الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ مِنْ مُوَكِّلِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ شَرِيكًا إذَا ظَهَرَ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشَارِكُ رَبَّ الْمَالِ فِي الرِّبْحِ، لَا فِي أَصْلِ الْمَالِ، وَمَتَى ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ شِرَاؤُهُ كَشِرَاءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
[فَصْل اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ شَيْئًا]
فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ شَيْئًا، بَطَلَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَهَلْ يَصِحُّ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَتَتَخَرَّجُ الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْهُ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِلْكَ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الشَّرِيكَيْنِ فِي الطَّعَامِ، يُرِيدُ أَحَدُهُمَا بَيْعَ حِصَّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ: إنْ لَمْ يَكُونَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ عَلِمَا كَيْلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَيْلِهِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ مَبْلَغَ شَيْءٍ لَمْ يَبِعْهُ صُبْرَةً، وَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، جَازَ.
[فَصْل اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ دَارًا لِيَحْرُز فِيهَا مَال الشَّرِكَةِ أَوْ غَرَائِرَ]
(3691)
فَصْلٌ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ دَارًا، لِيَحْرُزَ فِيهَا مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ غَرَائِرَ، جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَقْلِ الطَّعَامِ، أَوْ غُلَامِهِ، أَوْ دَابَّتِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ غَيْرَ الْحَيَوَانِ، جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ الْحَيَوَانَ، كَمَالِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالْأُخْرَى، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهِ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَلَا يُمْكِنُ إيفَاءُ الْعَمَلِ فِي الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْ نَصِيبِ الْمُؤَجَّرِ، فَإِذَا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَالدَّارُ وَالْغَرَائِزُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا إيقَاعُ الْعَمَلِ، إنَّمَا تَجِبُ بِوَضْعِ الْعَيْنِ فِي الدَّارِ، فَيُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى الْمُضَارِب سِلْعَتَيْنِ فَرَبِحَ فِي إحْدَاهُمَا وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى]
(3692)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ، فَرَبِحَ فِي إحْدَاهُمَا، وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى، جُبِرَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ الرِّبْحِ)
وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُضَارِبِ أَلْفَيْنِ، فَاشْتَرَى بِكُلِّ أَلْفٍ عَبْدًا، فَرِبْحَ فِي أَحَدِهِمَا، وَخَسِرَ فِي الْآخَرِ، أَوْ تَلِفَ، وَجَبَ جَبْرُ الْخُسْرَانِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْأَلْفَيْنِ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَهُ ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهًا ثَانِيًا، أَنَّ التَّالِفَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ، وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ، كَانَ رَأْسَ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهُ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ أَنْ دَارَ فِي الْقِرَاضِ، وَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ، فَكَانَ تَلَفُهُ مِنْ الرِّبْحِ، كَمَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دِينَارًا وَاحِدًا، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا سِلْعَتَانِ تُجْبَرُ خَسَارَةُ إحْدَاهُمَا بِرِبْحِ الْأُخْرَى،
فَجُبِرَ تَلَفُهَا بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دِينَارًا، وَلِأَنَّهُ رَأْسُ مَالٍ، وَاحِدٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ فِيهِ رِبْحًا حَتَّى يَكْمُلَ رَأْسُ الْمَالِ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا.
فَأَمَّا إنْ تَلِفَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيمَا تَلِفَ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ الْبَاقِي خَاصَّةً وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّالِفَ مِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ الْأَلْفَانِ مَعًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَصِيرُ قِرَاضًا بِالْقَبْضِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَلَاكِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ الْبَاقِي، كَمَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ، وَشَرَعَ فِيمَا قُصِدَ بِالْعَقْدِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الرِّبْحِ.
فَصْلٌ: وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ مُضَارَبَةً، وَأَذِنَ لَهُ فِي ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوَّلِ، جَازَ، وَصَارَا مُضَارَبَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوَّلِ فِي شِرَاءِ الْمَتَاعِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ، فَكَانَ رِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ مُخْتَصًّا بِهِ، فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الثَّانِي فَسَدَ. فَإِنْ نَضَّ، الْأَوَّلُ، جَازَ ضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ لِزَوَالِ هَذَا الْمَعْنَى.
وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ضَمِّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْأَوَّلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَقْدِ، فَكَانَا عَقْدَيْنِ لِكُلِّ عَقْدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَلَا تُجْبَرُ وَضِيعَةُ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.
(3694)
فَصْلٌ: قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْمُضَارِبِ بِرِبْحٍ، وَيَضَعُ مِرَارًا. فَقَالَ: يَرُدُّ الْوَضِيعَةَ عَلَى الرِّبْحِ، إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ صَاحِبُهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، فَيَقُولُ: اعْمَلْ بِهِ ثَانِيَةً.
فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُجْبَرُ بِهِ وَضِيعَةُ الْأَوَّلِ، فَهَذَا لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، فَحَتَّى يَحْتَسِبَا حِسَابًا كَالْقَبْضِ، كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ قِيلَ: وَكَيْفَ يَكُونُ حِسَابًا كَالْقَبْضِ؟ قَالَ: يَظْهَرُ الْمَالُ. يَعْنِي يَنِضُّ وَيَجِيءُ، فَيَحْتَسِبَانِ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ قَبَضَهُ. قِيلَ لَهُ: فَيَحْتَسِبَانِ عَلَى الْمَتَاعِ؟ فَقَالَ: لَا يَحْتَسِبَانِ إلَّا عَلَى النَّاضِّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ يَنْحَطُّ سِعْرُهُ وَيَرْتَفِعُ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قِيلَ لِأَحْمَدَ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَوَضَعَ، فَبَقِيَتْ أَلْفٌ، فَحَاسَبَهُ صَاحِبُهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاعْمَلْ بِهَا. فَرَبِحَ؟ قَالَ: يُقَاسِمُهُ مَا فَوْقَ الْأَلْفِ. يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْأَلْفُ نَاضَّةً حَاضِرَةً، إنْ شَاءَ صَاحِبُهَا قَبَضَهَا.
فَهَذَا الْحِسَابُ الَّذِي كَالْقَبْضِ، فَيَكُونُ أَمْرُهُ بِالْمُضَارَبَةِ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ ابْتِدَاءَ مُضَارَبَةٍ ثَانِيَةٍ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ. فَأَمَّا قَبْلَ