الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكِيلِهِ.
فَإِذَا دَفَعَهُ فَهَلْ لِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعُ عَلَى وَكِيلِهِ؟ يُنْظَرُ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَلِلْمُوَكَّلِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إذَا قَضَاهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ. قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَنَّهُ قَضَى الْحَقَّ أَوْ كَذَّبَهُ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَضَاءٍ يُبْرِئُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ فَلَمْ يَفْعَلْ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي الدَّفْعِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِعْلَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوَكِّلُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ ثَوْبِهِ، فَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، فَضَمِنَ كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ يَأْمُرُهُ بِالْإِشْهَادِ؟ قُلْنَا إطْلَاقُ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ، فَيَصِيرُ كَأَمْرِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، يَقْتَضِي ذَلِكَ الْعُرْفُ لَا الْعُمُومُ. كَذَا هَاهُنَا. وَقِيَاسُ الْقَوْلِ الْآخَرِ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِمُوجِبِهِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي الْقَضَاءِ، لَكِنْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ، لَا لِرَدِّ قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا، لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْإِشْهَادَ وَالِاحْتِيَاطَ رِضًى مِنْهُ بِمَا فَعَلَ وَكِيلُهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ قَوْلِهِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا تَقْتَضِيه دَلَالَةُ الْحَالِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَشْهَدَ عَلَى الْقَضَاءِ عُدُولًا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ.
وَإِنْ أَشْهَدَ مَنْ يُخْتَلَفُ فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ، كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فَقَالَ: قَضَيْت الدَّيْنَ بِحَضْرَتِك. قَالَ: بَلْ فِي غَيْبَتِي، أَوْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي قَضَائِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ أَوْ قَالَ: أَشْهَدْت عَلَى الْقَضَاءِ شُهُودًا فَمَاتُوا. فَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ.
[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي إيدَاعِ مَالِهِ فَأَوْدَعَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ]
(3763)
فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي إيدَاعِ مَالِهِ، فَأَوْدَعَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَضْمَنُ إذَا أَنْكَرَ الْمُودَعُ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ عَلَى الْأَمْرِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، فَهِيَ كَالدَّيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُودَعِ يُقْبَلُ فِي الرَّدِّ وَالْهَلَاكِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِيثَاقِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ. فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: دَفَعْت الْمَالَ إلَى الْمُودَعِ. فَقَالَ: لَمْ تَدْفَعْهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَصَرُّفِهِ، وَفِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ.
[فَصْلٌ كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهِمَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً]
(3764)
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَجَاءَهُ إنْسَانٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ فِي
قَبْضِهِمَا، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، وَجَبَ الدَّفْعُ إلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً، لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي أَنَّهُ وَكِيلُهُ أَوْ كَذَّبَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَدَّقَهُ، لَزِمَهُ وَفَاءُ الدَّيْنِ.
وَفِي دَفْعِ الْعَيْنِ إلَيْهِ رِوَايَتَانِ؛ أَشْهَرُهُمَا، لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا. وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِحَقِّ الِاسْتِيفَاءِ، فَلَزِمَهُ، إيفَاؤُهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ وَارِثُهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَسْلِيمٌ لَا يُبْرِئُهُ، فَلَا يَجِبُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا وَصِيُّ الصَّغِيرِ. وَفَارَقَ الْإِقْرَارَ بِكَوْنِهِ وَارِثَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ بَرَاءَتَهُ؛ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِسِوَاهُ. فَأَمَّا إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ، لَمْ يُسْتَحْلَفْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسْتَحْلَفُ. وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ مَعَ التَّصْدِيقِ، فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الدَّفْعَ مَعَ التَّصْدِيقِ، أَلْزَمَهُ الْيَمِينَ عِنْدَ التَّكْذِيبِ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الدَّفْعَ مَعَ التَّصْدِيقِ، قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ عِنْدَ التَّكْذِيبِ؛ لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا.
فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ، فَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ، وَصَدَّقَ الْوَكِيلَ، بَرِئَ الدَّافِعُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينُهُ، فَإِذَا حَلَفَ، وَكَانَ الْحَقُّ عَيْنًا قَائِمَةً فِي يَدِ الْوَكِيلِ، فَلَهُ أَخْذُهَا، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ بِرَدِّهَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، وَالْوَكِيلُ عَيْنُ مَالِهِ فِي يَدِهِ. فَإِنْ طَالَبَ الدَّافِعَ، فَلِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِهَا، وَأَخْذُهَا مِنْ يَدِهِ، لِيُسَلِّمهَا إلَى صَاحِبِهَا.
وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ، أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا، فَلِصَاحِبِهَا الرُّجُوعُ بِبَدَلِهَا عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ، وَالْمَدْفُوعَ إلَيْهِ قَبَضَ مَا لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ. وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّ مَا يَأْخُذهُ الْمَالِكُ ظُلْمٌ، وَيُقِرُّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِهِ تَعَدٍّ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِظُلْمِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ. فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُقِرَّ بِوَكَالَتِهِ، وَلَا ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةِ.
وَإِنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ. وَإِنْ صَدَّقَهُ لَكِنَّ الْوَكِيلَ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ فَرَّطَ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. فَإِنْ ضَمِنَ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الدَّافِعُ، رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ أَنَّهُ قَبَضَهُ قَبْضًا صَحِيحًا، لَكِنْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِتَفْرِيطِهِ وَتَعَدِّيه، فَالدَّافِعُ يَقُولُ: ظَلَمَنِي الْمَالِكُ بِالرُّجُوعِ عَلَيَّ. وَلَهُ عَلَى الْوَكِيلِ حَقٌّ يَعْتَرِفُ بِهِ الْوَكِيلُ، فَبِأَخْذِهِ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْهُ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ دَيْنًا، لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الدَّافِعِ لَمْ يَبْرَأَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى غَيْرِ وَكِيلِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَاَلَّذِي أَخَذَهُ الْوَكِيلُ عَيْنُ مَالِ الدَّافِعِ فِي زَعْمِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالْوَكِيلُ وَالدَّافِعُ يَزْعُمَانِ أَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ ظَالِمٌ لِلدَّافِعِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، فَيَرْجِعُ الدَّافِعُ فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ الْوَكِيلُ، وَيَكُونُ قِصَاصًا مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَتْلَفَ بِتَعَدِّيهِ وَتَفْرِيطِهِ، فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ.