الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنَا وَارِثُ صَاحِبِ الْحَقِّ]
(3765)
فَصْلٌ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا وَارِثُ صَاحِبِ الْحَقِّ. فَإِنْ أَنْكَرَهُ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِحَّةَ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هَاهُنَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَكَانَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، فَلَمَّا لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ.
وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي أَنَّهُ وَارِثُ صَاحِبِ الْحَقِّ، لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْحَقِّ، وَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِهَذَا الدَّفْعِ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ. فَأَمَّا إنْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أَحَالَنِي عَلَيْك صَاحِبُ الْحَقِّ. فَصَدَّقَهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعُ إلَيْهِ غَيْرُ مُبْرِئٍ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ الْمُحِيلُ فَيُنْكِرَ الْحَوَالَةَ أَوْ يُضَمِّنَهُ، فَأَشْبَهَ الْمُدَّعِيَ لِلْوَكَالَةِ. وَالثَّانِي، يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ لَا لَغَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ الْوَارِثَ. فَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ. لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ. لَمْ تَلْزَمْهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهَا. وَمِثْلُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[فَصْل طُلِبَ مِنْهُ حَقٌّ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ حَتَّى يُشْهِدَ الْقَابِضُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ]
(3766)
فَصْلٌ: وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ حَقٌّ، فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ حَتَّى يُشْهِدَ الْقَابِضُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، لَمْ يُلْزِمْهُ الْقَاضِي بِالْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَتَى ادَّعَى الْحَقَّ عَلَى الدَّافِعِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيَّ شَيْءٌ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَكَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ، كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ بِغَيْرِ جَعْلٍ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ، أَوْ يُخْتَلَفُ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ، كَالْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ مَا قَبِلَهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ، لِئَلَّا يُنْكِرَ الْقَابِضُ الْقَبْضَ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الدَّافِعِ فِي الرَّدِّ. وَإِنْ قَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. أَوْ إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْوَثِيقَةِ بِالْحَقِّ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْقَبْضِ تُسْقِطُ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى، وَالْكِتَابُ مِلْكُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى غَيْرِهِ.
[مَسْأَلَة شِرَاءُ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ]
(3767)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَشِرَاءُ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. نَقَلَهَا. مُهَنَّا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ جَوَازُ ذَلِكَ فِيهِمَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَا بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَزِيدَا عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ. وَالثَّانِي، أَنْ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ غَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ تَوَلِّي غَيْرِهِ النِّدَاءَ وَاجِبًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَبِيعُ، وَيَكُونَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ لِيَبِيعَهَا، وَهَذَا تَوْكِيلٌ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ؟ قُلْنَا: يَجُوز التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَالنِّدَاءُ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ بِنُفُوسِهِمْ. وَإِنْ وَكَّلَ إنْسَانًا يَشْتَرِي لَهُ، وَبَاعَهُ هُوَ، جَازَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَحَصَّلَ غَرَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: رضي الله عنه يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الشِّرَاءُ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] .
وَإِذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ بِأَكْثَر مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَقَدْ قَرِبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْأَبِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْأَبِ، فَكَذَلِكَ لِنَائِبِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ، فَحَمَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: بِعْهُ غَيْرَك.
وَلِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ، وَيَتَنَافَى الْغَرَضَانِ فِي بَيْعِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ. وَالْوَصِيُّ كَالْوَكِيلِ، لَا يَلِي بَيْعَ مَالِ غَيْرِهِ بِتَوَلِّيهِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ، بَلْ التُّهْمَةُ فِي الْوَصِيِّ آكَدُ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُتَّهَمُ فِي تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الثَّمَنِ لَا غَيْرُ، وَالْوَصِيُّ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ، وَفِي أَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مَا لَا حَظَّ لِلْيَتِيمِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَخْذُهُ لِمَالِهِ قُرْبًا لَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَرِكَتِهِ، وَقَدْ تَرَكَ فَرَسًا، فَقَالَ الْوَصِيُّ: اشْتَرِهِ؟ قَالَ: لَا. .
(3768)
فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي الْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ، كَالْحُكْمِ فِي الْوَكِيلِ، وَالْحُكْمُ فِي بَيْعِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ لِوَكِيلِهِ، أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ الطِّفْلِ يَلِي عَلَيْهِ، أَوْ لِوَكِيلِهِ، أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، كَالْحُكْمِ فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، أَمَّا بَيْعُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ، أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، فَذَكَرَهُمْ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِي جُمْلَةِ مَا يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِمْ وَجْهَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ، وَوَافَقَ الْعُرْفَ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِأَخِيهِ، وَفَارَقَ الْبَيْع لِوَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إنَّمَا يَقَعُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَبَيْعُ طِفْلٍ يَلِي عَلَيْهِ، بَيْعٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي