الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ. وَيُفَارِقُ الْإِقْرَارُ الشَّهَادَةَ؛ لِقُوَّةِ الْإِقْرَارِ، وَلِذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ، كَالْإِقْرَارِ بِنَسَبٍ مُوسِرٍ، قُبِلَ. وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ، قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ دُونَ مَا لَهُ. كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ. بَانَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ. وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اشْتَرَيْت نَفْسَك مِنِّي بِأَلْفٍ. فَكَذَلِكَ.
[فَصْل إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِوَارِثِ]
(3907)
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِوَارِثٍ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثٍ، فَأَشْبَهَ الْإِقْرَارَ لَهُ بِمَالٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ غَيْرُ وَارِثٍ، فَصَحَّ.
كَمَا لَوْ لَمْ يَصِرْ وَارِثًا، وَيُمْكِنُ بِنَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا، فَمَنْ صَحَّحَ الْإِقْرَارَ ثَمَّ، صَحَّحَهُ هَاهُنَا، وَمَنْ أَبْطَلَهُ، أَبْطَلَهُ. وَإِنْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ عُصْبَته، عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّ تَوْرِيثَهُ يُوجِبُ إبْطَالَ الْإِقْرَارِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْحُرِّيَّةُ سَقَطَ الْإِرْثُ، فَصَارَ تَوْرِيثُهُ سَبَبًا إلَى إسْقَاطِ تَوْرِيثِهِ، فَأَسْقَطْنَا التَّوْرِيثَ وَحْدَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرِثَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْإِقْرَارِ غَيْرُ وَارِثٍ، فَصَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ، كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
[فَصْلٌ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَرِيضِ بِإِحْبَالِ الْأَمَةِ]
(3908)
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَرِيضِ بِإِحْبَالِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَلَكَهُ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ، فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ، فَوَلَدُهُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
وَإِنْ قَالَ: مِنْ نِكَاحِهِ، أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. لَمْ تَصِرْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَعَتَقَ الْوَلَدُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ نِكَاحٍ فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَسَّهُ رِقٌّ، وَإِنْ قَالَ: مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. لَمْ تَصِرْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ السَّبَبُ، فَالْأَمَةُ مَمْلُوكَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ، وَلَمْ يَثْبُتْ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِيلَادُهَا فِي مِلْكِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، وَالْوِلَادَةُ مَوْجُودَةٌ، وَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ.
[فَصْلٌ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْإِقْرَارُ]
(3909)
فَصْلٌ: فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْإِقْرَارُ، إذَا قَالَ: لَهُ عَلَى أَلْفٌ. أَوْ قَالَ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ أَجَلْ، أَوْ صَدَقْت، أَوْ لَعَمْرِي، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، أَوْ بِمَا ادَّعَيْت، أَوْ بِدَعْوَاك. كَانَ مُقِرًّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وُضِعَتْ لِلتَّصْدِيقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] .
وَإِنْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عِنْدَك أَلْفٌ؟ قَالَ: بَلَى. كَانَ إقْرَارًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ بَلَى جَوَابٌ لِلسُّؤَالِ بِحَرْفِ النَّفْيِ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] . وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عِلْمِي، أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ. كَانَ مُقِرًّا بِهِ، لِأَنَّ مَا فِي عِلْمِهِ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْوُجُوبَ.
وَإِنْ قَالَ: اقْضِنِي الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك. قَالَ: نَعَمْ. كَانَ مُقِرًّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيقٌ لِمَا ادَّعَاهُ. وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدِي هَذَا. أَوْ أَعْطِنِي عَبْدِي هَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ. كَانَ إقْرَارًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. كَانَ مُقِرًّا بِهِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ إقْرَارَهُ عَلَى شَرْطٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ، وَلِأَنَّ مَا عَلَّقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ كُلَّهُ، وَلَا يَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِ الْإِقْرَارِ، فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَبَطَلَ مَا وَصَلَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا. وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ الْإِقْرَارَ بِمَا لَا يُفِيدُ حُكْمًا آخَرَ، وَلَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْحُكْمِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ، ثُمَّ عَلَّقَ رَفْعَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَمْرٍ لَا يُعْلَمُ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ. وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ، إنْ شِئْت، أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ. لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ، فَصَحَّ الْإِقْرَارُ دُونَ مَا يَرْفَعُهُ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ عِلْمُهُ. فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، إنْ شَهِدَ بِهَا فُلَانٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى تُذْكَرُ فِي الْكَلَامِ تَبَرُّكًا وَصِلَةً وَتَفْوِيضًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا لِلِاشْتِرَاطِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] .
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ بِغَيْرِ شَكٍّ. وَيَقُولُ النَّاسُ: صَلَّيْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَعَ تَيَقُّنِهِمْ صَلَاتَهُمْ، بِخِلَافِ مَشِيئَةِ الْآدَمِيِّ. الثَّانِي، أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْلَمُ إلَّا بِوُقُوعِ الْأَمْرِ، فَلَا يُمْكِنُ وَقْفُ الْأَمْرِ عَلَى وُجُودِهَا، وَمَشِيئَةُ الْآدَمِيِّ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهَا، فَيُمْكِنُ جَعْلُهَا شَرْطًا. يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ عَلَى وُجُودِهَا، وَالْمَاضِي لَا يُمْكِنُ وَقْفُهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ هَاهُنَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ وَعْدًا لَا إقْرَارًا.
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا لَا أَعْلَمُ خِلَافًا عَنْهُ فِي أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ بِهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ إنْ شِئْت. فَقَالَ: قَدْ شِئْت وَقَبِلْت. صَحَّ؛ لِأَنَّ
هَذَا الشَّرْطَ مِنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ إذَا وُجِدَ مِنْ الْبَائِعِ كَانَ الْقَبُولُ إلَى مَشِيئَةِ الْمُشْتَرِي وَاخْتِيَارِهِ.
وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفَانِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ. لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهَا فِي الْحَالِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، لَا يَصِيرُ وَاجِبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَإِنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ فُلَانٌ عَلَيَّ لَك بِأَلْفٍ صَدَّقْته. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَ الْكَاذِبَ. وَإِنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ بِهَا فُلَانٌ فَهُوَ صَادِقٌ. احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ، فَأَشْبَهَتْ الَّتِي قَبْلَهَا.
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِدْقُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً فِي الْحَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِصِدْقِهِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَهِدَ بِهَا فُلَانٌ. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ.
(3910)
فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ. فَقَالَ: أَنَا أُقِرُّ. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَإِنْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِنْكَارِ الْإِقْرَارُ، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا قِسْمًا آخَرَ، وَهُوَ السُّكُوتُ عَنْهُمَا. وَإِنْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا. لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ. وَلَمْ يَزِدْ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ الدَّعْوَى، فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَقْرَرْت. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] وَلَمْ يَقُولُوا أَقْرَرْنَا بِذَلِكَ وَلَا زَادُوا عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْهُمْ إقْرَارًا. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ مُقِرًّا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُرِيدَ: أَنَا مُقِرٌّ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بِبُطْلَانِ دَعْوَاك وَإِنْ قَالَ لَعَلَّ أَوْ عَسَى لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لِأَنَّهُمَا لِلتَّرَجِّي، وَإِنْ قَالَ: أَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ أَوْ أُقَدِّرُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّكِّ، وَإِنْ قَالَ: خُذْ، أَوْ اتَّزِنْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: خُذْ الْجَوَابَ، أَوْ اتَّزِنْ شَيْئًا آخَرَ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهَا، أَوْ اتَّزِنْهَا، أَوْ هِيَ صِحَاحٌ.
فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَرْجِعُ إلَى الْمُدَّعِي، وَلَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَدَّعِيه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ بِأَخْذِهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْوُجُوبُ. وَالثَّانِي، يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْأَوَّلُ إقْرَارٌ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِإِقْرَارٍ.
وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِمَا لَا يَقْتَضِي رَفْعَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحَلَّ، فَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَفِي الثَّانِي بَدَأَ بِالشَّرْطِ فَعَلَّقَ عَلَيْهِ لَفْظًا يَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ وَيَصْلُحُ لِلْوَعْدِ، فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرَهُ سَوَاءٌ، فَيَكُونُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَجْهَانِ. .