معاوية عم الأحنف بن قيس؛ إذ جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، رواه أحمد وأبو داود. وقتلت حفصة أمة لها سحرتها. ورأى جندب بن كعب رجلاً يعمل سحراً بين يدي الوليد بن عقبة، فضربه بالسيف. وأما ساحر أهل الكتاب، فلا يقتل. نص عليه أحمد. وقال: الشرك أعظم من ذلك. وقد سحر لبيد بن الأعصم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقتله.
قال أصحابنا: ويكفر بتعلم السحر، والعمل به؛ لقول الله تعالى:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] . فدل هذا على أنه يكفر بتعلمه. وهل يستتاب؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا يستتاب؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يستتيبوهم، ولأن علم السحر لا يزول بالتوبة.
والثانية: يستتاب. فإن تاب، قبلت توبته، وخلي سبيله؛ لأن دينه لا يزيد على الشرك.
والمشرك يستتاب، وتقبل توبته، فكذا الساحر. وعلمه بالسحر لا يمنع توبته، بدليل ساحر أهل الكتاب إذا أسلم، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم.
فصل
الكاهن - الذي له رئي من الجن - والعراف، وقد نقل عن أحمد: أن حكمهما القتل أو الحبس حتى يتوبا؛ لأنهما يلبسان أمرهما، وليس هو من أمر الإسلام. قال أحمد: العراف طرف من السحر، والساحر أخبث؛ لأنه شعبة من الكفر.
فصل
فأما المعزم الذي يعزم على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن، وأنها تطيعه والذي يحل السحر، فذكرهما أصحابنا من السحرة الذين ذكرنا حكمهم. وقد توقف
أحمد لما سئل عن رجل، يزعم أنه يحل السحر فقال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء، ويغيب فيه، ويفعل كذا، فنفض يده كالمنكر، وقال: ما أدري ما هذا؟ قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ قال: ما أدري ما هذا.
وسئل ابن سيرين عن امرأة تعذبها السحرة، فقال رجل: أخط خطا عليها، وأغرز السكين عند مجمع الخط، وأقرأ عليها القرآن، فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأساً على حال، ولا أدري ما الخط والسكين. وسئل سعيد بن المسيب عن رجل يؤخذ عن امرأته يلتمس من يداويه. قال: إنما نهى الله تعالى عما يضر، ولم ينه عما ينفع. إن استطعت أن تنفع أخاك، فافعل. وهذا يدل على أن مثل هذا، لا يكفر صاحبه، ولا يقتل.